مخيم نهر البارد .. تحديات ما بعد انتهاء العمليات العسكرية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مخيم نهر البارد .. تحديات ما بعد انتهاء العمليات العسكرية
مخيم نهر البارد.jpg

بقلم : فتحي كليب

/ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

بعد مضى ما يزيد عن شهرين على ازمة نهر البارد واقتراب ساعة الحسم العسكري، يتهيأ الفلسطينيون في لبنان بشكل عام وابناء مخيم نهر البارد بشكل خاص لدخول مرحلة جديدة وهي مرحلة إعمار المخيم وعودة نازحيه اليه، في ظل اجواء من القلق حول جدية الهيئات المعنية بالاسراع في عملية الاعمار..

ورغم ان الحكومة اللبنانية ممثلة برئيس وزرائها فؤاد السنيورة ورئيس لجنة الحوار الفلسطيني – اللبناني خليل مكاوي اضافة الى قيادة الجيش يحاولون تبديد المخاوف عن ابناء المخيم، بان عملية اعمار المخيم ستبدأ لحظة الاعلان عن انتهاء العمليات العسكرية، الا ان الكثير من المؤشرات والوقائع تجعل ما يزيد عن (35) الف نسمة عرضة لقلق دائم حول المستقبل الذي ينتظرهم.

هذه المخاوف لها ما يبررها انطلاقا من تجارب وازمات سابقة مشابهة لازمة مخيم نهر البارد وان اختلفت الظروف. ويمكن للمرء ان يتوقف عند بعض المؤشرات التي تجعل الفلسطينيين في حالة قلق على المستقبل:

1) فهناك ثلاثة مخيمات ما زال ابناؤها يعيشون مرارة التهجير حتى هذه اللحظة (النبطية، تل الزعتر وجسر الباشا)، بسبب اما رفض الدولة لاعادة بنائها واما نتيجة الاوضاع الداخلية اللبنانية.. وهناك واقعة ما تزال ماثلة امام الفلسطينيين وهي واقعة مخيم شاتيلا الذي جرى تدميره بشكل كامل خلال عامي 1986 -1987 ، ولم يتم بناؤه حتى هذه اللحظة، مما دفع بأبناءه الى البحث عن منازل بديلة في المخيمات الاخرى وفي معظم المناطق اللبنانية.

والنتيجة كانت ان نسبة سكان مخيم شاتيلا الاصليين لا تكاد تتجاوز 30 بالمائة من الحجم الفعلي للسكان والباقي يتوزعون على فلسطينيين ولبنانيين وعربا، مع كل النتائج السلبية المترتبة على مثل هذا الواقع.

2) تصريحات رئيس الوزراء اللبناني بان مخيم نهر البارد سيعاد اعماره من جديد بما في ذلك إنشاء شبكات مجار وشق طرق بشكل يختلف عن السابق وسيكون نموذجا للمخيمات الاخرى.. حيث سيكون للدولة البنانية تواجد امني داخله وسيمنع تواجد السلاح.. وهذا ما عاد واكده رئيس لجنة الحوار السفير خليل مكاوي بأن الدولة البنانية لن تسمح بعد اليوم بوجود سلاح داخل مخيم نهر البارد.

ولعل اخطر ما نقل على لسان مكاوي قوله: "لن يسمح للفصائل الفلسطينية المسلحة بدخول هذا المخيم الذي سيكون تحت سلطة الدولة اللبنانية وسيطرتها".

ومنذ بداية ازمة مخيم نهر البارد، ابدى الفلسطينييون كل تعاون مع الحكومة اللبنانية والجيش اللبنالني حيث ادانوا مجموعة "فتح الاسلام " ورفعوا الغطاء السياسي والشعبي عنها، وهو الموقف الذي كانت تريده الدولة.

لكن القول ان الدولة سترفض وجود فصائل مسلحة داخل المخيم فهو امر يحتاج الى الكثير من الملاحظات، ولن يفسر الا في اطار ان الدولة اللبنانية وبعد ان احكمت سيطرتها على المخيم تريد ان تفرض رؤيتها على الفصائل بقوة الامر الواقع.. وهو سبق لبعض قوى المعارضة وان تحدثت عنه في تحليلها لازمة نهر البارد وبأن الهدف هو تطبيق القرار 1559 وتمرير مشروع التوطين.

لذلك وكي لا يصبح الامر هكذا، لا بد من مناقشة هذه المسألة مع الفصائل الفلسطينية والوصول الى رؤية مشتركة لمعالجة هذه الاشكالية.

فالسلاح الفلسطينية مسألة تعني عموم الحالة الفلسطينية في لبنان وليس مخيم بعينه, وقد اثبتت التجربة الماضية انه من الخطأ اعتماد الشق الامني من الملف الفلسطيني كمدخل لمعالجة اوضاع الفلسطينيين في لبنان ، واختصار الأمر، برمته، وكأن المسألة تتعلق بمصير هذا السلاح وكيفية اعادة المخيمات تحت السيادة اللبنانية الكاملة.

ففي هذا المدخل تجاهل لقضايا اخرى لا تقل اهمية عن السلاح والتعتيم عليها، وفيه ايضا ما يعيد تقديم الوجود الفلسطيني في لبنان وكأنه مجرد حالة أمنية عاصية على القانون اللبناني، وكأن قضية سلاح المخيمات معزولة عن سياقها السياسي التاريخي، والراهن.

ان الفصائل الفلسطينية هي جزء من الشعب الفلسطيني ومن نسيجه الاجتماعي ولا يمكن الفصل بينها وبين شعبها وهناك الكثير من المداخل التي يمكن البدء بها في اطار معالجة الملف الفلسطيني سياسيا وامنيا واجتماعيا وبما يخدم مصلحة الطرفين بعيدا عن الاجراءات والتدابير الانفرادية التي قد تؤسس لاشكالات ليست في مكانها.

3) حديث بعض القوى اللبنانية عن رفضها اعادة اعمار مخيم نهر البارد من قبل الدولة اللبنانية، في الوقت الذي ترفض فيه اعادة المهجرين اللبنانيين الى الجبل وان للدولة اولويات اخرى تجاه اعمار منازل اللبنانيين الذيت تدمرت منازلهم في عدوان تموز 2006 .

وهنا يحاول هذا البعض الخلط بين اعمار القرى اللبناني التي تعتبر شانا داخليا لبنانيا خضع ويخضع للتجاذبات الداخلية على طرفي الموالاة والمعارضة وبين مخيم دمر نتيجة ازمة لا علاقة لفلسطينيين بها.

والاهم من ذلك ان رئيس الوزراء تعهد وبشكل علني اعادة اعمار المخيم من جديد.

والاهم من ذلك هو عدم صحة المقارنة بين القرى اللبنانية سواء التي تدمرت نتيجة حرب الجبل خلال فترة الثمانينات ونتيجة عدوان تموز الاخير وبين مخيم دمر نتيجة قتال بين الجيش اللبناني ومجموعات امنية لا تمثل الحالة الفلسطينية في لبنان.

ان مسؤولية الدولة عن اعادة اعمار مخيم نهر البارد تنبع من اعتبارها السلطة صاحبة السيادة على ارضها، لكن تمويل عملية الاعمار ستتجاوز الدولة اللبنانية كما قال السفير خليل مكاوي بأن التحضير لبناء مخيم نهر البارد بدأ منذ شهر عن طريق لجنة متخصصة بالاشتراك مع لجنة مؤلفة من شركة "خطيب وعلمي" وهيئة "الاونروا" و"البنك الدولي" والأمم المتحدة، حتى يعاد بناء هذا المخيم بالشكل اللائق، على أن يتم استخدام مساحة اكبر تفوق مساحة ما كان عليه المخيم الحالي".

ان التخوف الذي يبديه نازحو مخيم نهر البارد هو ان تتحول قضية اعمار المخيم الى ورقة سجالية محلية لبناني وبما يعرقل عملية اعادة الاعمار ويطيل من عمر الازمة. فقضية القريعة ما زالت شاهدة على النتائج التي قد تنجم عن مثل هذا التجاذب.

ففي قضية القريعة وبعد ان اقرت الحكومة في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري مبدأ اسكان المهجرين الفلسطينيين من مخيمات النبطية وتل الزعتر وجسر الباشا، ووقع الاختيار على قطعة ارض في منطقة اقليم الخروب (القريعة).

وبالفعل بدأت الاستعدادت الجدية للبناء، واعلنت الاونروا ان الحكومة الكندية تبرعت بمبلغ اربعين مليون دولار لهذه الغاية

وفيما كان المهجرون الفلسطينيون يتطلعون الى تلك الساعة التي يجدون بيتا يأويهم، هبت عاصفة اعلامية وسياسية واسعة من قوى لبنانية متعددة الاتجاهات سرعان ما اجتاحت لبنان رافضة المشروع بشكل كامل، تحت حجة ان هذا المشروع ليس سوى مقدمة لمشروع توطيني قادم.

ولم تهدأ تلك العاصفة التي هددت بنشوب ازمة وزارية، الا بعد بحث الموضوع في مجلس الوزراء اعلن في اعقابها رئيس الحكومة بأن هذه المشكلة احيلت الى لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك ميشال المر لدراستها بشكل جيد. وما زال المهجرون ينتظرون اجتماع هذه اللجنة منذ العام 1994 .

ان المدخل الرئيسي لانهاء ازمة مخيم نهر البارد هو البدء الفعلي باعداد الدراسات الجدية لعملية حول تكلفة الاعمار والمساحة المتوقع الاعمار عليها ومسح العائلات المتضررة وغير ذلك من الامور التقنية، وهذه مسألة قد تحتاج الى سنوات لانجازها وتتجاوز قدرات هيئة بعينها، وهو ما يعني ضرورة التنسيق الكامل بين الهيئات والمؤسسات المعنية بعملية الاعمار.

ووفق تقديرات اولية، فقد اشارت بعض المصادر الحكومية اللبنانية الى ان تكاليف إعادة بناء ما تهدم من مخيم نهر البارد قد تتجاوز أكثر من 150 مليون دولار، فيما قد ترتفع هذه التكاليف إلى 250 مليوناً بعد الكشف النهائي على الدمار الذي طال المخيم.

من الناحية النظرية، هناك هيئتان تعتبران معنيتان بشكل مباشر عن عملية اعادة الاعمار، فيما تلعب بعض دورا مساعدا في هذه العملية:

اولا: الدولة اللبنانية:

تتحدد مسؤولية الدولة اللبنانية ومؤسساتها من خلال التأكيد اولا بان عملية الاعمار ستتم في نفس مكان المخيم الذي تم تدميره وبما يتسع لجميع العائلات التي يزيد عددها على سبعة آلاف عائلة بعيدا عن التصنيفات بين مخيم جديد وقديم، فهذه تصنيفات استخدمت في سياق العمليات العسكرية ومن غير الجائز تثبيتها كواقع في عملية الاعمار، وهذا ما يقطع الطريق على جميع التحليلات القائلة بأن المخيم سيتم نقله الى مكان آخر في منطقة الشمال وهي تحليلات ليست بعيدة عن دائرة السجالات اليومية بين الحكومة وانصارها وبين المعارضة.

كما ان الدولة اللبنانية مطالبة باستمرار التعاون والتنسيق مع الفصائل الفلسطينية ومع النازحين ووضعهم في صورة التحضيرات القائمة لعملية الاعمار، بالاضافة الى التوافق حول خيارات السكن المطروحة.

فالنازحون سيحتاجون لمنازل مؤقتة بينما تتم اعادة بناء مخيمهم الذي أصابه الدمار.

وتدرس وكالة الغوث الحلول البديلة مثل السكن المؤجر والمساكن أو المباني المؤقتة التي يمكن تحويلها أو إعادة تأهيلها لاستخدامها كسكن وهي مسألة تحتاج حكما الى تنسيق مع النازحين انفسهم ومع الفصائل الفلسطينية.

ثانيا: وكالة الغوث:

قد تكون وكالة الغوث المؤسسة الاكثر عملانية في عملية الاعمار باعتبارها هيئة دولية اولا وتمثل القطاع العام الذي يوفر الخدمات الصحية والتعليمية والاغاثية للشعب الفلسطينية.

وقد بدأت الاونروا بإعداد الدراسات الميدانية عن تكلفة الاعمار بالتنسيق بين المؤسسات المعنية في الدولة اللبنانية وبعض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، ونقل عن مدير عام الاونروا في لبنان قوله: ان الأونروا اتفقت مع الحكومة اللبنانية على الاضطلاع بمهمة اعادة بناء المخيم ضمن محيطه الاصلي".

الى جانب ذلك تعتبر الاونروا معنية بشكل مباشر في اغاثة النازحين حتى عودتهم الى المخيم بعد اعماره وتأسيس صندوق خاص بذلك وحث الدول المانحة على الاسراع في زيادة مساهماتها وسد العجز في بعض الجوانب التي تتطلبتها عملية الاغاثة والخاصة بتحسين شبكات الصرف الصحي في ثمانية مخيمات وهي مبالغ انفقت على عملية اغاثة النازحين في مخيم البداوي.

وهو ما اكده مدير الاونروا بأن الوضع الطارئ أجبر الوكالة على تحويل بعض مواردها التي كانت مخصصة لمشاريع تهدف الى تحسين أحوال المعيشة في 12 مخيما للاجئين في لبنان يعيش فيها نحو 200 ألف شخص.

ثالثا: مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية:

انطلاقا من الوظيفة التي تلعبها منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، يتوجب على اللجنة التنفيذية للمنظمة بما تملكه من علاقات عربية ودولية أن توفر الدعم والإسناد بمختلف أوجهه السياسية والمادية والمالية من أجل ضمان إعادة الإعمار العاجل لمخيم نهر البارد وضمان عودة سكانه إليه..

وعلى أهمية الدور الذي يلعبه مكتب المنظمة في بيروت بالتعاون مع فصائل منظمة التحرير، فان الضمانات والالتزامات التي رئيس الحكومة اللبنانية بإعادة بناء مخيم نهر البارد ليست كافية لبث الطمأنينة في نفوس أبناء شعبنا وقيادته في لبنان، بل لا بد من مؤازرة المنظمة لجميع تحركات مؤسسات الدولة اللبنانية ووكالة الغوث لتصويب اية ثغرة قد تحصل في ميدان العمل الميداني، نتيجة لصعوبة وحراجة المرحلة الانتقالية التي يجتازها لبنان حالياً ومعه أيضاً مؤسسات الحكم فيه، ما يجعلنا نرجح خيار وضع المسؤولية عن إعادة اعمار البارد وتمكينه من إستعاد أهاليه بيد اللجنة التنفيذية من خلال علاقتها المباشرة مع قيادة م.ت.ف. في لبنان بما في ذلك السفارة الفلسطينية والممثل الرسمي للمنظمة.

خلاصة الامر ان قضية اعمار مخيم نهر البارد ليست مسألة تقنية تتعلق بالبناء فقط بل هي قضية سياسية تهم جميع الفلسطينيين في لبنان .

فمخيم نهر البارد هو ثاني اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد مخيم عين الحلوة، والاصرار على اعماره باقصى سرعة ممكنة ينبع من النظرة الى المخيم والوظيفة السياسية التي يمثلها كاحد عناصر بقاء قضية اللاجئين. واذا ما رجعنا الى الوراء قليلا، وتحديدا الى المرحلة التي اعقبت اللجوء الفلسطيني الاول الى الدول العربية المضيفة، نرى ان اطلاق صفة المخيم على التجمعات الفلسطينية التي اقيمت في تلك المرحلة لم يكن وليد الصدفة، بل ليكون شاهدا حيا على المأساة التي حلت بجزء كبير من الشعب الفلسطيني وعلى ديمومة القضية الفلسطينية من خلال المخيمات القائمة.

من هنا، فالمحافظة على المخيمات وتحسين بنيتها التحتية في وجه محاولات القضم التدريجي تحتل اهمية متزايدة في صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية لما تمثله هذه المخيمات من رمز لذلك..

وتعتبر مسألة انهاء المخيمات واحدة من اهم المسائل المجمع عليها اسرائيليا لتصفية قضية اللاجئين. فقد سبق لمركز يافا للدراسات الاستراتيجية في اسرائيل ان اصدر وثيقة هامة عام 1994 تتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين اعدها الباحث الاسرائيلي المعروف شلومو غازيت، الذي سبق وان شغل منصب رئيس الاستخبارات الاسرائيلية.

ودعت هذه الوثيقة الى الغاء المخيمات الفلسطينية وتوفير مبان جديدة للاجئين تمهيدا لاستيعابهم في الدول المضيفة.

لذلك، فان الحديث عن مخيم نموذجي او تحسين اوضاع بعض المخيمات الاخرى يجب ان يصب في خانة صيانة الهوية الوطنية للفلسطينيين في لبنان وبما يعزز صمودهم في مواجهة مشاريع التوطين والتشتيت والبعثرة.

وأي مشروع "تنموي" يؤدي بشكل او بآخر الى الغاء المخيمات او قضم اجزاء منها، فسوف يشكل ضربة قوية لواحدة من اهم الركائز التي تستند اليها قضية اللاجئين، وبما يضعف الركائز الثلاث التي تجسد مرجعيتها القانونية والسياسية.

المصدر