محمد محمود الصوّاف.. الداعية المجاهد

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
محمد محمود الصوّاف.. الداعية المجاهد
(1333 ـ 1413هـ = 1915 ـ 1992م)

توطئة

2003-19-04

كان من بركة الإمام حسن البنا وصدق إخلاصه أن ترك وراءه جماعةً من الأفذاذ حملوا دعوة الإسلام نقيةً صافيةً، وأودعوها بين الناس، وتحملوا عبئها عن حب وشوق، ورغبة في الثواب، ومن عظمة الإمام الشهيد أن تجمع حوله من الأتباع والتلاميذ مالم يجتمع لأحد في عصره، ولم تجمعهم إلا رابطة الأخوّة في الدين، فهذا من الشام، وهذا من العراق، وهذا بين المغرب، ويتعجب المرء كيف يمكن لأحد أن يجمع كل هؤلاء تحت لوائه؟، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولم يكن الذين التفوا حول "البنا" من أغمار الناس فحسب، بل كان منهم من يشار إليه بالبنان في العلم والذكاء والفضل، فهو معلم الأساتذة، وصانع المصلحين وهذا سر عظمة الإمام الشهيد، فلم تنقطع الدعوة بموته، ولم تمت جماعته باستشهاده، وحملها تلاميذه البررة، وكان الشيخمحمد محمود الصوّاف واحدًا من هؤلاء البررة.

محمد محمود الصوّاف في سطور

ولد في مدينة الموصل سنة 1333هـ= 1914م.

تلقى تعليمه في المدارس الدينية بالموصل.

بعد تخرجه من المدرسة الفيصلية اشتغل بالتعليم في المدارس الابتدائية.

رحل إلى القاهرة والتحق بالأزهر، واستطاع أن ينال شهادة العالمية في نصف المدة المقررة، وكان ذلك موضع إعجاب الأوساط العلمية.

وفي القاهرة اتصل بحركة الإخوان المسلمين وتأثر بمنهج حسن البنا.

بعد رجوعه إلى بلاده قام بنشاط وافر ضد الإنجليز، وعمل مدرسًا بكلية الشريعة ببغداد.

تولى في العراق منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالعراق.

غادر العراق بعد قيام ثورة عبد الكريم قاسم؛ نظرًا لسيطرة الشيوعيين على مقاليد الأمور وتضييقهم على دعوة الشيخ الصوّاف.

استقر في مكة وعمل بكلية الشريعة، واختاره الملك فيصل ليكون مبعوثًا خاصًا له إلى كثير من الملوك والرؤساء.

أعطى القضية الأفغانية معظم وقته.

ترك الشيخ مؤلفات كثيرة.

توفي الشيح سنة 1413هـ = 1992م.

المولد والنشأة

ولد الشيخ محمد محمود الصوّاف في مدينة الموصل العراقية في (غرة شوال 1333هـ = 12 من أغسطس سنة 1914م)، ونشأ في بيت علم وجهاد، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، فدفع به وهو لا يزال طفلاً إلى المدرسة الابتدائية الأهلية بالجامع الكبير بالموصل، ثم انتقل إلى مدارس المساجد التي يشرف عليها العلماء، ونجح في هذه الفترة المبكرة أن يحفظ القرآن الكريم كاملاً، وأن يتعلم مبادئ القراءة والكتابة ومقدمات العلوم، ودرس النحو والسيرة النبوية على يد الشيخ صالح الجهادي، ثم انتقل إلى المدرسة الفيصلية الدينية، التي أسسها علامة الموصل الشيخ عبد الله النعمة، وكان رجلاً صالحًا صاحب دعوة، زانها خلق كريم وأدب رفيع، فترك ذلك أثره في نفس التلميذ الناشئ وفي تكوينه الفكري، وفي هذه الفترة اتصل بالشيخ محمد الرضواني شيخ الموصل، ولازمه لفترات طويلة، فكان يبدأ معه يومه بصلاة الفجر التي يعقبها ذكر لله وتحميده وتمجيده حتى قرب مطلع الشمس، حين ينصرف الشيخ إلى تلاميذه الذين ينتظرون درسه.

وبعد أن أنهى الشيخ دراسته بالمدرسة الفيصلية نال إجازتها، وتخرج في الفوج الأول من طلابها سنة(1355هـ =1936م)، ولم يلبث أن عين معلمًا في بعض دراسته، فاستقال من الوظيفة وشد الرحال إلى القاهرة.

الصوّاف في القاهرة

التحق الشيخ الصوّاف بعد قدومه إلى القاهرة سنة (1363هـ= 1943م) بالجامع الأزهر طالبًا بكلية الشريعة، ودفعته همته العالية أن يختصر سنوات الدراسة الست في ثلاث، فنجح في الحصول على عالمية الأزهر في سنتين بدلاً من أربع، وعلى شهادة التخصص في سنة واحدة بدلاً من سنتين، وكان نظام الأزهر يسمح بذلك، ويعطي للنابغين والمجتهدين أن يختصروا السنوات ما دامت ملكاتهم تعينهم على ذلك، وتحصيلهم الدراسي يمكنهم من هضم المناهج الدراسية في نصف المدة المقررة على الدراسين. وكان لهذا الإنجاز حديث مدوي بين أوساط العلماء، وتناقلته بعض الصحف، وبلغ من تقدير الإمام الأكبر الشيخ المراغي أن قال للصواف: لقد فعلت يا بني ما يشبه المعجزة، وسننت سنة في الأزهر لم تكن".

الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين

في الفترة التي قدم فيها الصوّاف إلى القاهرة كانت عاصمة المعز تموج بنشاط جماعة الإخوان المسلمين، وكان مرشدها حسن البنا ملء الأسماع والأبصار، والناس حوله أينما ذهب، والجماعة تنتقل من ظفر إلى ظفر، حتى لا يكاد يخلو بيت في مصر من فرد ينتمي إلى جماعة الإخوان.

واسترعت هذه الجماعة انتباه بعض طلاب العرب الذين يدرسون بالجامع الأزهر، وجذبهم نشاطها وحركتها الواعية، وشخصية الإمام البنا، فانضم بعضهم إلى الجماعة وصاروا من دعاتها، وكان الشيخ الصوّاف واحدًا ممن جذبتهم حركة الإخوان، فأقبلوا عليها، وانضموا إليها؛ لما رأوا فيها من رغبة في الإصلاح، وعودة إلى الدين في منابعه الصافية، وشارك في تأسيس قسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالتعاون مع عبد الحفيظ الصيفي من مصر، والفضيل الورتلاتي من الجزائر، وإسماعيل مندا من إندونيسيا، وتولى بعد عودته إلى بلاده منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالعراق.

العودة إلى العراق

عاد الشيخ الصوّاف إلى بلده مزودًا بالعلم الذي تلقاه في قاعات الجامعة الأزهرية العتيدة، وبفكر جديد وقدرة على الحركة بين الناس والتأثير فيهم اكتسبها من اتصاله بجماعة الإخوان.

وما أن استقر في الموصل حتى اشتغل بالعمل الشعبي والتوجيه الإسلامي في المساجد والجمعيات، فانضم إلى جمعية الشبان المسلمين، وأنشأ جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسس مع الشيخ أمجد الزهاوي علامة العراق جمعية الأخوة الإسلامية، وكانت منطلقًا للدعوة الإسلامية في العراق، وتحت لوائها عاش الشباب المسلم، وتمرس بمعاني الدين الحق، وأصدر مجلة الأخوة الإسلامية؛ لتكون وسيلة لبث الوعي الإسلامي الصحيح، وظلت تصدر عامين، حتى أوقفت في عهد حكومة نوري السعيد، ولم يقف الأمر عند توقف المجلة، بل ألغيت الجمعية كذلك، وتعرض الشيخ النشط للسجن.

دعوة وجهاد

عمل الشيخ مدرسًا بكلية الشريعة في الأعظمية ببغداد، مفضلاً العمل في ميدان التعليم عن الاشتغال بالقضاء، الذي يحقق لصاحبه المنصب والجاه، ولم يكن الشيخ من أولئك المعلمين الذين تنقطع صلاتهم بمن حولهم مكتفين بما يدرسونه في قاعات العلم، بل كان رجلاً مجاهدًا مصلحًا ومربيًا معلمًا، يلقي دروسه بين طلابه، وفي الوقت نفسه يقود المقاومة الشعبية ضد الإنجليز المحتلين، ويحرك المظاهرات الصاخبة، ويلقي بخطبه النارية التي تلهب المشاعر وتأجج العواطف، وكان من شأن ذلك أن يتعرض للسجن، وأن يمنع عن العمل في الكلية.

وملكت قضية فلسطين كل وقته حركة ونشاطًا، فأسس "جمعية إنقاذ فلسطين" مع جماعة من المجاهدين الذين يعملون لصالح قضيةفلسطين، وقامت الجمعية بجمع الأموال، وتجهيز المتطوعين وتدريبهم على فنون القتال، وقامت هذه الجمعية المباركة سنة (1373هـ = 1953م) بالدعوة إلى مؤتمر القدس للعمل على تضافر الجهود الرسمية والشعبية، وقد حضر هذا المؤتمر مجموعة كبيرة من أئمة العلم والفكر في العالم الإسلامي من أمثال علي الطنطاوي، وسيد قطب، ومحمد أمين الحسيني، ومصطفى السباعي، وقد انتدب المؤتمر كلاً من الشيخ الصوّاف، وأمجد الزهاوي، وعلي الطنطاوي للطواف بالعالم الإسلامي، وشرح قضية فلسطين، وتوحيد الجهود لتحريرها.

وكانت مساهمات كبيرة في تجهيز ثلاثة أفواج من المتطوعين بكامل أسلحتهم شاركت في حرب سنة 1948م، ودخلت فلسطين مع كتائب الإخوان المسلمين من مصر وسوريا والأردن، وكان لها دور مؤثر في قتال اليهود بفلسطين.

محنة السجن والخروج من البلاد

قامت ثورة 1958م في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم، وسيطر الشيوعيون على مقاليد الأمور في البلاد، وبدأوا يضيقون الخناق على دعوة الشيخ الصوّاف، ويقاومون حركته، وانتهى بهم الحال إلى تلفيق التهم له، ونشر الشائعات ضده، ثم قاموا بإغلاق المجلة التي كان يصدرها باسم "لواء الأخوة الإسلامية" والقبض عليه، وسجنه مع عدد من رجالات العراق الكرام مثل اللواء محمود شيث خطاب.

وبعد خروجه من السجن لم يكف خصومه عن ملاحقته ومحاولة اغتياله، فاضطر إلى مغادرة بغداد في سنة (1379هـ = 1959م) في مغامرة جريئة محفوفة بالمخاطر حتى بلغ الحدود السورية، واستقبل في حلب ودمشق استقبالاً حافلاً، ثم اتجه إلى المملكة العربية السعودية، واستقر بمكة حيث عمل مدرسًا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وعرف القائمون على الأمور فضله وعلمه، فاختير عضوًا بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وفي المجلس الأعلى للمساجد، والمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي.

مبعوث الملك فيصل

ولم يقف نشاط الشيخ الصوّاف على القيام بالتدريس، بل انتدبه الملك فيصل بن عبد العزيز للعمل معه، مبعوثًا من قبله إلى ملوك المسلمين ورؤسائهم؛ للتذكير والتبليغ وجمع كلمة المسلمين، وكان الملك فيصل له قدرة على اختيار الرجال الأكفاء الذين يحسبون ما يعملون، وقد نهض الشيخ الجليل بهذه المهمة على خير وجه، وطاف أكثر من خمس سنوات، وقد أثمرت هذه الجهود المباركة عن تكوين منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد سجل الشيخ الصوّاف هذه الرحلات في كتاب كبير تحت اسم "رحلاتي إلى الديار الإسلامية".

مع المجاهدين الأفغان

وفي السنوات العشر الأخيرة من عمره أنفق معظم وقته في خدمة الجهاد الأفغاني الذي ملك عليه نفسه، وصار قضيته الأولى، وسخر لها كل طاقاته، داعيًا الأمة الإسلامية إلى مؤازرة المجاهدين والوقوف إلى جانبهم ومعاونتهم.

وحين ظهرت بذرة الخلاف بين فئات المجاهدين وقاداتهم بادر الشيخ الحكيم إلى وأد الفتنة قبل أن تستفحل، وكانت مواعظه وكلماته المؤثرة العامرة بالإيمان تنزع السخائم من الصدور، وتعين على نماء علاقات الود والصفاء بين المتخاصمين من زعماء الجهاد.

مؤلفات الشيخ

لم تشغل أعمال الشيخ ورحلاته عن الإمساك بالقلم ووضع المؤلفات، وكان الله قد أعطاه بسطة في العلم والجسم، فترك مؤلفات كثيرة، منها:

أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب، وطبعته دار الاعتصام بالقاهرة سنة 1402هـ.

المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، وطبع بمكة المكرمة سنة 1384هـ.

معركة الإسلام، أو وقائعنا في فلسطين بين الأمس واليوم، وطبع بمكة سنة 1389هـ.

من سجل ذكرياتي. وطبع بدار الخلافة بالقاهرة سنة 1407 هـ.

نداء الإسلام. وطبع بعمان سنة 1382م.

بين الرعاة والدعاة، وطبع بالقاهرة في دار الاعتصام سنة 1399هـ .

صفحات من تاريخ الدعوة الإسلامية في العراق، وطبع بالقاهرة في دار الاعتصام 1401هـ.

تعليم الصلاة. وطبع في بيروت والقاهرة مرات كثيرة.

العلامة المجاهد أمجد الزهاوي شيخ علماء العراق المعاصرين، وطبع بالقاهرة في دار الاعتصام سنة 1408هـ.

عدة المسلمين في معاني الفاتحة وقصار السور من كتاب رب العالمين، وطبع بجدة سنة (1388هـ).

وفاة الشيخ محمد محمود الصوّاف

توفي الشيخ يوم الجمعة الموافق (13 من ربيع الآخر سنة 1413هـ = 11 من أكتوبر 1992م) في مطار استانبول حيث كان ينتظر الطائرة التي تقله إلى مكة المكرمة، وقد نقل جثمانه ودفن في مقابر المعلاة بمكة، بجوار قبر الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير.

أهم المراجع

محمد المجذوب ـ علماء ومفكرون عرفتهم ـ دار الاعتصام ـ القاهرة ـ 1986م.

عبد الله العقيل ـ من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة ـ مكتبة المنار الإسلامية ـ الكويت ـ 1422هـ = 2001م.

محمد حيدر رمضان ـ تتمة الأعلام للزركلي ـ دار ابن حزم ـ بيروت ـ 1418هـ = 1998م.

المصدر