محمد فتحي علي شعير
محتويات
هذا الكتاب
ثبت لوثائق(الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين )كبرى الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري,سجلها المؤلف بعد جهد ملموس وبعد بحث وتدقيق في أوراق مرت بها عواصف من المحن وتيارات شديدة ومتغيرة , فقد بدأ نشاط هذه الدعوة بعد أن تم للاستعمار احتلال عالمنا الإسلامي بكل أجزائه ,ما عدا قلب الجزيرة العربية ومكة المكرمة والمدينة المنورة وما تبع ذلكم القضاء على الخلافة الإسلامية , عندئذ شاء الله تعالى أن يظهر ذلك المجدد الملهم الإمام البنا رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما قدمت يداه , فقدم للعالم الإسلامي أمثال هذا المؤلف الذي عاش حياته ومنذ نعومة أظفاره في بيت مسلم كريم , وكان لقرب سكنه من المركز العام للإخوان المسلمين الأثر الكبير في التزامه وتخلقه بخلق أبناء الدعوات , وكان وفيا حين وجد الفرصة الطيبة في الالتحاق بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية ـ قسم الإعلام ـ وكان أمينا حين فكر وأقدم على بحثه ورسالته التي يفتقر إليها الشباب فيتأسى بذلك الجهد وبتلك المثل الرائدة التي بنيت على المفهوم الصحيح للإسلام .
فهذه الرسالة ليست بغريبة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض , والتي تميزت بإبراز التراث الإسلامي والعلوم الإسلامية نقية بعيدة عن الشبهات والبدع ـ تقدمه إسلاما شاملا قويا كما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم .
وإذ نسجل هذا الجهد الكريم للمؤلف , نسجل أيضا للجامعة يقظة القائمين عليها واهتمامهم بجهود الباحثين وتشجيعهم .
ولا يفوتنا أن نسجل للإمام البنا مؤسس هذه الجماعة ما قاله في إحدى رسائله :
( إن تكوين الأمم وتربة الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور :
إدارة قوية لا يتطرق إليها ضعف , ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر , وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل , و معرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له , يعصم ما الخطأ فيه و الانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره .. على هذه الأركان التي هي من خصوص النفوس وحدها وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا ).
على تلك الركائز الثابتة .. والدعائم القوية التي أبرزها وحددها الإمام البنا رحمه الله , تقوم الأمم والشعوب القوية .. وبها تنهض وتتقدم .. , وعليها أيضا كانت البذرة التي رماها في أرض مصر ـ قد أتت أكلها بإذن ربها , وآثارها تدل عليها في كل موقع إسلامي , بوسائل الإعلام التي أنتجتها هذه الجماعة الكبرى , وكانت ( الصحوة ) الإسلامية الواعية والتي يحملها جيل لا يعرف وطنا ولا جنسا إلا (الإسلام) جيل يطالب في كل موقع بتطبيق الشريعة الغراء العلاج الحاسم لكل مشكلات الحياة وأمان لما بعد الموت يوم لا ينفع مال ولابنين إلا من أتى الله بقلب سليم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
الإهداء
إلى من أخذ ببيدي إلى طريق الحق
والراحل على شعير
والإمام المجدد حسنالبنا
عليهما رحمة الله ورضوانه
وجزاهما الله عني خير الجزاء ,
محمد فتحي عل شعير
.. الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والصلاة والسلام على رسول اله ومن والاه .. وبعد :
فمن الأمور التي تقر بها العين ويسعد لها القلب وتظل مصدر سرور وانشراح للنفس أن يرى المسلم عملا صالحا يبدأ نبتة صغيرة تنمو وتكبر حتى تستغلظ وتستوي على سوقها , وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها . وهذا ما حدث لتلك الدعوة المباركة التي بدأت شعورا فياضا في نفس الطالب حسن أحمد عبد الرحمن البنا آنذاك حينما كان يخطو مراحل تعليمه المبكر في قريته المحمودية الواقعة في شمال الدلتا بمديرية البحيرة من مصر في العشرينيات من القرن العشرين (الأربعينيات من القرن الرابع عشر الهجري ).. تلك الفترة التي وقعت فيها الحوادث الجسام من احتلال العالم الإسلامي كله والإحاطة به إحاطة السوار بالمعصم ما عدا قلب الجزيرة العربية و[[مكة]] والمدينة حماهما الله , واقتطاع فلسطين .. ثم إلغاء الخلافة , وما تبع ذلك من إعلان للمادية والإلحاد في حضارة الخلافة وحرمان الأتراك من اللغة العربية كتابة وتلاوة وأذانا وإحلال القوانين اللاتينية محل القوانين الإسلامية وما تلي ذلك من أمور يذوب لها القلب ويشيب لها النواصي .
في هذا الجو وف أعقاب تلك الحوادث أنهى الإمام حسنالبنا عليه رحمة الله تعليمه العالي في دار العلوم وبدأ مسيرته على نحو ما يعرفه القاصي والداني .. نعم بدأ مسيرته التجديدية الهائلة بتجديد نفوس الأمة التي أضعفها ما ران عليها من أمراض الجهل و الأس والاستبعاد .
لقد قدم لها نور الوحي طريا لم يشب , وأخذ بيدها إلى مائدة الإسلام من جديد , وطلب إليها أن تطلب نفسها بهداه , وترتشف من ورائه على نحو ما جاء في التنزيل الحكيم (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)
نادى فيها والمعاول الهدامة تحاول أن تأتي على البنيان من القواعد , وقوى التنصير,والتخريب قد أصبح لها في داخل العرين منابر ومؤسسات تحميها حراب المحتلين, وسطوة المغيرين، وخبث الدهاة الماكرين.. ويالها من ملحمة هائلة عظيمة بدأها ذلك الإمام المخلص من مدينة [[الإسماعيلية]] حيث شركة قناة السويس ، والقاعدة العسكرية الضخمة لجيش الاحتلال الانجليزي.. بدأها من على مقاهي تلك المدينة واستجاب له العمال الكادحون والموظفون الصغار، وبهم بدأ مسيرته.. وإذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه وأعان عليه..
والرسالة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم صفحة حين من هذه الملحمة الكريمة، وتجربة رائدة في هذا الميدان العظيم، ميدان أحسن القول وأصدقه" ومن أحسن قولا منن دعا إلى الله معمل صالحا وقال إنني من المسلمين".
وفرق كبير بين أن ترى تاريخا يصنع وأمة تستيقظ وكتائب تزحف وشبابا يملأ الساحات ويسد الثغرات ويلبي نداء العمل والجهاد، وتاريخا ليس منه إلا حظ الرواية ومتعة السرد.. ويريد الله عز وجل أن تكون منحة الله ونعمته على صاحب هذه الرسالة ألا وهو الأستاذ محمد فتحي على شعير أن يكون والده عليه رحمة الله من الرعيل الأول الذي نشأ في هذه الدعوة وتربى في رحابها وحلقاتها وميادينها العلمية، وأن يكون حظ كاتب الرسالة أن يشهد بعقل الفتى الصغير وقلبه الغض مؤسس هذه الدعوة مدرسا له ومعلما في مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم يكبر وينمو في حي ملاصق لمقر هذه الدعوة في القاهرة، فهو على بعد أمتار من الحلمية الجديدة التي كان بها المركز العام للجماعة والذي منه كانت تدار أمورها، وكانت أقسام النشاط فيه بمثابة القلب الحي الذي يمتد كل شعبها بالحياة والعمل. ويريد الله عز وجل أيضا لكاتب هذه الرسالة أن يشهد سنوات الخصب والنماء للدعوة بكل مؤسساتها التربوية والإعلامية وهو طالب يخطو مراحل التعليم المتوسط والثانوي والعالي.. فهو إذا شاهد حي بنفسه وحسه ووجدانه، فقد صنعته الدعوة ونشأته تنشئتها الصالحة، وساهم على قدر جهده ووسعه في أنشطتها ورأى هو بصماتها في كل التحولات والإصلاحات التي عملتها، ولا ينبئك مثل خبير.. وتمر الأيام والسنون، وإذا بالفرصة تسنح لكاتب الرسالة أن يدرس الإعلام في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض فلا يجد إلا أن يقدم تلك الصفحة المشرقة في جانب من جهاد تلك الدعوة المباركة ألا وهي تجربتها الرائدة في مجال وسائل الإعلام المطبوعة.. وما كان لمتخرج مثله في كلية الزراعة أن يقدم على هذا العمل ويتحمل تبعاته ويصبر على جمع مادته المتناثرة هنا وهناك خاصة بعد المحن القاسية التي نزلت بالجماعة وما تعرضت له وثائقها ودورياتها من الإتلاف والضياع. أقول ما كان له ذلك لولا حبه وإخلاصه ودأبه وجهاده ومثابرته، وما هيأ الله عز وجل من افتتاح ذلك المعهد الكريم في تلك الجامعة الشابة التي قامت على إرث الإسلام والدعوة الإصلاحية الكبرى ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله..
ولم يكن من السهل علاج موضوع " وسائل الإعلام في دعوة الإخوان المسلمين " من غير تحديد مكان الإعلام الإسلامي في عالمنا المعاصر من حيث الخصائص والأهداف والوسائل ما دمنا نريد أن نقيم ونزن وسائل الإعلام في دعوة إسلامية.. وإلى أي مدى كانت صورة لذلك الإعلام؟ وهل حققت الأهداف وتمتعت بالخصائص؟ وقد جلى كاتب الرسالة في مقدمته ذلك الجانب.. ثم جاء إلى العصر الذي نشأت فيه هذه الدعوة، وقدم خاطرة فكرية للقضايا التي كانت تشغل الساحة الإسلامية فبين: كيف نشط دعاة الإلحاد والعلمانية، ومن جاءوا تحت حراب المحتل في زى الدين لينصروا المسلمين، ومن زلت أقدامهم من أبناء جلدتنا ودعوا إلى التغريب والتبعية لأوربا، ثم ما حدث من انتشا حمى التقليد في جوانب الانحلال والفساد وفي نقل صور الفن الرخيص والابتذال الوضيع..، وكانت خاتمة المآسي لتلك الحقبة إلغاء الخلافة في تركيا وما تبعه من ردة وضياع ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وقد بين الوجه الآخر للجهاد المبارك الذي واجه تلك الهجمات الشرسة فبين دور العمل الإسلامي الذي سبق ظهور تلك الدعوة المباركة ممثلا في العلماء العاملين أمثال الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ مصطفى صبري والأديب مصطفى صادق الرافعي والكاتب الألمعي السيد محب الدين الخطيب عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه، وقد عرض لدور "المنار" و "الفتح" .. ثم للجمعيات الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك، ودلف من ذلك الفصل الممتع إلى مؤسس الدعوة وربانها الإمام حسنالبنا مستعرضا الملامح الرئيسية لشخصيته وعبقريته في الدعوة والعمل.ز ، ثم الجماعة ونشأتها ونموها.. ثم دورها في قضية فلسطين..
وبذلك يكون الباحث قد وضعك أيها القارئ الكريم في مسيرة التاريخ وأحداثه وقضاياه فكأنك تشاهده متحركا حيا، وقد ختم هذا الفصل بالمحن التي نزلت بالجماعة من جراء دسائس القصر والانجليز وخوفهم من المد الإسلامي المتصاعد ثم ما كان من الضغط الاجتماعي والخوف من أن ينفلت الزمام فكان التقرب إلى الشعب وخروج الجماعة من محنتها وعودتها إلى مزاولة دورها. ولكن ما تلبث الأمور أن تتحرك بسرعة ويأتي انقلاب الجيش في سنة 1952م (1371هـ) والجماعة تملأ الساحة وتباشر دورها في جميع المجالات وخاصة الضغط على المحتل لأن يرحل ويجلو.. وتدخل الجماعة في مرحلة جديدة من ضباط الانقلاب نصحا في الخير وتعاونا على البر والتقوى، ولكن شهوة الاستئثار تأبي إلا أن تتحكم وتطغى على حقوق الأمة والمصلحة العامة فينقلب صباح الأمة ظلاما ويعصف الاستبداد والظلم والقهر بكل الأخلاق النبيلة وكل قيم العدالة والكرامة الإنسانية، ويتحول ذلك الوطن إلى سجن كبير لا يسمع فيه إلا حديث المآسي ومصائب الأسر واللوعة والحسرة على استشهاد العلماء المجاهدين والأحرار، ومن كانت تسد بهم الثغور ويرهب بهم أعداء الله، وتقف خلفهم الأمة كالبنيان المرصوص.. وإلى هذه النقطة من البحث يكون الباحث قد قدم الأرضية الكاملة والفكرة العامة للميادين التي ستغطيها وسائل الإعلام ويبدأ فيعطيك نوعا من التوجيهات التي كان يبعث بها المركز العام إلى الشعب حول الاهتمام بمضمون الرسائل والبعد عن الجانب التجاري على نحو ما تعرض له في الباب الثاني، وقد عرض نماذج من هذه الكتب والرسائل والتي لا زالت تزخر بها المكتبة الإسلامية إلى اليوم والحمد لله من أمثال التشريع الجنائي الإسلامي للشهيد عبد القادر عودة ووسائل الإمام الشهيد وتذكرة الدعاة والإخوان في حرب فلسطين إلى غير ذلك مما أثمرته قرائح الإخوان..
ويدخل بعد ذلك إلى الصحافة وما أدراك ما الصحافة، وما تحتاجه من جهد جهيد وعمل متواصل وخاصة إذا كانت ستقوم عليها جماعة ناشئة فقيرة في المال والإمكانيات، وتأخذ اتجاها جديدا يخالف التيار الإلحادي والغربي السائد في أهدافه وأفكاره وآرائه، فلا تقبل إعلانات الفنون المبتذلة ولا الآراء الدخيلة ولا تمد يدها لإعلانات مشبوهة، ويبدأ معك الباحث قصة هذا الجهاد عبر المجلات المجاهدة مثل "الفتح" التي كان يصدرها المجاهد المقدام السيد محب الدين الخطيب عليه رحمة الله والتي كانت أول منبر صحفي يكتب فيه الإمام الشهيد مقالاته عن الدعوة ثم "مجلة الشبان المسلمين" .. ثم يتطور العمل فتكون جريدة الإخوان المسلمين ثم النذير والمنار.. وهذا كله في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.. ثم تأتي المرحلة الثانية أثناء الحرب العالمية الثانية فتستأجر الجماعة مجلات النضال، والشعاع، والتعرف.. ثم تصدر مجلة "الإخوان المسلمين" .. ثم تكون قمة العمل الصحفي والقفزة الهائلة بصدور جريدة " الإخوان المسلمين " اليومية .. ثم يكون التنوع الصحفي فتصدر مجلة "الكشكول الجديد" للعناية ببعض الأمور الطارئة ثم تصدر المجلة العلمية الشهرية "الشهاب" لتخلف "المنار" .. ويمضي بك الباحث ليصحبك عبر الفترات التاريخية المتلاحقة.. محنة تتوقف فيها حركة المطابع ويمنع فيها الدعاة.. ثم منحة تعود فيها أقلامهم تسطر الخير وتبلغ دعوة الله.. وهنا يرصد الباحث هذه المجلات عبر هذه الفترات المتعددة من حيث المواضيع والأحداث والقضايا التي عالجتها والتي كان يموج بها العالم الإسلامي بعامة ومصر بخاصة، وهنا يضع يدك على أهمية الصحافة التي تعبر عن أشجان الأمة وآلامها، والتي تتخطى الحدود الجغرافية إلى حيث أمة الإسلامي أينما كانت وحيثما تكون مع العلاج الواعي لكل هذه القضايا والأحداث، ولا ينسى أن يقدم لك صحافة الأفراد من الإخوان أيضا كجريدة "منبر الشرق" الأسبوعية ومجلة "المسلمون" الشهرية.
لقد أسعدني هذا البحث وأنا أرقبه مخططا على صفحات، وأمتعني وأنا أتابعه فصولا يأخذ بعضها بحجز بعض، ثم عملا متكاملا موثقا بملاحق وبيانات فجاء بحمد الله مستوفيا كل شروط البحث العلمي ومستلزماته .
والله أسأل أن يجزي الباحث الفاضل الأستاذ محمد فتحي على شعير خير الجزاء على بلائه وجهاده، وأن ينفع العاملين في هذا الميدان الهام، ويتقبلنا وإياه في عباده الصالحين.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
دكتور أحمد محمد العسال
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد.
فإن قضية الإعلام بأبعادها الواسعة مؤسسة على الأصول التي قامت عليها رسالات الأنبياء من جهة، وعلى ما أبدعه العقل البشري في هذا المجال من جهة أخرى.
ومن خلال دراستي للإعلام بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أحببت أن أسهم بجهدي المتواضع في هذه القضية الهامة، فاخترت تجربة حية تجسدت فيها قضية الإعلام الإسلامي في عصرنا الحاضر، ألا وهي الإعلام في دعوة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية الحديثة.
ولما كانت هذه التجربة الحية ستضعنا- بعون الله- على أرض الواقع فنرى إيجابياتها المشرقة، وندرك العقبات والمشكلات التي واجهتها، وهذا مما لا شك فيه إثراء لتلك القضية الهامة، وتحديد للأبعاد الكبيرة التي ينطوي عليه موضوع الإعلام الإسلامي المعاصر، فقد توكلت على الله وباشرت هذه الدراسة التي أخذت مني جهدا كبيرا أسأل الله عز وجل أن يجعله في الميزان الخالد يوم نلقاه.
ومن المعلوم أن دعوة الإخوان المسلمين.. دعوة عالمية امتدت إلى العالم العربي والإسلامي، وكان لها فروع في معظم تلك الأنحاء- تارة باسمها الصريح وتارة بعناوين أخرى- وإن كانت تلتقي كلها في النهر الواحد العظيم، وكان لابد لهذه الكيانات من وسائل إعلام لها أثرها الواضح في انتشار هذه الدعوة.
على أني حينما درست الموضوع، وجمعت مادته وجدت أن دراسة وسائل الإعلام كلها تفوق ما تسمح به رسالة الماجستير، لذا وبعد مشورة قصرت بحثي على وسائل الإعلام المطبوعة في القطر الذي كانت نشأت فيه الدعوة.. في مصر.
وقد وجدت أنه من الخير أن يكون البحث مقسما على النحو الآتي: مقدمة، وتمهيد، وبابان أحدهما يشتمل على ثلاث فصول، والآخر على فصلين ثم خاتمة وملاحق للرسالة كلها.
أما المقدمة فبينت فيها أهمية الموضوع وسبب اختياره وعرضا سريعا له. وأما التمهيد فقدمت فيه فكرة عامة عن الإعلام وتطوره في مبحثين:
المبحث الأول: عن الإعلام ووسائله في أربع نقاط تشمل تعريفه، وأركانه، ونظرياته ووسائله.
وأما المبحث الثاني: فكن عن الإعلام الإسلامي في أربع نقاط أيضا شملت تعريفه، وخصائصه، وأهدافه، ووسائله.
الباب الأول: "دعوة الإخوان المسلمين ووسائلها الإعلامية" وفيه ثلاث فصول.
الفصل الأول : " العصر الذي نشأت فيه" وفي هذا الفصل تحدثت عن صورة العالم الإسلامي بعامة ومصر بخاصة حيث نشأت فيها الدعوة، وبينت في هذا الفصل القضايا التي كانت تشغل الساحة وهي:
1-الدعوة إلى العلمانية.
2-انتشار الدعوة إلى الإلحاد ومحاربة الأديان.
3-نشاط حركة التنصير والطعن في الإسلام.
4-ظهور دعوة التغريب والتبعية لأوربا.
5-الانحلال الخلقي.
6-ظهور الفساد الحزبي والسياسي.
7-الوضع الاقتصادي.
8-سقوط الخلافة الإسلامية.
أما رد الفعل الإسلامي فتمثل في مظاهر أهمها:
1-الصحافة الإسلامية: مثل مجلتي "المنار" و "الفتح".
2- الكتاب والمفكرون الإسلاميون.
3- الجمعيات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين، جمعية الإخوان المسلمين.
الفصل الثاني: عن الشيخ حسنالبنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين نشأته وتكوينه.
الفصل الثالث: تعريف بجماعة الإخوان المسلمين ووسائل إعلامها: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في التعريف بالجماعة وتكوينها وانتشارها وموقفها من قضية فلسطين وعلاقتها بالحكم العسكري.
المبحث الثاني:
وسائل إعلامها : الإعلام المطبوع- الإعلام الرياضي- الإعلام التربوي- الإعلام الصحي- الإعلام الاجتماعي- الإعلام الاقتصادي – الإعلام السياسي- وسائل أخرى.
الباب الثاني: " المطبوعات التي استخدمت في دعوة الإخوان المسلمين" وفيه فصلان:
الفصل الأول: المطبوعات غير الصحفية وفيه مبحثان:
المبحث الأول: ويشمل الكتب والرسائل ونماذج من الكتب.
المبحث الثاني: ويشمل الخطب والمحاضرات والمؤتمرات المطبوعة والنشرات الدورية وغير الدورية والمنشورات.
الفصل الثاني: الصحافة: وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: صحافة ما قبل المحنة الأولى، وتضم مرحلتين:
أولا: مرحلة الإسماعيلية حيث لم يكن للجماعة صحافة مستقلة ولكنها كانت تستخدم الصحافة الإسلامية الموجودة في الساحة مثل "الفتح" و "مجلة الشبان المسلمين".
ثانيا: مرحلة القاهرة: وتقسم إلى فترتين:
1-فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث صدر عن الإخوان مجلات "جريدة الإخوان المسلمين" ، "النذير" ، "المنار".
2-فترة ما بعد بداية الحرب العالمية الثانية، وفيها استأجروا مجلات "النضال" ، "الشعاع" ، "التعارف" وأصدروا مجلتهم الأسبوعية "الإخوان المسلمون" وجريدتهم اليومية، ومجلة "الشهاب" الشهرية، وأصدر أحد الإخوان مجلة "الكشكول الجديد".
المبحث الثاني: صحافة ما بعد المحنة الأولى وتشمل:
أولا: صحافة الأفراد وتمثلها جريدة "منبر الشرق" ومجلة "المسلمون".
ثانيا: صحافة الجماعة: وتمثلها مجلات "المباحث" ، "الدعوة"، "الإخوان المسلمون".
المبحث الثالث: صحافة ما بعد المحنة الثانية:
وتمثلها مجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني.
خاتمة ومقترحات:
وقد أنهيت رحلتي في الوسائل المطبوعة بخاتمة أوضحت فيها الخصائص الهامة لهذه الوسائل، والمقترحات التي بدت لي أهميتها من خلال تلك الدراسة.
شكر وتقدير
على أن هذا الجهد الذي خرج من خلال هذه الوسائل المتفرقة هنا وهناك في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة الإسلامية، لم يكن ليجد طريقه إلى النور لولا ما أتاحه الله عز وجل من التيسيرات التي قدمتها الأيادي الكريمة المخلصة التي أعانت وتعين على كل جهد علمي يوطئ ويعين على ترشيد المسيرة الإسلامية.
ولا يفوتني أن أقدم خالص الشكر لأستاذتي الذين اشتركوا في لجنة المناقشة: الأستاذ الدكتور محمد سعد الرشيد الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة أم القرى والأستاذ الدكتور مصطفى حسين كمال وكيل قسم الإعلام بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية.
أما أستاذي الدكتور أحمد محمد العسال المشرف على الرسالة، وأستاذي الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد الذي تابع الإشراف على الرسالة فلهما ثناء خاص وتقدير كبير لما بذلاه من جهد طيب وتوجيه كريم في هذا العمل الإسلامي.
جزاهما الله عني خير الجزاء، وأدعو الله أن يجعل عملنا كله خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله نافعا لعباده ودعاته والعالمين لنصرة دينه وإعزاز الإسلام وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على خيرة دعاته وخاتم أنبيائه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمهيد عن الإعلام
وفيه مبحثان
المبحث الأول: الإعلام ووسائله
المبحث الثاني: الإعلام الإسلامي ووسائله
تمهيد
يشهد العالم اليوم اهتماما متزايدا بالإعلام ووسائله، وإيمانا صادقا برسالته وأهدافه، ذلك أن الإعلام في العالم الحديث يتطور تطورا مذهلا نتيجة ا لتقدم في فنون الاتصالات والطباعة.
والإعلام – كمصطلح- يعني "تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات".
" وإذا كان لفظ (الإعلام) قد شاع في حضارة العصر، فإن ذلك لا يعني أن الإعلام فن مستحدث، وإنما هو كظاهرة اجتماعية يضرب بجذوره في جميع مراحل تطور البشرية متطورا معها مجددا في وسائله محققا لأهدافه النابعة من احتياجات الجماعات البشرية".
فمنذ أن خلق الله الإنسان أنزل إليه الرسائل والتوجيهات الإلهية، متمثلة في الكتب السماوية على يد أنبيائه ورسله، وكان أولهم أبو البشر آدم عليهم السلام، حيث فضله على ملائكته، واسجدهم له، وعلمه أسماء كل بشئ من المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين،قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلن غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون".
ومنذ سكن الإنسان الأرض، تتابعت الرسالات السماوية، تذكر الإنسان بخالقه، وترسم له المنهاج في حياته" إنا أوحينا إليك كما أوحينا غلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما،رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزا حكيما".
وفي المجتمعات لبدائية الأولى كانت وسائل الاتصال تتناسب مع إمكانات حياتهم البدائية، كإشعال النار على قمم الجبال، أو صرخات معينة، أو دق الطبول، أو رفع أعلام ولافتات بألوان معينة. كل ذلك يدل على رسالة إعلامية معينة كتحذير من خطر أو نحو ذلك.
ويذكر التاريخ لنا أن فراعنة مصر كانوا ينحتون المعابد ويشيدون الأهرامات وعلى جدرانها الرموز الدالة على الأخبار السياسية والانتصارات الحربية والرموز الدالة على عبادتهم ومعاملاتهم وقد وجد علماء الآثار في العراق نشرات ترجع إلى عام 1800 قبل الميلاد ترشد الزراع إلى كيفية بذر محاصيلهم وريها وعلاجها من الآفات، وتشبه هذه النشرات إلى حد كبير النشرات التي توجهها وزارات الزراعة إلى المزارعين في الدول المتقدمة.
وأول جريدة صدرت لغرض إعلامي ظهرت في [[الصين]] عام 1911 قبل الميلاد، وصدرت جريدة (الوقائع الرسمية) اكتاديورنا الرومانية عام 58 قبل الميلاد، وفي عصر الرومان كذلك كان الناس يطلعون على الأخبار والإعلانات الرسمية بقراءة بعض اللوحات المنشورة أو المحفورة على الجدران. وفي الجزيرة العربية كانت القبائل العربية ترسل أبلغ الشعراء لديها إلى الأسواق المشهورة كسوق عكاظ ليقوموا بالإعلام عن فصاحتها وقوة بيانها، وكانت هذه القبائل تفخر عند فوز شعرائها وخطبائها بالقدح المعلي، لا سيما إذا نالت قصيدة أحدهم شرف التعليق على الكعبة في عداد المعلقات المشهورة.
ثم انتشر الإعلام المنسوخ فيما بعد بشكل نشرات دورية.. وعم انتشارها بصورة ملحوظة ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر.
وقد عني الإقطاعيون في القرون الوسطى برسائل الأخبار ودفعوا لها ثمنا كبيرا، وأطلقوا على أصحابها اسم "الإخباريون" وكانت أهمية بالغة من الناحية الإعلامية.
وبعد ظهور المطبعة "كانت أول الصحف المطبوعة المعروضة تعود إلى عام 1470م تحت اسم (افسيو) في ايطاليا، ثم صحيفة (تسايتونغ) في المانيا، وغالبا ما كانت مواضيعها الحوادث والأخبار وبعد ذلك ظهرت "المنشورات" الدورية في كل من فرنسا وانكلترا حيث كانت تتمتع بشئ من الحرية النسبية، بينما لجأ البعض للتخلص من الضغط السياسي والمراقبة إلى الاقتصار على الأخبار الأدبية والأبحاث الفلسفية. فظهرت أول صحيفة يومية في لندن عام 1702م تحت اسم (الجريدة اليومية) بينما ظهرت في فرنسا أول صحيفة عام 1771م تحت اسم (جريدة باريس) أما في أمريكافكان ظهور أول صحيفة يومية عام 1784م تحت اسم (جعبة فيلادلفيا) .
أما في العالم العربي فقد صدرت أول صحيفة عربية في مصر في عهد محمد على باشا وهي صحيفة "الوقائع المصرية" حيث صدر العدد الأول منها في اليوم الثالث من شهر ديسمبر عام [[1828]]م.
وفي بداية القرن السابع عشر، ولدت فكرة جمع الأخبار، ومع التطور الفني ظهرت وكالات الأنباء (1840م)، وتم اختراع اللاسلكي عام (1876م) وظهرت الآلة الكاتبة اللاسلكية للأخبار (التلبرنتر) عام 1913م، وسمعت الإذاعات الأولى في انجلترا وأمريكافي فرنسا عام 1920م، 1921م. وصدرت أول صحيفة ناطقة في فرنسا أنشأتها محطة برج إيفل هناك عام 1925م، وظهر أول شريط تلفزيوني للأخبار عام 1949م، وهكذا تقدم الإعلام.. حتى إن الخبر الذي يحدث على مسافة آلاف الكيلومترات أصبح يصل إلى الجريدة في دقائق معدودة. وبهذه الطرق المتقدمة ألغيت المسافات بين أجزاء العالم الذي نعيش فيه الآن، واستطاع التلفزيون – بوجه خاص- أن يضيف الصوت غلى الصورة، وأن يصل الجماهير بالأخبار فور وقوعها بحيث تشعر هذه الجماهير أنها كانت مشتركة في هذه الأخبار أو الأحداث.
والمتوقع مع ازدياد الاكتشافات والمخترعات، أن يحقق القمر الصناعي الذي يبث برامجه- دون استئذان- إنجاز ضخما إن أحسن استغلاله شأنه شأن أي سلاح آخر ذي حدين، أو أن يزيد الفساد في الأرض إن أسئ استخدامه.
المبحث الأول
الإعلام وسائله
أولا: تعريف الإعلام
ثانيا : أركان الإعلام
ثالثا: نظريات الإعلام
رابعا: وسائل الإعلام
أولا: تعريف الإعلام:
اختلف علماء وخبراء الإعلام في تعريفه حسب مناهجهم العقائدية وأفكارهم السياسية.
يقول الأستاذ عبد اللطيف حمزة " إن الإعلام هو تزويد الجمهور بأكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة أو الحقائق الواضحة، وبقدر ما تكون هذه الصحة أو السلامة في المعلومات أو الحقائق يكون الإعلام في ذاته سليما وقويا".
ويقول الدكتور إبراهيم إمام :" إن الإعلام هو علم الاتصال، وهو من أحدث العلوم الاجتماعية التي عرفها العالم الحديث، وهو علم يبحث في ظاهرة التأثير في الناس بوسائل الاتصال المختلفة كالكلمة الشفهية المنطوقة، والكلمة المدونة، والكلمة المطبوعة، والخطابة، والرسائل، والصحافة، والإذاعة المسموعة، والإذاعة المرئية، والأفلام والشرطة المرئية وغيرها، فالاتصال كلمة عامة شاملة تعبر عن التفاعل الاجتماعي المباشر عن طريق الاتصال الطبيعي الشخصي والجمعي وعن طريق الاتصال الصناعي غير المباشر والذي تستخدم فيه الوسائل التكنولوجية العصرية كوسائل اتصال.
ويعرف الأستاذ محمد قطب الإعلام بأنه " ترجمة لفكر الأمة ولفنها".
ويعرف الأستاذ فيصل حسون الإعلام بأنه " التعريف بالشئ وتوسيع نطاق الإحاطة به ونشر الرأي أو الخبر باستخدام أساليب الإقناع والمنطق لترويجه". ويعرف الأستاذ يوسف العظم الإعلام بأنه "حمل الخبر أو النبأ من جهة إلى أخرى ثم تطور حتى صار مفهومه تبني قضية من القضايا وطرحها من خلال قناعات معينة بقصد إيصالها إلى المتلقي سامعا أو مشاهدا أو قارئا.
وتعرف الدكتورة شاهيناز طلعت الإعلام أو الاتصال بأنه " عملية نقل المعلومات والآراء والاتجاهات ( وهي الصورة التي كوناها لأنفسنا) من المصدر ( وهو أساس الرسالة) إلى المستقبل وذلك بغرض التأثير عليه لهدف ما".
ويرى الأستاذ الأماني (أتوجروت) أن الإعلام هو "التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت".
والإعلام عند ( كولي) هو " الميكانيكية التي تنشأ عن طريقها العلاقات الإنسانية وتنمو، أو بمعنى آخر هو جميع رموز العقل مع وسائل نقلها عبر الفضاء وحفظها خلال الزمن".
ومن هذه التعريفات المختلفة لهؤلاء العلماء المذكورين المختلفي الاتجاهات، يتضح لنا بصورة مبسطة أن الإعلام هو نقل المعلومات والأخبار ( أي الرسالة الإعلامية) من رجل الإعلام (المرسل) إلى غيره من الناس سواء كان فردا أو مجتمعا ( وهم مستقبلو الرسالة الإعلامية) بطريقة معينة عبر (الوسيلة الإعلامية).
ثانيا:أركان الإعلام
أجمع علماء وخبراء الإعلام أن للإعلام أركانا لابد من توفرها في أي عمل إعلامي وهي:
1-المرسل
2-الرسالة
3-الوسيلة
4- المستقبل
5- التأثيرات
6- رد الفعل
1-المرسل:
وهو جهة البث والإرسال وهو مصدر الرسالة الإعلامية، وقد يكون فردا أو عدة أفراد يعملون معا، أو قد يكون المرسل معهدا أو مؤسسة أو قادة مجتمع أو مربين أو أطباء أو أصدقاء أو أقارب. وقد يكون المرسل جهة رسمية مثل أجهزة الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، أو جهة غير رسمية مثل أجهزة الإعلام الحرة التي لا تسيطر عليها الدولة. وفي جميع الحالات لابد من توفر الثقة في المرسل.
2-الرسالة:
وهو موضوع البث أو المحتوى الذي ينقله المرسل إلى المستقبل. وهي أساس عملية الاتصال كلها. وهي الفكرة أو التصور التي تنقل إلى مستقبل الرسالة الإعلامية وغالبا ما تعاني الرسالة وهي في طريقها إلى المستقبل عددا من المشكلات التي قد تغير مضمونها سواء بالحذف أو الإضافة وفقا لسياسات الدول والجهات المعنية التي تتجه الرسالة غلى مستقبليها. وعلى مرسل الرسالة عدم التطويل الممل أو التقصير المخل، وعدم التكرار الذي يسخط الجمهور.
3-الوسيلة أو القناة:
وهي الجهاز الإعلامي أو الأدوات أو القنوات التي تستعمل في نقل الرسالة الإعلامية من المرسل إلى المستقبل . ولكي تؤتي الرسالة الإعلامية ثمارها لابد من سهولة الحصول على الوسيلة الإعلامية أو تيسير السبيل للتعرض لها. وتنقسم الوسائل إلى :
أ-وسائل سمعية: مثل الإذاعة ، شرائط التسجيل.
ب-وسائل بصرية: مثل الكتاب ، الصحف والمجلات، الإعلانات.
ج-وسائل سمعية بصرية: مثل الخيالة (السينما)، المسرح، الرائي (التلفزيون)، شرائط التسجيل المرئية (الفيديو).
د-وسائل أخرى: مثل الاتصال الشخصي، القدوة الحسنة، الخدمة العامة.. الخ.
4-المستقبل:
وهو جهة التلقي والاستقبال ، وهو غاية عملية الإعلام، وهدفها النهائي وتجري البحوث والدراسات لمعرفة تأثير العملية الإعلامية في معلوماته واتجاهاته وسلوكه. وعلى رجل الإعلام أن يدرس حالة مستقبلي رسالته الإعلامية من حيث التعليم، والوظيفة، والدخل، والعمر، والتماثل، والدين، والعنصر، والحالة الاجتماعية، وغير ذلك من الظروف والأخلاق السائدة في المجتمع. وكل ذلك يساعد رجل الإعلام في خطته الإعلامية، وفي اختيار الوسيلة المناسبة، والمحتوى المناسب حتى يتحقق الهدف من العمل الإعلامي.
5-التأثيرات:
وهمي أثر الرسالة الإعلامية في المستقبل وما تحدثه من تغيير في سلوكه ومدى استجابته ، سواء أكانت الاستجابة سلبا أم إيجابا، وفي حالة الاتصال الشخصي أو الفردي يجد المرسل تأثير رسالته فور حدوثها. أما الاتصال الجمعي وهو أوسع انتشارا فيمكن قياس تأثير الرسالة الإعلامية فيه بالاستجابة الميدانية.
6-رد الفعل:
وهو رد فعل المستقبل لرسالة المرسل، ويسمى رجع الصدى. ويستفيد المرسل من رد الفعل بتعديل رسالته أو تكرارها. فإذا كان رجع الصدى إيجابا فذلك يجعل المرسل يطمئن إلى أن المقصود من رسالته قد تحقق، أما إذا كان رجع الصدى سلبيا فإن ذلك يحيط المرسل علما بأن التأثير المقصود لرسالته السابقة لم يتحقق. ويكون رد الفعل واضحا في الاتصال الفردي المباشر . وعليه فإن الاتصال الفردي أكثر إقناعا وأشد نجاحا منه في الاتصال الجمعي.
وبدراسة أركان الإعلام السابقة يمكن التخطيط لأي عمل إعلامي ناجح باختيار المرسل المناسب والرسالة المناسبة والوسيلة المناسبة، ودراسة المرسل إليه (المستقبل) وظروفه وتأثير الرسالة عليه ورد فعله عليها، وبذلك يمكن إرسال الرسالة الإعلامية مع ضمان نجاحها.
ثالثا: نظريات الإعلام:
يختلف الإعلام وطرقه باختلاف الزمان والمكان وعقائد الشعوب وأفكارها وطبيعة الحكم والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة.
وأهم نظريات الإعلام هي:
1-نظرية السلطة.
2-نظرية الحرية.
3- نظرية الشيوعية (السوفيتية).
4- نظرية المسئولية الاجتماعية.
1-نظرية السلطة:
تعتمد هذه النظرية على السلطة المطلقة للحاكم، وأن كلامه لا يرد مع إعطائه نوعا من القداسة حسب العقيدة السائدة في الأمة. فللحاكم السلطة المطلقة في توجيه الإعلام لخدمته وخدمة دولته حسبما يراه هو ومن يحيط به من حاشيته المقربة ومساعديه من الحكماء والقادة. ويكبح الحاكم جماح الإعلام بطرق متفاوتة، فهناك السيف، وهناك قيد التراخيص، فلا يمنح الحاكم رخصة وسيلة الإعلام إلا لمن يواليه ويؤيده. وهناك الرقابة على وسائل الإعلام، وهناك المحاكمة لمن يخرج عن توجيهات السلطة، وهناك بذل المال لشراء وسائل الإعلام وذمم المحررين، وهناك قيد الضرائب الذي يهز الوضع المالي للمؤسسة لإعلامية فتتوقف وتسير في الركاب.
ويظهر الصراع في هذه النظرية بين الحاكم والشعب. وقد سادت هذه النظرية في العصور القديمة كعصور الفراعنة وملوك بابل وآشور وسومر، وكذلك سادت في العصر الإسلامي فيما عدا عهد الرسول صلى اله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن سار على نهجهم فيما بعد، وكذلك في أوربا في القرون الوسطى.
2-نظرية الحرية:
تهدف هذه النظرية إلى حماية الفرد وإلى سعادته ورفاهيته، وله مطلق الحرية فيما يقول ويعمل، وأن يكون له كيان مستقل عن كيان الدولة، ويعتمد على نفسه في الوصول إلى الحقيقة دون الرجوع إلى الحاكم ومعاونيه.
وظهرت هذه النظرية في أوربا ومهدت لظهور الديمقراطية السياسية والحرية الدينية والحرية الاقتصادية، وتبع ذلك ظهور النظريات العقلية فطبعت أوربا بطابع الحرية البحتة. ويؤخذ بهذه النظرية الآن في أوربا وأمريكاومن يسير في فلكهم.
3-النظرية الشيوعية : (السوفيتية):
ترى هذه النظرية أن الإعلام ووسائله يكون حكرا في يد الدولة والسلطة وهي الحزب الوحيد في روسيا (الحزب الشيوعي). ومنذ ذلك نرى أن الإعلام ووسائله لا يسير إلا بتوجيه الحزب الشيوعي، ولا ينطق إلا بآراء ماركس ولينين وغيرهم من المفكرين الشيوعيين للتمكين للحزب والدعوة إلى مبادئه.
وقد انبثقت هذه النظرية من نظرية السلطة. ويأخذ بهذه النظرية روسيا والصين والدول الشيوعية في العالم.
4-نظرية المسئولية الاجتماعية:
تهدف هذه النظرية إلى صالح الجماعة، فإن الحرية المطلقة التي يتمتع بها الحاكم وتتمتع بها وسائل الإعلام ليست مأمونة العواقب، وفي هذه الحقيقة وحدها ما يبرر التفكير في وضع الأنظمة التي تحد من حرية الحاكم من جهة وحرية وسائل الإعلام من جهة أخرى حسب الصالح العام والقانون.
وهذه النظرية تطوير لنظرية الحرية منذ ظهور مفهوم جديد لهذه الحرية وهو (الحرية المحدودة بحدود الصالح العام للدولة والمجتمع).
وأساس هذه النظرية هو أن الحرية حق وواجب ونظام ومسئولية في وقت واحد. أي أن الحرية حق وراءه واجب لابد أن يشعر به المتمتع بهذه الحرية. وقد نشأت هذه النظرية في أمريكافي أوائل القرن العشرين، وانتقلت إلى انجلترا وغيرها من البلدان.
رابعا: وسائل الإعلام (خصوصا المطبوعة):
منذ قرون عديدة والناس يعيشون في مجتمعات صغيرة في قرى أو مدن محدودة العدد ومحدودة الاتصال بالمناطق الأخرى، وكانت الحروب والغزوات والهجرات تجعلهم أكثر اتصالا بعضهم ببعض ولكن بقيت بالرغم من ذلك دائرة الإنسان الشخصية صغيرة. أما في القرن العشرين فقد تغير الوضع تماما. ويجع ذلك لسببين أساسيين:
الأول: نشوب الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية.
والثاني: انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية مثل الراديو والتلفزيون والصحف والمجلات والكتب.
فقد أحد ذلك تغييرات جذرية على تصورات المواطنين في جميع أنحاء العالم، واتسع أفق الأفراد بحيث لم يعد في الإمكان عزل الناس عقليا أو نفسيا بعضهم عن بعض. " فالعالم اليوم قرية الأمس، واتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم البسيطة غير المعقدة عن واقعه، وأصبح عليه أن يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام يوميا عن أحوال الأمم والشعوب الأخرى المختلفة الألوان والعقائد".
ولقد عرفت البشرية في أطوراها المختلفة أنواعا مختلفة من وسائل الإعلام اندثر بعضها لعدم حاجة الإنسان إليه، وظل بعضها يستخدم، واستحدثت منها ما لم يكن موجودا من قبل، " ولكنها بنيت كلها على حب الاستطلاع الإنساني الذي تطور بتأثير الحياة حينا، وبتأثير السياسة حينا، وبتأثير الأديان أحيانا، وكذلك بتأثير بعض أصحاب المصالح".
ولقد ساعد التقدم العلمي على تطوير وسائل الإعلام سواء التقليدي منها أو المستحدث. ويمكن إجمالا تعريف وسائل الإعلام بأنها الأجهزة والطرق المستخدمة في عملية الاتصال والتي تنقل الرسالة الإعلامية من المرسل إلى مستقبل الرسالة الإعلامية وأهم هذه الوسائل هي:
أ-الوسائل السمعية: مثل الإذاعة، والتسجيلات الصوتية، ومكبرات الصوت.
ب-الوسائل البصرية: مثل اللافتات والإعلانات والمطبوعات (كتب- نشرات- بحوث- صحافة) وهذه الأخيرة التي تهمنا أكثر في بحثنا الأساسي.
ج-وسائل أخرى: مثل الإنصات الشخصي، القدوة الحسنة، الخدمة العامة، المعارض، الأسواق، المؤتمرات، الرحلات، وكالات الأنباء..الخ.
ولكل وسيلة من وسائل الإعلام عناصرها التي لا يمكن لها أن تقوم بدورها الفعال في حالة نقص أو انعدام أحد هذه العناصر.
فالإذاعة مثلا تشمل عناصرها أجهزة البث الإذاعي، وما يتتبعها من الأفراد القائمين على تشغيلها من فنيين ومذيعين وغيرهم، وكذلك أجهزة الاستقبال ومصادر الطاقة والحال كذلك بالنسبة للبث التلفزيوني.
والتسجيلات الصوتية لابد لخنها من أجهزة التسجيل التي تمكننا من إعادة سماع شريط التسجيل المسجلة عليه الرسالة الإعلامية. وكذلك الحال أيضا بالنسبة لأشرطة الفيديو حيث لابد من توفر جهاز (الفيديو) لتشغيل الشريط وجهاز (التلفزيون) لمشاهدة الرسالة الإعلامية.
وفي حالة المطبوعات.. لابد من توفر آلة الطباعة وما تحتاجه من جهاز فني لتشغيلها وأوراق وأحبار وخلافه والمادة التي ستطبع لتنتج لنا مادة مطبوعة ذات مضمون ومظهر جيد تعمل كوسيلة إعلامية ناجحة.
ونظرا لما للمطبوعات من أهمية خاصة في بحثنا الذي نجن بصدده فسوف نلقي عليها بعض الضوء كوسيلة إعلامية هامة.
فقد مارست الكلمة المطبوعة تأثيرها القوي في الجماهير بأشكال مختلفة حيث تتميز هذه الكلمة بالعمق في التفكير، والصبر على البحث، لأن المادة المطبوعة تحمل في طياتها الرأي المدروس،كما تتيح المطبوعات للقارئ فرصة للتأمل والتعمق في المطبوع الذي بين يديه أكثر من مرة، وهو في كل مرة يزداد تثبتا من الفكرة،
ويتمكن من تقليب وجوه الرأي فيها. وتتميز المطبوعات كوسيلة إعلامية بالصفات الآتية:
1-تحتفظ المطبوعات بالمعلومات التي لديها أطول مدة ممكنة، وهي بهذا تتيح الفرصة لمستقبل الرسالة الإعلامية لكي يشاهد المطبوع أكثر من مرة، ولكي يثبت من بعض النقاط التي يود أن يركز عليها.
2- يستطيع مستقبل الرسالة الإعلامية (القارئ) أن يعرض نفسه على المطبوعات في الوقت الذي يناسبه ويتفق مع ظروفه.
3- تمتاز المطبوعات أكثر من أي وسيلة أخرى بقدرتها على التصرف في المادة التي تتضمنها في أي حجم وبأية تفصيلات تظهر الحاجة إليها.
ومعنى هذا أن المطبوعات من أفضل الوسائل الإعلامية لتقديم الموضوعات الطويلة أو المعقدة.
4- تستخدم المطبوعات بنجاح أكبر مع الجماهير المتخصصة، مثل جمهور الأطباء والمهندسين والمعلمين إلى غير ذلك.
5- تحتاج المطبوعات إلى مساهمة أكبر من جانب جمهورها بدرجة تفوق المساهمة المطلوبة لجماهير وسائل الإعلام
الأخرى، وذلك لأن المطبوعات لا تواجه جمهورها بمتحدث يسمعه كما يفعل (الراديو)، أو يشاهده كما هو الحال في (التلفزيون) أو العرض السينمائي ، ولهذا يسمح المطبوع بحرية أكبر في التخيل، والتفسيرات وما شابه ذلك. فالمستقبل لا يحس بأنه شخصا جزء من عملية الاتصال إلى أن يساهم بشكل خلاق في نوع من أنواع الاتصال غير الشخصي.
6- تتميز المطبوعات بألفاظها وعباراتها المغرية بحيث تتوافر لها القدرة على قيادة القارئ. كما أنها تمتاز بالقدرة في تقديم العنصر الإعلامي، حيث أنها لا تثير التشكيك في نوايا المطبوع. كما تتميز بوضوح المقاصد والأهداف لأن الكلمة المطبوعة تتطلب هذا الوضوح. فالكتابة التي تدور حول المقصد، أو تضطرب في مجال الهدف دون أن تلمسه لا تترك أثرا مطلوبا في القارئ وخاصة إذا كن محدود الثقافة شأن الأغلبية التي تتألف منها عامة الناس.
والمطبوعات تحتوي على مادة يحس بها القارئ لا فارغة يزهد في قراءتها لعدم الفائدة منها.
عوامل نجاح العمل الإعلامي عن طريق المطبوعات:
يتوقف نجاح المطبوعات على ثلاثة عناصر هي:
1-المضمون: وهو الموضوع الذي تتناوله هذه المطبوعات وطريقة معالجته، حيث أن المادة التي تحتويها المطبوعات سوف تحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية. ومن هنا يجب مراعاة الأمانة والدقة في تحرير المادة المطبوعة، وأن تتم كتابتها بلغة صحيحة.
2-المظهر : وهو الشكل الذي تظهر به هذه المطبوعات والذي سيترتب عليه الانطباع المباشر الذي سيحكم عليه القارئ من أول لحظة.
3-التوزيع: ويتم توزيع المطبوعات على ضوء معرفة الجمهور الذي نرغب في التوجه إليه.
وهنا يجب أن نضع هذه الأسئلة نصب أعيننا بالنسبة لتوزيع المطبوعات وهي: كيف، ومتى، ولمن توزع هذه المطبوعات؟
المبحث الثاني
الإعلام الإسلامي ووسائله
أولا: تعريف الإعلام الإسلامي
ثانيا: خصائص الإعلام الإسلامي
ثالثا: أهداف الإعلام الإسلامي
رابعا: وسائل الإعلام في الإعلام الإسلامي
أولا: تعريف الإعلام الإسلامي:
يعرف الدكتور محي الدين عبد الحليم الإعلام الإسلامي " بأنه تزويد الجماهير بصفة عامة بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال وسيلة إعلامية دينية متخصصة أو عامة، بواسطة قائم بالاتصال لديه خلفية واسعة ومتعمقة في موضوع الرسالة التي يتناولها وذلك بغية تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها ويتأثر بها في معتقداته وعباداته ومعاملاته".
ويعرفه الشيخ محمد الغزالي " بأنه الإعلام الذي يعرف بالله الواحد ودينه الحق و يرسم صورة صادقة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا زيادة فيها ولا نقص".
ويعرفه الأستاذ فيصل حسون " بأنه الإعلام الذي يقوم بنشر الدعوة الإسلامية والتصدي لحملات التشكيك التي يتعرض لها الإسلام، وإبراز الدور الرائد الذي قام به الإسلام في إخراج الإنسانية من الظلمات إلى النور، وتجميع الطاقات الإسلامية فكرا وثقافة وعلما واقتصادا وسياسة وقوى بشرية وحشدها في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين".
ويعرفه الأستاذ محمد قطب " بأنه ترجمة لفكر ونظام حياة الأمة المسلمة".
" والإعلام الإسلامي يتجه إلى هداية الناس بتزويدهم بما يحتاجون إليه من معلومات أيا كان نوعها أو بحمايتهم من حملات التشويش الفكري".
والإعلام الإسلامي ليس هو المعلومة الدينية التي ترسل من الإذاعة المرئية أو المسموعة أو على صفحات الفكر الديني في الصحف والمجلات. فالمعلومة الدينية ليست إلا قناة واحدة من قنوات الإعلام الإسلامي المتعددة. ذلك لأن النظرة الإسلامية للإعلام تنبسط على كل المادة التي تبثها الوسيلة الإعلامية في ساعات الإرسال للإعلام تنبسط على كل المادة التي تبثها الوسيلة الإعلامية في ساعات الإرسال سواء اتخذت شكل المادة الإخبارية أو التعليق السياسي أو البرنامج الثقافي أو العلمي أو الاجتماعي، وسواء كانت قصة أو مسلسلا أو مسرحية. كل هذه الأشكال تتكامل في الإعلام الإسلامي سواء في التزامها مادة وفكرا بمشروعية الإسلام العليا أو في ارتباطها بالنظرية الإسلامية في الإعلام".
ويتعجب الأستاذ محمد قطب من فهم الناس للإعلام فيقول:" لماذا يتجه تفكيرنا حين نقول الإعلام الإسلامي، لماذا يتجه تفكيرنا إلى المواعظ والأحاديث الدينية ولا يتجه إلى أبعد من ذلك؟ هل يجئ هذا اعتباطا أم أن له أسبابا؟ بل أن له أسبابا، أسبابه الحقيقة أن الإسلام في تصورنا لا يزيد على هذا النطاق، أننا لا نعيش الإسلام كاملا كما عاشه الجيل الأول رضوان الله عليهم وكما فهمه وأفهمه للناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، إننا نعيش الإسلام في حدود ضيقة، فإذا تحدثنا عن الإعلام الإسلامي يتبادر إلى ذهننا في الحال المواعظ والأحاديث الدينية لأن هذا هو النطاق الذي انحصر فيه الإسلام في حسنا. لقد كان الإسلام في حس الجيل الأول هو الحياة كلها، كل خطرة من خطرات القلب، كل فكرة من فكر العقل، كل تصرف من تصرف الإنسان، كل سلوك واقعي له في الحياة، داخل في دائرة الإسلام".
من ذلك نجد أن الإعلام الإسلامي يشمل الحياة البشرية كلها بجميع مناحيها،فكرها وثقافتها واجتماعها وآدابها وفنونها. وحياة المسلم ينبغي أن ترتكز على الإسلام في كل هذه الدوائر. ويوم يرتكز المسلم في جميع دوائر حياته على قاعدة الإسلام سنجد تلقائيا إعلاما إسلاميا.
ثانيا: خصائص الإعلام الإسلامي:
إن الخصائص العامة في الإسلام تفرض وجودها في كل نسق فكري يوصف بأنه إسلامي في أي ميدان من ميادين المعرفة.
والإعلام الإسلامي كأحد هذه الميادين المتصفة بالإسلامية لابد أن يواكب الإسلام أيضا. ويمكن تلخيص خصائص الإعلام الإسلامي فيما يلي:
1-الصدق : فالصدق سمة القرآن الكريم رسالة ودعوة، وسمة محمد صلى الله عليه وسلم رسولا وداعية، وسمة المجتمع الإسلامي أمينا على الدعوة الإسلامية حتى يرث الله الأرض ومن عليها لأن الإعلام الإسلامي عملية مستمرة وليست مرحلية.
ولابد من الالتزام بالصدق في جميع المواطن ومنها:
أ-صدق الخبر.
ب-صدق الكلمة.
ج-صدق الحكم.
أ-فصدق الخبر يعني أن الخبر المذاع أو المنشور ملتزم بالواقعة فلا يجري عليها تغييرا يسلبها عنصر الحقيقة. كما ينبغي أيضا ألا يجور على الحقيقة بابتداع الخبر أو إسناد صفة الخبر إلى الشائعات التي حاربها القرآنونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلام.
ب-وصدق الكلمة بأن تكون قادرة على التوصيل الصحيح فلا تنوء بحمل معانيها، وأن يراعي في اختيارها الأسلوب الإسلامي في الدعوة الإعلام.
ج-وصدق الحكم يعني اتخاذ موقف من الخبر رفضا أو قبولا بأن يكون التعليق على الخبر متوخيا التفسير الصحيح للوقائع بغير هوى لإيضاح الوقائع بعد نقلها بأمانة وعرضها بدقة.
والإعلام الإسلامي بتوخيه الصدق هو إعلام هادف. وهدفه الأخير سيادة منهج الله، وليس إعلاما هاتفا يرفع من شأن هذا النظام البشري على حساب غيره من النظم.
2-الواقعية:
والواقعية هنا تعني احتياج الإنسان بحكم تكوينه الفطري لشرع الله، وتعني إمكان تحقق هذا الشرع في حياة الناس إذا ما اتجهوا إلى الله قولا وفعلا.
وليست الواقعية في الإعلام الإسلامي هو الخضوع للواقع في كل شئ ومسايرته في جميع اتجاهاته وتحقيق رغباته ولو كانت فاسدة. يقول سبحانه وتعالى" ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن" وذلك يقضي بعدم الخضوع للواقع المعوج أو الأهواء المنحرفة حيث جاءت الشريعة لإخراج المكلفين من دواعي أهوائهم كما يقول تعالى" كتاب أنزلناه لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد".
ويمكن القول بأن الواقعية في الإعلام الإسلامي نوعان أ-واقعية ملائمة، ب-واقعية إمكان.
أ-فواقعية الملائمة: تعني التلاؤم مع حقيقة الإنسان في حياته العقلية أو الوجدانية أو الجسدية، فإذا كان عقله سليما ووجدانه مستقيما وجسده صحيحا، فإن الإعلام الإسلامي يلائم هذا الواقع ويصلح له ويصلحه أيضا إذا ما اختل في أي جانب من جوانبه.
ب-وواقعية إمكان: تعني أن هذه الواقعية يمكنها أن تتحول إلى واقع. فالإعلام الإسلامي ليس استعلاء فوق الواقع ولا مثالية لا يمكن تحقيقها.
"والإعلامي المسلم يستمد مادته التي يحاورها ويتعامل معها من الواقع الذي يعيش فيه بحيث لا ينفصل عن عصره زمانا ومكانا، ولكن المادة المأخوذة من هذا الواقع هي عنصر واحد في مفهوم الواقعية في الإعلام الإسلامي، والعنصر الثاني هو تقويم هذا الواقع أي الحكم عليه إسلاميا، وإصلاحه بما يتفق مع
الإسلام".
ورؤية الواقع من المنظور الإسلامي هي مدخل رجل الإعلام في الإعلام الإسلامي لكي يبصر الواقع ويتعامل معه ويعمل على تغييره ويحاول بذل كل جهد من أجل أن يتطابق المجتمع في واقعه مع الإسلام".
3-المرونة:
وهي الخصيصة الثالثة للإعلام الإسلامي، وتعني القدرة على مواجهة التطورات سواء في كيفية المواجهة أو في الوسائل المستخدمة لذلك.
ولقد استخدم الرسل جميعا الوسائل المتاحة في عصورهم لتوصيل الرسالة وامتصاص غضب المعارضين وتكثير عدد المؤمنين برسالتهم والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم الوسائل المتاحة في عصره.
والمرونة في الإعلام الإسلامي تعني أيضا توظيف كل الإمكانات المتاحة لتحويل وسائل الإعلام إلى أجهزة للدعوة إلى الإسلام، ومن ذلك العناية بإعداد كفاءات إعلامية على مستوى عال من الناحية العلمية والنفسية لتعمل في الإعلام الداخلي والخارجي.
4-الشمولية:
شمولية النظرة الإسلامية في الإعلام تأتي من أنها تتجه برسالتها غلى كل إنسان لأنها تسعى إلى إقامة الإنسان الصالح. والإعلام الإسلامي الصحيح هو في تكامل الخريطة البرامجية للمادة الإعلامية عبر وسائل الإعلام لتؤدي وظيفة وحيدة هي الإعلام بالإسلام في الداخل والخارج فتقوم على عرض أفكاره وترسيخ قيمه والدفاع عنه في جميع البرامج الصحية والسياسية والثقافية والترفيهية، وفي برامج المرأة والأطفال وغيرها من البرامج، بحيث تكون الأهداف واضحة، ومحورها التأثير الإيجابي نحو الإسلام. ذلك لأن الإسلام منهج شمولي تتعدد زوايا الرؤية فيه لتشمل الإنسان في حياته العقلية والوجدانية والجسدية، ومن هنا كانت النظرة الصحيحة إلى الإعلام الإسلامي على أنه منهج متكامل يشمل كل مادة إعلامية توجهها الأجهزة الإعلامية كرسائل إلى الجماهير.
ثالثا: أهداف الإعلام الإسلامي:
أهداف الإعلام الإسلامي لا تقع تحت حصر، وإنما كل ما يؤدي إلى الخير العام للإنسانية فهو أحد أهداف هذا الإعلام. ويمكن تركيز هذه الأهداف فيما يلي:
1-الدعوة إلى الله.
2-تعريف المسلمين بحقائق الدين.
3-إبراز دور الإسلام في إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
4-استنفار الأمة للدعوة والجهاد وحشد الطاقات لتصبح صفا واحدا مرهوب.
5-الرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام ودحض مفترياتهم.
6-الرد على النظريات والمذاهب المادية الحديثة وإبراز تفوق الإسلام عليها.
7-التقريب بين وجهات النظر المذهبية بين المسلمين على أساس الكتاب والسنة.
8-تأكيد العلاقة بين الإسلام وبين التربية والتعليم والإعلام.
9-مواجهة الواقع بكل متغيراته مع تقديم البدائل الإسلامية.
10-العمل على حماية الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية.
11-الدعوة إلى توحيد العالم الإسلامي في جبهة مترابطة تصد هجمات أعداء الإسلام وتخرج العالم من الظلمات إلى النور حتى يسود الدين الحق.
رابعا: وسائل الإعلام في الإعلام الإسلامي:
إن وسائل الإعلام الإسلامي هي نفس وسائل الإعلام السابق الإشارة إليها سواء كانت أجهزة وأدوات أو طرقا وأساليب سمعية أو بصرية أو غير ذلك، بشرط أن يهيمن على مضمون الرسالة النظرة الإسلامية للإعلام.
"فمن أهم وظائف الإعلام، وظيفة تثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات والمحافظة عليها، ذلك أن لكل مجتمع دينا معينا ونسقا من القيم والمبادئ والمعايير والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تشكل مختلف أنماط سلوكه. وكلما كانت أنماط السلوك متفقة مع محتويات النسق القيمي كان التوافق الاجتماعي سمة من سمات هذا المجتمع، وتعمل أجهزة الإعلام من أجل تثبيت النسق القيمي في المجتمع على تناول هذه القيم بمختلف الوسائل الإعلامية (الصحافة- الإذاعة- التلفزيون ومختلف المؤلفات العلمية والأدبية...الخ) وكذلك بمختلف الأساليب التمثيلية الإذاعية (دراما- كوميديا- أحاديث..) بحيث تكون نتائج الموضوعات التي يتم تناولها بهذه الوسائل والأساليب مؤدية لتأكيد أفضلية النسق القيمي السائد في المجتمع والذي يتفق مع الدين".
" وقد كانت وسائل الاتصال بالناس في التاريخ الإسلامي تنقسم إلى أربعة أنواع تميزت بها أربع مراحل هي:
1-مرحلة الاتصال الشفهي: في صدر الإسلام وعصر بني أمية.
2-مرحلة الاتصال التدويني أو الخطي: وهي مرحلة طويلة تمتد من العصر العباسي إلى العصور الحديثة.
3-مرحلة الاتصال الطباعي والصحفي: حين بدأت الطباعة وانتشرت معها فنون الصحافة.
4-مرحلة الاتصال الإذاعي: في أوائل القرن الحالي بعد اكتشاف موجات الإذاعة".
وإلى جانب وسائل الإعلام المتعرف عليها، ينفرد الإعلام الإسلامي بوسائل أخرى خاصة به تساعده على القيام بمهامه المنوطة به وأهمها:
1-القرآن الكريم : وهو أكبر وسائل الإعلام في الإسلام وهو الدعامة الرئيسية للإعلام الإسلامي، وأهم عوامل نجاح الرسالة الإعلامية الإسلامية، ذلك أن القرآن الكريم يحوي ما يهم المسلمين ويرد على تساؤلاتهم، كما أنه ينظم للرسول صلى الله عليه وسلم ودعاة المسلمين من بعده أساليب الدعوة ومجالاتها وجماهيرها".
2-السنة النبوية: "تؤدي الأحاديث النبوية دورا إعلاميا بارزا في نشر الدعوة الإسلامية، وتتضح أهميتها الإعلامية في أنها جاءت في مجملها تأكيدا وتفسيرا للمعاني التي وردت في القرآن الكريم" ويؤكد أحمد أمين القيمة الإعلامية الكبيرة للحديث النبوي الذي يتلو قيمة [[القرآن الكريم]] في أنه جاء تبيانا أو تخصيصا لكثير من آيات القرآن الكريم ويحمل أيضا " طابع التبشير والدعوة أو الدعية" وأهمية السنة النبوية كوسيلة إعلامية ترجع إلى أهمية حامل الرسالة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القدوة التي اجتمعت في شخصه الكريم كل مقومات القائم بالاتصال. " والقائم بالاتصال له أهمية كبيرة في عملية الاتصال لا تقل أهمية عن مضمون الرسالة أو عن الوسيلة المستخدمة لتبليغها".
3-المسجد: وما يتصل به من مظاهر تعبدية وإعلامية كالآذان، وإقامة الصلوات الخمس جماعة، وصلاة الجمعة، والدروس الدينية، والمكتبة اللقاءات الاجتماعية كعقود القرآن أو الاحتفالات بالمناسبات الإسلامية.
4-الحج: وهو المؤتمر الإسلامي السنوي الذي يتجمع فيه المسلمون من كل بلاد الإسلام لأداء فريضتهم لله، وليشهدوا منافع لهم حيث يقول تعالى:" وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق".
" فهو مؤتمر هائل وتجمع رائع لتبادل الأفكار والآراء فيما يعود على الأمة الإسلامية من منافع".
ويهمنا عند الحديث عن الوسائل الإعلامية في الإعلام الإسلامي أن نشير إلى أهمية المطبوعات في هذا الإعلام لما لها من صلة وثيقة بالبحث الأصلي.
فمن وجهة النظر التاريخية " يعتبر الورق من الخدمات الكبيرة التي أسداها الإسلام إلى أوربا والعالم" و" وكانت معامل (قرطبة) في أسبانيا تصدر بضاعة الورق إلى أوربا الغربية، بينما كانت أوربا الشرقية تبتاع ورقها من بلاد الشرق الأدنى مباشرة على ما يشهد لذلك اسم الورق الدمشقي (شارتا داماسيا) وصنع الورق من الحري سنة 650م (30هـ) في سمرقند وبخارى ثم استبدل يوسف بن عمرو سنة 706م (88هـ) القطن بالحرير ومنه الورق الدمشقي الذي ذكره المؤرخون " . " كما عرف الأندلسيون الطبع بالحروف".
ومن هذا يتبين كيف أن المسلمين كانوا أسبق الأمم في صناعة الورق وهي من أهم أركان الطباعة، وأيضا في وضع أسس الطباعة التي تطورت فيما بعد لآلية الطباعة التي قدمها للعالم جوهان جوتنبرج.
" ويعتبر الإنجيل الذي طبعه باللاتينية جوتنبرج سنة 1455م (859هـ) أول مطبوع نشر في العالم" " وطبع القرآن الكريم باللغة العربية في مدينة جنوة بايطاليا لأول مرة سنة 1530م (937هـ) ثم أخذت المطبعة تعرف طريقها إلى الشرق العربي في الشم في أوائل القرن السابع عشر الميلادي (الحادي عشر الهجري) وأدخلها نابليون إلى مصر مع الحملة الفرنسية عليها عام 1798م (1213هـ) وكان في نية الفرنسيين إصدار صحيفة عربية باسم "التنبيه" ولكن حرج موقفهم وخروجهم من مصر حال دون إصدارها. وبعد جلاء القوات الفرنسية عن مصر سنة 1801م (1216هـ) صدرت صحيفة "الوقائع المصرية" في سنة 1828م (1243هـ).
وقبل اختراع المطبعة اهتم المسلمون حكاما وعلماء بالكتاب كوسيلة إعلامية لنشر العلم وتوضيح الفكر الإسلامي في جميع فروعه فأنشئت دور الكتب، وكثر عدد الناسخين وانتشرت في العواصم الإسلامية المختلفة محال الوراقين. وقد أدت عمليات النسخ المتكررة والاهتمام بالكتاب كوسيلة إعلام إلى ظهور فن الخط العربي. وكان اختراع المطبعة ثورة في عالم الكتاب أدى إلى انتشار وانخفاض أسعاره وزيادة تأثيره.
وترجع أهمية المطبوعات في الإعلام الإسلامي- بالإضافة إلى ما سبق بيانه بصفة عامة- إلى استخدام أعداء الفكر الإسلامي لهذه الوسيلة في عمليات التنصير وإبعاد المسلمين عن دينهم، ضمن مخططاتهم لمحاربة الإسلامي بين أتباعه. فكان لزاما على الإعلام الإسلامي دحض الشبهات والمفتريات التي ينشرها أعداء الفكر الإسلامي والأخذ بالمبادأة في نشر الفكر الإسلامي بين أبنائه ، وتبشيرا به بين الذين لم يعتنقوه.
يقول القس "زويمر" في مؤتمر القدس ألتنصيري : " ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما (كذبوا) وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.. لقد قبضنا 0 أيها الإخوان- في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس، والجمعيات والمدارس المسيحية التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية. إنكم أعددتم بوسائلكم- أي بوسيلة الصحف والمجلات والكتب والمناهج والمدارس.. جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد.. إنكم أعددتم شبابا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشئ الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار".
ومما تقوله الشيوعية في وثائقها السرية:
" تشجيع الكتاب الملحدين وإعطائهم الحرية كلها في مهاجمة الدين، والشعور الديني، والضمير الديني، والعبقرية الدينية، والتركيز في الأذهان أن الإسلام انتهى عصره".. " ونجحنا في تعميم ما يهدم الدين من القصص، والمسرحيات، والمحاضرات، والصحف، والمجلات، والمؤلفات التي تروج للإلحاد، وتدعو إليه، وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو للعلم وحده، وجعله الإله المسيطر".
ولقد خطط اليهود منذ زمن السيطرة على دور الطباعة والنشر، ووكالات الأنباء في العالم ليستخدموها في نشر ما يريدون من زيف وضلال، وعرض الأنباء العالمية التي تخدم مصالحهم وتحقق لهم في الحياة أهدافهم ومخططاتهم، وبدأ زحفهم الشامل للسيطرة على هذه الوسائل منذ أواخر القرن التاسع عشر.
جاء في البروتوكول الثاني عشر من بروتوكولات حكماء صهيون قولهم:
" سنعالج قضية الصحافة والنشر على النحو التالي:
1-سنمتطي صهوة الصحافة، ونكبح جماحها، وسنفعل مثل ذلك أيضا بالنسبة إلى المواد المطبوعة الأخرى، إذ لا جدوى من تخلصنا من الحملات الصحفية، إذا كنا معرضين للنقد عن طريق المنشورات والكتب.
2-لن يصل أي إعلان للناس إلا بعد مراقبتنا، وقد تمكننا من تحقيق ذلك الآن إلى الحد الذي لا تصل فيه الأنباء إلا عبر الوكالات المختلفة المتمركزة في مختلف أنحاء العالم".
ونظرا لما وصل إليه العلم من تطور سريع في جميع المجالات ومن ضمنها مجال الطباعة فإن القائمين على الإعلام الإسلامي مطالبون بمسايرة أحدث ما وصل إليه فن الطباعة في العالم الذي سبقنا، وكذلك فن التأليف بالنسبة للكتاب وفن المقال بالنسبة للصحافة.
الباب لأول
دعوة الإخوان المسلمين ووسائلهم الإعلامية
وفيه ثلاث فصول
الفصل الأول: العصر الذي نشأت فيه دعوة الإخوان المسلمين.
الفصل الثاني: حسنالبنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
الفصل الثالث: تعريف بجماعة الإخوان ووسائل إعلامها.
الفصل الأول
في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وأوائل القرن الرابع عشر كان العالم الإسلامي تكتنفه الأخطار الدامية، والنوازل الشديدة، داخلية وخارجية.
1-داخلية: تتمثل في ضعف نظامه السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، فقد شاع فيه لجهل والتواكل، والاستبداد، والتفاوت بين الناس تفاوتا مزريا يباه الإسلام كل الإباء، وكان ذلك كله نتيجة البعد عن الإسلام في واقع الحياة.
2-وخارجية: حيث كانت أوربا في هذا الوقت تتوثب صاعد في مدارج القوة المادية، وتتطلع إلى الامتداد خارج حدودها، بل كانت بالفعل قد أغارت على كثير من نواحي العالم الإسلامي، فاحتلت هولندا جزر الهند الشرقية (أندونسيا) ، واحتلت انجلترا الهند واغتصبت حكمها من المسلمين، كما احتلت مصر عام 1298م (1881هـ) ، وكذلك احتلت فرنسا المغرب العربي ...الخ.
وكانت الخلافة العثمانية في تركيا تحاصرها الأزمات الداخلية والخارجية، لكنها على ضعفها استطاعت أن تقاوم طويلا، وأن تحافظ على كثير من بلدان المسلمين مثل الشام، العراق، وليبيا...الخ.
وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء على المانيا وتركيا حتى تقاسمت انجلترا وفرنسا وغيرهما العالم الإسلامي، واحتلوه بجيوشهم، وأصبحت لهم فيه الكلمة النافذة، خاصة بعد أن أسقط ملاحدة الأتراك الخلافة الإسلامية، وطاردوا كل مظاهر الإسلام.
وكان هذا الغزو العسكري قد سبقه وصاحبه وتبعه غزو فكري شامل في الثقافة، والتعليم، والتربية تمثل في تقليد أسلوب الحياة الأوربية، والإقناع بسمو الحضارة الغربية وفضلها، وضرورة فصل الدين عن ا لدولة كما فعلت أوربا.
وفي مصر كان لوجود الاحتلال البريطاني أثر كبير على العوامل الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية السائدة في هذا العصر، فوجدت بعض الأفكار التي وصفت بالتقدمية تشجيع المحتل مثل فكرة الاعتزاز بالفرعونية، وفكرة الوطنية المصرية، وبعض الأفكار الغربية التي عاد بها نفر من المصريين بعد ذهابهم إلى أوربا لينشروها بين أبناء أمتهم.
كما قام بعض الأقباط المصريين بالمطالبة بمطالب خاصة بهم محاولين الالتجاء إلى حماية المحتل الإنجليزي باعتبارهم أقلية في مصر، وباعتبارهم على دين الجيوش الغازية ولو في الاسم، حتى تجرأت صحفهم على مهاجمة الفكر الإسلامي والمطالبة بفصل الدين عن الدولة، وأخذت تطعن في الزعماء ذوي النزعة والاتجاه الإسلامي مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وعبد العزيز جاويش.
كما المحتل منذ بدء الاحتلال على تنحية الشريعة الإسلامية من الحياة وحصرها في أضيق نطاق تشريعا وقضاء، وفصل بين ما سمي بالمدارس المدنية والمدارس الدينية. " وجعل التعليم في المدارس (الحكومية) باللغة الانجليزية بدلا من اللغة العربية، كما ألغى الإعفاء من المصروفات قاصدا قطع طريق العلم على أولاد الفقراء وهم غالبية المصريين، الأمر الذ دفع واحدا كمصطفى كامل إلى أسلوب جمع التبرعات العامة الاختيارية لإنشاء المدارس الخاصة".
وقد اقتحمت المجتمع المصري في وجود المحتل الإنجليزي بعض العادات والموبقات الغربية كانتشار حانات الخمر، ودور اللهو الليلية، ودور البغاء، وحفلات الرقص، وأنواع الميسر المختلفة، كما ظهرت ترجمات كثيرة لهذه التقاليد الدخيلة أثر صادف هوى في نفوس الشباب وأغراهم بالتمرد على كل قديم من عادات وتقاليد موروثة ولو كانت على غاية الصلاح، خصوصا بين الأغنياء منهم الذين أرسلهم آباؤهم للتعليم في دول الغرب، " ولم تصب هذه المظاهر طبقة الأغنياء فحسب بل أصاب جزء منها حياة العمال والحرفيين في المدن"
.
أما عن العوامل الاقتصادية، فقد تعرضت مصر إلى أزمة اقتصادية قبل الاحتلال، لكنها زادت بعده خاصة خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت الفئة التي تسيطر على الاقتصاد المصري من الأجانب واليهود وبعض المصريين الذين ساروا في ركاب العدو الغازي للبلاد.
وفي هذا الجو القاتم اندلعت في مصر ثورة شعبية هائلة عام 1338هـ (1919م) لإحساس الشعب بالضياع، فوجد في ثورته تحقيقا لذاته، وتعبيرا عن وجوده، وشعوره العارم برفض الاحتلال، لكن ما لبثت هذه الثورة أن انتهت إلى رماد، حين آلت في النهاية إلى أحزاب تتصارع على الحكم ، حيث تحول مجرى الجهاد الوطني، وقضية الاستقلال إلى ملهاة "الدستور" الذي يفصل الدين عن الدولة، ومجلس نيابي وكراسي حكم، واشتعلت نار الفرقة والخصومات بين هذه الأحزاب للوصول إلى الحكم كغاية تسعى إليها، دون أن يكون لمطالب الأمة أي صدى في أعمالها، وأفلست جميعها في تحقيق الاستقلال أو الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، مع ما صحب ذلك من ظهور نزعات الحادية في الدين، وبعد عن الأخلاق، وانحلال في السلوك، وجري وراء مظاهر الحضارة المادية التي لا تفيد أصحابها أنفسهم.
وقد أتاحت هذه الظروف أمام المصريين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب وتأثروا بحضارته أن ينقلوا إعجابهم وتصورهم لهذه الحضارة إلى أبناء أمتهم، وساعدهم على ذلك ما كان من ضعف علماء الدين واهتزاز منزلتهم، ووقوف بعضهم موقفا سلبيا أمام حقائق العلوم التجريبية، مما دعا بعض المثقفين أن يتصوروا أن الأخذ عن الحضارة الغربية هو المنهج الأمثل للرقي بالبلاد، فانتشرت دعوات وأفكار دخيلة على المجتمع المصري تتمشى مع ما بهرتهم به الحضارة الغربية.
ويمكن تلخيص هذه الحالة التي كانت تعيشها مصر في الأمور الآتية:
1-الدعوة إلى العلمانية:
كان من أهم أسس الحضارة الغربية التمرد على الكنيسة وإبعادها عن شئون الحكم والحياة لما كانت تمثله من عداوة للعلم، وحجر عل الفكر، واضطهاد للعلماء، وأصبح مفهوم العلم لدى الغرب مناقضا للدين والكنيسة، وأصبح تعبير "العلمانية" دالا على المناقضة للدين النصراني.
ولجهل المسلمين – الذين تأثروا بالحضارة الغربية- بدينهم، فقد طبقوا نظرة الغرب إلى الدين على الدين الإسلامي أيضا، ظنا وتقليدا، ذلك لأن الدين الإسلامي لم يكن يوما عدو للعلم ولا للعلماء، هذا إلى جانب أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي جاء مكملا للرسالات جميعا، ولديه المنهج الي ينظم الحياة ويضع الأسس لكل شئون الدولة ومرافقها.
" وكان انقلاب مصطفى كمال في تركيا على الخلافة ثم إعلانه الجمهورية مع قبوله بالإسلام دينا، ثم تعديله الدستور، وإعلان (علمنة) الدولة، وحظره الدعوة الدينية، وسنه القوانين المنافية للدين، أضخم تجربة (علمانية) لأبناء الشرق المسلم يمكن أن تقلد أو تحاكي " فظهرت مؤلفات تنتهج نهجا (علمانيا) وتدعو صراحة إلى وجوب فصل الدين عن الدولة وفي مقدمتها كتاب " الإسلام وأصول الحكم" لمؤلفه على عبد الرازق (1344هـ- 1925م) الذي حاول أن يثبت أن الإسلام رسالة لا حكم، ودين لا دولة، وقد كان صدور هذا الكتاب صدمة لعقائد المسلمين وعواطفهم خاصة أنه ظهر وقت إلغاء الخلافة، وأن مؤلفه كان قاضيا، ومن رجال الأزهر .
2-انتشار الدعوة إلى الإلحاد ومحاربة الأديان:
في ظل ما تركه المحتل من حرية محدودة استغل نفر من أبناء المسلمين الذين تأثروا بالحضارة الغربية، وآخرون من غير المسلمين الذين يضمرون للإسلام شرا، استغلوا هذه الحرية فأخذوا يدعون إلى مهاجمة الأديان ومحاربتها، وبعضهم يدعو إلى الإلحاد، فكانت هناك الخطب والمحاضرات، والكتب والجرائد والمجلات التي تدعو إلى ذلك، ولا هدف لها إلا القضاء على أثر الإسلام في نفوس أبناء الشعب.
ومن مظاهر ذلك:
أ-أنشئ ما يسمى (المجمع الفكري) .. حيث تلقى فيه خطب ومحاضرات تهاجم الأديان القديمة، وتبشر بوحي جديد، وكان خطباؤه خليطا من الملمين واليهود والمسيحيين (النصارى) وهي فكرة الماسونية.
ب-صدور بعض الكتب التي تدعو إلى هدم التدين جملة بإضعاف الإيمان بالغيب والتشكيك في كل ما يخرج عن دائرة المحسوس، ومن أمثلة هذه الكتب:
-كتاب " في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين "أثار فيه الشك حول تاريخ العرب قبل الإسلام، وتطرق شكه لحقائق وردت في [[القرآن الكريم]] حيث تناول ذكر إبراهيم وإسماعيل- عليهما الصلاة والسلام- بكلام لا يوصف بأقل من أنه كفر بكتب الله ورسله يؤذي إيمان المؤمنين.. حيث ذكر في كتابه أن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخ، فضلا عن إثبات قصة هجرة إسماعيل ابن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة، وأنه مضطر إلى أن يرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين العرب واليهود من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى.. ويدعي المؤلف أن هذه القصة قد اخترعت لتدعيم وجهة نظر الإسلام في الخلاف الذي كان قائما بينه وبين الوثنية الجاهلية. ويزعم أن قرابة إبراهيم وإسماعيل-0 عليهما الصلاة والسلام- للعرب ليست إلا أسطورة لقيت رواجا عند القرشيين.. وأنه ليس هناك ما يمنع قريشا من تقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم.. ويتضح من هذا جرأة طه حسين واستخفافه بما قرره القرآنمن صلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالعرب وبنائه الكعبة، مما لا يرتفع إلى أكبر من مرتبة الأساطير.
-كتاب "اليوم والغد" لسلامة موسى " ويعرض فيه آراءه في صراحة عارية لا يبالي معها بسخط الناس أو رضائهم، بل لعله يقصد إسخاطهم.. ويذكر فيه أن مصر جزء من أ,ربا وليست جزءا من آسيا، ويدعو بالخروج من التفكير الآسيوي أو بعبارة أخرى من الدين الذي جاءنا من آسيا وهو الإسلام ، ويهدم شرقية المصريين وعروبتهم وإسلامهم، ويهدف المؤلف في كتابه إلى الالتحاق بأوربا في كل شئ- في حرية المرأة كما يفهمها الأوربي..وفي الأدب وفي الثقافة والتعليم بحيث لا يكون للدين سلطان عليها.. ويهاجم الدين في أكثر من موضع من الكتاب" ويدعو إلى إبطال شريعة الإسلام في تعدد الزوجات وفي الطلاق، واقتلاع كل طابع شرقي مما يسميه (آثار العبودية والذل والتوكل على الآلهة) .. بهدم شرقيتنا وعروبتنا وإسلامنا بل يهدم التدين جملة".
ج-في مجال الصحافة: شاركت بعض الصحف والمجلات في حملات الدعوة إلى الإلحاد ومحاربة الأديان، وكانت مجلة "الهلال" في مقدمة حاملي هذا اللواء، فمن ذلك مثلا مقال نشره رئيس تحريرها تحت عنوان " حرية الفكر" يدعو فيه إلى الشك في كل فكر حتى في العقائد، وإنكار الوحي، واعتبار الأنبياء فلاسفة ومفكرين، وإخضاع الديانات التي جاءوا بها للنقد والتعديل.
ومن ذلك سلسلة مقالات كتبها سامي الجريديني تحت عنوان "أثر الثورة العالمية في النظام الدولي العام" مجد فيه النظام والحرية في المدنية الغربية، وندد فيه بالشريعة باعتبار أنها إرادة قوى لا ترد. ومقال لسلامة موسى عن " الدين والتطور وحرية الفكر فيهما" متهما فيه الدين بإعاقته لحرية الفكر.
وقد أسهمت "السياسة" الأسبوعية- لسان حزب الأحرار الدستوريين- في هذه الموجة فاتحة صدرها لكل مهاجم للدين والتدين مثل مقال " العلم والدين " للدكتور طه حسين ، ومقال لرئيس تحريرها الدكتور محمد حسنين هيكل.. ناقش من خلاله أسس العقائد الفرعونية الدينية، مقارنا بينها وبين الأديان السماوية، مشيرا إلى ما تركت فيها من آثار فيما يزعم.. وفي المقال عبارات جرأة على الدين وتهكم به وغمز له.
3-نشاط حركة التنصير والطعن في الإسلام:
ساعد وجود قوات الاحتلال حركة التنصير، فانتشر المنصرون في أنحاء البلاد في المدن والقرى، وسهل لهم الاحتلال وأشياعه من الحكام وسائل الاتصال بالأهالي، وقد عقدت عدة مؤتمرات تنصيرية في مصر وغيرها من أهمها:
أ-مؤتمر القاهرة التنصيري: انعقد هذا المؤتمر في منزل الزعيم عرابي عام 1906م (1324هـ) برئاسة القسيس (زويمر) ، وقد تناول المؤتمر بحث عدة مواضيع عن إحصاء عدد المسلمين في العالم، والنشرات التي ينبغي إذاعتها بينهم، ووسائل إسعاف المتنصرين المضطهدين، وموضوعات تتعلق بتربية المتنصرين والعلاقات بينهم وكيفية التعليم في الإسلام، وصدرت عدة كتب جمعه هذه الموضوعات مثل كتاب (التبشير بالنصرانية بين المسلمين)ى للقسيس (فليمنغ) ، وكتاب ( العالم الإسلامي) للقسيس (زويمر) الذي قدم نصائح للمنصرين منها:
1-إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم.
2-نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين.
3-تنصير المسلمين بواسطة رسول من أنفسهم.
4-ألا يقنط المنصرون إذا رأوا نتيجة تنصيرهم للمسلمين ضعيفة.
ب-" مؤتمر أدنبرج التنصيري الذي انعقد عام 1910م (1328هـ) ومن الموضوعات التي بحثت فيه: إيجاد وحدة بين المنصرين، إيجاد ميدان عام مشترك لأعمال المنصرين. واختيار خطة الهجوم والغارة على المسلمين مع إحصاء عددهم ومبلغ ارتقائهم في كل قطر. وكان من نتائج هذا المؤتمر تأليف لجان وفروع لمواصلة أعماله للإحصائيات ، والنشر والمطبوعات، والتربية والتعليم، وحسم المشاكل بين المنصرين، ودراسة العقبات التي تحول دون نشر التنصير بين المسلمين مع إنشاء مدرسة لتعليم منصري الأقطار الإسلامية تعلم فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتاريخ الأوضاع الإسلامية والأمور الاجتماعية التي اقتبسها المنصرون من بلاد الإسلام، مع تزويد هذه المدرسة بمكتبة تحتوي أمهات الكتب العربية وغير العربية المتعلقة بالإسلام".
ج-" مؤتمر لكنوا لتنصيري الذي انعقد عام 1911م ( 1329هـ) وكان من أهم ما درس فيه:
1-استنهاض الهمم لتوسيع نطاق وتعليم المنصرين والتعليم النسائي.
2-النظر في حركة الجامعة الإسلامية ومقاصدها وطرقها والتأليف بينها وبين تنصير المسلمين.
3-وسائل منع اتساع نطاق الإسلام بين الشعوب الوثنية.
4-تربية المنصرين على ممارسة تنصير المسلمين وتأليف الكتب للمنصرين وللقراء المسلمين.
ومن أهم قرارات هذا المؤتمر:
1-ضرورة حصر المساعي في القارة الأفريقية دون أن تمس تلك المساعي التي تبل في البلاد الأخرى.
2-التعجيل بتأسيس مدرسة في مصر خاصة بالتنصير مع التدقيق التام في انتقاء المنصرين وتعليمهم اللغة العربية وتاريخ الإسلام وأهم المؤلفات التي تتعلق به.
3-توسيع نطاق الأعمال التنصيرية بين النساء المسلمات بالعناية بتربية النساء المنصرات".
وقد استخدم المنصرون وسائل عدة لتحقيق أهدافهم التي تتمثل في الطعن في الدين الإسلامي، وتشكيك المسلمين في دينهم، وإبعادهم عنه، وفي النهاية محاولة تنصيرهم.
ومن أهم هذه الوسائل:
أ-التعليم: فقد رأينا كيف أوصى مؤتمر لكنو بالإسراع بتأسيس مدرسة تنصيرية في مصر، وفعلا أنشئت المدارس العديدة، ولجميع المراحل من رياض الأطفال حتى الجامعة (الجامعة الأمريكية) حتى يمكنهم الوصول إلى غايتهم عن طريق تربية أولاد المسلمين بإبعادهم عن دينهم ثم إذا أمكن بتنصيرهم.
ولقد ركزت الحركة التنصيرية على أهمية التعليم كوسيلة لتحقيق أهدافها، فنجد مثلا أحد المنصرين ( هنري جب) يكتب لأحد زملائه يقول: " لنبتهل إلى الله في سبيل تعمير نفوس أولئك الشبان الذين يترددون على الكليات، لأن التعليم في مدارس الإرساليات إنما هو وسيلة إلى غاية، هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح، وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادا مسيحيين وشعوبا مسيحية، أن المدارس شرط أساسي لنجاح التنصير، ولكنها واسطة وليست غاية.. إن المدارس قوة لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم المسيحي ثم إن هذا التأثير يستمر حتى يشمل ألئك الذين سيصبحون يوما ما قادة في أوطانهم".
ب-الطب والعلاج: وقد نال هذا الجانب اهتماما كبيرا من هيئات التنصير فأقاموا العيادات الطبية، وأنشئوا المستوصفات والمستشفيات حيث يمكنهم عن طريق تقديم الخدمات الطبية الدخول إلى قلوب المرضى الذين يأتون إليها طمعا في التخلص من عللهم وأمراضهم، فإذا بهم يجدون أنفسهم قد وقعوا في حبائل نصبت لسلب عقيدتهم، وقد كتب المنصر (س. أ. موريسون) في مجلة (العالم الإسلامي) التنصيرية يقول : ( نحن متفقون بلا ريب على أن الغاية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين عن المستشفيات أن نأتي بهم إلى المعرفة المنفذة معرفة ربنا يسوع المسيح، وأن ندخلهم أعضاء عاملين في الكنيسة المسيحية الحية".
وقد خاض مؤتمر القاهرة لتنصيري المنعقد في عام 1906 (1324هـ) في مسألة إرساليات التنصير الطبية " فقام المستر (هاربر) وأبان وجوب الإكثار من الإرساليات الطبية، لأن رجالها يحتكون دائما بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمنصرين الآخرين". وأورد الدكتور (ار. اهارس) – وهو طبيب منصر- إحصاء لزبائنه فذكر أن 68 في المائة منهم مسلمون، ونصفهم من النساء ، وختم كلامه بقوله: " يجب على طبيب إرساليات التنصير ألا ينسى ولا في لحظة واحدة أنه منصر قبل كل شئ ثم هو طبيب بعد ذلك".
ج-المساعدات: عن طريق مد يد المساعدة للمحتاجين من المرضى والفقراء مستغلين حاجة الناس بطريقة خسيسة، ومحاولين كسب ثقتهم وصداقتهم، فينفقون عليهم ببذخ كخطوة أولى على طريق تنصيرهم، فالعاطل يفتحون له باب الأمل بإيجاد ما يريده من عمل، ومن كانت أرملا أخذوا أبناءها إلى ملاجئهم وأغدقوا عليها النعم والهدايا.
د-الاختلاط المشبوه: استخدم المنصرون وسائل بعيدة كل البعد عما تدعو إليه الأديان السماوية بصفة عامة، ولكنهم في محاربتهم للإسلام ودأبهم على إبعاد أبنائه عنه استخدموا كل ما يغري الشباب عن طريق غرائزه المكبوحة عن طريق الاختلاط المشبوه وما يؤدي إليه من مفاسد سواء في نواديهم الخاصة أو بالاتصال الفردي.
" وكان المنصرون يتوسلون بظاهر الأعمال الاجتماعية الرحيمة إلى باطن التنصير، ومن أوجه النشاط الذي يستغل فيه التنصير: جمعية الشبان المسيحيين، وجمعية الشابات المسيحيات، والمخيمات، ومؤتمرات الطلاب، والألعاب الرياضية، وبيوت الطلبة، وملاجئ الأطفال... الخ، مظاهر كلها بريئة ولكنها تحمل في طياتها التنصير".
هـ- وسائل الإعلام: نظرا للإمكانات الكبيرة التي كانت تقف وراء حركة التسهيلات التي يقدمها المحتل وأعوانه، والتأييد المادي والمعنوي من قوى النصرانية داخل البلاد وخارجها، فقد أمكنهم استخدام وسائل الإعلام المختلفة وقتئذ، فقاموا بتأليف عدة كتب عن الإسلام بثوا فيها سمومهم مثل "دائرة المعارف الإسلامية" ترجمان القرآن.. ومحاولة بعضهم التأثير على المثقفين من قادة الفكر العربي عن طريق الاشتراك في المجمع اللغوي.. مثل : جب ، مرجليوت، نيكولسن" كما استخدموا الصحافة في مهاجمة الإسلام والطعن فيه، وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم " وأقاموا المحاضرات العامة التي هاجموا فيها العقيدة الإسلامية"
وقد ذكر القس (زويمر) في خطابه بمؤتمرات لكنو (1911م – 1329هـ) أن مؤتمر القاهرة (1906م- 1324هـ) كان فاتحة عصر جديد لتنصير المسلمين، لأنه كشف الحجاب عن أمور كثيرة كانت مهملة ومنسية، وحث الكتاب على وصف أعمال المنصرين في بلاد الإسلام، واستنجد بالكنائس واستصرخها ، فخاضت الجرائد والمجلات في مسألة الانقلاب العثماني والانقلاب الفارسي والنهضة المصرية وحركة الجامعة الإسلامية ومكانها من الحالة السياسية الحاضرة، وكل هذه الكتابات التي نشرتها الجرائد أبانت عما يجب أن (نعمله) في العالم الإسلامي، وصنفت الكتب الكثيرة التي يراد بها (تعريفنا) ببلاد الإسلام وحالات المسلمين مثل كتاب (الشرق الأدنى والشرق الأقصى) الذي طبع منه 45000 نسخة ومثل كتاب (أخواتنا المسلمات) وكتاب (العالم الإسلامي) الذي طبع منه 50000 نسخة، وأكثر هذه الكتب نشر بلغات متعددة، وكتب المنصرون في هذه المدة عشرين كتابا بحثوا بها في المعضلة الإسلامية من كل أوجهها وكلها مبنية على بحث واستقصاء، ومن هذه الكتب (دين الإسلام) ، (الشعائر الإسلامية)، (والإسلام والنصرانية في الشرق الأقصى) ، و( صليبو القرن العشرين) و (مصر والحرب الصليبية) و (الإسلام في الصين).
" كما تليت في ذلك المؤتمر تقارير عن حالة المؤلفات التي صنفت لتنصير المسلمين. . وتقارير أخرى في بيان ضرورة نشر مؤلفات في المناظرات الدينية التاريخية التي تكون مكتوبة بأسلوب عصري على ما تقتضيه حالة المسلمين في مصر والهند وسائر أقطار الشرق، ثم أشاروا غلى مساعدة صحف أوربا الكبرى للمنصرين لاهتمامها بالأمور الإسلامية، ومن أدلة هذا الاهتمام إنشاء (مجلة العالم الإسلامي) الفرنسية، ومجلة (الإسلام) الألمانية، ودائرة المعارف الإسلامية التي نشرت بثلاث لغات".
4- ظهور دعوة التغريب والتبعية لأوربا:
ظهرت هذه الدعوة بشكل واضح بعد الحرب العالمية الأولى، مستندة على نفوذ الاحتلال والحكومات الخاضعة له، وكان أهم عناصر هذه الدعوة:
أ-الترويج للفكر الأوربي والحضارة الغربية، وإعلاء قيمها ومفاهيمها.
ب- الغض من الفكر الإسلامي، وتاريخه، وتراثه والانتقاص منه.
ج- المقارنة بين القيم والمفاهيم الأوربية والإسلامية على أساس أن الأولى رمز للقوة والتقدم، وأن الأخيرة مصدر للضعف والتخلف.
د- محاربة الشريعة، والمناداة بفصل الدين عن الدولة.
هـ- محاربة الفصحى، والدعوة إلى العامية، وجعل اللغة الأجنبية هي لغة التعليم.
و- تحريف مناهج التعليم.
وقد قام بالترويج لهذه الدعوة جهات متعددة، تلاقت وسائلها عند هدف واحد وهي:
أ-حركات التنصير لكل وسائلها كما سبق أن اشرنا إليها.
ب- المثقفون من غير المسلمين أو المسلمون الذين تعلموا في مدارس الإرساليات التنصيرية أو في البعثات الأوربية أمثال موسى، و[[قاسم أمين]]، وطه حسين.
جـ - الشوام- غير المسلمين- المهاجرون إلى مصر الذين سيطروا على الصحافة المنتشرة وقتئذ (الأهرام- المقطم- المقتطف- الهلال) أمثال سليم وبشارة تقلا، فارس نمر، يعقوب صروف، جورجي زيدان، ففتحت صحافتهم الطريق أمام مختلف الدعوات الوافدة، " وكانت لسانا حادا على كل من دعا إلى إصلاح أو اعتدال، وكان كتاب هذه الصحف يعمدون إلى إثارة الجماهير في مشاعرهم بترجمة القصص الماجنة وكتابة الفصول اللاذعة في مهاجمة الأخلاق الإسلامية، وتحوير معالم التاريخ الإسلامي على النحو الذي يصور بعض العصور على أنها عصور تحلل ومجون...كما عمدت هذه الصحف إلى خداع الجماهير وتضليلها عن شخصيات لها دورها الخطير في دعم النفوذ الاستعماري (الاستخرابي) والأجنبي، كما عقدت لواء الزعامة لشخصيات غير صادقة الوطنية".
د- الجامعة المصرية : بما قدم فيها من أطروحات، ومشاركة بعض طلبتها في الحملة على الفكر الإسلامي، " وكانت للبحث الجامعي والحياة الجامعية حينذاك في رؤوس الكثير صورة غريبة: مضمونها أن الجامعة لن تكون علمية (علمانية) إلا إذا ثارت على الدين، وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، واندفعت وراء التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافيره، وعرف بعض أساتذتها وطلابها بالتحلل والانطلاق من كل القيود".
هـ- من حملوا لواء دعوة " مصر للمصريين" ومعنى الدعوة إلى التمصير في رأيهم الانفصال انفصالا كاملا عن الفكر الإسلامي، واستلهام الفكر الغربي، والمدرسة السياسية الديمقراطية الأوربية بكل مفاهيمها.
5- الانحلال الخلقي:
توهم المتأثرون بالحضارة الغربية من أبناء الأمة الإسلامية أن مظاهر التحلل من المبادئ والقيم الدينية، والانحلال والفساد من ضرورات التحضر والمدنية، حتى أن أحد الكتاب قال ساخرا: " نحن جزء من الحضارة الغربية في الفساد، والخمور والتحلل الخلقي" فباسم الحرية الشخصية انحرف كثير من الناس عن التمسك بأهداف الدين، وافتتحت الحانات في كل مكان، وفتحت الملاهي، والمراقص، ودور البغاء المرخصة من الحكومة، وظن مرتادوها أن ذلك مظهر من مظاهر التمدن والتقدم.
وكان للصحافة دور كبير في ترويج هذه المفاسد.. " ففي الوقت الذي تدعو فيه مجلة (الهلال) إلى فوائد مذهب (العري) ونشأته، وإلى اختلاط الجنسين في التعليم، تكتب جريدة (السياسة الأسبوعية) عن الخمر والرقص.. وتواصل حملتها في الدفاع عن دور البغاء".
وكان لهذه الظاهرة أثر شديد في سلوك الناس أغراهم على الاستخفاف بالأخلاق والآداب الإسلامية، ووجدوا في هذه الانحرافات إرضاء لنزواتهم، فأقبل كثير منهم على الخمور ، وعلى تعلم الرقص مع الفتيات، وارتياد الملاهي الليلية، وأندية الميسر، وأصبحت النظرة إلى الغناء والتمثيل والرقص بأنواعه فنا، وشجع ذلك بعض المسلمات على السفور والتعري والاختلاط الماجن.
6- ظهور الفساد الحزبي والسياسي:
في أعقاب ثورة الشعب سنة 1919م (1337هـ) تكون حزب الوفد وعلى رأسه سعد زغلول الذي كان عضوا سابقا في حزب الأمة- وهو حزب عرف عنه مهادنته الاحتلال، ومعارضته لدعوة الجامعة الإسلامية، وتفضيل الدعوة إلى "المصرية" عليها – وفي عام 1922م (1340هـ) تكون حزب الأحرار الدستوريين من الأعضاء المنفصلين عن الوفد والمخالفين لسعد، وقد سلك هذا الحزب سياسة أكثر ليونة مع الإنجليز، وفي عام 1923م (1341هـ) صدر الدستور المصري، ونجح الاحتلال في إقناع ساسة مصر بالصراع على كراسي الحكم بالانتخابات والمجالس النيابية، واستطاعت الأحزاب المختلفة الموجودة في هذه الفترة قلب المفاهيم بكلمات تتصل بالروح الوطنية، فاختفت كلمة "الثورة" وحل محلها "المفاوضة" واختفت كلمة "المستعمر" وحل محلها "الحليف" ، وكان زعماء هذه الأحزاب وكبار المسئولين فيها من الذين يدعون إلى الفكر العلماني، والدعوة إلى التغريب، وفصل الدين عن الدولة، فلم تكن هناك قيم وروابط تحدد سلوكهم في صراعاتهم على السلطة القائمة وقتئذ الماثلة في ملك يرضى عنه المحتل، كل همه الاستمتاع بجاه الملك ونعيمه، ينظر إلى الوطن نظرته إلى ملك يمينه، ويتحكم في الشعب ومصائره بما يراه ويهواه، ولم يكن لهذه الأحزاب برامج ومناهج وأهداف إلا السعي للحصول على كرسي الحكم لتحقيق المصالح الشخصية لأعضائها.
7- الوضع الاقتصادي:
قدمنا أن الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها مصر قبل الاحتلال، أحد العناصر الهامة التي أدت إلى هذا الاحتلال، واستمرت هذه الأزمة بعد أن سيطر المحتل على البلاد، وازدادت خلال الحرب العالمية الأولى، وحاول الاقتصاديون المصريون استعارة النظم الغربية السائدة محاولين تطبيقها، فتأسست الشركات والمؤسسات والمصارف على نمط غربي، ولكن كانت فئة "الرأسماليين" والأجانب خاصة اليهود هي الفئة التي تولت التطبيق، فزادت الفوارق الطبقية، كما أنه لم يمس حالة فئة العمال إلا مسا خفيفا، " أما الفلاح فقد كان نهبا لكبار الملاك الزراعيين، حيث كانت الثروة الزراعية مركزة في أيدي عدد قليل من الأفراد.. وترتب على ذلك وجود فوارق اجتماعية واضحة بين من يملكون وسائل الإنتاج، ومن لا يملكون غير قوة عملهم يبيعونها لأصحب الثروات مقابل أجور زهيدة لا تتناسب مع مطالب الحياة".
8- سقوط الخلافة الإسلامية:
تمخضت الحرب العالمية الأولى، وما ترتب عليها وتلاها من تقلبات عن أخطر ظاهرة في حياة الإسلام والمسلمين حيث سقطت الخلافة بعد أن اتصلت حلقاتها خلال ثلاثة عش قرنا ونصف قرن، وذلك على يد ملاحدة الأتراك بعد أن وصلوا إلى حكم تركيا، وتجرءوا على عزل الخليفة وإلغاء الخلافة في 2 مارس 1924م ( 26 رجب 1342 هـ) وكان إلغاء الخلافة صدمة عميقة، أصابت الناس في مصر وفي العالم الإسلامي باضطراب وحيرة، فلم يعرفوا كيف يصنعون وقد أصبح العالم الإسلامي للمرة الأولى منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بلا خليفة.
وقد وجد أعداء الفكر الإسلامي في إلغاء الخلافة منفذا لبث سمومهم، وتأصيل دعوة فصل الدين عن الدولة، ففتحت صحافة ذلك الوقت لهد صدرها، وتألفت كتب تواكب هذا النهج المنافي للدين، فكانت هناك معركة طويلة عنيفة أثارها هذا الإلغاء وما سبقه من تطورات.
ومن أهم الكتب التي صدرت خلال هذه المعركة:
1-كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) وقد نقله عن التركية عبد الغني سني " ولكن المعروف أن لجنة من الترك قد وضعته بإشارة الكماليين، وأن حكومتهم هي التي أشرفت على تأليفه وأعانت على نشره.. ويهدف إلى تبرير ما أقدم عليه مصطفى كمال من الفصل بين الخلافة وبين الحكومة بمحاولة إيجاد سند شرعي له".
2- كتاب )الإسلام وأصول الحكم) تأليف على عبد الرازق، وكان أخطر ما ظهر فيما كتب عن الخلافة " وهو يدور حول إثبات أن الخلافة نظام وتعارف عليه المسلمون وليس في أصول الشريعة ما يلزم به.. وترجع خطورة الكتاب غلى الظروف التي أحاطت بظهوره، كما ترجع إلى جرأته وعنفه في مصادمة عواطف الناس، وفي تحدي مشاعرهم، وفي التشكيك- الساخر أحيانا- فيما تطمئن إليه نفوسهم، دون أن يقدم الأدلة القوية الواضحة على ما يذهب إليه من مزاعم تخرج عن المألوف، ثم إن الكتاب قد ظهر بعد إلغاء مصطفى كمال الخلافة، والناس يكادون يجمعون على تسفيه صنيعه" وقد قدم المؤلف إلى المحاكمة أمام هيئة كبار العلماء التي أصدت حكما بإخراجه من زمرة العلماء.
رد الفعل الإسلامي:
في هذا الجو الحالك تحرك الغيورون على الإسلام لمقارعة هذا الطوفان العرم، دفاعا عن الفكرة الإسلامية ضد من أساءوا إليها، وتمثل رد الفعل الإسلامي في عدة مظاهر أهمها:
1-بروز صحافة إسلامية تحمل لواء هذا الدفاع.
2- ظهور كتاب ومفكرين إسلاميين ساهموا بأقلامهم من خلال هذه الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى.
3- تأسيس جمعيات إسلامية لتجميع الإسلاميين للدفاع عن الإسلام.
1-الصحافة الإسلامية:
برزت صورة الصحافة الإسلامية واضحة عندما أصدر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في باريس جريدة "العروة الوثقي" عام (1301هـ- 1884م) فكانت الحجر الأول في بناء الصحافة الإسلامية في العالم الإسلامي، تحمل طابع الدفاع عن الإسلامي وتحرير بلاد المسلمين، ولكن "العروة الوثقى" لم تستمر طويلا، فقد توقفت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا، حيث واجهها الاستعمار بحرب عنيفة ومقاومة ضخمة في كل أنحاء العالم الإسلامي، وفرض على من توجد عنده غرامية كبيرة ولكن "العروة الوثقى" كانت البذرة الأولى لهذا اللون من الصحافة الإسلامية الذي امتد إلى يومنا هذا.
وفي هذا المجال سنلقي بعض الضوء على نموذجين من أهم ما ظهر من هذا اللون من الصحافة، وهما مجلتا "المنار"، و "الفتح".
المنار
مجلة شهرية تبحث في فلسفة الدين وشئون الاجتماع والعمران
"تصدر في كل شهر عربي مرة"
لمنشئها
السيد محمد رشيد رضا
عنوانها (مصر- إدارة مجلة المنار) والتلغرافي "المنار بمصر"
أ-مجلة المنار:
أصدرها السيد ممد رحشيد رضا في 22 شوال 1315 هـ (14 فبراير 1898م) " في شكل صحيفة أسبوعية ذات ثماني صفحات كبيرة" وفي السنة الثانية صدرت أعدادها في حجم القطع المتوسط الذي استمرت عليه طوال إصدارها، واستمرت أسبوعية خلال سنتها الثانية، ثم نصف شهرية في سنتها الثالثة إلى أن أصبحت شهرية، وظل يصدرها الشيخ رشيد حتى وفاته في جمادي الأولى 1354هـ (أغسطس 1935م) بعد أن صدر منها عددان في عامها الخامس والثلاثين.
وعدما أنشأ الشيخ رشيد (المنار) أشار عليه الشيخ محمد عبده بثلاثة أمور:
1-ألا تتحيز المجلة لحزب من الأحزاب.
2- ألا ترد على جريدة من الجرائد التي تتعرض لها بذم أو انتقاد.
3- ألا تخدم أفكار أحد من الكبراء.
فكانت مجلة (المنار) منبرا يوجه منه أحاديث للدفاع عن الإسلام، وكانت حافلة بمقالات وبحوث وفتاوى أكثرها بقلم الشيخ رشيد، بالإضافة إلى دروس تفسير القرآن التي بدأها الشيخ محمد عبده في محرم 1317هـ (مايو 1899م) وانتهى منها عند تفسير الآية (125) من سورة النساء قبل وفاته (جمادي الأولى 1323هـ- يوليو 1905م) بأشهر قليلة ثم تابعها الشيخ رشيد رضا بتفسيره للقرآن الكريم مقتفيا أثر أستاذه بنفس الأسلوب ونفس المستوى حيث كان في درجة من العلم والإدراك والإحاطة لا تقل عن درجة أستاذه فيها تقريبا.
تميزت افتتاحيات السنين الأولى في مجلة المنار بالأسلوب الخطابي لتنبيه الأمة وإيقاظها، ففي فاتحة أول عدد ظهر منها، قال الشيخ رشيد بعد أن حمد الله وأثنى عليه:" أما بعد فهذا صوت صارخ بلسان عربي مبين، ونداء حق يقرع مع سمع الناطق بالضاد مسامع جميع الشرقيين، ينادي من مكان قريب يسمعه الشرقي والغربي، ويطير به البخار فيتناوله التركي والفارسي.ز" ويقول: " أيها الشرق المستغرق في منامه، ويطير به البخار بلذيذ أحلامه، حسبك، فقد تجاوزت بنومك حد الراحة، وكان يكون إغماء أو موتا زؤاما، تنبه من رقادك، وامسح النوم عن عينيك، وانظر إلى هذا العالم الجديد، فقد بدلت الأرض غير الأرض، ودخل الإنسان في طور آخر خضع له هذا العالم الكبير، فهذه لجمادات تتكلم بغير لسان، وتكتب من غير قلم ولا بنان، والوحوش حشرت مع الأنعام، والمركب تجوب السهوب والفيافي وتقترع الأعلام، بل طارت في الهواء تسابق الرياح، وتساهم ذوات الجناح، واستولى أخوك المستيقظ على قوى الطبيعة فقرن بين الماء والنار، وولدهما البخار، واستخدم الكهرباء والنور فاخترق بذلك الجبال، واختبر أعماق البحار، وعرف مساحة الهواء، ونفذت أشعة بصره الكثائف، ووصلت أمواج صوته إلى كل مكان سحيق، فقرب أبعاد الأرض وجمع بين أقطارها ، بل عوج بهمته للقبة الفلكية ، فعرف الكواكب ومدارها، ومادتها ومقدراها"
ثم يقول : " انظر وتأمل ماذا يفعل أخوك المستيقظ؟ يدك الحصون والصياصي، ويقوض المعاقل والهياكل وهو متكئ على أريكته ينظر إليها بالآلة المقربة للبعيد، ويقيم الحصون والأسوار، ويشيد البوارج والأبراج ولا يثبط له عضد، ولا يندي له جبين.. واعلم أن هذا العصر عصر العلم والعمل، فمن علم وعمل ساد، ومن جهل وكسل باد، وما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".
وهكذا يستمر في دق أجراس الخطر الذي دهم الأمة، وأحاط بها من كل جانب، من استعمار الأجانب، وفتور العزائم، وخلل الإدارات، وتواكل الأعمال، وغطرسة الرؤساء وخنوع الدهماء. وعن منهج المجلة يقول:" وغرضها الأول الحث على تربية البنات والبنين، لا الحط من الأمراء والسلاطين، والترغيب في تحصيل العلوم والفنون، لا الاعتراض على القضاة والقانون، وإصلاح كتب العلم وطريقة التعليم، والتنشيط على مجاراة الأمم المتمدنة في الأعمال النافعة وطروق أبواب الكسب والاقتصاد، وشرح الدخائل التي مازجت عقائد الأمة، والأخلاق الرديئة التي أفسدت الكثير من عوائدها، والتعاليم الخادعة التي لبست الغي والرشاد، والتأويلات الباطلة التي شبهت الحق بالباطل، حتى صار الجبر توحيدا، وإنكار الأسباب إيمانا، وترك الأعمال المفيدة توكلا، ومعرفة الحقائق كفرا وإلحادا، وإيذاء المخالف في المذهب دينا، والجهل بالفنون والتسليم بالخرافات صلاحا، واختبار العقل وسفاهة الرأي ولاية وعرفانا، والذلة والمهانة تواضعا، والخنوع للذل والاستبسال للضيم رضا وتسليما، والتقليد الأعمى لكل متقدم علما وإيقانا".
وهكذا يطيل النفس في أول مقال للمجلة، في تشخيص الداء، ووصف ناجع الدواء، بهذا الأسلوب الخطابي الذي يوقظ النائمين الذين يغطون في نومهم، واللاهين عن النظر في مستقبلهم ومستقبل دينهم وبلادهم.
ويختتم المقال بقوله:" لكني وطنت النفس على الاقتناع بمؤازرة الكرام، ومعاضدة الأخيار، نعم ، إن الكرام قليل، ورجاؤنا أن يكونوا آخذين في النمو، لما تقتضيه حالة العصر، ويزعج الأمة إليه موقفها الحرج، وبالله المستعان، وعليه التكلان " ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شئ قدرا".
وقد عاصرت "المنار" القضايا الإسلامية المعاصرة في ذلك الوقت، فكانت صفحاتها دفاعا مستميتا عن هذه القضايا، وسلاحا بتارا في وجه أعداء الدين والأمة.
ولم تتوقف "المنار" خلال حياة السيد رشيد إلا فترات قليلة " فقد اضطرب نظامها خلال الحرب العالمية (الأولى) عندما سافر صاحبها إلى سوريا مشتركا في الحركة العربية سنة 1338هـ (1920م).
وكان إصدار "المنار" خلال هذه المرحلة الطويلة من حياة صاحبها علامة من علامات قوة الإرادة والإيمان بالفكرة والإصرار الذي لا يبارى بالرغم من ضعف التوزيع والاعتماد على الاشتراكات وتوقف كثير من المشتركين عن الدفع.
" وقد بلغن (المنار) قدرا وافيا من الشهرة والذيوع في آفاق المشرق والمغرب.. وكان لها أثرها في الحركة السلفية التي ظهرت في المغرب وحملت من بعد لواء دعوة الحرية والكفاح السياسي في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وكان لها أثرها في حركة الإمام عبد الحميد بن باديس في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وكان لها دورها الفعال في حماية اللغة العربية في الجزائر، وكان لها أثرها في قضايا الحرية والوطنية في مواجهة حركات الاستعمار الفرنسي والبريطاني والهولندي في أفريقيا وآسيا".
" وكانت دار مجلة (المنار) ملتقى كثير من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك العهد، واتخذت أكثر القرارات في مواجهة المؤامرات ضد الإسلام في هذه الدار".
" وكانت حافلة دوما بالأعلام والزعماء الذين يقدمون إلى مصر من كل مكان في عالم الإسلام".
الفتح
صحيفة إسلامية علمية أخلاقية
"تصدر يوم الخميس من كل أسبوع"
ب-مجلة "الفتح":
أصدرها السيد محب الدين الخطيب، وصدر العدد الأول منها في 29 ذي القعدة 1344هـ (10 يونيو 1926م) أسبوعية فحقق لها ذلك مقارعة الأحداث قرعا مقاربا، وأتاح لها مصافحة القارئ المسلم على مدار الأسبوع، فضلا عن اهتماما الواسع بالفكر الإسلامي، وتنشئة جيل ضخم من كتاب العالم الإسلامي.
اهتمت "الفتح" بقضايا وأخبار العالم الإسلامي فحفلت بكتابات المغاربة و" أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك (يوغسلافيا) ودراسة حالة المسلمين في مليبار، والإسلام في شرقي إفريقيا، وقضية فلسطين، وتعليم اللغة العربية في الهند، ومشكلة المسلمين في الحبشة، وعرب زنجبار، والإسلام في أندونسيا، وعن مسلمي بولونيا.. ومقالات مطولة عن حاضر مسلمي الهند وغابرهم، وعن المعاهد في طرابلس وبرقة".
وقد تصدت منذ صدورها للحملات العاتية الموجهة ضد الإسلام، والتي كان يثيرها دعاة الإلحاد والتغريب، وفندت المؤلفات التي تطعن في الإسلام ونظمه وتشريعاته ككتاب "الإسلام وأصول الحكم" " للشيخ على عبد الرازق" وكتاب " في الشعر الجاهلي " للدكتور طه حسين.
وقد صدرت المجلة على عهد قريب من إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا، فأوضحت ما ارتكبه العهد الكمالي من مساوئ بجلبه للقوانين الغربية واقتفائه أثر الغرب ومحاربته للإسلام ودعاته وقادت الحملة ضد التبشير والبغاء والدعوة إلى التفرنج ، كما اهتمت بإبراز عظمة الإسلام والدعوة إليه، والأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين، ودعت إلى إصلاح الأزهر والجامعة الأزهرية.
وكانت "الفتح" من أول الداعين " لجمعية الشبان المسلمين" عند تكوينها بنشر بياناتها وأخبار نشاطها، والمحاضرات التي تلقي بها، كما فتحت صفحاتها لكل الداعين إلى الإسلام.
وقد صدرت "الفتح" خلال فترة عصيبة من تاريخ الأمة الإسلامية من حيث محاولا التدمير والتغريب الضخمة التي حمل لواءها النفوذ الغربي لتثبيت كيانه، وهدم صرح القوة الفكرية والروحية في هذه الأمة، وهو العمل الحقيقي الذي تصدت له "الفتح" وحملت لواءه، ولم تترك كلمة تنشر في الصحف المصرية أو العالم الإسلامي فيها اتهام للإسلام دون أن ترد عليها ، وتكشف زيفها.
ويمكن القول بأن مجلة " الفتح" قامت بمهمة كان قوامها:
1-الدفاع عن حقائق الإسلام.
2- حقوق المسلمين.
3- مقاومة تيار الإلحاد.
4- الرد على خصوم الإسلام.
5- حماية اللغة العربية.
6-6- بعث الأمجاد والمفاخر الإسلامية
7-إحياء التراث الإسلامي.
8- تصحيح التاريخ الإسلامي.
9- امتزاج العروبة بالإسلام.
10- السلفية النقية في العودة إلى منابع الإسلام الأولى.
وقد ظلت (الفتح) تصدر لمدة أربعة وعشرين عاما ثم توقفت عام 1368هـ (1949م) وقال صاحبها: " أوقفتها من يوم أصبح حامل المصحف في هذا البلد مجرما يفتش ويعاقب" .. يشير إلى مطاردة الإخوان المسلمين.
2- الكتاب والمفكرون الإسلاميون:
إن الأمة التي تحمل رسالة حية ما تزال على مدى التاريخ ينبعث من أعماقها دعاة وكتاب ومفكرون يجددون فكرها ويذودون عن حياضها ويدفعونها إلى الأمام، مهما كانت هجمة أعدائها عليها في فترة ضعف من حياتها.
وقد كان أبلغ رد فعل إسلامي على الهجمة النصرانية، ظهور كتاب ومفكرين إسلاميين برزت صورة نضالهم في مجال "القلم" فقد كان " القلم" سلاحا جبارا في أيدي هؤلاء الأعلام، حيث كانت "الكلمة" منارا متوهجا يدفع إلى العمل والبناء، ووقود لليقظة الإسلامية التي أيقظت القلوب الغافية، وردت الإيمان إلى النفوس الجزعة في وقت كانت الأمة تتردى في وهدة اليأس، ويقسو عليها الظلم، ويكيد لها الأعداء من كل جانب.
ومما لا شك فيه أن هنالك عددا كبيرا ممن قادوا هذه اليقظة وحملوا لواءها، وكل حسب جهده وإمكاناته، ولكن في هذا المجال الضيق سنحاول إلقاء الضوء على بعض هؤلاء الكتاب والمفكرين الذين سخروا أقلامهم للدفاع عن هذا الدين من خلال وسائل الإعلام المتاحة وقتئذ من صحافة قومية وإسلامية، أو بما ألفوه من كتب ردا على من سولت لهم أنفسهم مهاجمة نظم الإسلام وشرائعه، أو لبيان وتوضيح بعض جوانب الفكر الإسلامي.
ومن هؤلاء الكتاب والمفكرين الإسلاميين الذين عاصروا العقدين الرابع والخامس من القرن الرابع عشر الهجري- وهي الفترة التي سبقت ظهور جماعة " الإخوان المسلمون" السيد محمد رشيد رضا، والشيخ مصطفى صبري، ومصطفى صادق الرافعي، والسيد محب الدين الخطيب.
أولا: السيد محمد رشيد رضا:
يعد أحد ثلاثة من أساطين علماء المسلمين في عصره الذين حملوا لواء الإصلاح الإسلامي بعد جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، كما يعد أحد كتاب الموسوعات الدورية التي عرفتها الصحافة العربية في أوائل هذا القرن "المنار".
ولد ونشأ في "القلمون" بطرابلس الشام، وتعلم فيها، رحل إلى مصر عام 1315هـ (1898م) عالما أديبا، به شحنة قوية من حب الإصلاح، والجهاد والعمل، اتصل بالشيخ محمد عبده الذي سبق أن تعرف به من خلال أسلوبه وكتاباته في مجلة " العروة الوثقى" – التي شارك فيه جمال الدين الأفغاني في باريس- ولقائه به في طرابلس الشام.
استشار الشيخ رشيد الشيخ محمد عبده في إنشائه صحيفة، فصدرت مجلة "المنار" في نفس عام وصوله إلى مصر، وظل يصدرها حتى وفاته.
استطاع الشيخ رشيد أن يرسم صورة لمفاهيم الفكر الإسلامي في خطواته نحو اليقظة والتجديد خلال الفترة التي عاشها مع الشيخ محمد عبده حتى وفاة الأخير في 1323هـ (1905م) . " ومع تطور الأحداث بدأ مرحلة جديدة يبدو منها طابع القومية العربية مرتبطا بالإسلام.. ثم لم يلبث أن أصبح عضوا في الحكومة العربية السورية الأولى التي أقامها فيصل بعد إعلان الهدنة للحرب العالمية الأولى، فلما سقطت هذه الحكومة واستولى الفرنسيون على سوريا عاد الشيخ رشيد إلى مصر، وأعاد إصدار "المنار" التي توقفت فترة ذهابه إلى سوريا، حيث بدأت مرحلة جديدة امتدت به إلى نهاية حياته.. جمع فيها بين العمل في ميدان الفكر الإسلامي وبين القضايا السياسية في العالم الإسلامي، فهو يفسر القرآن، ويكمل مراحله بعد وفاة الشيخ محمد عبده ويسير على منهجه وإن خالفه في بعض آرائه، فهو امتداد له في النظرة العامة من ناحية، وله من ناحية طابعه الاستقلالي الواضح في التفاصيل"
مدرسة دار الدعوة والإرشاد:
نشأ مع الشيخ رشيد- منذ صدر شبابه- ميله إلى وعظ العامة وإرشادهم، وقويت رغبته في أن يتولى هو نفسه تربية طائفة من الشباب يصنعهم على عينه، يقوم بعضهم بواجب الدعوة إلى الإسلام، ورد شبهات المعترضين عليه، متسلحين بما يتسلح به أمثالهم من رجال الدعوة في الأمم الراقية من الجمع بين علوم الدين وما لابد منه من علوم الدنيا، ويقوم الفريق الآخر بإرشاد المسلمين إلى ما هو أجدى عليهم في دينهم ودنياهم، مع خبرة مجال العصر، وما ينبغي أن يكون عليه المرشد من مسايرة الزمن.
" وتمكن الشيخ رشيد- بمساعدة أهل الفضل والغيرة- من إنشاء مدرسة ( دار الدعوة والإرشاد) في 12 ربيع الأول 1330 هـ ، فلقيت استحسان المخلصين، ولكنها لم تنج من إرجاف المرجفين وأذى المفسدين، فلبس لها بعض الناس مسوح الرهبان، وترصدها المبشرون، وأنذرت القناصل دولها عاقبة أمرها قائلين( إن مدرسة أنشئت بمصر سيكون لها من الأثر في تنبيه المسلمين ما سيكون خطره عظيما على سياستنا ومصالحنا ) .. كانت المدرسة ملتقى الطلاب من مختلف البلاد الإسلامية، وكان الطلاب فريقين:
فريقا منتسبا يحضر من الدروس ما يشاء، وفريقا مقيما بالمدرسة يحتم عليه حضور الدروس كلها، ويؤمن له المسكن والمأكل والكتب، وكان لهذا الفريق نظام خاص يسلكه في معيشته وتربيته بما يتمشى والهدف من تأسيس المدرسة، وهو تكوين الشباب المسلم. وقام الشيخ رشيد بإدارة المدرسة والتدريس فيها مع آخرين حملوا نفس الهدف الذي يسعى إليه، ولم يمض على إنشاء المدرسة ثلاث سنوات حتى اشتعلت نار الحرب الكبرى وما تلاها من تطورات أدت إلى شدة سيطرة المحتل على مصر، وانقطاع الإعانة التي كانت مقررة للمدرسة مما اضطرها إلى الاكتفاء بمن فيها من الطلاب فلم تقبل جديدا، ثم تحللها مما كانت تلتزمه من نفقة المأكل والكتب، وظلت تجاهد هذا العنت في وفاء وضعف سنتين ثم ودعت الحياة تاركة آثارا حسانا وميراثا عظيما مما تربوا في أحضانها".
وقد كانت "المنار" عونا للشيخ رضا في نشر كثير من المحاضرات والدروس التي تلقى بمدرسة " دار الدعوة والإرشاد" ليستفيد منها الطلاب المنتسبون وقراء "المنار" .
كان الشيخ رشيد يدعو في كتاباته إلى توحيد المسلمين، والدفاع عن الإسلام وعدم تقليد الغرب تقليدا أعمى، والدفاع عن الشريعة الإسلامية والتأكيد بأنها غنية عن كل القوانين الوضعية، وصالحة لكل زمان ومكان.
ففي مجال دفاعه عن الجامعة الإسلامية كتب في "المنار" يقولك " إن المنار إنما أنشئ لإيقاظ وتجديد الإسلام بإعادة تكوين الأمة، وحياة الملة والدولة" .
ومن قوله أيضا: " لقد كان همي محصورا في تصحيح عقائد المسلمين ونهيهم عن المحرمات وحثهم على الطاعات، وتزهيدهم في الدنيا، فتعلقت نفسي بعد ذلك بوجوب إرشاد المسلمين عامة إلى المدنية والمحافظة عل ملكهم ومباراة الأمم العزيزة في العلوم والفنون والصناعات وجميع مقومات الحياة.. لم أعد أرى الدين مجرد وعظ وإنما أعرف أن الدين أكسب عقول البشر عقائد وأودع نفوسهم خصالا كل منها ركن لوجود الأمم وعماد لبناء الهيئة الاجتماعية".
وفي أعقاب سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا نشر الشيخ رشيد سلسلة من المقالات بمجلة المنار نشرها في كتاب "الخلافة أو الإمامة العظمى" قدم فيه إلى بيان فضل الشريعة الإسلامية على الشرائع الغربية، وأكد فيه شرعية الخلافة وأهميتها للمسلمين وصلاحيتها لكل العصور، ووجه من خلال ذلك النصح للترك من أن الإسلام قادر على تحقيق الرقي أكثر من المدنية الغربية، وأوضح أن نهضة المسلمين تتوقف على إقامة الخلافة الإسلامية، ودعا العرب والترك إلى التعاون على إقامة هذه الخلافة، وأوضح في كتابه مكان اللغة العربية فقال:" إن اللغة رابطة من روابط الجنس، وقد حرم الإسلام التعصب للجنس، لأنه مفرق للأمة، ذاهب بالاعتصام والوحدة، واضع للعداوة موضع الألفة وقد كان من إصلاح الإسلام الديني والاجتماعي توحيد اللغة، بجعل لغة هذا الدين العام لغة لجميع الأجناس التي تهتدي به، فهو قد حفظ بها، وهي قد حفظت به، فلولاه لتغيرت كما تغير غيرها من اللغات، ولولاها لتباعدت الأفهام في فهمه. وما خدم الإسلام أحد من غير العرب إلا بقدر حظهم من لغته، ولم يكن أحد من العرب في النسب يفرق بين سيبويه الفارسي النسب وأستاذه أحمد بن حنبل العربي في خدمة السنة.. ولولا أن ظل علماء الدين في جميع الشعوب الإسلامية مجمعين على التعبد بقراءة القرآن المعجز للبشر بأسلوبه العربي، وأذكار الصلاة وغيرها بالعربية، ومدارسة التفسير والحديث بالعربية، لضاع الإسلام منها".
وقد كان للشيخ رشيد مكانة مرموقة ، وتقدير جليل لقوة شخصيته، وطابع فكره، فقد أحاط بالتراث الإسلامي إحاطة ضخمة، وعميقة، مستوعبة، واستطاع أن يهضم هذا التراث ويتمثله، وكانت له أهمية ضخمة، وعزيمة حية، وجلد لا حد له على العمل، وصبر لا ينفد له في احتمال المتاعب من أجل استمرار مجلته، فهو يستدين ، ويواجه الصدمات والعقبات، فلا يزال يواجهها بثبت عجيب، حتى لا يتوقف العمل.
" ولم يقف نشاطه إلى حد إصدار مجلة المنار، بل لقد حفلت الصحف اليومية بكتاباته في مختلف المناسبات والقضايا والمواقف، فهو حي دائما، يخطب ويحار، ويناقش خصومه، ويفترع المساجلات ويدخل المناظرات، وله باع واسع في الجدل والمصاولة، وقدرة على كسب الرأي العام إلى وصفه، وله سم أنيق رقيق، ومواقف، ومجاملات تخلق له جو الصداقة حتى كانت الصحف التي تختلف معه في الرأي تكتب عنه وتجامله".
وأبرز ما اتسم به لشيخ رضا:
1-النظرة الكلية والقدرة على الارتفاع فوق تفاصيل الأحداث. يقول الشيخ رشيد: " إنني لم نشئ المنار ابتغاء ثروة أتأملها، ولا رتبة من أمير أو سلطان أتجمل بها، ولا جاه عند العامة والخاصة أباهي به الأقران وأباري به أعلياء الشأن، بل لأنه فرض من الفروض يرجى النفع من إقامته، فلم أكن أبالي بشئ إلا قول الحق والدعوة إلى الخير".
2- أنه درس على نفسه وعلى أساتذة اختارهم ورضي عنهم، فاستطاع أن يتصور مفهوم"" العلم الصحيح بأنه ما كان صفة للناس، والعلم النافع ما كان باعثا على العمل الصالح، والعمل الصالح هو ما أصلحت به نفس العامل، وكانت قدرة حسنة لكل من عرفها".
3- تفتح نفسه للحياة والحضارة: فهو قارئ ومستفيد بكل الثقافات الغربية، متصل بكل أصحاب الآراء والأفكار على نحو من التسامح والتطلع ومعرفة الجوانب المتعددة للحياة.
4- مفهومه للإسلام: كان مفهومه للإسلام بسيطا سمحا، وقد طلع نتيجة لقراءاته واتصالاته بأعلام عصره برأي هو: علة العلل في حياة المسلمين أن المسلمين قد ابتعدوا عن بساطة الإسلام الأولى، وأن العلاج هو تحرير العقيدة والعودة إلى الوحدة الفكرية والاجتماعية، يقول الشيخ رشيد:" على المسلمين أن يعلموا أن قيمة الدين ليست في أسراره الروحية أو قواه الخافية، ولكنها تكمن في الحقيقة التي يعلمها للإنسانية وهي أن سعادة المرء في هذه الحياة والحياة الأخرى تتوقف على معرفة سنن الله التي تضبط رقي البشر أفرادا وجماعات، ويجب على المسلمين أن يعلموا أن الله لا يمنع خيرات العالم عن أولئك الذين يطلبونها بالطرق الصحيحة سواء أكانوا مسلمين أم غي مسلمين".
مؤلفاته وآثاره: تفسير القرآن الكريم ( 12 مجلدا)، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده ( 3 مجلدات) ، نداء الجنس اللطيف، الوحي المحمدي، الخلافة، الوهابيون والحجاز، شبهات النصارى وصحيح الإسلام، مجلة المنار.
ثانيا: الشيخ مصطفى صبري 1386- 1273 هـ (1869- 1954م):
من علماء الحنفية، فقيه وباحث وكاتب، تركي الأصل والمولد والمنشأ تولى مشيخة الإسلام في الدولة العثمانية، قاوم الحركة " الكمالية" ، غادر الآستانة فرارا من الكماليين قبل استيلائهم عليها سنة 1342هـ ( 1923م) ، حضر إلى مصر ثم انتقل إلى ضيافة الملك حسين في الحجاز، ثم عاد إلى مصر حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال، سافر إلى لبنان، ثم إلى رومانيا ثم على اليونان حيث اصدر جريدة (يارن) ومعناها (الغد)، وظل يصدرها نحو خمس سنوات حتى أخرجته الحكومة اليونانية بناء على طلب الكماليين، ثم عاد واستقر في مصر.
قام الشيخ مصطفى صبري بالرد على شبهات الملحدين، ودعاوى الماديين والمنحرفين عن الدين، ورد الناس إلى التمسك بالشريعة والإيمان بالكتاب كله دون تفريق بين دقيق وجليل.
كان أول ما أصدره هو كتاب (النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة) الذي ظهر عام 1342 هـ (1924م) ، وقد تصدى فيه لمهاجمة الكماليين، وعن عصبيتهم للجنس التركي، ومحاربتهم للعصبي الإسلامية، وعن صلتهم باليهود، وعن تواطئهم مع الإنجليز، " وقد رد المؤلف في ثنايا كتابع على كثير من حجج الكماليين وأنصارهم مبينا فسادها، كما رد على بعض ما يثيره المتفرنجون من شبهات... خاصة ما يتعلق بالأحكام الشرعية وعلماء الدين.. ولم يكد ينتهي المؤلف من طبع كتابه حتى وردت الأنباء بإلغاء مصطفى كمال للخلافة.. فألحق بالكتاب فصلا قصيرا ذكر فيه المسلمين بما قاله في الكماليين: ( وقد أردت أن أبين لهم الحق قبل هذا بسنة ونصف سنة، فأمطروا علي الشتم واللعن، وكررت النذير بعد سنة فكرروا النكير، وأصروا على ضلالهم وتحبيذ الضلال الكمالي، إلى أن اعترفوا بالحق، وعنفوا الحكومة التركية حين لا ينفع الاعتراف والتعنيف، فقد سبق السيف العزل ، وشابه الجد في إبطائه الهزل، فما لصولة صحفهم اليوم على مصطفى كمال وحكومته إلا قيمة الندم.. فليفتح عالم الإسلام عينيه، وليأخذ حذره من الملحدين الذين دبت عقاربهم ونجحت في بلادنا تجاربهم، فلا ينقذه المسلك الذي سلكه، ينام وينخدع بهم على ما شاء الله وشاءوا، ثم ينتبه بعد ما كانت الكائنة ولات حين جدوى لذلك الانتباه)".
" قد كان مصطفى صبري مدفوعا في كل ما يكتبه بما استيقنته نفسه من أن الغرب يجد في محو الإسلام، وأن نجاح مكيدته في تركيا نذير بانتشارها، فهو يجاهد بكل ما يسعه من قوة لمنع المسلمين من الانحدار إلى نفس المصير الذي صار إليه الترك على يد الكماليين، بعد أن لمس نكبتهم بيده، وجربها بنفسه، ومارسها في كفاحه الذي تنقل فيه بين المهاجر حتى استقرت به النوى في مصر، فاتخذها مركزا لنشاطه، بعد أن خلفت تركيا مكانها من العالم الإسلامي".
ومن الكتب التي ألفها كتاب ( مسألة ترجمة القرآن) ناقش فيه حجج من قالوا بجواز ترجمة القرآن والتعبد بها في الصلاة، وبين فساد ذلك من الناحية الشرعية بأدلة كثيرة قوية، ثم كتاب ( موقف البشر تحت سلطان القدر) رد فيه على زعم بعض الزاعمين من أن تأخر المسلمين وتواكلهم يرجع إلى إيمانهم بعقيدة القضاء والقدر. ثم أصدر كتاب ( قولي في المرأة.. ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب) ثم كتاب ( القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون) . وكان آخر ما ظهر للمؤلف هو كتابه الكبير ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين).
ثالثا: مصطفى صادق الرافعي 1298- 1356هـ (1881- 1937م):
أديب ، كاتب، شاعر، رائد من رواد الفكر الإسلامي في زمن تحالفت فيه القوى على حرب الإسلام والوقوف في وجه انطلاقته في كل سبيل، وقف مع القيم الإسلامية يدافع عنها أعدائها، وتصدى من أجلها لخوض معارك أدبية طاحنة.
شغلته قضية المرأة بتتبع آراء قام أمين وأخطائه فيما دعا إليه بما أسماه تحرير المرأة، وعن تهجمه على الدين وسوء فهمه له، فترصد له ولكل داع إلى السفور يناقشه ويحرجه ويرد خطأه بصواب الحق وبصوت الإسلام.
وتكاد تكون قصة "الطائشة" في أدب الرافعي وقفا على الحديث عن المرأة التي تحررت فطاشت، وهو في هذه القصة لا يناقش قاسم أمين وحده، وإنما يناقش معه داهية آخر من أولئك المفتونين بالحضارة الغربية المخدوعين بها الذين حاربوا الدين باسمها وبنظمها، وذلك هو مصطفى كمال أتاتورك".
وينظر الرافعي بعين المصلح الواعي لأبعاد المشكلات التي خلفتها قضية المرأة في عصره أو قضية تحريرها- كما زعموا- أو تجريرها كما يرى هو.. فيناقش أسبابها ونتائجها ويردها إلى ضعف التربية الدينية في الجنسين.
وفي موقف الرافعي من ميراث المرأة في الإسلام، تصدى لسلامة موسى الذي نشر محاضرة له في جريدة "السياسة" الأسبوعية تحدث فيها عن ميراث المرأة في الإسلام ومطالبته بأن تتساوى مع ميراث الرجل. فرد عليه الرافعي، وأوضح تخبطه وجهله وضلاله، ووضعه في حجمه الحقيقي، وألزمه الجادة، وكشف عن الخبء الذي أملى عليه باطله وتزييفه للحقائق بما هو معروف عنه بالتعصب والحقد على الإسلام وحضارته.
وقد عاش الرافعي ظروف الحرب العالمية الأولى وعايش أحداثها ورأى نتائجها في مجتمعه وما خلفته من آثار أخفها الفقر، وما تولدت عنه من آفات بسوء الأخلاق وفساد الذمم، فأراد أن يعالج هذه المشكلة كصاحب قلم ومصلح، وصاحب رأى ، ومسلم صاحب دين وخلق ، فأفرد لها كتابه " المساكين" فاستطاع أن يقدم نموذجا أدبيا إنسانيا للفقير أو المسكين.
وينظر الرافعي إلى مشكلة الفقر وما يتفرع عنها على أنها مشكلة لا يحلها إلا الإيمان، ويربط في براعة مؤمنة بين إيمان المؤمن والقضاء على مشكلة الفقر.. يقول الرافعي:" يزعمون أننا في عصر العلم، وفي دهر القانون، ويريدون أن يسلبوا الناس إيمانهم، كأن الإيمان هو مشكلة الإنسانية، مع أنه لا حل لمشكلتها إلا به".
ولم يكن كتاب "المساكين" هو كل ما قاله الرافعي في مشكلة الفقر، ولكنه اهتم بالحديث عن هذه المشكلة وما يتفرع عنها من مشكلات في عدد من المقالات والبحوث".
وفي مجال دفاعه عن الإسلام، وما أصاب دولة الخلافة من ضربات أدت إلى إلغاء الخلافة وتفرق وحدة العالم الإسلامي " اهتم الرافعي بكشف حقيقة مصطفى كمال الذي تنكر للإسلام سبيلا في حكمه وسياسته، وقد سجل الرافعي في تاريخ هذا الطاغية صورة دقيقة لحقيقة الحاكم المستبد المغرور، مع تحليل دقيق لنفسه ومشاعره، وتعرف بصير على نواياه وأهدافه.
وعن قضية نفوذ الإنجليز في مصر وسيطرتهم على مقدراتها- وإغراقها- كغيرها من الدول الإسلامية- بوسائل المدنية الأوربية خاصة ما يسلب- من هذه الوسائل- المسلمين تماسكهم وتمسكهم بدينهم فيما عرف بالتغريب حينا، وبالتمدن والتطور حينا آخر.. كتب الرافعي سلسلة من المقالات عبر فيها عن آرائه السياسية لهذا النفوذ، وكشف فيها كل بعد من أبعاده، وعن تعصب الإنجليز ضد الإسلام والمسلمين، وعن الامتيازات الأجنبية وما يتمتع به الأجانب في مصر من امتيازات تفضلهم على أصحاب البلاد.
كما هاجم من سماهم بصعاليك العلم من أبناء المسلمين الذين خدعوا وفتنوا بأوربا ومذاهبها.
وقد تصدى مصطفى صادق الرافعي للدفاع عن اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وهاجم من قاموا بالحملة على ما أسموه بالقديم، والقديم عندهم هو الإسلام واللغة العربية، وكتاب الرافعي " تحت راية القرآن أو المعركة بين القديم والجديد" يكاد يكون كله في الرد على الدكتور طه حسين ومناقشته في كتابه "في الشعر الجاهلي" وفي سائر آرائه فيما يتعلق بالأدب العربي، والقرآن الكريم، والسنة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وكل ما أثاره الدكتور طه حسين من آراء. ويعد هذا الكتاب سجلا حافلا وشاهد صدق للرافعي الكاتب المسلم الغيور على دينه وعلى لغته.
وقد كان للرافعي صولة في معركة الدعوة إلى إحياء العامية وإحلالها محل الفصحى، فكان يربط دائما بين حرب اللغة العربية وبين حرب القرآن الكريم وعزله عن حياة المسلمين وكلاهما حرب شاملة للإسلام وأهله.
وفي كتابه " إعجاز القرآن" مباحث لها قيمتها ومكانتها بين البحوث المتصلة بإعجاز القرآن في القديم والحديث. ومن أبرز هذه البحوث: الجنسية العربية في القرآن، آداب القرآن، القرآن والعلوم، أسلوب القرآن، البلاغة في القرآن، وكلها توضح مقدار ما بذل فيها الرافعي من جهد علمي أدبي يستحق التقدير ويستوجب الثناء.
وفي حديث الرافعي عن البلاغة النبوية أحاط بأغلب ما يجب على الكاتب أن يكتب فيه في هذا المجال، فتناول بالبحث والتحليل فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإحكام منطقه، واجتماع كلامه وقلته، وتأثيره صلى الله عليه وسلم في اللغة العربية.
" وكان الشيخ حسنالبنا يضع أدب الرافعي في أعلى مراتب الأدب في عصره، وينظر إليه باعتباره رائد الأدب الإسلامي، ويراه في مقام حسان بن ثابت في عصر النبوة.. وكان الشيخ حسنالبنا يحفظ الكثير من شعر الرافعي". ومن آثاره: ديوان شعر في ثلاثة أجزاء، تاريخ آداب العرب في جزأين، حديث القمر، المساكين، رسائل الأحزان، السحاب الأحمر، أوراق الورد، إعجاز القرآن، مقالات جمعت في " وحي القلم" .,
رابعا: السيد محب الدين الخطيب 1303 – 1389هـ (1886- 1969م):
" كان من القلائل الذين يفهمون الفكرة الإسلامية فهما كاملا ودقيقا. وكان من العلماء بالتاريخ الإسلامي القديم والحديث، كما كان محيطا بتواريخ الأمم على اختلافها. شارك في الحركات الإصلاحية الإسلامية في نواحي العالم الإسلامي".
كان له نشاط صحفي متميز، فعمل محررا بجريدة "المؤيد" التي كان يصدرها شيخ الصحافة المصرية الشيخ على يوسف 1327 هـ (1909م)، وعندما سافر إلى الحجاز للمشاركة في حكومة الثورة العربية (1334هـ) كان العمل الظاهر له في تلك الحقبة تأسيس المطبعة الأميرية لحكومة الحجاز يومئذ، وإصدار جريدتها الرسمية "القبلة"، وعند وصوله إلى دمشق (1337هـ) أنيط به إدارة وتحرير الجريدة الرسمية للحكومة واسمها "العاصمة"، فلما عاد إلى مصر ( 1338هـ) عمل محررا بجريدة "الأهرام" لمدة خمس سنوات حتى عام 1343هـ (1925م) ، ثم اصدر مجلتيه "الزهراء " عام 1343هـ (أغسطس 1924) حيث استمرت خمس سنوات ، "الفتح" عام 1344هـ (1926م) حيث استمرت حتى عام 1368هـ (1949م)، كذلك تولى إدارة أول مجلة للإخوان المسلمين " جريدة الإخوان المسلمين" الأسبوعية عام 1352هـ (1933م) ورئاسة تحرير " مجلة الأزهر" لمدة ست سنوات من 1372هـ (1952م)، فضلا عن مئات المقالات والأبحاث في مختلف الصحف والمجلات.
وإيمانا منه بأهمية الطباعة كوسيلة لنشر الفكر والآراء، فقد أسس منذ وقت مبكر المكتبة والمطبعة السلفية التي قامت بنشر العديد من الكتب والصحف الإسلامية.
وعندما نشرت " مجلة العالم الإسلامي" الفرنسية دراسة مستفيضة عن أعمال المبشرين البروتستانت في العالم الإسلامي وما لهم فيه من جمعيات ومدارس ومستشفيات، وما عقدوه من مؤتمرات للكيد للإسلام، اتفق مع زميله الذي يعمل معه في جريدة " المؤيد" – مساعد اليافي- على ترجمة هذه الدراسة الطويلة على صفحات "المؤيد" ونقلت هذه الفصول إلى مجلة "المنار" في القاهرة، جريدة "الاتحاد العثماني" اليومية في بيروت. وكان لهذه الدراسة أثر كبير في يقظة عدد كبير من المسلمين الذين أدركوا ما يراد بهم وبدينهم من الكيد، وقد أعاد السيد محب الدين نشر هذه الدراسة في مجلة الفتح ثم طبعها في كتاب مستقل بعنوان " الغارة على العالم الإسلامي".
ركز السيد محب الدين دعوته في الإصلاح على هدفين: المدرسة والصحافة، فالعلم وحده- عنده- لا ينهض بالأمم، فلابد من "التربية"، فكان واحد من أساتذة مدرسة "دار الدعوة والإرشاد" التي أسسها الشيخ رشيد رضا (1330هـ) يدرس علم الجيولوجيا مبينا أسرار الله في الكون، ويقول : " إنما أتينا من جانب المدرسة والصحافة، فهما اللتان كونتا رجالنا وجماهيرنا كما نرى، ولم نتقي شر الاحتلال الذي نتوقع أن ينزل بنا، ما لم تكن لنا مدارس وصحف مؤسسة على جلاميد من الإيمان، بالهداية المحمدية، لا تزعزعها الزلازل، وعلى دعائم من الوفاء للتاريخ العربي يفنى الزمان ولا تفنى".
وآراء السيد محب الدين الخطيب واضحة صريحة، وأسلوبه مشرق مضئ ، فهو يدعو المسلمين إلى العمل الإيجابي من أجل اللحاق بركب النهضة حتى لا يتخلفوا عنه، داعيا إلى إعداد رجال يقتبسون الصناعات ويتخصصون في العلوم اللازمة لها، والإكثار من أهل المعرفة في فنون القوة، وعنده " أن الإسلام ليس دين عقيدة وعبادة فحسب، بل الإسلام ثقافة طبيعية لأرواح ألفته وعاشت به وكان مبعث قوتها وسبب اعتلائها".
وعندما استفحل أمر دعاة الإلحاد والتحلل، ونشطت حركة التبشير لتنصير المسلمين ، وذلك على أثر تنكر الكماليين في تركيا للإسلام دعا مع بعض الغيورين على الإسلام إلى تكوين جمعية " الشبان المسلمين" لتكون مؤسسة قائمة على تقوى من الله وإخلاص.
" وقد حمل لواء الجهاد مع أقطار الشمال الإفريقي على نحو باهر خلال حروب محمد عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي، ومقاومة الظهير البربري في المغرب، ومؤامرات التجنيس في تونس".
أهم مؤلفاته: اتجاه الموجات في جزيرة العرب، الأزهر ماضيه وحاضره، إيمان العرب في الجاهلية، تاريخ مدينة الزهراء، الحديقة (13 جزءا)، تاغور، حملة رسالة الإسلام الأولون.
3- الجمعيات الإسلامية:
كان رد الفعل الإسلامي إزاء المعارك الضخمة التي هزت الرأي العام في صورة التنصير والتغريب والإلحاد، هو تجميع القوى المؤمنة بالله على أسس الفكر الإسلامي لمواجهة هذا الخطر، وكانت هذه القوى تضم بعض "المثقفين الذين تعلموا في الغرب أو وفق مناهج الغرب، ولكنهم استطاعوا أن يكونوا أشد وفاء لجذورهم ولم يستطع المنهج الذي فرضه الاستعمار في المدارس والجامعات أن يخدعهم أو يقصيهم عن قيمهم" فتكونت عدة تجمعات منهم ومن غيرهم على هيئة جمعيات اختلفت – ظاهريا- في برامجها ووسائلها، ولكنها ساهمت- إلى حد ما في استمرار سيادة الفكر الإسلامي، فمنها من اهتم ببعض جوانب الفكر الإسلامي وقل اهتمامه بالجوانب الأخرى ومنها من أخذ بنظام الشمول الإسلامي.
وسيقتصر حديثنا في هذا المجال على نموذجين من هذه الجمعيات هما:
أ-جمعية الشبان المسلمين.
ب- جمعية الإخوان المسلمين.
أ-جمعية الشبان المسلمين.
نشأت فكرة تأسيس جمعية الشبان المسلمين لتحقيق رغبة شباب متحمس لدينه ومعهم "الغيورون على دينهم من ذوي العلم والوجاهة والمنزلة.. ليصدروا ولو مجلة أسبوعية أمام جرائد الإلحاد والإباحية، ويكتبوا ردودا وكتبا.. وينشطوا حركة الوعظ بعيدا عن الثرثرة والدعاية والتشدق، منطويا في مسار الكتمان، إلى أن صار عددهم نحو ثلاثمائة عضو" . ولما وصل المشروع إلى هذه المرحلة التي لا يخشى عليه فيها من دسائس الملاحقين الذين يرون أن كل عمل إسلامي رجعية وجمود، بدأ التفكير في عقد اجتماع عام لتكوين الجمعية.
وأعلن عن تأسيس الجمعية وكان على رأسها في بداية تأسيسها مجموعة من الرجال المؤمنين بالفكر الإسلامي اختاروا من بينهم الدكتور عبد الحميد سعيد رئيسا لها. وقد شاركت مجلة "الفتح" في الدعوة لها ونشر بياناتها واجتماعاتها وبيان أوجه نشاطها، وكان صاحبها- السيد محب الدين الخطيب- من أوائل مؤسسيها. ثم تكونت لها صحافة بإصدار مجلتها "الشبان المسلمين".
وقد اهتمت جمعية الشبان المسلمين بالنشاط الاجتماعي كمدخل للإصلاح، فقد رأى رجالها أن " ما أصاب الأمم الإسلامية في حياتها الاجتماعية من الخلل والانحلال، وما طرأ عليها من الضعف والوهن، يدعو كل مفكر إلى تعرف الأسباب، والبحث عن أنجح الوسائل لعلاج هذه الحالة قبل استفحال الأمر وفوات الفرص، وقد حددت الجمعية أسلوبها من خلال حصر المساوئ الاجتماعية التي دعت إلى تجنبها والتي تتمثل في الجهل المنتشر والتقليد لسيئات المدنية الغربية، وتقصير الفئة المتعلمة في واجبها نحو محاربة البدع، والتدهور الخلقي الذي هدم الأسرة التي هي الركن الأساسي في الأمة، ورأت أن العلاج من كل هذا يكمن في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكدت أن الإسلام سهل مرن صالح لكل زمان ومكان لا يتمرد على الطبيعة ولا يقف حجر عثرة في سبيل التقدم والحضارة الحقة.
وقد كان لوجود بعض تلاميذ الشيخ محمد عبده بين رجال جمعية الشبان المسلمين – كالشيخ رشيد رضا- أثر في موقف الجماعة من الحضارة الغربية، فبالرغم من أن الجماعة قد اعتبرت أن الانحلال الاجتماعي راجع في أغلبه إلى التقليد الأعمى للنظم لاجتماعية الغربية، إلا أنها لم تدع إلى نبذ هذه الحضارة كلية، بل دعت إلى الأخذ بالأساليب المستخدمة التي أتت بها المدنية الغربية في المجال العلمي والصناعي وعلى الرغم من أن نشاط الجماعة قد تعدى – قليلا- الميدان الاجتماعي، إلا أن أغلب نشاطها ظل محصورا في الإطار الاجتماعي وفق مبادئها المعلنة التي لم تسع لتعديلها على الرغم من محاولة البعض تبرير ذلك بأنه مرحلة انتقالية قصد بها عدم لفت انتباه القوى السياسية وعلى رأسها الاحتلال لحقيقة أغراض الجمعية.
وقد استحدثت الجمعية أنشطة لم تكن تهتم بها الجمعيات الإسلامية القائمة مثل الاهتمام بالنواحي الرياضية والعمل على تكوين فرق كشافة إسلامية.
وقد عقدت الجمعية أول اجتماع لها بعد تكوين أول مجلس إدارة لها في صفر 1349هـ (يةوليو1930م) من أجل البحث عن كيفية محاربة التبشير والإلحاد، ودعا المجتمعون من أجل ذلك لعقد مؤتمر إسلامي لا يقتصر على فروع الجمعية، وتضمن ذلك الدعوة إلى ضرورة تكوين لجنة علمية لمحاربة الإلحاد وتنوير الناس في الدين، وكذلك تكوين مكاتب استعلامات في الأقطار الإسلامية تراقب ما يكتبه المبشرون وتتولى الرد عليهم، وتأليف جماعات من العلماء للتبشير الإسلامي ونشر الدين على حقيقته ، ومطالبة الحكومات الإسلامية بتعديل قوانين العقوبات في المواد الخاصة بحرية الرأي والبحث، بحيث يكون هناك فارق واضح بين هذا وبين الطعن في الدين، وإرسال مندوبين عن الجمعية للرد على المبشرين في اجتماعاتهم.
وقد ظلت جمعية الشبان المسلمين بمنأى عن الاضطهاد والحل والمصادرة من الحكومات المتعاقبة في العهدين الملكي والجمهوري- شأنها شأن معظم الجمعيات الإسلامية الأخرى- بسبب حصر جهودها في النواحي الاجتماعية، وعدم مشاركتها مشاركة فعالة في القضايا السياسية التي سببت الاحتكاك الدامي بين هذه الحكومات وبين الجمعية الأخرى مناط البحث وهي " جمعية الإخوان المسلمين".
ب- جمعية الإخوان المسلمين:
نظرا لارتباط هذه الجمعية بموضوع البحث الأساسي، فقد أفردت الحديث عن مؤسسها- الشيخ حسنالبنا- في الفصل الثاني لهذا الباب.
وفي التعريف بها خصصت جزءا من الفصل الثالث بنفس الباب.
الفصل الثاني
ميلاده ونشأته:
في شعبان 1324هـ (أكتوبر 1906م) ولد بقرية المحمودية بمصر طفل قدر له أن يصبح أقوى منافح عن الإسلام عرفه العالم الإسلامي في التاريخ الحديث، ذلك هو حسنالبنا.
نشأ حسنالبنا في بيت تقوى وعلم، فوالده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا عرف بالوقار ومن بيئة علم واستمساك بالدين والقرآن. " درس الفقه والتوحيد والنحو، وحفظ القرآن وجوده واشتغل بصناعة إصلاح الساعات. وكان لهذه الصناعة أثر كبير فيه وفي ابنه من بعده، لما تقتضيه من دقة ومهارة وضبط. وكان الوالد يدرس نهارا ويعمل ليلا. واتصل بكثير من العلماء، وحين أنشأ أهل قريته مسجدا كلفوه بإلقاء أول خطبة جمعة فيه. وكانت لديه مكتبة في مختلف العلوم والفنون الدينية، واشتغل إماما وخطيبا لمسجد البلدة، وصرف جل أوقات فراغه من الصناعة يقرأ حتى أتم الكتب الستة وموطأ مالك ومسند الشافعي وغيرها. وألف كتبا منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن" وعلق عليه شرحا ورتب جزءا من مسانيد الأئمة الأربعة، ورتب مسند أحمد وشرحه.
أما حسنالبنا نفسه فقد وجهه أبوه من صغره إلى العلوم الدينية، وأحفظه القرآن بنفسه وأدخله مدرسة.. أنشأتها الحكومة على نظام المدارس الابتدائية، إلا أن اللغة الأجنبية ليست ضمن مناهجها، وظل الوالد يعني بثقافته الدينية، وألقى إليه مكتبة تضم كتبا في الدين والفقه والحديث والنحو، وأباح له ما يشاء من كتبه.
وفي الرابعة عشرة من عمره التحق بمدرسة المعلمين الأولية، ليحصل منها على الكفاءة التي كانت تجيز له أن يكون معلما، لكنه آثر إتمام تعليمه فالتحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1345هـ (1927م) ويبدو أن فكرة الإخوان قد تبلورت في رأسه وهو طالب بدار العلوم. فقد كتب في موضوع إنشائي كان عنوانه: ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج؟ فقال:" إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان:
(خاص) – وهو إسعاد أسرتي وقرابتي، والوفاء لذلك الصديق المحبوب، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإلى أكبر حد تسمح به حالتي ويقدرني الله عليه.
(وعام) وهو أن أكون مرشدا معلما، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم، ومسرات حياتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة".
والمتتبع لتاريخ الشيخ حسنالبنا يجد أنه لم يخرج عن ذلك البرنامج الذي رسمه لنفسه- وهو طالب- في هذا الموضوع الإنشائي بالذات، فقد رسم أمله العام والغاية التي يسعى لتحقيقها، وهي تعليم الناس هدف دينهم ومنابع سعادتهم، والوسيلة هي : الخطابة والمحاورة والتأليف والكتابة والتجول والسياحة. وظل وجدانه مرتبطا بهذا الموضوع الإنشائي حتى وكأنه وجد نفسه فيه، وأكبر دليل على ذلك أنه رفض أن يسمى نفسه فيما بعد رئيسا للإخوان متمسكا بكلمة " مرشد" التي وردت في مطلع أمانيه العامة في ذلك الموضوع التاريخي.
عندما أنهى البنا دراسته في دار العلوم كان سنه قد بلغ الحادية والعشرين، وكان أول دفعته، وعين معلما بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية في ربيع الأول 1346هـ ( سبتمبر 1927م) وبين المدرسة والمسجد ومنزله استطاع أن يعرف كثيرا من ظروف الإسماعيلية الدينية والاجتماعية، ولم تزايله لحظة من اللحظات كلمة صديق كان يودعه قبل مجيئه للإسماعيلية بقوله:" إن الرجل الصالح يترك أثرا صالحا في كل مكان ينزل فيه، وإنا لنرجو أن يترك صديقنا أصرا صالحا في هذا البلد الجديد عليه".
وفي الإسماعيلية بدأ يحقق ما تمناه فيس لك طريق التعليم والإرشاد، واختار المقاهي لا المساجد ميدانا لدعوته، ولم تكن تجربته الأولى التي خرج فيها للوعظ والإرشاد بالمقاهي، فقد سبق له أن خاض هذه التجربة في القاهرة حينما كان طالبا بدار العلوم ولقيت نجاحا وإعجابا عزم بعده على الاستمرار فيها بنفس الأسلوب.
ومن المقاهي اختار مقرا جديدا عبارة عن زاوية صغيرة نائية لتعليم من استجابوا له – وبطريقة عملية- إقامة الشعائر والابتعاد- بالتدريج- عن المكيفات، ولم يعمد في ذلك إلى نظريات فلسفية، وإنما كان عماده على الأسلوب السلس الواضح من أجل بناء عقيدة صالحة قبل هدم العقيدة الفاسدة.
وفي شوال سنة 1346هـ (مارس 1928م) بايع الشيخ حسنالبنا ستة أشخاص ممن تأثروا بدروسه ومحاضراته التي كان يلقيها على تكوين جماعة تعاهد الله مخلصة أن تحيا لدينه وتموت في سبيله، لا تبغي بذلك إلا وجه الله.. أسموها "الإخوان المسلمون" وهكذا غرست البذرة الأولى لفكرة الإخوان المسلمين في أرض طيبة من هذه القلوب الستة، آمنوا بها، وعاهدوا الله على الجهاد في سبيلها، فكانت تلك الثمار المباركة لوفائهم وإخلاصهم، وكان ذلك التوفيق والنجاح الذي حالف الدعوة وقائدها فيما بعد. ولا غرو فذلك مصداق الآية الكريمة" ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيوئتيه أجرا عظيما" ولبث الشيخ حسنالبنا يعمل لدعوته صامتا بغير ضوضاء ولا ضجيج ولا دعاية ولا تهريج، وكسن من وراء ذلك لنفسه ولدعوته الكثير، فسارت الدعوة في طريقها تكسب كل يوم مزيدا من الأنصار والجنود. وذلك بفضل إخلاصه العميق وفهمه الدقيق للفكرة وأهدافها، وكان يغريه بالنجاح عن مواصلة الكفاح ويدفعه الإيمان بالفكرة والحماسة لها على الفناء في سبيل نشرها، وعلى توسيع نطاق البيئة التي يعمل فيها فلم يترك قرية ولا بلدة إلا زارها وبات بها واجتمع بالناس فيها في مساجدهم وبيوتهم ولكن كان المسجد مقره الأول يجد فيه أمانا وسترا.
واستمر الشيخ البنا ينشر دعوته في كل مكان يصل إليه في أسفاره البعيدة أو القريبة، وأثمرت أسفاره خلال أربع سنوات ب[[الإسماعيلية]] بضع عشرة شعبة في مدن وقرى مختلفة.
وبعد نحو خمس سنوات من تأسيس الدعوة بالإسماعيلية نقل الشيخ حسنالبنا مدرسا إلى القاهرة، وأخذت الدعوة طورا جديدا إذ أصبح المركز العام ومقر القيادة في القاهرة.
وظل الشيخ حسنالبنا في سلك التدريس حتى استقالته منه عام ( 1365هـ- 1946م) ودعوته تنتشر في كل مكان حتى بلغ عدد شعبها في مصر وحدها ألفي شعبة في عام (1368هـ- 1948م).
وانتهت فترة حياة الشيخ البنا القصيرة في مدتها العريضة في تأثيرها في عام (1368هـ- 1949م) باغتياله بتحريض من القوى الحاكمة في مصر وقتئذ.
شخصية حسنالبنا:
يجمع الذين كتبوا أو تحدثوا عن الشيخ حسنالبنا مادحين أو قادحين أنه كان ذو شخصية قوية. ومن أبرز مظاهر شخصيته ذكاؤه الذي يبدو في تفوقه على أقرانه في المدارس وفي قوة ذاكرته وفي براعته في معالجة المشاكل حسب مقتضى الأحوال، وفي سيطرته على أتباعه مع اختلافهم في البيئة والثقافة والمكانة الاجتماعية.
ثم الثقة في نفسه، لقد كانت ثقته في نفسه لا حد لها. لا تعاليا ولا غرورا ولا غفلة ولا عنجهية ، حماه الله من كل هذه المهلكات. كان يثق في أن نفسه تحمل أطهر دعوة، عن طواعية واقتناع. ما تردد فيما أعد نفسه له. كانت ثقته في نفسه تجعله يقدم على العمل الخطير الذي يخشاه الأكثرون، وكأنما يقدم على عمل لا رهبة فيه، ولا خوف منه.. كان يثق بنفسه في قدرتها على الكفاح كائنة ما كانت الظروف. فلما تضاعفت الأعباء، وتزاحمت الواجبات على قلة الأنصار وقتها، كان مخيرا بين أمرين، إما أن يظل في وظيفته، وهي تأخذ جانبا كبيرا من وقته، وإما أن يستقيل وليس له مورد رزق إلا المرتب الذي يتناوله في مقابل وظيفته.. وهو في نفس الوقت لا يرضى لنفسه أن يأخذ من الدعوة شيئا.. فقدم استقالته من الوظيفة وأصدر مجلة "الشهاب" ليكون له منها دخل يقيه الحاجة إلى الغير.. وثق بأن نفسه أهل للدعوة فحملها، قدر أثقالها فرأى نفسه أهلا لها فحملها، استشرف أخطارها وجسامتها، ولكنه واثق من نفسه، فاستهان بكل صعب، واستعد لكل عقبة".
ورزق بنية قوية كانت سندا له في دعوته، بل ربما كانت سنده الأول، إذ لولا هذه البنية لما احتمل مشاق الأسفار وأعباء العمل المتواصل طول النهار وأكثر الليل وجهد الخطابة والكتابة والاجتماعات المتواصلة، والاطلاع على جميع الأعمال في المركز والفروع، وفوق ذلك الصدمات المتوالية التي تزعزع الجسم وتوهنه. ويقول فيه رفاقه في الأسفار. نركب السيارة بين مكة والمدينة فيصيبنا الدوار ولا يصيبه، نأكل بعض الأصناف فتصاب أمعاؤنا ولا يصاب. ندخل جو مكة الحار بعد جونا الرطب وجو المدينة الرطب بعد جو مكة الحار فتتأثر صدورنا بالزكام والسعال وهو لا يتأثر. يتعبنا المشي والتصعيد في غار حراء وهو لا يتعب، تزعجنا المشاق وهو باسم راض. تتأفف نفوسنا وتتوتر أعصابنا لبعض المواقف وهو هادئ يرد عنا ما بنا من غلظة وجفاف.
وقد جمع الشيخ حسنالبنا بين العبقرية الفذة، والبصيرة النافذة. والعبقرية والبصيرة إنما تقدران العقل والسلوك والثمرة. والعمل الذي قام به حسنالبنا يشهد له بعبقرية فذة وبصيرة نافذة. فقد تجلت في أنه استطاع أن يعرض الإسلام في صياغة جديدة، جذابة مرنة، سهلة مقنعة، أعانه على ذلك في مجال الصياغة: عقلية ناضجة، وفكر ثاقب، وأفق واسع، وأعانه على ذلك أيضا في مجال الاقتناع قدرته الفائقة على التعبير وقدرته الفائقة على التأثير ثم قدرته الفائقة على العطاء الإسلامي السخي. كذلك تجلت بصيرته في أنه استطاع أن يقيم بناء جديدا للدعوة الإسلامية، وأن يقدم صياغة جديدة للفكر الإسلامي واستطاع أن يرد للمفاهيم الإسلامية الصحيحة اعتبارها بعد أن ظلت آمادا طوالا غائبة عن أذهان المسلمين البسطاء، قابعة في أدمغة القلة من المسلمين المثقفين، لا تكاد تغادرها إلى ألسنتهم حتى تعود إليها. كذلك استطاع أن يحول المعاني الإسلامية إلى أفعال.
يقول عنه العلامة أبو الحسن الندوي:" كانت شخصية فريدة يظهر من حياة صاحبها ونشأته أنها قد أعدت لهذا الأمر العظيم إعدادا، كان يجمع بين الفهم الواسع للإسلام. ، والغيرة الملتهبة عليه، والنشاط الدائم والعمل المتواصل لإعلائه والخطابة الساحة، والشخصية الجذابة، والنفوذ العميق في نفوس أصحابه وإخوانه أو بلفظه هو نفسه (الفهم الدقيق والإيمان العميق والحب الوثيق) ولابد للزعيم المسلم وقائد الدعوة الدينية أن يجمع بين هذه الصفات".
ويقول عنه الكاتب الأمريكي "روبير جاكسون".. " لفت نظري إلى هذا الرجل سمته البسيط، ومظهره العادي، وثقته التي لا حد لها بنفسه، وإيمانه العجيب بفكرته" كنت أتوقع أن اليوم الذي يسيطر فيه هذا الرجل على الزعامة الشعبية بفكرته.
كنت أتوقع أن يجيء اليوم الذي يسيطر فيه هذا الرجل على الزعامة الشعبية لا في مصر وحدها ، بل في الشرق كله. وسافرت من مصر بعد أن حصلت على تقارير وافية ضافية عن الرجل وتاريخه، وأهدافه وحياته، وقد قرأتها جميعا، وأخذت أقارن بينه وبين جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد أحمد المهدي، والسيد السنوسي، ومحمد بن عبد الوهاب، فوصل بي البحث إلى أن الرجل قد أفاد من تجارب هؤلاء جميعا، وأخذ خير ما عندهم، وأمكنه أن يتفادى ما وقعوا فيه من أخطاء. ومن أمثلة ذلك أنه جمع بين وسيلتين متعارضتين، جرى على أحداهما الأفغاني وارتضى الأخرى محمد عبده.. كان الأفغاني يرى الإصلاح عن طريق الحكم، ويراه محمد عبده عن طريق التربية.. وقد استطاع حسنالبنا أن يدمج الوسيلتين معا، وأن يأخذ بهما جميعا، كما أنه وصل على ما لم يصلا إليه، وهو جمع صفوة المثقفين من الطبقات والثقافات المختلفة إلى (مذهب) موحد، وهدف محدد".
خلق حسنالبنا :
أ-التواضع: إن من جالسه وهو لا يعرف مكانته، وإن كان مرغما في داخليته على احترامه، لا يتصور أنه يجالس حسنالبنا. كان لا يتصدر المجالس، ويجلس حيث يفضي به المجلس، إلا أن يحمل على الصدارة حملا تحت إلحاح متواصل. وإذا صلى في مسجد لا يتقدم للإمامة، ويرى أن الإمام الراتب أولى بها، إلا أن يحلف الإمام، ويطول الوقوف بالمصلين في انتظار الإمام. إذا جادل ورأى ما يؤاخذ عرفا أو شرعا، سلك كل أسلوب هين لين مهذب مؤدب مقنع، حتى يرد مجادله إلى الفهم السليم في الشرع أو التصرف الكريم في العرف. وكان يشعر المشايخ أنه تلميذ لهم، (وهو أستاذهم) وأنهم أساتذته (وهو تلامذته) يخاطب الصغير منهم والكبير بأبرع آيات الأدب والرقة والتواضع، مشعرا من يخاطبه منهم أنه يتلقى منه، ويتعلم على يديه. ما أحرج يوما عالما أو أوقفه موقف المخطئ، ولكنه كان يصل إلى ما يريد منهم في أسلوب لا يتقنه إلا حسنالبنا، الذي فطره الله على كل طيب جميل، فلا ينال ما فوق رأسه إلا من تحت كتفيه.
ب- الصدق: كان خلقه الصدق في كل شيء. ما جرب أحد عليه يوما مقالة غير صحيحة ولم يبد رأيا في أمر إلا وكان صادقا فيه مع نفسه ومع الناس ومع ربه. ومن هذا القبيل أنه ما مني يوما أخا مسلما بالمال الوفير والجاه العريض، ولكنه كان يقول لكل من يبايعه إن طريقنا وعر طويل وعلى وعورته ومشاقه فهو محفوف بالمكاره. ثم هو بعد ذلك طريق الجنة الوحيد لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. إن ظلما سيقابلنا ومتاعب ستواجهنا، هناك تشريد وتعذيب ومصادرة وتقتيل لأن المحن سنة الدعوات الصالحة الحقة. وكان من أثر هذا الصدق أن دعوة الإخوان المسلمين ظلت كما هي في قلوب الإخوان فخرجوا من السجون أشد تمسكا بدعوتهم وأعمق إيمانا بها ,أكثر استعدادا للتضحية من أجلها.
ج- الزهد والبساطة: كان في بيته مثال الزهادة، وفي ملبسه مثال البساطة، وكنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ذات السجادة العتيقة والمكتبة الضخمة فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي، إلا ذلك الإشعاع القوي والبريق اللامع الذي تبعثه عيناه، والذي لا يقوى الكثيرون على مواجهته، فإذا تحدث سمعت من الكلمات القليلة المعدودة موجزا واضحا للقضايا المطولة التي تحتويها المجلدات، وكان إلى هذه الثقافة الواسعة الضخمة، قديرا على فهم الأشخاص. لا يفاجئك بالرأي المعارض، ولا يصدمك بما يخالف مذهبك، وإنما يحتال عليك حتى يصل على قلبك ويتصل بك فيما يتفق معك عليه.. ويعذرك فيما تختلفان فيه. وهو واسع الأفق إلى أبعد حد، يفتح النوافذ للهواء الطلق، فلا يكره حرية الرأي ولا يضيق بالرأي المعارض، وقد استطاع أن يحمل الرأي الجديد إلى الجماهير دون أن يصطدم بهم.. هذا الجديد الذي لو عرض بغير لباقة لوقفوا ضد وحاربوه.
كان سمته البسيط ولحيته الخفيفة، وذلك المظهر الذي لا تجد فيه تكلف بعض العلماء ولا العنجهية ولا السذاجة.. قد أكسبه الوقار.
وكان على بساطته التي تظهر للمتحدث إليه بعيد الغور إلى الدرجة التي لا تفلت متصلا به أو متحدثا إليه من أن يقنع في شركه. ويؤمن بالفكرة التي يدعو إليها.
ثقافة حسنالبنا:
ثقافته الرسمية أنه تخرج في كلية دار العلوم وكان أول دفعته عام (1345هـ- 1927م) ، لم تكن هناك دعوة ولا نزعة ولا رسالة، مما عرف العالم في الشرق أو في الغرب، في القديم أو في الحديث لم يبحثها أو يقرأها أو يدرس أبطالها، وحظوظهم من النجاح أو الفشل، أو يحمل منها ما يصلح لتجاربه وأعماله. كان يقول كل شئ ولا تحس أنه حرج أو أساء. وكان يوجه النقد في ثوب الرواية أو المثل، وكان يضع الخطوط ويترك لأتباعه التفاصيل. كان قديرا على أن يحدث كلا بلغته وفي ميدانه وعلى طريقته، وفي حدود هواه وعلى الوتر الذي يحس به، وعلى الحرج الذي يثيره. ويعرف لغات الأزهريين والجامعيين والأطباء والمهندسين والصوفية وأهل السنة، ويعرف لهجات الأقاليم في الدلتا وفي الصحراء وفي مصر الوسطى والعليا وتقاليدها، بل أنه يعرف لهجات الجزارين (الفتوات) ، وأهالي بعض أحياء القاهرة الذين تتمثل فيهم صفات معينة بارزة، وكان م في أحاديثه إليهم يروي لهم من القصص ما يتفق مع ذوقهم وفنهم، بل كان يعرف لغة اللصوص وقاطعي الطريق والقتلة، وقد ألقي إليهم مرة حديثا. وهو يستمد موضوع حديثه أثناء سياحاته في الأقاليم وفي كل بلد من مشاكلها ووقائعها وخلافاتها، ويربطه في لباقة مع دعوته ومعالمها الكبرى فيجئ كلامه عجبا يأخذ بالألباب. "لقد كان في مقدوره أن يكتب المطولات من الكتب والموسوعات من الرسائل، ولكنه كفطرته بسيطا سهلا واضحا فيما يقول وفيما يكتب، ولو أنه أرد أن يعرف في مجال التأليف لاستطاع وبيسر. لقد كان أسلوبه اللغوي هو السهل الممتنع فعلا. وكانت حصيلته العلمية لا تعدلها حصيلة عالم في عصره، عجز الكل عن مجاراته أو مساواته.
الملامح العامة لفكر حسنالبنا:
لخص الشيخ حسنالبنا معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان في النقاط الثلاث التالية:
1-أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة، تنظم شئون الناس في الدنيا والآخرة.
2- أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- أن الإسلام- كدين عام- نظم كل شئون الحياة في كل الشعوب والأمم ولكل العصور والأزمان. حسنالبنا والإعلام الإسلامي:
الإعلام في الدعوات أساس مهم ومؤثر كبير لمدى انتشارها. وأصحاب الدعوات بالإضافة إلى كونهم دعاة فهم أيضا رجال إعلام، وليس العكس صحيحا دائما فالإعلام صورة من صور الدعوة والتبليغ.
وكما سبق أن ذكرنا أن "المرسل" هو أحد أركان العملية الإعلامية، فإننا نجد في ضوء الإسلام أنه لابد أن تكون للمرسل (رجل الإعلام الإسلامي) سمات مميزة أهمها:
1-الالتزام بتطبيق المنهج الإسلامي.
2- الصدق.
3- تحري الحقيقة.
4- قوة الحجة.
5- فنية الأسلوب.
6- اتخاذ الفصحى للتعبير عن أفكاره وآرائه.
7- الثورية.
وبدارسة شخصية الشيخ حسنالبنا نلمس فيها اتصافه بهذه السمات السابقة إلى جانب سمت أخرى كونت شخصيته كصاحب دعوة.
1-فمنهجه: الذي التزم به منذ نشأته ومن خلال دعوته هو المنهج الإسلامي. يقول رحمه الله " فأول واجباتنا نحن الإخوان أن نبين للناس حدود هذا الإسلام واضحة كاملة بينة لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها، وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملي في هذه الفكرة. وعمادنا في ذلك كله كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحصحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة".
2- الصدق : سبق أن تكلمنا عن هذه السمة في خلق الشيخ البنا. ونضيف إلى ذلك أحد البنود التي اشترطها على من يؤمن ببيعة الإخوان المسلمين وهو : " أن تكون صادق الكلمة فلا تكذب أبدا".
3- تحري الحقيقة: كان دائما يتحرى الحقيقة في كل شئ محددا نفسه في إطار من الكتاب والسنة. وفي إجابته على سؤال يقول:" أحب أن يلاحظ إخواننا الأحياء أن يكون رائدهم في بحوثهم قياس كل شئ بالكتاب والسنة من غير نظير إلى شهرة قائله والثقة بروايته. فكم أفسد الدس علما وضيع خيرا كثيرا".
4- قوة الحجة: إن قوة الحجة مطلب ضروري لمن يتعرض للإعلام الإسلامي ، وإن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام العرب الفصحاء مدد هائل لهذه الحجج المبتغاه. وليس معنى ذلك قصر ثقافة رجل الإعلام على الثقافة العربية وحدها.. ولكن أعني أنها أصل أصيل لا غنى عنه وقد حفظ الشيخ حسنالبنا القرآن منذ صغره وعنى والده بثقافته تالدينية وألقى إليه مكتبة تضم كتبا في الدين والفقه والحديث، ومطالعته المتواصلة – في مكتبة معلمه الأول الشيخ محمد زهران – للقرآن والحديث والسيرة النبوية والأدب، والتحاقه بدار العلوم ، وزيادة حصيلته في العلوم الدينية واللغوية والعلوم الحديثة، وشغفه بالمطالعة خارج حدود المناهج المدرسية إلى حد أنه لما تقدم إلى امتحان دار العلوم بلغت مجموعة محفوظاته ثمانية عشر ألف بيت ومثلها من المنثور.. كل ذلك كون لديه رصيدا يمده بقوة الحجة في كتاباته وخطبه ودعوته لمبادئه.
5- فنية الأسلوب: إن تخير الأسلوب المناسب الذي يخاطب به رجل الإعلام الإسلامي المستمعين أو يكتب به إليهم مهم جدا بحيث يتلاءم هذا الأسلوب مع المتلقين له وطبيعتهم . وقد أوتي الشيخ البنا مقدرة بيانية فائقة متحدثا وكاتبا وخطيبا ، فهو من أبرع الكتاب ومن أقواهم قدرة على تصوير ما بنفسه، ومن أبلغهم عبارة، ومناشدهم تأثيرا في النفوس بالألفاظ الكريمة والمعاني المركزة.. يتكلم بالقرآن والحدي.. في صوته عمق وللسانه سحر. إذا تكلم تلاعب بالألباب. بلغ من جزالة لفظه وتسلسل فكرته وعذوبة أسلوبه وسهولة مأخذه مستوى كبار الكتاب البارزين وأعلام رجال الأدب وحملة القلم.. ولقد اعترف به التاريخ خطيبا ممتازا بارعا وأقر بأنه كاتب ممتاز موهوب.
6- اتخاذ الفصحى للتعبير عن أفكاره وآرائه: حاول أعداء الإسلام أن يباعدوا بين لغة القرآن وبين المسلمين حين فطنوا إلى الرباط الوثيق بين العربية والإسلام بتشجيع اللهجات العامية، واتهام اللغة العربية بالعجز عن مجاراة التطور.. وواجب رجل الإعلام الإسلامي أن يحرص على اتخاذ الفصحى وسيلة الأداء التي يعبر بها عن آرائه واتجاهاته ومبادئه، وأن يتخذها لغة حديث ولغة تخاطب. س
وقد كان حسنالبنا حريصا على ذلك في كل أحواله. فمن واجبات البيعة في رسالة التعاليم" أن تعمل مت استطعت على إحياء العادات الإسلامية وإماتة العادات الأعجمية في كل مظاهر الحياة، ومن ذلك التحية واللغة والتاريخ" .. ومن وصاياه العشرة: " اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام".
7- الثورية: ورجل الإعلام المسلم يؤمن بالثورة، فهي طريقه إلى الدنيا والآخرة. والجهاد في سبيل الله هو الوسيلة لهذه الثورية. وأول مراتبه إنكار القلب وأعلامها القتال في سبيل الله، وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر وقد كانت حيان حسنالبنا شاهدة على ذلك، فاستخدم كل سبل الجهاد في سبيل الله باللسان والقلم في أحاديثه وخطبه وكتاباته، واليد في إعداده وإرساله للمجاهدين في فلسطين، وكلمة الحق في رسائله للحكام الجائرين وانتهت حياته باستشهاده برصاص أعدائه وأعداء الله والمسلين. وكان من شعارات الإخوان التي يرددونها دائما " الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا " وفي خاتمة رسالته الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة".
كتاباته وبعض ما كتب عنه من دراسات وكتب:
أول مقال نشر للشيخ حسنالبنا بالصحافة نشرته له مجلة "الفتح" تحت عنوان :" الدعوة على الله". وتسلسلت كتاباته في المجلات الإسلامية وفي صحافة الإخوان كما سيأتي فيما بعد.
وقد أثرى – رحمه الله- المكتبة العربية والإسلامية بالعديد من الرسائل والكتيبات، لكنه لم تكن بالنسبة لهدفه الأكبر، وهو تأليف الرجال لحمل الفكرة الإسلامية سالكا طريق البناء والإعداد والتكوين. يقول رحمه الله عندما طلب منه أن يؤلف كتبا:" إنني لا أؤلف كتبا يكون مصيرها تزيين الرفوف وأحشاء المكتبات، وإنما مهمتي أن أؤلف رجالا أقذف بالرجل منهم في بلد فيحييه، فالرجل منهم كتاب حي ينتقل إلى الناس، ويقتحم عليهم عقولهم وقلوبهم، ويبثهم كل ما في قلبه ونفسه وعقله ، ويؤلف منهم رجالا كما ألف من قبل".
وبعض المؤلفات التي قام بتأليفها طبعت في حياته والبعض الآخر بعد استشهاده،ومنها:
رسائل دعوتنا- إلى أي شئ ندعو الناس- نحو النور- إلى الشباب- الإخوان المسلمون تحت راية القرآن- دعوتنا في طور جديد- بين الأمس واليوم- مشكلاتنا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي – رسالة الجهاد- نظام الأسر ورسالة التعاليم- العقائد- المأثورات- الوصايا العشر- الله في العقيدة الإسلامية- المناجاة- عقيدتنا- إلى إخوان الكتائب- المنهاج- المؤتمر الخامس- المؤتمر السادس- هل نحن قوم عمليون- نظرات في كتاب الله- نظرات في السيرة- مقدمة في التفسير- مجموعة مقالات حسنالبنا –أحاديث الجمعة- مذكرات الدعوة والداعية.
بالإضافة إلى العديد من المقالات في صحف ومجلات الإخوان وغير الإخوان والتي لم يتم إعادة نشرها كاملة حتى الآن.
أما ما كتب عنه من دراسات وكتب فكثير، نورد بعضه مثل:
الأسرار الحقيقة لاغتيال حسنالبنا، تأليف جابر رزق- دار الأنصار القاهرة.
الإمام، تأليف أحمد أنس الحجاجي، مكتبة وهبة- القاهرة (1374هـ- 1954م).
الإمام الذي لم يوف حقه من الإنصاف والاعتراف. تأليف أبو الحسن الندوي.
الإيمان والرجل، تأليف محمد لبيب البوهي.
باعث الروح ، الإمام الشهيد حسنالبنا: تأليف عبد العزيز محمد نور. دار الطباعة المصرية.
تاج الإسلام وملحمة الإمام: تأليف عبد الباسط البنا.
التربية الإسلامية ومدرسة حسنالبنا: تأليف د. يوسف القرضاوي. مكتبة وهبة. القاهرة (1399هـ- 1979م).
حسنالبنا: تأليف فتح الله عبد المجيد الباجوري.
حسنالبنا الإمام الداعية والمجدد الشهيد: تأليف أنور الجندي. دار القلم. بيروت (1398هـ- 1978م).
حسنالبنا وقائد: تأليف محمد شلبي . دار الأنصار. القاهرة.
حسنالبنا حياة رجل وتاريخ ومدرسة: تأليف أنور الجندي. دار الطباعة والنشر الإسلامية. القاهرة (1365هـ- 1946م).
حسنالبنا الرجل القرآني: تأليف روبير جاكسون. ترجمة أنور الجندي. المختار الإسلامي القاهرة (1397هـ- 1977م).
حسنالبنا الرجل والفكرة: تأليف محمد عبد الله السمان. دار الاعتصام . القاهرة (1398هـ- 1978م).
حسنالبنا في ملفات الإنجليز: إعداد كمال توفيق الهلباوي. دار المنهل. جدة.
(تحت الطبع).
حسنالبنا القائد: تعليق رضوان محمد رضوان.
حسنالبنا كما عرفته: تأليف فتحي العسال.
حسنالبنا متى وكيف ولماذا ؟ تأليف رفعت السعيد. القاهرة (1397هـ- 1977م).
حسنالبنا مواقف في الدعوة والتربية. تأليف عباس السيسي. دار الدعوة [[الاسكندرية]] (1398هـ- 1978م).
حسنالبنا وجماعة الإخوان: تأليف د. على جريشة . دار المنهل- جدة. (تحت الطبع).
حسنالبنا ومدرسته (الإخوان المسلمون) : تأليف د. رءوف شلبي . دار الأنصار . القاهرة (1397هـ- 1977م).
الرجل الذي أشعل الثورة: تأليف أحمد أنس الحجاجي.
رجل ا لساعة: تأليف أحمد أنس الحجاجي.
روح وريحان ( من حياة داع ودعوة) : تأليف أحمد أنس الحجاجي. دار إحياء الكتب العربية. القاهرة (1365هـ- 1946م).
قائد الدعوة الإسلامية حسنالبنا: تأليف عبد الخبير الخولي. دار التأليف القاهرة (1372هـ- 1952م).
قضية الشهيد حسنالبنا: تأليف عبد المتعال الجبري. دار الاعتصام القاهرة (1398هـ- 1978).
معلم الثورة: تأليف أحمد أنس الحجاجي. مكتبة وهبة. القاهرة (1373هـ- 1953م).
الملهم الموهوب حسنالبنا أستاذ الجيل: تأليف عمر التلمساني . دار الأنصار – القاهرة (1399هـ- 1979م).
من حسنالبنا إلى قيادات الدعوة الإسلامية: تعليق عبد العظيم المطعني. دار الأنصار (1399هـ- 1979م).
مني على شهيد الإسلام: تأليف عبد الباسط البنا.
الفصل الثالث
وفيه مبحثان
المبحث الأول: التعريف بالجماعة.
المبحث الثاني: وسائل إعلام الجماعة.
التعريف بجماعة الإخوان المسلمين
نشأتها: في شوال عام 1346هـ بايع الشيخ حسنالبنا ستة أشخاص ممن تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كان يلقيها في زوايا ومساجد ومقاهي مدينة الإسماعيلية ، على أن يقدموا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله ونصرة دينه. وتسمت هذه المجموعة باسم الإخوان المسلامين، واستأجروا حجرة متواضعة أطلقوا عليها اسم " مدرسة التهذيب للإخوان المسلمين".
أ-في الإسماعيلية:
خلال شهور قليلة من العام الأول لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين كان عدد أفرادها لا يزيد علة السبعين شخصا أو أكثر قليلا وأحس الإخوان بحاجتهم إلى دار خاصة ومسجد يزاولون فيه شعائرهم، وانتهت المشاورة إلى أسلوب عملي تبرع فيه كل أخ بما عنده من مال. ووضع حجر الأساس للمسجد يوم الخامس من محرم عام 1348هـ وافتتح للصلاة فيه 17 رمضان من العام نفسه. وفوق بناء المسجد تم بناء مدرسة أسموها " معهد حراء الإسلامي" . وكان لاستقرار العمل في معهد " حراء الإسلامي" أثر طيب في إنشاء مدرسة للبنات أطلق عليها اسم " مدرسة أمهات المؤمنين" في مبنى مستأجر مناسب، واستتبعه إنشاء للأخوات المسلمات سمي بـ "فرقة الأخوات المسلمات".
وخلال خمس سنوات تقريب- وهي الفترة التي مكثها الشيخ حسنالبنا بالإسماعيلية إلى أن انتقل إلى القاهرة- انتشرت فروع جماعة الإخوان المسلمين بما يزيد على عشر شعب في بلدان وقرى خارج الإسماعيلية.
ب- في القاهر:
في جمادي الثاني من عام 1351 هـ (أكتوبر 1932م) انتقل الشيخ حسنالبنا على القاهرة، فانتقلت بذلك الدعوة إليها، وقرر مجلس إدارة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية اعتبار القاهرة مركزا عاما للإخوان المسلمين، وأخذت الدعوة في القاهرة أبعادها، فكان لها مؤسساتها ونظمها. وبدأت في الانتشار في قرى كثيرة حتى أصبح عددها بعد مضي نحو عام واحد من انتقالها إلى القاهرة ما يزيد على خمسين شعبة. وقد شجع الشيخ حسنالبنا ما لاقاه من نجاح في الإسماعيلية فركز دعوته على طلبة الجامعات، دون أن يتجاهل الدعوة الشعبية، وقد ساعده انضمام عدد غير قليل من الطلبة في مخاطبة الشعب في المدن والقرى على السواء وبث الدعوة في مختلف الطبقات.
جماعة الإخوان المسلمين في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية:
تميزت حركة الإخوان المسلمين خلال السنين التي سبقت الحرب العالمية الثانية 1351- 1358هـ ( 1932- 1939م) بما يلي:
1-نشر الدعوة والتعريف بالإسلام كنظام حياة مستقل بذاته.
2- مشاركة الشعب جهاده ضد المستعمر وعملائه.
3- عدم الزج بالدعوة في خضم النزاعات الحزبية.
4- الاهتمام بقضايا الوطن الإسلامي خصوصا قضية فلسطين.
5- مطالبة الحكام والمسئولين بالرجوع إلى الإسلام وتطبيق أحكامه في سائر مناحي الحياة.
جماعة الإخوان المسلمين أثناء الحرب العالمية الثانية:
دخلت الدعوة من عام 1358هـ إلى 1364هـ (1939- 1945م) طورا جديدا من حيث علاقتها بالسياسة وبداية الازدهار من حيث النشاط، وتحقيق البرامج الواسعة، وتضاعف نشاط الإخوان، وضرب الإخوان في النشاط الاقتصادي بسهم وافر، وأقبلوا على النشاط الرياضي والكشفي، وانتظمت أعمالهم في الفروع التي عمت القطر، وأصبحوا قوة يحسب لها كل حساب. أنشأوا مدارس البنين والبنات، وأقاموا المستوصفات ودور العلاج وأسسوا المتاجر والمنشآت، وحرصوا على تعليم القراءة والكتابة لمن يريد الانضمام إليهم، وحققوا التكافل فيما بينهم. كل ذلك في إطار إسلامي صريح وفي قوة ووضوح " ولا غرو أن تحس الأحزاب الخطر عليها من جراء هذه النهضة الإصلاحية التي كشفت للناس ما استترت خلفه الهيئات السياسية من شعارات خلابة لا طائل تحتها ولا نفع فيها.. ولا غرو أن يتفطن المستعمرون والأجانب المستغلون إلى العقبى التي سيصيرون إليها إن استمرت دعوة الإخوان ترقى صعدا في مدارج التوعية والتعليم والتثقيف.. وهكذا اجتمع على الإخوان أعداء الصلاح والإصلاح: ملك يخشى على عرشه من الضياع.. وطبقة حاكمة من رجال الأحزاب والمستوزرين ومن والاهم من كبار ملاك الأرض وأصحاب الثروات.. وانجليز مستعمرون ومن خلفهم أجانب مستغلون يخشون أن تفشو الدعوة وأن يظهر الإسلام، ففي ذلك بعث لروح الجهاد وتحرير للوطن. كان منطقيا إذن أن تتألب هذه القوى على الإخوان وأن تكيد لهم.. حتى لا تكاد تخلو سنة واحدة دون صدام واضطهاد، وما كان ذلك كذلك إلا لتعطيل حركة الدعوة والنيل منها، وفض الناس عنها، ومحاولة إضعافها بأي سبيل ولغير ما ذنب.
جماعة الإخوان المسلمين بعد الحرب العالمية الثانية:
عقب انتهاء الحرب.. ومنذ إعلان الهدنة تركزت جهود الإخوان في إيقاظ الجماهير في القرى والمدن وإثارتها بالخطب والرسائل والمؤتمرات بغية حصول البلاد على الاستقلال التام ولقد كان لهذه الجهود أثرها في ذيوع فكرة الجلاء ووحدة وادي النيل لدى الجماهير.
الإخوان وقضية فلسطين:
أما موقف الإخوان من أحداث فلسطين، فقد كان أول عهد الجماعة بالعمل في قضية فلسطين حينما ذهب شقيق الشيخ البنا- عبد الرحمن- إلى فلسطين عام 1935م (1345هـ) وزار الحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى في ذلك الوقت. ونادى البنا في المؤتمر العام الثالث المنعقد عام 1935م (1354هـ) بجمع الأموال لمساندة قضية العرب، كما ألف لجنة لتدعوا لها عن طريق البرقيات والرسائل إلى السلطات المختصة، وعن طريق الصحافة والنشرات والخطب كما قدم الإخوان لمساعداتهم إبان الإضراب العام الذي قام به العرب عام 1936- 1937م (1355- 1356هـ) ثم تطور موقف الإخوان من حقل الدعاية ونشر الدعوة إلى صورة عملية تمثلت في البداية في إرسال نائب الجماعة للشئون العسكرية- الصاغ محمود لبيب- لتدريب الفلسطينيين تدريبا عسكريا، وبقي هناك حتى طلبت السلطات البريطانية منه مغادرة فلسطين. وعندما وصل أمين الحسيني إلى مصر عام 1946م( 1365هـ) كان الإخوان وراء الحملة الخاصة بمنحه حق اللجوء السياسي. وعندما صدر قرار التقسيم في نوفمبر 1946م (ذو الحجة 1365هـ) اشترك البنا في تشكيل (لجنة وادي النيل) لجمع المال والسلاح للمتطوعين . وفي أكتوبر 1947م (ذو القعدة 1365هـ) أصدر البنا أوامره إلى شعب الجمعية لتستعد للجهاد. وسافرت أول كتيبة منهم إلى الميدان في نفس الشهر. وبدأت كتائب متطوعي الإخوان في الوصول إلى الميدان والاشتراك الفعلي من أبريل 1948م (جمادي الثاني 1367هـ).
وفي ديسمبر 1948م (صفر 1368هـ ) وضعت قوات الإخوان في فلسطين في معسكرات للاعتقال حتى إذا أصبح النهار وجدوا أنفسهم مطوقين بقوات الجيش المصري، ثم أخبروا بقرار حل الجمعية الذي أذيع في نفس اللحظة. وخيروا أن يسلموا أسلحتهم ويعودوا إلى القاهرة أو أن يبقوا في الجبهة تحت المراقبة ويستمروا في مساعدة الجيش، وقد اختار أغلبهم البقاء بوازع من تفانيهم في واجبهم القائمين به بناء على رسالة من البنا يطلب إليهم فيها الركون إلى الهدوء والنظام. فلما تم اتفاق رودس وسحبت قوات الطرفين انضم هؤلاء الإخوان إلى إخوانهم في القاهرة بعد أن صودرت أسلحتهم ليقفوا جميعا في قفص الاتهام.
جماعة الإخوان المسلمين بعد قرار الحل:
وبصدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين تم اعتقال أعداد كبيرة من الإخوان وتمت بعض أحداث العنف من قتل لرئيس الوزراء آنذاك واغتيال للشيخ حسنالبنا وتعذيب للمعتقلين.. إلى أن تغيرت الحكومة في يوليو 1949م (رمضان 1368هـ) ثم أجريت انتخابات جديدة في يناير 1950م (ربيه أول 1369هـ) خرج حزب الوفد فيها ظافرا بمساعدة الإخوان الذين نزلوا المعركة الانتخابية بثقلهم لمساعدة مرشحي الوفد. ولكن الوفد لم يوف للإخوان بما وعد بأن تعود للإخوان شرعيتهم وترد أموالهم ويعوضون عن خسائرهم .
وبعد إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية لعام 1936م في أكتوبر 1951م ( محرم 1371هـ) أعلن الإخوان في منطقة الإسماعيلية رسميا الجهاد ضد البريطانيين، وبدأت حركة إنشاء الكتائب في الجامعة، وكانت في غالبيتها بدافع من الإخوان المسلمين إلى أن تم إجهاض الحركة الوطنية بحريق يناير1952م (ربيع ثاني 1371هـ)
جماعة الإخوان وانقلاب يوليو 1952م (ذو القعدة 1371هـ):
تتابعت الأحداث وقامت حركة يوليو 1952م (1371هـ) بتأييد وموافقة من الإخوان.. وقد شارك الإخوان بقية الشعب المصري في يوم 23 يوليو في الاحتفال ببزوغ عهد جديد، وبعد تسعة وعشرين شهرا استشهد ستة أعضاء الجمعية على أعواد المشانق بعد تلفيق مؤامرة حبك خيوطها رجال الانقلاب.. وظل عداء رجال الثورة للإخوان مستمرا بتقديم مزيد من الشهداء على أعواد المشانق ، وفي ساحات التعذيب وفي السجون، إلى أن قضى جمال عبد الناصر وخلفه في حكم مصر أنور السادات.. وتحت شعارات العلم والإيمان ودولة المؤسسات وسيادة ا لقانون وإغلاق المعتقلات إلى الأبد.. خفت حدة الضغط على الإخوان.. وأخرج المسجونون منهم. وغض النظر عن بعض نشاط الإخوان بالنسبة للصحافة والاجتماعات العامة دون أن يسمح بإعادة شرعية إقامة الجماعة. وفي ظل هذه الحرية المقيدة تمكنت الحركة الإسلامية من التغلغل في صفوف أبناء الشعب خصوصا الشباب منهم. . وأعلن الإخوان عن آرائهم بالنسبة للقضايا العامة التي تهم الشعب والبلاد.. من خلال مجلتهم غير الرسمية "الدعوة" ومن خلال مؤتمراتهم المختلفة في مختلف بلاد القطر وفي الجامعات. ولكن السادات- وهو خليفة عبد الناصر- لم يتحمل الرأي الآخر، وظهر على حقيقته وأعلن عن مذبحته الأخيرة بفتح المعتقلات لكل فئات الشعب المعارضة في سبتمبر 1981م (ذو القعدة 1401هـ) محملا الحركة الإسلامية وأفردها جا0وإسا و م غضبه.. وقضى السادات على نحو ما هو معروف ومعوم.
وبدأت مصر عهدا جديدا، ندعو الله عز وجل أن يتحقق فيه ما تصوبا إليه من حرية وكرامة ومن تفيؤ لظلال الإسلام الوارفة وشريعته ودعوته الخالدة.
في مجال التعريف بجماعة الإخوان المسلمين سنعرض بصورة موجزة لوسائل الإعلام التي استخدمتها جماعة الإخوان المسلمين لنشر دعوتها وإبلاغها للناس كافة.
فقد استخدم الإخوان المسلمون كافة الوسائل المتاحة لهم للإعلام بدعوتهم وفي حدود إمكاناتهم ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلى :
1-وسائل مطبوعة:
وهي كل المطبوعات التي أصدرها الإخوان من كتاب ورسائل ونشرات ومنشورات وصحافة، وهي تمثل الجزء الأساسي من هذا البحث. وسنتكلم عنها بالتفصيل في الباب الثاني.
2- وسائل المواجهة الجماهيرية:
عن طريق الخطابة والمحاضرات: الدورية أو في المناسبات.
أ-الدورية :أحاديث الثلاثاء.
ب- في المناسبات: كالمناسبات الدينية أو الوطنية.
3- وسائل الإعلام الرياضي:
أ-الأندية الرياضية والألعاب الرياضية المختلفة.
ب- الرحلات: رحلات أسر الإخوان- رحلات الدعاة.
ج- الكشافة والجوالة.
د- المعسكرات.
4- وسائل الإعلام التربوي:
أ-إنشاء المدارس: للبنين- للبنات- لمحو الأمية وتنمية للثقافة الدينية.
-ليلية نهارية – صناعية- مدارس الجمعة.
-تأسيس شركات لإنشاء المدارس: بالقاهرة- بالاسكندرية.
ب- التربية الفردية من خلال التنظيمات الداخلية للجماعة.
-نظام الكتائب.
نظام الأسر.
5- وسائل الإعلام الصحي:
أ-إنشاء العيادات والمستوصفات والمستشفيات.
ب- تحقيق التأمين الصحي للإخوان.
ج- رفع المستوى الصحي لجميع الطبقات، والمشاركة في مقاومة الأمراض والأوبئة.
6- وسائل الإعلام الاجتماعي:
أ-أقسام البر والخدمة الاجتماعية بالجماعة (500فرع).
ب- جماعة العناية بنهضة القرى المصرية.
ج- مشاركة الأقسام الداخلية بالمركز العام في الخدمات الاجتماعية:
-قسم العمال والفلاحين: إنشاء مدرسة عمالية- حل مشاكل العمال بالمصانع.
- قسم المهن: توثيق الصلة بين أرباب المهن.
- قسم الطلاب: قضاء متطلبات الإخوان الطلاب.
-الاتصال بالعالم الإسلامي: الخدمات الاجتماعية لطلاب البعوث .
7- وسائل الإعلام الاقتصادي:
إنشاء الشركات والمصانع.
أ-شركة المعاملات الإسلامية.
ب- الشركة العربية للمناجم والمحاجر.
ج- شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج.
شركة التجارة وأشغال الهندسة (الاسكندرية).
هـ- شركة التوكيلات التجارية (السويس).
و- شركة الإعلانات العربية.
س- شركة الإخوان للصحافة.
8- وسائل الإعلام السياسي:
أ-المؤتمرات السياسية.
ب- الاتصال بالزعماء السياسيين والكتابة إليهم.
ج- الانتخابات.
هـ- المظاهرات.
9- وسائل أخرى:
أ-الشعارات : الشارة التي توضع على الصدر- الخاتم بالأصبع- الأعلام.
ب- الاتصال الشخصي- القدوة الحسنة.
ج- الجهاد في سبيل الله : في فلسطين- في القنال.
الباب الثاني
الفصل الأول : المطبوعات غير الصحفية
وفيه مبحثان
المبحث الأول: المؤلفات (الكتب والرسائل)
المبحث الثاني: الخطابة والنشرات (المطبوعة)
المبحث الأول المؤلفات :(الكتب- الرسائل)
أ-الكتب
ب- الرسائل
ج- نماذج من الكتب
ما الكتاب؟
لم يتوصل أحد إلى تحديد الكتاب تحديدا جامعا ثابتا. " ذلك لأن الكتاب ليس شيئا كسائر الأشياء. فإذا ما احتوته اليد، فإنما تحتوي ورقا لا غير. وأما الكتاب فشئ آخر. ومع ذلك فهو فحوى الصفحات. وأما الفكرة وحدها، دون عون الكلمات المطبوعة ، فلا يمكن أن تكون كتابا. والكتاب آلة أو أداة للمطالعة، ولكن لا يمكن الانتفاع به انتفاعا آليا. والكتاب شئ يباع، ويشترى، ويبادل به، ولكن ينبغي ألا يعد سلعة من السلع، لأنه منفرد، ومتعدد، لا يحصى ولا يعوض في آن. وهو ثمرة أساليب معينة في العمل، تعتمد لأغراض ولوجوه معينة من الاستعمال، وهذا قول ينطبق على أكثر منتجات الصناعة البشرية، ولكن مزية الكتاب هي أن الأغراض ووجوه الاستعمال وأساليب العمل، التي تلتقي لتحديده، تظل بعيدة عن الظاهرة التي هي الكتاب، بل تتجاوزها إلى حد بعيد، محتفظة نوعا ما باستقلالها، متطورة وفق الأحداث التاريخية، متفاعلة بعضها مع بعض ، مغيرة بالتبادل فحواها، مبدلة تبديلا لا نهاية له، لا الكتاب وحده وبحد ذاته، بل أيضا مكانته، ودوره في حياة الناس أفرادا وجماعات".
ويعرف الكتب بأنه "أوراق مطبوعة ومجموعة في سفر مجلد أو مضبر" ويصف بول أو تليه الكتاب بأنه "دعامة من مادة وحجم معين، قد يكون من طية أو لفة معينة تنقل عليه رموز تمثل محصولا فكريا معينا".
" وأول كتاب جمع وكتب في الإسلام القرآن الكريم، وذلك في عصر الخلفاء الراشدين. وكل ما دون من العلوم اللسانية والشرعية بعد ذلك كان الباعث عليه هو القرآن. وأول كتاب جامع دون بعد القرآن الكريم موطأ الإمام مالك في الحديث ومن بعده عكف الناس على تأليف الكتب".
وتطورت صور الكتاب خلال العصور المختلفة منذ نسخه باليد، ومرورا باختراع المطبعة واستخدامها في طبع الكتاب، إلى أن رأينا- نتيجة للتقدم العلمي المعاصر- كتبا مسجلة على الميكروفيلم والميكروفيش، وأخرى سجلت على لفائف أو أسلاك مغناطيسية.
[[ الإخوان المسلمون]] والكتاب:
ولقد اهتم الإخوان المسلمون بالكتاب كوسيلة إعلامية لبيان منهجهم وتوضيح فقههم لدعوتهم. وظهر إنتاجهم الفكري الإسلامي على هيئة مؤلفات تتمثل في شكلين اثنين:
الشكل الأول: يتمثل في لكتاب.
ونعني بالكتب هنا هو ماله حجم كبير نسبيا وله أبواب وفصول وتحتها مباحث
الشكل الثاني: الرسائل:
ونعني بالرسائل هنا الكتيبات الصغيرة القليلة الصفحات غالبا التي تشرح الفكرة أو تبين الدعوة بطريقة موجزة لا تعتمد في غالبها على أبواب وفصول، وإنما تعتمد على عناوين مسلسلة تضم ما تحتها من المعاني. وشملت أيضا الرسائل التي صدرت بصفة دورية أو غير دورية.
وقد صدرت مثل هذه المؤلفات عن الجماعة أثناء انعقادها القانوني أو عن الكتاب الإسلاميين الذين تأثروا في كتابتهم بانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين كدعاة من دعاتها.
تكونت بقسم نشر الدعوة بالمركز العام للإخوان المسلمين لجنة للتأليف والترجمة والنشر "لاختيارهم أهم وأفيد الكتب المؤلفة باللغات المختلفة لترجمتها إلى اللغة العربية، ونشرها لتنمية ثقافة الإخوان، وكذلك تلخيص الكتب والمؤلفات الإسلامية الكبيرة (قديمها وحديثها) ليسهل على ا لإخوان قراءتها والاستفادة فيها".
وعندما عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى وضعها القانوني بعد قرار الحل الأول (1368هـ- 1948م) كثرت الكتابة عنها بشكل لوحظ فيه غلبة المعنى التجاري على هذه المؤلفات، فأصدر المركز العام البيان التالي:
"إلى الإخوان الكتاب
أرسلت السكرتارية العامة إلى جميع الإخوان هذه الرسالة الهامة:
حضرة الأخ الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فقد لاحظ المركز العام سيلا من المطبوعات في موضوعات تتصل بالدعوة وتاريخ الهيئة وحياة الإمام الشهيد، وساءه كما ساء كل أخ غيور أن يكثر اللغط حول كثير من هذه الرسائل من حيث غلبة المعنى التجاري عليها، وضآلة المعلومات والفوائد التي تقدمها ورخص الطريقة التي تعرض بها للبيع في الشوارع والمركبات وما لهذه الموضوعات من هيبة وما فيها من وسامة وجلال. ولما كان الحديث في مثل هذه الموضوعات يجب أن تمحص حقائقه تمحيصا دقيقا لصلته بالدعوة وكيان الجماعة ومقام الإمام الشهيد، فإن المركز العام يرى من واجبه أن يطلب إلى كل أخ يتعرض للكتابة في شئ من ذلك أن يقدم ما يكتبه للمركز العام قبل طبعه ليتولى فحصه بواسطة قسم نشر الدعوة، وسيضطر المركز العام في ذلك الوقت إلى التنبيه الشديد على الإخوان في كل شعبهم أن يقاطعوا كل مؤلف لم يعمل بهذه المراحل ولم يحصل على إجازة بطبعه وألا يسمحوا بعرضه في مكتبات الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية".
وقد نشأ في دعوة الإخوان المسلمين التي توضح نخبة من الكتاب الإسلاميين الذين أثروا المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب التي توضح كثيرا من جوانب الفكر الإسلامي، بعضها تم تأليفه في ظل انعقاد الجمعية، والبعض الآخر ألف رغم حل السلطات لهذه الجماعة. وما كان لرجال صهرتهم دعوة الإخوان ليتوقفوا عن التأليف مهما قست الظروف وتعقدت الأمور.
ألف الباحثون والمفكرون من الإخوان الكتب في ميادين الاجتماع والأدب والاقتصاد والتاريخ والتفسير والحرب والدعوة والسياسة والفقه والقانون ومختلف ا جوانب الفكر الإسلامي. وانتشرت الكتب التي ألفها هؤلاء الكتاب. وقد كان لهذه المؤلفات الأثر الكبير في إثارة الشعور الإسلامي بين المسلمين. وارتفاع الوعي الإسلامي بينهم، الأمر الذي حول الكثير من الشباب إلى أفراد حركيين آمنوا بالخط الإسلامي وانتظموا في سلك جماعة الإخوان المسلمين وفي الجماعات الإسلامية التي حذت حذوها.
ومما ساعد على نشر الكتاب الإسلامي أيضا تخصص بعض الشباب الإسلامي ممن انتسبوا إلى دعوة الإخوان المسلمين في مجال الطباعة والنشر، فأنشأوا دور النشر المختلفة، فأصبح الكتاب الإسلامي يجد له مجالا متسعا للنشر بعد أن كن مضيقا عليه من قبل، عندما كانت تسيطر على معظم دور النشر عناصر أقل ما يقال عنها أنه غير إسلامية ، بالرغم من أن بعضها كان مملوكا لأفراد تسموا بأسماء إسلامية.
وفيما يلي نورد نموذجا مختصرا لبعض الكتب التي ألفها الكتاب الإسلاميون ممن انتسبوا إلى فكر جماعة الإخوان المسلين:
1-في مجال الاجتماع:
الإخوان المسلمون والمجتمع المصري- تأليف محمد شوقي زكي .
2- في مجال الأدب:
الإسلامية والمذاهب الأدبية: تأليف د. نجيب الكيلاني.
3- في مجال الاقتصاد:
القرآن والدراسات الاقتصادية- تأليف د. عيسى عبده .
4- في مجال التاريخ:
الإخوان المسلمون. أحداث صنعت التاريخ، تأليف محمود عبد الحليم .
5- في مجال التفسير:
في ظلال القرآن – تأليف سيد قطب.
6- في مجال الحرب:
الإخوان المسلمون في حرب فلسطين- تأليف كامل إسماعيل الشريف .
7- في مجال الدعوة:
تذكرة الدعاة- تأليف البهي الخولي.
8- في مجال السياسية:
الإسلام والاستبداد السياسي- تأليف محمد الغزالي.
9- في مجال الفقه:
فقه السنة- تأليف السيد سابق.
10- في مجال القانون: التشريع الجنائي الإسلامي- تأليف عبد القادر عودة.
وفي التعريض ببعض هذه النماذج ، سنتكلم عن نموذجين منها هما:
1-كتاب "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين".
2- كتاب "تذكرة الدعاة".
1- كتاب [[ الإخوان المسلمون]] في حرب فلسطين
تأليف : الأستاذ / كامل إسماعيل الشريف
الطبعة الثانية التي بين يدي نشرتها مكتبة : وهبة حسن إسماعيل. القاهرة عام 1373هـ (1953م) في مائتين وخمس وستين صفحة من القطع المتوسط.
لم تمتحن "الدول" الإسلامية كما امتحنت في حروب فلسطين المتكررة. وقد كان في الحرب الأولى منها ما يدعو إلى العظة والعبرة والإقرار بالأخطاء. تلك الحروب التي صارت بعدها إسرائيل "المزعومة" دولة لها وجود فعلي وسياسي وذلك بسبب رؤساء هذه الدول الإسلامية وزعمائها الرسميين.
وقد قدم المؤلف كتابه الذي يكشف الكثير من أسرار حرب فلسطين الأولى ويمزق الحجب عن أخطاء فاحشة، " أريد لها أن تظل مخبوءة" وسبيله فيما قصد إليه أن يسرد الحقائق المؤلمة من غير "رتوش" كما يقول: " فإن معرفة الأخطاء هي أول مراحل النجاح" لا يبالي في ذلك إرضاء حاكم أو قائد أو زعيم.
وهو، وإن كن يقصد أول ما يقصد إلى أثر "الإخوان المسلمون" في هذه الحرب، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله وصدقوا ما عاهدوا الله عليه " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" فإنه أرخ لفلسطين نفسها لعل الأجيال تتخذ من هزائمنا جسرا يصل بها إلى النصر الحاسم، ومن أخطائنا وهفواتنا دروسا تستنير بها يوم يبدأ الزحف الميمون لتطهير الأرض المقدسة من أرجاس الإنسانية ونفايات الشعوب.
وقد بدأ المؤلف كتابه بنبذة تاريخية عن فلسطين، ثم تكلم عن تغير بريطانيا بالعرب سنين طويلة، وعن الطرق التي اتخذها العرب للدفاع عن حقوقهم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وبعد هذا، يصل إلى تدخل "الإخوان" في قضية فلسطين واشتراكهم في الحرب فيها (ص 41 وما بعدها).
ثم أخذ يفصل القول في معارك هذه الحرب، وفيما وضعته حكومة مصر وقتئذ أمام الإخوان من عقبات، وفيما كان حتى انتهت الحرب بالكارثة التي نعرفها، ولا نزال نهاني من جرائمها. وفي المسئولين من المصريين وغيرهم من زعماء البلدان العربية وقتئذ.
وفي هذا العرض الأخاذ المؤلم معا، نرى كيف تفعل العقيدة المؤمنة، وكيف كان إيمان شباب الإخوان يدفعهم للاستبسال والاستشهاد في سبيل الله معرضين عما يحرص عليه الناس من متاع هذه الحياة الدنيا.
وهنا يصل بنا المؤلف إلى موقف الإخوان حين أبلغوا وهم بالميدان بقرار حل جماعتهم، وهي الجريمة التي اقترفتها الحكومة المصرية – وقتئذ- والأمر بأن يسلموا لقيادة الجيش المصري ما تحت أيديهم من سلاح ومعدات حربية، وكان ما قال المؤلف باسم الإخوان لوكيل القائد العام للجيش المصري (ص 181) : " إننا نؤمن أن هذه الدعوة ليست قابلة للحل لأنها دعوة الله، وحل الإخوان عندنا لن يتعدى نزع اللافتات وإغلاق الأبواب، أما الدعوة فموضعها قلوب الصفوة المؤمنة وهي قلاع منيعة لا يمكن قهرها ولا اقتحامها" على آخر متا قال.
ويسير المؤلف بعد هذا، ويرينا كيف اضطرت الحكومة المصرية وقتئذ مع ذلك إلى الاعتراف رسميا ببطولة الإخوان (ص 200- 201) وكيف اضطرت قيادة الجيش المصري في فلسطين إلى طلب معونة الإخوان العسكرية (ص 204- 214) فبذلوها عن طيب خاطر، لأنهم يجاهدون في سبيل الله لتحرير الوطن الإسلامي كله، وظلوا هكذا حتى انتهت الحرب بتوقيع الهدنة الأولى، وجازتهم الحكومة على ما قدموا في سبيل الله بالاعتقال والتنكيل.
وأخيرا يختتم المؤلف كتابه بذكر ه الحقائق التي يجب مواجهتها بعد أن انتهت الحرب نهايتها المعروفة، وبالدعوة للكفاح من جديد. (ص 238 وما بعدها).
تأليف : الأستاذ / البهي الخولي
الطبعة التي بين يدي طبعت عام 1371 هـ (1951م) بمطبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة في ثلاثمائة وإحدى عشرة صفحة من القطع الكبير.
والكتاب يتصدره تقديم للمرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ حسنالبنا- رحمه الله – ثم مقدمة المؤلف، ثم أربعة أبواب تضم موضوع الكتاب.
وقد جاء في تقديم الشيخ حسنالبنا للكتاب:" طالعت هذه التوجيهات بل المحاضرات في أساليب الدعوة وتكوين الدعاة، فأعجبت بها وهششت لها وشممت فيها بوارق الإخلاص والتوفيق إن شاء الله، ودعوت الله تبارك وتعالى أن يجعلها نافعة موجهة لقلوب الناطقين بكلمته والهاتفين بدعوته".
وإذا كانت الدعوة لرسالة أو فكرة تتطلب من الداعية فهما عميقا لها، وإيمانا تاما بها، ومزاجا يؤهله للدعوة لها، وبصرا بعلاج أمراض المجتمع، وقدرة على توجيه المريدين، ومصادر يستمد منها ويستلهمها، ومحاضرات ودروسا ومقالات وأحاديث يعلن بعل دعوته ويمكن لها في النفوس- أقول إذا كان الأمر كذلك، فقد كان المؤلف موفقا في إدارة كتابه على أبواب وفصول تحقق هذا كله.
بدأ المؤلف كتابه بمقدمة أوضح فيها أن الكتاب ليس كتابا للخطابة ولكنه كما يقول:" نظرات في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتجارب خاصة، عرضت لي في ميدان دعوتنا العظيمة، ولفتات قبست فيها من عبقرية أستاذنا المرشد أعزه الله.ز" وبين الفرق بين الداعية والخطيب وتكلم عن الوطنية الربانية التي تعتبر أن " حب الوطن من الإيمان والدين وحدة كاملة بحلاله وحرامه، وأمره ونهيه وشعائره التي تنتظم وجوه الحياة والعبادة كلها" وعن الرجل الرباني " الذي يتخلق بصفات الربانية الفاضلة، يجاهد نفسه حق المجاهدة ، ويقمع هواه في غير هوادة، فيفضي بذلك على ما شاء الله من بطولة وتوفيق.
وأنهى المؤلف مقدمته بإبعاد صفة التعصب للإخوان المسلمين عن نفسه باعتبارهم هيئة خاصة ذات صبغة معينة" ولكن باعتبارهم فكرة في للحق.. فنحن فكرة ولسنا هيئة، فكرة واسعة هائلة، أوسع من السماء والأرض، لأنه روح الله ، فليس لنا أن نضيقها بحيز مقدر، أو صبغة معينة".
وتحت عنوان " فقه الدعوة والداعية" حوى الباب الأول ثلاثة فصول: تحدث في الفصل الأول عن : " قضية بين فهمين" ، تحت عناوين : محور الخلاف، مادية الفكر والعاطفة، العقل المنطقي والعقل العاطفي".
وفي الفصل الثاني تحت عنوان " ذبذبة بين غايتين" تحدث عن : حادثة الحطيئة والزبرقان بن بدر، وغاية الأنبياء وغاية الفضلاء، واهتمام الناس بالغاية الدانية، واعترافهم بالغاية الفضلى قولا لا عملا، وتكلم عن فضائل الغرب المزيفة وعن الزيف في فضائل الغرب، وعن دول الاستعمار ومناسر اللصوص.
وفي الفصل الثالث من الباب الأول وتحت عنوان : " إلى العلاج" كتب عن المادية وأنهتا العلة الكبرى وكيفية علاجها بوحي السماء، وعن حياة الرسالات وأنها منوطة بالعاطفة والتنفيذ، وعن حقيقة الدعوة، والإصلاح، وعن الدعوة والكتابة، والدعوة والوعظ.
وحوى الباب الثاني وعنوناه:" مزاج الداعية": ثلاثة فصول : الفصل الأول وعنوانه "العقلية الواقعية" كتب فيه عن كيفية مخاطبة القلب، وعن أسلوب الله في عرض الحقائق، وضرورة الأسلوب التصويري، وعن القصة وضرورتها للداعية، وضرب مثالا من قصص القرآن " قصة سليمان عليه السلام" وعن الدولة النموذجية كما تمثلها هذه القصة التي تقوم على القوة والعلم والرسالة أو العناية العليا، وعن إيمان الرئيس الأعلى للدولة بالغاية وعنايته بكل شئ، وعن إيمان أفراد الشعب برسالة الدولة، كما كتب عن القصص النبوي، وعن القصص المخترع، وأتى برسالة من القصص المخترع. وكتب عن ضرب الأمثال وأن في ذلك حركة تجدي وتنشيط، وذكر ألوانا من ضرب الأمثال من القرآن الكريم، والأمثلة العادية والأمثلة الرمزية ومتا يضعه الوضاعون على ألسنة الطيور والبهائم.
كما أشار إلى أهمية الالتفات إلى الآثار ولزومه للداعية، وعن نهج القرآن الكريم ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقوف على الآثار.
وكتب عن النظر إلى صور المعنويات وآثارها وأوصافها وعن نهج القرآن في ذلك، وعن نهج الرسول صلى الله عليه وسلم في تصوير المعنويات وطرقه في ذلك، ومسايرة الصحابة رضوان الله عليهم له. وكتب عن مقابلة الحقائق المغيبة كالسمعيات بأحوال دنيانا العملية وأتى بأمثلة على ذلك، ثم كتب عن النظر في آيات الله في الآفاق، ونعمه السابغة على الناس، وبمثال تطبيقي تاريخي للنظر في آيات الله وثمرته الناجحة وعن نماذج في آيات الله ليقيس عليها الداعية.
وتحت عنوان " الروحانية الاجتماعية" كتب في الفصل الثاني عن المادة والروح، وعن كياننا الحقيقي بأنه هو الكيان الروحي المعنوي، عن كيفية خطا المرء في حق نفسه، وأنه يجب أن يحال بين القلب وبين متاع الحياة ا لدنيا بأن " يكون للجسم عالمه، وللقلب عالمه، فيسعى الإنسان سعيه البدني في حياته الظاهرة، ويسعى سعيه القلبي في حياته الباطنة" وكتب عن تدارك الخطأ بالزهد، وعن صعوبة تحقيق الزهد. وكتب عن التجرد ومعناه والأهواء التي يجب تجريد القلب منها وكيف نتوصل إلى التجرد والتجريد. وأتى بأمثلة واقعية لتجرد أهل المال والجاه ونمن حياة سليمان عليه السلام، ويوسف عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم وعن الروحانية وأهلها وكتب عن صفاتهم، وعن الروحانية وذكر الله وعن معنى الذكر على حل وطبيعة الذكر في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الاقتداء بنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الذكر، وعن واجب الداعية نحو الروحانية، وبعض معالم الطريق التي تؤدي إلى الروحانية، وأثر الروحانية في الدعوة والداعية.
أما الفصل الثالث: فتحت عنوان " الطبيعة التنفيذية" كتب عن بعض خصائص الإيمان من فع هم للرسالة وحب لتعاليمها وغيرة على حرمتها، وعن معنى الطبيعة التنفيذية وكيف نكسبها، وكيف نبرأ من البعد عن الله. وأشار إلى أن غاية الداعية هي الله ولكي نصل إليه – سبحانه- لابد من إحياء القلب. فكتب عن وسائل إحياء القلب والمحافظة عليه وهي: التذكير بالله، ووقايته من المؤثرات المختلفة بإحاطته ببيئة فاضلة. وكتب عن العقبات التي تعترض الداعية في سبيل إقامة البيئة الفاضلة ووجوب علاجها بالرفق. وكتب عن دعائم النجاح في محيط الدعوة الخارجي، وعن الخصائص النفسية التي لابد منها للداعية وهو في ميدان العمل والتنفيذ، وبعض الوسائل لكسب الطبيعة التنفيذية.
وفي الباب الثالث، وتحت عنوان " مصادر الداعية وموارده" كتب عن القرآن الكريم: عن معنى "الروح" فيه، وكيفية قراءته، والتوجيهات الخاصة بقراءته، وعلى أنه يشتمل قصة جهاد النبي صلى الله عليه وسلك م فتكلم عن جبهة الجهاد في مكة مع المشركين وطبيعة الصراع فيها، وعن جبهات الجهاد في المدينة من يهود ومنافقين ومشركين،وبقراءة القرآن الكريم على أنه يرمي إلى بناء مجتمع فاضل بما يسن لتربية الفرد، وتنظيم الجماعة، وإقامة الدولة، وقراءته على أنه جامع لعلم الله سبحانه وتعالى، وتقرأه على أن الغرض الأسمى منه إعداد المرء لله والدار الآخرة.
وكما كتب عن القرآن الكريم، كتب عن السنة المطهرة كمصدر آخر من مصادر الداعية، وكذلك عن التاريخ وسير الرجال وواقع الحياة العملية كمصادر أخرى وموارد يستفيد بها الداعية في مجال الدعوة .
وهنا نصل إلى الباب الرابع والأخير من الكتاب. وتحت عنوان " الداعية في كلماته" كتب المؤلف عن كيفية إعداد الداعية بما يتوجه به على الناس من محاضرات ودروس، وخطب، ومقالات، وأحادث عادية. فنحن في هذا الباب أمام دروس يفيد منها الداعية أيما فائدة، حين يتصل بطلابه وأتباعه والناس جميعا.
والكتاب بأبوابه الأربعة يعد من الكتب المفيدة في مجال تكوين الدعاة. وهو خلاصة أحاديث ألقاها صاحبها على " كتيبة الدعاة" من الإخوان المسلمين.
والكاتب من الإخوان المسلمين. وقد وصفه الشيخ حسنالبنا بأنه " صافي الذهن، دقيق الفهم، مشرق النفس، قوي الإيمان ، عميق اليقين وقد كتبه صاحبه وهو مؤمن بكل ما يقول، وقد سلك فيه بالدعاة الطرق التي تجعلهم بحق دعاة إلى الله وإلى سبيله على بصيرة. وفيه مع ذلك كله من الإحاطة والعلم والعمق وقوة الروح ما يجعله يفيد كل داعية، وما يجعل قراءته واستيعابه واجبا على كل من ينصب نفسه للدعوة إلى الله بأوسع ما يشتمل عليه الإسلام من معان دينية واجتماعية وسياسية.
كان من أولى الرسائل التي أصدرها المركز العام للإخوان المسلمين رسالة بعنوان: " القانون الأساسي للإخوان المسلمين واللائحة الداخلية العامة" صم صدرت رسالة المرشد وظهر منها عددان فقط. وكانت الرسالة الأولى بتاريخ 2-ع0 شعبان 1351هـ ( 19 ديسمبر 1932م) والثانية بتاريخ 5 رمضان سنة 1351هـ ( 2 يناير1933م) وقد جاء في صدرها هذا التوجيه : من مبادئ الإخوان المسلمين:
1-سلامة الاعتقاد والاجتهاد في طاعة الله تبارك وتعالى وفق الكتاب والسنة.
2-الحب في الله والاعتصام بالوحدة الإسلامية.
3- التأديب بآداب الإسلام الحنيف.
4- تربية النفس والترقي بها إلى معرفة الله تعالى وإيثار الآخرة على الدنيا.
5- الثبات على المبدأ والوفاء بالعهد مع اعتقاد أن أقدس المبادئ هو " الدين"
6-الاجتهاد في نشر الدعوة الإسلامية بين طبقات الأمة ابتغاء وجه الله.
7-حب الحق والخير أكثر من أي شئ في الوجود.
وتوالت بعد ذلك رسائل أصدرها المركز العام منها ما يشير " على أعمال الإخوان الاجتماعية، ومنها ما شرح لأهداف دعوتهم، ومنها ما هو توجيه للحكومات إلى الأخذ بتعاليم الإسلام" ومنها ما سبق نشره في مجلات الإخوان على هيئة حلقات وتم تجميعها في هذه الرسائل ومعظم هذه الرسائل كان من تأليف المرشد العام الشيخ حسنالبنا.
ففي مجال شرح أهداف الدعوة والتعريف بها صدرت رسائل منها:
1-دعوتنا
2-إلى أي شئ ندعو الناس؟
3-نحو النور.
4-المنهج.
5-أهدافنا ومبادئنا.
6- بين الأمس واليوم.
7- إلى الشباب.
8- دعوتنا في طور جديد.
9- هل نحن قوم عمليون؟
10- الجهاد.
11- المأثورات.
12- المناجاة.
13- مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي.
14- تطورات الفكرة الإسلامية وأهدافها.
15- التعاليم.
16- الرسالة المحمدية.
17- الإسلام سياسة وحكم.
18- امن أنت؟
19- دستورنا.
20- واجبات الأخت المسلمة.
كما صدت بعض الرسائل الخاصة باللوائح والتنظيمات الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين مثل:
1-اللائحة الداخلية العامة للإخوان المسلمين.
2- اللائحة العامة لقسم الاتصال.
3-اللائحة العامة لقسم المهن.
4-لائحة اللجنة العامة للشئون السياسية.
5-لائحة قسم العمال والفلاحين.
6-لائحة القسم الطبي العام.
7-اللائحة العامة للنشاط الرياضي والكشفي.
8-قانون الجمعية التعاونية المصرية للتوفير والتسليف لبناء المساكن بمصر القديمة.
9-قانون مدارس الإخوان المسلمين بالاسكندرية.
وأصدت بعض الأقسام الداخلية بالمركز العام و رسائل خاصة فمثلا:
-أصدر قسم الطلاب رسالة شهرية بعنوان : " رسالة الطلاب".
-وأصدر قسم نشر الدعوة رسائل شهرية بعنوان : " هذه دعوتك".
صدر منها:
1-رسالة " العبادة جوهرها وآفاقها".
2-رسالة "التشريع الإسلامي".
3-رسالة " المجتمع الإسلامي".
-واصدر قسم السر رسائل منها:
1-رسالة " نظام الأسر. نشأته وأهدافه".
2-رسالة " المنهج الدراسي لإخوان الأسر" وصدر منها سبعة أعداد شهرية.
3-رسالة " من أدب الأسرة والكتيبة".
4-رسالة " نحو جيل مسلم".
-وأصدر قسم الأخوات المسلمات: " الرسالة الأولى للأخوات".
-وصدر عن قسم التربية البدنية رسائل تدور حول الموضوعات الرياضية منها رسالة بعنوان " الرحلات".
-وأصدر قسم الجوالة رسائل منها رسالة بعنوان : " الأناشيد"
-وأصدرت لجنة البعوث الإسلامية رسائل منها:
1-رسالة "المسلمون بين التبشير والاستعمار".
2-رسالة "المسلمون بين العنصرية والطائفية".
-كما صدرت عن بعض المكاتب الإدارية والمناطق رسائل منها:
1-رسالة " قطوف دانية من الكتاب والسنة" : أصدرتها منطقة المحلة الكبرى.
2-رسالة " الإخوة في الله. فضائلها وواجباتها ": أصدرتها منطقة وسط القاهرة.
3-رسالة " المنهج الدراسي لمدرسة الجمعة" : أصدرتها منطقة شرق القاهرة.
4-رسالة " زاد العاملين" أصدرها قسم الطلاب بمكتب إداري الغربية.
المبحث الثاني الخطابة والنشرات (المطبوعة)
1-الخطابة: وتشمل:
الخطب والمحاضرات والمؤتمرات المطبوعة
2- النشرات : وتشمل :
أ-النشرات الدورية وغير الدورية المطبوعة.
ب-المنشورات المطبوعة.
1-الخطب والمحاضرات والمؤتمرات (المطبوعة)
ظل المسجد طيلة تاريخ دعوة الإخوان المسلمين المكان الرئيسي الذي يمد الدعوة بجنودها. فكانت المساجد في فجر الدعوة بالأرياف من أنجح الوسائل وأفيدها حيث كانت الخطابة والدروس من أهم الأنشطة التي يمارسها الدعاة منهم.
على أن انتشار الجماعة في المدن الكبيرة دعا إلى إضفاء لون جديد على الخطابة حيث تقرر عقد اجتماعات منتظمة خارج المساجد تبحث فيها مختلف الشئون التي تهم دعوة الإخوان.
وابتداء من عام 1358 هـ _ 1939م) ظلت المحاضرات تلقى مساء كل ثلاثاء بالمركز العام للإخوان المسلمين طيلة وجود الجمعة القانوني.
" وكان موضوع المحاضرات بالقاهرة في أول عهدها دينية في جوهرها. وكان المتحدث عادة البنا ذاته، يحاول شرح المعاني الحقيقية للرسالة النبوية من خلال تفسير مسهب للقرآن والحديث . وينمو الجمعية، أخذ موضوع المحاضرات يتسع ليشمل تاريخ الإسلام ومصر والأمور الاجتماعية والاقتصادية التي تتعلق عموما بالنهضة الإسلامية المتوقعة، كما شملت المخ حاضرات بطبيعة الحال تاريخ الدعوة نفسها، وكان البنا – أثناء حياته- الشخصية الرئيسية في هذا .
كذلك كانت هناك مؤتمرات خاصة تلقى فيها الخطب التي توضح موقفا معينا من قضية معينة أو تسدي نصحا أو تطالب بمطالب عامة.
واستخدم الإخوان المسلمون هذه الخطب والمحاضرات والمؤتمرات كوسيلة إعلامية مطبوعة بطباعتها على هيئة رسائل أو كتب بواسطتهم أو بواسطة الغير:
ومن هذه الخطب والمحاضرات والمؤتمرات التي طبعت ما يلي:
1-رسالة " الإخوان المسلمون تحت راية القرآن"
وهي نص الخطاب الذي ألقاه الشيخ حسنالبنا في حديث الثلاثاء 14 صفر 1358هـ الموافق 4 أبريل 1939 بدار المركز العام بالقاهرة.
2-كتاب " نظرات في القرآن" للشيخ حسنالبنا.
وهو كتاب يضم ثلاثين محاضرة من محاضرات الثلاثاء قام بتسجيلها كتابة الشيخ/ أحمد عيسى عاشور صاحب مكتبة الاعتصام.
3-كتاب "نظرات في السيرة" للشيخ حسنالبنا.
وهو كتاب يضم سبع عشرة خطبة ومحاضرة للشيخ حسن ا لبنا ألقاها في رحاب المدينة المنورة وفي محاضرات الثلاثاء بالمركز العام للإخوان المسلمين. وقد جمعها بنفس طريقة الكتاب السابق الشيخ أحمد عيسى عاشور صاحب الاعتصام.
4-كتاب " نظرات في إصلاح النفس والمجتمع" للشيخ حسنالبنا
وهو كتاب يضم خمسا وثلاثين محاضرة من محاضرات الثلاثاء وجمعها أيضا الشيخ أحمد عيسى عاشور.
5-رسالة "المؤتمر الخامس"
وهي خلاصة الخطاب الذي ألقاه الشيخ حسنالبنا في المؤتمر الدوري الخامس المنعقد بسراي آل لطف الله بالجيزة – القاهرة يوم 13 ذي الحجة 1357هـ ( أول يناير1939م).
6-رسالة " في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين)
وهي خلاصة الخطاب الذي ألقاه الشيخ حسنالبنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين المنعقد بالقاهرة في محرم 1357هـ (مارس 1938م)
7-رسالة " المؤتمر السادس"
وهي خلاصة الخطاب الذي ألقاه الشيخ حسن ا لبنا في المؤتمر السادس المنعقد بالقاهرة في محرم 1360هـ ( يناير1941م).
8-رسالة "في اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد
وهي خلاصة خطاب الشيخ حسنالبنا في اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد للإخوان المسلمين المنعقد بالقاهرة في 3 شوال 1364هـ ( 8 سبتمبر 1945م).
2-النشرات والمنشورات (المطبوعة)
أ-النشرات
المقصود بالنشرة مطبوع يحتوي نشاطا وأخبارا عن فئة محدودة من الناس أو هيئة أو جماعة لها نشاط معين، ويوزع في نطاق هذه الفئة أو الهيئة أو الجماعة. وقد يأخذ صفة الدورية في الصدور المنتظم، إلا أنه لا يستلزم الحصول على ترخيص لإصداره.
وقد استخدم الإخوان المسلمون هذه الوسيلة المطبوعة في بعض الفترات التي لم يكن لهم فيها صحف أو مجلات تنطق باسمهم كما حدث في ربيع أول 1372هـ ( نوفمبر 1952م) حين أصدر قسم نشر الدعوة بالمركز العام نشرة نصف شهرية بعنوان ( إلى الإخوان" وجاء في مقدمة العدد الأول منها ما يلي:
" وستحتوي هذه النشرة مستقبلا بإذن الله على أخبار المركز العام ونشاط الأقسام وسير الدعوة في الأقاليم، وتوجيهات من فضيلة المرشد العام ومن القسم، ونرجو أن توافينا المكاتب الإدارية بنشاطها موجزا وافيا مرتين كل شهر عربي".
وقد احتوت الأعداد المختلفة التي صدرت من هذه النشرة على البيانات والأحاديث الصحفية التي أدلة بها المرشد العام حسن الهضيبي، ولم يتسع صدر الصحف لنشرها.
كما احتوت أخبار الأقسام المختلفة ونشاطها والتعريف بها. وكانت توزع مجانا على كل أسرة من أسر الإخوان في مصر والبلاد العربية والإسلامية.
كما أصدرت بعض الأقسام الأخرى بالمركز العام نشرات خاصة بها. فأصدر قسم الطلاب نشرة دورية توزع على جميع الأقاليم، وأصدرت بعض الشعب والمناطق نشرات خاصة بها مما حدا بالسكرتارية العامة للإخوان المسلمين إلى إصدار بيان خاص بذلك جاء فيه:
" تقوم بعض الشعب والمناطق بطبع رسائل ومجلات ونشرات تتصل بمناهج الدعوة ومبادئها، وتحمل اسم أفراد أو أقسام في هذه الشعب، ويهم السكرتارية العامة أن تذكر الإخوان جميعا بخطورة هذا الأمر ووجوب الرجوع للجهات الإخوانية المسئولة قبل نشر هذه المطبوعات لاعتبارات كثيرة لا تخفى، فأما بالنسبة للنشرات الدورية والمجلات المؤقتة التي يصدرها الإخوان في دوائر المكاتب الإدارية فيلزم اعتمادها من هذه المكاتب، وأما النشرات والمجلات التي تصدر عن أقسام المركز ا لعام.. فلابد من اعتمادها من المركز العام عن طريق السكرتارية العامة".
واستخدم الإخوان المسلمون " النشرات السرية" في الفترة من ذي الحجة 1373هـ إلى ربيع أول 1374هـ ( أغسطس – أكتوبر 1954م) كوسيلة اتصال على جميع المستويات. وانصبت باستثناءات قليلة على النزاع مع الحكومة المصرية وقتئذ وعلى تقوية المعنويات بشكل عام.
ويلاحظ على النشرات التي كانت تصدر صغر حجمها وقلة عدد صفحاتها وتميزها بالأسلوب السهل والاختصار في سرد الخبر أو التعليمات.
وقد حرص الإخوان المسلمون على أن يكون هناك ضوابط لإصدار هذه النشرات كما ورد في اللائحة الداخلية للإخوان.
ب-المنشورات
المقصود بالمنشور هو مطبوع يتكون من صفحة واحدة، أو ي بضع صفحات قليلة يتضمن توضيح رأي في قضية عامة ، أو تسجيل موقف بالنسبة لمشكلة تهم الناس، يصدر في مناسبة خاصة بالنسبة للمحتوى الذي يتضمنه، ويوزع بصفة عامة على مختلف الناس.
وكان أول المنشورات التي صدرت عن الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية قبل أن يغادرها المرشد العام الشيخ حسنالبنا إلى القاهرة، منشورا بعنوان " كلمة الحق" ردا على مفتريات بعض المنشقين على الجماعة. فقد عرض الإخوان على المرشد العام أن يرشح لهم من ينهض بأعباء الدعوة في حالة انتقاله من الإسماعيلية حتى لا يفاجئوا بذلك، ورشح لهم واحدا منهم، ووافق الجميع على هذا الترشيح، ولكن أحدهم لم يرق له ذلك حيث أنه قد حيل بينه وبين ما يأمل من رياسة الإخوان. وبدأ يكيد للجماعة بتجميع بعض ذوي النفوس الضعيفة حوله- الذين لا يزد عددهم عن خمسة أشخاص، وإشاعة الأكاذيب والمفتريات إلى أن تقدموا باستقالاتهم فقبلت. لكنهم استمروا في إطلاق الشائعات الكاذبة، وإرسال العرائض المجهولة للجهات المختصة، وطبع المنشورات والتقارير المذوبة التي تتهم الجماعة بانعدام حرية الرأي والمشورة فيها، وصرف أموال الجماعة بغير طرق قانونية، وأن من حق الرأي العام محاسبة القائمين على الجماعة، فما أن طبع منشور " كلمة الحق" ووزع حتى تلقفه الناس ولفت أنظارهم إلى دعوة الإخوان المسلمين ، وأخذ الناس يهتمون بكل ما يتصل بالجماعة، فكان ذلك من أكبر العوامل على انتشار دعوة الإخوان، وانضمام عناصر كثيرة من الناس إليها.
وبعد أن استقر الإخوان وأصبح مركزهم العام في القاهرة استخدموا وسيلة طبع المنشورات في مناسبات مختلفة، سواء في أثناء وجودهم العلني كهيئة مصرح لها قانونا بالعمل، أم في الفترات التي كان يقيد فيها نشاطهم أو يمنع قانونا، لبيان رأيهم في موضوع حيوي أو مشكلة تهم المسلمين، وغالبا ما كانت تستخدم آلات السحب " البالوظة" في أول الأمر ثم " الرونيو" بعد ذلك، في طباعة هذه المنشورات تحسبا لأي مصادرة لها من قبل الجهاز الحكومي، حيث كانت المطابع في أكثر الأحيان تحت المراقبة الحكومية.
ففي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " أصدر الإخوان المسلمون في طنطا صحيفة إسلامية مطبوعة أهابوا فيها بالأهلين أن يحافظوا على أداء فريضة الجمعة وإقامة الشعائر الدينية منتهزين موسم الطاعة في رمضان المعظم".
وجاء في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان " قرار " ما يلي:
" تقوم بعض الشعب في القاهرة والأقاليم بطبع منشورات دعاية للفكرة أو للحفلات العامة أو عمل إعلانات وغيرها. وقد قرر مكتب الإرشاد العام ألا تصدر شعبة من الشعب سواء بالقاهرة أو الأقاليم أية نشرة أو إعلان إلا بعد إرسال صورة منه إلى المركز العام ( قسم نشر الدعوة) لاعتمادها أولا وإعادتها إليها ثم تقوم بطبعها وتوزيعها بعد ذلك.
وفي مجال الاهتمام بقضية فلسطين، كان الإخوان يطبعون المنشورات التي تهاجم الإنجليز وتشرح مظالمهم في فلسطين، وتبين خطر اليهود، ووزعت في الكليات والمصالح الحكومية والمحلات والمقاهي وفي الأقاليم، وكان ذلك في أوائل الثلاثينات.. كما دعوا إلى مقاطعة المحلات اليهودية في القاهرة بطبع كشوف بأسماء هذه المحلات وعناوينها والأسماء الحقيقة لأصحابها، وذيلت هذه الكشوف بعبارة : " إن القرش الذي تدفعه لمل من هذه المحلات إنما تضعه في جيب يهود فلسطين ليشتروا به سلاحا يقتلون به إخوانك المسلمين في فلسطين" ووزعت هذه الكشوف على أوسع نطاق في القاهرة والأقاليم، فكان لها دوي هائل لأنها أول دعاية مست العصب الحساس لليهود.
وقد بلغ من تأثير هذا الأسلوب في الدعاية أن علقت عليه الصحف الإنجليزية تستعدي الحكومة المصرية على مصدري هذه المنشورات.
ومع أن الحكومة المصرية مدفوعة من الإنجليز قد جردت حملات قوية لمصادرة هذه المنشورات بالذات إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى شيء منها، وكانت تفاجأ برؤيتها في أيدي الناس في الشوارع والمحلات وفي المدارس والمعاهد والجامعة، وكان كبار موظفي الدولة والوزراء يذهبون في الصباح إلى مكاتبهم فيجدون هذه المنشورات عليها.
وفي مجال الاهتمام بمهاجمة الاستعمار الإنجليزي بمصر، أشارت تقارير الأمن ( وثيقة 34، 539 لسنة 1941م) إلى ازدياد المنشورات التي يطبعها الإخوان المسلمون التي تدعو للتخلص من المستعمر.
وكان الطلاب من الإخوان المسلمين يوزعون المنشورات في مدارسهم كلما كان هناك داع.. ففي عام 1372هـ ( 1953م) وبعد إلغاء الدستور وعزم حكومة الثورة (بمصر) على إصدار دستور جديد " وزع طلاب الإخوان منشورا إسلاميا أبانوا فيه شمول الإسلام وصلاحيته لأن يكون قاعدة أساسية في الدستور المزمع إصداره، وكان المنشور كله عبارة عن بعض الآيات القرآنية في معان مختلفة".
وعندما اشتدت الأزمة بين الإخوان وبين حكومة الثورة عام 1373هـ ( 1954م) " انهمرت منشورات الإخوان على الشعب تهاجم بنود معاهدة ( اتفاقية الجلاء)، وتبصر بعواقب ضياع الحياة النيابية ووأد الحرية، وتطمئن الشعب بأن الإخوان لن يتخلوا عن رسالتهم حتى النهاية".
" وكانت المنشورات أشد وطأ على نفوس الشعب من سيل الإعلام الحكومي، وكانوا لذلك يسابقون السلطة في تلقف المنشورات وترويجها ضد الاتفاقية ومن أجل الحياة النيابية، وكان شباب الإخوان ينسخون أكبر عدد من المنشورات"
ويذكر مؤلف كتاب " عندما غابت الشمس " عند حديثه عن نسخ المنشورات قوله " وشمر كل شباب الشعبة لنسخ أكبر عدد من المنشورات التي تصلنا تباعا من المركز العام، وأمضينا ليلة طويلة في نسخ أعداد كبيرة لأكثر من منشور تم إلصاقها على الأبواب والحيطان قبل بزوغ الفجر، واستيقظت القرية على هذا المنظر الفريد الذي لم تشهده من قبل حتى أن خفر الليل الموكل بحراسة بيت العمدة وجد المنشور في فوهة بندقيته.
" ولم تتوقف المنشورات عن فضح الأساليب الهمجية حكومة الثورة في معاملة المعتقلين".
ومن المنشورات التي صدرت عام 1386هـ (1966م) منشور وزع في مصر والبلاد العربية بعنوان: " نداء من الإخوان المسلمين للإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر" يوضح أساليب الضغط والاضطهاد للإخوان المسلمين من اعتقال وسجن ومحاكمات صورية وإجراءات قتل جماعي داخل السجون والمعتقلات، ومطالبا بإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين في مصر من الإخوان لمسلمين وغيرهم.
كما صدر منشور آخر بعنوان " نافذة على الجحيم" على هيئة كتيب صغير يوضح التعذيب الذي يلاقيه الإخوان في المعتقلات، وآخر بعنوان " لماذا أعدم سيد قطب وإخوانه".
الفصل الثاني : الصحافة
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: صحافة ما قبل المحنة الأولى
المبحث الثاني: صحافة ما بعد المحنة الأولى
المبحث الثالث: صحافة ما بعد المحنة الثانية
المبحث الأول: صحافة ما قبل المحنة الأولى
أولا : مرحلة الإسماعيلية : الصحافة غير المملوكة
1-مجلة الفتح
2-مجلة الشبان المسلمين
ثانيا : مرحلة القاهرة:
1-مجلة " جريدة الإخوان المسلمين".
2-مجلة " النذير"
3-مجلة " المنار"
4-المطبعة
ب-فترة ما بعد بداية الحرب العالمية الثانية
1-مجلات " النضال" ، " الشعاع"، " التعارف".
2-مجلة " الإخوان المسلمون"
3-جريدة "الإخوان المسلمون"
4-مجلة " الكشكول الجديد"
5-مجلة " الشهاب".
صحافة ما قبل المحنة الأولى
تشمل دراسة صحافة الإخوان المسلمين خلال هذه المرحلة المدة من تأسيس الجماعة بالإسماعيلية عام 1346هـ ( 1928م) حتى تعرضهم للمحنة الأولى التي بدأت بصدور قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في عام 1368هـ ( 1948م)
وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل النشاط الصحفي لجماعة الإخوان المسلمين لطول فترتها الزمنية التي جاوزت العشرين عاما في ظل الوجود القانوني للجماعة، فتمكنت خلال هذه الفترة ممن ممارسة النشاط الصحفي الذي بدأ من الصفر بعدم تملك أي صحيفة أو مجلة إلى أن أصبح لديهم مجموعة من الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية.
ويمكن تقسيم هذه المدة إلى مرحلتين حسب وجود المركز الرئيسي للجماعة وهما:
أولا: مرحلة الإسماعيلية.
ثانيا: مرحلة القاهرة.
أولا: مرحلة الإسماعيلية
1346- 1351هـ -1928- 1932م)
وتشمل الفترة من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية عام 1346هـ (1928م) حتى انتقال المركز العام للجماعة إلى القاهرة عام 1351هـ (1932م)
وتتميز هذه الفترة بعدم وجود صحافة معينة تملكها الجماعة، وذلك يرجع إلى عدة عوامل تتمثل في:
1-حداثة التكوين
2-الاهتمام بالتكوين الفردي لأعضاء الجماعة
3-استخدام الوسائل الإعلامية المتاحة دون تملك الصحف
4-ضعف الخبرة الصحفية
1-حداثة التكوين :
تعتبر هذه الفترة من حياة الجماعة فترة تأسيس، حيث بدأت ببضعة أفراد تعاهدوا على العمل للإسلام، واختاروا لهم اسم جماعة الإخوان المسلمين، واتفقوا على أن يكون مرشد هذه الجماعة هو الشيخ حسنالبنا وكان جل اهتمامهم هو التبشير بالدعوة، وضم الأفراد الذين يمكنهم حمل أعباء هذه الدعوة، والانتشار بها في كل مكان. وتم لهم هذا بتكوين الشعب والفروع في أماكن مختلفة، فكانت " مدرسة التهذيب" أو تجمع لهذا النفر من الإخوان، وحول مناهجها انتظمت المجموعة الأولى للإخوان المسلمين" الذين بلغوا في نهاية العام الدراسي 1346/ 1347هـ ( 1927/ 1928م) سبعين أو أكثر قليلا" ثم كان تأسيس أول دار للإخوان المسلمين ومسجدهم بالإسماعيلية ثم إنشاء أول فرع للجماعة خارج الإسماعيلية ثم معهد حراء الإسلامي بالإسماعيلية ثم شعبة أبو صير فبور سعيد، فالبحر الصغير، وغيرها من الشعب وما يلحق من مساجد ومدارس ومنشآت قاربت بضع عشرة شعبة خلال خمس سنوات من تأسيس الجماعة بالإسماعيلية، وقبل انتقال مركزها العام إلى القاهرة. فكانت هذه الفترة فترة تأسيس وانتشار لم تتح للجماعة فرصة إصدار صحافة تنطق باسمها، وهي لا زالت محدودة الانتشار غير معروفة للكثيرين.
2-الاهتمام بالتكوين الفردي لأعضاء الجماعة:
وضح ذلك من أول عهد للجماعة بتأسيس " مدرسة التهذيب " فلم يكن منهاجها التعليمي المبني على دراسات إسلامية هو كل شيء، بل " كانت معاني التربية العملية التي تتفاعل في أنفسهم بالمخالطة والتصرفات الواقعية والود والمحبة فيما بينهم. والتعاون الكامل في شئون حياتهم، وتهيئة نفوسهم لذلك، وانتقاء أقوى العامل في تكوين هذه الجماعة".
ثم كانت الزيارات المتتالية للقرى والمدن المحيطة بالإسماعيلية ، وانتقاء الأفراد الصالحين لحمل أعباء الدعوة وتأسيس الشعب والفروع. وكان يقوم بمعظم هذه الزيارات مرشد الجماعة الشيخ حسنالبنا.
3-استخدام الوسائل الإعلامية المتاحة دون تملك الصحف:
اهتم الإخوان المسلمون في هذه الفترة بنشر دعوتهم باستخدام الوسائل الإعلامية المختلفة المتاحة بالنسبة لإمكاناتهم المادية والتخصصية، دون أن يتمكنوا من إصدار صحف خاصة بهم، وهم لا يزالون في طور التأسيس.
ويهمنا في هذا المجال أن نشير إلى استخدام للمطبوعات لنشر دعوتهم خلال هذه الفترة، مثل منشور طبع بعنوان " كلمة الحق" ردا على بعض المفتريات على الجماعة" ما كاد هذا الرد ينشر حتى تلقفه الناس، ولفتت هذه الحركة أنظارهم إلى الدعوة وأخذوا يهتمون بكل ما يتصل بالجماعة".
4-ضعف الخبرة الصحفية:
لم يكن للشيخ حسنالبنا خبرة في العمل الصحفي عند بداية تأسيس جماعة الإخوان، وبدأ اتصال الإخوان المسلمين بالصحافة ودخولهم مجال الخبرة فيها بالاتصال بالصحافة الإسلامية والكتابة فيها، فكان الشيخ حسنالبنا على اتصال دائم بالسيد محمد رشيد رضا صاحب " المنار" وكان يستشيره في كثير من الأمور، وكان على اتصال بالسيد محب الدين الخطيب صاحب " الفتح" الذي توطدت صلته به، وكذلك كانت صلته بجمعية الشبان المسلمين حيث كان عضوا بها"
ولقد اهتم الشيخ حسنالبنا بالكتابة بمجلتي الفتح والشبان المسلمين في الفترة التي لم يكن للإخوان المسلمين صحافة مملوكة لهم، فزادت خبرته بالممارسة الفعلية للعمل الصحفي. وشاءت إرادة الله أن يتحمل عبء إصدار " مجلة المنار" بعد وفاة السيد محمد رشيد رضا، فأعطاها من الخبرة ما سبق اكتسابه في ذلك المجال.
ويمكننا في هذا المجال الكتابة عن صلة الإخوان المسلمين بمجلتي الفتح و الشبان المسلمين خلال هذه الفترة.
أ-مجلة الفتح:
كان للشيخ حسنالبنا – مذ كان طالبا بدار العلوم – صلة بالكاتب الإسلامي الكبير السيد محب الدين الخطيب فكان يتردد على المكتبة السلفية " ويلتقي بجمهرة من الأعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية".
ولما صدرت مجلة " الفتح" وسافر الشيخ حسنالبنا إلى الإسماعيلية، وتكونت جماعة الإخوان المسلمين، كان من العاملين على " نشر الدعوة للمجلة في الإسماعيلية والإكثار من مشتركيها باعتبارها شعاع النور الأول الذي يسير العاملون للحركة الإسلامية في ضوئه".
بدأ الشيخ حسنالبنا كتابته في مجلة " الفتح" في خاتمة سنتها الثانية، بمقال عنوانه:" الدعوة إلى الله" كتب فيه عن منزلة الدعاة في الأمم، وحاجة الأمم في دور انتقالها إلى قادة حكماء ومرشدين أدلاء. . ثم تحدث عن وجوب القيام بالدعوة وتعميمها. وأوضح أن الدعوة إلى الله فريضة على المسلمين لا يخلصهم منها إلا الأداء، ولا يقبل فيها عذر ولا هوادة".
ثم تصدر مقاله التالي الصفحة الأولى من المجلة بعنوان:" الدعوة إلى الله: على من تجب الدعوة" بين فيها أن أهم الطبقات المكلفة بالدعوة والقادرة عليها هي الحكومة ودار النيابة والأغنياء والعلماء والطلبة.
واستكمالا لنفس الموضوع كتب مقاله الثالث عن " الدعوة إلى الله: سبيل الدعوة" تكلم فيها عن وسائل الدعوة الخاصة وكيفيتها، وعن مكتبة المنزل، واقترح فيها خمسين كتابا تصلح أن تكون نواة لها.
وعلى مدى ثلاثة أعداد متتالية من " الفتح" نشرت للشيخ حسنالبنا محاضرة ألقاها في نادي جمعية الشبان المسلمين عنوانها:" أضرار المقامرة ومشروع ساحل الفيروز" تكلم فيها عن الدوافع النفسية إلى الميسر، وعن أضراره الخلقية والاجتماعية والصحية والدينية، وهاجم فيه مشروع ساحل الفيروز وفند المزاعم التي يروج لها أنصار المشروع، وبين أضراره وواجب الأمة والصحافة نحو الحكومة لإيقافه. وخلص في نهاية محاضرته إلى أربع نقاط في سبيل الوقاية من داء الميسر هي:
1-عدم الجلوس إلى لاعبي الميسر لتنفرج بالنظر لسهولة العدوى السريعة.
2-عدم محاولة اللعب ولو بدون عوض فإن ذلك يجر إلى اللعب الملك.
3-عدم السماح للأنباء بالتلهي بألعاب الميسر، فالتهاون البسيط يؤدي إلى خلق يصعب علاجه.
4-إرشاد الإخوان والأصدقاء الذين انساقوا إلى بيوت الميسر إلى ما فيها من ضرر وخطب جسيم.
كما نشرت المجلة خطبة أخرى للشيخ حسنالبنا في ذكرى يوم الهجرة قدمت له بالعنوان التالي: " خطبة الداعي إلى الله الشاب المسلم الأستاذ حسن أفندي البنا في احتفال ( جمعية الشبان المسلمين) بدخول سنة 1348هـ الهجرية".
وقد نشرت مجلة " الفتح" مقالات أخرى للشيخ حسنالبنا خلال فترة وجوده بالإسماعيلية وقبل الانتقال إلى القاهرة وكذلك أفسحت صفحاتها للمقالات والإعلانات عن المحاضرات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين وفروعها خلال تلك الفترة أيضا.
رقم العدد | رقم الصفحات | التاريخ | عنوان المقال |
---|---|---|---|
100
103 105 106 107 107 108 111 134 145 151 159 163 165 234 246 255 304 |
14-15
1-4 1-4 13-15 3 13-15 8 9-10 1-2 1-3 5-7 1-3 5-7 8 12-15 8 9-12 11-13 |
25/12/1346هـ-14/6/1928
17/1/1347هـ-5/7/1928م 2/2/1347هـ-19/7/2928م 9/2/1347هـ-26/7/1928م 16/2/1347هت-2/8/1928م 16/2/1347هـ-2/8/1928م 23/2/1347هـ-9/8/1928م 15/3/1347هـ-30/8/1928م 27/8/1347هـ-7/2/1929م 15/11/1347هـ-25/4/1929م 6/1/1348هـ-13/6/1929م 3/3/1448هـ-8/8/1929م 2/4/1348هـ-5/9/1929م 16/4/1348هـ-19/9/1929م 26/8/1349هـ-15/1931م 21/11/1349هـ-2/4/1931م 2/2/1350هـ-18/6/1931م 2/4/1351هـ-4/8/ |
الدعوة إلى الله
الدعوة إلى الله:على من تجب أضرارالمقامرة ومشروع ساحل الفيروز أضرارالمقامرة ومشروع ساحل الفيروز (الجزء الثاني) تركي رئيس لوفد بابوي أضرار المقامرة ومشروع ساحل الفيروز الجزء الأخير حديث مع مبشر الدعوة إلى الله:سبيل الدعوة إن في ذلك لعبرة السبيل إلى الإصلاح في الشرق ذكرى يوم الهجرة حديث مع الأستاذ الباحث فريد بك وجدي حول ما نشرته عنه مجلة "الحديث الحلبية" إلى الأستاذ صاحب مجلة الحديث الحلبية نسير في هل مدارسنا وراء الغرب وسائل المحافظة على القرآن الكريم حول جمعية الإخوان المسلمين واجب العالم الإسلامي أمام ما نزل به ما هي الوسائل العملية الممكنة؟ البغاء الرسمي- مذكرة جمعية الإخوان المسلمين |
ب-بيان المقالات والإعلانات عن محاضرات جماعة
رقم العدد | رقم الصفحة | التاريخ | الموضوع |
---|---|---|---|
151
255 258 259 270 271 272 276 |
10-11
7 8-9 16 16 16 16 16 |
6/1/1348هـ-13/6/1929م
2/2/1350هـ-18/6/1931م 23/2/1350هـ-9/7/1931م 30/2/1350هـ-16/7/1931م 19/5/1350هـ-1/10/1931م 26/5/1350هـ-8/10/1931م 3/6/1350هـ-15/10/1931م 2/7/1350هـ-12/11/1931م |
القوى موزعة هلموا فاجمعوا../أحمد السكري
جمعية الإخوان المسلمين في شبراخيت/حامد عسكرية القنيصة الناجية/أحمد السكري جمعية الحضارة الإسلامية ومحاضراتها بخصوص اتحادها مع جمعيات الإخوان المسلمين/عبد الرحمن الساعاتي محاضرات وخطب جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة خلال الأسبوع محاضرات وخطب جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة خلال أسبوع محاضرات وخطب جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة خلال الأسبوع محاضرات جمعية وخطب الإخوان المسلمين بالقاهرة خلال الأسبوع محاضرات وخطب جمعية الإخوان المسلمين خلال الأسبوع محاضرات وخطب جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة خلال الأسبوع نداء من جمعية الإخوان المسلمين للجمهور عامة والشباب خاصة لحضور محاضراتها ومشاركتها أعمالها بيان جمعية الإخوان المسلمين بشأن إلغاء البغاء الرسمي. بيان من جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية حول شخص يوزع أوراقا تشمل على طعون في إدارة الجمعية ورئيسها بيان عن محاضرة تلقى بجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة بيان عن محاضرة تلقى بجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة تحذير ونداء من جمعية الإخوان المسلمين بعدم إدخال أبنائهم مدارس المبشرين حفظا لعقائدهم بيان بتبرعات كرام الإسماعيلية ببقية تكاليف بناء مسجد ومدرسة الإسماعيلية التي كانت دينا على الجمعية وعلى مرشدها. خطاب جمعية الإخوان المسلمين إلى وكيل وزارة الداخلية بخصوص المذكرات التي أرسلتها فروع الجمعية بوجوب إلغاء البغاء الرسمي. |
تحت عنوان " رسائل الإخوان المسلمين" كتبت " الفتح" تقول: تعددت أصوات الجهاد في سبيل الفضيلة ولله الحمد، وقد صدرت الآن (رسائل الإخوان المسلمين) يحررها صديقنا الداعي إلى الله الأستاذ حسن أحمد البنا، وهي تتضمن كل ما يحتاج إليه الإخوان المسلمون في مختلف فروع الجمعية من معلومات دينية في العقائد والعبادات.. لتعيين علاقة الأخ المسلم بأخيه وجميع الخلق. والحق أن الجمهور الإسلامي الذي يتحرى دائما ما فيه من رضاء الله تعالى، كان في حاجة إلى رسائل تطلع عليه من مرشد ضليع يقول لله ويعمل لله، فها هي بغيته الآن بين يديه. زاد الله في حسنات الأستاذ البنا وأدام توفيقه للخير".
وعندما أصدر الإخوان المسلمون مجلتهم الأولى قدمت " الفتح" لما تحت عنوان: " جريدة الإخوان المسلمين " بقولها: أصدرت جمعية الإخوان المسلمين صحيفة أسبوعية لتكون لسان حالها، ولتقوم بقسطها من خدمة الإسلام والهيئات العاملة على رفعته وإعادة مجده. ومع أنها جريدة إسلامية جامعة فإن أبرز أقسامها وأنفعه للقراء هو قسمها الديني الذي يحرره مرشد الجمعية العامة حضرة الصديق المجاهد الأستاذ حسنالبنا، وسيتناول التفسير والعقائد والفقد والتصوف وعظة المنبر. والأستاذ البنا من صفوة الداعين إلى الله بحكمة وبصيرة، وهو روح هذه المجلة وعمادها، كما أنه روح جمعية الإخوان المسلمين وعمادها، ورئيس تحرير المجلة هو فضيلة الأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري، وإدارتها في دار المطبعة السلفية ومكتبتها، وقيمة الاشتراك السنوي 30 قرشا داخل القطر المصري و 50 في الخارج، فنرجو لهذه الصحيفة التوفيق فيما أخذته على عاتقها من مهمة عظيمة وأن يكتب الله لها الانتشار والذيوع".
وهكذا كانت مجلة الفتح صدرا متسعا لدعوة الإخوان المسلمين ومنبرا عاليا للدعوة لها ولنشاطها في الوقت الذي لم يكن للإخوان المسلمين صحافة بعد، فلما اعتزم الإخوان المسلمون إصدار أولى صحفهم كانت " الفتح" أولى الداعين إلى تشجيع هذه الصحيفة والتعريف بها.
ب-مجلة [[ الشبان المسلمين]]:
عندما تكونت جمعية الشبان المسلمين في عام 1345هـ (1927م) كان الشيخ حسنالبنا من أوائل المشتركين فيها ، والمواظبين على دفع اشتراكها، ومتابعة خطواتها، وألقى أول محاضرة له في القاهرة في ناديها، وكانت بعنوان: " بين حضارتين".
بدأت كتابة الشيخ حسنالبنا في " مجلة الشبان المسلمين في العدد الثاني لإصدارها بمقال تحت عنوان: " حياتنا التهذيبية" أوضح فيه انحدار المستوى الخلقي نتيجة لعصر الانتقال الذي تجتازه مصر، وأن السبيل إلى الإصلاح الخلقي هو الرجوع بالناس إلى تمسكهم بدينهم، وبين أن أهم وسائل التعليم والتهذيب هي المساجد والصحف والأندية والجمعيات الإرشادية ودور الكتب العامة والتأليف والنشر.
ويهمنا في هذا المقال أن نشير إلى ناحيتين:
الأولى: أن الشيخ حسنالبنا أشار إلى أهمية الوسائل التي ذكرها، وهي نظرة صائبة مبكرة في المنهج الذي سار عليه في دعوة الإخوان المسلمين، حيث كان الاهتمام بالمساجد والصحافة والأندية الرياضية والمكتبات والتأليف والنشر وغيرها من وسائل الإعلام كما سبق أن أشرنا إليه.
الثانية: ذيلت المجلة في نهاية المقال بالاقتراح التالي:
" نقترح على أخينا أن يقول قوله في الطريق العملي الواجب سلوكه في معالجة ذلك النقص وذلك الفساد".
ولقد قال الشيخ حسنالبنا- رحمه الله- قوله عمليا بتربية جيل حمل ولا يزال يحمل لواء الفكر الإسلامي، فكانت التربية الإسلامية هي الطريق العملي الذي سلكه في معالجة ذلك النقص وذلك الفساد.
وفي العدد الثالث نشر له مقال تحت عنوان " ملاحظات حول منهج التعليم" وتحت عنوان :" أنجع الوسائل في تربية النشئ تربية إسلامية. أثر التربية في حياة الأفراد والأمم" نشرت له المجلة في عدديها الثاني والثالث من السنة الثانية مقالتين كتب فيهما عن غاية التربية التي ترجى للأمة، ووسائل إصلاح التربية الإسلامية بإصلاح مؤثراتها التي أهمها المنزل والمدرسة والبيئة.
وخلال فترة " الإسماعيلية " نشرت له " مجلة الشبان المسلمين " أيضا مقالين تحت عنوان " وسائل المحافظة على القرآن الكريم".
وقد ظلت جماعة الإخوان المسلمين على صلة طيبة بجمعية الشبان المسلمين وصحافتها ورجالها. وكثيرا ما كانت تعقد بعض اجتماعات الإخوان المسلمين العامة بمبنى جمعية الشبان المسلمين، كما كانت صحافة الإخوان المسلمين فيما بعد مفتوحة لمقالات رجال الشبان المسلمين وعلى رأسهم رئيس الجمعية صالح حرب- رحمه الله – وكانت دار الشبان المسلمين هي الدار التي تردد عليها الشيخ حسنالبنا في سبيل التفاهم مع الحكومة التي قامت بإصدار قرار حل جماعة الإخوان المسلمين عام 1368هـ ( 1948م).
وأمامها تمت المؤامرة التي انتهت باغتياله في ربيع الثاني 1368هـ )فبراير 1949م).
13510 1368هـ ( 1932- 1948م)
تتميز هذه الفترة بصفة عامة باهتمام جماعة الإخوان المسلمين بأن يكون لها صحافتها التي تنطق باسمها وتبشر بدعوتها بين الناس، بعد أن بدأت في الانتشار في كثير من القرى والمدن. " فقد رأى الإخوان أن رسائل المرشد العام لا تفي بنشر الدعوة وتضمن أخبارها على الوجه الذي يجب أن تصل به إلى الناس عامة" .
ولقد تعددت صحافة الإخوان خلال هذه الفترة لعدة أسباب، بعضها من داخل الجماعة بخروج أصحاب امتياز المجلات عن الصف والبعض الآخر من الموقف المعادي لبعض الحكومات القائمة خلال تلك الفترة.
وتعتبر هذه الفترة أهم فترة في العمل الصحفي لجماعة الإخوان المسلمين نظرا للظروف المواتية التي كانت أقرب إلى الظروف العادية بالنسبة لما صادفوه بعد ذلك من تعرضهم المستمر للمحن ابتداء من المحنة الأولى عام 1368هـ (1948م).
ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين:
أ-فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.
ب-فترة ما بعد بداية الحرب العالمية الثانية.
(أ)فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية
1351هـ - 1358هـ ( 1932م- 1939).
أصدر الإخوان المسلمون خلال هذه الفترة مجلتين أسبوعيتين، وأوكل إليهم إصدار مجلة شهرية، وأسسوا أول شركة طباعة لهم إحساسا منهم بأهمية المطبعة لجميع المطبوعات التي تصدر عنهم لنشر الدعوة.
1-كانت أولى مجلاتهم التي أصدروها: مجلة " جريدة الإخوان المسلمين".
2-وكانت المجلة الثانية: مجلة " النذير".
3-وكانت المجلة التي أوكل إليهم إصدارها: مجلة " المنار" الشهرية الإسلامية التي كان يصدها السيد محمد رشيد رضا.
هي أول مجلة أصدرتها جماعة لإخوان المسلمين ، وسميت " جريدة الإخوان المسلمين تفاؤلا بأنها ستكون جريدة يومية " وقد تحقق فعلا يوم صدرت جريدتهم اليومية بعد ذلك بثلاثة عشر عاما في عام 1365هـ ( 1946م).
وقصة إصدار هذه المجلة تبين أنه بالإدارة القوية وصدق العزيمة يتمكن أصحاب الدعوات من تحقيق ما يصبون إليه منع الجهد والمثابرة " فلم يكن – وقتئذ- بخزينة الإخوان بالقاهرة رصيد ما غير جنيهين- مع أحد الإخوان- ولكن الشيخ حسنالبنا اتفق مع السيد محمد الدين الخطيب صاحب المكتبة والمطبعة السلفية على إصدار هذه المجلة، وأن يكون الخطيب مديرا لها، وتطبع بالمطبعة السلفية. وصدر التصريح وبدأ الطبع.. وكان أفراد الإخوان في دارهم الأولى يقومون بعمليات التغليف والتوزيع والنشر، وكانوا يحملونها بأنفسهم يوم صدروها".
صدر العدد الأول من المجلة يوم الخميس 21 سفر 1352هـ الموافق 15 يونيو ، 1933م في أربع وعشرين صفحة 28في 20 سم، وظلت تصدر لمدة خمس سنوات ناطقة باسم الإخوان المسلمين، فصدر منها (207) مائتان وسبعة أعداد وكان العدد الثالث والثلاثون من السنة الخامسة هو آخر عدد يصدر عن الإخوان المسلمين حيث أقصى صاحب امتياز أصدرها من صفوف الجماعة وحول هذا الموضوع كتب الشيخ حسنالبنا يقول:" وحدث أن تسلل إلى التحرير أحد الذين يجيدون السبك والخديعة، ونمسك عن ذكر اسمه الآن، فأراد أن يتخذ من جريدة الإخوان الأسبوعية الطهور سبيلا إلى مآربه، ولكن الدعوة التي تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد نفته وأقصته إقصاء لا رجعة بعده، ولكنه في سبيل هذا الإقصاء فقدت ترخيص هذه الجريدة معه"..
صدرت المجلة خلال العامين الأولين يوم الخميس من كل أسبوع.
وخلال العامين التاليين (الثالث والرابع) كانت تصدر يوم الثلاثاء من كل أسبوع وفي العام الخامس كانت تصدر يوم الجمعة من كل أسبوع. س
زاد عدد صفحات المجلة خلال السنة الثانية لإصدارها إلى ثلاثين صفحة ثم إلى ست وثلاثين، وفي السنة الثالثة صدرت في أربعين صفحة حتى العدد الخامس عشر منها حيث بدا عدد الصفحات في الانخفاض إلى أن صارت تصدر في ست عشرة صفحة في نهاية الستة الرابعة.
وفي السنة الخامسة تغير حجم المجلة ليصبح في حجم نصف الجرائد اليومية 42 في 29 سم من العدد الأول لهذه السنة حتى العدد الحادي والعشرين في اثنى عشرة صفحة، ثم عادت المجلة إلى الصدور في حجمها الأول من العدد الثاني والعشرين حتى توقفها في عدد من الصفحات يتراوح بين أربع وعشرين وست عشرة صفحة.
إدارة المجلة:
أسندت رئاسة تحرير " جريدة الإخوان المسلمين " منذ صدورها وحتى العدد الحادي والعشرين من السنة الخامسة إلى الشيخ طنطاوي جوهري حيث تولى رياستها بعده محمد الشافعي.
وتولى السيد محب الدين الخطيب إدارة المجلة منذ صدورها حتى نهاية السنة الثالثة، حيث تولى الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا إدارتها عام واحد حتى نهاية السنة الرابعة.
وظل الشيخ حسنالبنا صاحبا لامتياز المجلة إلى أن نقل هذا الامتياز إلى محمد الشافعي اعتبارا من العدد الأول من السنة الخامسة.
كانت " جريدة الإخوان المسلمين" تطبع بالمطبعة السلفية منذ أول صدورها حتى العدد الثامن من السنة الثانية. وابتداء من العدد التاسع من نفس العام كانت تطبع بمطبعة " الشركة التعاونية للإخوان المسلمين للطباعة والنشر". وعلقت المجلة في صفحتها الأخيرة من هذا العدد بمقال عنوانه:" من مطبعتنا إلى مطبعتنا" قدمت فيه الشكر للسيد محب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية " الذي لم يكن يوما من الأيام إلا ركنا من أركان الجماعة".
الإعلانات والتوزيع:
خلت " جريدة الإخوان المسلمين" – إلا نادرا- من الإعلانات. وأول إعلان نشر بالمجلة كان في العدد الأول عن تمثيلية للأستاذ عبد الرحمن الساعاتي، ولم يكن للمجلة رأس مال للإنفاق منه عليها. ولما كان محرروها لا يتقاضون على التحرير فيها أجرا فإن تكاليفها كانت قاصرة على أجر طباعتها وثمن ورقها، وكان الأستاذ المرشد يتكفل شخصيا بالجزء الأكبر من ذلك، " ومجلة هذه حالتها وهذه ظروفها ما كان مصدروها ليفكروا في حمل عبء آخر من أعبائها بأن يتعاقدوا مع شركة توزيع لتوزيعها، وكيف يقدمون على مثل وهم عاجزون من ناحية تقديم ما يتطلبه التوزيع من أجر، ومن ناحية أخرى لا يستطيعون طبع الحد الأدني من النسخ التي تصلح للتوزيع، فهم يطبعون منها نسخا بقدر ما يملكون من مال. وهذا القدر لا يفي بعشر ما يتطلب التوزيع العام في مختلف الأنحاء. لهذا كان يطبع من هذه المجلة بقدر عدد الإخوان الذين كانوا يقتنونها من أعضاء منطقة القنال وما حولها، وترسل إليهم عن طريق مندوبين يحملونها إليهم، وقد ترسل عن طريق البريد، وكانت الكمية التي تستبقي في القاهرة يوزعها الموجودون بالمركز العام على أنفسهم، وقد تبقى بعد ذلك بقية لا تجد من يقتنيها".
وقد صدر عن مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين المنعقد بالقاهرة في 11، 12 ذي الحجة 1353هـ ( 16، 17 مارس 1935م) قرار بأن تتعهد كل دائرة من دوائر الإخوان بأخذ عدد من الجريدة تدفع قيمته من صندوقها وتتولى هي توزيعه بمعرفتها متى كانت تستطيع ذلك حتى تكون بذلك قد ساهمت بقسط عملي في إنهاض الجريدة، قامت المجلة بالإعلان في بعض أعدادها عن أماكن توزيعها في أكثر من عشرين جهة.
صدر العدد الأول من مجلة " جريدة الإخوان المسلمين " يوم الخميس 21 صفر 1352هـ (15 يونيو 1933م) وتصدر الصفحة الأولى عنوان الجريدة والمقال الافتتاحي للعدد. وأهم ما يلفت النظر في العنوان ما كتبه تحته : " تصدرها جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة، ويحررها نخبة من أعضائها، وهي لسان حال جمعيات الإخوان المسلمين وتخدم كل هيئة تعمل لرفعة الإسلام وإعادة مجده".
وقد تغير شكل الغلاف على فترات مختلفة حتى يشعر قارئ المجلة دائما بالتجديد.
وقد ضمت معظم صفحات المجلة منذ صدورها حتى توقفها نهرين في كل صفحة. وفي بعض الأحيان كانت ضم نهرا واحدا أو ثلاثة أنهر.
كتب المقال الافتتاحي بالعدد الأول رئيس التحرير الشيخ طنطاوي جوهري الذي قدم للقراء موجزا للمنهج والأبواب التي ستقدم في المجلة، ثم كان المقال الرئيسي للشيخ حسنالبنا تحت عنوان: " كيف أكتب القسم الديني لجريدة الإخوان المسلمين؟". أوضح فيه المنهج الذي جاء فيه:" إن لكل عصر طريقا في الكتابة يتناسب مع أسلوب أهله في الفهم وطرقهم في الدراسة، ولابد من هذا التجديد تبعا لتجدد الإخوان المسلمين إن شاء الله تعالى على طريقة قد لا تكون مألوفة في الكتب الدينية، ولكنها بلا ريب ستستمد من بحارها" وعرض المنهج لدراسات التفسير والعقائد والفقه والتصوف وأتبعه بعظة منبرية وفتاوى ومأثورات. ومنه نرى أنه شمل نواحي الحياة الإسلامية من العبادات والمعاملات وطرق الدعوة من الخطابة المنبرية إلى مادة الدروس. ومن الطيف أن موضوع الخطبة المنبرية الأولى: " إعزاز الله المسلم بالطاعة وإذلال المسلم لنفسه بالمعصية" كان تلخيصا لدعوة الإخوان في أسلوب مبسط.
شملت المجلة عدة أبواب استمرت في معظم أعدادها:
فالقسم الديني: شارك في تحريره بعض الإخوان مثل الشيخ مصطفى الطير والشيخ حامد عسكريه والأستاذ رضوان محمد رضوان، والأستاذ محمد زهران.
واهتمت المجلة بالناحية التاريخية فخصصت بابا عن " الإعلام المشهورة" كتب فيه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا فصولا رائعة في تراجم الصحابة.
وخصصت المجلة بابا للأدب عرضت فيه بعض قضايا الأدب والقصص والشعر. كما خصص باب للمرأة تحت عنوان: " النسائيات" كتبت فيه أول رئيسة للأخوات المسلمات تقول:" أساس إصلاح الأمة إصلاح الأسرة . وأول إصلاح الأسرة إصلاح الفتاة. واعتقد أن في تعاليم الإسلام وأحكامه إن علمناها وعملنا بها ما يكفل لنا هذا الإصلاح المنشود".
واهتمت المجلة بالعالم الإسلامي فخصصت له بابا جاء في مقدمته: " إن جريدة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها خادمة كل مسلم مهما كان وطنه أو جنسيته ، وما ترى أهل القبلة إلا رجلا واحدا وجسدا واحدا كما مثلهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي هذا الباب كانت تنقل إلى قرائها مجمل أخبار العالم الإسلامي، ليلم بها كل قرائها وليقوم كل مسلم بما يجب عليه نحو الأخوة الإسلامية العامة غير متحيزة إلى فريق ولا مائلة ناحيته، ولكنها ترجو الخير لكل المسلمين. وتحت عنوان : " في جمعيات الإخوان المسلمين" خصصت المجلة بابا جاء في مقدمته: " يهمنا أن يكون هذا الباب صلة بين فروع جمعية الإخوان المسلمين المتعددة، وسنستقي معظم أخباره من مكتب الإرشاد العام، كما يسرنا أن يرسل إلينا كل فرع بما يجب أن ينشر عن الجمعية بدائرته". وتحت هذا الباب كانت تنشر أخبار وأعمال الشعب والمحاضرات والاجتماعية والمؤتمرات والقرارات والبيانات المختلفة لكل تنظيمات الجماعة. كما قامت المجلة- وعلى مدى تسعة عشر عددا – بنشر صور لأعضاء الإخوان المسلمين للتعريف بهم على صفحات المجلة.
اهتمت المجلة بالقضايا الإسلامية المثارة في ذلك الوقت مثل قضايا التبشير وإلغاء البغاء وقضية فلسطين. " كما كانت وعاء لمقالات متسلسلة كان يكتبها الشيخ حسنالبنا تحت عنوان ( إلى أي شئ ندعو الناس) وتحت عنوان ( دعوتنا) وتحت عنوان ( هل نحن قوم عمليون).
كانت هذه المقالات تثبيتا للفكرة الإسلامية في نفوس الإخوان. ووسيلة ناجحة لإقناع كثير من الناس بالدعوة. وقد جمعت هذه المقالات في رسائل كل رسالة بعنوان من هذه العناوين، وصارت في جميع أطوار الدعوة وحتى اليوم إحدى وسائل توضيح معالم الدعوة والاقتناع بها". كما كانت هناك بعض المقالات لبعض الإخوان مثل " الحرية في الإسلام" للأستاذ محمد الهادي عطيه، " البابيه والبهائية" للأستاذ عبد الوهاب العيسوي.
الأخطاء المطبعية:
أول خطأ مطبعي " لجريدة الإخوان المسلمين" كان في الصفحة الأولى لإصدارها حيث كتب تاريخ العدد 22 صفر 1352 هـ حسب ما جاء على غلاف العدد الأول ثم على غلاف العدد الثاني ( 12 صفر) وهكذا. ولم تلتفت إدارة المجلة لهذا الخطأ في الأعداد التالية. أما الأخطاء الأخرى المطبعية خصوصا ملا يتعلق بآيات القرآن الكريم فكانت المجلة تقوم بتصحيحها في الأعداد التالية.
كما أعلنت المجلة إلى كتابها أن يتأكدوا من الأحاديث الشريفة التي يوردونها في مقالاتهم وتخريجها تخريجا يجعل القارئ مطمئنا إلى الاحتجاج بها.
عرض وتحليل :
من استعراض محتويات مجلة " جريدة الإخوان المسلمين" يتضح لنا أنها تميزت بمعالجة موضوعات معينة، واهتمت اهتماما بالغا بالأمور التالية:
1-التركيز على شرح أهداف وغاية دعوة الإخوان المسلمين شرحا علميا ومنطقيا.
2-عرض الأمور الفقهية وما يتصل بأحكام الدين بطريقة تجذب المسلمين.
3-الإلمام بأخبار الإخوان في مختلف الجهات.
1-التركيز على شرح أهداف وغاية دعوة الإخوان المسلمين شرحا علميا ومنطقيا:
ففي مقال للشيخ حسنالبنا عن أغراض جمعية الإخوان المسلمين أوضح أن أقصر طريق تحقق به الأمة الناهضة آمالها وأمانيها وبناء مستقبلها هو في " التربية وصياغة النفوس على نسق يضمن لها مناعة خلقية قوية ومبادئ فاضلة ثابتة، وعقائد صادقة راسخة" وأن وسيلة تحقيق هذه الغاية تقوم بها جمعية الإخوان المسلمين بالدرس والمحاضرة وإنشاء المساجد والمدارس والمصانع وبتعريف الأمة بحقها المسلوب حتى لا تفرط فيه، وأن تتشرب نفسها بالعزة وتشعر بالكرامة حتى يهابها أعداؤها، وأن يسري فيها خلق الإيثار والتسامح والذي يؤدي إلى الحب والوحدة مع إيمانها بالله ومناصرتها للحق ومقارعة الباطل. وختم مقاله بقوله:" والإسلام مجتمع كل هذه الفضائل ، فحسب الأمة أن تكون مسلمة حقيقة، وأن تتعرف الإسلام الصحيح، وأن يكون الإسلام في أنفسها عقائد مستقرة ومشاعر متمكنة لتكون المثل الأعلى في الفضائل والكمالات. فليعلم الإخوان المسلمون أن هذه مهمة جماعتهم، وأن الغاية الأولى لهم تكوين نفوسهم على مبادئ الإسلام الصحيح، فكل من خالف هذه المبادئ فليس منهم في شيء".
وتحت عنوان " إلى العمل أيها الإخوان المسلمون" وضح فيه الشيخ حسنالبنا إيمان الإخوان المسلمين بأنه لا سبيل لنجاة الأمة إلا بالرجوع إلى تعاليم الإسلام ومبادئه، وأنهم نادوا بهذه العقيدة حتى عرف الناس أنه لا نهوض لأمة بغير خلق، ولا خلق بغير دين، وأن فساد النفوس وضعف الأخلاق هو الداء، وفي تعاليم الدين الدواء، فعاد الناس إلى حظيرة الفضيلة وإلى تعاليم الدين. وذكر الإخوان بأن هذا الجهد قام به أفراد معدودون والتف الكثيرون حوله، ويجب على الإخوان أن يستشعروا معنى الخوف من التقصير وضياع الفرصة.
وقال: " لم تكن تبعتكم يوما من الأيام أثقل منها في هذا الظرف، لقد كنتم تعلمون سابقا والناس في انصراف عنكم، وتدعونهم إلى الله وهم عن الله غافلون. فربما خيل لكم أن هناك عذرا في القعود أو مندوحة عن الجد والعمل. أما الآن وقد التفت القلوب حول لواء الدين، وأقبل الناس يريدون التعرف إلى الله، ويتلمسون من يسير بهم في طريقه، فإن القعود جريمة والتقصير جناية ليس بعدها جناية، وضياع الفرصة خسارة لا عوض لها. لهذا أنتم تسرون وأنا أخاف، وأنتم تفرحون وأنا أخشى. ولله الأمر من قبل ومن بعد.. يقولون إن الوقت هو الحياة، وهي أغلى ما يحرص عليه الإنسان ، فلا تتركوا الوقت يمر بكم والفرص تتوالى عليكم دون أن تصلوا بها إلى ما تريدون. وأول عمل أطالبكم به وأعتقد أنه دعامة النجاح أن تميزوا نفوسكم وتسووا صفوفكم".
واستكمل الشيخ حسنالبنا حديثه للإخوان المسلمين في العدد التالي " بأن في تعاليم الإسلام شفاء لكل داء وعلاجا لكل علة" وأن الأمة إذا اتبعت تعاليم الإسلام فأفرادها مؤمنون متحابون، فاضلون في أخلاقهم، أصحاء في أجسامهم، جادون في كسب عيشهم، منصفون في معاملاتهم، لا يظلم أحد منهم أحدا، عارفون بحقوقهم، واقفون عند حدودهم، مشتركون في الخيرات، متعاونون على درء المؤذيات، مستعدون لحماية أنفسهم ومبادئهم بعملهم وقوتهم. وإذا تنكبت الأمة طرق السعادة، ووضعت لنفسها نظما وقواعد تخيلت فيها التقدم والارتقاء تحقق فيها قول الله تعالى": فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وأوضح للإخوان أن العالم كله قلق، والمدنية الحديثة التي افتتن بها الناس تنهار تباعا، وكذلك ما أصاب الأمة من هذا التيار الجارف من تفكك وفرقة وشقاء.. ثم قال:" وهنا يجيء دوركم أيها (الإخوان المسلمون) وينادي مناديكم هيا إلى العالم فإن العالم ينتظركم. تقدموا إذا لإنقاذ العالم وبين أيديكم الدواء الناجع، والبلسم الشا5في، والطبيب الماهر والقائد الحكيم ذلكم هو كتاب الله تبارك وتعالى. تقدموا أيها الإخوان لإنقاذ أمتكم بإصلاح النفوس وتطهير الأرواح وتزكية الأفئدة وتقويم الأخلاق " .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..." وكونوا أنتم المثل الحي والنموذج الأول من طراز المسلم الصحيح خلقا وعملا، وتقدموا لإنقاذ العالم بأن تصوروا له بأعمالكم الإسلام على حقيقته، فينضوي تحت لوائه ويستريح في جنته من جحيم الفوضى ونار الشكوك. ولن تصلوا إلى هذه الغاية بالقول أو بالكتابة، ولكن بالعمل وحده، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نشروا تعاليم الإسلام بأرواحهم وأخلاقهم واستمساكهم أكثر مما نشروها بالقول والبيان، فهل تسمعون النداء وتكونون الرعيل الأول وتستجيبون للداعي إذا أهاب بكم. هيا أيها الإخوان المسلمون فإن العالم ينتظركم".
وفي مقالات أخرى شرح الشيخ حسنالبنا دعوة الإخوان المسلمين تحت عنوان " المنهج" ، " إلى أي شيء ندعو الناس" في تسع حلقات، " هل نحن قوم عمليون" في عشر حلقات وأيضا تحت عنوان " دعوتنا" وكذلك في الخطب المنبرية التي كان يكتبها في كل عدد من أعداد الجلة.
2- عرض الأمور الفقهية وما يتصل بأحكام الدين بطريقة تجذب المسلمين:
وقد وضح ذلك في باب التفسير في سهولة العبارة والمتوسط في إيراد المعاني مع ربط معاني القرآن الكريم بمظاهر الحياة الحديثة عملية واجتماعية وخلقية واستنبطا العبر والعظات والأحكام الفقهية التي تحتوي عليها الآيات، مع الاقتصاد في مسائل الخلاف، والتنبيه على المغالط التي وقع فيها بعض المفسرين.
وفي " العقائد" كان الاعتماد في شرحها على طريقة القرآن الكريم والرسول عليه الصلاة والسلام في توصيل العقائد الدينية إلى النفوس دون تعميق في الألفاظ أو تشعب في البحوث مع العناية ببيان آثار هذه العقائد في النفوس.
وفي " الفقه" روعي فيه البعد عن التفريعات والفروض وعدم استعمال الألفاظ الاصطلاحية الغامضة مع سهولة العبارة وبساطتها، ومزج الأحكام الفقهية بما يذهب بجفافها من الفوائد والأسرار وحكم التشريع.
أما "الفتاوى" فكان يرد فيها بأقوال الأئمة ومذاهبهم مع دليل كل رأي ويترك للقارئ اختيار ما تطمئن إليه نفسه.
وفي باب "المأثورات" كان اختيار الأدعية والأذكار المأثورة عن سول الله صلى الله عليه وسلم والتي يحسن للمسلم أن يلم بها بل ويحفظها ويدعو بها.
3-الإلمام بأخبار الإخوان في مختلف الجهات:
اهتمت المجلة " جريد الإخوان المسلمين" بإبراز نشاط فروع الجمعية في مختلف الجهات ، واعتمدت في ذلك على ما يأتيها من مكتب الإرشاد العام ومن شعب الجمعية المختلفة، وما تقوم به من جهود في سبيل نشر لدعوة والتصدي لأعداء الإسلام مثل التصدي لأعمال التبشير والإلحاد، وفي مقال افتتحي كتب الشيخ حسنالبنا يقول ، "وسننشر في جريدة الإخوان كل منشورات مكتب الإرشاد وتعليماته، وسنستغني بذلك عن النشرات الدورية الخاصة لكل دائرة، فعلى الدوائر أن تعتمد هذه الصفة لجريدة الإخوان، وأن تعمل على معاونة المكتب في مهنته بإنفاذ ما ينشر فيها، وعليها كذلك أن توافي المكتب بأخبارها الأسبوعية تباعا لتلخيصها ونشرها حتى تتعرفها الدوائر الأخرى" كما كانت تقوم بالإعلان عن الرحلات التي يقوم بها المرشد العام وغيره من الدعاة إلى المناطق المختلفة، حتى يمكن للإخوان الاتصال بها لزيادة الرابطة ولنشر الدعوة. كما قامت بالتعريف ببعض أفراد الإخوان بنشر صورهم على صفحات المجلة، وكان ذلك بناء على " اقتراح مكتب لإرشاد العام على أن تكون الصور المرسلة إلى المجلة للنشر معتمدة من الدوائر التابع لها الأخ أو من مكتب الإرشاد" وكذلك نشر عناوين الشعب والمحاضرات التي تلقى بها. فكانت المجلة وسيلة هامة لإلمام الإخوان في مختلف الجهات بأخبارهم.
وبالرغم من الأبواب الأخرى الموجودة بالمجلة والتي كان يحرر كثيرا من مقالاتها الشيخ حسنالبنا فإنها – أي المجلة- لن تخرج عن نطاق الإخوان كثيرا، فكانت قليلة التوزيع ، قليلة المال، نادرة الإعلانات ، ولكنها كانت تتغلب على هذه الصعاب بالبذل والجهد المستمر من الإخوان، إلا أنها لم تتمكن من الاستمرار في الصمود عندما فقدت هويتها بفصل من تمكن من أن يكون صاحب امتياز إصدارها من صفوف الجماعة. وليس معنى ذلك أنها لم تكن ذات فائدة، بل كان وجودها ضروريا لدعوة الإخوان في طورها الذي كانت تصدر فيه لتوضيح الفكرة في نفوس الإخوان وتثبيتها ومقارنتها، والتمييز بينها وبين غيرها من النزعات التي تنتسب إلى الإسلام.
2-مجلة النذير :
قرر الإخوان المسلمون إصدار مجلة جديدة بعد أن فقدوا مجلتهم الأولى، فأصدروا مجلة "النذير" في ثوب جديد، وفي أسلوب جديد. أسلوب ثوري ناقد، لا تترك حدثا في مصر ولا في بلد عربي ولا إسلامي إلا علق عليه من وجهة النظر الإسلامية تعليقا قويا.
صدر العدد الأول من "النذير " في 30 ربيع الأول 1357هـ ( 30 كمايو 1938م) أي بعد أقل من أربعة أشهر من فقدهم مجلتهم الأولى. واستمرت هذه المجلة ناطقة باسم الجماعة لمدة عامين إلى أن انتقلت مع صاحب امتيازها باسم جماعة " شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم" وصدر آخر عدد منها- ناطقة باسم الإخوان المسلمين- في سنتها الثانية (العدد رقم 34) في 3 رمضان 1358هـ (16 أكتوبر 1939م).
وقع اختيار لمرشد العام على الأستاذ صالح عشماوي .. ليكون رئيسا لتحرير مجلة "النذير". وكان الأستاذ صالح – وقتئذ- متخرجا في كلية ا لتجارة، وله إيراد لا يحتاج معه إلى الالتحاق بوظيفة.. وبقدر ما كانت مجلة " جريدة الإخوان المسلمين" يحررها الأستاذ المرشد كلها تقريبا بنفسه، فإنه ترك تحرير هذه المجلة لصالح، متفرغا هو لما كان يتمنى أن يتفرغ له مما لا يستطيعه غيره، واجتذبت " النذير" بأسلوبها القوي الثوري الكتاب الشباب الثائرين، فكانت في مجموعها شعلة ملتهبة.. وانتشرت انتشارا كبيرا، فكان يوزع منها أكثر من عشرة أضعاف ما كان يوزع من المجلة السابقة".
تصدر مقال الشيخ حسنالبنا العدد الأول تحت عنوان: " خطوتنا الثانية- إلى الأمام دائما- الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة- أيها الإخوان تجهزوا" تحدث فيها بمناسبة مرور عشر سنوات على بدء دعوة الإخوان المسلمين بأنهم في الفترة الماضية انصرفوا إلى ميدان تربية الأمة وتنبيه الشعب وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، حتى أصبح في مصر شعور إسلامي قوي، وأن الخطوة التالية هي دعوة المسئولين بأن يسيروا بالبلاد في طريق الإسلام، فإن أجابوا آزرهم الإخوان، وإن أبوا كانوا حربا عليهم. وأن هذا الموقف الإيجابي سيجر عليهم الخصومة والحرب من كل القوى التي لا تعمل للإسلام، وختمها بقوله::" أيها الإخوان- أعلن لكن هذه الخطوة على صفحات جريدتكم لأول عدد منها، وأدعوكم إلى الجهاد العملي بعد الدعوة القولية، وللجهاد ثمن ، وفيه تضحيات ، وسيكون من نتائج جهادكم هذا في سبيل الله والإسلام أن يتعرض الموظفون منك للاضطهاد وما فوق الاضطهاد، وأن يتعرض الأحرار منك للمعاكسة وأكثر من المعاكسة، وأن يدعى المترفون منكم إلى السجون وما هو أشق من السجون، ولتبلون في أموالكم وأنفسكن ، فمن كان معنا في هذه سواء كان شعبة من شعب الإخوان أم فردا من أعضاء الجماعة فليبتعد عن الصف قليلا، وليدع كتيبة الله تسير ثم فليلقنا بعد ذلك في ميدان النصر إن شاء الله، " .. و لينصرن الله من ينصره.." ولا أقول لكم إلا كما قال إبراهيم عليه السلام – من قبل" ".. فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"
وتحت عنوان " سياستنا" كتب رئيس التحرير – صالح عشماوي- يقدم "النذير" على مبادئ الإخوان المسلمين إلى القراء:
" لتنذر قوما نسوا الله فأنساهم أنفسهم"
" ولتشرح للناس أمورهم العامة وسياستهم في الداخل والخارج من الوجه الإسلامية.. ولتوضح فكرة نظام الحكم الإسلامي والوطن الإسلامي العام..
ولتوثق الروابط وتحك العلاقات بين الهيئات الإسلامية عموما، وشعب الإخوان المسلمين خصوصا.. بقول الحق دون خشية لومة لائم، ولا اتباع هوى، ولا ميل مع الربح مهما كان الثمن، من غير إغراء وعد أو خوف وعيد"
وفي مقال تحت عنوان: " هذا نذير من النذر الأولى" كتب عبد الرحمن الساعاتي يقول: " هذا نذير إلى الأمة والحكومة، أفهذه خير أمة أخرجت للناس؟.. أم هذه حكومة أقرت الإسلام شرعا ودستورا وأيقنت أن الله أرسل النبي شاهدا ومبشرا ونذيرا؟.. إننا تشغلنا مصر، وتستنفذ جهودنا في الليل والنهار قضية فلسطين.. إن من أعمالنا أن ينصر الشرق بالإسلام، وتسعد الدنيا بدين الله، وفي برنامجنا أن نعيد إلى حظيرة الإسلام قواما شرعوا لأممهم من الدين ما لم يأذن به الله، ومن واجبنا إنقاذ الحرم المقدس من خطر الصهيونية الباغية ومطامع المستعمرين الطغاة. ولا يغرب عنا ما يجري بالمغرب الأقصى من عدوان على حقوق المسلمين وتعذيب لقلوب المجاهدين.." .
على هذا المنوال بدأت مجلة " النذير" بأسلوبها القوي الثوري، سوطا يلهب ظهر الباطل أيا كان، وسيفا مسلطا على من يناهض الإسلام، ناصرا ومعينا لكل من يعمل مخلصا للحق والدين.
وكان لفلسطين من مقالاتها نصيب الأسد، ففضحت ألاعيب المستعمرين، وتخاذل الحكومة المصرية عن مد يد العون إلى أهل فلسطين، وكانت المجلة تنشر الخطابات التي يرسلها الشيخ حسنالبنا للمسئولين بخصوص فلسطين مثل خطابه لوزير فرنسا المفوض في مصر تقديرا لموقف فرنسا من مفتي فلسطين بالنسبة للأباطيل والتهم البريطانية والصهيونية التي وجهت إليه وإلى عرب فلسطين وخطابه إلى رئيس حزب الوفد المصري بخصوص قرار الوفد بمساعدة فلسطين وخطابه إل رئيس وزراء إيران- وقتئذ- شرح فيه الحالة في فلسطين وما يقاسيه شعبها من صنوف العذاب . وعندما صادرت الحكومة كتاب "النار والدمار في فلسطين" وهو كتاب فيه وصف للفظائع التي ارتكبها الإنجليز في فلسطين – بعد تفتيش دار الإخوان المسلمين بالقاهرة كتب الشيخ حسنالبنا مقاله الرئيسي في "النذير" تحت عنوان " أول الغيث" ندد فيه بما قامت به السلطات المصرية وموقفها المزري من القضايا الإسلامية خصوصا قضية فلسطين، وأكد استمرار الإخوان في مناصرة فلسطين دون مبالاة بما يلاقونه.
وفي نفس العدد كتب رئيس التحرير مقاله "يا مصر حطمي أصنامك وطهري ديارك للصالحين" هاجم فيه رئيس الوزراء المصري لرده المتخاذل عندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كان سيتناول قضية فلسطين في محادثاته مع الوزراء الإنجليز . فكان جوابه : " إنني رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين" كما كان هناك تعليق على نف التصريح في نفس العدد تحت عنوان " خواطر سياسية".
وكانت المجلة تنشر برقيات الشكر التي يرسلها الإخوان للزعماء المناصرين لقضية فلسطين تشجيعا لغيرهم في نصرة هذه القضية" وتنشر أخبار المظاهرات التي يقوم بها الإخوان في كل أنحاء القطر تأييدا لقضية العرب والإسلام، وأيضا المؤتمرات التي تقام لذلك.
كما نشرت نداء إلى العالم الإسلامي بخصوص " أسبوع فلسطين" صادرا من اللجنة المركزي لمساعدة فلسطين بدار الإخوان المسلمين. وكانت تنشر بعض الشعارات المتفرقة لتذكير الملمين دائما بقضيتهم مثل " فلسطين تحترق.. فتنبهوا أيها المسلمون" وغير ذلك من شعر وأخبار ومقالات تأييدا لقضية فلسطين ونصرة لها.
وفي مجال الإصلاح الداخلي والعمل على عودة الأمة والدولة إلى الإسلام كانت المقالات والخطابات التي ترسل للمسئولين تنشر تباعا بمجلة النذير.
بعض المقالات والخطابات الموجهة إلى المسئولين على صفحات "النذير"
رقم العدد | االموضوع أو العنوان | الكاتب |
---|---|---|
2السنة الأولى
3 4 6 7 12 2السنةالثانية 3 6 7 9 14 16 17 |
-خطاب الملك فاروق بخصوص الإصلاح الاجتماعي على أسس الإسلام
-خطاب إلى شيخ الأزهر للمجاهرة بالحق والمطالبة بسيادة التشريع الإسلامي -خطابات إلى أميرين ورئيس البرلمان لتوحيد الزعماء في هيئة واحدة تحت راية الإسلام -لا يتفق هذا مع الحكم الصالح الربا والخمر والبغاء..اين الوزراء؟ -الطريق النيابي من أقوم طرق الإصلاح -مذكرة إلى رئيس الوزراء بمقترحات لإصلاح المجتمع -إلى رؤساء الأحزاب السياسية لتكوين هيئة موحدة ذات برنامج إسلامي -"ما وراءك يا صيف؟"..أيها الوزراء هل أنتم مسلمون؟ -على رئيس الوزراء والوزراء أن يقيموا الصلاة الجامعة أولا -لغة الأحزاب ولغة الإخوان -أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون -مذكرة الإخوان المسلمين لوزير العدل في وجوب العمل بالشريعة الإسلامية -الإخوان بين السياسة والدين -أيها الزعماء: اذهبوا ودستوركم فالرسول زعيم الأمة والقرآن دستورها -خطاب لوزير العدل حول حوادث تحطيم الحانات -إلى متى هذا التحدى لدين الله الحنيف – رئيس النواب في ضيافة جمعية الشبان المسيحية -مذكرة لوزير المعارف وشيخ الأزهر حول مستقبل الثقافى في مصر -دهمتنا الحوادث فلنسرع الخطا -على أبواب الحرب -إذا لم تحكم الحكومة الإسلامية فعلى الشعب أن يدافع عنه (مستشفى هرمل معقل التبشير) -الدرس الذي نستفيده من الحالة العالمية والأعمال التي يجب أن نقوم بها حالا -الشريعة الإسلامية وتوحيد القضاء في مجلس النواب -أيها الشعب المسلم ماذا يراد بك؟ |
حسنالبنا
صالح عشماوي عبد الوهاب خلاف صالح عشماوي صالح عشماوي محمود عبد الحليم صالح عشماوي صالح عشماوي صالح عشماوي صالح عشماوي |
احتوت مجلة "النذير" – بالإضافة إلى ما سبق- بعض الأبواب الإخبارية مثل باب " أخبار العالم الإسلامي" وباب " في محيط الإخوان" وغير ذلك من الأبواب.
الإعلانات والتوزيع
لم تكن مجلة "النذير" أكثر حظا من " جريدة الإخوان المسلمين" السابقة بالنسبة للإعلانات، ولذا فقد كادت تخلو من الإعلانات إلا في بعض الأعداد عندما تنشر بعض الإعلانات القضائية، وبعض الإعلانات العامة نادرا. أما بالنسبة للتوزيع فكانت أكثر زيوعا من سابقتها وإن اعتمدت على جهود الإخوان أيضا في التوزيع، ويرجع ذلك إلى الأسلوب القوي الذي اتبعته إدارة المجلة في تحريرها والحماس الذي أشعلته في صفوف الشباب بالنسبة للقضايا الحيوية وقتئذ كقضية فلسطين وكشف الستر عمن تزعموا البلاد من دعاة التفرقة والأحزاب.
الأخطاء المطبعية :
كانت الأخطاء المطبعية في مجلة "النذير" خلال سنتيها قليلة. وكان أول تصحيح لخطأ مطبعي في العدد الأول نشر في الصفحة الأخيرة لنفس العدد تحت عنوان " تصحيح آية كريمة" جاء فيه " وقعت بعض أخطاء مطبعية في هذا العدد لا ريب أن القارئ الكريم قد استدركها ويرجوه المعذرة. وقد سقطت كلمة (على) من الآيةالشريفة " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"
فنستغفر الله ونستدرك ذلك الخطأ غير المقصود".
عرض وتحليل:
باستعراض مجلة "النذير" خلال إصدارها عن جماعة الإخوان المسلمين نلاحظ أن المسئولين عن إصدارها استفادوا من الخبرة السابقة لإصدارهم مجلتهم الأولى " جريدة الإخوان المسلمين" فوجود رئيس تحرير متفرغ أعطى- بما لا شك فيه- للمجلة دفعا قويا للنهوض بها، وفي نفس الوقت خفف من الأعباء الملقاة على المرشد العام الشيخ حسنالبنا حين كان يولى معظم تحرير المجلة السابقة.
والأسلوب الثوري الناقد الذي أخذت به المجلة منذ صدورها، ساعد على انتشارها خصوصا بين الشباب حيث جذبت عددا منهم للكتابة فيها. وكان مما سهل لهذه المجلة الطريق أيضا أن حروف الطباعة من مطبعتهم السابقة لم تزل- وقتئذ - ملك الإخوان وموجودة بدارهم.
ولئن فقد الإخوان المسلمون مجلة "النذير" بخروج صاحب امتيازها من الجماعة لتنطق باسم جماعة " شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنها- ولا شك- قد دفعت بالخبرة الصحفية لدى جماعة الإخوان المسلمين دفعة قوية إلى الأمام أفادتهم عند إصدارهم صحفهم اللاحقة.
ولقد عاصرت مجلة "النذير" دعوة الإخوان المسلمين بعد مرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة وبعد انتقالها " من حيز الدعوة العامة فقط إلى حيز دعوة الخاصة أيضا، ومن دعوة الكلام وحده إلى الكلام المصحوب بالنضال والأعمال" وخلال هذه الفترة القصيرة من عمر الجماعة أنجزت "النذير" كثيرا من المهام الموكلة إليها في التعريف بدعوة الإخوان المسلمين ونشر وجهة نظر الجماعة في الأحداث الجارية.
وهي المجلة التي كان يصدرها الشيخ السيد محمد رشيد رضا- رحمه الله- وقد سبق التعريف بها في موضع سابق من هذا البحث.
ولقد توقفت "المنار" بعد وفاة مؤسسها لمدة سبعة أشهر بع أن صدر منها الجزءان الأول والثاني من مجلدها الخامس والثلاثين، واستأنفت نشاطها بصدور الجزء الثالث من هذا المجلد بعد أن أسند تحريرها إلى عالم جليل من سوريا هو السلفي المحقق الشيخ بهجة البيطار الذي حاول متابعة التفسير على مستوى الشيخ رشيد فأتم تفسير سورة " يوسف" في الجزء الرابع، ثم توقفت عن الصدور مرة أخرى ما يقرب من ثلاث سنوات إلى أن أسند تحريرها إلى الشيخ حسنالبنا.
" لم يكن – الشيخ حسنالبنا- غريبا على أسرة لشيخ رشيد، فقد كان على صلى وثيقة بالشيخ منذ كان طالبا بدار العلوم. وكانت دار مجلة "المنار" ملتقاه بأكثر من التقى بهم من رجالات الحركة الإسلامية في ذلك العهد، واتخذت أكثر القرارات في مواجهة المؤتمرات ضد الإسلام في هذه الدار- كما سبق أن أشرنا إلى ذلك – وظل الأستاذ حسنالبنا- على اتصال بالشيخ رشيد بعد قيام دعوة الإخوان ، وكان يستشيره في كثير من الأمور".
" تردد د الشيخ حسنالبنا عندما طلبت منه أسرة الشيخ رشيد أن يقوم بأعباء "المنار" ، مع علمه بأن إسناد تحرير المنار إليه شرف لا يعادله شرف واعتراف له بالزعامة العلمية والأصالة الإسلامية، ولكت تردده، بل رفضه الذي صرح به لأسرة الشيح كان لسببين يكتمهما عن الأسرة هما:
أولا: أن إسناد تحرير المنار إليه سيقتطع من وقته جزءا كبيرا لأنه سيضطر - أخذا بطريقة الشيخ ومتابعة لخطته ومحافظة على مستوى المجلة- إلى تحريرها بنفسه. ولما كانت الدعوة لا تتيح له هذا الوقت، فإنه يخشى أن تطغى واحدة منهما على حق الأخرى، وفي حين أن الدعوة لا تستغني عنه. فقد يجدون هم العالم الإسلامي من يقوم بأعباء المنار.
ثانيا: أنه حرصا منه على استمرار صدور المنار باعتباره أحد المعالم الإسلامية يرى ألا يدرها هو، حتى تكون في مأمن من المكايد التي يدبرها أعداء الإسلام للدعوة، ومنها مصادرة صحفها وسحب تراخيصها.
وقال له: إنني مع حرصي في هذا الطور من أطوار الدعوة على تجنب الاصطدام بالسلطات، فإنهم ألغوا لنا عدة مجلات كنا نستأجرها ونصدرها، وقال لهم: إن أعداء الدعوة من الخسة والنذالة بحيث لا يتورعون عن إلغاء المنار نكاية فينا لأنهم لا وازع لهم في دين أو خلق أو حياء. وأصر الأستاذ المرشد على الرفض، وأصرت الأسرة على إلزامه حتى اضطر أخيرا إلى النزول على إرادتهم بعد أن بين لهم المخاطر".
ولقد صدق توقع الشيخ حسنالبنا فلم تلبث مجلة المنار أن صدر منها بضعة أعداد حتى توقفت عن الصدور بضعة أشعر عاودت الظهور للتوقف نهائيا بعد أن أكملت إصدار المجلد الخامس والثلاثين كما سنوضحه فيما بعد.
إصدار "المنار" من جديد:
أصدر الشيخ حسنالبنا مجلة "المنار" مرة أخرى، فصدر الجزء الخامس من المجلد الخامس والثلاثين في غرة جمادي الثاني 1358هـ ( 18يوليو 1939م) في ثمانين صفحة 23ف 15 سم بنفس شكل إصدارها من قبل. وكان هذا الإصدار صدى في الأوساط العلمية الإسلامية عبر عنه الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر في ذلك الوقت بمقال قدم به الأستاذ البنا إلى قراء المنار أنصفه به إنصافا أقر له بالإمامة في العالم وفي الدعوة فقد تصدر مقال الشيخ المراغي الصفحة الأولى والثانية من هذا الجزء نورده بنصه لأهميته حيث قال:
" كانت مجلة المنار مرجعا من المراجع الإسلامية العلية تحل فيها مشاكل العقائد والفقه وتحيط بالمسائل الاجتماعية الإسلامية وأخبار العالم الإسلامي وما فيه من أحداث وأمراض وعلل، وكان صاحبها السيد رشيد رضا رحمه الله رجلا عالما غيورا مخلصا للإسلام محبا لكتاب الله وسنة رسوله وآثار السلف الصالح. وقف حياته لخدمة دينه والأمم الإسلامية. وكان شجاعا في الحق لا يهاب أحدا ولا يجامل ولا يجابي.
نشأ على هذا واستمر فيه إلى أن لقي ربه، واحتجبت بعد ذلك مجلة المنار فأحس العالم الإسلامي بفداحة الخطب وشدة وقع المصاب فإنه لا يوجد فيما أعلم الآن ذلك الرجل الذي له من سعة الاطلاع وحسن التدبير وحكمة الرأي وقوة الإدراك في السياسة الشرعية الإسلامية ما يضارع به المرحوم السيد رشيد. ذلك ماض جليل نودعه مع الفخر به والأسى عليه. والآن قد علمت أن الأستاذ حسنالبنا يريد أن يبعث المنار ويعيده سيرته الأولى، فسرني هذا فإن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية ويفقه أسرار الإسلام، وقد اتصل بالناس اتصالا وثيقا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة (وبعد) فإني أرجو للأستاذ البنا أن يكون على سيرة السيد رشيد رضا، وأن يلازمه التوفيق كما صاحب السيد رشيد رضا، والله هو المعين عليه نتوكل و به نستعين".
وفي المقال الافتتاحي لنفس العدد، وتحت عنوان "في الميدان من جديد، كتب الشيخ حسنالبنا عن المنار ومؤسسها واستبشار السيد رشيد قبل وفاته بتطور جديد في حياة الأمة الإسلامية، وأمله في أن تكون المنار واسطة في تعارف
القائمين على نشر الدعوة الإسلامية وجمع كلمة الأمة، وما كان يرجوه في مركز الأزهر بعد أن اسند أمره إلى الشيخ المراغي.
وبدأ الشيخ حسنالبنا مقاله في التفسير حيث انتهى سلفه، فبدأ بتفسير سورة "الرعد" فخرجت "المنار" تفسيرا وتحريرا في المستوى الرفيع الذي اعتاده قراؤها في العالم الإسلامي أيام الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا ، ثم صدر الجزء السادس في الشهر التالي (رجب 1358هـ - أغسطس 1939م) ثم توقف لمدة ثمانية أشهر. وفي ربيع الأول 1359ـ (أبريل 1940م) صدر الجزء السابع وتلاه الجزء الثامن في ربيع الثاني 1359هـ (مايو 1940م) حيث صدر كل منهما في ثمانية وأربعين صفحة، وجاء الجزء الثامن تحت عنوان: " احتجاب المنار" تأخر صدور المنار عن موعده هذه الشهور الماضية لأسباب رسمية كانت بيننا وبين وزارة الداخلية المصرية، وقد زالت والحمد لله، ها هي تعود إلى الظهور لتقوم بواجبها في ميدان الدفاع عن الإسلام الحنيف والدعوة إليه. ولغلو الورق غلو عظيما وصل إلى أكثر من الضعف اضطررنا إلى جعل العدد الثمانية وأربعين صفحة بدلا من ثمانين. ونحن نأسف لهذه أسفا شديدا، ولكن الضرورة حكمها. وسيصدر العدد التاسع إن شاء الله في أوائل شهر جمادي الأولى والعاشر في أوائل جمادي الثانية بحول الله وقوته. وبذلك يتم المجلد الخامس والثلاثين، ويبدأ السادس والثلاثون والله الموفق والمستعان " ولكن المضايقات الرسمية استمرت للمنار فصدر العدد التاسع في جمادي الآخرة 1359هـ (أغسطس 1940م) وصدر العدد العاشر في شعبان 1359هـ (سبتمبر 1940م) حيث انقطع عن الصدور بعد ذلك بعد أن تم مجلده الخامس والثلاثين.
من أبواب المنار الهامة التي كان يحررها الشيخ حسنالبنا باب "فتاوى المنار" يرد فيه على أسئلة القراء فيما يعن لهم من أسئلة وإيضاحات في المسائل الفقهية، وباب " موقف العالم الإسلامي السياسي" يورد فيه أهم أخبار العالم الإسلامي والتعليق عليها من وجهة النظر الإسلامية.
ولم تنس إدارة المنار الجديدة تاريخ هذه المجلة العريقة ومؤسسها السيد رشيد رضا . فمنذ إصدارها الجديد والحديث عنها مستمر في مقالات:" نشأة المنار والحاجة إليه"، " ظهور المنار ودلالته"، مسلسل "المنار منذ عشرين سنة" بقلم السيد رشيد رضا.
وفي التراجم الإسلامية ترجم للشيخ محمد عبده، وللسيد محمد رشيد رضا ، وفي محيط الدعوات كتب الشيخ محمد الغزالي مقالين في الجزء السابع والجزء الثامن. وأولت المجلة عنايتها للمرأة المسلمة، ففي الجزء السابع كتبت عن " مشكلة المرأة في مصر" وفي الجزأين الثامن والعاشر كتب الشيخالبنا عن " المرأة المسلمة" وأفسحت المنار صفحاتها للنقد فكان هناك انتقاد حول الفتاوى كما كانت صفحاتها نافذة للكتاب المسلمين على اختلاف أقطارهم واشتملت آخر صفحات المنار قبل غروبها على بيانات للحكومة المصرية عن سياستها الداخلية والخارجية وبيان الوزارة في البرلمان وكان هذا خر عهد "المنار".
عرض وتحليل:
صدر من مجلة " المنار" في إصدارها الجديد بعد إسنادها للشيخ حسنالبنا ستة أعداد على مدى أربعة عشر شهرا. وقد اجتهد الشيخ حسنالبنا في أتن تكون المجلة استمرارا للنهج الذي سارت عليه في عهد مؤسسها الشيخ رشيد رضا فصدرت في المستوى الرفيع الذي اعتاده قراؤها من قبل. وكان هذا الجهد مضافا إلى الأعباء الملقاة عليه من قبل الدعوة. وبقد تحفظت ظنونه بأن أعداء الدعوة لن يتركوا "المنار" وشأنها – كغيرها من صحف الدعوة- فتعرضت للتعطيل فترات مختلفة- كما سبق أن أوضحنا – وانتهت بإيقافها نهائيا بعد صدور الجزء الأخير من المجلد الخامس والثلاثين.
وهكذا انطفأت شعلة مضيئة كانت تبعث ضوءها في ظلام هذه الأمة، ومنار يضيء ظلمات بحور جهالتها. ولكن هذا الضوء لم يذهب عبثا بل تلقته النفوس المتعطشة إلى نور الإسلام فحرك في جنباتها طاقة ربانية ى تخبو جذوتها، وروحا فتية أيقظت الأمة الإسلامية من سبات استمر طويلا.
وكانت روح " المنار" دائما تحيط بفكر الشيخ حسنالبنا حتى بعد أن توقفت، وظهر ذلك جليا عند إصداره مجلته "الشهاب" التي اعتبرها امتدادا له.
ونظرا لأن إصدار مجلة "لمنار" في عهدها الجديد بواسطة جماعة الإخوان المسلمين بدأ قبل بداية الحرب العالمية ا لثانية، فقد رأيت وضعها ضمن الصحف التي أصدرتها الجماعة في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية بالرغم من أنها استمرت لبضعة أشهر بعد بداية هذه الحرب.
" إن الذين يملكون الكلمة المطبوعة، يملكون توجيه العقول والأفكار" وإن المطابع للجماعات التي تعمل لنشر فكرة عامة هي الدعامة التي تركز عليها في أعمالها ونشر دعايتها. وقد اهتم الإخوان المسلمون منذ وقت مبكر في أن تكون لهم مطبعة لقناعتهم بأنها من أهم وألزم وسائل الدعوة. وقد وجد الشيخ حسنالبنا في أحد الإخوة ما يمكن أن يحقق فيه أمنيته لحاجة هذا الأخ إلى عمل فاختار له محلا قريبا من المركز العام " واشترى له مطبعة وورقا وحرر بثمن ذلك كله كمبيالات بضمانة الأستاذ المرشد، واختار له كتابا يعيد طبعه على ورق مصقول.. وطبع من الكتاب عدة أجزاء وأقبل الناس على شرائه.. وحقق الأخ ربحا، ولكن فجأة توقف صدور بقية الأجزاء واختفى الأخ.. مما اضطر الأستاذ المرشد إلى تسديد ثمن كل هذه الأشياء من جيبه الخاص.. ولم يفرط الأستاذ المرشد في أدوات الطباعة إلا بالقدر الذي عجز عن سداد ثمنه فاستبقى منها أكبر قدر يمكن استبقاؤه حيث أبقى على الحروف التي سدت ثغرة كبيرة فيما بعد" ولم تبرح فكرة المطبعة خاطر الأستاذ المرشد لحظة من ليل أو نهار، على أنها أولى الوسائل المكملة لبناء الدعوة حتى حققها أخيرا فيما بعد على صورة أكبر.
تأسيس شركة الطباعة والنشر للإخوان المسلمين
قرر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين في انعقاده الأول بمدينة الإسماعيلية بتاريخ 21 سفر 1352هـ (15يونيو 1933م) إنشاء شركة تعاونية مساهمة للطباعة والنشر للإخوان المسلمين.
وفي انعقاد ه الثاني بمدينة بور سعيد في 2 شوال 1352هـ (18 يناير 1934م) أيد المجلس قرار الاجتماع السابق في إنشاء مطبعة للإخوان المسلمين، وقرر أن تؤلف لذلك شركة مساهمة تعاونية رأس مالها ابتداء ثلاثمائة جنيه مصري تقسم على 1500 سهم، قيمة السهم الواحد عشرون قرشا، ولا يصح أن يساهم فيها إلا الإخوان المسلمون فقط، ووكل المجلس إلى مكتب الإرشاد أن يتفق مع بنك مصر أن يتقبل قيمة الأسهم وتكون في عهدته حتى يتم جمعها. وقرر المجتمعون كذلك أن يكون الدفع فورا من غير تقسيط ، وأن للمكتب الحق في زيادة الاكتتاب إذا ود الإقبال الذي يستدعي ذلك.
وقد بدأ الاكتتاب أربعة وخمسون أخا من الموجودين بالمجلس في 553 سهما. وقد درس المكتب مشروع إيداع نقود الشركة في البنك كأمانة فوجد أن ذلك لا يمكن إلا بإشراف لجنة يكونها المكتب وتتولى هي جمع السهوم، ثم تودع ما يتجمع في البنك. وعلى ذلك قرر المكتب تأليف لجنة للمطبعة مكونة من أحد أعضاء المكتب رئيسا ومراقبا للحسابات ومن أمين صندوق المكتب أمينا لصندوق لجنة المشروع، ومن ثلاثة من الإخوان أعضاء، وأن تطبع اللجنة مشروع قانون الشركة ودفاتر إيصالات تسلم المبالغ وترسلها إلى نواب الدوائر ليباشروا جمع قيمة الأسهم أو إرسالها باسم أمين الصندوق، وهو بدوره يودعها في المصرف حتى إذا غطى المبلغ، دعي المساهمون لتكوين مجلس إدارة الشركة والتصديق على القانون بصفة ختامية لأول فرصة مناسبة وبذلك تنتهي مهمة اللجنة ويتسلم مجلس الإدارة المنتخب.
وقد نشرت " جريدة الإخوان المسلمين" تحت عنوان: " مطبعة الإخوان المسلمين وواجب الإخوان نحوها" بتوقيع سكرتير مكتب الإرشاد العام ما يلي:
" المطابع للجماعات التي تعمل لنشر فكرة عامة هي الدعامة التي ترتكز عليها في أعمالها، ونشر دعايتها. لذا قرر مجلس الشورى العام بجلسته المنعقدة ببور سعيد في عيد الفطر إنشاء شركة مساهمة خاصة بأعضاء جماعات الإخوان المسلمين وقد طبع مكتب الإرشاد العام بالقاهرة قانون شركة المطبعة المساهمة، ووزعه على جميع الشعب في أنحاء القطر المصري. وجعل يوم 15 مارس (28 ذو القعدة 1352هـ) آخر يوم للاشتراك في هذه السهوم. ومكتب الإرشاد العام له كل الأمل ألا يأتي هذا الموعد حتى يكون قد انتهى من شراء المطبعة، وكل ما يتعلق بها، وأن يتمكن من إصدار كل ما يتطلبه عمل الإخوان المسلمين في مطبعتهم. فعلى الذين يحملون أمانة الإخوان المسلمين في كافة الشعب أن يقوموا بواجبهم حيال هذا المشروع الأول من مشروعاتهم المقبلة وأن يكون قيامهم هذا خالصا لوجه الله تعالى وإعلاء لكلمته".
ثم نشرت المجلة بعد ذلك قانون " شركة الطباعة والنشر للإخوان المسلمين" والذي حدد فيه تأليف الشركة وشكلها (شركة تعاونية مساهمة باسم شركة التعاون المساهمة للطباعة والنشر للإخوان المسلمين) ورأس مالها، وشرط حيازة أسهمها، والجمعية العمومية للمساهمين ، وإدارتها. وذكر أن الغرض من الشركة هو " القيام بالطباعة بكافة أنواعها ومن ذلك مجلة الإخوان المسلمين ومطبوعات الجمعيات بأجر يراعى فيه صالح المساهمين معنويا وماديا وكذلك نشر الكتب والرسائل النافعة التي تتفق مع أغراض جمعية الإخوان المسلمين. وإذا اتسع نطاق الشركة فلا مانع من قيامها بالأعمال التجارية من مناقصات ومزايدات وتعهدات للبيوت التجارية والدوائر ونحوها".
وكتب لمشروع " الشركة التعاونية للإخوان المسلمين للطباعة والنشر" النجاح والظهور ، وتم تجهيزها بآلات الطباعة والمعدات اللازمة وبدأت في عملها، لم يمض على فتح باب الاكتتاب أكثر من أربعة أشهر حتى طبع بها العدد التاسع من السنة الثانية للمجلة الأسبوعية " جريدة الإخوان المسلمين" في 16 ربيع الأول 1353هـ (28 يونيو 1934م).
كان للإخوان المسلمين اهتمامهم بشئون المطبعة منذ الانعقاد الأول والثاني لمجلس الشورى العام- كما ذكرنا من قبل- وفي الانعقاد الثالث لمجلس الشورى العام بمدينة القاهرة في 11، 12 ذي الحجة 1353هـ (16، 17 مارس 1935م) كانت شئون المطبعة مدرجة بجدول أعمال المجلس في جلسته الأولى ومثل المطبعة سكرتير مكتب الإرشاد، وكان عدد الحاضرين من الإخوان المسلمين 112 فردا وعدد المعتذرين بالبرق والخطابات مع تأييد قرارات المجلس 26 أخا. وكان ضمن قرارات المجلس فيما يخص المطبعة ما يأتي:
1-تكليف أحد أعضاء الإرشاد بإدارة المطبعة.
2-حث الإخوان على موالاة الاكتتاب في تغطية حصص الشركة وعلى معاملة المطبعة.
3-إحالة الميزانية التي قدمها مدير المطبعة إلى لجنة خاصة بمكتب الإرشاد يختارها المرشد العام لفحصها وإقرارها.
4-الموافق على صورة شهادات الحصص التي أقرها المكتب.
ويتضح من هذه القرارات أن المطبعة في أول عهدها لاقت بعض العقبات بسبب عدم إتمام الاكتتاب حتى ذلك التاريخ، وربما مصاعب أخرى أدت إلى إسناد إدارة المطبعة إلى عضو آخر من أعضاء مكتب الإرشاد.
ومن ملاحظة الإعلانات التي نشرت للمطبعة بجريدة الإخوان المسلمين نرى أنها انتقلت خلال ثلاث سنوات من مكانها الذي أنشئت فيه ( شارع سوق السلاح) إلى مكان آخر ( شارع الغورية) بالقاهرة.
وقد استمرت المطبعة في القيام بالمهام التي أنشئت من أجلها خلال هذه الفترة، واستمرت أيضا فيما بعد في طباعة المطبوعات التي تصدر عن الجماعة من رسائل ونشرات ومجلات وخلافه.
ب-فترة ما بعد بداية الحرب العالمية الثانية
تشمل هذه الفترة المدة من بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1358هـ (1939م) على وقت تعرض جماعة الإخوان المسلمين لمحنتهم الأولى عند صدور القرار الأول لحل جماعتهم في عام 1368هـ (1948م).
وتمثل هذه الفترة التي مرت بجماعة الإخوان المسلمين في العهد الملكي، حيث انتشرت المبادئ التي تدعو إليها الجماعة في صفوف الشعب، خاصة الشباب المثقف، وفي الأوساط العمالية. وأحست بخطورتها القوى السياسية الحزبية التي رأت فيها منافسا يزداد خطره يوما بعد يوم، كما تنبهت قوى الاحتلال إلى هذه القوة الصاعدة التي حركت في الشعب قوة انتمائه للإسلام، وشعور الكراهية والبغض للمحتل، وإصراره على مطالبه بالجلاء والاستقلال التام للبلاد، وأججت في صدور أبناء الأمة روح الجهاد الذي كان قمة مظهره اشتراك مجاهدين في سبيل الله من الإخوان المسلمين في قتال اليهود بفلسطين.
ومن الناحية الصحفية، فقد شهدت هذه الفترة ميلاد أول جريدة إسلامية يومية في مصر استمرت تصدر لمدة أكثر من عامين ونصف.
ويمكن حصر النشاط الصحفي لجماعة الإخوان المسلمين خلال هذه الفترة في المظاهر التالية:
1-استئجار بعض المجلات مثل "النضال" ، "الشعاع"، "التعارف".
2-إصدار مجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية في إصدارها الثاني.
3-إصدار جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية.
4-إصدار أحد الإخوان لمجلة أسبوعية ناقدة (الكشكول الجديد).
5-إصدار مجلة "الشهاب" الشهرية.
1-المجلات المستأجرة
لم يمض أكثر من شهر واحد على نشوب الحرب العالمية الثانية حتى فقد الإخوان المسلمون مجلتهم "النذير" ولم يصبح لهم مجلة يملكون امتيازها. ولم يكن ذلك أمرا يسيرا على جماعة أصبحت الصحافة فيها تمثل أهم أركان وسائل إعلامها،وكان مرشد الجماعة يرى:
1-أن الحرب العالمية تغير وجه العالم، وتفعل في سنواتها ما لا يتم فعله من تغيير في مئات السنين ، فهي تختصر الزمن، ومن هنا فقد ان يرى أن المرحلة التي يحتاج الإخوان في قطعها إلى عشرات السنين، يمكنهم- بالانتفاع بهذه الميزة- أن يقطعوها في سنوات قلائل.
2-عدم مواجهة الأعداء والخصوم خلال الظروف الاستثنائية خاصة أن المرافق كلها مسخرة للمحتل.
3-الاستفادة من انشغال المحتل بالحرب ومن ورائه النظام الحاكم في مصر بالعمل للدعوة دون عوائق، وعلى الإخوان في هذه الحالة أن يكثفوا من جهودهم حتى ينجزوا أكبر قدر من العمل في أصغر قدر من الزمن قبل أن تنتهي الحرب فجأة فيتفرغ هؤلاء – المحتل والحكومة- للكيد للدعوة وبث العراقيل في طريقها قبل أن تكون قد استكملت عناصر قوتها.
4-العمل على أن تصل الفكرة الإسلامية إلى كل فرد في الأمة والعمل على ربط المنتمين إلى الدعوة بروابط الإخوة والحب والتعاون.
5-غض الطرف عن الشئون السياسية لتجنب الصدام، مع تطويع أي موقف سياسي لخدمة هدف الدعوة الأكبر.
ولكن عملاء المحتل لم يكونوا ليتركوا الإخوان وشأنهم، فكانت أسلحة المصدرة والتعطيل لصحفهم والإغلاق لدورهم ومطبعتهم تشهرها الحكومات ضدهم. فلجأ الإخوان إلى استئجار مجلات كان أصحابها قد حصلوا على التراخيص بها لإصدارها لحسابهم حتى تستأجرها منهم هيئة من الهيئات. وقد وظل المركز العام يستأجر مثل هذه المجلات، كلما صودرت واحدة استأجروا أخرى حتى أصدر مجلة "الإخوان المسلمون" في إصدارها الثاني في عام 1360هـ - 1942م. ومن هذه المجلات. مجلة "النضال" ومجلة "الشعاع" ومجلة "التعارف".
2-مجلة " [[ الإخوان المسلمون]]"
انعقد المؤتمر السادس للإخوان المسلمين بالقاهرة في 11 ذي الحجة 1359هـ (9 يناير 1941م) وكان أحد قراراته يقضي بترشيح الإخوان في الانتخابات العامة في الوقت المناسب.
" وفي محرم 1361هـ (فبراير 1942م) أعلن عن حل (المجلس النيابي) وإجراء انتخابات جديدة، ورشح الشيخ حسنالبنا نفسه في دائرة الإسماعيلية حيث ولدت الدعوة ليمثل الإخوان المسلمين وينطق بلسانهم. ولكن رئيس الحكومة وقتئذ- مصطفى النحاس- طلب منه الانسحاب للمصلحة الوطنية- حيث طلب الإنجليز منه صراحة عدم دخول البنا مجلس النواب- على أن يسمح للإخوان المسلمين بحرية مزاولة نشاطهم بعد أن كان قد ضيق عليهم بمنع اجتماعاتهم ومصادرة مجلاتهم وإغلاق مطبعتهم".
واستأنف الإخوان المسلمون إصدار مجلتهم مرة أخرى "الإخوان المسلمون " في 17 شعبان 1361هـ (29 أغسطس 1942م) واستمرت ناطقة باسم المركز العام حتى تعرض الإخوان لمحنتهم الأولى عام 1368خهـ ( 1948م) فكان آخر عدد منها في سنتها السادسة في 26 محرم 1368 هـ (27 نوفمبر 1948م) وخلال هذه السنوات الست كانت المجلة في الثلاث الأول منها تصدر نصف شهرية، وفي الثلاث الأخرى كانت تصدر أسبوعية. وبلع مجموع الأعداد التي صدرت مائتين وثلاثة وعشرين عددا.
فقد صدرت نصف شهرية من شعبان 1361هـ على شعبان 1364هـ (أغسطس 1942م- أغسطس 1945م) يوم السبت خلال السنتين الأولى والثانية ثم يوم الثلاثاء خلال السنة الثالثة ( ابتداء من العدد (49) بتاريخ 4 محرم 1364هـ (19 ديسمبر 1944م).
ومن العدد الخامس والستين (أول رمضان 1364هـ - 9 أغسطس 1945م). بدأت تصدر يوم الخميس من كل أسبوع لمدة ثلاثة أشهر، ثم يوم " السبت"اعتبارا من العدد الثاني والثمانين الصادر في 17 محرم 1365هـ (22 ديسمبر 1945م) حتى توقفها في العدد (223) الصادر في 26 محرم 1368هـ (27 نوفمبر 1948م).
الإعلانات والتوزيع:
كان للخبرة الصحفية التي مارسها الصحفيون من رجال الإخوان المسلمين من خلال الممارسة الفعلية في الصحف التي أصدرها من قبل أثرها الإيجابي في إصدار مجلتهم "الإخوان المسلمون" في إصدارها الثاني.ز وبالنسبة للإعلانات – وهي ركن هام في تمويل الصحف- فقد لوحظ زيادة نسبة الإعلانات في المجلة إذا قورنت بمثيلتها في صحف الإخوان السابقة، حيث دخل عنصر جديد في صحافة الإخوان بالنسبة للإعلانات في سنواتها الأخيرة، وهي تكون شركة الإعلانات العربية.
عرض لتحرير مجلة "الإخوان المسلمون" في عامها الأول
تصدر الصفحة الأولى من العدد الأول للمجلة مقالان رئيسيان أحدهما لرئيس التحرير- الأستاذ صالح عشماوي- تحت عنوان : " تحية وعهد وأمل" والآخر للشيخ حسنالبنا تحت عنوان " دعوتنا في طور جديد".
ذكر رئيس التحرير في مقاله المراحل التي مرت بها صحافة الإخوان حيث اهتمت في أوائل عهدها بشرح قواعد الدين والأمور الفقهية، ثم كانت سياسية إسلامية تهتف بالإسلام كنظام شامل للدين والدولة، ثم كيف تعرضت هذه الصحافة للتعطل إلى أن قدر لها أن تنشر مرة أخرى، قاطعا عهدا أن تكون المجلة "لسان صدق لدعوة الحق والعدل والحرية، تهتف بالإسلام عقيدة وعبادة، وشريعة للعزة والسيادة وتنادي بالقرآن دستورا للعاملين، مستنيرة بهدى المسلك الأول والداعية الأول، سيدنا ومولانا محمد صلوات الله وسلامه عليه". . آملا أن يخرج المسلمون من الحرب أعزة وأقوياء ليعيدوا للإسلام مجده.
أما مقال الشيخ حسنالبنا، فقد شغل أحد الأنهر الثلاثة من الصفحة الأولى، واستكمل في الصفحة الثامنة عشرة. وقد أوضح فيه دخول دعوة الإخوان المسلمين في طور جديد، مذكرا كيف نشأت الدعوة " والناس في انصراف عن الفكرة الإسلامية، وفي إعجاب بالفكرة الغربية المادية، فأخذت – هذه الدعوة- طريقها في هدوء إلى قلوب الجماهير المؤمنة السليمة العقائد.. على حين كانت جمهرة المفكرين وأهل الرأي والتوجيه يروجون للفكرة الأخرى ويهتفون بها، ويدعون الناس إليها ويزينونها في الأسماع والأبصار والقلوب بمختلف صنوف التزيين والتحسين.ز" ثم أشار إلى حاجة الإنسانية إلى إعادة النظر في مناهج الحياة، وكذلك انتقال دعوة الإخوان المسلمين- بعد مواجهتها لبعض الامتحانات- إلى القلوب والمؤمنة والعقول المفكرة بعد أن كانت عاطفة متحمسة، ونظرة كثير من الناس إليها على أنها مبادئ ممكنة التحقيق بعد أن كانت حلما ووجدانا.
ثم بين أن طورا آخر ينتظر هذه الدعوة حين توضع موضع التجربة العملية فتنزل إلى ميدان الحياة وتعالج مشاكلها، وأنه سيتناول خصائص ومرامي هذه لدعوة والشبهات التي ترد عليها والعقبات التي تحيط بها. وبدأ فعلا بشرح أهم خصائص دعوة الإخوان المسلمين وهي أنها " ربانية عالمية".
وباستعراض أعداد السنة الأولى من مجلة " الإخوان المسلمون" وعددها أربعة وعشرون عدد في المدة من 17 شعبان 1361 إلى 13 ذي الحجة 1362هـ (29 أغسطس 1942- 11 ديسمبر 1943م) نجد أن المجلة ضمت بين صفحاتها- بالإضافة على الأبواب الرئيسية التي تعرض وتشرح فيها خصائص دعوة الإخوان المسلمين- أبوابا في التشريع الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والتعريف بأقطار الوطن الإسلامي وأنشطة الأندية والهيئات الإسلامية وشعب الإخوان في أنحاء القطر. كما خصصت أبوابا للشاب ومنهم الطلاب. ولم تهمل المجلة الاهتمام بأمور المرأة المسلمة فخصصت لها بابا، وكذلك للأدب والتعريف بالكتب والتعليق عليها، كما أفسحت صفحاتها للنقد، ولم تنس الأمور الطيبة والرياضية
وفي مجال شرح خصائص دعوة الإخوان المسلمين، كانت مقالات الشيخ حسنالبنا تنشر تحت عنوان :" دعوتنا في طور جديد" ومن خلال ثماني حلقات تحت هذا العنوان كتب الشيخ عن ربانية الدعوة وعالميتها، وعن تذبذب العقل البشري بين العقلية الغيبية والعقلية العلمية، وعن شمول الدعوة، ومكان دعوات القومية والعروبة والشرقية والعالمية منها، وذكر أن أول ما يريده الإخوان المسلمون هو يقظة الروح والإيمان بعظمة الرسالة والاعتزاز باعتناقها والأمل في تأييد الله لها، وأن هذه اليقظة ستعمل على إيجاد الفرد المسلم ثم البيت المسلم ثم الأمة المسلمة، وأن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام، وأن يكون الأساس الذي تعتمد عليه النهضة هو توحيد مظاهر الحياة العملية في الأمة على أساس الإسلام وقواعده. ثم أشار إلى أن الكلام عن الوسيلة العامة للإخوان المسلمين لتحقيق هذه الأهداف يتطلب الوقوف مع هذه الدعوة كجمعية من الجمعيات التي تقوم بالخدمة العامة، وقد خطت خطوات واسعة في هذا المجال، وكذلك الوقوف أمامها كدعوة من الدعوات التجديدية لحياة الأمم والشعوب التي ترسم لها منهاجا جديدا تؤمن به وتسير عليه. وانتهى في هذه السلسلة من المقالات إلى أن وسيلة الإخوان المسلمين تتلخص في " إيمان وعمل ومحبة وإخاء".
وكان للشيخ حسنالبنا بعض المقالات القصيرة داخل إطار تحت عنوان " توجيهات" يذكر فيها الإخوان بأصول دعوتهم، وما يجب أن يتحلوا به من سلوك مطابق للدعوة.
جاء في أول هذه التوجيهات " أيها الإخوان .. . دعوتكم هذه تقوم على أصول ثلاثة: معرفة الله، وصلاح النفس، ومحبة الخلق.. والمعرفة إنما تنمو بالتذكر والمراقبة،وصلاح النفس بالطاعة والمجاهدة، ومحبة الخلق بالنصيحة والإيثار. وأن أول ما أطالبكم بع عمليا وأحاسبكم عليه باسم الفكرة:
[[1-أن يجعل كل منكم لنفسه حصة من القرآن الكريم يقرؤها وآية على الأقل يحفظها يوميا.]]
2-وأن تحرصوا على هذه الصلوات الخمس في أوقاتها، وأن تحسنوا أداءها وتفقهوا أحكامها، وتتموا ركوعها وسجودها وخشوعها، وتجيدوا وتتدبروا ما تقرؤون من كتاب الله فيها، ولا تقصروا في النوافل والرواتب وأن تتحروا المسجد والجماعة ما استطعتم، وأن تحرصوا ما أمكنكم على صلاة الصبح في وقتها " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا".
كما بدأ الشيخ حسنالبنا في كتابة مذكراته اعتبارا من العدد الأول تحت عنوان : " من مذكراتي" غير أنه لم يكتب في ذلك غير ثلاث مرات .
ومن المقالات الهامة التي كتبها الشيخ حسنالبنا في مجلة "الإخوان المسلمون" خلال عامها الأول ما يلي:
عنوان المقال | الموضوع | العدد |
---|---|---|
وحدة الدين وكيف يدعو إليها الإسلام؟
العبادات في ديننا رجل لا قلب له مناجاة نظامنا التعاوني إلى ميدان الأعمال كلمة الأستاذ المرشد نفوسنا التي يجب أن تتغير نحو أهداف الدعوة |
حل الإسلام مشكلة الخلاف بين الأديان السماوية بإعلان وحدة العقيدة بين بني الإنسان بالإيمان بملة إبراهيم حنيفا
"ومن يرغب عن ملة إبراهيم..ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون"(سورة البقرة 130-138) -من خواطر شهر رمضان المعظم-بعض خصائص العبادات:مظهر الصلة بين الله وخلقه يسرها دون كلفة ولا حرج-لها معناها ومغزاها والنية الصالحة شرط في صحتها وقبولها -آراء ومقترحات مرفوعة إلى شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء وإلى رجال الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي لنبذ الخلافات والتقريب بين وجهات النظر المختلفة مع موافقتها للحق -خطاب من أخ مسلم مرهف الحس صافي النفس يشكو من أنه يعيش بدون قلب لإحساسه بالتقصير ويستشير في علاج حالته ورد المرشد عليه. -بمناسبة بدء عام هجري جديد. مناجاة لمن أهملوا حق الوقت وغفلوا عن سر الحياة ولم يتدبروا حكمة الابتلاء الذي وجد الإنسان من أجله بمحاسبة النفس على أخطاء الماضي بالندم والاستدراك والإعداد للمستقبل بالعمل الصالح والعزيمة السابقة إلى الخيرات -الفرد للجماعة والجماعة والكل للإسلام -تأليف لجنة للنظام التعاوني بين الإخوان المسلمين بالمركز العام بتطبيق الإسلام كعقيدة ونظام وأعمال يكون لها أثر في مجتمعهم الخاص وفي المجتمع العام -التنبيه بالاهتمام بالناحية الاقتصادية حيث يهيمن الأجانب عليها ودخول الإخوان المعترك الاقتصادي بإنشاء شركة الطباعة ثم شركة المعاملات وتكوين القسم الاقتصادي وتهيئة الأذهان لتكوين القسم الاقتصادي وتهيئة الأذهان لتكوين شركات أخرى تجارية وزراعية وحاجتها إلى عاملين وعملاء من الإخوان المسلمين -خطاب الشيخ حسنالبنا بمناسبة زيارة بعض الوزراء للمركز العام للإخوان المسلمين وعرضه لخصائص دعوة الإخوان ووسائلهم وغايتهم والتقدم بالنصيحة الواجبة لمناصرة المعروف وتغيير المنكر وتوحيد الجهود. -بمناسبة شهر رمضان- الاتصال بالقرآن- صلة حقيقية تطهر الأرواح تغير من النفوس والاعتصام بحبل الله وتطهير النفوس والصدور والتحلي بصفات المؤمنين الصادقين -خواطر للمرشد العام بعد قضاء فترة الصيف متنقلا بين شعب الإخوان في الوجهين البحري والقبلي وتوصيته للإخوان بصدق توجه القلوب إلى اله، والحرص على نعمة الحب في الله والثبات على الدعوة بأداء حقها وتهنئة الطلاب بالعام الجديد وتوصية خاصة لهم بالحرص على الوقت الذهبي فإنه من لب أعمارهم -الفكرة الإسلامية واضحة الحدود، بينة المعالم ظاهرة الأهداف ويجب أن نكون صرحاء في حسم مخاوف الغير وفي الظهور بمناهجنا ومبادئنا وأن نقيس أوضاعنا بتعاليمه، وأن نتعرف إليه في ظاهر أمرنا وباطنه وألا نخشى في ذلك شيئا |
الأول
الثاني 1/9/1361هـ 12/9/1942م الثاني الثالث 15/9/1361هـ 26/9/1942م العاشر 3/1/1362هـ 9/1/1943م السابع عشر 11/5/1362هـ 15/5/1943م الثامن عشر 9/6/1363هـ 12/6/1943م 12/6/1943م 9/6/1363هـ (18) الحادي والعشرون 18/9/1962م 18/9/1943م الثاني والعشرون 24/10/1362هـ 23/10/1943م |
وبالإضافة إلى مقالات رئيس التحرير- الأستاذ صالح عشماوي- كانت هناك مقالات يحررها بعض الكتاب من الإخوان المسلمين نورد منهم على سبيل المثال:
اسم الكاتب | عنوان المقال | العدد |
---|---|---|
أحمد أنس الحجاجي
أحمد السكري السيد إبراهيم حسن عبد الحكيم عابدين عبد الرحمن الساعاتي عشماوي أحمد سليمان كامل عجلان محمد الغزالي محمد الغزالي محمد لبيب البوهي محمود حمدي جمعة صاغ محمود لبيب |
-هذه الفنون:في السينما والإذاعة والأغاني
-خطوات نافعة -أزهريات -من التربية القرآنية -عامان في شعب (مسرحية) -تحت راية الإخوان المسلمين -أزهريات خاطفة -خواطر مرة -وكذلك أخذ ربك -ثقافة الشعب:كيف ينشأ الجيل الجديد -15 ألف جنيه في نصف ساعة -بين صديقين -من عيد إلى -الجندية في الإسلام |
2 1،2 6 2 2،4.5 2،6 3 20،21 21 22 2 21 22 2 |
ومن كتاب المجلة في عامها الأول الأستاذ عبد الرحمن عزام (1) الذي آثر المجلة بنشر سلسلة من المحاضرات الإسلامية التي ألقاها من محطة الإذاعة .ومن أهم مقالاته بالمجلة:
عنوان المقال | العدد |
---|---|
مستقبل العالم الإسلامي بعد الحرب
الدعوة المحمدية.أثرها وانتشارها الدعوة المحمدية. بعض آثار الدعوة إلى التوحيد الإحسان والرحمة في الإسلام الرحمة والإخاء في الدعوة الله المحمدية الإصلاح الاجتماعي في الدعوة المحمدية الدعوة المحمدية أثرها وانتشارها(2) الإصلاح الخلقي الإسلام والعلاقات الدولية |
1
2 3 4 5 6 9 11،12 14،17 |
في مجال التشريع والاقتصاد الإسلاميين، كتب الدكتور عبد الرازق السنهوري عن الشريعة الإسلامية مقالات تحت عنوان" الشريعة الإسلامية ستبهر العالم"
وفي العدد الرابع كتب مقالا عنوانه " الشريعة الإسلامية ومشروع القانون المدني" كما كتب الأستاذ إبراهيم جلال مقالا عن " القضاء في مصر بعد الفتح الإسلامي".
وقد نوقش موضوع الربا من خلال عدة مقالات فعرض التحرير في العدد الأول من المجلة " قضية المال" وكتب الأستاذ محمود أبو السعود عن " نظام الربا وهل يمكن الاستغناء عنه" وكتب الأستاذ سيد سلامة خضير عن " الربا نظام اقتصادي فاسد" كما كتب الأستاذ محمد الحامد الحموي ثلاث مقالات عن قضية الربا.
ومقالات أخرى عن الربا أيضا مثل " الربا صغيره وكبيره حرام" بين العلم والدين أو بين فائدة رأس المال والربا".
وفي مجال التعريف بالوطن الإسلامي كتبت عدة مقالات تحت عنوان " في ربوع العراق" و" مسلمو الصين" ، " الإسلام في أندونسيا".
أما أنشطة الأندية والهيئات الإسلامية وشعب الإخوان المسلين في أنحاء القطر فقد حرصت المجلة على تخصيص بعض صفحاتها للإعلام بهذه الأنشطة وذلك بالتعريف ببعض الهيئات الإسلامية التي لا تتعارض أهدافها مع دعوة الإخوان المسلمين، فأفسحت صفحاتها لهذه الهيئة ولمثيلتها وكذلك بالإعلان عن الأنشطة المختلفة لشعب الإخوان المسلمين المنتشرة في المدن والقرى في أنحاء القطر المصري تحت عنوان " في محيط الإخوان"
أما عن الشباب فقد اهتمت المجلة بهذا القطاع الهام من بناء الأمة من خلال التوجيهات الخاصة بهم، ونشر أنشطتهم المختلفة تحت عناوين " الرياضة في محيط الإخوان" و"المحيط الرياضي للإخوان "، " رهط الجوالة". كما كانت تنشر نتائج الامتحانات للناجحين من طلاب الإخوان المسلمين بالجامعة تشجيعا لهم وافتخارا بهم.
واهتمت المجلة بالثقافة الصحية لقرائها، فأفردت بابا تحت عنوان " صفحتنا الطيبة" يحرره نخبة من أطباء الإخوان للإلمام ببعض النواحي الصحية للقراء .
كما اهتمت بالنواحي الثقافية، فكانت هناك صفحات للشعر تحت عنوان " صفحة الأدب"، وتعريف بالكتب والتعليق عليها، تحت عنوان " في المكتبة الحديثة" كما أفسحت صفحاتها لنقد ما ينشر بها من وجهات نظر مختلفة تحت عنوان: " صفحة النقد".
ولم يكن تحرير المجلة قاصرا على الكتاب من الإخوان المسلمين فقط، فكانت صفحاتها مفتوحة لكل من أراد أن يسهم من المسلمين بالكتابة فيها.
ومن هذه الصفحات المقالات التالية:
كاتب المقال | عنوان المقال | العدد |
---|---|---|
إبراهيم الزوكة
إبراهيم الزوكة إبراهيم الجبالي حسن عبد الوهاب د. زكي محمد حسن زينب الغزالي السيد محمد أحمد الفقي عبد الله المازني عبد المنعم خلاف محمد جاد المولى محمد حسني عبد الحميد محمد سعاد جلال محمد سعاد جلال محمد على ناصف محمد فريد وجدي محمد مصطفى الطوبجي محمد بسيوني (نقيب المحامين) |
عدالة عمر
الإسلام وتكوين الرجال الإسلام والأخلاق الإمام الحسين بن على مشكلة أزياء النساء قلت لأخي بعد الصيف بدر بدء عهد العزة دفع المفتريات عن الآيات البينات نظام المحتسب في الإسلام الرجولة الدرويش المغني دين المستقبل المادة وتأثيرها في الأخلاق نريد الإسلام دينا ودولة الإيمان سر النجاح |
9
9 14 17 6 69 18 22 3 9،11 11 22 24 1 12 12 12 |
وتحت عنوان " ختام السنة الأولى" كتبت المجلة ما يلي: "
بهذا العدد الذي نتقدم إلى القراء الكرام تكون مجلتنا اقتطعت من مراحل جهادها الصحافي عاما كاملا ، وقد شعر القراء بلا ريب بالمتاعب والعراقيل التي حالت دون بلوغنا حد الإتقان الواجب من ناحيتي الصدور والتحري، ونحن لا نجهل ذلك ولكن مجهود الإخوان الكرام، لن يفوته ما قد يعترض مجلة الدعوة الإسلامية من صعاب خفية وعقبات محرجة لا نملك إلا الإشارة إليها. ورجاؤنا أن يكون المستقبل أنقى جوا أو أقرب إلى ما نريد جميعا من طلاقة وصراحة وسوف تكون سنتنا الثانية أحفل بالبحوث النفيسة والتوجيهات النافعة وسوف تشترك في إصدارها أقلام قوية وعقول ناضجة. وعسى أن نؤدي بعض واجبنا نحو مبادئنا ومناهجنا".
وبدأت مجلة " الإخوان المسلمون" سنتها الثانية بإصدار عدد خاص عن الهجرة – كما صدر عنها أيضا أعداد خاصة للتعريف ببعض الأقطار الإسلامية وقضاياها كمراكش والجزائر وفضح أساليب الاحتلال الفرنسي في هذين القطرين.
وقد صدر من المجلة في سنتها الثانية ثلاثة وعشرون عددا، وانضم إلى تحريرها عدد من الكتاب الإسلاميين-
بالإضافة على ما سبق ذكرهم – نذكر منهم:
اسم الكاتب | عنوان المقال | العدد |
---|---|---|
أحمد لطفي عبد البديع
سعيد رمضان السيد سابق عبد العزيز كامل عبد القوي أحمد باشا عبد الله فكري أباظة بك د.محمد البهي محمد رجب البيومي محمد عبد العاطي حلاوة الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني محمد يوسف محمد موسى محيي الدين اللبان يوسف أبو الخير |
عز الدين عبد السلام يبيع الأمراء
بين الثقة والغرور الصفحة الفقهية أعياد الإسلام منزلة التعاليم الدينية في مناهج التدريس نحو الإصلاح المنشود نجاح الدعوة على قبر حمزة (قصيدة شعرية) المرأة المسلمة في مثلها الأعلى:ذات النطاقين يا مسلمة اليوم واجبنا في الهجرة الإسلام: نهجه في تقرير الأحكام والشرائع وتعميم أسس المجتمع رجعية |
35 34 34 وما بعده 25-26 34 35 25-26 35 35 25-26 25-26 35 |
وقد تصدر العدد الأول من السنة الثانية مقال للشيخ مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر تحت عنوان " تحية الهجرة".
وتحت عنوان " في مستهل عام جديد" كتب الشيخ حسنالبنا مقالا يذكر فيه المسلمين بأنهم حملة رسالة الإسلام، وأنهم يستطيعون بهذا الدواء الرباني أن يطببوا داء العالم كله. " ولا يضركم أن الناس لا يسمعون لكم لأول مرة، فكذلك دعوات الحق جميعا فلابد فيها من الصوت العالي وطول الأناة حتى تظهر فائدتها فيعم نفعها" وبعد أن وضخ كيف يحل الإسلام المشاكل التي عجز عن حلها المصلحون أهاب بالمسلمين أن يكونوا نماذج صالحة للتمسك بما يدعون الناس إليه، وأن تجتمع كلمتهم وتأتلف قلوبهم، فإذا تم لهم ذلك "فلا شك أنهم واصلون إلى أهدافهم بإذن الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره" وختم مقاله بقوله:" وإن الإخوان المسلمين ليعملون بهذا ولهذا، وأنهم ليأخذون أنفسهم به أخذا شديدا، وأنهم ليهيبون بالأمة الإسلامية كلها أن تكون كذلك. وأن هذه المجلة ستكون المصباح المتواضع الذي يضئ للسائرين ممن أعجبتهم هذه الفكرة طريقهم حتى يصلوا إلى ما يبتغون من إعزاز للإسلام وإعلاء لتعاليمه وجمع لكلمة المؤمنين به والعاقبة للمتقين".
وتحت عنوان :" من أهداف الدعوة" كتب الشيخ حسنالبنا سلسلة من المقالات شرح فيها بعض جوانب الدعوة، ودافع فيها عن الفكرة الإسلامية تحت عناوين:" بين القومية والإسلامية" ، " العنصر المفقود"، " المشاكل الثلاث" " ناصح أمين" ، إصلاح التعليم".
وفي توضيح عن أسباب اشتراك الإخوان في انتخابات مجلس النواب، كتب الشيخ حسن البنا مقالا قال فيه:" تساءل بعض الناس لماذا يشترك الإخوان المسلمون في الانتخابات؟ والإخوان المسلمون كما عرف الناس وكما أعلنوا عن ا،فسهم مرارا جمعية للخدمة العامة ودعوة إصلاحية تجديدية تقوم على قواعد الإسلام وتعاليمه. فأما أنهم جمعية للخدمة العامة فذلك هو الواضح من ممارستهم في شعبهم لأنواع هذه الخدمة من ثقافة وبر وإحسان ورياضة وإصلاح بين الناس وإقامة للمنشآت ما بين مساجد ومعاهد ومشافي وملاجئ في حدود طاقتهم ومقدرتهم- وأما أنهم دعوة إصلاحية فذلك أن لب فكرتهم وصميمها أن يعود المجتمع المصري والمجتمعات الإسلامية كلها إلى تعاليم الإسلام وقواعده التي وضعها في كل شئون الحياة العملية للناس، ومن البدهي الذي لا يحتاج إلى بيان أن الإسلام ليس دين عقيدة وعبادة فقط، ولكن دين الله عقيدة وعبادة تصطبغ به الحياة في كل مناحيها الرسمية والشعبية، أولئك هم الإخوان المسلمون جمعية ودعوة. والدعوة لب فكرتهم وثمرة جهادهم والهدف السامي لكفاحهم الطويل من قبل ومن بعد. وعماد الدعوة لتنجح وتظهر تبليغ واضح دائم يقرع بها أسماع الناس، ويصل بها إلى قلوبهم وألبابهم، وتلك مرحلة يظن الإخوان المسلمون أنهم وصلوا بهم في المحيط الشعبي إلى حد من النجاح ملموس مشهود، وبقي عليهم بعد ذلك أن يصلوا بهذه الدعوة الكريمة إلى المحيط الرسمي، وأقرب طريق إليه، منبر البرلمان " فكان لزاما على الإخوان أن يزجوا بخطبائهم ودعاتهم إلى هذا المنبر لتعلو من فوقه كلمة دعوتهم وتصل إلى آذان ممثلي الأمة في هذا النطاق الرسمي المحدود بعد أن انتشرت فوصلت على الأمة نفسها في نطاقها الشعبي العام".. واستطرد بعد ذلك مبينا الفوائد التي ستعود على الإخوان من هذه الخطوة ومنها نشر الدعوة في ذلك المحيط الذي تعترك فيه الفكرة وتشتجر فيه الآراء" وأن يفهم الناس أن دعوة الإخوان المسلمين " لا تقف عند حدود الوعظ والخطابة ولكنها تحاول أن تشق طريقها إلى المنابر والمجتمعات الرسمية، وأن على المؤمنين بهذه الدعوة أن يهيئوا أنفسهم لهذا الميدان، وأن يستعدوا لخوض غماره". وبعد أن أجاب عن ماذا يفعل الإخوان في اليمين الدستورية – إذا نجحوا؟ - وفيها النص على احترام الدستور في حين أن هتافهم " القرآن دستورنا" فقال : " الجواب على ذلك واضح مستبين، فالدستور المصري بروحه وأهدافه العامة من حيث الشورى وتقرير سلطة الأمة وكفالة الحريات لا يتناقض مع القرآن، ولا يصطدم بقواعده وتعاليمه وبخاصة وقد نص فيه على أن يدن الدولة الرسمية هو الإسلام، وإذا كان فيه من المواد ما يحتاج إلى تعديل أو نضوج، فقد نص الدستور ننفسه على أن ذلك التعديل والنضوج من حق النواب بطريقة قانونية مرسومة، وتكون النيابة البرلمانية حينئذ هي الوسيلة المثلى لتحقيق هتاف الإخوان".
وفي هذا المقال خير دليل على اتجاه دعوة الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها الطرق القانونية.
دار المركز العام للإخوان المسلمين:
ومن أهم أحداث السنة الثانية لمجلة " الإخوان المسلمون" ما قامت به من حملة دعاية للإكتتاب لشراء دار للمركز العام للإخوان المسلمين، فزفت إلى الإخوان البشرى بتوقيع الأستاذ البنا بصفته المرشد العام للإخوان المسلمين- العقد الابتدائي للدار الجديدة للمركز العام، وأهابت بالإخوان " أن يهبوا للاكتتاب بثمن الدار فيبسطوا أيديهم بسط الكرماء كما عاهدوا الله أن يبذلوا دماءهم بذل الشهداء".
ونشرت صورة لهذا العقد.
وفي نداء تحت عنوان:" ها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله" كتب الأستاذ عبد الحكيم عابدين- سكرتير الإخوان المسلمين كلمة بدأها بقوله:" أيها الإخوان المجاهدون.. أيها الأصدقاء المحبون. داركم الجديدة، آية فصل الله عليكم وبرهان إعزازه إياكم، ولم لا ؟ أليست تشترى بمحض أموالكم، وتنال بخالص جهودكم ويقتطع ثمنها من أقواتكم وأرزاق أولادكم؟" .. على أن قال:" فانبثوا في داركم مطمئنة إليها نفوسكم، واعملوا في رحابها مرفوعة فيها رؤوسكم، وانطلقوا من ثكناتها إلى كل ما ألفتم من جهاد، وأشعوا من نوافذها كل ما حباكم الله من هداية وقوة ولكن عليكم قبل ذلك أن تحشدوا أموالكم لاستنقاذها أو ترصدوا جيوبكم لأداء مهرها، فالبدر البار، فهذا ميدان من ميادين الجهاد،".. وختمها بقوله " أحذروا أن تفوتكم فرصة الاكتتاب، ,اخشوا الله على أموالكم ألا تزكى في هذا الميدان.. فإنه لا شك خير سبيل لتحقيق الجهاد وإعلان الإيمان وزكاة المال" .. وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون".
وبدأت حملة التبرعات ونشرت المجلة نماذج من هذه التبرعات النقدية منها والعينية تشجيعا وحثا للهمم . وفي أقل من شهر- كانت مدة الاكتتاب ثلاثة أشهر- تبرع الإخوان بستة عشر ألف جنيه، وكان المطلوب عشرة آلاف فقط. وتم للإخوان شراء دارهم الجديدة.
وصدرت من مجلة " الإخوان المسلمون في عامها الثالث ثلاثة وثلاثون عددا. وتحت عنوان " عهد" وبتوقيع "المحرر" كتبت المجلة تقول :" بهذا العدد نفتتح سنتنا الثالثة من حياتنا الصحفية وجهادنا المتواصل في سبيل إبلاغ دعوتنا على كل قلب. ونحن ندرك مدى ما نواجه من أعباء وحقيقة ما نحمل من تبعات، ونعرف أن لدعوتنا الكبرى حقها في أن تبذل كل ما تستطيع من جهود لتزكية مناهجها وتجلية مراحلها، والدفاع عنها والسير بها إلى الأمام. وقد تكن عقبات شتى من صنع العوائق الطارئة والقيود الموضوعة. ولكننا لن نتوانى في التغلب على كل عائق ومواصلة نشاطنا إلى الكمال المنشود مستلهمين الله المعونة، مستمدين منه الرشاد، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".
وكانت مقالات رئيس التحرير تتصدر الصفحات الأولى من بعض أعداد المجلة . ففي فاتحة السنة الثالثة- وكانت المعركة الانتخابية قد حمي وطيسها وعلا فبارها، واشتد أوارها- كتب الأستاذ صالح عشماوي مقالا تحت عنوان " المنبر الدائم" قال فيه " إذا سألت أي مرشح من هؤلاء المرشحين عن غايته من دخول مجلس النواب، لأقسم بكل محرج من الأيمان أنها المصلحة العمة وإنصاف المظلوم ومحاربة الظالمين. فخدمة مصر عن طريق البرلمان هي الهدف الأوحد. وإذا أخذنا هذا الادعاء على علاته، وتجاهلنا الوقائع الملموسة وأغمضنا العين عن الحقائق المحسوسة وصدقنا أن خدمة الأمة عن طريق منبر البرلمان هي الهدف والغاية لكل مرشح، أقول إذا صح هذا لكان لنا نحن معشر الصحفيين أصحاب المبادئ أن نغتبط كل الاغتباط، لأنا نحاول أن نخدم الأمة المضللة والوطن الحائر، من فوق منبر الصحافة وهو منبر دائم وصيحتها أعلى صوتا من أي صوت سواه، وبرلمانها قائم أبدا لا يحل مجلسه ولا تنفض دورته". . وأضح سبب دخول الإخوان المعركة الانتخابية قائلا:" فأصبح من الخير أن ندخل البرلمان لنعلن عن دعوتنا في هذا المعرض العظيم الذي توزن فيه الآراء، وتقدر فيه ت لدعوات، ويقرر فيه مصير الأمة. سندخل بحول الله وقوته غير مدفوعين بشئ إلا نصر الله، والدفاع عن تشريعه والتمهيد لدعوته في نفوس نواب الأمة والقائمين بشأنها. وسنحاول إن شاء الله أن نثبت للذين يعوزهم الدليل أن في الإسلام ثروة إصلاحية، تكفي كل باحث وتعني كل قائل وتسلك بالأمة أقرب الطرق إلى غايتها الكريمة وأملها المرموق".
وعندما أثير موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية ومحاولة وزارة الشئون الاجتماعية إصدار تشريع خاص بتقييد الطلاق وتعدد الزوجات، أدلى الأستاذ عشماوي برأيه تحت عنوان:" ملاحظات عاجلة حول مشروع تقييد الطلاق وتعدد الزوجات" فند فيه بالإحصائيات الرسمية أن نسبة من " تشردوا من الأطفال بسبب الطلاق 5% وبسبب تعدد الزوجات 3% من مجموع المتشردين ، وأن باقي المتشردين كان تشردهم لأسباب أخرى يحرمها الدين وتأباها الإنسانية ويسهل القضاء عليها" وطالب وزارة الشئون أن نفكر في القضاء على هذه الأسباب المحرمة قبل أن تقيد الطلاق وتقيد تعدد الزوجات. كما طالب الوزارة بأن تفكر في تحريم الاتصال المحرم لمن يخالل النساء ويتردد عليهم ويتخذهن أخدانا بتعبير القرآن أو صديقات بتعبير هذا الزمان . وأن تفرض على هذا الاتصال المحرم أشد العقوبات " فإن عجزت عن تحريم الحرام فلا أقل من أن تسكت عن تحريم الحل".
أما مقالات الشيخ البنا فكانت دائما بمثابة وصفة الطبيب المعالج. يشخص المرض ويصف العلاج.. وما أكثر أمراض هذه الأمة حين قلت حصانتها بسبب بعدها عن تعاليم دينها.
كتب الشيخ حسنالبنا مقالا تحت عنوان:" الإصلاح وحدة لا تتجزأ" ذكر فيه أنه "لابد في النهضة من إصلاح والنفوس وإصلاح المجتمعات وإصلاح الدولة.. ولابد أن يكون صلاح النفس أساسا لصلاح المجتمع، وأن يكون صلاح المجتمع أساسا لصلاح الدولة" وأوضح أنه لابد من تجميع قوى الإصلاح.. ولهذا جاء الإسلام الحنيف منهاجا كاملا ينظر إلى الإصلاح نظرة شاملة، فهو يعد النفوس بتقوى الله تبارك تعالى.. ثم يكلف هذه النفوس الصالحة بذاتها أن تقوم على خدمة غيرها وأن تخوض ميادين الخدمة الاجتماعية ابتغاء مرضاة الله. ثم على هذه الهيئات المتوجهة إلى خدمة المجتمع أن تختار الحكومة الصالحة وأن تراقبها الرقابة الصالحة حتى تسير دائما مسددة الخطى إلى طريق الخير والرشاد" وخلص من ذلك إلى قوله: " وتلك هي فكرة الإخوان المسلمين. فكرة تستمد من هذا التوجيه سلامي وتعتمد عليه وتسير على نهجه وتصطبغ بصبغته" صبغة الله ومن أن من الله صبغة ، ونحن له عابدون".
وتحت عنوان "نحن" يذكر الشيخ حسنالبنا أنه منذ ثمانية عشر عاما- وقتئذ – والإخوان يوجهون دعوتهم للناس واضحة لا لبس فيها ولا غموض.. ويعجب من أن بعض الناس- جاهلين أو متجاهلين- كأن لم يسمع بها. يسأل : " ما دعوة الإخوان المسلمين؟ ويجيب عليه في غاية البساطة والسهولة واليسر. جاء الإسلام الحنيف رسالة اجتماعية ربانية ترسم للمجتمع البشري طرائق السعادة والخير وتجنبه مزالق الشقاء والضرر وتضع أمام بصائر الناس مثلا عليا ينعمون بالجهاد في سبيلها، وأهدافا نبيلة يعملون دائبين ليصلوا إلى تحقيقها . فهم هذه الرسالة المؤمنون الأولون فهما دقيقا، وآمنوا بها إيمانا عميقا وتحابوا بروحها حبا وثيقا فآتاهم ثواب الدنيا بالعزة والسيادة وحسن ثواب الآخرة بالجنة والسعادة. وخلفت من بعدهم خلوف نسيت هذه الرسالة وأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ومالوا ميلا عظيما فخسروا دنياهم ورهبوا آخرتهم وفي وسط هذا الظلام المخيم ظهرت فكرة الإخوان المسلمين. صوت يهتف بالإسلام ويدعو إليه، تجمعت من حوله قلوب تؤمن بالدعوة وتهش لها وتوثقت رابطة هذه القلوب حتى صارت موثقا تجتمع عليه وتفترق عليه" وبعد أن بين للحائرين طريق الهداية والنور قال:" هذه أيها الناس هي أصول الإصلاح الإسلامي وقواعده: ربانية .ز وإنسانية.. وعالمية.. هو الإسلام، وتلك هي الدعوة التي آمن بها الإخوان المسلمون وعملوا له واجتمعوا عليها في مختلف دورهم وشعبهم".
ويكتب الشيخ حسنالبنا عن حاجة المجتمع المصري والعربي والإسلامي إلى بناء جديد على قواعد جديدة فيكتب مقاله " من قواعد البناء أن الحاجة إلى : "نفوس قوية فاضلة يكون أظهر صفاتها الصبر والاحتمال، والتكرم والحنان والصراحة والإباء والصدق في القول والعمل، نفوس لا تنافق ولا تجامل ولا تتملق ولا تهرب من التبعات".. وعن الحاجة إلى " مناهج ومبادئ وتوجيهات واضحة صالحة شاملة تشيع هذه الرغبات الشائعة في نفوس الغيورين.. وتكشف هذا اللبس أنمام هؤلاء المتحمسين الحائرين الذين تتقاذفهم الدعوات والأفكار وتهب عليهم العواصف النفسانية من كل مكان ثم لا يعلمون أين الطريق" .. وعن الحاجة " إلى مشروعات علمية نربح بها المال ونتقي بها العطل ونتدرب بها على الأعمال ونكتسب الخبرة الحقيقية التي لابد منها في هذه الحياة.. ثم يتوجه بحديثه إلى الإخوان و" أن يعكفوا على أنفسهم فيرضونها بطاعة الله وتقواه على الصبر والإيثار والصدق والإباء وعلى منهاجهم فيدرسوا من أحكامه وتعاليمه" .. ثم بعد ذلك " نتوجه جميعا إلى المشروعات والأعمال " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون"
وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها طالب الشيخ حسنالبنا بأن تأخذ مصر مكانها وحقوقها. ووجه نداء إلى زعماء وقادة الأمة تحت عنوان " الدقائق الغالية" قال فيه:" هذه الدقائق- ولا أقول الساعات والأيام والشهور – التي يجتازها العالم ، دقائق غالية حقا في تقدير الزمن وفي مستقبل الأمم والشعوب، ولهذا كان لزاما على الزعماء والقادة والمسئولين عن مصائر هذه الأمم، أن ينتهزوها وألا يضيعوها، وأن يقدروها حق قدرها، فالفرصة حين تفوت لا تعوض وتعقب حسرة آكلة، وندما لا يجدي" وبعد أن بين أوجه المساهمة المادية والمعنوية التي قدمتها مصر للحلفاء قال: " أيها الزعماء والقادة : إن لكم أمة تريد النهوض الكامل، والحياة الماجدة، شعوبا تذود عن حرياتها وتناضل عن حياتها. هذا لبنان وهذه سوريا يعبر الواقع عن حالهما. وتلك فلسطين تدعو الإخوة إلى الإصغاء إلها وبلاد المغرب تنادي في صوت مجلجل. فلموا شعثكم، ووحدوا صفوفكم، واقصدوا هدفكم بقلب واحد وقوة واحدة وانسوا أشخاصكم، واعلموا أن هناك شخصا واحدا نفني فيه ومن أجله أشخاصكم ذلكم هو الوطن هو مصر وشقيقاتها. وإنها لفرصة غالية إذا أفلتت فلن تعود. وإننا نعتقد أنكم أحرص على انتهازها، وأعقل من أن تتركوها تفوت فلا تعقب إلا حسرة لا تسمن ولا تغني من جوع".
وفي مقال آخر للشيخ حسنالبنا بعد إعلان نهاية الحرب كتب تحت عنوان " كلمتان بعد الهدنة العامة" " يقول:" الآن وقد استجاب الله دعاء الملايين من عباده وأقر القلوب الواجفة ورحم النفوس المعذبة، فأعلنت نهاية الحرب الحالية ورفرفت حمامة السلام، وطلع هلال رمضان ومعه الطمأنينة والسلم لنا كلمتان" ..
الكلمة الأولى لدول الظافرة المنتصرة وبين فيها حقائق خمسة:
1-أن هناك يقظة وصحوة في الأقطار الإسلامية.
2-أمن الشرق الإسلامي وقف إلى جانب الحلفاء في الحرب من حق شعوبه أن تنال حريتها وحقوقها.
3-أن تترك لهذه الشعوب الحية داخل بلادها في إقامة الحكم فيها على قواعد صالحة من دينها.
4-أن الشعوب الإسلامية تدرك تمام الإدراك استحالة انعزالها عن العالم، فهي مستعدون للتعاون مع غيرها تعاونا يعترف بوجودها ويحفظ حقوقها.
5-لا محل مطلقا للخوف من تقوية هذه الشعوب وإنهاضها، وماضي هذه الشعوب وطبيعة تكوينها خير ضمان يكفل ابتعادها عن العدوان.
والكلمة الثانية : للحكومات والشعوب الإسلامية: لتبذل كل مجهود لتصل إلى ما تريد ويتأتى ذلك بأمرين:
1-بالوحدة الكاملة التي تجمع كلمة الأمة ويتعاون الجميع بقلب رجل واحد على تحقيق المقصود.
2-بالجهاد بتحديد المطالب والأهداف وإظهار الحق واتخاذ كل السبل حتى تشعر الدنيا كلها بما يريدون.
وكما جاهد الإخوان المسلمون من أجل قضية الإسلام في فلسطين فإنهم لم يهملوا قضية الإسلام في المغرب العربي. فيكتب الشيخ حسنالبنا تحت عنوان "المغرب المجاهد منتصر بإذن الله " يقول : ولن تكون أندلس ثانية إن شاء الله مهما حاول الغاصبون واستكبر في أرض الله المتجبرون، فلقد كانت غفوة من غفوات الزمن، نسي فيها العرب والمسلمون أنفسهم، ونسوا الله فنسيهم، وعاقبهم في الشرق والغرب بانتقاص أرضهم، وتقلص سلطانهم والوقوع تحت حكم غيرهم". وبعد أن استعرض يقظة الشعور العربي والإسلامي واعتداء المحتل الفرنسي بطائراته وبوارجه وقواته على أربعة وأربعين قرية إسلامية، واعتقال الآلاف من أعضاء الجمعيات المؤمنة، والحكم على العشرات من المجاهدين بالإعدام في الجزائر، أهاب بالمسلمين جميعا أن يقفوا إلى جانب إخوانهم عرب شمال إفريقيا من الطرابلسيين والتونسيين والجزائريين والمراكشيين قائلا: على شاطئ بحر العرب، من حدود مصر، إلى الدار البيضاء على الأطلسي، يستصرخونكم ويهيبون بكم وينادونكم أن اغضبوا قبل ألا ينفع الغضب.
وفي إشراقة رمضان عام 1364هـ تبعث المجلة تهنئتها للمسلمين، ويكتب الشيخ حسنالبنا مستعرضا أحوال المسلمين منذ نزلت الرسالة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولإقامته لدولة الإيمان وكيف رفرفت المبادئ القرآنية على ملك شامخ يمتد من حدود الصين إلى الدار البيضاء، ومن قلب فرنسا إلى مجاهل أفريقية، ثم كيف زالت تلك الدولة بإهمال تعاليم الإسلام وتنافس أهله على الملك والدنيا. ثم يستحث المسلمين لإعادة مجد دينهم بالعودة إلى الله وإلى تعاليم دينه فيقول: " والآن ها هو رمضان يطلع على الناس من جديد ويبدو هلاله المشرق الجميل، فهل يشعرون مع هذا الهلال بمعنى التجديد، وهل يطالعهم هلال رمضان الجديد بعهد جديد؟.. ثم يستطرد قائلا:" وأمام المسلمين الكتاب الرباني يذكرهم به شهر رمضان، وأمام المسلمين كذلك سيرة الإنسان الكامل الذي أنقذ الله به الدنيا وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأمام المسلمين كذلك " الإخوان المسلمون" بدعوتهم إلى الكتاب وإلى سيرة رسول هذا الكتاب فلا عذر لأحد بعد اليوم" وفي قوة وعزم ينهي مقالته التي كانت بعنوان :" هلال جديد وعهد جديد" بقوله: " لقد عزم الإخوان المسلمون أن يسيروا، وهم لن يترددوا ولن يدعوا الفرصة تفلت من أيديهم فتفلت بذلك من أربعمائة مليون من المسلمين، وهم يهيبون بزعماء هذه الأمة المسلمة أن اعملوا ويرقبون أثر هذا النداء راجين من أعماق قلوبهم، أن يكون له أثره العملي فيكنون أخلص جند للعاملين، وإلا فقد أعذروا ولم يبق بعد الأعذار إلا أن يحملوا التبعة وينفروا خففا وثقالا في سبيل الله".. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" فسجل ذلك يا هلال رمضان".
وفي نطاق التذكير الدائم بحقوق المسلمين والمطالبة بها والحصول عليها، كتب الشيخ حسنالبنا مقالا بعنوان " حقوقنا" أشار فيه إلى حقوق الشعوب الإسلامية المحتلة في الحرية الكاملة في ديارها وجلاء القوات المحتلة عن أراضيها وعدم التدخل في شئونها، وحقها في الوحدة، وقد وحد بينها الإسلام وسجل ذلك في الأرض وفي السماء " إما المؤمنون إخوة.." وحقها في الإسلام الذي آمنت به ورفعها وارتضته لدنياها وآخرتها وجاهدت في سبيله بدمها وأرواحها وأبنائها وأموالها.
وبين في مقاله للأمم غير المسلمة " ألا تتوجس خيفة من هذه الدعوة إليه فنحن يوم نكون مسلمين حقا شعوبا ودولا سنكون أقوى لبنة في بناء الإنسانية الجديدة". وختم مقاله بقوله:" لسنا مغرورين ، ولا مخدوعين، ونحن نعرف أننا عزل من السلاح، ومن مظاهر القوة المادية، ونحن نشعر أقوى الشعور بما في أيدينا وأعناقنا وأرجلنا من السلاسل والأغلال ، ولكنا مع ذلك سننتصر لأننا مؤمنون، ولأننا اعتزمنا العمل والجهاد بصدق وإخلاص وإرادة لا خيلاء معها ولا رياء، ولأن إرادة الله أن يمن على المستضعفين في الأرض ويجعلهم الوارثين. سننتصر بأهون الوسائل، وستعرف الدول الكبرى منا ما لم تكن تعرف، ستبعث فضائلنا العليا من جديد وستظهر روحنا العاصفة الجارفة الجبارة التي سترها حسن الظن، وفسحة الأمل حينا من الدهر وسيردد الهاتف في الدنيا من جديد" .. ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون" .. " ولتعلمن نبأه بعد حين" .. " فاصبر إن وعد الله حق.."
في 18 شوال 1364هـ ( 26 سبتمبر 1945م) نشرت الصحف برقية لمراسل "رويتر" في لندن- جون كيمش- اتهم فيها الإخوان المسلمين بأنها هيئة ثورية مسلحة، جمعت كثيرا من الأسلحة بواسطة البدو في أثناء معارك الصحراء الغربية.
ووجهت وجهة الإخوان المسلمين الدعوة لرجال الصحافة العربية والغربية إلى حفل شاي أقامتها لهم في مركزها لعام لترد على افتراءات مراسل "رويتر" ولتعرض على رجال الصحافة الأغراض التي يعمل على تحقيقها الإخوان المسلمون. وكان طبيعيا أن تغطي صحافة الإخوان المسلمين- ممثلة في مجلتها- تلك الدعوة فنشرت تفاصيل هذا الحفل.. أسماء من حضروه من رجال الصحافة العربية، ولفيف من ممثلي الصحف الغربية ووكالات الأنباء وموجز ا للكلمات التي ألقيت وكذلك كلمة المرشد العام الذي عرض على المحتفل بهم ملخصا موجزا عن فكرة الإخوان المسلمين وأهم وسائلهم مفندا ما نسب على الإخوان من أن فيها تعصبا دينيا، وأبان أن الإسلام نهى عن هذا التعصب، وأنه دين إنساني يدعو إلى المحبة والإخاء، واستدل بآيات من القرآن الكريم فيها تمجيد لقوم موسى وعيسى عليهما السلام، وفيها تنويه بأن الله سبحانه اصطفى مريم – عليها السلام- وطهرها واصطفاها على نساء العالمين.. كذلك تناول ما قيل عن الإخوان من أنهم يدعون إلى الأخذ بالتشريع الإسلامي على أنه قطع يد السارق ورجم الزاني فقط، في حين أن المقصود- بالإضافة إلى ذلك- هو الانتفاع بما فيه من كنوز غالية من الأحكام والتطبيقات التي ورثنا إياها فطاحل رجال الفقه الإسلامي.. وتحدث عما قيل عن رأي الإخوان في الأجانب فقال أنه لا ينكر أن مصر استفادت من الغرب في العلوم والنظم وغيرها، ولكنه لا يمكن الصبر على أن تظل أوربا تستنزف خيرات هذا البلد، وأبناؤه الملايين في أشد الحجة إليها الآن، وأن كل ما نريده هو أن يكون لنا من هذه الخيرات نصيبنا الكافي، ولهم منا بعد ذلك نصيب. ثم عرض لما قاله مراسل "رويتر" ففند هذا الادعاء قائلا: " لقد قال مكاتب رويتر المحترم المستر جون كيمش: إن الإخوان المسلمين يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم بقوة السلاح الذي ادخروه في المخازن العظيمة وحصلوا عليه من البدو في الوقت الذي كانت الجيوش تتردد فيه بين جوانب الصحراء. وهذا الكلام خيال لا حقيقة له، فأين كان هذا السلاح إبان سني الحرب وأزمانه؟ وماذا عسى أن يغني في وقت القي فيه عشرون مليونا من البشر شكة السلاح من أحدث طراز؟ ولكن المراسل المحترم مشكور على كل حال لأنه أتاح فرصة الإعراب عن غايتنا ووسائلنا في مثل هذا الاجتماع الكريم. ونحن أيها السادة نعتمد على هذه الأسلحة الماضية التي لا تصدأ ولا تفل، ولا تنثني ولا تزيدها الأيام إلا مضاء وقوة: العقيدة والإيمان، والتربية والنظام، والحجة والإقناع. فإذا وصلنا فذاك، وإلا فمقاومة سلبية يتلوها جهاد مشروع" .. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".
كذلك نشرت مجلة " الإخوان المسلمون" تفاصيل المؤتمر الشعبي للإخوان المسلمين الذي انعقد يوم الخميس 28 شوال 1364هـ (4 أكتوبر 1ذ945م) بالقاهرة للنظر في الحقوق القومية والظروف التي تحيط بالبلاد، وتكلم فيه الخطباء عن المعاهدة المصرية الإنجليزية وعن السودان، وعن ميثاق الأمم المتحدة المطالب الاقتصادية وعن الوحدة العربية والجامعة الإسلامية والعالمية الإنسانية، وعن الوعي الديني والقومي خلال ربع القرن الأخير ثم كلمة المرشد العام الذي أفاض في شرح العلاقة بين الدين والسياسة وكيف أن شريعة الإسلام جاءت تنظم شئون الدنيا والآخرة، وتحدد العلاقات في المجتمع الإنساني أفضل تحديد، ثم عرج في حديثه إلى الكلام عن الشئون الداخلية، وأن الإخوان لم يغفلوا أبدا قيمة الإصلاح الداخلية، بل جعلوه غرضا أساسيا مستقلا من أغراضهم ولكن الأمة "أمام فرصة سانحة ووقت محدد إن أفلت ومضى، فلن يعود، وهو وقت التفكير والعمل لتقرير مصير الشعوب وأوضاع الأمم والاعتراف لما لها من حقوق وتحديد ما عليها من واجبات.. وأنه لن ينصلح لنا حال، ولن تنفذ لنا خطة إصلاح في الداخل ما لم نتحرر من هذا القيد الثقيل العاتي قيد التدخل الأجنبي وما لم نحصل على استقلالنا الحقيقي" وتحدث الشيخ البنا عن الحقوق القومية، وكيف اتجهت الأمة وأعلنت رأيها بوضوح وصراحة على اختلاف طبقاتها وهيئاتها" بل إن الأمم العربية والإسلامية كلها قد اشتركت في هذا المعنى فمنها من امتشق الحسام فعلا في سبيل حريته كما فعلت أندونسيا ومنها من ينتظر كما تدل على ذلك البوادر في فلسطين وتركيا. ومنها من آثر الهدوء والسكينة على فوران النفوس وغليان القلوب ولكنها الحكمة تلجم نزوات العواصف بخطرات العقول حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا كما في مصر، ومنها من يصطلي جحيم العدوان الظالم ويقدم على مذبحة القرابين الكثير من الأنفس والديار والأموال كما في الجزائر ومراكش، ولن تخمد هذه اليقظة أبدا حتى تبلغ مداها بإذن الله، والأمة التي تريد أن تحيا لا يمكن أن تموت" وأخيرا تكلم عن وسائل الإخوان المسلمين بأنها الإيمان القوي بهذه الحقوق، ثم نشر هذا الإيمان في كل نفس بمكافحة الأمية الوطنية، ثم تجميع كلمة الشعب على هذه المطالب وصرفه عما سواها من معاني المهاترة والانقسام، ثم دعوة الزعماء إلى القيادة، فإن تخلوا عن الأمانة وجردوا أنفسهم من معنى الزعامة فلابد أن تجد الراية من يحملها.. فإن أفادت هذه الوسائل كان بها، وإلا فالمقاطعة السلبية ثم رد العدوان بالعدوان. وختم خطابه بقوله: " تلك بعض وسائلنا أيها الإخوان، من واجبنا ومن واجب غيرنا من الهيئات أن نجند أنفسنا لتحقيقها وإنفاذها، ومن واجب الشعب أن يعد نفسه لتلقيها والتجمع من حولها، وعلى الحكومات أن تفسح المجال للدعوة حتى تنتشر، وللهيئات حتى تعمل إن لم تستطع أن تتقدم في ذلك الصفوف وتقود غيرها من العاملين، وعلى الجميع أن يتفاءلوا، وألا يهنوا ولا يحزنوا، فالنصر للصابرين والعاقبة للمتقين".
وبالإضافة إلى ما سبق إيجازه من مقالات وخطب، فقد عجت المجلة "الإخوان المسلمون" بأبوابها المختلفة وكتابها العديدين. وفي خلال ذلك العام (1364هـ- 1945م) فكر الإخوان في مشروعهم الثاني، وهو مشروع "الجريدة اليومية والمطبعة الإسلامية" وهو ما سنتحدث عنه فيما بعد- فقامت المجلة بالدعاية له والدعوة إلى الاكتتاب فيه.
واستمرت مجلة "الإخوان المسلمون" تعالج القضايا المختلفة للدعوة والأمة الإسلامية فصدر منها خلال سنتيها الرابعة والخامسة مائة عدد وعدد واحد".
وصدر منها خلال سنتها السادسة واحد وأربعون عددا.
ونظرا لأهمية السنة الأخيرة من الإصدار الثاني لمجلة "الإخوان المسلمون"- لما صادف الدعوة وصحافتها من تحديات ومشاكل وعقبات أدت في نهايتها إلى اعتداء صارخ من جانب حكومة ذلك العهد على الحكة الإسلامية بحل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة دورها وممتلكاتها وتعطيل صحافتها- فقد رأيت إلقاء بعض الضوء على الأعداد التي صدرت من المجلة خلال ذلك العام 1367/ 1368هـ - 1945م) .
بدأت مجلة "الإخوان المسلمون" عامها السادس ببيان من مدير إدارتها قدم فيه المجلة للإخوان في ثوب جديد ناطقة بدعوتهم مناضلة في سبيلهم.. موضحا ما بذل وما سيبذل من جهد وتضحية على صفحات المجلة "لتكون مرآة صادقة للدعوة وسجلا خالدا لنشاط الإخوان وصوتا مدويا يناضل في سبيل إنصاف الطبقات المظلومة".. وختمه بقوله:" ولسنا ندعي في هذا الجهد والتضحية أننا بلغنا الكمال، وإنما هي خطوة تتبعها خطوات حتى نصل بهذه المجلة إلى المكان اللائق بها والغاية التي تعمل لها".
وفي نفس الصفحة من المجلة كتب رئيس تحريرها مقاله الافتتاحي عن " محمد المجاهد الأول" صلى الله عليه وسلم فأشار إلى ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم وما يجب على المسلمين أن يعوه من نواحي عظمته المتعددة خصوصا ناحية "الجهاد" في حياته صلى الله عليه وسلم وما يلاقيه المسلمون من كل أعدائهم فيقول:" في فلسطين اليوم ميدان للجهاد والقتال، فرض على المسلمين جميعا أن ينفروا جميعا إليه خفافا وثقالا، وفي وادي النيل أرض مغتصبة وديار محتلة، وفي الباكستان حرب دينية، يتصارع فيها الحق والباطل، حق أعزل وباطل مدجج بالسلاح، وفي كشمير ميدان آخر للقتال، يجاهد المسلمون فيه ليستردوا أرضهم شبرا شبرا من أيدي السيخ والهندوس الذين يعبدون البقر ولا يؤمنون بالله الواحد القهار، وفي أندونسيا ميدان ثالث للجهاد، تريد فيه دولة صغيرة وعلى رأسها امرأة أن تتحكم وتستعبد 70 مليونا من المسلمين.. إن عظة اليوم وعبرة الساعة ووحي السيرة في هذا العام هو الجهاد.. الجهاد.. الجهاد.. جاهدوا الكفار والمشركين والمستعمرين، فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين".
ويكتب الأستاذ محمد فريد عبد الخالق تحت عنوان " من صور الطلائع المجاهدة" يصف فيها " سرية" من متطوعي الإخوان وهم على أهبة الرحيل إلى ميدان المعركة حاملين أمتعة الجهاد ملبين داعي الجهاد في سبيل الله : " كانوا في ملابسهم العسكرية وقوالبهم الإنسانية وحقائقهم الربانية النماذج الرائعة للأمة الإسلامية الجديدة المتوثبة (العينات) اللامعة من شباب الدعوة ونتائج مصنعها، والصرخة المدوية في فم الزمن بمولد الدولة الإسلامية العتيدة من جديد".
ويكتب الأستاذ فتحي عثمان تحت عنوان: " من يوميات فلسطين" فيذكر قصة ثعلبة وما كان منه عندما طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بالسعة في الرزق فلما استجاب الله لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بخل ثعلبة فنزلت فيه آية:" ومنهم من عاهد الله لئن ءآتانا من فضله لنصدقن ولنكون من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلو به وتولوا وهم معرضون . فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون" ويهيب بالتجار قائلا: " لقد هبت عليكم بركة فلسطين ريحا رخاء طيبا زكي بضاعتكم فراجت أسواقكم ورخت أقواتكم. ولقد بدأ الاكتتاب العام من أجل الأرض المقدسة التي باركها الله فحذار من مصير كمصير ثعلبة".
ويكتب الأستاذ هنداوي دوير – رحمه الله- هدية إلى جند فلسطين المتطوعين نشيدا أسماه " نشيد النصر" يقول فيه:
فيا دين رب السما إننا
- عقدنا الخناصر أن نرفعك
سنمشي على الكفر في أرضه
- ندك الضلال لكي نمنعك
ونبذل أرواحنا فدية
- لننعم بالخلد أن ننفعك
أماما أماما جنود الفدا
- أعدوا الشباب ليوم الندا
أعيدوا إلى الشرق سلطانه
- ودكوا معاقل جند العدا"
وتنشر المجلة بجوار النشيد صورا للمجاهدين..
ومرة أخرى تنشر على صورة غلافها صورة أحد علماء الأزهر بملابسه العسكرية، وكتبت تحت الصورة " راهب وفارس أبى عليه فهمه الصحيح لدعوة الإخوان إلا أن يكون في طليعة المجاهدين بفلسطين".
وعندما استشهدت المجموعة الأولى من مجاهدي الإخوان تصدرت صورهم غلاف المجلة يحيطون بصورة الشهيد عبد القادر الحسيني وكتبت المجلة تحت عنوان : " القائد الشهيد عبد القادر الحسيني يلحق به اثنا عشر من شهداء الإخوان المسلمين"... " يا عبد القادر لقد أبنتك الهيئات والأحزاب وصلى عليك الجميع. ولكنك لم تمت لأن لك في كل قلب مثالا وفل كل فؤاد لوعة، وليس لدى أحبابك اليوم إلا أن يكونوا مثلا حية لك وليتقمص كل منهم شخصيتك الخالدة. أما أنتم يا شهداءنا الأبرار فقد سبقتمونا إلى الجنة وعجلتم إلى ربكم فطوبى لكم وطوبى لأهلكم الصابرين. إنكم الصحفية الأولى من كتاب ناصع للإخوان المسلمين، ولبنة قوية برهنت بها دعوتكم على أنها دعوة الغد، وأن رجالها ماضون إلى غايتهم لا يلوون على شيء".
ويزور المرشد العام فلسطين للاطمئنان على أحوال المجاهدين، وتحدث هذه الزيارة دويا في كل المقامات السياسية والمجالات العربية والأوساط الشعبية، وتناقلت وكالات الأنباء هذه الزيارة، وأوفدت الصحف الفلسطينية مراسيلها للحصول على أحاديث منه، وتنشر مجلة "الإخوان المسلمون" بدورها حديث المرشد مع وكيل الصحافة العربية ومندوب جريدتي "الدفاع " و " فلسطين" تحت عنوان " في الميدان مع المرشد العام".
وتستمر المجلة في تعبئة الشعور لإحياء فريضة الجهاد فتنشر قوائم التبرعات لتجهيز الكتائب المجاهدة، وتنشر المقالات المختلفة التي تحث على الجهاد.
فتحت عنوان : " إلى الأخ الداعية" يذكر الكاتب القراء بأنه لن تكون نهضة للشرق تنتشله من براثن الفساد و تخلصه من مهالك الاستعمار إلا باتباع أمور ثلاثة.. جهاد في سبيل الله ، واتجاه نحو الفضيلة.. وتنظيم جيش قوي.
وتنشر المجلة حديثا كان مقررا أن يلقيه المرشد العام بصفته عضوا في هيئة وادي النيل العليا لإنقاذ فلسطين من محطة الإذاعة ( لولا بعض الظروف التي منعت إذاعته) شرح فيه تطور القضية الفلسطينية والخطوات التي اتخذتها الصهيونية العالمية لتحقيق حلم دولة " إسرائيل" وذلك بمناسبة دخول الجيوش العربية فلسطين لمناصرة العرب بها.
ويكتب الشيخ أحمد الشرباصي عن الجيش المصري وبسالة جنوده وعن فلسطين مثوى الشهداء ويكتب محمد فارس فريح " من وحي فلسطين" فيقول:" يعلم الله تعالى أنه من يوم أن هدانا الله على دعوة الإخوان المسلمين التي فهمتنا الإسلام فهما حقيقيا، وعلمتنا كيف نتذوق حلاوة آيات الجهاد وغيرها من الآيات وأحاديث القتال وما سواها من الحديث، ولا نزكي أنفسنا، وهو أعلم بمن اتقى ، وإنما تحدثا بنعمة الله علينا،يعلم الله أن أغلى أمنية لنا من يومئذ أن يموت أحدنا شهيدا في سبيل رفع راية الله، وإعلاء دينه، وكم كنا نستعجل الميادين التي نخوضها حاملين أرواحنا على أكفنا محققين هدفنا الذي بحت منه أصواتنا ( الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا).
ولم يكن الجهاد وما يتعلق به هو الجانب الوحيد الذي اهتمت به مجلة " الإخوان المسلمون" في عامها السادس، ولكنها أولت الجوانب الأخرى من حياة الدعوة أهميتها أيضا فحوت صفحاتها العديد من الأبواب التي تهم قراءها، فكان هناك باب " للفقه" الذي يحرره الشيخ سيد سابق، و" منبر الجمعة" الذي يحرره الشيخ أحمد الشرباصي، و" تأملات في الدين والحياة" للشيخ محمد الغزالي وأبواب " الرياضة" و "الجوالة"و "الطلاب" .. و" العمال" و "الأخوات" .. وباب " للأدب" ، وباب " للشئون الصحية" وأنشطة الإخوان في شعبهم المختلفة وغير ذلك من المقالات للعديد من وتنشر المجلة خطابا مفتوحا إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت تقول فيه.
" إننا نحي فيك صلابة وقفتك أمام الإنجليز، ووطنية جعلتك تندد بهم في مجلس الأمن، وتعرقل مساعيهم لاغتيال حقوق مصر، وترفض عروضهم الزائفة في مسألة السودان.. إلخ. ونعجب بهذا الموقف العظيم من قضية فلسطين التي هي بحق قضية العرب والمسلمين، وذلك الإصرار على الدفاع عن عروبتها إلى آخر نقطة من دماء مصر وآخر قرش من أموالها. كل هذه المواقف لا ننكر نحن الإخوان أنها مواقف عظيمة يسجلها لك التاريخ، ونسجلها لك نحن- رغم ما أحاط بدعوتنا على عهدك من تضييق وإعنات – وذلك لأننا أصحاب دعوة مبرأة من الشهوات، مترفعة عن الأحقاد، تسجل الإحسان وتنوه عنه، وتحسب الإساءة وتنهى عنها وتحذر منها فلا يصدر منا قول أو عمل إلا خالصا لله.. ‘. بعيدا عن الشهوات والأغراض والأحقاد والأهواء. ولكننا في هذا الخطاب المفتوح نوجه القول إلى دولتكم في أمر هو في الحقيقة أهم من كل شيء وأنفع لهذا البلد ولغيره من بلاد العروبة والإسلام من كل ما فكر فيه المصلحون أو عمل له العاملون. ذلك الأمر هو (التشريع الإسلامي والدستور القرآني) الذي كان نسيانه أو تناسيه أساس البلاء ومصدر النكبات، وكان تعطيله المعول الأول الذي قوض دعائم الرجولة في الأمة، وحطم فيها قلب المؤمن وعزة المسلم. التشريع الإسلامي، ولستم دولتكم بحاجة إلى من يذكركم بفضائله، ويعد لكم مزاياه، أو يبرهن لكم على حاجة الأمة إليه. الدستور الإسلامي الذي قام يدعو إلى تطبيقه الرجل ا لمسلم الغيور، والمؤمن القوي- والموظف المسئول- الأستاذ الهضيبي بك هذا الرجل العظيم الذي كلف رسميا ببحث إصلاح التشريع في مصر فقال إن كل هذا الإصلاح لا يحتاج إلا إلى مادة واحدة، هي أن يكون دستورنا القرآن، وتشريعنا مستمد من هذا النبع الخالد الزاخر- الفقه الإسلامي الذي وع كل شيء، وحل كل مشكلة ، وأوجد على مر العصور مجتمعا سعيدا متمتعا بحرية كاملة وعدالة مثالية.
يا صاحب الدولة.. إن الهضيبي بك قد أدى واجبه.. وأبرأ ذمته وذكر قومه بأن سعادتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، واستمد مقومات حياتنا مما رسمته من قوانين أسعدت البش في الدنيا ومهدت لهم الطريق على حياة أكمل وأجمل في الآخرة. وبقي أن يستجيب لصوته القوي رئيس الحومة والبرلمان بمجلسيه ، وكل مسئول عن مصير هذا البلد.
يا دولة الباشا: إن ما طالب به الهضيبي بك هو تطبيق للمادة الأولى من الدستور. وهو أن مصر دينها الرسمي الإسلام. إذ كيف يكون الأمر كذلك والإسلام كتشريع ونظام معطل يدرس في الكتب كنظريات، ويبحث في الدروس كتمائم. ولا يطبق من أحكامه شيء في حياتنا التي أفسدها الغرب بقوانينه الناقصة وتقاليده التافهة، وآثامه الهدامة وأطماعه المهلكة ودسائسه الخبيثة. إن أمتنا التي بعثت من جديد في ميدان القتال بفلسطين، تنتظر بفارغ الصبر هذه الخطوة المباركة الحاسمة في تاريخنا، وإن كل مشكلاتنا ليست في حاجة إلى حلول فردية مبتورة، وإنما هي بحاجة إلى الإسلام والإسلام وحده، فإنه كفيل بحل كل عقدة ، لأن البلاد الإسلامية التي تطبق قوانين الإسلامي وتسير في ظل تعاليمه لن يكون فيها احتلال ولا تقسيم ولا سودنة ولا إقليمية هزيلة متعصبة، ولا معاهدات تربطنا بالمستعمرين الغاشمين، وأعداء الإسلام الآثمين.
يا دولة الباشا: إنك إن فعلت كتبك التاريخ في الخالدين وحشرك الله في الآخرة مع الأنبياء والصديقين".
وبمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس الجماعة كتب الأستاذ محمد فتحي عثمان تحت عنوان " القافلة تسير. دعوتنا في عشرين عاما" فقال: وهكذا تمر السنون على هذه الدعوة فيغشي الليل النهار يطلبه حثيثا، ثم لا يلبث النهار أن يشرق ثانية وقد أنس القوم في الليل لباسا، فهبوا في قوة وعافية، فاستفادوا من الأيام، واستفادت منهم الأيام، فإذا بالدعوة شابة العمر شيخة التاريخ. ويذكر الذين عاشوا مع هذه الدعوة كم آذاهم الناس، وكم أرجفوا بهم وظنوا الظنون، حتى زلزلوا زلزالا شديدا والعهد غير بعيد بذلك الوقت الذي كان يلقانا فيه الناس بقائمة معدة من الاستفهامات التي هي الاتهامات، عن اليمنى وعلاقتنا بالوفد وبصدقي ثم بالنقراشي، بل تطوع الناس، غفر الله لقومنا فإنهم لا يعلمون، فنسبوا إلينا جريمة قتل، ولكم ضاق الإخوان بالناس ذرعا في هذه الأيام وضبطوا عواطفهم بأكبر جهد، وصبروا على الإيذاء، وهم يدعون بدعاء المؤمنين من قوم شعيب ( .. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) ويذكر الذين عاشوا مع هذه الدعوة كم آذتهم الحكومات وسنوا الحرب الأخيرة والسنون التي أعقبتها تحمل صحائف الاضطهاد والتنكيل لهذه الدعوة وأبنائها، ففي الحرب أغلقت الدور، ومنع المرشد العام من الترشيح للانتخابات ، بل قبض عليه بأكثر من مرة، وبعد الحرب زيفت الانتخابات وصودرت الاجتماعات وملئت السجون والمعتقلات، وكان الإخوان وقود الحركة الوطنية لمقاومة المفاوضة أيام (مشروع صدقي –بيفن) حتى انتهى مبدأ المفاوضة كلية من أفق السياسة المصرية، ولئن سمحت به الحكومات فلن تتركها الشعوب . ولقد تحدثت صحيفة أسبوعية من قريب عن أربع محاولات للحكومات المتعاقبة لحل الإخوان المسلمين ذهبت كلها مع الريح وما انفك الإخوان المسلمون في كل وقت وآن يهجون بدعوتهم رغم أنوف المستعمرين والمستبدين، لا ينال منهم وعد (.. أتمدونن بمال، فما آتاني الله خير مما آتاكم، بل أنتم بهديتكم تفرحون. ارجع إليهم ، فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) ولا يخشون الوعيد بل يتحدونه بنشيد يوسف (.. رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه.. ) ويذكر الذين عاشوا مع هذه الدعوة، كم آذاهم من حسبوهم أعوانهم، وكم خرج من خرج بل قل كم هلك من هلك. وكيف انقلب عليها من كانوا بالأمس في صفوفها، وهاجمها من كانوا يعيشون على خيرها. وطعنوا في قيادتها وقد دأبوا من قبل على التسبيح بحمدها.
فالإخوان يزيدون ولا ينقصون ويثبتون ولا ينكثون. وينظرون إلى هؤلاء الخارجين آسفين (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) ، ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين. لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم، والله عليم بالظالمين).
وهكذا يخرج الله الذين آمنوا من الظلمات إلى النور بإذنه، ويخرج بدعوته من بين فرث ودم لبنا سائغا للشاربين وتذهب هذه العقبات من الناس حينا والحكومات أحيانا ومن أهل النفاق ثالثا مع الريح، وينادي الله من فوق عرشه ولا حكم إلا حكمه ( .. يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ، وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي، وقيل بعد للقوم الظالمين) إنما تتميز الدعوة الصحيحة من الدعوى الزائفة، ويتميز الدعاة من الأدعياء بخلقين: أما الخلق الأول فصلاح لمن يتصد للإصلاح، واستقامة تعد المرء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن فاقد الشيء لا يعطيه ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب ..) أما أن يتصدى لإرشاد الناس الفساق الذين يفشو فيهم الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وأما أن يأمر الناس بالتقوى من لا يعرف للتقوى معنى ولا يرى إلا في محارم الله، فهذا كذب على الله والناس.
ولعل معجزة العصر هم هؤلاء النفر الذين قدمتهم دعوة الإخوان المسلمين للمجتمع الآن الذين ربتهم المحاريب وعمرت بهم المساجد، وازدانت في ألسنتهم وشفاههم آيات ا لقرآن الذي كان من قبل مهجورا. هذا الشباب المؤمن الذي قدم نماذج جديدة للشباب، فغدا الواحد منهم موطأ الأكناف. حلو الإيمان ، في بيته عضو صالح، وفي مدرسته طالب نابه، وفي مقر عمله متقن ذو ضمير، ثم هو بعد ذلك في صلاته تراه راكعا ساجدا، وفي عبادته خاشعا قانتا فإذا هو في دار الإخوان داعية أو إداري أو جوال أو رياضي يتعبد إلى الله بكل عمل يعمله في سكينة المؤمن، وصبر المحتسبين ، وحذق البارعين، وإنما تتميز الدعوة عن الدعوة، والدعاة عن الأدعياء بأنهم ليسوا رجال كلام فحسب بل رجال عمل منتج ونشاط متصل، ويس ينفع الناس أن يجلسوا إلى الخطيب ولو كان ألسن من على الأرض، ليسمعهم درا نظيما وبيانا ساحرا يسلب به شعورهم ويخدر به أعصابهم، ليس فيه رسم خطة ولا بيان غاية ولا تحديد وسيلة. مثل هذا الرجل مضلل فاحذروه . ولقد جلد على بن أبي طالب قصاصا كان لا ينفك يقدم إلى الناس قصصا مزخرفا مزوقا من قصص القرآن لا يستخلص منه عبرة، ولا يجد الناس في خاتمته الحق وقال عنه ( هذا الذي جعل كتاب الله إنجيلا ينذر به القوم) إن هذه الدعوة أمانة ثقيلة وليست مجالا للهو والعبث باسم الدين، فليس الدين أفيوم الجماهير أبدا، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون.
وها هم الإخوان في الميدان الاجتماعي، ينشئون المستوصفات ويقومون بأعمال البر والصدقات، فإذا رايتهم حين تضرب في أغوار الريف وجدتهم يجمعون زكاة الزروع في وقتها وينفقونها في حقها ويصلحون بين المتخاصمين وشهدت لهم بذلك نقاط البوليس ومراكزه، دستورهم قرآنهم " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس .. " وهم مع ذلك يقيمون المدارس على قدر طاقتهم وينظمون دراسات ليلية لمحو الأمية جهدهم، وهم من بعد ومن قبل يمحون الجهالة الروحية والوطنية فينشرون على الناس كتاب الله كما أنزله الله وبلغه رسول الله، ولا يجعلونه في قراطيس يكتمون بعضها ويبدون بعضها، بل يذيعونه كاملا شاملا دينا ودولة، مصحفا وسيفا، عبادة وقيادة، عقيدة وجهادا، وطنا وجنسية، وثقافة وقانونا (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا.. ) ،
وفي ميدان الاقتصاد تقوم مؤسساتهم وشركاتهم بأموالهم وبرعاية الله قبل كل شيء فتسيل عين القطر في مصانع النحاس وتقدم المحاجر للناس الرخام والبلاط والأسمنت وغير ذلك، وتضرب في الصحراء تفتش عن نعم الله الباطنة، وفي جدد الجبال البيض والحمر المختلفة ألوانها، والله يبارك الجهد ويجزي بالخير. وفي ميدان السياسة: سل من كان لقضية وادي النيل وقت المفاوضات، فالاحتكام الدولي ثم بعد ذلك؟ وسل من كان لقضية فلسطين ومن أمدها بالمجاهدين ثم ما زال يدفع الحكومات للذود عن العرين؟ وسل من كان لباكستان قبل نشأتها وبعد مولدها ومن لأندونسيا في محنتها ومن لبلاد المغرب والمشرق من ديار المسلمين؟ يجيبك التاريخ إنهم الإخوان المسلمون، الذين صنعوا تاريخ الإسلام في هذه الأيام، وكانوا جند الرحمن المدافعين عن الأوطان والداعين إلى القرآن الذين أرهبوا الاستعمار الغاشم وأقلقوا أذياله وأذنابه ولم يخشوا إلا جبروت الواحد القهار. إنه ليس تطور دعوة بل هو تاريخ أمة وجيل، ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو غالب على أمره، يأبى إلا أن يتم وره ولو كره الكافرون".
وأجدني حائرا دون تعليق على هذا لمقال الجامع الذي لخص أهم النقاط البارزة في حياة دعوة الإخوان المسلمين في العشرين عاما الأولى من حياتها.
وقد احتفلت جماعة الإخوان المسلمين خلال العام 1367هـ (1948م) بمرور عشرين عاما على تأسيسها. وأقيم بهذه المناسبة مؤتمر صحفي بالمركز العام أعقبه حفل للإخوان بالمركز العام أيضا ثم بالإسماعيلية حيث أسست أول شعبة للإخوان المسلمين وحفلات أخرى مشابهة في بعض المدن الأخرى. وقد قامت المجلة بتغطية بعض هذه الحفلات فنجدها تصف حفل المركز العام بقولها: " وهكذا الإخوان دائما في أحفالهم تتجلى فيها الحماسة والقوة، وتكون كمؤتمرات إسلامية يجتمع فيها المندوبون من كل مكان ومن جميع الأوطان. ها هو اليوم المشهود.. تجتمع الجموع، وتحتشد الآلاف لتشترك في العيد العشريني لدعوتنا المباركة. فما وافت الساعة السابعة حتى غصت دار المركز العام بمجموعات من الشخصيات الكبيرة العربية والإسلامية والشرقية من الذين سعوا إلى هذا المكان المبارك والبقعة التي تهوي إليها الأفئدة، وتتجمع القلوب ليشاركوا الإخوان في حفلهم الكريم، ولينظروا إلى نصر الله وفتحه الذي نرجو ألا يمر زمن طويل حتى يكون الله قد مكن لدعوته في الأرض وقربها من النصر التام" وفي موقع آخر تستمر المجلة في وصفها لحفل الإسماعيلية بقولها " لقد صار معروفا أن أحفال الإخوان شعبية تلبيها جموع الشعب بالآلاف من كل الطبقات، وهي أحفال لله، تتمثل فيها المساواة المطلقة، كما تتمثل في الصلاة، فلا غنى ولا فقير، ولا تمييز بين أحد، إلا ما يقتضيه واجب رعاية النظام المأخوذ من وحي أمره "صلى الله عليه وسلم" في قوله ( أنزلوا الناس منازلهم) . وبهذه الروح تنظم حفلات الإخوان، وهي روح المساواة الإسلامية، والأخوة العادلة، فهي نموذج جديد في حياة الناس الاجتماعية وما ألفوه ووجدوا عليه آباءهم، وهي تحول ملحوظ في هذه الحياة الاجتماعية يدل على تغلغل روح هذه الدعوة وتأثيرها في حياة الناس وعاداتهم المختلفة، فلأول مرة يرى الناس في أحفال الإخوان هذه المعاني، ويرون آلافا من المدعوين يحضرون بمحض إرادتهم واختيارهم، ولا تسعهم كل الكراسي الموجودة في المدينة أو الحي الذي يقام فيه الحفل، فيفترشون الأرض في سرور وغبطة وراحة نفس. هذا هو الشأن في حفلات الإخوان جميعا ومؤتمراتهم وكذلك كان حفل الإسماعيلية".
وهكذا كانت مجلة "الإخوان المسلمون" في إصدارها الثاني مرآة وصوتا مدويا لدعوة الإخوان المسلمين في الفترة التي صدرت فيها من عام 1361هـ (1942م) حتى صدور آخر عدد منها في 26 محرم 1368هـ (27 نوفمبر 1948م).
3-جريدة " [[ الإخوان المسلمون]]" اليومية
أمينة عزيزة
" كانت أمينة عزيزة في نفوس المؤمنين أن تكون هناك جريدة إسلامية يومية تقدم الأحداث بما يتفق مع وجهة نظر ملايين المسلمين من البشر، يؤمنون بدين مقدس ويشتركون في مثل عليا موحدة، ويضمون جوانحهم على أسمى ما عرفت الإنسانية من أهداف جميلة وغايات نبيلة.
ولقد حاول بعض الغيورين تحقيق هذه الأمنية (قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين) ووضعوا لذلك أساسا من التفكير والمادة، ولكن روح الوعي الإسلامي حينذاك لم تكن قد نضجت.. فنامت الفكرة في مهدها إلى حين، ثم تجدد المسعى واجتمع نفر من كرام الفضلاء في دار الشبان المسلمين ودرسوا الفكرة من جديد، ولكن حالت دون المضي في هذا المسعى الجميل بعض الحوائل فنامت الفكرة مرة ثانية".
ومنذ أن قرر الإخوان المسلمون أن تكون لهم صحافة تنطق باسمهم، فكروا أن تكون لهم جريدة يومية، حتى أنهم أصدروا أول مجلة أسبوعية لهم باسم " جريدة الإخوان المسلمين" " تفاؤلا بأنها ستكون جريدة يومية" في يوم من الأيام. وظلت هذه الأمنية تراودهم وهم يصدرون مجلاتهم المتتالية، حتى رأوا أن الدعوة صارت أكبر من أن تكتفي بمجلة أسبوعية، وأن الوقت قد حان لتحقيق أمنيتهم- وهو إصدار جريدتهم اليومية- لتكون أول جريدة إسلامية يومية تصدر في مصر.
وقرار مثل هذا لابد أن تحشد له كل ا لقوى والجهود لتحقيقه وإنجاحه . وقد بدأ روح الوعي الإسلامي في البلاد يتغير عن ذي قبل، واتسعت رقعة المؤمنين بالفكرة الإسلامية من خلال الجهود التي بذلتها جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها.
وفكر المركز العام للإخوان المسلمين في الأمر، وتألفت لجنة تحضيرية رأت أن يكون هناك شركتان مساهمتان، أحداهما لإصدار الجريدة اليومية، والثانية لمطبعة خاصة تجهز بأحدث الآلات، وتعد أكمل إعداد لتصدر الجريدة على أكمل نسق ممكن وتثبت لما أمامها من عقبات ومنافسات. ووضعت اللجنة صورة من العقد الابتدائي للشركتين ونظامهما الأساسي مع وضع الضمانات اللازمة للمشروعين وللمكتتبين، وتم توزيع معظم البيانات واستمارات المساهمة، ولاحت البوادر الطبية التي تبشر بالنجاح حيث أقبل الكثير من الإخوان على المساهمة بروح كلها الحماسة والغيرة والإخلاص.
ووجه المرشد العام نداء على إحدى صفحات مجلة "الإخوان المسلمون" تحت عنوان : " أيها الإخوان .. مشروعكم الثاني" قال فيه : " الآن أيها المجاهدون الصامتون ، أنتم أمام مشروع آخر أعمق في الدعوة أثرا، وأندى بها صوتا، وأرفع لها ذكرا، وألزم إليها من كل ما سواه، هو مشروع الجريدة ا ليومية والمطبعة الإسلامية".. وأوضح كيف انتهت حرب المدافع والطائرات وبقيت حرب المبادئ والآراء وبقي دور المطبعة والإذاعة ومعركة الصحف والأوراق تغزو العقول والأفكار بمختلف الدعايات.. واستطرد قائلا:" وخطوت الخطوة العملية اعتمادا على حسن الظن بالإخوان وما عرفوا به من مبادرة على الإجابة، وإقدام على البذل والتضحية،
وإن قوما جعلوا شعارهم (الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا) لجديرون إذا دعوا إلى الجهاد بالمال وهو أهون من الجهاد بالنفس أن يستجيبوا للداعي، وألا يدخروا وسعا في البذل والإنفاق، وما داموا مخلصين في غايتهم فإن الله لهم خير كافل وأفضل معين". ثم شرح الخطوات التي اتخذت لتأسيس هذا المشروع الجديد وقال مختتما نداءه " إن المشروع ليس اكتتابا خيريا ولا صدقة وإحسانا، على أنه لو كان كذلك لما اتهمنا سخاءكم وحبكم للخير ومبادرتكم للبذل، ولكنه في حقيقة وضعه مشروع تجاري لعله من أفضل المشروعات في تثمير المال وحسن الانتفاع به مع ماله من أثر جليل في العودة، ولا أقول لكم هذا إغراء بالمساهمة ماديا فقد حاز الأجرين الربح المالي والثواب الأخروي، وإن خسرت ماليا فحسبه مثوبة الله العلي الكبير.. وانتهزوا الوقت ولا تسوفوا، والبركة في البكور والبدرة لمن بدر وفضل السبق في مثل ذلك ليس كفاء وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. كتب الله لكم الإيمان وأيدكم بروح منه".
ومرة أخر تستحث المجلة ليسارع من لم يساهم بالاكتتاب، ومن اكتتب فليبادر بالسداد مذكرة لهم بقولها:" إن سبعين مليونا من العرب ومن ورائهم أربعمائة مليون من المسلمين ينظرون إليكم، وينتظرون همتكم، فحققوا الآمال فيكم، وكونوا عند حسن الظن بكم، والله المستعان وبه التوفيق".
ولقد كانت عناصر النجاح لمشروع إنشاء الجريدة ا ليومية للإخوان المسلمين متوفرة " فالمال متوفر حيث جيوب الإخوان أغنياء وفقراء مفتوحة للمشروع لا تغلق دونه، والثقافات المختلفة التي يحتاج إليها التحرير والطبع والإعلان واستقاء الأخبار متوفرة ومثوبة للعمل تطوعا أو بأجر زهيد، وجمهور المشترين.. جمهور ضخم تزخر به أنحاء البلاد في كل مدينة وفي كل حي وفي كل شارع وفي كل قرية مهما نأت عن العمران".
واستقال المرشد العام والوكيل العام للجماعة من خدمة الحكومة ليتفرغا لأعمال الدعوة واستعد الإخوان لإصدار جريدتهم اليومية.
وصدر العدد الأول من جريدة " الإخوان المسلمون" اليومية صباح الأحد 3 جمادي الثانية عام 1365هـ الموافق 5 مايو 1946م. وظلت تصدر حتى ألغيت رخصتها بأمر عسكري قبيل قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 7 صفر 1368هـ ( 8 ديسمبر 1948م) وصدر منها خلال هذه الفترة سبعمائة وأربعة وتسعون عددا.
تصدر مقال الشيخ حسنالبنا المقال الافتتاحي للعدد الأول لجريدة " الإخوان المسلمون" فقدم الجريدة للقراء تحت عنوان " مطلع الفجر" أوضح فيه مهام هذه الجريدة حيال الدعوة الإسلامية والقضايا الوطنية ومطالب أفراد الأمة. وموقفها من الهيئات الإسلامية الأخرى التي تتفق مع منهاج الدعوة.
وبالإضافة إلى المقال الافتتاحي للشيخ حسنالبنا فقد حفلت الجريدة في عددها الأول بالعديد من الأخبار العالمية والمحلية وبعض النشاط الداخلي للجماعة والإعلانات. ومن العناوين الرئيسية التي تصدرت الصفحة الأولى: " زعماء عرب يطلبون إخلاء فلسطين من النساء والأطفال لتكون منطقة حربية"، " خمس سكان العالم يستعدون للنضال من أجل الاستقلال"، " الاستقلال أو الثورة في الهند". وفي الصفحات الداخلية اهتمت الصحيفة بأخبار " محادثات الجلاء عن مصر" وأخبار " الجهاد لإنقاذ فلسطين" حيث هر اهتمام الجريدة بهاتين القضيتين – بالإضافة إلى القضايا الإسلامية الأخرى.
وتحت عنوان " قرار هام للمركز العام للإخوان المسلمين" كتبت الجريدة: " حرص الإخوان المسلمون في كافة مراحل القضية الفلسطينية على إسماع صوتهم قويا صريحا معلنين استعدادهم للذود عن فلسطين العربية ضد دسائس الصهيونية بالمهج والأرواح.. وتوالى لجنة فلسطين بقسم الاتصال بالعالم الإسلامي بالمركز العام للإخوان المسلمين بحث الخطوات العلمية بشأن فلسطين وهي على اتصال دائم بالهيئات العربية والإسلامية في القاهرة".
ومما يجدر الإشارة إليه أن محرر " الرياضة البدنية" قد أشار في تحريره لهذا الباب أن رسالة هذا القسم تتلخص في مبدأين اثنين:
1-إدخال الإيمان بضرورة الألعاب في القلوب.
2-إعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وذكر أنه سيفصل في عدد الغد ما يبغيه من تلك الرسالة حتى يسير مع القارئ على هدى وبصيرة. وبالاطلاع على العدد التالي وتحت عنوان " رسالة هذا القسم" ذكر أن رسالة القسم تتلخص في غايتين.
1-إدخال الإيمان بضرورة الألعاب في القلوب.
2-إعطاء كل ذي حق حقه.
وكان ينبغي على المسئولين بتحرير الجريدة أن يلاحظوا الخطأ الذي فعله محرر " الرياضة البدنية" بما أورده في البند الثاني " إعطاء ما لقيصر.. " فإن قيصر وما لقيصر لله رب العالمين ، بالإشارة إلى ذلك صراحة.. ويظهر أن المحرر أحس بخطئه ذلك فصحح البند الثاني وعدله إلى " إعطاء كل ذي حق حقه" .. حيث شرح ذلك قائلا: " وعندي أن الغاية الثانية أيسر من الغاية الأولى في بلد غير مصر، ولكنها في مصر أشق وأبعد منالا، فقد أصبحت وظائف الألعاب سبلا للوصول على الأهداف الخاصة فاستغلت أبشع استغلال، وستستغل أكثر إذا لم نوقظ الشعور وننبه المشتغلين إلى هذا الخطر الذي يهدد الكيان وينذر بسوء المصير".
وبمراجعة أعداد جريدة " الإخوان المسلمون" خلال الأسبوع الأول من إصدارها نجد أنها عايشت الظروف التي كانت تمر بها الأمة في ذلك الوقت.. محتل مغتصب لأرضها تريد إجلاءه وتطهير الوطن منه، ووطن عربي وإسلامي ممزق يكافح من أجل حريته، وعادات وأخلاق ظهرت أبعدت كثيرا من الناس عن قيم الإسلام، ويريد المخلصون أن يغيروا هذه العادات وهذه التقاليد ويعودوا بالأمة إلى أخلاق الإسلام وقيمه.
ففي مجال قضية الاستقلال وجلاء الانجليز عن مصر.. كانت المفاوضات بين محتل باغ مراوغ لا يريد التسليم بحقوق الأمة، وبين حكومات ضعيفة غير مؤمنة بكفاح الشعوب وقدرتها على استخلاص حقوقها من مغتصبيها.
يسأل مندوب الجريدة رئيس الوزراء _ وقتئذ - عن موعد المفاوضات الرسمية فيجيبه بأنه لم يتحدد بعد موعد لبدء المفاوضات. وفي نفس الصفحة تكتب الجريدة عن " صحف انجلترا والجلاء عن مصر" ، " نص اتفاقية الطيران" التي وقعها السفير البريطاني نيابة عن حكومته مع وزير الخارجية المصري نيابة عن الحكومة المصرية.
و " حول المفاوضات" يكتب الشيخ حسنالبنا فيقول:" ليس هناك من الظروف ما يدعونا إلى أن نخشى فشل المفاوضة، أو أن نرضى منها بأقل من حقنا الطبيعي، بل لعل من الظروف ما يجعل غيرنا يخشى نتيجة الفشل ويحسب لعواقبه ألف حساب. وإذا كان الأمر كذلك فمن واجب المفاوض المصري أن يحسم الأمر وألا يتهيب النتائج ووراءه شعب طال به الانتظار ,أقلقه المطل وآذاه التسويف وتهيأت نفسه فعلا للكفاح والجهاد".
ومرة أخرى يكتب الشيخ البنا " حول المفاوضات أيضا" فيقول:" يظهر أن زعماءنا وحكمانا لا يؤمنون الإيمان الكامل بالحق الذي ينادون به وهو حق طبيعي واضح، ولا بالشعب الذي يعيشون فيه وهو شعب باسل مكافح، ولا بالفرصة التي أتاحها الله لهم وهي فرصة نادرة قلما يجود بها الزمن، ولا يريدون أن يجربوا ولو مرة واحدة ثمرة الإقدام وفضل الاتجاه إلى ا لأمة ,أثر التوكل على الله العلي الكبير. ويظهر أنهم قد وطنوا أنفسهم على أننا لا يمكن أن نصل إلى حقنا إلا بهذه الملاينة وهذا الرجاء، فما وصلنا إليه فمن فضل الله وما لم نصل إليه اليوم فسنصل إليه غدا، وعلينا أن نرضى ولو كنا كارهين، وليس في الإمكان أبدع مما كان. ولا شك أن ذلك أعظم الخطر على قضيتنا الوطنية". ثم يستطرد قائلا:" لقد قضينا سبعة عشر عاما نلقن شبابه ( شباب الوطن ) دروس التضحية والصبر وآيات الجهاد والبذل، ونروضهم على ذلك بكتاب الله وسيرة أسفهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم حتى صار الموت في سبيل الحق أحي إليهم من الحياة، ولكنهم لقنوا مع ذلك قداسة القانون وحرمة النظام، ولن يكون القانون قانونا حتى يصدر عن إرادة المؤمنين به وينظم حاجة المتفقين عليه لا أن يكون سيفا مسلولا على أعناقهم وحرجا دائما لصدورهم وحاجزا مانعا دون الوصول إلى حقهم". ويشير الشيخ حسنالبنا إلى الدرس الرائع في الوطنية الذي أعطاه الزعماء والحكام السوريون حين وقفوا في مقدمة الصفوف وخاضوا مع الشعب ميادين العمل، فعجل الله لم بالنصر وظفروا بالجلاء من غير قيد ولا شرط. فيقول: " ولقد أراد الفرنسيون أن يستدرجوا المفاوض اللبناني في باريس إلى نواح ذات شعب فقطع عليهم طريق المماطلة، وحصر معهم الموضوع في نقطة واحدة.. متى يكون الجلاء؟ فلما أرادوا أن يستوفوا قطع المفاوضة على عجل، ورفع الأمر إلى مجلس الأمن وظفر بما يريد.
يا دولة الباشا الأمر واضح.. فإلى الفوز السريع ، أو إلى الشعب المكافح".
ولقد وفقت الجريدة إلى نشر نص اتفاقية الطيران بين مصر وبريطانيا، وقد لوحظ أن المناقشات والمفاوضات الخاصة بهذه الاتفاقية أحيطت بتكتم شديد انسحب على نص الاتفاقية بعد إقرارها من مجلس الوزراء، فلم تستطع جريدة أخرى أن تنشر شيئا دقيقا عن هذه الاتفاقية. ولهذا فقد كان أحد المقالات الرئيسية بالجريدة بقلم قانوني وخبير بشون الطيران عن :" ملاحظات على اتفاقية الطيران بين الحكومتين المصرية والبريطانية" بين فيه الغبن والاستغلال غير الشريف الواقع على مصر من جراء توقيع هذه الاتفاقية.
وتستمر الجريدة في بيان نوايا الانجليز فتكتب مقالها الافتتاحي:" البيان البريطاني خدعة سياسية يجب أن ينتبه لها المصريون " ويبدأ أحد محرريها في كتابة فقرات من مسلسل الوعود التي طالما وعد بها المسئولون البريطانيون بالجلاء عن مصر فيكتب تحت عنوان : " لا ننسى أبدا الوعود البريطانية لمصر" : " منذ عام 1882 م (1299هـ) الذي احتل فيه الجيش البريطاني مصر قطعت الحكومة البريطانية على نفسها أكثر من ستين وعدا بالجلاء. ونحن لا ننسى أبدا هذه الوعود، ونظرا لبدء المفاوضات الرسمية اليوم نرى أن نثبت هنا في كل يوم بعضا منها للذكرى وللتاريخ".
ويكتب وكيل جماعة الإخوان المسلمين – وهو في نفس الوقت مدير الإدارة والسياسة بالجريدة- مقاله " هل هذا هو أساس المفاوضة؟ أين وحدة الوادي أيها المفاوض المصري؟ بين فيه أن الأمة بجميع فئاتها أجمعت عل مطالبها التي تتلخص في :
1-الجلاء التام عن أرض النيل.
2-الوحدة التامة للوادي.
3-حل المشاكل الاقتصادية من سداد الديون وحرية التجار.. الخ.
واستنكر فيه البيان البريطاني الذي أعلن أن المفاوضة ستكون منصبة على بحث المدة التي سيتم فيها هذا الجلاء، وعلى عقد معاهدة أخرى على أساس المصالح " المشتركة بين البلدين" وتساءل :" إننا لسنا في ذلك متطيرين ولا متشائمين ، فقد أبنا لكم الطريق وأوضحنا معالمه، فإما نجاح يسجله لكم التاريخ وإما فشل.. فلترجعوا إلى أمتكم فلن تجدوا منها إلا جهادا، ولن تجدوا منها إلا استبسالا واستشهادا".
وهكذا كانت الجريدة تعيش شعور الشعب بكل ما يحسه ويعانيه من المحتل الغاصب مدركة مماطلته وخداعه من جهة، وضعف وخنوع الحكام من جهة أخرى، ولكنها مع ذلك تشد أزرهم لعلهم يسلكون بالشعب
ب الطريق الذي أراده، وهو الحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة.
وفي مجال مؤازرة الجريدة للقضايا العربية والإسلامية ، فقد صدرت الجريدة في وقت علت فيه صيحة الشعوب الإسلامية، وبدأت يقظتها لتقاوم أعداءها.. فقضية فلسطين وقضايا الشمال الإفريقي ومسلمي الهند وأندونسيا وغيرها من القضايا الإسلامية كانت مطروحة في ذلك الوقت، فكانت الجريدة منذ صدورها منبرا للدفاع والتعريف بقضايا هذه الشعوب.
فبالنسبة لقضية فلسطين كان أول عنوان رئيسي يتصدر الجريدة في أول صدورها عن فلسين، وكذلك كانت معظم الصفحة الثالثة من عددها الأول. وهكذا كانت العناوين الرئيسية عن قضية الإسلام الأولى- فلسطين- " الثورة العربية الكبرى على الأبواب" ، " دورة استثنائية لمجلس الجامعة العربية في يوم 18 مايو لنصرة فلسطين"، " لبنان يستعد للدفاع عن فلسطين" ، " الجهاد في سبيل نصرة فلسطين يدعو إليه هناك مندوب الإخوان المسلمين" ، " روسيا وفلسطين"، " انتصار الدول العربية لفلسطين" ، " تصريح خطير بشأن فلسطين".
وقد دعت الجريدة الشعب المصري للإضراب يوم الجمعة 8 جمادي الآخرة عام 1365هـ (10 مايو 1946م) حيث قرر المركز العام للإخوان المسلمين دعوة هيئات الشعب المصري لذلك بسبب تقرير لجنة التحقيق المشتركة عن قضية فلسطين وموقف المسئولين البريطانيين من القضية الوطنية.
وبالنسبة لقضايا الشعوب الإسلامية في كل مكان، كلن لصفحات الجريدة اهتمام خاص بها، فتكتب عن " ضرورة الإفراج عاجلا عن الأمير عبد الكريم وأنصاره" " 90 مليون مسلم يطلبون الاستقلال- الدولة الإسلامية المستقلة في الهند".
وفي ذكرى حوادث بلاد الجزائر" نشرت الجريدة نص البرقية التي أرسلها المرشد العام للإخوان المسلمين إلى وزير فرنسا المفوض بالقاهرة وإلى سكرتارية هيئة الأمم، وهذا نصها:" بمناسبة ذكرى حوادث الجزائر في 8 مايو يبعث المركز العام للإخوان المسلمين إلى الحكومة الفرنسية احتجاجه باسم الأقطار العربية والإسلامية على سياستها العنيفة في هذا القطر العربي التي تسعى إلى إدماجه.. وإلغاء الحماية عن تونس ومراكش والاعتراف باستقلال شمال أفريقيا التام داخل الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة في أقرب وقت".
وفي مجال الدعوة وتأصيل القيم الإسلامية في المجتمع، نجد في المقال الأول للشيخ حسنالبنا " مطلع الفجر" المنهج الذي ارتآه للجريدة لتسير عليه في نشر الخبر أو التعليق.ز في قول الحق والجهر به، والدفع بالني هي أحسن دون مهاترة أو إسفاف ، ويظهر ذلك السلوك في خبر نشر تحت عنوان: " هذه الجماعة تعلو" أشارت فيه إلى دأب بعض الصحف الحزبية على نشر استقالات تزعم أنه من الإخوان المسلمين، وتبين أنها استقالات وهمية ليس لأصحابها أي صلة بالإخوان المسلمين " ولكنا نؤثر دائما عدم الخوض في جدل عقيم ومهاترة لا طائل تحتها، ونحب أن تظل صفحات هذه الجريدة ميدانا للنافع المفيد من القول والعمل".
وتحت عنوان :" منبر الجمعة" بدأ الشيخ حسنالبنا كتابة مقاله الأسبوعي يوم الجمعة من كل أسبوع . وكان عنوان مقاله الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع..) بين فيه قيام دعوة الإسلام على الإيمان بالله والعمل الصالح والأخوة الإنسانية.. واعتماد الإسلام في تقرير هذه المعاني في النفوس وتثبيتها في القلوب على الدعوة الدائبة والكلمة الطيبة.. وكيف أراد الإسلام أن يذكر الناس بالغاية والوسيلة في صورة عملية فاختار يوم الجمعة ودعا الناس فيه دعوة مؤكدة إلى بيوت الله.. ليجلسوا ليستمعوا لآيات تتلى وعظات تقرأ.. ويقفوا بعد ذلك في صف الصلاة متوجهين إلى قبلة واحدة لغاية واحدة هي التقرب إلى الله.. ثم يتساءل : " ومن الإمام؟ يقود الأمة في المحراب ويشرح لها السنة والكتاب ويؤمها في الصلوات ويدعوها إلى الصالحات، أهو ممثل السلطة الدينية؟ وسادن الحقائق الروحية؟ .. لا .. فليس هناك سلطتان ولا يتنازع المجتمع الإسلامي جهتان في الدنيا والدين، وتوجه الأمة جميعا إلى خيرهما معا. تقيم فيها الأحكام وتحرس الأمن والنظام، وتؤم في المعبد، وتدرس في المعهد وتوزع العدالة بالقسطاس ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ثم يتوجه بختم كلمته إلى الأئمة والمصلين .. يقصد الحكام وأبناء الأمة فيقول:" فيا أيها الأئمة: قدروا مهمتكم، وقودوا هذه الأنفس إلى الخير، ووجهوها غلىا لحق والخلق والفضيلة والنور، وأنتم لها ضامنون، فالإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، ويا أيها المصلون: أصيخوا آذانكم واحضروا قلوبكم، وتدبروا في هذه العظات الأسبوعية، ولا تجعلوها أعمالا عادية آلية، فالعلم علمان علم في القلب، فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على ابن آدم، ويا أيها القاعدون عن الصلاة لماذا تقعدون؟ وهي رياضة لأرواحكم، ونور لقلوبكم وطمأنينة لأنفسكم وصلة بينكم وبين ربكم وعمل صالح في الدنيا ومثوبة في الآخرة، وليس فيها بعد ذلك من تعب ولا إرهاق".
وتؤكد الجريدة مسيرتها على نفس المنهج الذي رسمته لنفسها منذ أن صدرت فتكتب في مقالها الافتتاحي " صحيفتنا بعد أسبوع" فتقول:" لقد عاهدنا الله مذ فكرنا في إصدار هذه الصحيفة أن تبرز إلى الوجود في ثوب من الحق الصراح والحرية المطلقة، في أعمدتها يتلمس القارئ الكريم أدواء المجتمع ولكل داء منها دواء، وفي أنهرها غذاء روحي، طابعه الإسلام. وعي بعد لا حزبية ولا طائفية.. هي منبر الرأي الحر والمعارضة النزيهة.. لا نخاصم أحدا إلا لوجه الحق.. من آذانا إساءة إلينا، أو هاجمنا تجنيا علينا فشعارنا معهم دائما ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم..) .. سنحارب الاستعمار في صوره المختلفة.. سنحارب الاستبداد في صوره المختلفة.. سنحارب الطغيان.. سنحارب الفقر.. والجهل .. والمرض.. والخلاعة والمجون.. وفوق هذا أو ذاك فسندعو الأمة حكومة وشعبا إلى الرجوع من جديد إلى آداب الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام".
وعلى هذا النمط شقت جريدة " الإخوان المسلمون" طريقها خلال اثنين وثلاثين شهرا عاصرت فيها أحداثا أثرت تأثيرا بالغا في مسيرة الحركة الإسلامية، وشاركت في دفعها للقيام برسالتها جهود مخلصة وقفت أمام التيارات المتعددة التي كانت تسعى لإيقاف المد الإسلامي المتمثل في اليقظة الإسلامية التي اجتاحت صفوف الشباب من أبناء الأمة، وتكالبت قوى الشر وتعاونت لتحيط بهذا المد الإسلامي، وحسبوا أنهم نجحوا في ذلك عندما استجابت حكومة مصر- وقتئذ- لشرورهم فأصدرت قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين، ومن قبله أوقفت إصدار جريدة " الإخوان المسلمين" التي كانت تمثل معلما ظاهرا من معالم اليقظة الإسلامية خلال عصرنا الحديث، والتي كان إصدارها تجربة ناجحة لم تتكرر للأسف حتى الآن.
وكم كنت أود استكمال دراسة هذه الأعداد السبعمائة والأربعة وتسعين عددا من هذه الجريدة، لكني تيقنت أن المجال ضيق لا يفي بما تستحق من دراسة، آملا أن يتم ذلك في دراسة لاحقة إن شاء الله. واكتفيت بهذا التصفح للأعداد الأولى منها وما سبقها من إرهاصات نتج عنها ذلك المولود العملاق.
4-مجلة " الكشكول الجديد"
( من 22 شوال 1366هـ إلى 26 محرم 1368هـ )
(8 سبتمبر 1947م- 27 نوفمبر 948م)
عندما شعرت الأحزاب المختلفة في مصر بمدى انتشار دعوة الإخوان الملمين وإقبال كثير من الشباب عليها، وتحول كثير من المنضمين إلى هذه الأحزاب لدعوة الإخوان – لجديتها ووضوح أهدافها- بدأن هذه الأحزاب تكيد للجماعة وتعلن الحرب عليها، وظهرت هذه العداوة في صورة استخدام الوسائل الإعلامية التي تملكها هذه الأحزاب من صحف ومجلات، وفي صورة استفزازية بالتحرش بشباب الإخوان بالمدارس والجامعات.
وكان أكبر مظاهر هذه العداوة تلك التي أبداها حزب " الوفد" الذي كان يمثل في وقت ما الغالبية لأفراد الشعب المصري أيام قيام هذا الشعب بثورته عام (1338هـ - 1919م).
وبالرغم من الأكاذيب التي كانت تنشرها تلك الصحف عن الإخوان، وعن استقالات وهمية لأشخاص غير موجودين أو افتراء على أشخاص مخلصين عاملين بالجماعة، فقد أبدت قيادة الإخوان أن تنزل صحافتها على ذلك المستوى الذي تدنت إليه تلك الصحافة، فكتبت جريدة " الإخوان المسلمون" في أوائل أيام صدورها تحت عنوان: " هذه الجماعة تعلو" قالت : " دأبت بعض الصحف الحزبية على نشر استقالات تزعم أنها من الإخوان المسلمين ، والمركز العام للإخوان المسلمين يعلن أن هذه الاستقالات وهمية ويرد عليه من شعبه بالأقاليم ما ينفي صلة أصحابها بالإخوان، ولكنا نؤثر دائما عدم الخض في جدل عقيم ومهاترة لا طائل تحتها، ونحب أن تظل صفحات هذه الجريدة ميدانا للنافع المفيد من القول والعمل ونسأل الله أن يهدينا جميعا سواء السبيل".
واستمرت هذه الهجمة دون رادع لها فترة من الوقت، مما أثار بعض شباب الإخوان الذي كان يرى ضرورة إيقافها بالرد عليها بإظهار الحقائق لا بالأكاذيب مع تعرية هذه الأحزاب أمام الشعب بتعريفه بتاريخها وتاريخ زعمائها الذين حولوا مسار جهاد الأمة على صراع عل كراسي الحكم، وتنابذ وفرقة بين أبناء الشعب.
ولما رفضت قيادة الجماعة ما رأوه، أرادوا أن يتحملوا وحدهم عبء هذا العمل باستقالتهم من الجماعة، حتى لا تتحمل مسئولية أي عمل يقومون به. وتقدم الأخوان أمين إسماعيل، محمود عساف باستقالتيهما للمرشد العام يقولان فيها:" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فقد انتوينا إصدار مجلة " الكشكول الجديد" بروح قد لا تتفق مع أسلوب الدعوة في محاربة الحزبية، وحتى نتحمل تبعة عملنا وحدنا أمام الله وأمام أنفسنا وأمام الرأي العام، رأينا أن نرفع على فضيلتكم استقالتنا من الهيئة وتبعاتها وما يترتب على عضويتها راجين التفضل بقبولها مشكورين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وكانت حملة دعاية لمجلة اللاحزبية الجديدة قد بدأت، وأجريت مسابقة لاختيار اسم لهذه المجلة واختير اسم " الكشكول الجديد" لها.
وصدر العدد الأول من مجلة " الكشكول الجديد" يوم الاثنين 22 شوال 1366هـ الموافق 8 سبتمبر 1947م.
وظلت تصدر كل أسبوع لمدة حوالي أربعة عشر شهرا، حتى توقفت قبيل صدور قرار حل جماعة الإخوان بعد أن صدر منها تسعة وخمسون عددا كان الأخير منها بتاريخ 26 محرم 1368هـ ( 27 نوفمبر 1948م).
صدرت مجلة " الكشكول الجديد" في حجمين:
الحجم الأول: من العدد الأول إلى العدد السادس عشر صفحة مقاس ( 28في 20 سم) وتضم كل صفحة أربعة أعمدة. ثم توقفت لمدة أسبوعين.
الحجم الثاني: ابتداء من العدد السابع عشر في (16) صفحة مقاس نصف الصحف اليومية ( 42في 29سم) وتضم كل صفحة خمسة أعمدة.
اعتادت مجلة " الكشكول الجديد" خلال الستة عشر عددا الأولى من إصدارها أن يتصدر الغلاف رسم " كاريكاتوري" ملون. هذا بالإضافة على بعض الرسوم " الكاريكاتورية" في داخل العدد. وتحت كل رسم تعليق أو حوار بين شخصيات الرسم، وقد ضمت المجلة بعض الصفحات الناقدة نقدا لاذعا للحزبية في مصر.
وعن علاقة " الكشكول الجديد" بالإخوان المسلمين كتب أمين إسماعيل ومحمود عساف " حمل إلينا البريد كثيرا من رسائل أصدقائنا من الإخوان المسلمين يعيبون علينا الخروج عن بعض الحدود التي رسمها الإخوان لأنفسهم في محاربة الحزبية. كما علمنا أن رسائل كثيرة بهذا المعنى أرسلت إلى المركز العام للإخوان المسلمين، وذلك بناء على ما يعلمه حضرات المرسلين من صلتنا الوثيقة بالإخوان ودعوتهم. ولهذا نرى لزاما علينا أن نكاشف حضرات هؤلاء الكاتبين وغيرهم من القراء الكرام بحقيقة موقفنا من الإخوان المسلمين، وموقفهم منا، وضعا للأمور في نصابها. إننا نشأنا في الدعوة الكريمة " دعوة الإخوان" وآمنا بأهدافها السامية إيمانا لا يتطرق إليه شك ولا ريب، وهل هناك دعوة أسمى من الدعوة إلى الله ورسله، وأنبيائه؟ وهل هناك هداية أحكم وأقوم وأصلح للناس من هداية السماء والأرض؟. كما أننا نذكر دائما فضل هذه الدعوة الكريمة، وقيادتها الفاضلة، في إرشادنا وتوجيهنا الوجهة القويمة في عواصف الحياة الهوجاء. ونحن نتفق مع الإخوان المسلمين- كما سمعنا منهم أفرادا وهيئات- في أن الحزبية العمياء- وكل الحزبية في مصر عمياء مع الأسف- هي السبب الأول والأكبر، في كل حل ويحل في هذا البلد المنكوب بهذا الداء، من فساد في الداخل والخارج. فالحزبية هي التي تفتح الثغرات التي ينفذ فيها خصومنا الإنجليز إلى كياننا الداخلي، لئلا نقف أمام مطامعهم وعنتهم وتدخلهم، كتلة واحدة. ويشتغل بعضنا بحرب بعض وننسى العدو الأصيل، فتفلت الفرصة.. ويضيع الوقت.. ويفوز الخصم.. ونظل من مطالبنا وحقوقنا حيث نحن إن لم نتقهقر إلى الوراء – وكل ذلك بفضل الحزبية العمياء..
والحزبية هي التي قتلت الأخلاق، وقضت على الفضيلة، وأوجدت النفعية وعلمت الشعب النفاق والكذب والرشوة، وأشاعت في الإدارة المحسوبية والمحاباة والظلم، وفرقت الأسر والعائلات وأخرت كل مشروع إصلاحي نافع، ومزقت مناهج الإصلاح كل ممزق. ولهذا كان واجبا على المصلحين أن يبادروا بمحاربة الحزبية وأن يبذلوا للقضاء عليها كل الجهود. نحن نقول هذا الكلام، ويقوله الإخوان المسلمون معنا. ولكننا اختلفنا في الأسلوب الذي تكون به هذه الحرب.ز فالإخوان يرون أن أفضل الوسائل لقتل الحزبية تقوية الأخلاق، وبناء شعب جديد على الفضيلة والإسلام، ولا يريدون أن يشتبكوا مع هذه الأحزاب في حرب ينتصر فيها الحق الواضح، وينهزم الباطل الفاشل، ولا يحبون أن ينزلوا إلى ميدان التشهير بمخازي هذه الأحزاب، ومساوئها حتى تحذرها الأمة، وينفض عنها من بقي معها من الناس إن كان بقي معها أحد، غير النفعيين الذين يعيشون على أشلاء المصلحة العامة. ونحن نرى أن هذه الطريقة طويلة وأن موجة الفساد عاتية، وأنه لابد من أن يضم إلى هذا الأسلوب الإنشائي البنائي، الهدم والتحطيم ، والفضح والكشف العام عن مثالب هذه الأحزاب، ودجلها، وتهريجها وتضليلها للرأي العام – ونعتقد أن هذا هو أسلوب القرآن الكريم الذي يتخذه الإخوان دستورا لهم والذي يجب أن يكون دستور العالم لا دستور الإخوان وحدهم. ومن هنا افترقنا في الرأي والأسلوب لا في الإيمان والعقيدة والغاية، ولما ضقنا ذرعا بصبر الإخوان وطول أناتهم، لم نجد بدا من أن نصدر هذه المجلة اللاحزبية بهذا الأسلوب الذي يراه القراء، والذي نعتقد أنه يرضي كل من ضاق ذرعا بمفاسد الأحزاب، وسوء أثرها في هذا الوطن. وحتى نتحمل وحدنا تبعة عملنا هذا، وحتى نكون منطقيين مع أنفسنا، ومع الحقيقة- أرسلنا إلى الأستاذ المرشد العام للإخوان المسلمين ( وذكرا خطاب الاستقالة الإشارة إليه). وفي ختام مقالهما قالا:" وليس معنى هذا أننا انفصلنا عن الإخوان عقيدة وروحا وجهادا في سبيل الله والإسلام والوطن، فتلك بيعة في أعناقنا لا يخلعها شيء، نحيا لها ونموت عليها، ولكن معناه أنها تجربة أردنا أن نقوم بها وحدنا، فإن نجحنا فلنا وللدعوة، وإن أخفقنا فعلينا وحدنا، ولله عاقبة الأمور".
وقد رد الشيخ حسنالبنا على استقالة الأخوين برسالة نشرت تحت عنوان :" في سبيل بناء جديد " قال فيها:" فقد تلقين استقالتكما من الإخوان المسلمين، وقرأت ما كتبتماه عن ذلك في مجلة الكشكول في عددها وعرضتها على الهيئة التأسيسية للإخوان في اجتماعها الماضي فوافقت عليها شاكرة لكما جهودكما الصادقة في خدمة الدعوة الكريمة سابقا وحسن استعدادكما لخدمتها لاحقا. وجميل ثنائكما عليها واعترفاكما بما تقدم للشباب من خير وحسن توجيه، فأبلغكما ذلك سائلا الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعا لخير دينه والعمل على إعلاء كلمته وإرشاد الناس إلى سبيله آمين. ولقد تابعت بعد ذلك ما يكتب في الكشكول فأردت أن أتقدم لكما بمخلص النصيحة، نصيحة من لا يزال وسيظل يشعر لكما بعاطفة الأخوة الكاملة التي ربط الله بها قلوب عباده المؤمنين في محكم كتابه إذ يقول " إنما المؤمنون إخوة" ذلك أني وإن وافقتكما موافقة تامة في وجوب محاربة الحزبية والاستعمار ومقاومة المبادئ الهدامة الفاسدة كائنة ما كانت، فإني لا زلت أخالفكما في الأسلوب على الصورة التي رأيتها في " الكشكول الجديد" .
ولهذا أرجو أن تسلكوا به مسلكا آخر نحو بناء جديد. حاربوا الحزبية بصورتها البغيضة التي ظهرت بها في مصر فأحرجت الصدور وجرحت الأبرياء ونفرت القلوب وقززت النفوس، وأوهنت القوى وأفسدت الأخلاق والضمائر، وفعلت بالمجتمع الأفاعيل. وحاربوا الاستعمار الغاشم الظالم الماكر الخادع الذي سلب حريتنا، وقيد استقلالنا وتدخل في كل شؤوننا، وحرمنا خيرات بلادنا وتراث كدنا وكفاحنا، واستأثر دوننا بكل شيء ومهد في وطننا لكل دخيل وكان في حياتنا الاجتماعية رأس كل خطيئة. وحاربوا هذه المبادئ الهدامة التي لا تتكشف في حقائقها وأهدافها ومراميها إلا عن الإلحاد والكفران والإباحية والإثم والعصيان والتمكين للمستعمر القديم أو التمهيد للمتحفز الجديد، كأنما كتب على هذه الأمة ألا تنقل من سيادة إلا إلى سيادة وألا تتذوق طعم الحرية أبدا على أيدي هؤلاء الخبثاء. ويأبى الله ذلك والمؤمنون.
حاربوا كل هذا واكشفوا عن مخازيه للناس وحذروهم إياه، ولقد كان سفيان الثوري يقول لأصحابه إذا اجتمع إليهم: تعالوا نذم ساعة في سبيل الله. لا تجالسوا فلانا فإنه كذاب، ولا تأخذوا عن فلان فإنه يضع الحديث، ولا تثقوا بفلان فإنه متهم في دينه، أو رأيه وهكذا. ولكن تحروا في ذلك كلمة الحق الذي لا يفتري ولا يعتدي ولا يكذب – والجد- الذي يحفظ على النفوس قوتها فلا تتميع معه الأخلاق ولا تموت بكثرته القلوب، ولا يذهب برهبته العدوان ولا يضعف مشاعر السخط وهي عدة المجاهدين، ولا ينافي ذلك ورود المزحة القاسية والنكتة اللاذعة، ورب واحدة من هذه أبلغ من قول كثير. ثم خصصوا أبوابا لهذا، واحرصوا على أن يظهر هذا اللون واضحا وتجنبوا الانحياز فإنكم تحاربون مذاهب وأعمالا على يد كائن من كان، ولا تكشفوا عما ستر الله من النقائص الشخصية، فإن الإذاعة عن ذلك في ذاتها إثم من الآثام ما لم يتعلق بذلك حق للمجتمع أو مصلحة تعود على الناس، والعفة عن الولوغ في الأعراض أدب الإسلام، ولا أجمل من التورع والاحتشام، كونوا كذلك واطبعوا مجلتكم بهذا الطبع وانهجوا بها نهجا جديدا، " ونحو بناء جديد" وأعتقد أنكم بذلك ستقدمون إلى الناس غذاء شهيا سائغا لا تعب معه ولا ضرر فيه إن شاء الله. وحينئذ يكون لمثلي على ضعفه وضيق وقته ألا يحرم نفسه المساهمة معكما في هذا الجهاد والله أسأل ولكما كمال الهداية ودوام التوفيق . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ولقد استجاب " الكشكول الجديد" لتوجيهات المرشد العام ، وظهر ذلك جليا في أعداده ابتداء من العدد السابع عشر وهو بداية الشكل الجديد للمجلة. فألغت المجلة بعض أبواب النقد القاسي، واتخذ النقد اتجاها آخر يتمشى مع التوجيهات التي أشار إليها المرشد العام، فكانت هناك" صحيفة العدم والبناء" كتب تحتها" لا استعمار ولا شيوعية ولا رأسمالية ولا صهيونية ولا حزبية" وأعطت المجلة اهتماما لمحاربة الاستعمار- في مصر والبلاد الإسلامية- والشيوعية والرأسمالية والصهيونية.. ولم تقتصر اهتماماتها في محاربة الحزبية فقط.
ومن الأبواب التي ضمتها المجلة خلال صدورها:
باب " خلف المسرح السياسي" حيث كان يكتبه الأستاذ أمين إسماعيل، ويحلل فيه الوضع السياسي الداخلي، باب " الغرب" و " الشرق" حيث أهم الأخبار العالمية مع تحليلها، و " أسرار" و " خطاب مفتوح" حيث يوجه خطاب إلى إحدى الشخصيات يوضح فيه جوانب النقد التي تؤخذ على هذه الشخصية.
واهتمت المجلة بالمرأة فخصصت لها صفحة للاهتمام بشئونها، كما اهتمت بالرياضة فجعلت لها ركنا. وخصصت للطلاب بابا تحت عنوان " بين الروضة والجامعة " وللعمال بابا تحت عنوان " صوت الشعب".
ومن العدد الرابع والثلاثين إلى العدد الرابع والأربعين خصصت مجلة " الكشكول الجديد" الصفحتين اللتين تتوسطان العدد كصفحة واحدة بعنوان: " جريدة اليوم" حيث شملت الأخبار الداخلية والخارجية. وفي بعض الأحيان كان ينشر بها " حديث الجمعة" للشيخ حسنالبنا عندما تصادر جريدة " الإخوان المسلمون" مبينة فوق الحديث الآتي: " احتجت أمس الزميلة الكبرى (الإخوان المسلمون) بسبب مصادرتها من السوق"، ومن العدد الخامس والأربعين أضافت مجلة " الكشكول الجديد" تحت عنوانها الشعار التالي:" لسان الحق والقوة والحرية" وهو الشعار الخاص بجماعة الإخوان المسلمين مما يؤكد انتساب هذه المجلة على جماعة الإخوان المسلمين، هذا بالإضافة إلى ذكر مجلة " الكشكول الجديد" ضمن صحافة الإخوان بملحق العدد الممتاز من جريدة " الإخوان المسلمون" اليومية بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس الجماعة.
وقد تصدر العدد الخامس والأربعين صورة لرسالة تهنئة بالعيد لقرآءه " الكشكول الجديد" من الشيخ حسنالبنا جاء فيها:
" إن عيدكم الأكبر يوم تتحرر أوطانكم، ويحكم قرآنكم، فاذكروا في العيد، ماضيكم المجيد لتتذكروا تبعاتكم، وأملكم لحاضركم، ورسالتكم لمستقبلكم، وجددوا الآمال، وآمنوا وتآخوا، واعملوا وترقبوا بعد ذلك النصر المبين، ولا تهنوا بعد ذلك ولا تحزنوا، فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وما كان الله ليضيع إيمانكم".
وقد تناول الكتابة في أعداد " الكشكول الجديد" عدد كبير من الكتاب نورد منهم على سبيل المثال:
أحمد سعيد- أحمد نار- أحمد نجيب- أمين إسماعيل- جلال أحمد- حسنالبنا- حسين ثابت- زغلول السيد- زيد شريف- سعد إبراهيم- صالح الجنايني – صالح عشماوي- طعيمه عبد الحميد الجرف- عبد الحليم الوشاحي- عبد الحميد إبراهيم عبد العزيز- عبد العزيز شرف- عبد العزيز على- عبد الملك عودة- عفيف بهنسي- علوي عساف- عوض المنشاوي- كامل الشافعي- محمد بكير- محمد شاهين حمزة- محمد عبد العزيز أحمد- محمد الغزالي- محمد فرغلي- محمد لبيب البوهي- محمد لبيب الترجمان- محمود عساف- مصطفى مؤمن.
وتوقفت مجلة "الكشكول الجديد" عن الصدور في 26 محرم 1368هـ - 27 نوفمبر 1948م بعد صدور عددها التاسع والخمسين.
5-مجلة "الشهاب"
شهد أول شهر محرم من عام 1367هـ ( 14 نوفمبر 1947م) صدور العدد الأول من مجلة "الشهاب" وهي مجلة شهرية للآراء والبحوث الإسلامية، أصدرها الشيخ حسنالبنا على غرار مجلة " المنار" التي كان يصدرها السيد محمد رشيد رضا وأوكل إلى الشيخ حسنالبنا إصدارها بعد وفاة الشيخ رشيد، فأكمل سنتها الخامسة والثلاثين بستة أعداد، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك.
وصدر من " الشهاب" خمسة أعداد فقط حيث صدر العدد الخامس في جمادي الأولى 1367هـ ( مارس 1948م) ثم تعطلت عن الصدور بعد قرار حل جماعة الإخوان المسلمين واغتيال مرشدها.
قدم الشيخ حسنالبنا للمجلة بافتتاحية جاء فيها أن رسالة " الشهاب" ستكون في الاعتناء بالقضايا التالية:
1-محاولة عرض الأحكام الإسلامية عرضا مبسطا عمليا شاملا يوافق أسلوب العصر.
2-ومحاولة تقديم الإسلام كنظام اجتماعي مبسطا عمليا شاملا يوافق أسلوب العصر.
3-والدفاع عن أحقية عقيدة (الإيمان بالله).
4-والانتصار (للروح الإنساني).
وأشار إلى ما كان لمجلة " المنار" ولمجلة " الشهاب" الجزائرية من سبق في هذا المضمار راجيا أن تقفو (الشهاب) المصرية أثرهما وتجدد شبابهما وتعيد في الناس سيرتهما في خدمة دعوة القرآن وتجلية فضائل الإسلام".
وإلى جانب افتتاحية العدد الأول، فقد تصدر أعداد المجلة المقال الرئيسي بها عن التفسير وعلوم القرآن بقلم الشيخ حسنالبنا حيث أشار على نهجه في تناول المقاصد العامة في القرآن الكريم بحسب ما يلهمه الله إياه من فهم وتدبر وفقه وذلك ابتداء من فاتحة الكتاب الكريم إلى خاتمته ويكون عنوانه " مقاصد القرآن الكريم" على أن يمهد له بمقدمات حول علو التفسير، ونشأته، وتطوراته، وآراء الناس فيه . وبدأ فعلا بهذه المقدمات وتناول سورة الفاتحة بالتفسير ثم بسورة البقرة حتى الآية:" أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون".
وشاء الله ألا يتم ما بدأه، وحسبه في ذلك ما قدم من جهاد في سبيله أدى إلى استشهاده.
وقد ضمت أعداد "الشهاب" عديدا من الأبواب التي تناوب الكتابة فيها الكتاب الإسلاميون ذوو السمعة والمكانة الطيبة.
شمل باب الحديث وعلوم السنة مختارات من الأحاديث مشروحة شرحا موجزا قدمها الأستاذ الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في موضوع الجهاد استنهاضا للهمم، وحفزا للعزائم في ذلك الوقت العصيب، ثم على فصل من فصول الدراية وعلوم السنة التي لا يكاد يتصل بها فنيا إلا أهلها والمختصون بها، كي يستعين بذلك من تخصصوا بالدراسات المدنية، ولم تسمح لهم ظروفهم بسعة الاطلاع على المصطلحات الحديثة مع ولعهم بكتب الحديث للعلم والمعرفة أو الاستدلال والمراجعة، مع التعرض لدحض الشبهات التي قد يوجهها بعض الباحثين من المستشرقين، أو من لف لفهم إلى علوم الحديث وأهله.
وفي باب الفقه والتشريع والمعتقدات كانت المقالات التالية:
العدد | عنوان المقال | كاتب المقال |
---|---|---|
الأول
1-2-3-3-4-5 1-2-3-4-5 2-3-4 الثاني الخامس |
فقه الدولة والفقه الاجتماعي في الإسلام المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية مصادر التشريع الإسلامي الله مشروع تقييد الطلاق وتعدد الزوجات العصبية المذهبية |
السيد محب الدين الخطيب عبد القادر عودة محمد الشافعي اللبان محمد أبو زهرة مصطفي الزرقا |
وخصصت المجلة للتاريخ الإسلامي وأمجاده باب تحت عنوان "صفحات من التاريخ" كانت مقالاته:
العدد | عنوان المقال | اسم الكاتب |
---|---|---|
الأول
الثاني الثالث القادسية |
الحضارة الإسلامية الهجرة –قصيدة صفحات من مجلد المسلمين على أسوار إيلياء مزايا الحضارة الإسلامية محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليرموك من أخلاق أحمد بن حنبل القادسية |
أحمد مظهر العظمة محمود أبو النجاة عبد الوهاب خلاف أحمد مظهر العظمة محمد أحمد الغمراوي أحمد مظهر العظمة أحمد مظهر العظمة |
وتحت عنوان " أصول الإسلام كنظام اجتماعي" كتب الشيخ حسنالبنا عن: " اتجاه النهضة الجديدة في العالم الإسلامي" ، " إعلان الأخوة الإنسانية والتبشير بفكرة العالمية" ، " السلام، حكمه ومشروعية القتال في الإسلام"
وفي معرض الآراء شارك عدد من الكتاب الإسلاميين في تحرير أعداد "الشهاب" بالمقالات التالية:
العدد | عنوان المقال | اسم الكاتب |
---|---|---|
الأول
الثاني الرابع الخامس |
الفكر العلمي والفكر العامي
الآفاق المطموسة نهضة دين ووطنية الجهاد في الإسلام دقوا على هذا الموضع فتح جديد في أفق التجديد نظرات في التربية الشباب والروحانية دين وسياسة رابطة الإسلام |
مصطفى الزرقا
عبد المنعم خلاف عبد الحميد مطر سعيد رمضان حسن الخطيب عبد المنعم خلاف محي الدين القليبي عبد العزيز عطية عباس العقاد سعيد رمضان على الخفيف |
وفي باب " روضة الأدب" كتب الأدباء والشعراء ما طاب لهم أن يكتبوا في " الشهاب" تحت العناوين التالية:
العدد | عنوان المقال | اسم الأديب أو الشاعر |
---|---|---|
الأول
الأول الثالث |
تحية الشهاب-قصيدة
تحية الشهاب- قصيدة تحية الشهاب- قصيدة الشهاب في اللغة والقرآن شهاب باديس خماسيات الأميري "شعر" أدب الخوارج |
محمود غنيم
محمد محمد الأبشيهي أحمد حسن الباقوري على يوسف الغرابي أبو مدين الشافعي محمود أبو النجا |
ما ضمت المجلة بابا بعنوان " المراسلة والمناظرة والنقد" تنشر فيه تعليق أو نقد القراء للموضوعات التي تنشرها المجلة، كما نشرت بعض المقالات الأخرى لبعض الكتاب مثل :
شذرات علمية: بقلم محمد الحلوجي (العدد الثالث ص 12- 16).
مثل عليا من آداب القرآن: بقلم محمد بهجت البيطار (العدد الخامس ص 9 – 16).
وفي التعريف بالكتب قدم التحرير بالمجلة ترجمة وتلخيصا لكتاب " المادية الجدلية" وتعريفا لثمانية عشر كتابا تحت عنوان " مكتبة الشهاب".
أما المادة الإخبارية فقد كانت المجلة تقدم عرضا سريعا للأخبار تحت عنوان " العالم الإسلامي " و" العالم في شهر".
وكان كل عدد من مجلة " الشهاب" تنتهيصفحاته بباب عنوانه: " سجل التعارف الإسلامي" حيث أشار التحرير إلى دعوة المفكرين من رجال الإسلام إلى التعارف على صفحات الشهاب بنشر صورهم وما يجب أن يعرفه غيرهم عنهم، وبين أنه سوف لا ينشر من الصور أو يقدم من الأشخاص إلا من يعرفهم شخصيا أو من يتقدم إليه عن طريق الهيئات الإسلامية المعروفة في المملكة المصرية وبلدان العالم الإسلامي.
وقد تمكن الشيخ حسنالبنا من إصدار " الشهاب" في ثوب قشيب يليق بمكانته من ناحية المظهر والمخبر، في ورق وطباعة جيدة خال من الأخطاء المطبعية والنحوية، حافلا بالآراء والبحوث الرفيعة للكتاب الإسلاميين من مختلف الأقطار الإسلامية، والذي كان مؤملا أن يسد فراغا كبيرا في مجال الصحافة الإسلامية الشهرية، ولكن قدر الله- ولا راد لقدره- أرد له أن يموت وليدا بعد أن ولد عملاقا.
المبحث الثاني صحافة ما بعد المحنة الأولى
أولا: صحافة الأفراد من الإخوان
ثانيا: صحافة الجماعة
افتقد الإخوان المسلمون صحافتهم بصدور قرار حل الجماعة وتكالبت عليهم قوى البغي والعدوان بما تملكه من بطش السلطة وظلم الظالمين، وتبارت قوى الافتراء والنفاق – ممثلة في وسائل إعلامية مسخرة لهذه القوى- في تشويه سمعة الجماعة دون أن يكون لأصحابها المقيدين بالأغلال في السجون والمعتقلات أدنى دفاع فيما رموا به كذبا وبهتانا.
وشاء الله ألا يمد لقوى الطغيان الاستمرار في مخططهم، فسقطت الحكومة وأجريت انتخابات جديدة، نزل الإخوان فيها بثقلهم لإنجاح حزب الوفد المعارض للحزب الذي أصدرت حكومته قرار حل الجماعة وما تبعه من اضطهاد واعتقال وتعذيب.
وتغيرت الظروف وعادت الجماعة إلى وضعها القانوني، وقامت ثورة الجيش التي أيدها الإخوان في بادئ الأمر بناء على وعود من قادتها بأن يحكموا بما انزل الله. أما عن صحافة الإخوان خلال هذه الفترة، فقد قيض الله لهم صحافة إسلامية تدافع عنهم ممثلة في جريدة " منبر الشرق " حتى صدرت مجلاتهم " المباحث"، " الدعوة"، " الإخوان المسلمون" وكذلك صدرت مجلة " المسلمون" .
1-جريدة " منبر الشرق"
صدرت بمدينة جنيف بسويسرا يوم الأحد الخامس من شهر فبراير عام 1922م (جمادي الثاني 1340هـ) وظلت تصدر بها حتى عاد صاحبها – الشيخ على الغاياتي إلى مصر عام ( 1356هـ - 1937م) وأخذت تصدر في القاهرة أسبوعيا منذ الجمعة 6 ربيع أول 1357هـ( 6 مايو 1938م) وتوقفت عن الصدور بوفاة صاحبها عام ( 1376هـ- 1956م).
( كانت جريدة " منبر الشرق" آية من آيات الصحافة، لم تتأخر عن الصدور يوما، ظهرت في موعدها من كل أسبوع ، وكان هذا معجزة من معجزات الغاياتي. فقد كانت ضائقته المالية منذ عاد إلى مصر مستحكمة متصلة لم تنفرج يوما. وكان يتوقع في كل أسبوع، بل كل يسوم من كل أسبوع أن تتوقف عن الصدور، وكان يعلن عن ذلك في أكثر الأعداد، ولكن رحمه الله لم تتخل عنه قط، فواصلت " منبر الشرق" حياتها حتى انتهت حياة صاحبها.
إذا تصفحت الجريدة راعك أنها لم تحو خطأ مطبعيا واحدا أو خطأ نحويا واحدا أو خطأ خلقيا واحدا، لم تسب أحدا، ولم تتهجم على أحد ثم لم تنحز إلى زعيم ولا إلى حزب).
وضع الغاياتي تحت اسم الجريدة هذين البيتين:
باسم الكنانة واسم شعب ناهض
- لا باسم أحزاب ولا زعماء
كل يزول وينقضي إلا الحمى
- فوديعة الآباء للأبناء
وفيما تدعو إليه الجريدة، كتب الشيخ على الغاياتي يقول:
" إننا ندعو إلى الحق والإيمان، ونحارب الباطل والإلحاد ، نؤيد الفضيلة ونناضل عن الدين وتقاليد الأمة الصالحة، ونقاوم البغي والعدوان، والاستبداد والاستعباد والاستعمار. ولن نضع هذا القلم حتى يسود العدل. وينجلي المحتل، وتعلو كلمة الله، في بلاد الله، وبين عباد الله، ديننا الإسلام، وإمامنا القرآن، وغايتنا الوحدة في العقيدة، والعبادة، والسياسة، فإن رمينا بالتأخر، ووسمنا بالرجعية قلنا حبا وكرامة، وكان جوابنا على المستهترين ما قاله الرسول الأمين ( صلى الله عليه وسلم) : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
للطغاة أن يسمحوا لأي وسيلة إعلامية أن تشير- ولو من بعيد- إلى كلمة حق عن الإخوان المسلمين وهم في محنتهم، ولكن المخلصين من أبناء الأمة يتحينون الفرص دائما لقول كلمة الحق مهما كانت عواقبها.
ولما قامت قوى الشر باغتيال مرشد جماعة الإخوان المسلين – الشيخ حسنالبنا- كان "منبر الشرق" من أوائل أرادوا أن يقولوا كلمة الحق- وحتى لا تمحى كلماته بواسطة سلطان الرقيب تخير دعاء مناسبا كتبه بالخط العريض في صدر العدد التالي لحادث الاغتيال وهو : " اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين".
وفي نفس العدد أعاد نشر تفاصيل حادث الاغتيال كما روته الصحافة يوم الحادث وعلق عليه بقوله:" فإنا لآسفون اشد الأسف على وقوع حوادث الاغتيال جميعها، لأنها لا ترضي العقلاء المخلصين، وكل ما نرجوه أن يكون هذا الحادث خاتمة المآسي الوطنية ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد الكريم بواسع الرحمة والرضوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون" في وقت كانت الرقابة لا تسمح لأحد بالترحم عليه.
ولما سقطت حكومة الطغيان، وبدا للصحافة الحرة أن تعبر عما يجيش في صدرها، كان " منبر الشرق" هو المنبر المنافح عن دعوة الإخوان، والصدر المفتوح لهم بما يكتبونه من دفاع ونشر لفكرتهم ودعوتهم.
فيكتب "على الغاياتي" مقاله لافتتاحي للسنة التاسعة والعشرين عن : " الشهيد الخالد" فيذكر بما سبق منذ عام من استشهاد الشيخ حسنالبنا ويضيف إلى ذلك قوله:" ولعلهم يدركون.. مقدار الجريمة التي ارتكبت ،ومقدار الخسارة التي أصابت مصر والعروبة والإسلام. فإن الفقيد كان نسيج وحده في دينه وإيمانه وقوة بيانه، وكان متحليا في جهاده الشاق الطويل بالحكمة والحزم، وبعد النظر، يحب النظام، ويكره الفوضى، ويدعو الله بقلب سليم، وعقيدة راسخة، ورأس مفكر، ولسان مبين".
وفي نفس العدد يكتب حافظ على شريف عن : " الإخوان المسلمون" فيقول: (الإخوان هم صدى الدعوة الأولى، يجلجل صوتها اليوم في العالمين، في عصر انصرف الناس فيه عن مقام ربهم، وقد غلبت فيه الشهوات وطغت الماديات، وفشت الخبائث والمنكرات فنبهوا القلوب الغافلة عن ذكر الله، وارشدوا النفوس الجامحة الموغلة في الضلال، ورفعوا عن الأعين الرمداء غشاوة الباطل، فأبصرت نور الحق المبين. والإخوان هم جند الوطن وحماة القرآن ودعاة الإسلام، رجال قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحياتهم هوان، ودنياهم خسران، إن لم يحكم كتاب الله فيصلح الراعي، وتصلح الرعية. والإخوان هم مناط الأمل، ومعقد الرجاء، وعدة في البلاء، وبقية من الأولين من ينتظرهم الإسلام اليوم ليقول كلمته، ويحق الحق ولو مكره المبطلون، وإن ربك على نصرهم لقدير.
ويظل يكتب عن الإخوان.. العنصر العامل، الإخوان العضو الحسا سفي الجسد الميت، الإخوان الأمناء الساهرون على بلادهم من كل معتد أثيم.. الخ، داخل عمودين كاملين من الصفحة الثانية.
وفي العدد التالي نشر " منبر الشرق" نص المذكرة المرفوعة من الإخوان إلى أعضاء مجلس النواب والشيوخ بمناسبة عرض مشروع قانون إلغاء الأحكام العرفية. وكان " منبر الشرق " ينشر الكلمات والمقالات والقصائد التي تطالب بإعادة جماعة الإخوان إلى وضعها القانوني. أو في رثاء قائد الجماعة.
وفي مجال التعريف بقادة الجماعة كان المقال الافتتاحي للشيخ على الغاياتي تحت عنوان " محنة وإيمان" عرف فيه بالأستاذ صالح عشماوي الذي كان يشغل منصب " وكيل الجماعة" وقتئذ.
وخلال هذه الفترة المبكرة، لم يكن للإخوان دار يتجمعون فيها بعد أن صودرت دورهم ومنشآتهم.. ولكن بيوت الله فيها متسع لهم.. وكان أحد هذه البيوت- جمع المنيرة- محطا لهم يتجمع فيه لصلاة الجمعة إخوان القاهرة.. وكان خطيب المسجد أحد الدعاة الإسلاميين المتميز بأسلوبه الشيق، فيتوافد الشباب المثقف من كل صوب وحدب لسماع هذا الداعية، وكان المسجد يمتلئ بالمصلين بالإضافة إلى من تمتلئ بهم الشوارع المحيطة بالمسجد.
ونجد " منبر الشرق" يعلن بصورة إعلامية عن هذا التجمع الأسبوعي فيكتب في معظم الصفحة الأولى تحت عنوان " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .." عن جامع المنيرة، وعن الشيخ أحمد الشرباصي خطيب الجمعة، وعن تجمع الشباب الإسلامي فيه مزودا المقال بصورة للمسجد وصورتين للتجمعات الإسلامية فيه قبل وبعد صلاة الجمعة. وكان ذلك بمثابة تجميع للإخوان للالتقاء الأسبوعي في ذلك المسجد.
ويظل على الغاياتي صاحب " منبر الشرق" يكتب مقاله الافتتاحي الأسبوعي مدافعا عن الإخوان فيقول تحت عنوان " عبث عجيب" بعد أن شرح بعض مظاهر التعسف ضد المصلين الذين يحملون أعدادا من " منبر الشرق" فيقول: " إنهم يؤاخذوننا على ما نكتب وننشر دفاعا عما نعتقد أنه حق وصدق وعدل، وهو دفاع مشروع بعبارات مشروعة، وإذا كانوا يرون في ناحية من نواحي (منبر الشرق) متنفسا لجماعة الإخوان المسلمين فهذا لا يقتضي غضبا ولا اعتداء ولا محاكمة، بل هو بالعكس في مصلحة الأمة عامة، ومصلحة الأمن والنظام بصفة خاصة، فإن التنفس يخفف بعض ما في الصدور، ولا يضر أحدا، ولكن الضرر كل الضرر هو بلا شك في الضغط والكبت وخنق الحرية".
وتحت عنوان (حزب الله) كتب الغاياتي في " افتتاحية منبر الشرق" يقول: إن الغرب يحاربنا منذ قرون لا لشئ إلا لأننا مسلمون، فلنحاربه أيضا لا لشئ إلا لأننا مسلمون، يأمرنا ديننا الحنيف بالإحسان والسلام، ويأمره قادته وساسته بالظلم والاستعمار وسفك الدماء. ولتكن حربنا لأعداء الدين والوطن- والمستعمرون الغربيون هم جميعا من أعداء الدين والوطن- حربا دفاعية لا بغي فيها ولا عدوان، فنحن لا نريد الاعتداء على أحد، وإنما نريد الدفاع عن حقوقنا والذود عن حمانا. كل هذا يدعونا إلى تقوية أنفسنا ماديا ومعنويا، ولا يكفي أن نكون مؤمنين فحسب، بل يجب أن يكون إيمانا مقترنا بالجهاد وباعثا عليه. والجهاد الحق يشمل كل ميدان، ويمتد إلى ناحية من نواحي الحياة، ويستدعي الطاعة والنظام، والعلم والتضحية، والإيثار والفداء. وهذا ما كان يرمي إليه- وفي يده سيف ومصحف- المرحوم الشيخ حسنالبنا، مرشد الإخوان ، وشهيد الإسلام، ولقد نجح في دعوته نجاحا منقطع النظير، وربى جيلا من أتباعه تربية إسلامية صادقة لا تجد لها مثيلا إلا في الصدر الأول من المسلمين. وإنه لمن سوء الحظ أن نفتقد اليوم هذا المرشد الصادق، والمؤمن الحق فلا نجده، ولكنه والحمد لله ترك فينا روحا قويا، وأثرا معنويا باقيا على الزمن، ومبشرا باجتياز المحن وبلوغ الغاية بسلام". وفي آخر مقاله يقول: " لندع الأحزاب تلهو وتلعب، وليكن حزبنا الوحيد هو حزب الله. ففي ذلك كل معاني الإيمان والوطنية، والعزم والجهاد. وفي إمكاننا إن سرنا على النهج القويم أن نجدد شباب الإسلام، ونبعث في كل أمة محمدية زعيما كالمرشد العام".
وتحت نفس العنوان " حزب الله " يكتب مرة أخرى يقول:" يطيب لنا أن نكرر الحديث عن حزب الله، وحزب الله يضم كل عبد مؤمن يعمل بإخلاص على رفع كلمة الحق ويحارب الباطل والمبلطين. ولقد كان الإخوان المسلمون- ولا يزالون- يؤلفون أغلبية هذا الحزب في هذا البلد. وقد جددوا شباب الإسلام بلا نزاع، وبنوا في الأمة روح العزة والكرامة والرشاد والاستقامة. ومن الأسف أن تقوم حكومة وطنية مسلمة فتناصبه العداء، وتحاول القضاء عليهم وعلى مؤسساتهم النافعة، استجابة لرغبة عدو مستعمر أو صديق ظالم. ولا جدال في أن كل محاولة يراد بها إطفاء نور الله مصيرها على الخيبة والفشل. فلقد صدر الأمر بحل هذه الجماعة المؤمنة المجاهدة الصابرة، ولكنها بقيت ملء السمع والبصر رغم عهد الإرهاب، والبلاء والعذاب، وستعود قريبا غريبة كالإسلام في بلاده ولكنها ستنتصر حتما كما سينتصر الإسلام حتما" ويستطرد قائلا:" إن فكرة الإخوان هي فكرة القرآن، وكما حفظ الله قرآنه فسيحفظ بفضله إخوانه". وينهي مقاله بقوله:" ألا فلنعلم أن الله ناصر الذين آمنوا، وإن حزب الله هم الغالبون.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".
وتحت عنوان " مصحف وسيف" كتب الغاياتي في مقال افتتاحي يقول:" مما لا شك فيه أن محنة الإخوان المسلمين لم تزدهم إلا ثباتا وإيمانا، وأن نشاطهم لم يهن ولم يقل، إنه بالعكس أخذ يتضاعف من يوم إلى يوم، والله أكبر ولله الحمد. ذلك أن دعوتهم هي دعوة الإسلام، والإسلام مهما تنكر له بنوه، وحاربه أعداؤه، لابد في النهاية أن يتغلب وأن ينتصر، والله متم نوره، ولو كره الكافرون. وهذه المحنة التي جنى بها الحاكمون على دينهم ووطنهم وأنفسهم، كانت متوقعة ما دام عدو البلاد يعيش في البلاد، أي ما دام الاحتلال الأجنبي باقيا في مصر. فالإنجليز هم ألد أعداء الإسلام، ولا يمكن أن يريدوا به خيرا، أو له مجدا ونصرا، فمن الطبيعي أن يحاربوا الإخوان سرا وجهرا، وأن يوحوا إلى صنائعهم من الحكام بمحاربتهم ومحاولة القضاء عليهم. وهذا ما حدث وما انتهى بأمل الحل المشئوم الصادر في 8 ديسمبر سنة 1948م . ولكن يشاء الله أن يكون النصر الأخير للإسلام وأنصار الإسلام " ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز". لهذا لم تمت الدعوة الطاهرة بل نمت واشتدت وامتدت، وأخذ الناس يقبلون من جديد عليها، وينضمون إليها لا يخافون تهديدا ولا وعيدا، ولا يخشون أحدا إلا الله" وبعد أن علق على حديث أدلى به وكيل جماعة الإخوان بأن " الإسلام يتناول أوجه الحياة المختلفة بما في ذلك السياسة الاجتماعية والاقتصادية ونظم الحكم" يختم مقاله بقوله" وإنا لنؤمن إيمانا قويا بأن الحكم الوطني الصحيح والبناء القومي المتين لا يقومان إلا على أساس الدين الحنيف. وكل محاولة لا ترتكز على هذا الأساس فاشلة باطلة مهما طبل لها المطبلون وزمر المزمرون ومهما كان لها من أنصار وأعوان هنا وهناك. أجل لا استقرار ولا حرية ولا سيادة إلا بالمصحف والسيف معا، أي بالعلم والدين، والجهاد والنضال. وهذا ما يعمل به الإخوان المسلمون، ويقومون به خير قيام. أعانهم الله ووفقهم".
وعندما سقط الأمر العسكري الخاص بحل الإخوان المسلمين كتب على الغاياتي تحت عنوان " عودة النور" يقول: " إن عودة الإخوان المسلمين إلى نشاطهم بعد محنتهم القاسية كعودة النور بعد الظلام، والعدل بعد الظلم، والحياة بعد الموت. نعم، إن نور الإيمان لم ينطفئ من القلوب، والعدل الإلهي لم يرفع من الأرض، والحياة الروحية لم تهن ولم تضعف بين المعذبين من الإخوان هنا وهناك، ولكن هذه العودة بعد طول الغيبة، ستجعل من نشاط الإخوان، أمام العيان، عاملا قويا في الهداية والإرشاد، والخير والإصلاح فلقد شعرت الأمة منذ حل ا لجماعة، واغتيال المرشد، بمقدار الهوة التي فتحت أمامها، ومقدار الانهيار الذي أصابها في الدين والوطن والأخلاق.
وهكذا نجد على الغاياتي في افتتاحيته مدافعا ومناصرا لدعوة الإخوان المسلمين ويشهد بذلك الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق الذي يقول: " (منبر الشرق) جريدة شرقية إسلامية ذات طابع خاص في اعتدالها وسلامة قصدها وغيرتها، وفي حرصها على تكتل الدول الإسلامية ووحدة اتجاها، وفي النقد اللاذع لمن يسلك غير سبيل المؤمنين في القضايا الوطنية الكبرى، ولها عناية خاصة بشئون (الإخوان المسلمين) والدعوة الحارة إلى الانضواء تحت لوائهم. وقد كانت هي اللسان الناطق والقلم الجرئ المدافع إبان محنتهم، ويوم أن كانت صحفهم معطلة وما كانت تعتبر ذلك إلا واجبا دينيا وطنيا.
ويكتب له الأستاذحسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين فيقول: " وأذكر لك بخير مواقفك من الإخوان المسلمين في الأيام التي سلفت ، فقد أفسحت لهم في صدر جريدتك ولا تزال تفسح فالتقت فيها مشاعرهم، ونفسوا عن كربهم، حتى أصبحت بحق منبرا من منابر الدعوة، فجزاكم الله عنا وعن الإسلام خيرا، ونفع بكم وبارك جهادكم وجعل من "منبر الشرق" دائما لسانا مبينا لدعوة الحق، وهيأ له من أسباب الذيوع ما هو خليق به.
ولم يكن مجال الدفاع عن دعوة الإخوان المسلمين على صفحات " منبر الشرق" قاصرا على مقالات صاحبها بل حوت هذه الصفحات مقالات وتعليقات كثير من الإخوان وأخبار الجماعة قبل إلغاء قرار حلها وبعده. كذلك كانت تنشر بعض كتابات الشيخ حسنالبنا بالإضافة إلى بقية أبوابها وأخبارها.
وقد كان للموقف الإسلامي النبيل الذي وقفه " منبر الشرق" من دعوة الإخوان المسلمين أثر كبير في نهضتها وذيوع انتشارها، فيقول على الغاياتي: " ونهضة (المنبر) الحاضرة هي التي حيرت الخصوم. وأوقعتهم فيما يتوهمون. وهم لا يدرون ما يقولون، فقد أراد الله لهذه الصحيفة الحرة المؤمنة، بعد جهاد شاق طويل في اغرب والشرق، أن تنتهي نهضتها الحاضرة في مستهل عامها التاسع والعشرين بفضل موقفها الحق الجرئ من الإسلام والإخوان المسلمين... وإن أملنا في الله لعظيم، وقد نبيت ونصبح فنرى (منبر الشرق) أوسع الصحف انتشارا في مصر والعالم الإسلامي، بل قد يتحول إلى جريدة يومية كبيرة، كما يتمني – ويتمنى – بعض الأصدقاء.
وهكذا كان " منبر الشرق" صوت الدعوة الإسلامية المنافحة عن الإخوان المسلمين وظل فترة من الوقت وحيدا في هذا المجال إلى أن شاركه منابر أخرى فيما سنتحدث عنه فيما بعد .
ولم يكن ذلك غريبا على " منبر الشرق" فقد عرض على الغاياتي على الأستاذ البنا " أن يصدر جريدة ( منبر الشرق) عن دار الإخوان المسلمين كما تصدر صحف أخرى عن دور زميلاتها في السلوك والسياسة فرحب بهذا الاقتراح ووعد بتنفيذه متى تم الاستعداد لذلك. وحدث في عام ( 1368هـ- 1948م) من حل الإخوان ووقف نشاطهم وتعطيل صحفهم، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يبقى ( منبر الشرق) مستقلا ليرفع الراية عند سنوح الفرصة ويدافع عن الإخوان بعد أن سكتت الأقلام.
2-مجلة " المسلمون"
على غرار " الشهاب"، وامتداد لها، أصدر الأستاذ سعيد رمضان مجلة " المسلمون" وهي مجلة شهرية كانت تصدر في أول كل شهر عربي في مائة وأربع صفحات من القطع الكبير ( 24 في 17 سم).
صدر العدد الأول منها في غرة ربيع الأول سنة 1371هـ (الموافق 30 نوفمبر 1951م) وظلت تصدر بالقاهرة لمدة ثلاث سنوات، فدر منها ثلاثون عددا كان آخرها الذي صدر في ذي الحجة 1373هـ ( أغسطس 1954م) حيث توقفت عندما تعرض الإخوان وصحافتهم للمحنة الثانية ( 1374هـ - 1954م).
وتمكن صاحب " المسلمون" من إصدارها في دمشق بعد هجرته من مصر وظلت تصدر بها حتى تغيرت الظروف مرة أخرى لتهاجر الثانية على بلاد الغرب لتصدر من سويسرا.
استفتح الأستاذ سعيد رمضان العدد الأول من مجلة " المسلمون" بالقاهرة بما جاء في مقدمة "الشهاب" للشيخ حسنالبنا ثم قال:
و " المسلمون" ليست إلا قبسا من أقباس هذا " الشهاب" تقفو أثره، وتعيد في الناس سيرته في خدمة دعوة القرآن وتجلية فضائل الإسلام، ومصدرها ليس إلا تلميذا من تلامذة " حسنالبنا" الكثيرين، وقد نعم رضي الله عنه وأرضاه بالشهادة بعد أن أدى الرسالة وأرسى الأساس ورسم قواعد البناء، وترك ذلك كله وديعة مباركة في يد الله الذي أكرمه فجعله الداعي إليه على بصيرة، وبارك سعيه فجعله مشرق النور والأمل في العالم الإسلامي جميعه، ثم اختار له حين حضره الأجل المحتوم- وأجل الله إذا جاء لا يؤخر – أكرم موتة في سبيل الحق، فمضى إلى ربه شهيدا عزيزا، يشهد له دمه الحر الذكي المراق في سبيل الله، تركه كذلك في حراسة جيل جديد صالح درج في حجره واتسم بسمته وعاهده عهد الصدق أن يعيش للإسلام" .. فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا".
وبعد أن أفاض في سبب تسمية المجلة بهذا الاسم ختم مقاله بقوله: " فنحن إذ نتقدم اليوم بمجلة " المسلمون" لتأخذ بإذن الله مكانها في المركب نستمد من الله العون والتأييد، ونترسم الخطى المباركة المسددة للإمام الشهيد، ونجد في نبل المقصد وكمال الغاية ما يهون الصعب ويزكي الهمة ويذهب وحشة الطريق " ومن أحسن قوى ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين".
وتحت عنوان ( المسلمون .. شهاب) كتب الأستاذ عمر التلمساني يقول: ( وأومن بأنه لا يخامر أخا مسلما ريب في أن " المسلمون" صورة صادقة من " الشهاب" الحبيب، الذي نعمنا جميعا، ردحا من الزمان – بفيض توجيهاته، وغزارة مادته، وسمو فيوضاته. ولئن شاءت إرادة الله أن تحجب عنا إشراقة " الشهاب" في أوج لمعانه، فلقد كان من فضله ومنه كذلك أن يردف " الشهاب" المحجوب بـ " المسلمون" البازغة في أفق الحياة الإسلامية، بزوغا ما أشد حاجتنا وحنينا إليه).
وقد شارك في تحرير مجلة " المسلمون" كثير من الكتاب الإسلاميين من مختلف الأقطار الإسلامية. وتميزت كتاباتهم في جوانب الفكر الإسلامي المتعددة بطابع البحث العلمي المبسط في غير تعقيد، هذا بالإضافة إلى الأبواب الإخبارية والتعريفية كما سيأتي ذكره.
وبمراجعة أعداد السنة الأولى كنموذج للسنوات الثلاث التي صدرت فيها "المسلمون" في مصر نجد أن بحوثها ومقالاتها وأبوابها المختلفة شملت الأبواب الآتية:
1-القرآن وعلومه:
حيث قدم الكتاب الإسلاميون خير ما لديهم للكتابة عن القرآن وما يتصل به من علوم وشرح كان أهمها التفسير الذي بدأه سيد قطب على صفحات " المسلمون"
2-السنة وعلومها:
حيث شارك الدكتور مصطفى السباعي – مراقب عام الإخوان المسلمين في سوريا- والشيخ أحمد عبد الرحمن البنا- والد الشهيد حسنالبنا- في كتابة هذا الجانب من المجلة.
3-الفقه:
4-الدراسات القانونية
5-الدراسات الاقتصادية
6-الدراسات التربوية
7-الدراسات الإسلامية
8-الاهتمام بالأقطار الإسلامية
وكان للشعر الإسلامي نصيب من صفحات مجلة " المسلمون" حيث نشرت قصائد للشعراء الإسلاميين في تلك الفترة.
وعلى نمط ما صدر من " المسلمون" في سنتها الأولى، صدرت أعداد السنتين الثانية والثالثة. وابتداء من العدد الأول من السنة الثالثة أضافت " المسلمون" بابا في نهاية كل عدد باللغة الإنجليزية ذكرت في تقديمه: " أن تكون هذه الصفحات القليلة محاولة لتهيئة أسباب إصدار ( المسلمون) باللغة الإنجليزية وبغيرها أن تيسر ذلك".
ولما كانت " المسلمون" خاصة بالمشتركين، فقد كانت كمدرسة واضحة المعالم والحدود، تعرف تلامذتها مشاربهم وثقافاتهم، وترقب مثابرتهم وتأثرهم بما يقرؤون، وتتسع دائرتهم بذلك اتساعا طبيعيا لا يتأثر إلا بروح المجلة، وفكرتها عن طريق أسرة قراءها المنبثة في كل قطر. وقد اختير لهذه المدرسة صفوة الأساتذة من علماء الأقطار الإسلامية المختلفة.
ولكن قوى الشر لم تمكن لمجلة المسلمون أن تستمر في أداء رسالتها في مصر، فرأى صاحبها أن يهاجر إلى حيث يستطيع الاستمرار في أداء الرسالة وتبليغ الأمانة.. سواء أكان ذلك في دمشق.. أو كان في جنيف.. كما سبق أن ذكرنا.
1-مجلة المباحث
2-مجلة الدعوة.
3-مجلة الإخوان المسلمون
1-مجلة المباحث
لم يكن لجماعة الإخوان المسلمين صحافة تنطق باسمهم بعد أن أغلقت السلطة صحافتهم. وعندما تحسنت الأحوال بعد سقوط الحكومة التي اضطهدت الإخوان قيض الله للإخوان جريدة " منبر الشرق" كما سبق أن أوضحنا.
وتمكن الأستاذ صالح عشماوي ( وكان يشغل منصب وكيل الجماعة) وسعد الدين الوليلي ( السكرتير العام للجماعة) من استئجار مجلة مغمورة كانت تصدر بتسم " المباحث القضائية" من صاحب امتيازها الأستاذ حسنى الحسيني، على أن يتولى الأستاذ صالح عشماوي إصدارها والإشراف عليها لتكون لسان حال جماعة الإخوان المسلمين في وضعهم وقتئذ.
صدر العدد الأول من مجلة " المباحث" في ثوبه الجديد بتاريخ 13 شعبان سنة 1369هـ الموافق 30 مايو 1950م. ثم توالى بعد ذلك إصدارها يوم الثلاثاء من كل أسبوع. وصدر العدد الأخير منها- في طابعها الإسلامي- بتاريخ 15 ربيع لثاني سنة 1370هـ الموافق 23 يناير 1951م، بعد أن تمكن الأستاذ صالح عشماوي من إصدار مجلة أسبوعية جديدة باسم مجلة " الدعوة" .
كان اسم المجلة يتصدر أعلى الصفحة الأولى منها بالخط العريض الأحمر "المباحث" ويكتب بجانبه بخط صغير بقية اسمها الرسمي" القضائية" وأضيف إليها كلمات تدل على هويتها: " إسلامية – عربية- اجتماعية- ثقافية" وكانت تصدر في حجم نصف الصحف اليومية تقريبا، طولها 40 سم وعرضها 28 سم في ست عشرة صفحة، وقد ضمت كل صفحة خمسة أعمدة.
اعتادت المجلة أن يتصد الصفحة الأولى المقال الرئيسي تحت عنوان: حديث الثلاثاء" بتوقيع " صالح عشماوي" على ثلاثة أعمدة، وعلى العمودين الآخرين " آية الأسبوع" التي تناوب الكتابة عنه " محمد الغزالي" ، و" السيد سابق" أو كانت بتوقيع " أبو حامد" أو " الإمام" وفي بعض الأحيان بدون توقيع.
وفي العدد الأول قدم "صالح عشماوي" للمجلة بكلمة تحت عنوان:" لقاء" جاء فيها:" لقد حيل بين هذا القلم وبين قرائه زمنا، وإن كان في حساب الناس شهورا، فهو في تقدير العاملين دهور. ولئن ظن الحاقدون أننا لن نلتقي، وفرقوا بيننا ما وسعهم، فحسبهم اليوم، وقد خاب أملهم، أن يموتوا بغيظهم بعد أن رد الله كيدهم في نحورهم. ها نحن أولاء نلتقي من جديد، ومن عجب أن نلتقي على ( حديث الثلاثاء) فياله من لقاء له روعته وله أيضا لوعته، وكم كنت أود أن أصافح قرائي فردا فردا، بل كم تمنيت لو استطعت أن أعانقهم واحدا واحدا، ولكن .. هذه يد القلب تصافح .. بل تضم وتعانق".
ومن العدد الرابع، ومن خلال أربع عشرة مرة متفرقة، شارك في تحرير الصفحة الأولى تحت عنوان:" كلمة اليوم" في جزء من عمود أو عمود كامل أحد المحررين رمز إلى اسمه بالرمز (م. ع).
والمقال الرئيسي الذي كان يكتبه " صالح عشماوي" تحت عنوان " حديث الثلاثاء" كان يتناول فيه بعض القضايا أو المواقف بالتعليق عليها أو التحليل لها.
ففي العدد الثاني وتحت عنوان " قيصر وما لقيصر.. الله الواحد القهار". كتب تعليقا على تقريظ أحد أعضاء مجلس الشيوخ ( محمد خطاب) للكتاب الذي أصدره ( خالد محمد خالد) ومهاجمة ( خطاب) للعلماء، وأن يدعوا ( ما لقيصر لقيصر وما لله لله) بأن ليس في الإسلام ما استشهد به (خطاب) بل أن الذي يدعو إليه الإسلام صراحة وفي وضوح وجلاء ( أن قيصر وما لقيصر كلاهما لله الواحد القهار).
وفي العدد الخامس وتحت عنوان " عودوا إلى الإسلام في عزة المؤمنين كتب معلقا على المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الشئون الاجتماعية وقتئذ، وتحدث فيه (الوزير) عن مشروع الضمان الاجتماعي.. وأنه وجد في صدر الإسلام.. حيث فرضت رعاية الفقير والعاجز واليتيم عن طريق الزكاة.. فأوضح في مقاله بعض الجوانب الإسلامية لهذا الموضوع ، وخلص في نهايته بنداء: " أيها الوزراء والحكام، عودوا إلى الإسلام في عزة المؤمنين، وانهلوا من معينه واستمدوا تشريعاتكم ومشروعاتكم من مبادئه وتعاليمه، وانشروا على الملأ هذا التراث المجيد، وفاخروا به الدنيا وأهلها فإنه وحي السماء، وتشريع الحكيم الخبير، صنع الله الذي أحسن كل شيء صنعا".
وكما أشاد بما صدر عن وزير الشئون الاجتماعية في المقال السابق، فقد هاجم رئيس مجلس الوزراء وقتئذ (مصطفى النحاس) في العدد السادس تحت عنوان " فلنتجه إلى الكتلة الإسلامية أولا" وذلك بناء على تصريح رئيس مجلس الوزراء الذي يؤيد فيه " التكتل الأفريقي" . وذكر في مقاله: " إننا نفهم إذا أرادت مصر أن توسع دائرة التكتل الإقليمي أن تتجه أولا نحو الكتلة الإسلامية فتعمل على تحويل الجامعة العربية إلى جامعة الدول الإسلامية. وسيجد رفعة رئيس الوزراء أن الطريق إلى هذا التكتل الإسلامي ممهد، واضح المعالم، ظاهر الحدود، إن الروابط الطبيعية التي تربط بين الدول الإسلامية ما يجعلها أمة واحدة.
وفي بعض الأعداد كانت الصفحة الأولى تخصص كلها لمقال " صالح عشماوي" أو لغيره ففي العدد(20) شملت الصفحة الأولى خطاب " صالح عشماوي" في حفل الهجرة الذي أقامه الإخوان المسلمون بهذه المناسبة، واستمر الحفل أكثر من خمس ساعات استمع فيه الحاضرون إلى الخطباء والشعراء، وكان مما ذكره وكتب بالخط الكبير كعنوان للخطاب:" يجب أن نعد أنفسنا للعمل ونوطنها على الكفاح، وأن نطرح الخنوع والتواكل ونشق طريقنا بأيدينا وأن نقولها صراحة لمن يريدون أن يغتصبوا حقوقنا: نحن لا زلنا أقوياء أعزاء..
وفي نهاية الخطاب قال:" ها نحن نودع عاما ونستقبل آخر، وما زلنا نصبر ونصابر وننتظر ونرابط، عسى الله أن يجعل لكم من بعد الهجرة بدرا، ومن بعد بدر فتحا " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين" " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور".
وفي العدد(22) وتحت عنوان : " الإخوان المسلمون" كتب صالح عشماوي مقالته التي يدافع فيها عن عودة الإخوان المسلمين إلى نشاطها الرسمي جاء فيها: ذلك أن الإخوان المسلمين ليست حزبا من الأحزاب، ولا جمعية كسائر الجمعيات جمعتها الأغراض والمنافع والأهواء، وتفرقها المغارم والبذل والتضحيات، ولم تتكون (الإخوان المسلمون ) بأمر حتى تحل بأمر، ولا هي من بناء رجل حتى يهدمه آخر، ولكنها عقيدة ودعوة تتصل بنسبها إلى السماء، متغلغلة في أعماق النفوس، راسخة في السويداء من القلوب، صنعها الله على عينه، وألف بين قلوب دعاتها وحماتها، وما جمعه وربطه الملك الديان، سبحانه، لا تفرقه ولا تحله يد أي إنسان.. " وقد استوعب المقال الصفحة الأولى كلها وجزءا من الصفحتين الثامنة والتاسعة".
وفي العدد (26) وتحت عنوان " من هنا نعلم" كتب صالح عشماوي مقالا استوعب الصفحة الأولى ومعظم الصفحة السادسة عشر علق فيه على كتاب " من هنا نبدأ" لخالد محمد خالد وموقف الأزهر وثورته على الكتاب واستنكاره لما جاء فيه: " إننا نريد من الأزهر الشريف ومن علمائه أن يكونوا منطقيين مع أنفسهم، مخلصين لدينهم، فإذا هاجوا على (عالم) تجنى على الإسلام في كتاب، فيجب أن يثوروا على كل (حاكم) في أمة يفصل بين الدين والدولة ، ويباعد بين الإسلام والحكم، ويحكم بغير ما أنزل الله.." وعن الكتاب المشار إليه قال:" حسبه أن يحتضنه المبشرون وأن يتبناه المستعمرون وأن يباركه ويروج له المتزعمون من رجال الأحزاب وعباد القومية.
ولقد ظن هؤلاء جميعا أنهم وجدوا في (الشيخ خالد) سابقا صيدا ثمينا، فهو عالم من علماء الأزهر، ورجل من رجال الدين على حد تعبيرهم، فقوله الفصل ورأيه محترم، وهو من قبيل (شهد شاهد من أهلها) ولكن خاب فألهم وطاش سهمهم، وينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون فليس في الإسلام رجال دين ورجال دنيا، وليس العلماء حجة على الإسلام، بل لله الحجة البالغة على الناس جميعا، معممين ومطر بشين وليست هذه أول مرة يخرج فيها أزهري عن تعاليم الإسلام ومبادئ الدين فقد سبقه الشيخ على عبد الرازق وعبد المتعال الصعيدي إلى آخر هذه الآحاد، فهل خر الإسلام صريعا أمام ضربات هؤلاء الصبية، وإن كانت لهم أجسام الرجال وألقاب (الشيوخ) ؟ إن مثلهم من الإسلام:
كناطح صخرة يوما ليوهنها .. فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل"
وفي بعض الأعداد خصص المقال الرئيسي بالصفحة الأولى لغير مقال صالح عشماوي " حديث الثلاثاء" ففي العدد (21) تصدر الصفحة الأولى من المجلة " بيان ونداء للشعب العربي الفلسطيني في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة لسماحة مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني" . وفي العدد (23) كان المقال الرئيسي في الصفحة الأولى عن " مؤتمر فلسطين في الاسكندرية" وذلك بمناسبة ذكرى وعد بلفور حيث نشرت قرارات المؤتمر. وفي العدد (24) نشر بالصفحة الأولى وصف لهذا المؤتمر والكلمات التي ألقيت به.
وفي العدد (33) خصصت الصفحة الأولى كلها لـ " آخر رسالة للإمام الشهيد إلى الإخوان المسلمين".
ضمت صفحات مجلة " المباحث" عددا من الأبواب بالإضافة على المقال الافتتاحي. فكان هناك مقال رئيسي في معظم الأعداد تحت عنوان رئيسي " من حبات قلوبنا" وبتوقيع" الإمام" والمقصود به الشيخ حسنالبنا- رحمه الله- حيث كانت تختار بعض المقالات التي سبق للشيخ حسنالبنا كتابتها في صحافة الجماعة من قبل.
الذين حفلت صفحات مجلة "المباحث" بمقالاتهم الكاتب الإسلامي الكبير صاحب "الفتح" السيد محمد الدين الخطيب حيث واصل جهاده من خلال "المباحث " بعد أن توقف " الفتح" كما سبق أن أشرنا.
كذلك ساهم كثير من الكتاب الإسلاميين بأقلامهم في " المباحث" بالإضافة على كثير من المقالات والموضوعات المختلفة التي كانت بدون توقيع أو برموز خاصة.
وضمت أبواب مجلة" المباحث" بابا تحت عنوان من الثلاثاء إلى الثلاثاء يحرره أمين إسماعيل، حيث كان يكتب بعض التعليقات والتحليلات للأحداث الجارية خلال الأسبوع وقد أراد أن يعرف بهوية المجلة في أوائل صدورها فكتب يقول تحت عنوان " من نحن" : " نحن يا سيدي بعض نفر عملوا في الصحافة- صحافة الإخوان المسلمين وغيرها- حالت بيننا وبين عملنا ظروف شاذة، ولما أحببنا أن نعود للصحافة بعد زوال الشذوذ، وجدنا أنفسنا غرباء عليها، وأقيمت في سبيلنا بعض سدود مصطنعة، فنأينا بأنفسنا عن هذا الجو حتى لا نحرج الناس ولا نحرج أنفسنا، وانزوينا في مكان سحيق شهورا طوالا، وجاءت نقابة الصحفيين تسألنا عن العمل الذي نزاول أو تنفي عن بعضنا صفته النقابية ويحال بين البعض وبين القيد في الجدول.. وأمام هذه الأسباب جميعا لم يكن بد من العمل الذي هيأنا له أنفسنا ودربنا عليه بضع سنين، واستطاع أحدنا – بعد لأي- أن يصدر هذه المجلة، فدعانا لمشاركته لسابقة عملنا مرؤوسين في إحدى الجرائد وبعض المجلات، ونحن نعتقد أن الشرق الإسلامي ومصر له الأخص خلو من مجلة تستهدف نشر الثقافة الإسلامية، وتجلى للناس محاسن الإسلام، ونحن نحاول أن نسد هذه الثغرة سائلين الله أن يخلق من ضعفنا قوة ومن عجزنا قدرة".
كما كانت المجلة تقدم مقتطفات من كلمات بعض الكتاب من غير الإخوان المسلمين، والتي تنشر في الصحف والمجلات الأخرى تحت عنوان " هؤلاء قالوا" لتضع مختلف وجهات النظر تحت أنظار قرائها.
ظلت مجلة "المباحث" تصدر في ظل عدم إلغاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين. ولهذا فقد كان مقر المجلة بمثابة مركز للقاء الإخوان فكانت تعقد به أحفالهم ولقاؤهم الأسبوعي " حديث الثلاثاء".
وابتداء من العدد( 25) بدأت "المباحث" تعلن ع قرب صدور مجلة أخرى.. هي مجلة "الدعوة" وحمل آخر عدد منها الكلمة التالية تحت عنوان : " وداع جاء فيها: " في يوم الثلاثاء 13 من شعبان سنة 1369هـ الموافق 30 مايو سنة 1950م صدرت هذه المجلة ( المباحث) خائفة تترقب، تخشى أن تتخطفها أيدي البوليس لا أيدي القراء وكيف لا وقد أصدرناها في ذيول عهد الظلم والظلام، وأعقاب حكم الإرهاب والعدوان، وما زالت القيود والأغلال في أعناقنا وأفواهنا، وفي أيدينا وأقلامنا؟
ولم يكن صدور هذه الصحيفة في هذا الجو الملبد بالأمر الهين اليسير، بل لقد بحثنا وبحثنا كثيرا حتى أدركتنا (المباحث) أو أدركنا (المباحث) فكانت صحيفتنا التي نزاول عن طريقها مهمتنا كصحفيين، ووسيلتنا إلى تأدية رسالتنا (كمؤمنين) ندين بالإسلام ونهتف بالقرآن.. والآن ونحن نودع (المباحث) بعد أن أدت مهمتها، لنستقبل (الدعوة) في عهدها الجديد وثوبها القشيب، لا يسعني إلا أن أشكر إخواني جميعا الذين غمروني بفضلهم وآزروني بتشجيعهم.. وأخيرا أرى من الواجب أن أتقدم.. بالشكر.. للزميل الفاضل.. صاحب المباحث، جزاه الله عنا أحسن الجزاء..".
وهكذا طويت صفحة من صفحات الجهاد بالكلمة في ظروف أقل ما يقال عنها إنها ظروف استثنائية. فلا زال قرار حل الجماعة قائما، ولا زالت ممتلكات ومنشآت جماعة الإخوان تحت يد سلطة الحكومة، ولا زال نشاطهم القانوني محظورا بسلطة القانون بالرغم من التغاضي عن بعض مظاهره.
2-مجلة الدعوة:
في ظل نشاط غير رسمي سمحت به الحكومة القائمة في مصر عام 1370هـ (1950م) ( حيث لم يكن الأمر العسكري الخاص بحل جماعة الإخوان المسلمين قد سقط بعد) ، تقدم الإخوان المسلمون يطلبون تصريحا لإصدار جريدة أو مجلة اختاروا لها اسم "الغرباء" فاعترض وزير الداخلية على ذلك.
واستطاع الأستاذ صالح عشماوي أن يحصل على امتياز مجلة أسبوعية جامعة باسم "الدعوة" وسبق صدورها الإعلان عنها بمجلة "المباحث" التي كان يستأجرها الأستاذ صالح. وأعلن في آخر عدد من الإصدار عن وداعها لإصدار مجلة "الدعوة".
وصدر العدد الأول من مجلة "الدعوة" يوم الثلاثاء 22 ربيع الثاني 1370هـ الموافق 30 يناير 1951م. وتصدر الصفحة الأولى المقال الافتتاحي، وكان بقلم الأستاذ أمين إسماعيل – مدير التحرير- بعنوان "السفير الإنجليزي يأمر والنقراشي يطيع والإخوان تحل" . والمقال يدور حول الوثيقة الدالة على طلب سفراء بريطانيا وأمريكاوفرنسا من النقراشي حل جماعة الإخوان واستجابته لطلبهم.
وفي غالب الأحيان كان المقال الافتتاحي بقلم رئيس التحرير الأستاذ صالح عشماوي، وكان يتناول أحداث الساعة معلقا عليها وعارضا وجهة النظر الإسلامية أو مدافعا عن الجماعة أو منددا بالاستعمار أو ناقدا للحكومة في مواقفها الضعيفة.
ففي مقاله الافتتاحي للعدد الثامن كتب تحت عنوان "الاستعمار هو العدو الأول للعرب والمسلمين" فقال: " منذ انحرف العرب والمسلمون عن دينهم وهجروا تعاليم القرآن ومبادئ الإسلام، وقد هانوا على أنفسهم وعلى الناس، وذلوا لأمم الغرب ودول أوربا، وسلط الله عليهم أعداءهم فاحتلوا بلادهم واستغلوا خيراتهم وامتصوا دماءهم، وفرقوا وحدتهم، وما تركوا شبرا من الأرض من هذا الوطن إلا دنسوه واستغلوه، وما تركوا جزءا من هذا الجسد إلا طعنوه واستنزفوه فالاستعمار هو رأس البلاء ومصدر الشقاء، للعرب والمسلمين جميعا، ولن تقوم للعرب قائمة، ولن يعود للإسلام مجده إلا إذا تحررت الشعوب العربية والإسلامية من ربقة الاستعمار، وتخلصت من قيود الاحتلال والاستعباد" . وبعد أن أفاض في وصف ما يفعله الاستعمار في مختلف الأقطار الإسلامية قال في نهاية مقاله:" وإن الذي حل الإخوان المسلمين هم الانجليز وليس النقراشي.. والذين يعارضون اليوم (عودة الإخوان) هم الانجليز وال[[أمريكا]]ن وليس النحاس، وفؤاد سراج الدين.. إننا نظلم هؤلاء جميعا إذا حملناهم هذه المسئولية، فما من واحد منهم إلا ويتمنى الخير لبلده، ويرجو الاستقلال لوطنه.. فعلى العرب والمسلمين أن يعرفوا عدوهم الحقيقي وخصمهم الأصيل، ولا تخدعهم الوجوه المصرية والعربية التي تقف أمامهم، ولا تضللهم الأيدي الوطنية التي تمتد إليهم عن وجوه المستعمرين وأيدي الغاصبين. فإذا أرادوا أن يحرروا بلادهم، ويستردوا مجدهم، فليقاوموا الاستعمار، وحسبهم أن يفضحوا صنائعه وأذنابه، وعندئذ سنكسب كل شيء ، ولن نخسر شيئا مهما بذلنا من أموال ، وقدمنا من أرواح وشهداء".
وهكذا كانت مقالات الأستاذ صالح عشماوي قوية في الحق لا تخشى في الله لومة لائم. ولقد لمح في مقاله إلى موضوع هام شغل الإخوان في ذلك الوقت.. ألا وهو عودتهم إلى نشاطهم الرسمي بعد أن زال حكم الإرهاب الذي قامت به لحكومة التي أصدرت قرار حل الجماعة. ولم تف حكومة الوفد بإلغاء الأمر العسكري الخاص بذلك. ويكتب الأستاذ صالح عشماوي في افتتاحية العدد الحادي عشر تحت عنوان: " هل تعلن الحكومة الحرب على الإخوان المسلمين؟"فيذكر كيف عاد الوفد إلى الحكم على أكتاف الإخوان المسلمين وكان الوفاء يقتضي أن تعيد حكومة الوفد للإخوان كيانهم الرسمي، وترد لهم حقوقهم المسلوبة وأموالهم المغصوبة.. " ولكن حكومة الشعب بدلا من أن تدع الأمر العسكري الظالم بحل الإخوان يسقط بانتهاء الأحكام العرفية، قد ألغت هذه الأحكام بالنسبة لجميع المصريين واستبقتها فقط بالنسبة للإخوان المسلمين" .. وذكر كيف تنكر وزير الداخلية لكل وعوده وعهوده وكيف وقف في المجلس النيابي وقتئذ يدافع عن ذلك الموقف بحجة أن الأمر سيسقط بعد تقديم قانون للجمعيات ستتقدم به الحكومة، وكيف عرضت عليهم الحكومة تغيير اسمهم. واستطرد قائلا:" لست أدري إذا لماذا تتحدى الحكومة الإخوان، وهي في نضال مع الإنجليز لاستخلاص حقوقنا الوطنية، وفي حرب مع الغلاء الفاحش ووسط أكداس من المشكلات الداخلية؟ لماذا تفتح الحكومة على نفسها جبهة أخرى، وتبدأ بالعدوان على أقوى عناصر الأمة حياة وإحساسا ووعيا ووطنية، في وقت هي في أشد الحاجة على التأييد الشعبي وتكاتف الأمة وتكتلها وتوحيد الجهود وتضافرها؟" .
ومرة أخرى يكتب :" أيام حاسمة في تاريخ دعوتنا. فاستعدوا يا جنود" فيقول: "منذ ظهرت بدعة قانون الجمعيات وعلقت عودة الإخوان المسلمين على صدور هذه البدعة ونحن نكتب ونطالب بعودة الإخوان دون انتظار لهذا القانون.. . وقد أصبح واضحا لكل ذي عينين من تلهف الحكومة وتعجلها في إقرار قانون الجمعيات في الساعات القليلة الباقية من عمر الأمر العسكري الجائر بحل الإخوان المسلمين. إن هذا القانون إنما هو موجه ضد الإخوان وأن المقصود منه هو الحد من نشاطهم وتقييد حريتهم".
ثم يخاطب الإخوان فيقول:" أيها الإخوان المسلمون. إن دعوتكم دعوة كفاح وجهاد وستظل كذلك كلما خرجت من محنة دخلت محنة أخرى.. إن دعوتكم اليوم تمر بفترات حاسمة وأوقات عصيبة وليس أمامكم والله إلا أن تطهروا قلوبكم وتزكوا أنفسكم وتوثقوا الصلة بالله العلي القدير. لقد بعتم نفوسكم وأموالكم لله ولن تبيعوها مرة أخرى لأحد سواه . فساووا الصفوف واشحذوا العزائم وقوا الهمم وأخلصوا النية وتجردوا لله".
والحق أن النزاع بين الإخوان المسلمين والحكومات قديم، وهو ينحصر في نقطة جوهرية هي بالنسبة لدعوة الإخوان كالأساس من لبناء. هذه النقطة هي أن الإخوان يرون بحق أن الإسلام دين وسياسة وعبادة وقيادة، نظام شامل يهيمن على جميع مرافق الحياة والحكومات تنكر على الإخوان هذا الفهم الصحيح للإسلام، وتريد أن تحصر هذا الدين في المساجد، وتفصل بينه وبين السياسة والحكم ونظم الحياة كما فعلت أوربا متجاهلة الفرق بين النصرانية والإسلام. وقد انتصر الإخوان في هذا الصراع انتصارا حاسما وأقاموا الدليل وقدموا البرهان على شمول الإسلام، وأيدتهم القوى الرسمية من علماء الأزهر بأن الإسلام دين وحكم.
وفي 24 رجب 1370هـ (30 أبريل 1951م) سقط الأمر العسكري بحل الإخوان ونشرت مجلة "الدعوة" في صفحتها الأولى بتوقيع صالح عشماوي الوكيل العام للإخوان المسلمين:
" عودة النور. اجتماع مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون يتابعون سيرهم في خطى ثابتة". حيث أعلن عن استئناف الإخوان لنشاطهم، وفي نفس الوقت تحركت كتائب الإخوان في الأقاليم ففتحت دورها، وثبتت اللافتات على أبوابها أو نوافذها تحمل اسم (الإخوان المسلمون).. ولكن هذه الخطوة الجريئة لم تعجب الحكومة.. فسلطت رجال البوليس يتحرشون بالإخوان.. ودعيت الهيئة التأسيسية للاجتماع حيث قررت " أن الإخوان المسلمين هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف والتي نص عليها قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين" وتنشر المجلة أحد عناوينها: "مجلس الدولة يحكم بأن هيئة الإخوان المسلمين قائمة رغم صدور أمر الحل" وتتسلم الجماعة مركزها العام في ديسمبر 1951م (ربيع لأول 1371هـ) .
وننتقل إلى قضية أخرى من القضايا الهامة في تلك الفترة. وهي قضية وجود المحتل بالبلاد. فتكتب المقالات الصارخة في مجلة "الدعوة" التي تشحذ الهمم وتعبئ الشعور الوطني للجهاد فتلغي الحكومة معاهدة التحالف مع بريطانيا ويبدأ الجهاد ضد المحتل، ويأخذ شباب المسلمين دورهم الطليعي في صفوف المجاهدين إلى أن لعبت أصابع الخيانة دورها لتجهض روح الجهاد التي برزت في صفوف أبناء الأمة، فاتخذت من حريق القاهرة- الذي غذته هذه الأصابع- حجة لوقف أعمال الفدائيين ضد قوى المحتل الغاشم على أرض البلاد.
حرصت "الدعوة" على نشر مقالات للشيخ حسنالبنا تتناسب والظروف التي تمر بها الحركة الإسلامية والبلاد تحت عنوان "كلمات خالدة". وقد ساهم كثير من الكتاب الإسلاميين ممن انتسبوا إلى دعوة الإخوان المسلمين في الكتابة في جلة " الدعوة" نذكر منهم:
1-أحمد أنس الحجاجي:
كان يكتب مقاله تحت عنوان " تذكروا دائما" كتب عن القيادة في الدعوات فقال: " تذكروا دائما أن القيادة في لدعوات لابد لها من السلطان الروحي، وأن هذا الركن من مقومات القيادة هو أول عناصر نجاحها، بل هو سر وجودها وقيامها. لأن القيادة ليست صنعة تنتحل أو توهب ولا هي ثوب يرتديه المرء متى شاء، أو عمل يزاول، وصناعة تؤدى وتتعاطى، ولكنها حقيقة وكيان وروح وأمر معنوي وهذه جميعا إنما تكونها وتربيها الروحانية التي تسيطر على القائد في معاني نفسه فتوجد فيه- وله- معنى القيادة وحقيقتها ثم تربطه بالناس كذلك فتمنحه صفة قياداتهم قيادة حكيمة وعملية".
2-عبد العزيز كامل:
كان يكتب مقاله تحت عنوان " هذه دعوتنا". كتب عن " مشروع حوليات الدعوة" فقال:" المقصود من المشروع تسجيل وثائق الدعوة على أساس السنوات كما هو متبع مثلا في كتاب تاريخ الطبري وغيره من الكتب المعتمدة في تاريخ الإسلام.
والمشروع صعب مرهق، فكثير من هذه الوثائق موجودة في أيدي الإخوان، وبعضها أسلمته الأيدي الطاهرة إلى النار في المحنة الأخيرة. والبعض الآخر متناثر ما بين أعداد الجريدة والمجلة بأسمائها المختلفة من الإخوان المسلمين على النذير إلى التعارف وتصريحات ومقالات نشرها الإمام الشهيد في الجرائد السيارة ومحاضرات ألقاها في الإذاعة وغير الإذاعة ومذكرات خاصة وخواطر على هوامش كتبه، وخطابات إلى أصدقائه وغير أصدقائه، ومذكرات عن علاقاته الشخصية بزعماء الحركة الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي".
3-أحمد عبد الحميد أحمد:
كان يكتب مقاله تحت عنوان "آراء وكلمات" عن " الدين والسياسة في موقفين" فقال:" إذا رأيت (عالم الدين) يتجند لكتيبة (الدعوة إلى الله) ويرابط على ثغور الدين وحرمات الشريعة بروح النبوة، ودهاء السياسة وعزم المقاتلة، يسوس الدنيا بسياسة الدين ويصون الدين عن سياسات الدنيا فقل هذا هو (الإسلام) وهؤلاء هم رجاله، وما أجمل الدين والسياسة إذا اجتمعا، وإذا رأيت (رجل الدين) يتراجع عن ميدانه وينكص على عقبيه ويلقي سلاحه يعتذر اعتذار الخوالف ويحوقل حوقلة العجائز، أو رأيته يتساقط على ساسة الدنيا كالذباب ويسخر الدين لأهواء الدنيا ويفسره على مفاحم الدراهم والدنانير وبروح المطامع والاستعمار فقل هذا هو (النفاق) وأولئك هم القاعدون غير أولي الضرر وما أجمل الدين وهذه السياسة إذا افترقا".
4-محمد فتحي محمد عثمان:
كان يكتب مقاله تحت عنوان:" في سبيل المستضعفين" كتب عن : " الإسلام تحت الطلب" فقال:" إذا أريد لنا أن نحارب الشيوعية فزعنا إلى الدين، لننقل بعض أحكامه في قضية الملكية، ثم ينشر هذا على الناس ليكرهوا الشيوعية استجابة لتعاليم الدين الحنيف، وحين أقحمنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، طبعت آيتا الشورى ( وشاورهم في الأمر) ، (وأمرهم شورى بينهم) على ورق صقيل حتى يتنازل المسلمون المساكين عن أقواتهم وحرياتهم من أجل بريطانيا التي تحارب من أجل مبادئ الإسلام . عجبا.. لماذا إذن يتهم من يطالب بالرجوع إلى الإسلام بقلب النظام والسعي في الأرض بالفساد؟ ألا أنه يريد أن يثبت الأصل الذي جعلناه قراطيس تحت أيدينا نبدي منه ما يتفق مع الأهواء ونخفي الكثير".
أحمد حسن الباقوري – أحمد عادل كمال- أحمد مختار- أحمد الملط- أمين إسماعيل – أنور الجندي- جمال البنا- جمال الدين السنهوري- جمال فوزي- حامد شندي- حسين زهدي- رجاء مكاوي- زكريا إبراهيم الزوكة- سعد الدين البهنيهي- سعد الدين الوليلي- سعيد رمضان- سيد حسن عثمان- سيد سابق- عبد الحفي؟ الصيفي – عبد الحكيم عابدين- عبد الرحمنالبنا- عبد القادر عودة، عبد الكريم محمد- عبد المنعم النمر- عمر عبد الفتاح التلمساني- عوض الدوحة، عوض المنشاوي- عيسى عبده- كاميليا عبد الهادي. محب الدين الخطيب – محمد بكير- محمد عبد الله السمان- محمد الغزالي- محمد فريد عبد الخالق- محمد الفولي- محمد لبيب البوهي- محمد محمود غالي- محمد محمود فرغلي- محمد يوسف موسى- محمود إبراهيم العجمي – محمود لبيب- محيي الدين الألوائي- مصطفى السباعي- مهدي الحسيني.
وقد ضمت مجلة الدعوة عدة أبواب مثل "الأسبوع في سطور"، " من الثلاثاء إلى الثلاثاء" ، " الموقف السياسي"، " مع الصحافة العربية" ، " من صحافة الغرب"، " من مقاصد السنة"، " ركن الأسرة" ، باب " الرياضة" ، " باب العمال".
وقد شاء الله أن يدخر مجلة "الدعوة" لمرحلة ما بعد المحنة الثانية فنجاها من البطش الذي تعرض له الإخوان خلال عشرين عاما فكانت " لا تصدر إلا بالقدر الذي يحفظ رخصتها".. لكي تصدر مرة أخرى شهرية كما سنرى في مكان آخر، وكل شيء عنده بمقدار.
3-مجلة " [[ الإخوان المسلمون]]"
في أحد أيام شهر ربيع الأول 1373هـ (ديسمبر1953م) قرر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين إصدار مجلة تنطق بلسانهم، ونشرت الصحف في ذلك الوقت هذا الخبر.
وفي ذكرى يوم الفرقان، يوم بدر (17 رمضان من عام 1373هـ) الموافق 20 مايو 1954م صدر العدد الأول من مجلة "الإخوان المسلمون" في إصدارها الثالث في عشرين صفحة في حجم نصف الجرائد اليومية (44في 30سم) وضمت كل صفحة خمسة أنهر. وأسند المركز العام للإخوان المسلمين (الذي يصدر المجلة رئاسة تحريرها إلى الكاتب الإسلامي سيد قطب.
وقد صدر من مجلة "الإخوان لمسلمون" اثنا عشر عددا حيث توقفت بعد صدور العدد الثاني عشر بسبب تفاقم العلاقة بين حكومة الانقلاب وبين الإخوان.
تصدر أعلا الصفحة الأولى للعدد الأول من المجلة اسمها " للإخوان المسلمون" وبعض البيانات الخاصة بها ثم مقال رئيسي بعنوان " وصية" من كلمات الشيخ حسنالبنا جاء فيه:
" أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم، فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا، يحال فيها بيني وبينكم إلى حين، فلا أستطيع أن أتحدث معكم أ اكتب إليكم، فأوصيكم أن تتدبروا هذه الكلمات وأن تحفظوها إذا استطعتم، وأن تجتمعوا عليها. وإن تحت كل كلمة لمعاني جمة.
أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت مدو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم – ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس، إذا قيل لكم: إلام تدعون؟ فقولوا: ندعوا على الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلكم والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة، فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام. وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة، فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به. فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا، وكنتم الثائرين الظالمين. وإن قيل لكم : إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات، فقولوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنتم به مشركين . لأن لجوا في عدوانهم فقولوا: " سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين".
أما بقية الأعداد الحادية عشرة فقد ضمت الصفحة الأول منها أهم الأخبار المحلية والعالمية.
وقدم الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين للمجلة بمقدمة تحت عنوان : " هذه الصحيفة" أشار فيها إلى أن المجلة امتداد لجريدة " الإخوان المسلمون" التي تعطلت منذ عام ( 1368هـ -1948م) ووضح فيها منهج المجلة الذي ستسير عليه في المرحلة القادمة. وبين رئيس التحرير – سيد قطب- أهمية هذه الصحيفة بالنسبة للعالم الإسلامي كله في مقال تحت عنوان " هذا لعالم الإسلامي" شرح فيه كيف تدور السياسة الدولية وراء مناطق النفوذ، وكيف تحاول الدول الصناعية الكبرى إلى مد مناطق نفوذها بصور الاستعمار الخفي كالأحلاف العسكرية والمعونة الاقتصادية والمعونة الفنية. ثم أنهى مقاله بقوله: " ولقد فوجئ بعض قرائنا حين رأونا نخصص صفحات كثيرة من هذه الجريدة لقضيا الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن هذه سياسة مقصودة فنحن ندرك أن النظرات القومية المحدودة ليست سوى قصر في النظر يستغله خصومنا المشتركون. وإن مصر ليست سوى قطاع في جبهة موحدة كبيرة وكل معرفة في قطاع من قطاعات هذه الجبهة الكبيرة تؤثر نتائجها في مصير القطاعات الأخرى.
إن اصطلاح (العالم الإسلامي) ليس اصطلاحا عاطفيا، إنما هو تعبير عن حقيقة واقعة في السياسة الدولية الحاضرة. فهناك وحدة معينة تحمل هذا الاسم. وهي ذات مصلحة مشتركة في كفاح الاستعمار. لا في الرقعة الإسلامية فحسب، ولكن في العالم كله. على أن يقف العالم الإسلامي كله كوحدة لأنه في حقيقته وحدة. وهذه الصحيفة هي صحيفة العالم الإسلامي كله، لا صحيفة مصر وحدها. وهي تحمل راية هذا الوعي الإسلامي تجاه السياسة الدولية".
وقد كتب الأستاذ سيد قطب خلال هذه الفترة من حياة المجلة بضع مقالات امتازت بالبساطة والحيوية والعمق، والجاذبية والصدق وقوة العاطفة والإشراق.
اهتمت مجلة " الإخوان المسلمون" بقضايا الأمة الإسلامية، وظهر ذلك جليا من خلال المقالات والتحليلات المتعددة سواء من هيئة تحرير المجلة أو من الكتاب الإسلاميين.
وقد ضمت المجلة عدة أبواب شملت بعض الجوانب العلمية والثقافية والاجتماعية والصحية، مثل:
1-باب الأدب: وكانت تخصص له صفحة أو صفحتان تحت عنوان " صحيفة الأدب" حيث كانت تنشر المقالات والبحوث الأدبية والقصائد وترجمة وعرض بعض الكتب. كما كانت تنشر أيضا تعريفا ببعض الكتب تحت عنوان " دليل المكتبة الإسلامية" أو تحت عنوان " سوق الشعب" . وكانت الصفحة الأخيرة من المجلة تخصص غالبا للقصة القصيرة حيث كان يتناوب كتابتها بعض الكتاب الإسلاميين.
2-باب التعليم: وكان يضم أخبار التعليم ومطالب رجاله ومشاكلهم وإحصائيات وبحوث وتحليلات تعليمية، هذا إلى جانب نشا الإخوان في الوسط التعليمي.
3-اهتمت المجلة بتخصيص جانب منها لشئون الأسرة خاصة الجانب النسائي تحت عنوان " صفحة الأسرة" أفسحت فيه للأخوات المسلمات الكتابة فيما يعن لهن من مواضيع تهم المرأة المسلمة بجانب الشئون الفنية في إدارة المنزل وتربية الأطفال والطهي وغير ذلك. فشاركت بذلك الأخت المسلمة في القيام بأعبائها تجاه مجلتها.
4-باب العمال:
خصصت مجلة "الإخوان المسلمون" جانبا من صفحاتها تحت عنوان " صفحة العمل" للاهتمام بما يهم العمال من أخبار عمالية واستشارات وأحكم قضائية لصالح العمال وتعريف ببعض قادة الحركة النقابية وبيان نشاط الإخوان المسلمين في دور النقابات العمالية.
5-الركن الطبي:
وكان يشرف عليه الدكتور عوض الدحه حيث كان يقدم فيه بعض المعلومات الطبية في صورة مقالات مبسطة، وشاركه بعض هذه المقالات الدكتور أحمد الملط، والدكتور عبد الرحيم عمران.
6-كما خصصت المجلة ركنا للرياضة تنشر فيه الأخبار الرياضية ومواعيد المباريات وما يهم الرياضيين من شئون. وكان يشرف على هذا الركن صالح غانم.
وإلى جانب هذه الأبواب فقد كانت المجلة تعج بمقالات الكتاب الإسلاميين في مختلف جوانب الفكر مما جعلها تسد فراغا كبيرا طالما شغلته صحافة الإخوان في أطوارها المختلفة.
ولم تغفل المجلة في بعض أعدادها عن نشر مقتطفات من كلمات الشيخ حسنالبنا الداعية الأول في دعوة الإخوان المسلمين تذكر الإخوان بها، كما قامت بتغطية أخبار محاكمة قاتليه عندما مثلوا أمام محكمة الجنايات.
وبالنسبة للقاء الإخوان الأسبوعي بالمركز العام- حديث الثلاثاء- فقد كانت المجلة تقوم بنشر ملخص عن موضوع المحاضرة التي تلقى في ذلك اللقاء.
ومن هذا السرد السريع لمحتويات المجلة في أعدادها الاثنى عشر التي صدرت منها نرى أنها أثبتت وجودها خلال تلك الفترة العصيبة من العلاقات المتوترة بين حكومة الانقلاب وبين جماعة الإخوان وأدت دورها في ثبات بغير انفعال أو توتر وقامت بمهمة البلاغ وبالدور الإعلامي المنوط بها.
وعندما تم حبك خيوط المؤامرة للإجهاز على جماعة الإخوان المسلمين التي رأت حكومة الانقلاب أنها شوكة في جنبها من الضروري اقتلاعها، انقطعت ملة " الإخوان المسلمون" عن الصدور مرة أخرى لتترك فراغا هائلا في مجال الصدع بكلمة الحق، وشحذ العزائم والهمم، والتنبيه على المخاطر والتحذير من الكوارث المحيطة بالأمة. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المبحث الثالث صحافة ما بعد المحنة الأولى مجلة "الدعوة"
استمر قرار حكومة الثورة الخاص بحل جماعة الإخوان المسلمين بالنسبة لشرعية نشاطهم، بل استمرت قوى البطش في تلفيق القضايا والمؤامرات واتهام وتعذيب الأبرياء من الإخوان طيلة مدة حكم جمال عبد الناصر. فلما قضى الأخير وخلفه أنور السادات ، أراد أن يستفيد من بعض أخطاء سلفه، فأعلن عن تصفية المعتقلات. وأعلن عن بعض مظاهر الحريات العامة. فأخرج الإخوان من السجون والمعتقلات على فترات وسمح لهم ببعض النشاط الذي تمثل في إعادة إصدار مجلة "الدعوة" دون أن يعيد إليهم شرعية نشاطهم بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان.
وصدر العدد الأول من مجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني في رجب 1396هـ - يوليو 1976م في ستين صفحة مقاس ( 34في 24سم) وتضم صفحاتها بين عمودين وثلاثة وأربعة أعمدة. وظلت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات وبضع شهور حيث صدر العدد الأخير منها في ذي القعدة 1401هـ (ديسمبر 1981م) والذي صودر في مصر وأعيد طبعه في الخارج، وسحبت رخصتها بناء على القرارات التي اتخذها السادات ضد قوى المعارضة في مصر في ذي القعدة 1401هـ (سبتمبر 1981 م ) قبل مصرعه.
وأعيد إصدار "الدعوة" في الخارج حيث ظلت تصدر شهريا حتى الآن.
تصدر الصفحة الأولى من العدد الأول لمجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني تقديم للمجلة تحت عنوان "أخي القارئ" جاء فيه: " أربعة وعشرون عاما مضت من عمر هذه الصحيفة (الدعوة) وهي تنادي بتطبيق الشريعة الغراء، التي نراها خير ما تبني الأمة عليها نهضتها، وتعالج بها جميع مشكلاتها، في وقت انهارت فيه الأخلاق وشاع الفساد، وتفشت الإباحية، وتغلغلت المبادئ الهدامة والتيارات الإلحادية. (ورسخ في الأفهام كل ما هو سيء وبغيض) . لقد حيل بين صاحب هذا القلم الحر وبين قرائه زمنا طويلا، جرت فيه أحداث ووقعت خلاله أهوال تجعل الولدان شيبا ولئن ظن الحاقدون أننا لن نلتقي، وفرقوا بيننا ما وسعتهم الحيلة فقد خاب اليوم أملهم ورد الله كيدهم في نحورهم، وليموتوا بغيظهم فها نحن نلتقي من جديد. فياله من لقاء له في نفوس لوعة.. وله أيضا في قلوب روعه. وباسم الله وعلى بركته نبدأ خطونا الجديد، في ركاب الحق، وعلى درب الدعوة، ونح أقوى ما نكون اعتزازا بعقيدتنا، وإيمانا بمبادئنا، مجددين العهد عل ن تظل (الدعوة) لسان فكرة تدعو للحق وتؤمن بالقوة وتنادي بالعدالة والحرية. والله نسال أن يتقبلها منا عملا خالصا لوجهه الكريم ، وان يجعلها للإسلام صوتا مدويا، إن الله على كل شيء قدير.. ومنه نستمد العون.. وبه التوفيق".
وهكذا بعد غياب قارب على ثنتي وعشرين عاما- كان الإخوان خلالها مستهدفين في حرياتهم وأموالهم وأعراضهم، حيث سخرت كل أجهزة الدولة إعلامية وغير إعلامية لمحاربتهم والافتراء عليهم والتشهير بهم وملاحقتهم، فقتل منهم من قتل، وعذب من عذب، وسجن من سجن، وشرد من شرد، وهم ثابتون صابرون" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" أصبح للإخوان مرة أخرى صحافة ولو في ظل عدم انعقاد قانوني للجماعة.
نشر بالصفحة الأولى من مجلة "الدعوة" في عددها الأول أيضا " في هذا العدد" بيان بمحتويات العدد من المقالات والأبواب والكتاب ، ومنه يتضح الجهد المبذول لإخراج المجلة على مستوى رفيع سواء بالنسبة للمواضيع المنشورة بها أو بالنسبة للكتاب الإسلاميين الذين يكتبون فيها.
فالمقال الافتتاحي لمدير المجلة والمشرف عليها.. الأستاذ عمر التلمساني. تحت عنوان "الدعوة.. على الطريق" ذكر فيه ما كان من أعداء الإسلام في كل العصور وما كان من نصر الله للمؤمنين وأن "الدعوة" تمضي على الطريق الإسلامي الذي جاء به محمد صلى الله عليه سلم ونادى به حسنالبنا ولم يفرط فيه حسن الهضيبي. وختم مقاله بقوله:" الدعوة على الطريق تمضي لا تحيد ولا تبدل، الله غايتنا وقرآنه دستورها ونبيه إمامها والسبيل إليه هو السبيل ولا سبيل غيره".
ويستمر الأستاذ عمر التلمساني في كتابة افتتاحيات المجلة كل شهر منافحا عن الإسلام ودعوته وقضاياه المختلفة، مطالبا برفع الحيف عن جماعة الإخوان المسلمين ومطالبا بعودتها ومدافعا عنها، فيكتب افتتاحيته : (عودة جماعة (الإخوان المسلمون" أقوم السبل للنهوض بالأمة) ، (لماذا نطالب بعودة "الإخوان المسلمون").، (هذه الحملة المسعورة ضد جماعة الإخوان المسلمين.. أما آن لها أن تنتهي ؟) ، (الإخوان المسلمون والعهد السابق والعهد اللاحق)، (الإخوان المسلمون والوضع القانوني)، (الإخوان المسلمون كيف ينتقدون ولماذا يعارضون)، (الإخوان المسلمون بين سخط المؤيدين وغضب المعارضين)، (وجود الإخوان المسلمين واجب ديني) ، (الإخوان المسلمون وأعداء الإسلام)،
وفي مجال المطالبة بتطبيق شريعة الله ومخاطبة الحكام، يكتب افتتاحياته تحت عنوان (الوجوب في تطبيق شريعة الله. الحاكم الفرد يضع من القوانين ما يكفل له بقاء حكمه وعدم المنازعة فيه)، (يا حكام المسلمين ألا تخافون الله؟)، (حكام المسلمين.. متى يقبلون النصيحة؟) ، (يا حكام المسلمين كونوا إخوانا مسلمين)، (يا حكام المسلمين انصروا الله ينصركم)، (يا حكام المسلمين منهج الله أو الدمار).
وبالرغم من أنه لا يوجد تنظيم رسمي للإخوان المسلمين، وبالتالي لا توجد لهم صحافة رسمية ، فقد اعتبرت مجلة "الدعوة " ناطقة باسم " الإخوان لمسلمون" وينوب عنهم في ذلك الأستاذ عمر التلمساني.
فقد جاء بالعدد الثاني من "الدعوة" وتحت عنوان:" هذا بيان للناس " ما يلي:" (والإخوان المسلمون) دعاة حق وخير ولا يمكن أن يتعاونوا مع الشيوعيين. أرسل الأستاذ عمر التلمساني المحامي وعضو مكتب الإرشاد السابق للإخوان المسلمين، البيان التالي إلى كل صحف القاهرة، تصحيحا لما نشرته بعض الصحف، وزجت فيه باسم الإخوان المسلمين بمناسبة أحداث السودان الأخيرة.. وفيما يلي نص البيان: زجت بعض الصحف باسم الإخوان المسلمين بمناسبة أحداث السودان مع الشيوعيين والكل يعرف أن الإخوان لم ولن يتعاونوا مع الشيوعيين لتناقض ما بين الدعوتين، والتضاد الكامل بين الغايتين. وما من شك أن ظروف العالم الإسلامي في هذه الفترة الحرجة، تلزم كل من يؤمن بربه ويخلص لوطنه ألا يعرض بالعالمين في سبيل الله مخلصين له الدين، وحسب المسلمين اليوم ما هم فيه من تبييت بالليل وتأليب بالنهار. إن ما أعرفه حق المعرفة عن الإخوان ليحملني على التأكيد بأنهم لا يسعون لخير المجتمع الإسلامي وحده، ولكنهم يعملون لخير المجتمع الإنساني كافة، ذلك لأنهم حملة رسالة، ودعاة حق وخير وهداية، ورسائل الإمام الشهيد حسنالبنا، أصدق شاهد على نبل الغاية وطهارة الوسيلة، فليرجع إليها كل من ينشد الحق ويزيد التبين، فليتق كل إنسان ربه ف يدينه ووطنه ومواطنيه، ولا يعرض باسم الإخوان المسلمين في مثل هذه الأحداث " .. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" عمر عبد الفتاح التلمساني عضو مكتب الإرشاد السابق".
وأوضح الإخوان المسلمون رأيهم في معاهدة الصلح مع اليهود برفضها إيمانا منهم بعداء اليهود للإسلام.. ويتضح ذلك في المقالات الافتتاحية للأستاذ عمر التلمساني مثل:" (وجهة نظر في وثيقتي كامب ديفيد) ، (الطريق إلى إنقاذ القدس)، (هؤلاء اليهود لا عهد لهم ولا ذمة)، (تطبيع العلاقات مع إسرائيل تحقيق لمطامعها وآمالها)، (إسرائيل إما أن ترعوي أو تنتهي)، ( إسرائيل تتحدى المفاوض المصري)، (أسلوب المفاوض المصري أطمع فينا إسرائيل)،( إيقاف المفاوضات لا يكفي لابد من الإلغاء)، (إسرائيل ليست غافلة ولا تريد سلاما)، (الإخوان المسلمون لن يكفوا عن المطالبة برد الحقوق التي اغتصبتها الصهيونية. عرضنا المبادرة ووثيقتي كامب ديفيد من منطلق شرعنا)، (تطبيع العلاقات مع اليهود شر كله، على الشعب المصري أن يقاطع اليهود في كل شيء وفي كل ميدان وفي كل اتجاه).
وحفلت مجلة "الدعوة" في إصدارها الثاني خلال ما يزيد على خمس سنوات وفي أعدادها الخمسة والستين على كثير من الكتاب الإسلاميين الذين شاركوا في تحريرها بمقالاتهم وبحوثهم وتعليقاتهم.
وقد صدر من مجلة الدعوة عدد خاص بمناسبة مرور خمسين علما على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين حفل بالمقالات الخاصة بهذه المناسبة. ولكني آثرت التوقف عند مقالين فقط منها هما:
1-مقال بعنوان "صحافة الإخوان.. مبدأ .. وفكرة.. وعقيدة" تناول فيه التحرير الحديث عن صحافة الإخوان التي صدرت منذ تأسيس الجماعة حتى تعرضهم لمحنتهم الثانية في ظل الحكم العسكري، ثم قال:
"عاشت جماعة الإخوان محنة العشرين عاما التي قهر فيها عبد لناصر شعب مصر وأذله وجلل هامته بالخزي والعار بهزيمة 1967م التي لم يحدث لها مثيل في تاريخ أمتنا الإسلامية خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، وثبت الإخوان على دعوتهم صابرين محتسبين حتى أخذ الله الظالمين، وشفى صدور قوم مؤمنين" .. صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه." تحت سياط التعذيب أو على أعواد المشانق أو غدرا بالرصاص داخل جدران زنزانات ليمان طرة ".. ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا" وخرج الإخوان بعد أن أفنوا زهر شبابهم في سجون الواحات، وقنا وأسيوط وبني سويف وفي ليمان طره وأبي زعبل ومعتقلات الأوردي والفيوم ومزرعة طره. وكانت مجلة الدعوة طوال غيبة الجماعة لا تصدر إلا بالقدر الذي يحفظ رخصتها حتى هيا الله الظروف فصدرت في صورتها الحالية فأحيت الأمل في القلوب، وأسمعت الآذان من جديد صوت الحق والقوة والحرية".
2-مقال بعنوان "لماذا جماعة الإخوان المسلمين؟" للدكتور عبد الستار سعيد أشار فيه على الإجابة على السؤال الذي كتب به عنوان المقال ربما كان أكبر الأسباب التي دفعت بإخوان حسنالبنا من بعده ليخوضوا معارك هائلة في ميدان الفكر والواقع جميعا، وسيق من أجله المؤمنون- جيلا بعد جيل- إلى أعواد المشانق وأعماق المنافي والسجون، وأهوال التشريد والتعذيب".. فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا".
وبعد أن أفاض في مقاله بأن إقامة الدين فريضة دينية وحتمية إسلامية وضرورة تاريخية قال: " لم يبق لهذه الأمة من ملجأ ولا نصير إلا رحمة الله تعالى، ثم نجدة العقيدة، وصولة الإيمان، ولقد كان هذا هو دور الإسلام وقدره دائما في أزمات أمته. وتحرك الإسلام العظيم دعوة في القلوب، وعملا في الواقع، وحركة في وجه الطوفان المعربد الجبار. لقد قامت جماعة الإخوان المسلمين في هذا الوقت باعتبارها ضرورة الأسباب لقيام هذا التيار الإسلامي ليصادم الجاهلية، ويستعلي عليها بإيمانه ويعتز على أبعد الحدود بما عنده من وحي السماء، ويربي على ذلك جيلا- تلته أجيال- يرى في الإسلام- وحده- قضية وجوده ومصيره، وغاية حياته ومماته، وحين نتأمل- فقط – هتاف هذا التيار المبارك: الله غايتنا، الرسول زعيمنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، نعلم عن يقين أن حدثا خطيرا قد وقع في هذه الأمة المستباحة، وأن معاييرها التي قلبوها أخذت (تعتدل) من جديد، ولم يكن حسنالبنا رحمه الله في هذا كله إلا ابن الإسلام، جاء في أوانه، ثم مضى إلى ربه بعد أن أدى دوره المرسوم، ولله عاقبة الأمور" ثم أشار إلى ما تتعرض له الجماعات الإسلامية في ديار الإسلام من مطاردات وإلى حاجة العالم إلى "منهاج جديد يقود الركب الإنساني" ولا يوجد غير منهاج الله العليم الخبير.. " ومن هنا يأتي السؤال على المستوى الأرحب: لماذا جماعة الإخوان المسلمين؟ لأنه لابد من امة جديدة، تسلم وجهها لله رب العالمين، وتتصدى لعدل التيار (لا قلبه) في أمة الإسلام- أولا- حتى تعود- كما كانت- ربانية قرآنية، تهتدي بهدي ربها، وتهدي إليه العالمين".
أما العدد الأخير من مجلة "الدعوة" فقد صودر بمعرفة رجال السلطة، ولكن تمت إعادة طبعه خارج مصر بعد أن تم تسريب نسخة منه. وقد تصدر غلاف ذلك العدد العناوين:" لماذا اقتحم رجال الداخلية مجلة الدعوة؟" ، "الحريات التي يريدها الشعب" ، " أمريكا.. ودور الشريك الكامل" ، " القضية الفلسطينية وخيانة البعث النصيري". وفي الصفحة الثالثة ملخص للمقالات التي كتبت عناوينها على الغلاف، وكلمة المجلة مخاطبة قارئ المجلة قال التحرير فيها: " نحن حريصون على أ نجعلك تعيش معنا كل الظروف التي تحيط بالعمل الإسلامي في داخل مصر وفي خارج مصر حتى تكون على بصيرة بطبيعة الطريق الذي عاهدنا الله على السير فيه مهما كانت التكاليف لأنه ليس أمامنا طريق غيره ينجينا من عذاب الله أو يجعلنا أهلا للفوز برضاه".
وتكلم الأستاذ عمر التلمساني في افتتاحية العدد عن " لماذا اقتحم رجال الداخلية مقر مجلة الدعوة؟ تكلم فيه عن حادث اقتحام مباحث أمن الدولة لمقر مجلة "الدعوة" وما فعله رجال الشرطة بالدار، وذكر في مقاله بأن " محاربة الله في شخص دعاته جهد ضائع ومحاولة فاشلة، لأن الله الذي تعهد بحفظ دعوته لن يحفظها هباء يطير في الفضاء، ولكنه يحفظها برجال يعدهم لحملها مهما لاقوا في سبيلها" وانتهى مقاله بقوله " صادروا المجلة إن شئتم، فكلمة الله لن تتوقف، لأن كل ألسنة المسلمين مجلات وأغلقوا الدار إن أردتم، فكل قلوب المسلمين دور لدعوة الله، وافعلوا بالدعاة إلى الله ما حلا لكم، فالدعوة ليست دعوتهم، ولكنها دعوة ملك الملوك، الجبار الذي لا يقهر، والقوي الذي لا يغلب، والباطش الذي لا يهن ولا يدحر "إن بطش ربك لشديد. إنه هو يبديء ويعيد. وهو الغفور الودود . ذو العرش المجيد. فعال لما يريد" .. إني أكبت جماح القلم كبتا، فما فعلتم لا تتسع الصحف لنقده، ولا أنهار الدنيا لمحو آثاره، والسلام على من اتبع الهدى، وراقب ربه ثم اتقى" وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين".
وتابع الأستاذ مصطفى مشهور سلسلة مقالاته " من فقه الدعوة" فكتب الحلقة الثالثة عشر من "دروس على الطريق" عن "الإيمان هو القضية" أما مقال رئيس التحرير الأستاذ صالح عشماوي فكان بعنوان " أنعود إلى الجاهلية بعد ن كرمنا الله بالإسلام؟".
وقدم الأستاذ جابر رزق تحليله السياسي في باب " حصاد الشهر" تحت عنوان " [[أمريكا]].. ودور الشريك الكامل" . وعن القضية الفلسطينية ،وكتب الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة عن : " أدوار الخيانة في مسرحية القضية الفلسطينية" ، وكتب الأستاذ سامي سيد عن " الحياة داخل فلسطين المحتلة" وفي باب " وطننا الإسلامي" كتب التحرير عن : " درس من أفغانستان " وبورقيبة يبيح العمل السياسي للشيوعيين ويحرمه على الإسلاميين"، " من أبشع جرائم النظام النصيري" ، " المد الإسلامي في الجزائر".
وفي باب " أضواء على الاقتصاد الإسلامي" الذي يشرف عليه الأستاذ يوسف كمال كتب ع " معركة حول تجارة العملات" وكتب الأستاذ عبد السميع المصري عن " بنوك الانفتاح.. والاقتصاد القومي" ومن التحقيقات الصحفية التي كان يقوم بها الأستاذ محمد عبد القدوس كتب تحقيقه عن " الحريات الأساسية التي يطالب بها الشعب" حيث أدلى بآرائه كل من الكاتب الصحفي جلال الحمامصي والدكتور محمد عصفور المحامي، والشيخ سيد سابق، والدكتور محمد شاملة، والشيخ محمد الغزالي، وكانت الآراء تدول حول : " الحرية ليست منحة من الحاكم بل هي حق ثابت للشعب" ، نطالب بحرية الجماعات التي تبغي إصلاح المجتمع وحرية الصحافة والحرية السياسية" ، " نطالب بعدم انفراد الحاكم باتخاذ القرارات المصيرية" ، " الإسلام هو النظام الوحيد الذي يعرف الحرية الحقيقية". وكانت المجلة تخصص بابا للبيت المسلم " نحو بيت مسلم" تشرف عليه السيدة زينب الغزالي على شكل مجلة داخلية كتبت افتتاحيتها عن " هاجر" أم إسماعيل عليه السلام. ومن عناوينها الداخلية: " رسالة إلى كل محجبة" ، " الصهيونية والصليبية أعداؤك فاحذرهم" ، " زوجة الداعية" ، " هكذا تكون الزوجة العظيمة" ، " حتى لا تخوني الأمانة" ، "بريد الأخوات" ، وقد ضمت مجلة " الدعوة " في أعدادها السابقة ركنا للأطفال على ورق لامع بالألوان.
وفي باب " الإخوان المسلمون . صفحات من الأمس" كانت المجلة تنشر صفحات من الماضي المشرق لتربط بين الماضي والحاضر وتقدم لشباب الجيل نماذج طيبة عن شباب الجيل الذي سبقه. وفي هذا العدد كانت الحلقة ا لرابعة من جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين " معركة بيرون إسحق" . هذا بالإضافة إلى أبواب : " دوحة الأدب" ، " الإفتاء" ، " أخبار الشباب والجامعات" ، " بريد الدعوة" وغير ذلك من المقالات.
وفي الحقيقة .. كانت مجلة "الدعوة" الشهرية مدرسة التقى فيها الفكر الإسلامي الذي حمله جيل تعرض للمحن ولمس اليقظة الإسلامية التي تسري في دماء هذه الأمة " .. ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز".
ولا يفوتني – في هذا المجل- أن أذكر ما قامت به بعض المجلات الإسلامية من دفاع عن دعوة الإخوان المسلمين، وتبني أفكارها ورائها خلال هذه الفترة خاصة مجلتا " الاعتصام" ، " المختار الإسلامي" اللتان تعرضتا لما تعرضت له مجلة "الدعوة" في أحداث سبتمبر 1981 (ذو القعدة 1401هـ).
اهتم الاستعمار الغربي بامتلاك العالم الإسلامي – بعد أن تمكن من احتلاله – وذلك بسيطرته على الرأي العام عن طريق الصحافة والتعليم.
فقد دعم الصحافة برجاله ومن يسيرون في ركابه. وظلت الصحافة الوطنية ابتداء من " العروة الوثقى" حتى مجلات الإخوان المسلمين تحت المطرقة الاستعمارية، واجتمعت عليها أساليب التضييق والمصادرة والإغلاق.
فلما تأسست جماعة الإخوان المسلمين (1346هـ- 1928م) أولت عنايتها واهتمامها بوسائل الإعلام المطبوعة منذ وقت مبكر من تاريخ تأسيسها. واستخدمت الكلمة المطبوعة في مجلاتها اليومية والأسبوعية والشهرية.
وقد تميزت وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين ببعض الخصائص التي نوجزها فيما يلي:
1-الالتزام بالإسلام:
فقد فهم الإخوان المسلمون الإسلام دعوة يلتزمون به عقيدة وفكرا وسلوكا وجهادا ، ومن ثم كانت أنشطتهم المتعددة داخل الجماعة تسير وفق هذا الالتزام.
وفي مجال التطبيق نجد أن الإخوان المسلمين التزموا بتوضيح الإسلام منهج حياة في جميع المجالات التي تهم الفرد والمجتمع. فهذه كتبهم ورسائلهم تشمل شتى أنواع المعرفة من خلال النظرة الإسلامية في كل مجال. وهذه صحافتهم وما ينشر بها من أخبار وتعليقات ومقالات وبحوث أو حتى إعلانات كلها تسير وفق الهدف الأعلى، وهو العمل على تحقيق رسالة الإسلام والتمكين له في الأرض.
2-الوضوح:
تميزت هذه الوسائل بالوضوح. وضوح الفكرة، ووضوح الغاية، ووضوح الوسيلة
(هنا ص 432- 433 مفقودة)
صحافة الإخوان ، سنجد فارقا كبيرا، لأن هناك فرقا بين الإعلام التقليدي وبين الإعلام في مجال الحركة.
مقترحات:
وفي ختام هذه الدراسة أتقدم ببعض المقترحات التي بدت لي من خلال بحث " وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين" والتي أدعو الله أن تجد طريقها إلى التطبيق العملي إن شاء الله تعالى.
أولا: أقترح على مراكز البحوث والوثائق بالجامعات والمراكز العلمية جمع تراث الإخوان المسلمين في الإعلام المطبوع، وتصويره على شرائط مصغرة (ميكروفيلم أو ميكروفيش) والاحتفاظ به لأنه يمثل ركيزة علمية كبيرة يخشى أن تضيع في غمار الأحداث والإهمال.
ثانيا: أقترح على الباحثين للدراسات العليا في وسائل الماجستير والدكتوراه أن يوالوا البحث في هذا التراث الهائل حتى يخرجوه للناس إخراجا علميا مدروسا ليستفيد به الناس.
ثالثا: دعوة العاملين في الحقل الإسلامي إلى دراسة هذا التراث ليعلموا الجهود المضنية التي بذلها الرعيل الأول في تهيئة التربة أمام الصحوة الإسلامية المعاصرة حتى يعرف اللاحق فضل السابق فتتواصل أجيال الدعوة الإسلامية تحت الشعار القرآني الجليل" والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم".
رابعا: وحين أدعو إلى الاهتمام بهذا التراث الكبير أدعوا إليه من منطلق علمي موضوعي يرصد التجربة ليقومها تقويما صحيحا.. يضع يد الجيل القادم على الإيجابيات ويحذره من السلبيات، وبذلك تقوى المسيرة الإسلامية ويشتد عودها بعون الله.
يمتاز فكر الشيخ حسنالبنا بالملامح العشرة التالية:
أولا: البلاغة في الأداء: كان حسنالبنا كاتبا وخطيبا ومحدثا آية من آيات البيان والتعبير، يستقي ذلك من المحصول الضخم من القراءات والثقافات والتجارب، فقد تعمق في التراث الإسلامي واجتمعت له منه ذخيرة طيبة. وخاصية البلاغة في الأداء لا تعتبر بعيدة عن أهل القرآن، فلقد جاء الإسلام معجزة بيانية حين ارتقت البشرية، وأصبحت صالحة لرسالة البيان والقلم والفكر والتأمل والنظر في الكون والتعرف إلى سنن الله في الأمم والحضارات والمجتمعات.
ثانيا: فهم الإسلام والاطلاع على كل معضلات الفكر والخلاف، سواء بين الفقهاء والصوفية أو المتكلمين والفلاسفة، أو أهل السنة والفرق. وكتابات حسنالبنا تفيض بذلك الوضوح القادر على معرفة أبعاد هذه المسائل كلها وهداية الناس إلى المنابع الأصلية التي فهمها رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه (رضوان الله عليهم) بعيدا عن كل التعقيدات التي خرج بها دعاة الفلسفة والكلام من المعتزلة أو المتصوفة. وهو في هذا كله واضح كل الوضوح، قادر على مواجهة المواقف في حسم وأناة وحكمة.
ثالثا: الاطلاع الواسع على المذاهب والنظريات والأيديولوجيات الجديدة أولا بأول وعرضها في ضوء الإسلام، وبيان ما فيها من أوجه الخلاف، أو الالتقاء مع الإسلام، إيمانا بأن الإسلام أصلح منها وأعمق وأكثر استيعابا للنفس الإنسانية واستهدافا لبناء المجتمع الصحيح.
رابعا: مواجهة أعداء الإسلام والكشف عن باطلهم وزيفهم، وتقديمهم للناس في صورتهم الصحيحة، دون خداع أو إيهام، وذلك في أسلوب رفيع.
خامسا: الصدع بالحق والجهر بكلمته عند كل سلطان جائر.
سادسا: إقرار أسلوب الإسلام في الجدل ومواجهة الباطل. ومن ذلك حرصه على أن يكون للإسلاميين أسلوب يختلف عن أسلوب السياسيين والحزبيين، أسلوب مستمد من القرآن ومن آداب الإسلام، ويظهر ذلك واضحا في خطابه إلى محرر مجلة " النذير" يقول : " قرأت كلمة (النذير) ، أبعث إليك عاتبا، فقد كنت أحب أن تلتزم منهاجنا دائما، وألا يزيدنا جهل الجاهل علينا إلا علما ألا يخرجنا عدوان الناس عن خطة الأناة والتثبيت والرفق. من منهاجنا ألا نكشف من ستر عنا خصومته، فلعله يثوب على رشده من قريب أو من بعيد، وألا نهاجم إلا من أبدى صفحته. منهاجنا أن نتجافى ونبتعد دائما عن هذه الألفاظ النابية، التي لاكتها ألسنة الحزبيين وأقلامهم، وتداولوها فيما بينهم، ولا نجادلهم أبدا في مزالق ورطتهم فيها خصوماتهم الحزبية والشخصية، فهذه بضاعة لا تنفق في سوق الإخوان المسلمين، ولا تروج في مجتمعاتهم، ولا يحسن أن تجري على ألسنتهم وأقلامهم.ومن منهاجنا ألا يخرجنا العدوان عن موضوع النقاش والجدل والبحث، وألا نتصور الحوادث إلا بصورتها من غير إغراق ولا مبالغة ، فإنما نريد أن نقاوم في الناس شهوة الطغيان، ونرشدهم إلى حكم الحقائق، ومتى يصح طب الطبيب إذا جارى المرضى..؟
سابعا: فهم مهمة الداعية إلى الله فهما صحيحا.
ثامنا: التحرر من كل الارتباطات ما عدا الارتباط الإسلامي وحده: فقد كان حريصا على أن يكون ربانيا إسلاميا بعيدا عن كل المغريات التي تريد أن تدفع إلى اتجاه آخر ولطالما قال الزعماء الذين كانوا يلتقون به من هنا وهناك إنه ورجاله ليسوا عصا في يد أحد، وأن ولاءهم إنما هو لله والقرآن.
تاسعا: النظرة المستقبلية:
كان دائما ينظر على المستقبل، ويضع الحقائق واضحة أمام أتباعه، فيقول في نهاية رسالته " بين الأمس واليوم" : " لعل ساعات عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيني وبينكم إلى حين، فلا أستطيع أن أتحدث معكم وأكتب إليكم، أنتك لستم جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية الأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله ، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم . ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس . إذا قيل لكم إلام تدعون ؟ فقولوا : ندعوا إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه. فإن قيل لكم: هذه سياسة ، فقولوا: هذا هو الإسلام، وتنحن لا نعرف هذه الأقسام. وإذا قيل لكم أنتم دعاة ثورة فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم أنتم الثائرين الظالمين. وإن قيل لكم: إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات، فقولوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنتم به مشركين. فإن لجوا في عدوانهم فقولوا: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
عاشرا: الإيمان بالموتة الطاهرة:
وقد سجل هذا المعنى في مقال ذائع له تحت عنوان " صناعة الموت" حيث قال: " الموت صناعة من الصناعات، من الناس من يحسنها فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكيف يختار لموتته الميدان الشريف والموقف المناسب، فيبيع القطرة من دمه بأغلى أثمانها، ويربح ربحا أعظم من كل ما يتصور الناس، فيربح سعادة الحياة وثواب الآخرة، ولم ينقص من عمره ذرة ولم يفقد من حياته يوما واحد، ولم يستعجل بذلك أجلا قد حدده الله". وقد صدق حسنالبنا ربه، فكانت فلسطين هي المسرح الأول لجهاده، ومنها تجلت الصورة الباهرة التي كشفت عن نجاح تجربته، فقد قدم أبناؤه ورجاله أرواحهم خالصة طاهرة، على نحو أذهل القوى الغربية الاستعمارية التي أحست بمدى الخطر الذي سيحدث لو نجح هذا الاتجاه وهذا التيار، ومن ثم قدم حياته وروحه مؤمنا بصناعة الموت وعلى النحو الذي رسمه وفهمه، فمات هذه الموتة الكريمة، بعد أن كشف للدنيا كلها أن كلمة "الجهاد" لم تمت في المسلمين ، وإنما هي قادرة على الحياة والعمل، وأنها حين استجاشت بها النفس المؤمنة عادت من جديد لتثبت أن الإسلام قادر على بناء الأمم من جديد.
أهداف جماعة الإخوان المسلمين:
يمكن حصر أهداف جماعة الإخوان المسلمين من خلال ما كتب في بعض رسائلهم مثل : " دعوتنا في طور جديد" ، " الإخوان المسلمون تحت راية القرآن" ، " إلى الشباب" ، وتشمل هذه الأهداف:
1-تكوين الفرد المسلم : ليكون نموذجا حيا لما يريده الإسلام في الأفراد من الإدراك الصحيح للصواب والخطأ والإرادة الحازمة التي لا تلين أمام الحق، والجسم السليم القادر على تحقيق الإرادة الصالحة، وذلك بحسن أداء العبادات والتخلق بالخلق الإسلامي واتباع النظام الإسلامي في كل نواحي الحياة.
2-تكوين الأسرة المسلمة: بتكوين الفرد المسلم- رجلا كان أو امرأة- يمكن تكوين الأسرة المسلمة على الأسس والقواعد التي وضعها الإسلام بالإرشاد إلى حسن الاختيار وبيان أفضل الطرق للارتباط وتحديد الحقوق والواجبات ورعاية ثمرة هذه الأسرة حتى تنشأ في بيئة إسلامية فتتكون الأسرة المسلمة في تفكيرها وعقيدتها، وفي خلقها وعاطفتها، وفي عملها وتصرفها.
3-الأمة المسلمة: الأمة هي مجموعة الأسر، وإذا صلحت الأسرة فقد صلحت الأمة. لذا كان من أهداف الإخوان تكوين الأمة الإسلامية التي يربط بين لبناتها- أي أسرها- أواصر الأخوة والحب والإيثار والقضاء على كل من شأنه أن يمزق هذه الأخوة والمحبة مع تحديد حقوق وواجبات أفراد الأمة من محكومين وحكم على أسس إسلامية.
4-الحكومة الإسلامية: يهدف الإخوان في دعوتهم إلى تكوين الحكومة الإسلامية التي تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه وتعلن مبادئه وتبلغ دعوته للناس وتقود الشعب إلى المسجد، وتقود الدول إلى الإسلام وتضم شتات المسلمين تحت راية القرآن، على أن يسبق ذلك سواد الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل أوضاع الأمة وتصبغها بصبغة إسلامية. وقد أوضح الإخوان المسلمون أنهم لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من ألأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي فهم جنوده وأنصاره، وإن لم يجدوا فسيعملون على استخلاصه من كل حكومة لا تنفذ أوامر الله بعد أن تنتشر مبدئهم وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
5-وحدة الوطن الإسلامي: يهدف الإخوان المسلمون إلى ضم كل جزء من أجزاء الوطن الإسلامي الذي فرقته السياسات الخاطئة والأحقاد الاستعمارية ولهذا لا يعترفون بالتقسيمات السياسية التي جعلت الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة سهل على الغاصبين ابتلاعها.
6-عودة الوطن السليب: وذلك بعودة راية الله خفاقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينا من الدهر ثم انحسر عنها بعد أن وقعت فريسة في يد أعداء الإسلام.
7-تبليغ الدعوة إلى كافة البشر: بإعلان دعوة الإسلام على العالم كله وإخضاع كل جبار لها حتى تكون كلمة الله هي العليا وينتشر النور والهداية بين البشر أجمعين.
خصائص دعوة الإخوان المسلمين:
من واقع ما عرضه الإخوان المسلمون في بعض رسائلهم مثل : " دعوتنا في طور جديد" ، " رسالة المؤتمر الخامس"، " الإخوان المسلمون تحت راية القرآن"، " دعوتنا"، " إلى الشباب" ، " هل نحن قوم عمليون" يمكن الحديث عن خصائص دعوة الإخوان المسلمين الإيجابية في ثلاثة اتجاهات:
أولا: الخصائص الإيجابية الوصفية.
ثانيا: الخصائص العملية.
ثالثا: الخصائص التي تنفي عن الدعوة ما يقال عنها.
أولا: الخصائص الإيجابية الوصفية: أنها دعوة ربانية عالمية إسلامية.
فهي ربانية لأن الأساس الذي تدور عليه أهدافها هو أن يتعرف الناس إلى ربهم، وعندما يجعلون أول هتافهم " الله غايتنا" فإنهم يدعون الناس إلى تذكر هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى.
وهل عالمية لأنها موجهة إلى لناس كافة، فالإخوان المسلمون لا يؤمنوا بالعنصرية الجنسية بل يدعون إلى الأخوة العادلة بين بني البشر " إنما المؤمنون إخوة" (سورة الحجرات – آية 10).
وهي إسلامية : لأنها تنتسب على الإسلام بما فيه من شمول لشؤون الحياة جميعا ، فالإسلام في فهم الإخوان المسلمين له عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة ، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف ، وهم بالتالي دعوة سلفية لما يدعون بالعودة بالإسلام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وطريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة، وحقيقة صوفية لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، وهيئة سياسية لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وهم جماعة رياضية: لأنهم يعنون بأجسامهم ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، وهم رابطة علمية ثقافية لأن شعبهم في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف لتربية الجسم والروح، وهم شركة اقتصادية لأن الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه، وهم فكرة اجتماعية لأنهم ينون بأداء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.
ثانيا- الخصائص العملية: تنحصر وسيلة الإخوان المسلمين لنشر دعوتهم في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على التعاليم التي يدعون إليها حتى يكونوا قدوة لغيرهم من التمسك بها والحرص عليها، ولذا فإنهم آثروا الجانب العملي الذي يتميز بما يأتي:
1-البعد عن مواطن الخلاف: حيث يعتقد الإخوان أن الخلاف في الفرعيات أمر ضروري لابد منه، وحسبهم أن يجتمع الناس على ما يصير به المسلم مسلما.
2-البعد عن هيمنة الكبراء والأعيان: حتى لا يحاول أحد منهم أن يستغلها أو يوجهها في غير الغاية التي تقصد إليها. وعلى هذا فقد تعمد الإخوان البعد عن هذا الصنف من الناس خصوصا في أول عهد الدعوة بالظهور، ولو أن بعض هذا الصنف ممن فهم فكرتهم وعطف على غايتهم شارك في أعمالهم.
3-البعد عن الهيئات والأحزاب: إيمانا من الإخوان بأن دعوة الإسلام عامة تجمع ولا تفرق ولا ينهض بها ويعمل لها إلا من تجرد من كل ألوانه وصار لله خالصا، فقد ابتعدوا من أول عهد الدعوة عن الاتصال بالأحزاب والهيئات لما كان بينها من التنافر والتناحر الذي لا يتفق مع أخوة الإسلام. ولكن عندما اشتد ساعد الدعوة وصلب عودها وأصبحت تستطيع أن توجه ولا توجه وأن تؤثر ولا تتأثر، فقد أهابت بهذه الهيئات والأحزاب أن ينضموا إليها ويسلكوا سبيلها، وأن يتوحدوا معهم تحت لواء القرآن العظيم ويستظلوا براية النبي الكريم ومنهاج الإسلام القويم.
4-التدرج في الخطوات: اعتقد الإخوان المسلمون أن لكل دعوة مراحل تتدرج فيها لتصل إلى غايتها تتمثل في ثلاث مراحل:
أ-مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكر وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب.
ب-مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين.
جـ-مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج.
وكثيرا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنا إلى جنب نظرا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعا. فالداعي وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك.
5-إيثار الناحية العملية: آثر الإخوان الناحية العملية على الدعاية والإعلانات مخافة أن تشوب أعمالهم شوائب الرياء، ولنفورهم الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل، وما كان يخشاه الإخوان من معالجة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية. فكان منهم الدعاة الذين ينتقلون في البلاد المختلفة دون كلل أو ملل، وكانت هناك المعسكرات التي تجمع بين رياضة الفكر والروح إلى رياضة البدن والجسم، والمؤتمرات التي تمثل كل الطبقات أصدق تمثيل.
6-إقبال الشباب على الدعوة: أقبل الشباب من كل الطبقات في كل مكان على دعوة الإخوان يؤمن بها ويؤيدها ويناصرها ويبشر بها في كل مكان، ولا غرو فالشباب دائما هو عصب الدعوات.
7-سرعة الانتشار في القرى والمدن والبلاد: انتشرت شعب الإخوان بسرعة فائقة في جميع نواحي القطر المصري ثم إلى بقية أجزاء الوطن الإسلامي لصدق النية ونبل الغاية والجهد والبذل الذي يقوم به أفراد الجماعة احتسابا لله بالرغم من المحن والمضايقات التي يلاقونها في مجتمعاتهم سواء من أفراد أو حكومات جاهلة أو عدوة للفكرة الإسلامية.
ثالثا: الخصائص التي تنفي عن الدعوة ما يقال عنها: حرص الشيخ حسنالبنا كثيرا على إبعاد الغلواء عن مفهوم دعوة الإخوان المسلمين ونفي الشبهات عنها وذلك على صورتين:
الأولى: صورة النصيحة للإخوان المسلمين.
والثانية: صورة الرد حول ما يقال عن الدعوة.
فمن الصورة الأولى نجده يخاطب الإخوان بقوله:" إذا قيل لكم : إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه. فإن قيل لكن هذه سياسة: فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام. وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة. فقولوا نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به، فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين. وإن قيل لكم أنتم تستعينون بالأشخاص والهيئات فقولوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنتم به مشركين فإن لجوا في عدوانهم فقولوا: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. ويقول في موطن آخر ناصحا وموجها:" يا شباب: لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج فلا تهنوا وتضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى:" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" سنربي شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وسنسير بخطوات ثابتة على تمام الشوط، وإلى الهدف الذي وضعه الله لنا لا الذي وضعناه لأنفسنا، وسنصل بإذن الله وبمعونته، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وقد أعددنا لذلك إيمانا لا يتزعزع، وعملا لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف، وأرواحا اسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله.
ومن الصورة الثانية في الرد حول ما يقال عن الدعوة: كان الشيخ حسنالبنا يوضح دائما حقيقة الدعوة وارتباطها بالإسلام وشرح ما خفي على الناس من أمور دينهم فنجده يوضح ما يقال عن الإخوان المسلمين بأنهم قوم سياسيون وأن دعوتهم دعوة سياسية ولم من وراء ذلك مآرب أخرى بقوله: " يا قومنا إننا نناديكم والقرآن في يميننا، والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالح من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام، وأحكام الإسلام، وهدى الإسلام،
فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا. وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا فنحن أعرق الناس- والحمد لله- في السياسة. وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة فقولوا ما شئتم فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات. وانكشفت الغايات" . ونجده يرد على من يتساءل عن عزم الإخوان المسلمين في استخدام القوة في تحقيق أغراضهم والوصول على غايتهم بقوله:".. أما القوة : فهي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته: فالقرآن الكريم ينادي في وضوح وجلاء " وأعدوا لم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.." والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) . بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء وهو مظهر الخشوع والمسكنة، واسمع ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم ويناجي به ربه ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) . ألا ترى في هذه الأدعية أنه قد استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الإرادة بالهم والحزن وضعف العزة والكرامة بالدين والقهر. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شيء، شعاره القوة في كل شيء فالإخوان المسلمين لابد أن يكونوا أقوياء، ولابد أن يعملوا في قوة. ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكرا وابعد نظرا من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر فلا يغوصوا إلى أعماقها ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها وما يراد بها. فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة: قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك: قوة الوحدة والارتباط ، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى يتوفر لها هذه المعاني جميعا،
وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك . هذه نظرة ، نظرة أخرى هل أوصى الإسلام- والقوة شعاره- باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال أم حدد لذلك حدودا، واشترك شروطا ووجه القوة توجيها محدودا؟
ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي؟ .. وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة".
ويرد على من يظن بأن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دراويش حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية كل همهم صلاة ، وصوم، وذكر وتسبيح فقط بأن الإخوان المسلمين عرفوا الإسلام وآمنوا به كما عرفه وآمن به المسلمون الأوائل بأنه عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وخلق ومادة، وثقافة وقانون وسماحة وقوة. وأنهم –أي الإخوان المسلمين- ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " رهبان في الليل فرسان في النهار" وكذلك يحاول الإخوان المسلمون أن يكونوا.
وفي كثير من كتابات الشيخ حسنالبنا ورسائله رد على ما يقال عن الدعوة .. بما يوضح للمتسائلين عنها أو الظانين بها أو المتهمين لها، ردا على تساؤلاتهم أو توضيحا لما يظنونه أو يتهمونها به.
منهج الإخوان المسلمين:
وضع الإخوان المسلمون عدة مناهج لإعداد أنفسهم من جانب، لإصلاح المجتمع من حولهم من جانب آخر، ويمكن تمييز هذه المناهج من رسائلهم:" نحو النور"ن " إلى أي شيء ندعو الناس" ، " رسالة التعاليم" بالآتي:
منهج إعداد الإخوان المسلمين الخاص بأفراد الجماعة:
ويقوم على ثلاثة أسس وهي أ-البيعة، ب-الأسرة، جـ-الأوراد.
أ-البيعة: وهي ليست دروسا تحفظ ولكنها توجيهات تنفذ خاصة بالإخوان الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها. وأركانها عشرة هي:
الفهم- الإخلاص- العمل- الجهاد- التضحية- الثبات- التجرد- الأخوة- الثقة.
ويتبع هذه البيعة وأركانها واجبات وتوجيهات هي:
1-حسن تلاوة القرآن والاستماع إليه والتدبر في معانيه، وأن يكون للأخ ورد يومي منه.
2-دراسة السيرة المطهرة وتاريخ السلف الصالح بقدر ما يتسع له الوقت.
3-الابتعاد عن أسباب الضعف الصحي والاهتمام بأسباب القوة والوقاية الجسمانية.
4-الابتعاد عن المشروبات المنبهة إلا في ضرورة والامتناع عن التدخين.
5-العناية بالنظافة في كل شيء.
6-الصدق وعدم الكذب.
7-الوفاء بالعهد والكلمة والوعد.
8-الشجاعة والاحتمال بالصراحة وكتمان السر والاعتراف بالخطأ.
9-الوقار وإيثار الجد ولا يمنع ذلك المزاح الصادق والضحك في تبسم.
10-الحياء ودقة الشعور والتواضع في غير ذلة.
11-العدل في الأحكام في جميع الأحوال في الرضا والغضب.
12-النشاط في الخدمة العامة، والمبادرة الدائمة في الرضا والغضب.
13-الصفح والحلم والرفق بالإنسان والحيوان وجميل المعاملة وحسن السلوك مع الجميع.
14-إجادة القراءة والكتابة والاهتمام برسائل الإخوان والإلمام بالشؤون الإسلامية العامة.
15-مزاولة أي عمل اقتصادي والإقدام على العمل الحر.
16-عدم الحرص على الوظيفة الحكومية مع اعتبارها أضيق أبواب الرزق، ورفضها عند تعارضها مع واجبات الدعوة.
17-الإتقان والإجادة وعدم الغش وضبط المواعيد في أداء المهنة.
18-حسن التقاضي وأداء حقوق الناس كاملة.
19-البعد عن الربا والكسب الحرام والميسر.
20-تشجيع المصنوعات والمنشآت الإسلامية الاقتصادية.
21-أداء الزكاة الواجبة والاشتراك بجزء من المال في تحمل أعباء الدعوة.
22-الادخار للطوارئ وعدم التورط في الكماليات.
23-إحياء العادات الإسلامية وإماتة ما ينافيها في مظاهر الحياة.
24-مراقبة الله تعالى في كل شيء من حسن الطهارة وحسن الصلاة والصوم واستصحاب نية الجهاد وحب الشهادة في سبيل الله وتجديد التوبة والاستغفار ومحاسبة النفس وجهادها حتى يسلس قيادها.
25-تجنب الخمر والابتعاد عن أقران السوء وأماكن اللهو والابتعاد عن مظاهر الترف.
26-التخلي عن الصلة بأي هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة الدعوة.
27-العمل على نشر الدعوة في كل مكان مع التعرف على أفراد الأسرة معرفة تامة بالمحافظة على الاجتماعات وإيثارهم بالمعاملة.
وقد وضع الشيخ حسنالبنا ميزانا يختبر الفرد المسلم نفسه به ليعرف بعده أو قربه من هذه الواجبات في وصايا عشر هي:
(1)قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف.
(2)اتل القرآن أو طالع أو استمع أو اذكر الله ولا تصرف جزءا من وقتك في غير فائدة.
(3)اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام.
(4)لا تكثر الجدل في أي شأن من الشئون أيا كان فإن المراء لا يأتي بخير.
(5)لا تكثر الضحك فإن القلب الموصول بالله ساكن وقور.
(6)لا تمزح فإن الأمة المجاهدة لا تعرف إلا الجد.
(7)لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السامعون فإنه رعونة وإيذاء.
(8)تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات ولا تتكلم إلا بخير.
(9)تعرف إلى من تلقاه من إخوانك وإن لم يطلب إليك ذلك فإن أساس دعوتنا:الحب والتعاون.
(10)الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك على الانتفاع بوقته وإن كلن لك مهمة فأوجز في قضائها.
وقد كان الشيخ حسنالبنا حريصا على أن تكون فكرة الإخوان المسلمين سلوكا أكثر منه نظرية، لذا فقد حدد الموبقات التي يتردى فيها الوطن والشعب، وحدد الواجبات المنجية التي تجب على الأخ المسلم أن يتمسك بها في مواجهة تحديات الموبقات المهلكة.. وهذه الموبقات والمنجيات هي :
الموبقات العشر | المنجيات العشر | ||
---|---|---|---|
1
2 3 4 5 6 7 8 9 10 |
الاستعمار
الخلافات السياسية،والمذهبية والشخصية الربا الشركات الأجنبية التقليد الغربي القوانين الوضعية الإلحاد والفوضى الفكرية الشهوات والإباحية فساد الخلق وإهمال الفضائل النفسية ضعف القيادة وفقدان المناهج العلمية |
1
2 3 4 5 6 7 8 9 10 |
الحرية
الوحدة تنظيم الزكاة تشجيع المشروعات الوطنية احترام القومية العمل بالشرائع الإسلامية تثبيت العقائد الإيمانية إقامة الحدود الإسلامية تقوية الفضائل الخلقية اتباع السيرة المحمدية |
ب-الأسرة: الأساس الثاني في منهج إعداد أفراد الإخوان المسلمين هو " نظام الأسرة" وهو نظام منبثق من تعاليم الإسلام الذي يحرص على تكوين وتقوية الروابط بين أبناء الأمة المسلمة. ويعتمد على ثلاثة أركان:
1-التعارف 2-التفاهم 3-التكافل
وفي اجتماعات الأسرة الأسبوعية حدد الشيخ حسنالبنا المسائل التي تشغل وقت اجتماع الأسرة في عدة أمور أهمها:
1-مدارسة نافعة لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد الكتب القيمة.
2-مذاكرة لشؤون المسلمين ومدارسة التوجيهات الواردة من القيادة العامة للأسر.
3-عرض المشاكل الخاصة بأفراد الأسرة لإيجاد الحلول في جو صادق من الأخوة المخلصة.
4-تحقيق معنى الأخوة خاصة في المجاملات مثل عيادة المريض، ومواساة المحتاج، وتهنئة الناجحين، وتعهد أسرة الغائب، وتعزية أهل المتوفى، وصلة الرحم.
وفي الرسالة الثانية لقسم الأسر " من آداب الأسرة والكتيبة" شعبان 1373هـ جاء في قسم آداب الاجتماعات بعض النقاط التي يجب أن يتذكرها الأخ عندما يذهب لاجتماع الأسرة متبعا في ذلك الآداب التي سنها أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم وهي:
1-الاستئذان 2-السلام 3-الجلوس 4-آداب التحدث والاستماع 5-المناقشة 6-أدب المزاح 7-تلاوة القرآن 8-آداب الطعام 9-آداب النوم 10-آداب قيام الليل 12-ختم المجلس.
ولزيادة الروابط بين أفراد الأسرة، حدد لها برنامج عملي تقوم به مثل:
1-رحلات ثقافية، أو رياضية.
2-صيام يوم في الأسبوع والإفطار معا.
3-صلاة الفجر جماعة.
4-المبيت مرة كل أسبوعين أو أسبوع في مكان واحد لقيام الليل وترديد الأوراد فيما يعرف بـ "الكتيبة".
جـ-الأوراد: وهو الأساس الثالث في منهج إعداد الفرد من الإخوان المسلمين. والهدف منها تربية الروح والمشاعر والوجدان والقلوب والأفئدة، والترقي بها إلى مصاف الطهارة والعفة ورضوان الله تعالى. لذلك عنى الشيخ حسنالبنا بوضع نماذج من واقع المأثورات عن النبي صلى الله عليه وسلم لتكون وردا للأسرة والكتيبة التي تبيت ليلها قائمة في طاعة الله.
وفي رسالة "المناجاة" وضع – رحمه الله- فضل هذه التربية وبين فيها:
1-فضل قيام الليل ووقت السحر.
2-فضل الدعاء والاستغفار وآدابهما.
3-نماذج من الدعاء: من القرآن الكريم، من السنة المطهرة، من مأثورات الصحابة، ومن مأثورات الصالحين.
ومن رسالة "المأثورات " يمكن تقسيم أوراد الإخوان التي يتعبدون بها إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: الوظيفة:
وتشمل قراءة الفاتحة وبعض آيات القرآن الكريم من سور "البقرة، آل عمران، الإخلاص والمعوذتان".
القسم الثاني: الورد القرآني:
ويشمل فضل القرآن الكريم، ومقدار الورد، وسور يستحب الإكثار من تلاوتها ، وآداب التلاوة، ومجلس الاستماع، وورد الحفظ.
القسم الثالث: الأدعية:
أ-أدعية اليوم والليلة: دعاء الاستيقاظ من النوم، دعاء لبس الثوب، دعاء الخروج من المنزل ودخوله، دعاء المشي إلى المسجد، دعاء التخلي والمباشرة، دعاء الوضوء والغسل والآذان، دعاء الطعام، دعاء النوم، ختام الصلاة، وختام المجلس.
ب-أدعية في حالات مختلفة: دعاء الاستخارة الشرعية، صلاة الحاجة، من أدعية السفر، من أدعية الظواهر الكونية، من أدعية الزواج والأولاد، من أدعية المرئيات، من أدعية السلام والتحية، من أدعية عوارض الحياة، من أدعية المرض والوفاة، صلاة التسابيح. وورد الدعاء وورد الرابطة، وورد المحاسبة، وفي هذا الأخير يستعرض الأخ أعماله اليومية، فإن وجد خيرا حمد الله وأثنى عليه وشكر على نعمة التوفيق، وإن وجد غير ذلك استغفر وتاب وأناب وسأله الهداية والتوفيق إلى خير السبل.
منهج الإخوان المسلمين في الإصلاح الاجتماعي:
يعتقد الإخوان المسلمون أن القرآن الكريم هو الجامع لأصول الإصلاح الاجتماعي الشامل، فقد جمع الله في تبيان كل شيء، واشتمل منهاجه هذا على أسس وركائز نجملها فيما يلي:
الربانية- التسامي بالنفس الإنسانية- تقرير عقيدة الجزاء- إعلان الأخوة الإنسانية – النهوض بالرجل والمرأة جميعا- تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة، والملك، والعمل ، والصحة، والحرية، والعلم، والأمن لكل فرد، وتحديد موارد الكسب- ضبط الغريزتين الأساسيتين: غريزة حفظ النفس وغريزة حفظ النوع، مع تنظيم مطالب الفم والفرج، الشدة في محاربة الجرائم الأصيلة- تأكيد وحدة الأمة- إلزام الأمة بالجهاد في سبيل الله- اعتبار الدولة ممثلة لفكرة وقائمة على حمايتها ومسئولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع وإبلاغها إلى الناس جميعا.
وفي رسالة "نحو النور" حدد الشيخ حسنالبنا منهج الإخوان المسلمين بشأن الإصلاح الاجتماعي على هيئة اقتراحات مقدمة للحكام والرؤساء شملت النواحي السياسية والقضائية والإدارية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية على أسس إسلامية.
ولم يكتف الإخوان المسلمون بعرض الاقتراحات فقد بل حاولوا تطبيق منهجهم بشكل عملي- فيما يخصهم- بتربية أنفسهم على أسس الإسلام ودعوتهم لكافة الناس ليتكون الفرد المسلم والأسرة المسلمة والأمة المسلمة. وشاركوا في إصلاح المجتمع عن طريق الخدمات التي قدمتها مؤسساتهم التعليمية والصحية والاقتصادية وقسم البر والخدمة الاجتماعية.
وسائل الإعلام غير المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين:
عن طريق الخطابة والمحاضرات. فمنذ نشأت الجماعة كانت هذه الوسيلة أهم الوسائل الإعلامية التي استخدمتها لإيصال الدعوة وشرها في صفوف الشعب ، وكان المسجد هو المكان الأول الذي تمارس فيه هذه الوسيلة. وكان أول بناء يقيمه الإخوان في [[الإسماعيلية ]]هو المسجد. وتتابعت بعد ذلك المساجد التي بناها الإخوان في جميع أنحاء القطر، وتعهدوا المساجد المهجورة بالتعمير، والمهملة بالرعاية والإشراف ، وتزويدها بالإمام والخطيب باستمرار هذا بالإضافة إلى استخدامهم للمساجد الحكومية عن طريق دعاتهم الملحقين بهذه المساجد أو الزائرين لها. وظل المسجد طيلة تاريخ الدعوة المكان الرئيسي الذي يمد الدعوة بجنودها. على أن انتشار الجماعة جعلها تعقد اجتماعات منتظمة في أوقات محددة خارج المساجد تمارس فيها وسيلة الخطابة والمحاضرات. وابتداء من عام 1939م (1358هـ) ظلت تعقد الاجتماعات كل ثلاثاء في المركز العام طيلة الوجود الرسمي للجماعة وكانت محاضرات أمسية الثلاثاء اجتماعات شعبية، تعززها محاضرات متخصصة في شتى أنحاء المعرفة، ومحاضرات تلقى على فئات خاصة من المستمعين كالعمال والطلبة والفنيين في ليال أخرى من الأسبوع، وفي مراكز هذه المجموعات بالمركز العام أو بالأقاليم وكان موضوع المحاضرات بالقاهرة في أول عهد الجماعة يدور حول شرح المعاني الحقيقية للرسالة النبوية من خلال تفسير مسهب للقرآن والحديث. وكان المتحدث عادة هو الشيخ حسنالبنا. ثم تطور موضوع المحاضرات ليشمل تاريخ الإسلام ومصر والأمور الاجتماعية والاقتصادية التي تتعلق عموما " بالنهضة الإسلامية" المتوقعة، كما شملت المحاضرات بطبيعة الحال تاريخ الدعوة نفسها.
كذلك استخدم الإخوان المسلمون وسيلة الخطابة في المناسبات المختلفة كالاحتفال بذكرى بعض ا لمناسبات الدينية كالهجرة وذكرى المولد النبوي، وذكرى غزوة بدر، وذكرى الإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات لتعميق الفكرة الإسلامية وتاريخها وبطولاتها لدى نفوس أفراد الشعب. وغالبا كانت تقام هذه الاحتفالات في سرادقات وسط الأماكن الجماهيرية التي تجذب جمعا كثيرا من الناس علاوة على الإخوان أنفسهم. كذلك مؤتمرات خاصة بهم ومؤتمرات لشرح بعض القضايا الوطنية والإسلامية. وكان قسم نشر الدعوة بالمركز العام للإخوان المسلمين هو المسئول عن برامج المحاضرات وعن تدريب المحاضرين. وتنص المادة 58 من اللائحة الداخلية للإخوان المسلمين على أن الغرض من إنشاء قسم نشر الدعوة هو تنظيم الدعاية لفكرة الإخوان تنظيما فنيا ونشر الدعوة بكافة الوسائل التي لا تتنافى مع روح الإسلام ومن ذلك: إعداد الدعاة للخطابة والمحاضرات والكتائب على ن لا يسمح لهؤلاء أن يخطبوا في الأحفال العامة إلا بعد التأكد من صلاحيتهم.. وفكرة تكوين دعاة إسلاميين نبتت من قبل عند الشيخ حسنالبنا عندما كان طالبا بدار العلوم بالقاهرة حيث دعا إلى تكوين فئة من الطلاب الأزهريين وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في المقاهي والمجتمعات، ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنش الدعوة الإسلامية، وخصص جزءا من كتبه لتكون مكتبة دورية لهم يستعيرون ويحضرون موضوع الخطب والمحاضرات منها.
استخدم الإخوان المسلمون الرياضة كوسيلة للإعلام بدعوتهم خصوصا في صفوف الشباب حيث تستهويهم الرياضة في هذه السن، ومن منطلق إعداد الأخ المسلم الكامل الذي يمكنه تحمل تبعات الجهاد، وأعباء الدعوة متمثلين في ذلك بالحديث الشريف" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
" وكانت الرياضة البدنية عند الإخوان قاصرة على جهود محلية فردية حتى نبهت قيادة الدعوة إلى فوائدها. ومن عام 1359هـ (1940م) حملت نشراتها الأوامر المشددة بتكوين فرقها وتأسيس أنديتها، وهدفت بذلك إلى غرضين:
أن تكون من الإخوان أنفسهم تشكيلات رياضية بمزاولة ألعابها المختلفة للوصول إلى اللياقة البدنية واكتساب الأخلاق التي تعودهم الاحتمال والصبر وخدمة الآخرين، وتقوي عندهم الرغبة في الانتصار المشرف. وبذلك تعد الجيل الرياضي الفاضل الذي يكون العصب الحي في الأمة فلا تدب إليه شيخوخة ولا يتطرق على قوته وهن.
أما الثاني: فنشر الدعوة بين الرياضيين أنفسهم في مختلف الأندية وهم جيش جرار تأثرت أخلاقه وتحجرت عواطفه وتوجه شطر المضمار لا المحراب وأنسته هوايته عبادته، وذلك بمقابلة فرقهم ومنازلة أبطالهم لا حبا في الغلبة ولكن لعرض نماذج من خلق فرق الإخوان التي أدبتها الدعوة فتشيع بينهم روح التنافس البرئ، وتلقي عليهم دروسا في احترام قوانين اللعبات والنزول عن طيب خاطر عند قرار الحكام، وتقبل الهزيمة بنفس الروح التي يتقبل بها الانتصار، وتذكرهم بربهم ودينهم حينما تذكر الله وتحمده قبل كل مباراة وتقطعها إذا أذن المؤذن للصلاة.؟
وتكون مجلس الرياضة الأعلى للإخوان في عام 1364هـ -1945م. وكان لهم أندية رياضية كبرى مجهزة بمختلف اللعبات واشترك أعضاؤها في كثير من البطولات مسجلة بالاتحادات المصرية. وكن لهم (99) فرقة كرة قدم، (32) فرقة لكرة السلة ، (28) فرقة لتنس الطاولة، (99) فرقة للملاكمة، (9) فرق للمصارعة، (8) فرق للسباحة.
الرحلات:
الرحلات عند الإخوان المسلمين ذات أهمية متعددة فهي بالنسبة للرحلات الجماعية تزيد الترابط بين أفراد الإخوان. وهي بالنسبة للدعاة منهم وسيلة إعلامية لنشر الدعوة في الأماكن التي يتوجهون إليها.
فبالنسبة للنوع الأول منها نبه الشيخ حسنالبنا في إحدى رسائله أن يحرص أفراد الأسر على أن يقوموا برحلات:
1-ثقافية لزيارة الآثار والمصانع وغير ذلك.
2-قمرية رياضية.
3-نهرية للتجديف.
4-جبلية أو صحراوية أو حقلية.
5-متنوعة بالدراجة.
وبالنسبة للنوع الثاني فقد كان الشيخ حسنالبنا مثالا له حيث يقوم برحلات للبلاد القريبة في عطلته الأسبوعية، وللبلاد البعيدة في عطلته السنوية. ويوضح الجدول التالي برنامج في صيف 1352هـ (أغسطس 1933م).
البلدة | من | إلى | المدة |
---|---|---|---|
أبو صوير شرقية
السويس بور سعيد الدقهلية بفروعها طنطا شبراخيت المحمودية (بحيرة) دمنهور شبلنجة |
11 ربيع الثاني 1352هـ
12 ربيع الثاني 1352هـ 16 ربيع الثاني 1352هـ 19 ربيع الثاني 1352هـ 21 ربيع الثاني 1352م 29 ربيع الثاني 1352هـ غرة جمادي الأولى 3 جمادي الأولى 6 جمادي الأولى 8 جمادى الأولى |
12 منه
16 منه 19 منه 21 منه 29 منه غرة جمادي الأولى 3 جمادي الأولى 6 جمادي الأولى 8 جمادي الأولى 9 جمادي الأولى |
يوم واحد
أربعة أيام ثلاثة أيام يومان ثمانية أيام يومان يومان ثلاثة أيام يومان يوم واحد |
ولم تكن رحلات الدعاة قاصرة على الشيخ حسنالبنا وحده. فقد كان الدعاة من الإخوان المسلمين موزعين دائما على شعب الإخوان في أنحاء القطر لحضور حفلاتهم وتنظيم أمورهم وحل مشاكلهم التي تعترض الدعوة وزيادة الرابطة بينهم وبين بقية الفروع والمركز العام.
الكشافة والجوالة والمعسكرات:
من وسائل الإعلام الرياضي استخدم الإخوان المسلمون الحركة الكشفية للإعلام بدعوتهم فأقبلوا على تعاليمها، وطبعوا أنفسهم على نظمها، وابتاعوا كتبها واستخدموا شاراتها وسجلوا رسميا بجمعية الكشافة المصرية وتعهدوا بالتزام قانونها.
وكان أول معسكر لقادة الحركة الكشفية في صفوف الإخوان عام (1357هـ - 1938م)ى بالاسكندرية ، وفي بداية عام (1360هـ - 1941م) كان تعداد جوالة (كشافة) الإخوان المسلمين (2000)جوال حيث توجه الشباب لميادين الخدمة العامة في محيط تشكيلاتهم لأقسام البر والخدمة العامة يساعدون الغير ويقدمون العون للمحتاج.
وفي عام (1362هـ - 1943م) قامت جوالة الإخوان بمشروع خدمة القرية المصرية لتنظيفها وإنارتها بالفوانيس، وعمل مجالس المصالحات، وتقديم الخدمات الصحية، وتشجيع الشباب لخدمة القرية وغيرها من الخدمات التي تهم القرية.
وفي عام (1364هـ - 1945م) وصل تعداد جوالة الإخوان ( 45000) جوال. وعندما انتشر وباء الملاريا في صعيد مصر جند جميع جوالة الإخوان في بلاد الصعيد لمواجهة هذا الخطر فعملوا جنبا إلى جنب مع المسئولين من رجال الصحة وهيئات الهلال الأحمر.
وفي نفس الوقت كان هناك فيضان طاغ عم القرى ودمرها فكانت جوالة الإخوان هم الحراس الذين قاموا بحراسة الجسور والتبليغ عنها ليس في الصعيد فقط ولكن في جميع أنحاء القطر.
وفي عام (1366هـ- 1947م) وضعت قيادة جوالة الإخوان تحت إمرة المسئولين(70000) سبعين ألف جوال ليعملوا في محاربة وباء الكوليرا، وكان لهم أعظم الأثر بالخدمات التي أدوها في وقف تيار هذا الوباء مما حدا بوزير الصحة وقتئذ بالإشادة بمجهودهم.
وفي نهاية ذلك العام وصل تعداد جوالة الإخوان إلى خمسة وسبعين ألف جوال. وظل هذا الرقم ثابتا حتى عام 1368هـ - 1948م حيث صدر قرار حل الجماعة.
أما بالنسبة للمعسكرات فقد كانت ملحقة بنظام الجوالة، وكان الإخوان بين الفنية والفنية يقيمون معسكرات في ضواحي القاهرة، وكانت معسكراتهم تدريبا على الصبر والاحتمال، وتعويدا للنفس على تحمل أشق الظروف. وكانوا يقيمون هذه المعسكرات باعتبارهم من فرق الجوالة المسجلة في جمعية الكشافة الأهلية وكان من حقهم بهذا الاعتبار أن يستغلوا الأماكن التي أعدتها هذه الجمعية لإقامة المعسكرات الكشفية، فكثيرا ما أقام الإخوان معسكرات كانت بعض الأحيان تستمر طوال الصيف في معسكر الكشافة بحلوان، وكان لكل معسكر برنامج يستوعبه أفراد كل دفعة ويتضمن أنواعا من الرياضة البدنية والتدريبات العسكرية والتربية الروحية ومنها حفظ قدر معين من القرآن الكريم مع تفسيره، ويعقد في نهاية المدة امتحان قبل تسريحها.
كما أقام الإخوان المسلمون معسكرات صيفية بالمصايف مثل الاسكندرية (الدخيلة) ، جمصة، دمياط.
استخدم الإخوان المسلمون الأساليب التربوية المبنية على أسس إسلامية كوسيلة إعلامية لنشر وتثبيت دعوتهم في صفوف الصغار والكبار، وتميزت هذه الوسيلة في مجالين اثنين: الأول عام عن طريق المدارس التي أنشئوها والثاني خاص عن طريق الأسر والكتائب ضمن تنظيماتهم.
ففي المجال الأول: اهتم الإخوان المسلمون بإنشاء المدارس منذ تكونت جماعتهم في الإسماعيلية، فأنشئوا معهد جراء الإسلامي للبنين فوق بناء مسجدهم وكان لاستقرار العمل فيه أثر طيب في إنشاء مدرسة للبنات أطلق عليها مدرسة "أمهات المؤمنين" واستأجروا لها دارا فخمة مناسبة ووضع لها منهاج عصري إسلامي يجمع بين أدب الإسلام وتوجهه السامي للفتيات والأمهات والزوجات وبين مقتضيات العصر ومطالبه من العلوم النظرية والعملية.
وكان الهدف من إنشاء المدارس هو تعليم النشء ما يتعلمه نظائرهم في المدارس الأخرى ويزيدون على نظرائهم أمرين: دراسة الدين الإسلامي وممارسة شعائره كجزء أساسي من حياتهم المدرسية، فساعات الدرس لا تضطرب مع مواعيد الصلاة ، والنشاط المدرسي يدور حول المثالية الإسلامية، والعلاقة بين التلميذ وأستاذه علاقة ود متين وتفاهم متبادل وثقة وطيدة.
وفي عم (1365هـ- 1946م) أنشأ المركز العام للإخوان المسلمين لجنة لإنشاء مدارس ابتدائية وثانوية وفنية وخاصة للبنين والبنات تكون ذات طابع خاص تتميز به على سائر المدارس الحرة. وقد حققوا من ذلك ما يلي: -فتح عدد من المدارس لمحو الأمية وتنمية الثقافة الدينية بالمجان.
-مكاتب لتحفيظ القرآن نهارا.
مدارس ليلية لتعليم العمال والفلاحين.
أقسام خاصة للراسبين في الامتحانات العامة يتولى التدريس فيها أساتذة أخصائيون من خريجي الجامعة.
شعب لتعليم الغلمان الذين حرموا التعليم لاشتغالهم بالصناعات.
مدارس لتعليم البنين وأخرى لتعليم البنات.
دور للصناعة ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم العلمي.
كذلك أنشئوا مدارس للناشئة لتربية الجيل الجديد أسموها مدار الجمعة، وتحدد لها برنامج روعي فيه أن تحتل القدوة الصالحة المحل الممتاز مع مراعاة أن تكون العبادات بالرغبة لا بالرهبة والاستعانة في ذلك بالقصص والأناشيد التي يمكن أن يفهمها الأطفال فهما طيبا واضحا.
وكانت المشروعات المدرسية تمول بطرق متعددة من ميزانية الشعب التي تقام فيها ، ومن التبرعات الخاصة من داخل الجماعة ومن خارجها، وقد جاء في قائمة للتبرعات نشرتها جريدة الإخوان المسلمين تبرعا بمبلغ خمسة آلاف جنيه ووعد بدفع ألف جنيه لكل عشرة مدارس تفتتحها الجماعة وكانت الإعانات الحكومية في بعض الأحايين هي المصدر الثالث، خصوصا عندما قامت الجماعة بمعاونة الحكومة في تحقيق مشروع لمكافحة الأمية عام (136هـ- 1946م).
وقد استفادت الجماعة اكتساب أنصار جدد من فرصة انضمامها لمعركة محاربة الأمية وأخيرا جمع بعض المال من بيع أسهم خاصة، إذ أسست شركة مساهمة غير محدودة بالقاهرة عام (1365هـ- 1946م) للمساعدة في تمويل بناء المدارس، كما أنشئت شركة شبيهة بالاسكندرية عام (1367هـ- 1948م).
وقد ذكر الشيخ حسنالبنا في آخر رسالة له (القول الفصل) أن هناك مدرسة أو أكثر في كل شعبة من شعب الإخوان المسلمين الألفين.
وعندما استأنف الإخوان المسلمون نشاطهم بعد قرار حل جماعتهم الأول اهتموا بالمعاهد الليلية ومدارس رياض الأطفال ومدارس محو الأمية.
والجدول التالي يوضح عدد مدارس الإخوان بمناطق القاهرة وبندر الجيزة في عام 1954م (1373هـ).
منطقة الإخوان المشرفة | نوع الدراسات | عدد المدارس | عدد الطلاب |
---|---|---|---|
منطقة شمال القاهرة
منطقة جنوب القاهرة منطقة شرق القاهرة منطقة وسط القاهرة شعبة الجيزة |
معاهد ليلية
رياض أطفال مدارس الجمعية معاهد ليلية معاهد ليلية دراسات تجارية رياض أطفال محو أمية مدارس الجمعة محو أمية معاهد ليلية |
4
6 9 1 4 1 1 1 1 2 |
205
1180 297 20 940 20 75 20 65 50 450 |
أما المجال الثاني في وسائل الإعلام التربوي الذي استخدمه الإخوان المسلمون فهو مجال التربية الفردية من خلال تنظيماتهم الداخلية فيما عرف بنظام الكتائب ونظام الأسر.
ويتميز نظام الكتائب بأسلوب التربية العميقة والتكوين المركز. وتتكون الكتيبة الواحدة من أربعين أخا. وكان النظام يقتضي أن تتم كل كتيبة أربعين أسبوعا، ويتلخص نظام الكتيبة في الآتي:
1-تبيت الكتيبة ليلة في الأسبوع في المركز العام ويبيت معهم الأستاذ المرشد .
2-يصلون مع الأستاذ المرشد المغرب والعشاء.
3-يتناولون طعام العشاء معا طعاما رمزيا.
4-يتذاكرون معا ويتسامرون.
5-بعد صلاة العشاء بوقت قصير، وفي لحظة محددة ينامون على الأرض في حجرة واحدة واسعة، ويتخذ كل منهم حذاءه وسادة له وينام الأستاذ المرشد معهم على نفس الهيئة.
6-يستيقظون قبل الفجر بساعتين ويتوضئون ويتهجدون بعض ركعات فرادى. ثم يجلسون منصتين إلى تلاوة نحو جزء من القرآن الكريم.
7-يستمعون إلى درس من الأستاذ المرشد في التكوين النفسي والروحي والعلمي للداعية مع عرض لتاريخ الدعوات والدعاة، وبيان مواطن الضعف في كل منها وفي كل منهم، وما يقابل ذلك في الدعوة الإسلامية، وكيف يتجنب الداعية مواطن الضعف التي عصفت بسابقيه.
8-فترة قبيل الفجر للاستغفار.
9-آذان الفجر ثم صلاة الفجر خلف الأستاذ المرشد.
10-توزيع الورد القرآني على أعضاء الكتيبة، وقيام الأستاذ المرشد بتفسيره تمهيدا لحفظه والورد القرآني هو ورقة يجمع فيها الأستاذ المرشد الآيات القرآنية ذات الهدف الواحد.
11-إذا طلعت الشمس قرأ الجميع معا في صوت خافت "الوظيفة" وهي أدعية من القرآن الكريم ومن السنة النبوية كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح أو أمسى.
12-إفطار بسيط ثم يتجه كل منهم إلى عمله.
وكان يوزع على كل فرد من أعضاء الكتيبة في أول كل شهر كشف يسمى استمارة المحاسبة، وهو يضم عشرين سؤالا يجيب عليها الفرد كل ليلة حين يأوي إلى فراشه "بنعم" أو "بلا" كتابة أمام كل سؤال. وفي نهاية الشهر يجمع عدد "لا" وعدد "نعم" فإذا رجحت "نعم" حمد الله وطلب منه دوام التوفيق وزيادة عمل الخير، وإذا رجحت "لا" أسف وندم واستغفر الله وجدد التوبة.
ثم استبدل بنظام الكتائب ما عرف " بنظام الأسر" حيث تتكون الأسرة من خمسة أفراد، وهذا العدد هو أدنى عدد لجماعة تريد أن تؤدي جميع أنشطة الدعوة من دراسة للفكرة ونشراتها، والأخذ بنظم التربية البدنية العقلية والروحية مع متابعة تطورات الأحداث ودراسة كل تطور وإصدار القرار المناسب له، وتلقي التعليمات من القيادة ووضعها موضع التنفيذ والإلمام التام بغيرها من الأسر. وتكوين الأسرة من هذا العدد القليل يسهل لها الوجود في أي مكان وفي أي وقت دو التقيد بمكان معين أو زمن معين. وللأسرة نقيب هو الذي يتصل بالقيادة المحلية وللقيادات المحلية نقيب يتلقى من القيادة الأعلى وهكذا.
ونظام الأسر ليس حلقة مقفلة.. بل هو نظام ولادة مثمر فقد تلد الأسرة نتيجة اتصال أفرادها بمجتمعهم أسرا جديدة، ويلتزم الجميع بنظم الأسرة المقررة من الدراسة والتربية والبذل ونشر الدعوة. وقد سبق التحدث عن الأمور التي تشغل وقت اجتماع الأسرة عند الحديث عن منهج إعداد أفراد الإخوان المسلمين.
استخدم الإخوان المسلمون الخدمات الصحية كوسيلة للإعلام بدعوتهم عن طريق المؤسسات والجهود التي يقومون بها في هذا المجال. وقد سبق أن أشرنا إلى المجهودات التي قامت بها جوالة الإخوان في مكافحة الأوبئة ونشر الدعاية الصحية وقد أنشأ الإخوان قسما طبيا نصت لائحته العامة على أن منم أغراض القسم:
أ-إنشاء العيادات والمستوصفات والمستشفيات والإشراف على تنظيمها وإدارتها.
ب-العمل على تحقيق التأمين الصحي للإخوان.
ج-العمل على نشر الدعوة الصحية ورفع المستوى الصحي لجميع الطبقات بكافة الوسائل، ومعاونة الهيئات الرسمية والشعبية في مقاومة الأمراض المتوطنة والأوبئة بالنشر والإذاعة والمحاضرات..الخ.
د-توثيق الصلة بين الهيئات الطبية وهيئة الإخوان المسلمين في مصر والبلاد العربية والإسلامية بإرسال الوفود والبعوث ، وعقد المؤتمرات وحضورها، واستقبال المندوبين.
وقد تأسس القسم الطبي للإخوان عام (1363هـ - 1944م) ، وخصص جانبا من المركز العام لمستوصف بلغ عدد الذين عولجوا فيه عام ( 1364هـ -1945م) 21877 مريضا. وفي ( شوال 1365هـ - سبتمبر 1946م) اختير له بناء ضخم مستقل، وبلغ عدد من عولجوا فيه في ذلك العام 39039 مريضا. وفي سنة (1366هـ- 1947م) بلغ عدد المنتفعين به 51300 مريضا.
كذلك أنشأت مستوصفات في أماكن أخرى تابعة للقسم بلغ عدد المترددين عليها تسعة وثلاثين ألف مريض.
ثم رأى القسم الطبي أن ينشئ مستشفى به عيادة خارجية وأخرى داخلية في (جمادي الثاني 1367هـ - أبريل 1948م) في منطقة العباسية، بلغ عدد المرضى الذين عولجوا به في الأشهر الأول إبريل – يوليو 1948م / جماد ثاني- رمضان 1367هـ ) 9333 مريضا.
وعندما استأنف الإخوان المسلمون نشاطهم الرسمي بعد قرار حل جماعتهم الأول نشطوا في إنشاء المستوصفات والمستشفيات إلى حد كبير بحيث كان بكل مديرية على الأقل مستوصف للإخوان المسلمين.
والجدول التالي يبين حصرا لهذه المستوصفات بمناطق القاهرة وبندر الجيزة عام 1954م ( 1373هـ).
منطقة الإخوان التابع لها | عدد المستوصفات | متوسط عدد المرضى | ملاحظات |
---|---|---|---|
شمال القاهرة
جنوب القاهرة وسط القاهرة شرق القاهرة بندر الجيزة |
3
2 3 7 1 |
16200 سنويا
90 يوميا 13200 سنويا 81000 سنويا 36000 سنويا |
أحدهما به صيدلية قانونية
افتتحا منذ أيام من الإحصائية أحدهما به مستشفى داخلي والجميع به صيدليات 3 بها صيدليات |
بدأ نشاط الإخوان الاجتماعي منذ نشأتهم. فالناحية الاجتماعية هدف أسمى وغاية عظمى في دعوة الإخوان. فهي دعوة اجتماعية ترمي إلى إصلاح المجتمع أفرادا، وأسرا، وشعوبا، وحكومات. وتحاول أن تعاون هؤلاء بأن تقدم لهم النظام الإصلاحي في كل شأن من شئونهم كما يراه الإسلام. وقد استخدم الإخوان المسلمون كل الوسائل الكفيلة بتحقيق هدفهم في هذا المجال، فقد نص القانون الأساسي للإخوان على أن من غايات الإخوان " تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين الاجتماعي لكل مواطن ، والمساهمة في الخدمة الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع أعمال البر والخير" ففي مجال القرية المصرية أسسوا جماعة للعناية بنهضة القرى المصرية، ووضع أحد الإخوان تصميما لعزبة (مزرعة) حديثة في أرضه، وشيدوا في إحدى القرى أربعة مدافن واسعة لدفن الفقراء ت والمساكين، وتنافست الشعب في إطعام الفقراء خلال الأشهر الثلاثة المباركة، وفي إنارة القرى، وإخراج الزكاة في رمضان، والعناية بالمصالحة بين المتخاصمين ، وتولت إحدى اللجان إحصاء الأطفال والمشردين والأسر الفقيرة لتشغيل الأطفال في صناعات تتفق وإمكاناتهم وإعالة العجزة الذين لا عائل لهم.
وحين استقر الإخوان بالقاهرة أنشئوا مكتبا للمساعدات الاجتماعية. وكانت الخدمات التي يقدمها تنقسم إلى أربعة أقسام:
1-خدمات مؤقتة: كإعطاء مساعدات للمحتاجين، وتكون عادة عينية، إلا إذا اقتضت الضرورة أن تكون المساعدة مالية، وجمع زكاة الفطر، ولحوم الأضاحي وجلودها لتوزيعها على المستحقين.
2-خدمات شافية: كمساعدة العاطل للحصول على عمل، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل، والمصالح الأخرى، وأصحاب الأعمال، وإقراض رؤوس أموال صغيرة في بعض الأحوال بدون فائدة. وكذلك علاج المرضى بالمجان أو نظير أجر إسمي.
3-خدمات واقية: مثل بث الدعوة الصحية بين الأسر التي يرعاها المكتب، والعمل على توفير وجبات غذائية تباع بمبلغ زهيد لفقراء الحي.
4-خدمات إنشائية: للارتفاع بمستوى الحياة العادي، وذلك بالعمل على إنشاء ناد للعمال، وصغار أصحاب الأعمال الحرة، تنظم به أوقات فراغهم لكي ينتشلوا من السقوط، ويوجهوا توجيها مهنيا ووطنيا صحيحا.
وقد نص مشروع المكتب على أن المساعدات المادية تقدم للفئات الآتية:
1-الأسر الكريمة التي افني عليها الدهر.
2-الأسر التي فقدت عائلها الوحيد، وليس لها أي مورد رزق كاف.
3-الأسر الفقيرة التي اشتهرت بحسن السير والسلوك ولم تصدر أحكام. مخلة بالشرف، ولها استعداد لمعاونة المكتب في تحقيق رسالته بتنفيذ إرشاداته وتوجيهاته.
وعندما صدر في عام ( 1364هـ - 1945م) قانون تنظيم الجماعات والمؤسسات الخيرية تحول المكتب إلى قسم مستقل له لائحته الخاصة به وسمي باسم " جماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين" وتوسع هذا القسم في نشاطه بالإضافة على أنواع النشاط القديمة . وكان لهذا القسم حتى عام ( 1368هـ - 1948م) 500 فرع في أنحاء القطر المصري تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية.
كما قامت الأقسام الرئيسية بالمركز العام ( قسم العمال والفلاحين- قسم المهن- قسم الطلاب- قسم الأسر- قسم الاتصال بالعالم الإسلامي) بالمساهمة في الخدمات الاجتماعية بجوار الخدمات الأخرى التي تقوم بها.
فقسم العمال والفلاحين أنشأ مدرسة عمالية بالمركز العام لتبصير العمال بحقوقهم، وشرح التشريعات العمالية، وتبسيطها لهم ومساعدتهم على الاستفادة منها. كما نصت لائحة القسم على " العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق التكافل الاجتماعي والأخذ بمبدأ الخدمات الاجتماعية في جميع المصانع، وحل المشكلات التي تنشأ بسبب الفقر بين الفلاحين وما يتصل بها من مشكلات الملكية الزراعية".
وكان بإدارة القسم بالمركز العام محامون متخصصون في الشئون العمالية لتوجيه العمال وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم، ومساعدة العاطلين على إيجاد أعمال لهم بالاتصال بمصلحة العمل والمؤسسات التجارية والصناعية التي تربطها بالإخوان صلات طيبة.
أما قسم المهن فقد نص على أن من أغراضه " توثيق الصلة بين أرباب المهن في مصر والبلاد الإسلامية" وتوسل لذلك بأن يعمل على توثيق الصلة بالشخصيات المهنية والنقابات والأندية والروابط والجمعيات العلمية المحلية والدولية. وتنظيم إلحاق الإخوان الخريجين في الأعمال الحكومية والحرة حسب الحاجة والإمكان.
أما قسم الطلاب فكان يعمل على قضاء متطلبات الإخوان الطلاب وتنظيم التعاون المدرسي بينهم. وتنظيم الاستفادة من الطلاب في العطلة الصيفية وإفادتهم وتوجيه الطلبة إلى الاستفادة من النشاط المدرسي.
وقد ساهم قسم الأسر في النشاط الاجتماعي أيضا بالإضافة إلى نشاطه التربوي فاهتمت اللائحة بتأكيد روابط الإخاء بين أفراد الأسر كما سبق توضيحه عند الحديث عن الأسرة. كما أوجب نظام الأسر على الإخوان التكافل الاجتماعي فيما بينهم. وارتفعوا بقيمة التكافل حتى أسموه صرح الإيمان ولب الإخوان.
أما قسم الاتصال بالعالم الإسلامي. فقد قام – بالإضافة إلى نشاطه الخارجي الممتد خارج القطر- بخدمات اجتماعية لطلاب البعوث الذين يحتاجون إليها ببحث حالة من تستدعي حالته المساعدة، وتقرير الإعانة التي يجب صرفها مما كان له أثر في نشر الدعوة عندما كان هؤلاء الطلاب يعودون إلى بلادهم.
استخدم الإخوان المسلمون المجال الاقتصادي كوسيلة من وسائلهم المتعددة لنشر دعوتهم. فبذلوا الجهود في ميادين المشروعات الصناعية والنشاط العمالي حتى تتبين كيفية معالجة الإسلام للشئون الاقتصادية.
فقامت الجماعة عام 1938م ( 1357ه) بأول مشروع كبير وهو " شركة المعاملات الإسلامية" وجاء في أول إعلان عنها أن الشركة محاولة لتحقيق وسيلة "للكسب في نطاق المبادئ الإسلامي " ثم تطورت بزيادة رأس المال في عام 1364هـ ( 1945م) بعد أن نمت وزاد نشاطها، ثم اتحدت مع الشركة العربية للمناجم والمحجر التي تكونت عام ( 1366هـ - 1947م) لتوحيد الجهود بينهما.
كما عكفت الجماعة على تنفيذ برنامج للصناعات في محاولة لمواجهة مشاكل البطالة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتضمن هذا البرنامج إنشاء " شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج" التي تأسست عام ( 1366هـ- 1947م) وكان جميع عمال الشركة من حملة أسهمها. وكان هذا المشروع محل اعتزاز وفخار للجماعة حيث عرضته كمحاولة لإحياء الاقتصاد الإسلامي ولتحرير الاقتصاد الوطني ولرفع مستوى العامل المصري.
كما أسست الجماعة بالاسكندرية " شركة التجارة وأشغال الهندسة" وانصب عملها على إنشاء المباني وإنتاج مواد البناء وتدريب العمال في حرف السباكة والكهرباء والتجارة. وأسست شركة أخرى بالسويس تحت اسم " شركة التوكيلات التجارية" وفي مجال الإعلام أنشأت الجماعة " شركة الإعلانات العربية" وكانت أعمالها تشمل النشر بالصحف والدعاية بالسينما، وعمل الرسوم الفنية وأغلفة الكتب والمجلات وتصميم لافتات وواجهات المحلات. كما أنشأت شركتان للطباعة والصحافة هما " شركة الإخوان للطباعة" و" شركة الإخوان للصحافة".
ويلاحظ في جميع شركات الإخوان أن أسهمها موزعة على مجموعة كبيرة جدا من المساهمين بعكس ما ألف الناس في الشركات الكبيرة في مصر وقتئذ.
اعتنق الإخوان المسلمون فكرة شمولية الإسلام لجميع جوانب الحياة ولذلك لم يكن اهتمامهم بأمور المسلمين بشيء مستغرب لفهمهم للإسلام وعندهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي".
فالإسلام في فهمهم له عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة. والسياسة ما هي إلا اهتمام بأحوال المجتمع، سواء كان المجتمع الصغير الذي يضم الوطن أو المجتمع الكبير الذي يضم الإنسانية كلها ونظام الحكم والحكومة وسيلتان لتنفيذ ما أمر الله به وما نهى عنه، وعليه فقد كان اهتمام الإخوان المسلمين بالسياسة كاهتمامهم بأي أمر من أمور دينهم. وقد سلكوا في ذلك السبل التي يتيحها لهم الإسلام.
واستخدموا كل الوسائل المتاحة لهم في هذا المجال.
ومن الوسائل الإعلامية السياسية التي استخدمها الإخوان المسلمون ما يلي:
أ-المؤتمرات:
استخدم الإخوان المسلمون "المؤتمرات" كوسيلة إعلامية سياسية للتعبير عن آرائهم في الدفاع عن قضايا الإسلام سواء بمصر أو بالأقطار الإسلامية المختلفة. ويعتبر المؤتمر الخامس المنعقد بمناسبة عشر سنوات على تأسيس الجماعة بمثابة وضع الأسس التنظيمية للجماعة. وإعلان دخولها في الحياة السياسية.
وكان أول مؤتمر عربي عقد من أجل فلسطين بدار المركز العام للإخوان المسلمين بالعتبة، وكان له آثار بعيدة المدى لأنه جعل الحكومات العربية تحس لأول مرة أن عليها مسئولية تجاه مشكلة فلسطين.
ب-الاتصال بالزعماء والسياسيين والكتابة إليهم:
استخدم الإخوان المسلمون وسيلة الاتصال بزعماء المسلمين بمصر والخارج، وكان المجاهدون من هؤلاء الزعماء خارج مصر يشعرون أن قد صار لهم بوجود الإخوان موئل ومكان وصدر مفتوح ذراعا دائما يتلقاهم في شوق وحب. وكان المركز العام للإخوان المسلمين محطا لهؤلاء الزعماء دائما عند نزولهم إلى مصر. كما التقى الشيخ حسنالبنا بالملك فاروق أخذا بالأسلوب الإسلامي في إصلاح البلاد بإقناعه بالدعوة . وكذلك اتصل به الأستاذ حسن الهضيبي. كما كان اتصال الإخوان بزعماء مصر السياسيين من الأمور التي حرص عليها قادتهم في الفترات المختلفة. كما كانت خطابات الإخوان للزعماء السياسيين من أهم الوسائل الإعلامية السياسية لتوضيح فكر الإخوان ورأيهم فيما يعرض للبلاد من مشكلات.
جـ-الانتخابات :
رغب الإخوان في استخدام الانتخابات كوسيلة إعلامية سياسية لتحقيق أهدافهم وبرامجهم بأن يكون لهم مقاعد بالمجالس التشريعية، ولا يتأتى ذلك إلا بخوض المعارك الانتخابية، فقرروا ترشيح المرشد العام الشيخ حسنالبنا مجلس النواب عام 1361هـ - 1942م. لكن رئيس الحكومة وقتئذ- مصطفى النحاس- قابله وأبلغه بضرورة التنازل لضغط المحتل ورغبته في ذلك وتنازل المرشد حرصا على الجماعة ونشاطها، ومرة أخرى تقدم المرشد وعدد آخر من الإخوان للانتخابات في عام ( 1363هـ - 1944م) ولكن السلطة عملت على إسقاطهم جميعا بالتزوير حتى لا يكون للإخوان أي صوت بالمجلس النيابي.
وقرر الإخوان عدم الدخول في الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ في ( جماد أول 1365هـ - أبريل 1946م).
وقبل قرار الحل ببضعة شهور كان من الموضوعات التي ناقشتها الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين " موقف الإخوان من الانتخابات" وقد ألقى الشيخ حسنالبنا بيانا نشر بالجريدة طالب فيه جمهور الإخوان إبداء رأيهم في الاشتراك أو عدم الاشتراك في الانتخابات القادمة، ولكن الحكومة لم تمهلهم وعاجلتهم بقرار الحل الجائز.
د-المظاهرات:
استخدم الإخوان المسلمون المظاهرات كوسيلة إعلامية سياسية للتعبير عن سخطهم أو تسجيل موقف بالنسبة لبعض القضايا المحلية أو الخاصة بأحد الأقطار الإسلامية. فقد نظم الإخوان مظاهرات لأول مرة في جميع أنحاء القطر انتصارا لقضية فلسطين بمناسبة ذكرى وعد بلفور المشئوم (رمضان 1357هـ - نوفمبر 1938م).
وإزاء المواقف الضعيفة للحكومات بالنسبة لقضيا البلاد نظم الإخوان المظاهرات العديدة، واصطدمت بها قوات السلطة في كثير من الأحيان فسقط الشهداء من الشباب برصاصهم الطائش.
أولا
قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة
مقدمة
في 2 من شوال سنة 1364هـ الموافق 8 سبتمبر سنة 1945م وافقت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين المنعقدة في هذا التاريخ بدار المركز العام للشبان المسلمين على قانون النظام الأساسي للإخوان المسلمين ، وأصبح نافذا من هذا التاريخ- وأما تطورات الدعوة واتساع ميادين نشاطها ، وعلى ضوء التجارب التي مرت بها خلال هذه الفترة ، رأى المرشد العام للإخوان المسلمين أن يقترح على الهيئة التأسيسية المنعقدة في المحرم 1367هـ إدخال بعض التعديلات فوافقت الهيئة على ذلك، وأقرت لجنة من :
-المرشد العام.
-الأستاذ طاهر الخشاب.
-الأستاذ صالح عشماوي.
-الأستاذ عبد الحكيم عابدين.
لإجراء هذا التعديل طبقا للتوجيهات والرغبات التي أبدتها الهيئة. وقد اجتمعت اللجنة عدة اجتماعات، وانتهت بهذا المشروع الذي عرض على الهيئة التأسيسية بجلسة يوم الخميس 27 جمادي الآخرة سنة 1367هـ الموافق 6 مايو 1948م حيث قرئ القراءة الأولى وأبديت بعض الرغبات والتعديلات، وأرجأت الهيئة اعتماده حتى ينظر للمرة الثانية في جلسة الهيئة التي حدد لها يوم الجمعة 12 رجب سنة 1367هـ الموافق 21 مايو سنة 1948م- وفي هذا الاجتماع أعيدت قراءة التعديل وأقرته الهيئة بالإجماع وار نافذا منذ هذا التاريخ طبقا للمادة 64 الختامية.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الأول
اسم الهيئة ومقرها
مادة 1:
في شهر ذي القعدة سنة 1347هـ (1982م) تألفت ( هيئة الإخوان المسلمين) ومقرها الرئيسي مدينة القاهرة.
الباب الثاني
الغاية والوسيلة
مادة 2:
الإخوان المسلمون " هيئة إسلامية جامعة" تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف وما يتصل بهذه الأغراض:
(أ)شرح دعوة القرآن الكريم شرحا دقيقا يوضحها، ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويعرضها عرضا يوافق روح العصر، ويرد عنها الأباطيل والشبهات.
(ب)جمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم فيها، وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة.
(ج)تنمية الثروة القومية، وحمايتها وتحريرها، والعمل على رفع مستوى المعيشة.
(د)تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، والمساهمة في الخدمة الشعبية، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع أعمال البر والخير.
(هـ)تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان وتأييد الوحدة العربية تأييدا كاملا والسير إلى الجامعة الإسلامية.
(و)قيام الدولة الصالحة التي تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليا وتحرسها في الداخل وتبلغها في الخارج.
(ز)مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل المثل العليا الفاضلة التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق، والمشاركة في بناء السلام والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر الإيمان والمادة، كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة.
مادة 3:
يعتمد الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الأغراض على الوسائل الآتية وعلى كل وسيلة أخرى مشروعة:
(أ)الدعوة- بطريق النشر والإذاعة المختلفة من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات وتجهيز الوفود والبعثات في الداخل والخارج.
(ب)التربية- بطبع أعضاء الهيئة على هذه المبادئ وتمكين معنى التدين العملي لا القولي في أنفسهم أفرادا وبيوتا، وتكوينهم تكوينا صالحا- بدنيا بالرياضة، وروحيا بالعبادة وعقليا بالعلم وتثبيت معنى الأخوة الصادقة والتكامل التام والتعاون الحقيقي بينهم حتى يتكون رأي عام إسلامي موحد، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا ويعمل بأحكامه، ويوجه النهضة إليه.
(ج) التوجيه- بوضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع من التربية والتعليم، والتشريع، والقضاء، والإدارة، والجندية، والاقتصاد والصحة العامة، والحكم. الخ والاسترشاد بالتوجيه الإسلامي في ذلك كله والتقدم بها إلى الجهات المختصة، والوصول بها إلى الهيئات النيابية والتشريعية والتنفيذية الدولية، لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التفكير العملي.
(هـ) العمل – بإنشاء مؤسسات اقتصادية واجتماعية ودينية وعلمية وبتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ.. إلخ. وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات لأعمال البر، والإصلاح بين الأفراد والأسر، ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة، والمخدرات والمسكرات والمقامرة والبغاء، وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة وشغل وقت الفراغ بما يفيد وينفع. ويستعان على ذلك بإنشاء أقسام مستقلة طبقا للوائح خاصة تتفق مع القانون رقم 49 لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية وأعمال البر وتسجيلها بوزارة الشئون الاجتماعية.
الباب الثالث
الأعضاء وشروط العضوية
مادة 4:
عضو الهيئة هو كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق أغرضها، ثم وافقت إدارة الشعبة التي ينتمي إليها على قبوله وبايع على ذلك وأقسم عليه. ونص البيعة:
" أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره. وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه والله على ما أقول وكيل"ز
مادة 5:
يقضي العضو مدة اختيار قبل البيعة لا تقل عن ستة أشهر يثبت أنه قام بواجبات عضويته بصورة مرضية. وفي هذه الحالة تعتمد عضويته من المركز العام، ويؤذن له بأداء البيعة بناء على طلب الشعبة، ويقون رئيس الشعبة أو من يقوم مقامه بمبايعته نيابة عن المرشد العام.
مادة 6:
على كل عضو أن يقرر على نفسه اشتراكا ماليا شهريا أو سنويا يقوم بتسديده بانتظام، ولا يمنع ذلك من المساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع أو الوصية أو الوقت أو كلها معا ، كما أن للدعوة حقا في زكاة أموال الأعضاء القادرين عل ذلك، ويعفى من كل هذه التكاليف المالية غير المستطيعين بقرار من إدارة الشعبة بعد التأكد من حالة عدم الاستطاعة وكل ما يدفع لا يجوز طلب رده بحال.
مادة 7:
إذا قصر العضو في واجب من واجباته أو فرط في بعض حقوق الدعوة كان لرئيس الشعبة التي ينتمي إليها أن يلفت نظره إلى هذا التقصير ويعمل على إصلاحه بالوسائل الجدية. وإذا عاد كان لمجلس الشعبة أن ينذره أو يوقع عليه جزءا ماليا أو يقرر وقفه مدة لا تزيد عن شهر أو يقرر إعفاءه من العضوية . وفي حالة توقيع الجزاء بالإعفاء يجب أخذ موافقة المركز العام قبل إعلان القرار إذا لم يكن العضو تحت الاختبار.
مادة 8: على الأعضاء أن يتكافلوا فيما بينهم. وتنظيم هذا التكافل تتضمنه لائحة خاصة يضعها المركز العام.
الباب الرابع
الهيئات الإدارية الرئيسية للإخوان المسلمين
مادة 9: الهيئات الرئيسية للإخوان المسلمين هي:
أولا: المرشد العام للإخوان المسلمين ، وهو الرئيس العام للهيئة ولمكتب الإرشاد وللهيئة التأسيسية.
ثانيا: مكتب الإرشاد العام، وهو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها.
ثالثا: الهيئة التأسيسية- وهي مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد العام.
أولا- المرشد العام
مادة 10:
المرشد العام للإخوان المسلمين وهو الرئيس الأعلى للهيئة ، كما أنه رئيس مكتب الإرشاد العام والهيئة التأسيسية، ويشترط فيمن يختار مرشدا عاما أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
أ-أن يكون من أعضاء الهيئة التأسيسية وقد مضى على اتصاله بها خمس سنوات.
ب-ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة هلالية.
ج-أن تتوافر فيه الصفات العلمية والخلقية والعملية التي تؤهله لذلك.
مادة 11: ينتخب المرشد العام من بين أعضاء الهيئة التأسيسية في اجتماع يحضره على الأقل أربعة أخماس أعضاء هذه الهيئة، ويجب أن يكون حائزا لثلاثة أرباع أصوات الحاضرين وإذا لم يحضر الاجتماع العدد القانوني أجل على موعد آخر لا يقل عن أسبوعين ولا يزيد عن شهر من تاريخ الاجتماع الأول.
ويجب أن تتوفر في هذا الاجتماع النسبة المقررة في الاجتماع الأول من عدد الحاضرين والموافقين، فإما لم يتوفر العدد القانوني في هذا الاجتماع أجل مرة ثانية وعلى الهيئة تحديد موعد اجتماع آخر في مدة كالسابق بيانها، مع الإعلان عنه وعن المهمة التي سيعقد من أجلها وعن أن الاجتماع التالي سيكون صحيحا مهما كان عدد الحاضرين، ويكون الاختيار صحيحا بأغلبية ثلاثة أرباع الحاضرين.
مادة 12:
إذا تم اختيار المرشد العام أقسم أمام الهيئة التأسيسية القسم الآتي:
" أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين في عملي الأساسي ، وألا أجعل مهمتي سبيلا إلى منفعة شخصية، وأن أتحرى في عملي وإرشادي مصلحة الجماعة وفق الكتاب والسنة. وأن أتقبل كل اقتراح أو رأي أو نصيحة من أي شخص بقبول حسن، وأن أعمل على تنفيذه متى كان حقا، واشهد الله على ذلك."
وعلى أعضاء الهيئة التأسيسية أن يجددوا معه بيعة الإخوان المنصوص عنها في المادة (4) ويبايعه الإخوان في الشعب المختلفة عن طريق رؤسائهم ويجددون بيعتهم معه لأول لقاء يجتمعون به فيه.
مادة 13:
يضطلع المرشد العام من هذه اللحظة بمهمته وعليه أن يستقيل من عمل الخاص ويتفرغ كل التفرغ للمهمة التي اختير لها.
مادة 14:
لا يصح للمرشد العام- بشخصه ولا بصفته- أن يساهم في شركات أو أعمال اقتصادية أو يشترك في إدارتها، حتى يتصل بها بهيئة الإخوان المسلمين وأغراضهم، صيانة لشخصه وتوفيرا لوقته ومجهوده. على أن يكون له الحق في مزاولة الأعمال العلمية والأدبية بموافقة مكتب الإرشاد العام.
مادة 15:
يقوم المركز العام بنفقات المرشد العام- ما لم يكن له- من ماله الخاص أو من الأعمال التي أجاز مزاولتها له مكتب الإرشاد العام – ما يقوم بذلك. على أن يكون تقدير هذه النفقات بلجنة تختارها الهيئة التأسيسية لهذا الغرض عقب انتخابه مباشرة.
مادة 16:
إذا اخل المرشد العام بواجبات منصبهن أو فقد الأهلية اللازمة لهذا المنصب، فعليه أن يتخلى عنه. كما أن للهيئة التأسيسية أن تقرر إعفاءه من اجتماع يحضره أربعة أخماس الأعضاء، ويجب أن يكون هذا الإعفاء بموافقة ثلاثة أرباع الحاضرين. على أنه إذا لم يتم الاجتماع على النحو السالف طبقت أحكم المادة (11).
مادة 17:
يقوم المرشد العام بمهمته مدى حياته (ما لم يطرأ سبب يدعو إلى تخليه عنه) والمرشد العام حاليا هو فضيلة الأستاذ حسنالبنا باعتباره المؤسس الأول للدعوة والقائم عليها منذ نشأتها.
مادة 18:
في حالة الوفاة أو العجز عن العمل يقوم الوكيل مقام المرشد العام حتى يعرض الأمر على الهيئة التأسيسية في اجتماع توجه إليه الدعوة خلال شهر على الأكثر.
ثانيا مكتب الإرشاد العام
مادة 19:
يتكون مكتب الإرشاد العام من اثني عشر عضوا ينتخبون من بين أعضاء الهيئة التأسيسية عدا المرشد العام – ويلاحظ في انتخابهم أن يكون تسعة منهم من إخوان القاهرة والثلاثة الباقون من بين إخوان الأقاليم.
مادة 20:
يشترط فيمن يترشح لعضوية مكتب الإرشاد العام أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
أ-أن يكون من بين أعضاء الهيئة التأسيسية، وأن يكون قد مضى على عضويته فيها مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
ب-أن يكون مؤهلا من النواحي الخلقية والعلمية والعملية لهذه العضوية.
ج-ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة هجرية.
مادة 21:
يتم انتخاب أعضاء المكتب من بين أعضاء الهيئة التأسيسية جميعا (إلا من اعتذر وقبلت الهيئة عذره) بطريق الاقتراع السري. وتتكون لجنة تختارها الهيئة من بين أعضائها (ويفضل المعتذرون عن الترشيح إن وجدوا) بالقيام بعملية فرز الأصوات وإعلان النتيجة.
مادة 22:
إذا تم انتخاب أعضاء المكتب فعلى كل منهم أن يقسم أمام الهيئة القسم الآتي:
" أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي، واثقا بقيادتهم، منفذا لقرارات المكتب العام القانونية وإن خالفت رأيي في هذا بكل قوتي في سبيل تحقيق الغاية السامية، وأبايع الله على ذلك. والله على ما أقول وكيل".
مادة 23:
إذا تم إعلان النتيجة والقسم انتخبت الهيئة بالاقتراع السري، ومن بين الإخوان التسعة القاهريين وكيلا وسكرتيرا عاما وأمينا للصندوق وقامت لجنة الفرز السابقة (21) بفرز الأوراق وإعلان النتيجة أيضا.
مادة 24:
مدة عضوية المكتب سنتان، ويتجدد الانتخاب في نهاية المدة، ويجوز اختيار العضو لأكثر من مرة، وإذا خلا مكان أحد الأعضاء قبل مضي المدة المحدودة حل محله الذي يليه في عدد الأصوات في انتخابات الهيئة.
مادة 25:
من واجبات عضو المكتب السهر على مصلحة الجماعة، والمواظبة على حضور الجلسات ، وسرية المداولات، واحترام القرارات ولو كانت مخالفة لرأيه الخاص، وليس له نقدها أو الاعتراض عليها متى صدرت بصورة قانونية والقيام بالمهمات التي يكلف بإنجازها على أكمل وجه. وإذا قصر أحد الأعضاء في واجبات عضويته كن للمكتب أن يؤاخذه على التقصير بلفت نظره أو إنذاره أو الغرامة المالية أو بالإيقاف مدة لا تزيد على شهر أو بالإعفاء من عضوية المكتب ويجب أن يصدر قرار الإعفاء بأغلبية ثلاثة أرباع الحاضرين ويعلن العضو بالحضور ليشرح وجهة نظره للمجتمعين.
مادة 26:
لمكتب الإرشاد العام الحق في أن يضم لعضويته عددا من أعضاء الهيئة التأسيسية من ذوي الكفاءة والمؤهلات والسبق في الدعوة، على ألا يزيد عدد هؤلاء على ثلاثة أعضاء ، ويكون لهؤلاء الأعضاء جميع الحقوق والواجبات التي للأعضاء المنتخبين.
مادة 27:
السكرتير العام يمثل مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين تمثيلا كاملا في كل المعاملات الرسمية والقضائية والإدارية. إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب شخص آخر بقرار قانوني منه.
مادة 28:
مهمة السكرتير العام- تنفيذ قرارات مكتب الإرشاد العام، ومراقبة نواحي النشاط وأقسام العمل بالمركز العام، وله أن يستعين بغيره من الأعضاء أو الموظفين، ولكن هو المسئول أمام المكتب عما يسند إليهم من أعمال. وفي حالة غياب السكرتير العام أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضاء من يحل محله مؤقتا.
مادة 29:
مهمة أمين الصندوق- ضبط أموال الهيئة، وحصر ما يرد منها وما ينصرف ومراقبة كل نواحي النشاط المالي والحسابي، والإشراق على تنظيمها وإحاطة المكتبة علما بذلك في فترات مناسبة. وله أن يستعين بغيره من الأعضاء أو الموظفين تحت مسئوليته. وفي حالة غيابه أو تعذر قيامه بعمله ينتدب المكتب من بين أعضائه من يقوم بمهمته مؤقتا.
مادة 30:
جلسات المكتب دورية، وتحدد بقرار منه، ويجتمع في غير الموعد الدوري إذا حدث ما يدعو إلى ذلك بدعوة من المرشد العام أو من يقوم مقامه أو بطلب يقدم إليه من ثلاثة من الأعضاء. وتكون الجلسة قانونية إذا حضرها أغلبية الأعضاء المطلقة (النصف زائدا واحدا) ويعتبر المعتذرون بأعذار مقبولة مع التأييد في حكم الحاضرين من حيث العدد لا من حيث الأصوات. فإذا لم يتم النصاب القانوني للأعضاء أجلت أسبوعا، وكانت الجلسة التي يليها قانونية بأي عدد يحضر. وينبه الأعضاء إلى ذلك بخطاب من سكرتير المكتب. وتكون القرارات في أي اجتماع تال صحيحة متى صدرت عن الأغلبية المطلقة للمجتمعين كذلك، وإذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس.
مادة 31:
يرأس اجتماعات المكتب المرشد العام، أو الوكيل عند غيابه، أو أكبر الأعضاء سنا إذا تخلف الوكيل ويتلى الاجتماع السابق ويصدق عليه ثم ينظر في جدول الأعمال .
مادة 32:
لمكتب الإرشاد العام أيضا أن ينشئ أقساما أو يؤلف لجانا من بين أعضائه أو أعضاء الهيئة التأسيسية أو غيرهم للقيام بتحقيق أغراض لهيئة. وله أن يضع اللوائح اللازمة لهذه اللجان ولأوجه نشاط أقسامه والمشروعات المختلفة.
الهيئة التأسيسية
مادة 33:
تتألف الهيئة التأسيسية " لهيئة الإخوان المسلمين" من الإخوان الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة.
مادة 34:
مهمة هذه الهيئة: الإشراف العام على سير الدعوة، واختيار أعضاء مكتب الإرشاد العام ، وانتخاب مراجع الحسابات. وتعتبر مجلس الشورى العام " للإخوان المسلمين" والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد العام.
مادة 35:
تجتمع هذه الهيئة اجتماعا دوريا خلال أول شهر من كل عام هجري لسماع ومناقشة تقرير مكتب الإرشاد عن نشاط الدعوة في العام الجديد. واختيار الأعضاء الجدد إذا حل موعد اختيارهم، ومناقشة تقرير المراجع عن ا لحساب الختامي للسنة الماضية، والميزانية المقترحة للسنة الآتية، وانتخاب المراجع الجديد إذا حل موعد انتخابه (ويجب أن يكون من أعضائها وألا يكون من المختارين لمكتب الإرشاد العام) وللنظر في غير ذلك من الأعمال والمقترحات التي تعرض عليها، وتجتمع في غير هذا الموعد اجتماعا فوق العادة إذا حدث ما يدعو إلى ذلك من المرشد العام أو بقرار من مكتب الإرشاد أو بطلب يقدم من عشرين عضوا والمرشد العام هو الذي يرأس الاجتماع، فإذا لم يحضر، أو كان الاجتماع لأمر يتصل به، أو رأى أن يتنحى عن رئاسة الجلسة قام بذلك الوكيل، فإذا تخلف أو اعتذر فأكبر الأعضاء سنا. ويكون الاجتماع صحيحا إذا حضرته الأغلبية المطلقة (النصف زائدا واحدا) إلا في الحالات التي اشترط لها نصاب خاص فإذا لم يتكامل العدد أجل الاجتماع أسبوعين وأعيدت الدعوة ونص فيها على الموضوع وعلى أن الاجتماع سيصير قانونيا بأي عدد يحضر، وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين إلا في الحالات الخاصة.
مادة 36:
لهذه الهيئة أن تقرر في أي اجتماع، أو بناء على ترشيحات اللجنة المنصوص عليها في المادة التالية، منح بعض الإخوان حق العضوية للهيئة التأسيسية، بشرط أن تتوفر فيمن يراد منحه إياها حق هذه الشروط:
أ-أن يكون من الأعضاء المثبتين.
ب-ألا تقل سنه عن خمس وعشرين سنة هلالية.
ج-أن يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات على الأقل.
د-أن يكون متصفا بالصفات الخلقية والثقافية والعملية التي تؤهله لذلك.
ويجب ألا يزيد عدد من يمنحون هذه العضوية على عشرة إخوان في كل عام على أن يراعى اختيار هؤلاء تمثيل المناطق بقدر الإمكان.
مادة 37:
تنتخب الهيئة التأسيسية من أعضائها( ومن غير الأعضاء المنتخبين للمكتب) لجنة مكونة من سبعة أعضاء ويفضل غير القاهريين وذوي الإلمام والصلات بالفقه الإسلامي والإجراءات القانونية. مهمتها تحقيق ما يحال عليها من المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو الهيئة نفسها خاصا بما يمس الأعضاء في سلوكهم أو الثقة بهم أو أي أمر آخر. ولهذه اللجنة أن توقع ما تشاء من الجزاءات حتى الإعفاء من العضوية على أن تعتمد ذلك من المرشد العام. وعند اختيار هؤلاء الأعضاء يقسمون أمام الهيئة " بالله على أن يؤدوا ما عليهم بالذمة والصدق والأمانة". وتختار اللجنة رئيسها وسكرتيرها من بين أعضائها عقب اختيارها مباشرة. وتدون قراراتها ومحاضرها في شكل خاص بها، ويكون اجتماعها صحيحا بحضور خمسة من أعضائها متى كان فيهم الرئيس، وتكون قراراتها صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للمجتمعين، ويتجدد اختيارها مع اختيار المكتب، ولا مانع من اختيارها كلها أو بعضها لأكثر من مرة. وتجتمع بدعوة من رئيسها. وللعضو الذي يتقرر فصله أن يستأنف هذا القرار بطلب كتابي يرفع إلى مكتب الإرشاد العام ليعرض على الهيئة التأسيسية في أول اجتماع لها، ورأيها فيه حاسم.
مادة 38:
إذا قصر واحد من أعضاء الهيئة التأسيسية في الواجبات الملقاة عليه نصحه المرشد العام، فإذا تكرر التقصير أحاله على اللجنة المنوه عنها في المادة السابقة، إلا إذا كان عضوا بالمكتب فيتخذ في شأنه ما نص عليه في المادة (25).
مادة 39:
تزول صفة العضوية عن عضو الهيئة التأسيسية بالاستعفاء أو بفقدانه أحد الشروط التي تؤهله للعضوية أو بقرار من اللجنة المنصوص عليها في المادة (37) بالشروط الواردة فيها أو بقرار من الهيئة نفسها، وفي كل الأحوال يجوز للمرشد العام أن يأمر بوقف العضو على أن يعرض أمره فورا على الهيئة المختصة بالنظر في أمره.
الباب الخامس
الهيئة الإدارية للشعب والمناطق
مادة 40:
الإخوان المسلمون في كل مكان هيئة واحدة تؤلف بينها الدعوة ويجمعها هذا النظام الأساسي ويوجهها المكتب العام.
ويقسمون بحسب الأماكن والبلدان إلى شعب تعتبر كل منها وحدة إدارية يشرف عليها (مجلس إدارة) تختاره (الجمعية العمومية) للإخوان المسلمين في هذه الشعبة طبقا للمواد الآتية:
أولا- الجمعية العمومية
مادة 41:
تتكون الجمعية العمومية للشعبة من الأعضاء المثبتين المسددين لاشتراكهم إلى آخر شهر قبل الانعقاد أو المعفون منها بقرار قانوني. وتجتمع اجتماعا دوريا خلال شهر المحرم، وفي غير هذا الموعد إذا وجد ما يدعو إلى ذلك بدعوة من رئيس الشعبة أو من المرشد العام أو بطلب يقدم إلى إحداهما من خمس الأعضاء. ويكون انعقادها صحيحا إذا حضره نصف الأعضاء على الأقل، وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة. فإذا لم يتم العدد القانوني أجل الاجتماع أسبوعا يكون بعدها الاجتماع صحيحا بأي عدد يحضر. وترسل الدعوة في الحالتين قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل ومعها جدول الأعمال. ويقوم برئاسة الاجتماع رئيس الشعبة أو وكيلها أو أكبر الأعضاء سنا إذا لم يحضرا.
مادة 42:
من اختصاصات الجمعية العمومية انتخاب أعضاء مجلس الإدارة ومراجع الحسابات، والنظر في التقارير التي تقدم إليها منها، واعتماد ميزانية العام الجديد، والموافقة على الحساب الختامي للعام الماضي، ومناقشة ما يعرض عليها من الاقتراحات والموضوعات.
مادة 43:
يجب إخطار المركز العام دائما بموعد انعقاد الجمعية العمومية وبجدول أعمالها في هذا الاجتماع قبله بعشرة أيام على الأقل. وللمركز العام أن يوفد من يمثله في هذا الاجتماع، ويشترط لصحة القرارات أيا كانت موافقة المركز العام.
ثانيا- مجلس الإدارة
مادة 44:
يتألف مجلس الإدارة من رئيس يختره المركز العام ووكيلين وسكرتير وأمين صندوق تنتخبهم الجمعية العمومية من بين أعضائها بالاقتراع السري ويجدد مجلس الإدارة كل عامين. ويشترط فيمن ينتخب عضوا بالمجلس أن تكون سنه إحدى وعشرين سنة هلالية على الأقل. ويجوز انتخاب العضو أكثر من مرة. وللمركز العام إعفاء الرئيس من مهمته وانتداب من يحل محله إذا رأى ذلك في أي وقت من الأوقات.
مادة 45:
متى تم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة أدى كل عضو منهم هذا القسم:
" أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسي، واثقا بقيادتهم منفذا لقرارات مكتب الإرشاد العام وقرارات مجلس إدارة الشعبة وإن خالفت رأيي، مجاهدا ما استطعت في سبيل تحقيق الغاية السامية، وأبايع الله على ذلك، والله على ما أقول وكيل".
مادة 46:
رئيس الشعبة هو المسئول الأول عن أعمالها ونشاطها بالاشتراك مع المجلس وهو الذي يرأس الجلسات والاجتماعات، ويمثل شعبته في كل المعاملات الرسمية والقضائية، وفي التوقيع على الأوراق أيا كان نوعها، ويقوم عنه أحد الوكيلين حال غيابه. ويقوم السكرتير بالمحافظة على الأختام والسجلات والملفات.. الخ. ويقوم أمين الصندوق بحفظ الأموال وتنظيم حساب الخزينة وتقديم التقارير والبيانات المتعلقة بمهمته لمجلس الإدارة والجمعية العمومية.
مادة 47:
اجتماعات المجلس دورية، وتحدد بقرار منه ويدعى في غيرها إذا حدث ما يدعو إلى ذلك بدعوة من الرئيس. ويرأسه الرئيس أو أحد الوكيلين أو أكبر الأعضاء سن، وتكون الاجتماعات قانونية صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين، فإذا تساوت الأصوات يكون جانب الرئيس مرجحا.
مادة 48:
لمجلس الإدارة الحق في تكوين ما يرى من الأقسام الإدارية واللجان ويحسن أن يكون ممثلا في كل لجنة بعضو واحد على الأقل.
مادة 49:
إذا خلا مكان عضو من أعضاء المجلس بالإعفاء أو الاستغناء للمجلس الحق في تعيين العضو الذي يليه في عدد الأصوات في آخر انعقاد الجمعية العمومية.
ثالثا- المناطق والمكاتب الإدارية وشعب الخارج
مادة 50:
للمركز العام أن يقسم شعب الإخوان في داخل المملكة المصرية إلى مناطق بحسب التقسيمات الإدارية الحكومية، أو سهولة المواصلات أو غير ذلك من الاعتبارات. وتكون إحدى هذه الشعب مقرا للمنطقة. كما أن له أن ينشئ مكاتب إدارية يختص كل واحد منها بالإشراف على عدة مناطق وتحدد مهمات المناطق والمكاتب بلوائح وأوامر يصدرها المكتب العام.
مادة 51:
للمركز العام أن ينشئ للهيئة شعبا وفروعا في البلاد العربية والإسلامية وغيرها مع ملاحظة الأوضاع والظروف الخاصة. وتحدد الصلة بينه وبينها بلوائح وقرارات في مؤتمرات جامعة تضم ممثليه وممثلي هذه الشعب.
الباب السادس
صلة المركز العام بالشعب
مادة 52:
مكتب الإرشاد العام – باعتباره الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين له وحده حق اعتماد الشعب الجديدة والهيئات الإدارية، والإشراف بنفسه أو بواسطة المناطق والمكاتب والمندوبين على سير الدعوة فيها.
مادة 53:
للمركز العام أن ينتدب من الإخوان في كل شعبة أو منطقة مندوبا عنه يمثله إلى جانب مجلس الإدارة ويكون لهذا المندوب حق حضور الجلسات والاشتراك في المناقشات بدون تصويت، وإذا رأى من القرارات ما يمس حقوق الدعوة فله حق وقف هذا القرار حتى يستشير المركز العام ويرى رأيه ورأي المركز العام في ذك نهائي.
مادة 54:
للمكتب أن يرفض اعتماد أية هيئة لا يراها صالحة للقيام بأعباء الدعوة وحينئذ يعاد الانتخاب بمعرفة الجمعية العمومية، كما أن للمكتب أن يرفض الموافقة على بعض الأعضاء المنتخبين، وحينئذ يحل محلهم من يليهم في الأصوات.
مادة 55:
للمكتب العام حق حل أية شعبة تخرج عن سير الدعوة بقرار منه، ولا يكون لها بعد ذلك الحق في أن تتصرف باسم الإخوان في عمل ما.
الباب السابع
النظام المالي للهيئة
مادة 56:
تتكون مالية المركز العام من اشتراكات أعضائه وأعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء الشعب والمناطق ومن التبرعات الوقفيات والوصايا من أعضاء الهيئة خاصة ومن غيرهم إذا كانت باسم الدعوة ووافق على قبولها المركز العام ومن ربع المطبوعات والشارات.. الخ. وتتكون مالية الشعب والمناطق من النسب المحددة لها من اشتراكات أعضائها ومن تبرعاتهم ومن مساعدة المركز العام ومن كل الموارد المشروعة التي تصل إليها.
مادة 57:
يودع ما يزيد من رصيد المركز العام أو الشعبة على متوسط النفقات في شهرين – في مصرف مصري أو في مصرف عربي أو إسلامي أو صندوق التوفير (بدون فائدة) إلا إذا رأى مجلس إدارتها غير ذلك ووافقه المركز العام على رأيه كتابة. وكل مبلغ يسحبه يشترك أن يكون سحبه بإذن موقع من الرئيس أو من يقوم مقامه وأمين الصندوق.
مادة 58:
كل مال يجمع بمعرفة المكتب أو إدارات الشعب لغرض خاص لا يختلط بماليتها العامة ويخصص للغرض الذي جمع له.
مادة 90:
تنشأ دور الشعب أو توقف أو تستأجر من تاريخ صدور هذا القانون باسم مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين ممثلا في شخص السكرتير العام أو من يقوم مقامه، والمكتب هو الذي يقوم بتأثيثها، ويكون الأثاث وديعة باسمه عند إدارة الشعبة.
الباب الثامن
أحكام عامة
مادة 60:
لمكتب الإرشاد العام ولمجالس إدارات الشعب منح العضوية الفخرية لمن يقدمون خدمات للدعوة أو يعرف عنهم تقديرها والعمل على مساعدتها.
مادة 61:
ينعقد كل سنتين مؤتمر عام من رؤساء شعب الإخوان المسلمين بدعوة من المرشد العام بمدينة القاهرة أو بأي مكان آخر ويكون الغرض منه التعارف والتفاهم العام في الشئون المختلفة التي تتصل بالدعوة واستعراض خطواتها في هذه الفترة.
مادة 62:
صدور هذا النظام يوجب إعادة النظر في القوانين واللوائح السابقة وتعديلها على ضوء أحكامه ومواده.
مادة 63:
لا يجوز تعديل هذا القانون الأساسي إلا بناء على اقتراح يتقدم به المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو عشرون عضوا من أعضاء الهيئة التأسيسية. ولا يكون التعديل نافا إلا إذا وافقت عليه الهيئة التأسيسية في اجتماع ثلاثة أرباع أعضائها بالأغلبية المطلقة للحاضرين فإذا لم يتكامل العدد القانوني طبقت الأحكام العامة (35).
مادة 64:
تسري أحكام هذا القانون من تاريخ موافقة الهيئة التأسيسية عليه.
والله أكبر ، ولله الحمد.
ثانيا
اللائحة الداخلية العامة
للإخوان المسلمين
بعد الاطلاع على المادة 32 من قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين وما تخول لمكتب الإرشاد العام من إنشاء أقسام ولجان ووضع اللوائح اللازمة لها.
وبعد الاطلاع على المادة 62 من قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين المعدل في 19 من ربيع الأول سنة 1367هـ الموافق 30 من يناير سنة 1948م، وعلى ما أوجبته هذه المادة من إعادة النظر في القوانين السابقة وتعديلها على ضوء أحكام ومواد القانون الأساسي . رأى مكتب الإرشاد وضع لائحة داخلية عامة وأقرها في اجتماعه في يوم 2 صفر 1371هـ الموافق 2 نوفمبر سنة 1951م.
الباب الأول
في الهيئات الإدارية للإخوان المسلمين
المادة 1:
الإخوان المسلمون هيئة واحدة ولكنهم يقسمون من جهة الإدارة إلى هيئات إدارية هي الشعبة والمنطقة والمكتب الإداري. وهذه الهيئات خاضعة لمكتب الإرشاد.
المادة 2:
الشعبة هي أصغر الوحدات الإدارية وكل مجموعة من الشعب تتكون منها منطقة وكل مجموعة من المناطق يتكون منها مكتب إداري ويراعى في تكوين المناطق والمكاتب الإدارية التقسيمات الإدارية الحكومية وسهولة المواصلات وما عدا ذلك من الاعتبارات.
المادة 3:
يمكن أن تتكون شعبة في كل قرية أو بلدة، والأصل في المنطقة أن حدودها هي حدود المركز أو القسم أما حدود المكتب الإداري فهي المديرية أو المحافظة.
المادة 4:
تتبع كل شعبة المنطقة التي تدخل في دائرتها وتتبع كل منطقة المكتب الإداري الذي تدخل في اختصاصه والمكاتب الإدارية في كل القطر تتبع مكتب الإرشاد وهو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها.
الفصل الأول
الشعبة
المادة 5:
ينقسم الإخوان في الشعبة إلى إخوان تحت الاختبار وإخوان عاملين. فالإخوان الذين اعتنقوا فكرة الإخوان حديثا وهؤلاء يقضون مدة لا تقل عن ستة أشهر تحت الاختبار يثبت فيها الأخ أنه قام بواجبات عضويته في الشعبة بصورة مرضية وفي هذه الحالة تعتمد عضويته من المركز العام ويؤذن له بأداء البيعة بناء على طلب الشعبة ويقوم رئيس الشعبة أو من يقوم مقامه بمبايعته نيابة عن المرشد العام. أما الإخوان العاملون فهم كل من قام بواجبات عضويته واعتمدت عضويته من المركز العام وبايع على ذلك وأقسم على البيعة طبقا للمادة 4 من قانون النظام الأساسي.
المادة 6:
تقيد أسماء الأعضاء العاملين في كل شعبة في سجل خاص وتقيد أسماء الأعضاء الذين تحت الاختبار في سجل آخر وينقل اسم من يصبح منهم عضوا عاملا إلى السجل الأول.
المادة 7:
يشترط في العضو ما يلي:
أ-أن لا يقل عمره عن ثمانية عشر عاما.
ب-أن يكون فاهما فكرة الإخوان ناهضا بواجباته.
د-أن يفرض على نفسه اشتراكا بما يدفع للشعبة بانتظام مساهمة في أعباء الدعوة طبقا للمادة 6 من قانون النظام الأساسي.
هـ-أن يتعهد بالعمل بقانون الإخوان المسلمين ويبايع بيعتهم.
المادة 8:
إذا قصر العضو في أداء واجباته أو أخل بعضويته كان لرئيس الشعبة ومجلس إدارتها أن يوقعا عليه العقوبات المبينة بالمادة 7 من قانون النظام الأساسي.
المادة 9:
يقسم الأعضاء العاملون في الشعبة إلى أسر بحيث لا يزيد عدد الأسرة عن خمسة يختار أحدهم نقيبا للأسرة.
المادة 10:
الأسرة وحدة متكاملة متضامنة في المسئولية ويمثلها نقيبها أمام رئيس مجلس إدارة الشعبة.
المادة 11:
يدير الشعبة مجلس إدارة مكون من خمسة أشخاص أحدهم يختاره المركز العام وهو رئيس الشعبة أو نائبها والأربعة الباقون تنتخبهم الجمعية العمومية للشعبة على أن يكون اثنان منهم وكيلين والثالث سكرتيرا والرابع أمين صندوق وعلى أن يكون الانتخاب سريا.
المادة 12:
على عضو الشعبة الذي له حق اختيار أعضاء مجلس لإدارة كلما اختار واحدا من الأربعة أن يبين أمام اسمه الوظيفة التي اختاره لها.
مادة 13:
أعضاء الجمعية العمومية للشعبة الذين يملكون حق الانتخاب هم الأعضاء العاملون بالشعبة الذين سددوا اشتراكاتهم إلى آخر شهر قبل الانعقاد أو المعفون من الاشتراك بقرار قانوني. ويكون الانعقاد صحيحا إذا توافرت فيه شروط المادة 41 من النظام الأساسي.
المادة 14:
يشترط فيمن يختار عضوا لمجلس إدارة الشعبة:
أ-أن تكون سنه 21 سنة هلالية على الأقل.
ب-أن يكون قد مضى على عضويته في الشعبة مدة عام على الأقل لم يعرف عنه في أثنائها ما يتنافى مع واجبات العضوية.
المادة 15:
يقسم أعضاء المجلس جميعا قبل مباشرتهم العمل اليمين المنصوص عليها في المادة 45 من قانون النظام الأساسي.
المادة 16:
لمجلس إدارة الشعبة أن يكون لجانا من الأعضاء العاملين تشرف على أوجه النشاط المختلفة في الشعبة ويجوز أن يكون المجلس ممثلا في كل لجنة بعضو من أعضائه.
المادة 17:
يختص مجلس إدارة الشعبة بالنظر في المسائل الآتية:
إدارة الشعبة من الناحيتين الإدارية والمالية.
الإشراف على النشاط الفني للشعبة.
تمثيل الشعبة أمام الجهات الحكومية والأهلية ويكون هذا التمثيل في شخص الرئيس أو من ينوب عنه.
المادة 18:
إذا غاب نائب الشعبة أي رئيس مجلس الإدارة يرأس المجلس أكبر الوكيلين سنا.
المادة 19:
كل أعضاء الشعبة المقيدين فيها خاضعون لإدارة الشعبة وكل عضو يقيم في دائرة الشعبة عليه أن يقيد اسمه فيها ويشترك في نشاطها أيا كانت.
المادة 20:
لمجلس الإدارة أن يطلب حل الشعبة إذا تبين عجزها عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها وحينئذ تؤول أموال الشعبة وأثاثها بعد سداد ديونها إلى المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة ولو لم ينص على هذا في قرار الحل.
المادة 21:
لا يكون هذا الحل قانونيا إلا إذا كان بناء على قرار من الجمعية العمومية في دور انعقاد يحضره ثلاثة أرباع الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم ويكون القرار بأغلبية ثلثي الحاضرين ولا ينفذ قرار الحل إلا بعد اعتماده من مكتب الإرشاد.
المادة 22:
لمكتب الإرشاد من تلقاء نفسه أن يحل أي شعبة تخرج عن سير الدعوة بقرار منه طبقا للمادة 55 من القانون الأساسي.
المادة 23:
للشعبة أن تجتمع في حدود القانون الأساسي وهذه اللائحة وأن تضع لنفسها لائحة خاصة تتفق مع ظروفها ولكنها لا تسري إلا بعد أن يقرها مكتب الإرشاد.
الفصل الثاني
المنطقة
المادة 24:
تتكون من كل الشعب الواقعة في دائرة المركز أو القسم منقطة تسمى باسم المركز أو القسم ويجوز أن تكون حدود المنطقة أوسع أو أضيق من حدود المركز أو القسم.
المادة: 25:
لكل منطقة مجلس يديرها مكون على الوجه الآتي:
أ-رئيس الشعبة الرئيسية رئيسا وهذا في الأقاليم.
وأما في مصر والاسكندرية فرئيس الشعبة التي تعتبر رئيسية لقوتها وقدرتها على الإنفاق.
ويجوز أن يختار المركز العام رئيسا للمنطقة أحد أعضاء مجلس إدارة الشعبة أو المعتبرة كذلك أو أخا عاملا يرى فيه الكفاية.
ب-رؤساء بقية الشعب الداخلية في المنطقة.
ج-زوار الشعب وزائر المكتب الإداري.
د-مندوبو أوجه النشاط في الشعبة الرئيسية.
المادة 26:
الزوار جميعا رأيهم استشاري وليس لهم حق التصويت على القرارات.
المادة27:
يصح أن يختار سكرتير وأمين صندوق الشعبة الرئيسية سكرتيرا وأمينا للمنطقة ويجوز لنواب الشعب أن يختاروا السكرتير وفي مصر والاسكندرية يجوز اختيار السكرتير وأمين الصندوق من أي شعبة أو من بين نواب الشعب.
الفصل الثالث
المكتب الإداري
المادة 28:
يتكون من كل المناطق الواقعة في دائرة المديرية أو المحافظة مكتب إداري يسمى باسم المديرية أو المحافظة ويجوز أن تتسع حدود المكتب أو تضيق عن حدود المديرية أو المحافظة.
المادة 29:
لكل مكتب إداري مجلس يديره يكون على الوجه الآتي:
أ-رئيس الشعبة الرئيسية رئيسا للمكتب الإداري وهذا في الأقاليم أما في القاهرة والاسكندرية فرئيس الشعبة التي تعتبر رئيسية.
ويجوز أن يختار مكتب الإرشاد من الإخوان العاملين في الأقاليم وغيرها رئيسا للمكتب الإداري ولو لم يكن رئيس شعبة أو عضوا فيها.
ب-وكيل الشعبة الرئيسية أو أحد الإخوان العاملين بها وكيلا للمكتب الإداري وهذا في الأقاليم أما في القاهرة والاسكندرية فوكيل الشعبة المعتبرة رئيسية. ويجوز أن يكون رئيس أي منطقة من المناطق يختاره أعضاء المكتب من بينهم.
ج-سكرتير وأمين الشعبة الرئيسية سكرتيرا وأمينا للمكتب وهذا في الأقاليم أما في القاهرة والاسكندرية فيجوز أن يكون الأمر كذلك ويجوز لأعضاء المكتب انتخابهما من بين أعضائه أو من أي منطقة أو شعبة أخرى.
د-رؤساء المناطق في دائرة المكتب الإداري.
هـ-أعضاء الهيئة التأسيسية في المكتب الإداري.
و-مندوبو النشاط في المكتب الإداري.
ز-زائر مكتب الإرشاد ورأيه استشاري له حق التصويت.
الفصل الرابع
مكتب الإرشاد
المادة 30:
مكتب الإرشاد العام هو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين وله بهذه الصفة:
أ-الإشراف على سير الدعوة وتوجيه سياستها وتنفيذ أحكام قانون النظام الأساسي ومراقبة القائمين على التنفيذ.
ب-تمثيل الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية وكل الهيئات الإخوانية في كل الشئون.
ج-وضع النظم والقواعد وتخير الوسائل التي تحقق غاية الإخوان المسلمين.
د-تعيين الوعاظ والدعاة العموميين الذين يعبرون عن فكرة الإخوان واعتماد تعيين من تريد الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية أن تعينه منهم دون بقية موظفيها لصلة الواعظ والداعية بالفكرة الروحية
هـ- تأليف الرسائل وإصدار النشرات والتعليمات التي تكفل شرح الدعوة وبيان أغراضها ومقاصدها ومراجعة ما تصدره الشعب وغيرها من الهيئات الإخوانية قبل نشره ولصلته بصميم الفكرة.
مادة 31:
المرشد العام هو الرئيس الأعلى للإخوان المسلمين وله:
أ-الإشراف على كل هيئات الإخوان وتوجيهها ومراقبتها.
ب-تمثيل مكتب الإرشاد وتنفيذ قراراته ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير.
المادة 32:
ينوب الوكيل العام للإخوان عن المرشد العام أثناء غيابه ويقوم بكل ما يسند إليه المرشد العام من أعمال.
المادة 33:
مهمة السكرتير العام للإخوان تنحصر فيما يأتي:
أ-توجيه الدعوة لحضور جلسات مكتب الإرشاد وجلسات الهيئة التأسيسية.
ب-إعداد جدول الأعمال لكل جلسة وكتابة محاضر الجلسات وتبليغ القرارات للمختصين فور صدورها وإنفاذ الجزء الخاص به منها.
ج-إعداد النشرات الدورية والقرارات العامة والمذكرات التي يرى المكتب كتابتها ما لم يكلف ذلك غيره من الأعضاء.
د-الإشراف على الصلة بين مكتب الإرشاد والهيئات الإخوانية الأخرى وتنظيم التخاطب بينها واتخاذ ما يلزم لكتابة الخطابات والرد عليها تحت مسئوليته ويجب أن لا يتأخر الرد على أي مراسلة ترد لمكتب الإرشاد أو عن إصدار أي خطاب في موضوع يتقرر أكثر من ثلاثة أيام من تاريخ الورود أو القرار إلا إذا كان هناك ما يوجب التأخير. وعليه أن يراقب إعداد دفاتر الصادر والوارد من البريد وأن يحيط المكتب علما بخلاصة الرسائل الواردة في الفترة السابقة على كل جلسة.
هـ-القيام على حفظ الأختام والأوراق والدفاتر والسجلات والملفات المتعلقة بأعمال المكتب.
و-الاتصال بالهيئات الإخوانية لمراقبة تنفيذ قرارات مكتب الإرشاد وعليه أن يقدم للمكتب تقريرا مختصرا في كل شهر عن حالة تنفيذ القرارات.
المادة 34:
الخطابات الصادرة عن المركز العام ومكتب الإرشاد يوقع عليها من المرشد العام أو ممن يقوم مقامه ومن السكرتير.
المادة 35:
يختار السكرتير من يقومون بمعاونته من الموظفين والإخوان ويعينهم مكتب الإرشاد ولكن السكرتير هو المسئول شخصيا عن أعمالهم.
المادة 36:
لمكتب الإرشاد عند تغيب السكرتير انتداب من يقوم مقامه من أعضاء المكتب.
المادة 37:
مهمة أمين الصندوق حفظ أموال المكتب وحصر ما يراد منها وما ينصرف وعليه بحكم هذه المهنة:
أ-أن يتسلم كل الأوراق ذات القيمة (مما يتعلق بمالية المكتب نفسه) ممن اللجنة المالية محصورة مرموقة مختومة بخاتم المكتب.
ب-أن يتسلم دفاتر قسائم الإيصالات والأذونات للصرف والتوريد ونحوها مما يتعلق بعمله محصورة مرموقة كذلك مختومة بخاتم المكتب.
ج-أن يعد دفترا للخزينة يقيد به كل ما يرد إلى عهدته وكل ما يخرج منها مع ذكر التاريخ والمستند.
د-أن يتقدم إلى المكتب قبل اليوم الخامس عشر من كل شهر إفرنجي ببيان مفصل عن الوارد والمنصرف في هذا الشهر ومدى مطابقته للنظام الموضوع لها.
هـ-على أمين الصندوق أن يعطى إيصالا بكل ما يرد إلى عهدته وألا يصرف شيئا من هذه العهدة خارج البنود المقررة بالميزانية إلا بإذن موقع عليه من الرئيس أو الوكيل إذا كان ذلك في اعتماد جديد وعلى كل حال يجب أن يوقع المتسلم على هذا الإيصال بما يفيد تسلم القيمة. المادة 38:
جلسات المكتب دورية ويحدد المكتب يوم الجلسة وساعتها وعلى كل عضو أن يحضر الجلسة الدورية دون حاجة إلى دعوة، وإذا حدد المكتب جلسة غير دورية فلا يدعى لها من الأعضاء إلا من لم يحضر تحديدها.
المادة 39:
على السكرتير العام أن يرسل قبل كل جلة بيومين على الأقل جدولا بأعمال الجلسة إلى كل عضو من أعضاء المكتب.
المادة 40:
تقدم الأسئلة والاقتراحات كتابة لتدرج بجدول الأعمال وعلى من يريد إدراج اقتراح أو سؤال أن يقدمه للسكرتير العام قبل الجلسة بأربعة أيام على الأقل فإذا تأخر عن هذا الميعاد أدرج اقتراحه أو سؤاله في جدول أعمال الجلسة التالية.
ولكن يجوز للرئيس في حالة الاستعجال أن يأمر بإدراج الاقتراح أو السؤال في جدول الأعمال كلما كان هناك وقت كاف لإخبار الأعضاء بالاقتراح أو السؤال.
ويجوز للمكتب أن يقبل الاقتراح أو السؤال أثناء انعقاد الجلسة وذلك في حالة الاستعجال.
المادة 41:
الجلسات غير الدورية إما أن يحددها المكتب وإما أن تكون بناء على دعوة المرشد العام أو ثلث الأعضاء.
المدة 42:
تكون الجلسة قانونية إذا حضرها أغلبية الأعضاء المطلقة فإذا تأجلت لعدم تكامل الأعضاء كانت الجلسة التي تليها قانونية بأي عدد يحضر وينبه الأعضاء جميعا إلى ذلك بخطاب من السكرتير أو من يقوم مقامه إذا كان هو ضمن المتخلفين.
المادة 43:
يرأس الجلسة المرشد العام فإذا غاب فالوكيل إذا غاب فأكبر الأعضاء سنا.
المادة 44:
يفتح الرئيس الجلسة في موعدها المحدد فإذا لم يتم العدد القانوني بعد خمس عشرة دقيقة أجلها وكلف السكرتير إخبار الأعضاء بما يقتضيه المادة 42.
المادة 45:
في أي اجتماع من اجتماعات المكتب يتلى محضر الجلسة السابق ويصدق عليه ثم تتلى أسماء الحاضرين والمتخلفين والمعتذرين وينظر في اعتذارهم ثم تتلى الإجابات الواردة عن الأسئلة السابقة والتقارير الواردة من اللجان المختصة أو تحول إليها للإجابة مع تحديد موعد لهذه الإجابة ثم تعرض الاقتراحات وتناقش وتنظر أو تحول إلى اللجان كذلك مع تحديد الوقت اللازم لدرسها ثم ينظر في الأعمال الطارئة وتختم الجلسة كما بدأت بشعار الإخوان ولهيئة المكتب أن تستعجل النظر في بعض الأمور لأهمية خاصة.
المادة 46:
لا يجوز لغير أعضاء المكتب حضور جلساته إلا بدعوة خاصة أو إذن خاص.
المادة 47:
تكون قرارات المجلس صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للمجتمعين في اجتماع له الصفة القانونية.
المادة 48:
إذا عقد المكتب جلسة إضافية أو مستعجلة لأمر طارئ وجب ألا تتناول الجلسة أي موضوع آخر حتى يفرغ من الموضوع الذي دعي إليه فإن اتسع الوقت لغير ذلك فيها وإلا فلا.
المادة 49:
يجوز لأي عضو أن يقترح إقفال باب المناقشة في موضوع ما إذا رأى أن المناقشات التي دارت كافية لتجلية الموضوع ما إذا رأى أن المناقشات التي دارت كافية لتجلية الموضوع أو أنها استغرقت أكثر من الوقت اللازم وتقرر هيئة المكتب ما تراه في هذا الاقتراح.
مادة 50:
لا تجوز العودة إلى مناقشة موضوع صدر فيه قرار من المكتب إلا بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ القرار أو إذا جد من الأسباب ما يدعو إلى ذلك بعد موافقة المكتب على إعادة المناقشة.
مادة 51:
كل عضو يقصر في أداء واجباته يؤاخذه المكتب بكامل هيئته ومن أمثلة ما يعتبر تقصيرا:
أ-إفشاء سر المداولات أو القرارات التي يوصي بكتمانها.
ب-التقصير في مهمة وكلت إليه.
ج-التأخر عن حضور جلستين للمكتب دون عذر مقبول ولهيئة المكتب تقدير قيمة العذر.
د-إذا تصرف تصرفا يمس كرامته كأخ مسلم أو يضر بالفكرة ضررا مباشرا أو غير مباشر.
المادة 52:
يجوز لأعضاء المكتب أن يجازوا العضو المقصر بلفت النظر شفويا أو كتابيا وبالإنذار وبالغرامة المالية وبالإيقاف لمدة تزيد على شهر وبالإعفاء من عضوية المكتب، والإعفاء يجب أن يكون بأغلبية ثلاثة أرباع الحاضرين.
الفصل الخامس
الأقسام واللجان التابعة للمكتب
المادة 53:
يؤلف المكتب من بين أعضائه أو أعضاء الجماعة العاملين جماعات تختص كل منها بدراسة وخدمة ناحية معينة من نواحي النشاط ألإخواني وتسمى هذه الجماعات أقساما أو لجانا ويصح أن تكون هذه الجماعات دائمة أو مؤقتة.
المادة 54:
الأقسام واللجان التي يؤلفها مكتب الإرشاد تخضع له وتتبعه ومقرها المركز العام.
المادة 55:
تعرض أعمال الأقسام والجان على المرشد العام أو على المكتب إذا رأى المرشد ذلك أو رآه المكتب فإذا أقرت هذه الأعمال أبلغت للهيئات الإدارية عن طريق السكرتير العام.
المادة 56:
يعين مكتب الإرشاد رؤساء الأقسام واللجان ويعين المرشد العام من يعاونهم في العمل بناء على اقتراح رؤساء الأقسام واللجان. س
المادة 57:
الأقسام الأساسية التابعة لمكتب الإرشاد الآن هي:
(1)قسم نشر الدعوة .
(2)قسم العمال.
(3)قسم الفلاحين.
(4)قسم الأسر.
(5)قسم الطلبة.
(6)قسم الاتصال بالعالم الإسلامي.
(7)قسم التربية البدنية.
(8)قسم الصحافة والترجمة.
(9)قسم المهن.
(10)قسم الأخوات المسلمات.
واللجان الأساسية التابعة للمكتب الآن هي:
(1)اللجنة المالية.
(2)اللجنة القضائية.
(3)اللجنة السياسية.
(4)لجنة الخدمات.
(5)لجنة الإفتاء.
(6)لجنة الإحصاء.
قسم نشر الدعوة
المادة 58:
الغرض من إنشاء قسم نشر الدعوة هو تنظيم الدعاية لفكرة الإخوان تنظيما فنيا ونشر الدعوة بكافة الوسائل التي لا تتنافى مع روح الإسلام ومن ذلك:
1-إعادة الدعاة للخطابة والمحاضرات والكتائب على أن لا يسمح لهؤلاء أن يخطبوا في الأحفال العامة إلا بعد التأكد من صلاحيتهم.
ب-إصدار ما تحتاج إليه الدعوة من رسائل ونشرات علمية وثقافية ورياضية.
ج-تنظيم إصدار الرسائل والكتب التي يصدرها الإخوان المسلمين ولها مساس بالدعوة بحيث لا تطبع أي رسائل إلا بعد عرضها على القسم وإقرار نشرها.
وعلى كل أخ يؤلف كتابا أو رسالة من هذا القبيل أن لا يطبعها قبل عرضها على القسم فإذا أقرها القسم اعتبرت من رسائل الإخوان.
د-إعداد الإخوان بصفة عامة إعدادا إسلاميا من النواحي البدنية والروحية والعلمية عن طريق تنظيم المحاضرات والرسائل في المواضيع التي يهم الأخ معرفتها وتوجيههم إلى قراءة الكتب النافعة التي تزيد من ثقافتهم الإسلامية وتبعث الروح الرياضية في محيط الإخوان ونشر الألعاب الرياضية المناسبة لتقوية أبدانهم وتحسين صحتهم.
هـ-إمداد الشعب والمناطق بالدعاة والمحاضرين في الحالات التي يراها المركز العام أو تفوض إليه.
المادة 59:
ينشأ في دائرة كل مكتب إداري مدرسة للدعاة أو أكثر ويقوم قسم نشر الدعوة بوضع برنامج موحد لهذه المدارس ويحدد المواضيع التي تدرس والكتب التي يدرسها الطلبة في كل موضوع ومدة الدراسة وغير ذلك مما يتعلق بالدراسة، ويتخير القسم بعد انتهاء الدراسة الطلبة الذين تثبت صلاحيتهم كدعاة.
المادة 60:
على كل مكتب إداري البدء في إنشاء مدرسة واحدة على الأقل من تاريخ وصول برامج الدعاة إليه ويعين المكتب مدرسي المدرسة من بين الإخوان ويح أن يكون بعضهم من أصدقاء الإخوان ذوي الكفايات العلمية.
المادة 61:
يطبع مكتب الإرشاد على نفقته ما يراه صالحا م الرسائل والكتب بعد الاتفاق ماليا مع مقدميها ويتولى المكتب الإشراف على نشرها وبيعها.
المادة 62:
يجوز للقسم أن يؤلف من القائمين على شئونه لجانا تهتم كل لجنة منها بناحية معينة من نواحي نشاطه ويرد كل لجنة في أعمالها إلى القسم باعتباره المسئول عن كل هذه الأعمال.
قسم العمال
المادة 63:
يقوم قسم العمال على الأغراض الآتية:
أ-تنظيم نشر الدعوة في محيط العمال وإيجاد جو إسلامي في المصانع والشركات والنقابات العمالية.
ب-توجيه العمال إلى الاستفادة من النقابات والنشاط العمالي وإلى ما يحفظ حقوقهم.
ج-تنظيم التعاون بين العمال والقيام على حاجاتهم ومطالبهم.
د-دراسة مشاكل كل العمال، وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها والعمل على التقريب بين العمال وأرباب العمل.
هـ-دراسة نظم العمل ومحاولة تصحيحها وردها إلى أصل إسلامي.
و-تثقيف العمال ثقافة إسلامية وتوجيههم إلى ما يرفع مستواهم التعليمي والخلقي والاجتماعي والصحي.
المادة 64:
يقوم قسم العمال بدراساته الفنية ويضع رسائله ونشراته وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية لتنفيذها.
المادة 65:
للقسم أن يتصل بمندوبي العمال في المكاتب الإدارية والمناطق إذا اقتضت دراسته أن يتصل بهم، واتصالات القسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقا للخطة التي يعتمدها المرشد العام.
قسم الفلاحين
المادة 66:
يقوم قسم الفلاحين على الأغراض الآتية:
أ-تنظيم نشر الدعوة في محيط الفلاحين وإيجاد جو إسلامي في المزارع والنقابات الزراعية.
ب-توجيه الفلاحين إلى الاستفادة من النقابات وإلى ما يحفظ حقوقهم.
ج-تنظيم التعاون بين الفلاحين والقيام على حاجاتهم ومطالبهم.
د-دراسة مشاكل الفلاحين وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها والعمل على التقريب بين الفلاحين والملاك.
هـ-دراسة نظم الاستغلال الزراعي ومحاولة تصحيحها وردها إلى أصل إسلامي.
و-تثقيف الفلاحين ثقافة إسلامية وتوجيههم إلى ما يرفع مستواهم التعليمي والخلقي والاجتماعي والصحي.
المادة 67:
يقوم قسم الفلاحين بدراساته الفنية ويضع رسائله ونشراته وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية لتنفيذها.
المادة 68:
للقسم أن يتصل بمندوبي الفلاحين في المكاتب الإدارية والمناطق إذا اقتضت دراسته أن يتصل بهم واتصالات القسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقا للخطة التي يعتمدها المرشد العام.
قسم الأسر
المادة 69:
يقوم بوضع الدراسات والتوجيهات الخاصة بالأسر، ويشرف على تنظيمها في حدود السياسة التي يضعها مكتب الإرشاد.
قسم الطلبة
المادة 70:
يقوم قسم الطلاب على الأغراض الآتية:
أ-تنظيم نشر الدعوة الإسلامية في محيط الطلاب وإيجاد جو إسلامي بصفة عامة في المعاهد الدراسية.
ب-تقديم الثقافة الإسلامية المناسبة للطلاب على اختلاف معاهدهم وسنواتهم.
ج-القيام على حاجات الإخوان الطلاب وتنظيم التعاون المدرسي بينهم.
د-تنظيم الاستفادة من الطلبة في العطلة الصيفية وإفادتهم.
هـ-توجيه الطلبة إلى الاستفادة من النشاط المدرسي.
المادة 71:
يقوم قسم الطلاب بدراساته الفنية وبوضع رسائله ونشراته وتعليماته التي يراها ثم تعرض أعماله على المرشد العام فإن وافق عليها بلغت للمكاتب الإدارية.
المادة 72:
للقسم أن يتصل بمندوبي الطلاب في المكاتب الإدارية والمناطق إذا اقتضته دراساته أن يتصل بالطلاب واتصالات لقسم وتنظيم المؤتمرات العامة تكون طبقا للخطة التي يعتمدها المرشد العام.
قسم الاتصالات بالعالم الإسلامي
المادة 73:
من أغراض هذا القسم: أ-العمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض وتوحيد السياسة العامة لها، بتوحيد مناهج الثقافة الإسلامية وتوحيد القوانين والتشريعات ورفع الحواجز الجمركية وتسهيل إجراءات الدخول والإقامة في هذه الأقطار.
ب-تحرير الأوطان الإسلامية من كل سلطان أجنبي وذلك بتقوية الروح الوطنية ومقاومة أي عدوان داخلي أو خارجي على حقوق الشعوب وإيثار العادات والمظاهر الإسلامية والاعتصام بالوحدة العربية والإسلامية والتعاون على استكمال الحرية لكل قطر من الأقطار الإسلامية.
ج-إقامة حكومات إسلامية دينا ودولة في كل هذه البلاد وتكوين وحدة سياسية إسلامية.
المادة 74:
ينشأ في القسم لجان على أوجه النشاط المختلفة منها:
لجنة الشرق الأدنى وتضم البلاد العربية وباقي الشعوب الإسلامية في أفريقيا كما تضم تركيا وإيران.
لجنة الشرق الأقصى (أفغانستان- تركستان- الصين- الهد- الهند الصينية- اندونيسيا- اليابان).
المادة 75:
يدرس القسم قضايا العالم الإسلامي ويعد لكل قضية ملفا خاصا كما يعد لكل قطر ملفا خاصا يشمل كل ما يهم معرفته عن هذا القطر مما يتصل بأغراض القسم.
قسم التربية البدنية
المادة 76:
يضع قسم التربية البدنية المناهج والدراسات اللازمة لتربية الإخوان تربية بدنية إسلامية وإعدادهم للقيام برسالتهم ويشرف القسم على تنظيم هذه الناحية طبقا للسياسة التي يضعها مكتب الإرشاد.
قسم الصحافة والترجمة
المادة 77:
يشرف هذا القسم على جرائد ومجلات الإخوان في حدود السياسة التي يقرها مكتب الإرشاد، ويقوم بحفظ ما تكتبه الصحف عربية وغير عربية عن الإخوان بحيث يمكن الرجوع إليه عند الحاجة كما يترجم ما تقتضي مصلحة الدعوة ترجمته من العربية وإليها.
قسم المهن
المادة 78: يقوم قسم المهن على الأغراض الآتية:
أ-نشر الدعوة في محيط أصحاب المهن وإيجاد جو إسلامي عام في بيئاتهم.
ب-حصر الإخوان في كل مهنة والعمل على الاستفادة من المهنة بالنسبة للدعوة والأفراد والإخوان.
ج-الاستفادة من النقابات المهنية المختلفة والعمل على إيجاد جو إسلامي فيهم.
د-إعداد المناهج المختلفة في شتى النواحي على أساس من الإسلام والعمال على تنفيذها بواسطة أصحاب المهن.
هـ-توجيه الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي وصبغها بالصبغة الإسلامية .
المادة 79:
يقوم قسم المهن بدراسته الفنية ويضع رسائله ونشراته وهذه تعرض على المرشد العام فإن وافق عليها بلغن للمكاتب الإدارية لتنفيذها,.
المادة 80:
للقسم أن يتصل بمندوبي مختلف المهن إذا اقتضت دراساته أن يتصل بهم، ولكن الدعوة والتنظيم تكون بناء على أمر المرشد بعد عرض الأمر عليه.
قسم الأخوات المسلمات
المادة 81:
تحكم هذا القسم لائحته الخاصة المعتمدة في 12 شعبان سنة 1367هـ الموافق 20 يونيه 1948.
اللجنة المالية
المادة 82:
مهمة اللجنة المالية هي تنظيم مالية الجماعة وإعداد كل ما يضبطها وينميها من ذلك:
أ-إعداد الدفاتر القانونية المنظمة لكل عمل من الأعمال المتصلة بالمالية.
ب-جرد الموجودات وتقدير المشتريات وعمل الميزانية السنوية وتقديم التقرير المالي السنوي.
ج-مراجعة الحسابات والمستندات وجرد الخزانة وبيان سير العمل في الدفاتر ووجوه الخطأ في العمل واقتراح ما يصلحه.
د-وضع كشف شهري للوارد والمنصرف مع بيان ملاحظات اللجنة.
هـ-حصر دفاتر الإيصالات والأوراق ذات القيمة وتسليمها لأمين الصندوق بإيصال موقع عليه يحفظ لدى رئيس اللجنة.
و-التفكير في تنمية الموارد المالية ودراسة كل الاقتراحات التي يراد بها الوصول إلى تحقيق هذه الغاية.
اللجنة القضائية
المادة 83:
مهمة اللجنة القضائية هي الإشراف على قضايا الإخوان التي ترفع عليهم أو منهم بصفتهم إخوانا ودراساتها والمرافعة فيها أو الإشارة بمن بقوم عليها. وعلى اللجنة أن تحتفظ لديها بصورة كاملة من ملفات القضايا معدة للاطلاع عليها حتى آخر إجراء فيها.
وليس للجنة في حالة رفع القضايا أن ترفعها إلا بعد أن يأذن مكتب الإرشاد. كذلك ليس لها أن تتخذ إجراء قضائيا غير عادي إلا بعد عرض الأمر على المكتب.
المادة 84:
مهمة اللجنة السياسية هي دراسة التيارات السياسية العامة والخاصة في الداخل والخارج ودراسة الحوادث السياسية الطارئة وتحديد موقف الإخوان منها ودراسة المقترحات التي توجه للمكتب بهذا الخصوص إذا رأى أن يحيلها على اللجنة ، ليس للجنة حق إصدار قرارات باسمها، ولكنها تعرض ما تراه على مكتب الإرشاد وله الرأي.
لجنة الخدمات
المادة 85:
مهمة لجنة الخدمات أن تنظم وتسهل القيام بما يطلب من خدمات خاصة وأن توجد شبكة من الإخوان في كل الجهات للمساعدة في خدمة الإخوان وتلبية طلباتهم أو تسهيلها.
لجنة الإفتاء
المادة 86:
مهمة لجنة الإفتاء تمحيص المسائل الفقهية التي تعرض على المكتب وبيان الرأي الإسلامي الصحيح فيها مؤيدا بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة المسلمين رضوان الله عليهم.
لجنة الإحصاء
المادة 87:
مهمة لجنة الإحصاء أن تقوم بإحصاء أوجه النشاط المختلفة للإخوان وأن تقدم التقارير عن ذلك النشاط كل ثلاثة أشهر.
المادة 88:
رؤساء الأقسام واللجان عليهم أن يقدموا تقارير مختصرة في آخر كل شهر عن حالة النشاط في القسم أو اللجنة في مدى الشهر السابق، وعليهم أن يضمنوا هذه التقارير ملاحظاتهم عن سير العمل وما لوحظ من أوجه النقص راجعا إلى القائمين بالعمل أو العيب في الأنظمة المطبقة مع بيان ما يجب عمله لتلافي مواضيع النقص والعيب.
الصلة الإدارية بين الهيئات
المادة 89:
والشعبة خاضعة للمنطقة التي تتبعها والمنطقة خاضعة للمكتب الإداري الذي تتبعه والمكتب الإداري خاضع لمكتب الإرشاد.
المادة 90:
ليس للشعبة أن تتصل بمكتب الإرشاد إلا عن طريق المنطقة فالمكتب الإداري، وليس للمنطقة أن تتصل بمكتب الإرشاد إلا عن طريق المكتب الإداري ولو كان الأمر متعلقا بشكوى من تصرفات المنطقة أو المكتب فإذا لم تبلغ المنطقة أو المكتب الإداري الشكوى جاز الاتصال المباشر بمكتب الإرشاد في شأن الشكوى فقط.
المادة 91:
الاتصالات بين الشعب تكون عن طريق المناطق فيما يدخل في اختصاص المناطق والاتصالات بين المناطق تكون عن طريق المكاتب الإدارية فيما يدخل في اختصاص المكاتب الإدارية، والاتصالات بين المكاتب الإدارية تكون عن طريق مكتب الإرشاد فيما يدخل في اختصاص المكتب.
الصلة المالية بين الهيئات
المادة 92:
تتكون مالية كل من الشعبة والمنطقة والمكتب الإداري ومكتب الإرشاد من الاشتراكات والتبرعات والإعانات والأوقاف وما تتقبله هذه الهيئات من موارد الإيرادات الأخرى.
المادة 93:
على كل شعبة أن تساهم بما يكفي نفقات المنطقة التي تتبعها ثم المكتب الإداري وعلى كل مكتب إداري أن يقدم شهريا للمركز العام ما يكفي نفقاته ويحدد مكتب الإرشاد ما يدفعه كل مكتب شهريا وتواريخ الدفع.
المادة 94:
على كل أخ أن يسدد اشتراكه في الشعبة التي ينتسب غليها. ويجوز أن يدفع الأخ أكثر من اشتراك واحد إذا تعدد نشاطه. وللإخوان العاملين في المركز العام أن يسدوا اشتراكاتهم للمركز نفسه.
المادة 95:
على نقيب كل أسرة أن يحصل اشتراك الأسرة ويورده إلى أمين صندوق الشعبة في موعد أقصاه اليوم الرابع من كل شهر.
المادة 96:
يمسك أمين صندوق الشعبة دفترا للإيرادات والمصروفات (صفحتين متقابلتين) وتبوب كل صفحة إلى خانات حسب أنواع الإيرادات وأنواع المصروفات.
ويقيد أمين الصندوق اشتراكات كل أسرة كجملة واحدة مع ذكر اسم الأسرة أو رقمها ويستخرج إيصالا إجماليا للأسرة يسلمه لنقيبها. ثم يقيد الإيرادات الأخرى التي تصله كل تحت الخانة الخاصة به مع التوضيح اللازم وأهم الإيرادات الأخرى التبرعات وهي المبالغ التي يدفعها الإخوان غير العاملين والمبالغ التي يدفعها بعض الإخوان بصفة استثنائية غير دورية. والمبالغ التي يتبرع بها غير الإخوان.
أما في جانب المصروفات فيقيد أولا الجزء الذي يرسل من جملة الإيرادات إلى المنطقة ثم يقيد باقي مصروفات الشعبة. ويجب أن يراعى ألا تزيد مصروفات الشعبة عن إيراداتها مضافا إليه رصيدها من الشهور السابقة.
ويجب أن يسلم رئيس الشعبة اشتراك الشعبة الشهري على أمين صندوق المنطقة في موعد أقصاه اليوم الخامس من كل شهر مع توضيح العناصر التي يتكون منها المبلغ (اشتراكات – تبرعات...) ومع بيان مقدار رصيد الشعبة في ذلك التاريخ بعد توريد المبلغ.
المادة 97:
يمسك أمين صندوق المنطقة دفترا للإيرادات والمصروفات (صفحتين متقابلتين مبوبة كل منهما إلى خانات) ويقيد في جانب الإيرادات ما يصله من كل شعبة موضحا أمام المبلغ اسم الشعبة أو رقمها ومفصلا المبلغ تحت خانات الصفحة إلى العناصر التي يتكون منها ويستخرج إيصالا إجماليا بالمبلغ يسلمه لرئيس الشعبة. ويقيد كذلك أي إيرادات أخرى تصله مع استخراج إيصال بكل مبلغ.
ويقيد في خانات المصروفات المبلغ الذي يرسل للمكتب الإداري أولا، ثم مصروفات المنطقة في حدود نصيبها من الإيرادات. مضافا إليه رصيدها من الشهور السابقة.
ويجب أن يسلم رئيس المنطقة النسبة المذكورة إلى أمين صندوق المكتب الإداري في موعد أقصاه اليوم السابع من كل شهر مع توضيح العناصر التي يتكون منها المبلغ وبيان الرصيد النقدي للمنطقة بشعبها في ذلك التاريخ بعد توريد المبلغ.
المادة 98:
يمسك أمين صندوق المكتب الإداري دفتر الإيرادات والمصروفات (صفحتين متقابلتين) وتبوب كل صفحة إلى خانات حسب أنواع الإيرادات والمصروفات.
وتقيد في صفحة الإيرادات المبالغ التي تصله من المناطق موضحا أمام كل مبلغ اسم المنطقة أو رقمها ومفصلا المبلغ تحت الخانات حسب العناصر التي يتكون منها. ويقيد كذلك أية إيرادات أخرى تصله مع استخراج إيصال بكل مبلغ.
ويقيد في صفحة المصروفات المبلغ المرسل إلى المركز العام. ثم مصروفات المكتب الإداري في حدود نصيبه من الإيرادات مضافا إليه رصيده الشهور السابقة.
ويجب أن يسلم رئيس المكتب الإداري اشتراكه إلى أمين الصندوق العام في موعد أقصاه اليوم العاشر من كل شهر مع توضيح العناصر التي يتكون منها المبلغ وبيان رصيد المكتب الإداري بمناطقه وشعبه في ذلك التاريخ بعد توريد المبلغ.
المادة 99:
يجب إجراء تفتيش دوري من كل هيئة على الهيئات التي تتبعها، فيفتش المكتب الإداري على المناطق والشعب وتفتيش المنطقة على الشعب ويجب أن يراجع رئيس كل هيئة دفتر الإيرادات والمصروفات مع أمين الصندوق وللمركز العام أن يفتش على الجميع .
المادة10:
يمسك أمين الصندوق العام دفترا عاما للإيرادات والمصروفات (صفحتين متقابلتين) ويقيد في جانب الإيرادات ما يصله من المكاتب الإدارية موضحا أمام كل مبلغ اسم المكتب الإداري أو رقمه ومفصلا المبلغ تحت الخانات حسب العناصر التي يتكون منها ويقيد كذلك أية إيرادات أخرى تصله مع استخراج إيصال بكل مبلغ.
المادة 101:
يجب ألا يصرف أي مبلغ من الصندوق العام إلا بإذن صرف موقع عليه من " المرشد العام" أو القائم مقامه ويجب حفظ مستندات الصرف في ملفات.
المادة 102:
تبدأ السنة المالية في أول يناير وتنتهي في آخر ديسمبر وعلى أمين الصندوق العام في أول كل عام أن يقدم الحساب الختامي عن السنة السابقة ومشروع الميزانية عن السنة الجديدة إلى مكتب الإرشاد لإقرارها وليحدد على أساسها ما يصرف عل كل باب من أبواب النشاط وليراعيها في توجيهاته إلى المكاتب الإدارية والمناطق والشعب. ويعرض الحساب الختامي ومشروع الميزانية الجديدة على الهيئة التأسيسية عند أول اجتماع لها.
وعلى أمين الصندوق أن يمكن مراجع الحسابات من الاطلاع على الدفاتر في أي وقت.
المادة 103:
يجب استخراج إيصال (من أصل وصورة بالكربون) لكل من ورد مبلغا من المال وكذلك يجب الحصول على إيصال من كل من استلم مالا وفاتورة بكل ما يشتري.
المادة 104:
إذا زاولت الشعبة ( أو المنطقة أو المكتب الإداري) نشاطا يدر ربحا كعمل مدرسة أو مستوصف أو محل تحاري واستخدمت فيه جزءا من أموالها فترسل نسبة 20% من الأرباح السنوية إلى المركز العام عن الطريق الإداري العادي مع عدم خصم الهيئة التالية لها أي مبلغ من هذه النسبة بل تصل كلها إلى الصندوق العام مع التوضيح اللازم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن .." (قرآن كريم )
" تمهيد"
منزلة الدعاة في الأمم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفاهم قائمين بحجته، وجعلهم مظهرا لفيض حكمته ودعاة خلقه إلى جنابه ورثة أنبيائه وأصفيائه، وجعل قلوبهم مصابيح الدجى ومنابع الحكمة ومستقر الرحمة، يطلعهم أنجما زاهرة في الفينة بعد الفينة من الدهر، إذا التبست السبل وأظلمت المناهج، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، ويبعثهم قادة للخلق إذا دار بهم الزمان ومشت بهم العصور وألزمتهم سنة الرقي أن ينتقلوا من طور إلى طور ويستبدلوا حالا بحال، حتى لا تستحوذ لذة الجديد على مشاعرهم وتمثل بخمرته عقول فريق منهم وتصل في فهمه وتقريره ألبابهم، فتزل بهم القدم إلى مهاوي الرذيلة ويدفعهم التيار إلى حمأة الفساد.
حاجة الأمم في انتقالها إلى القادة
وما أحوج الأمة في دور انتقالها إلى قادة حكماء، ومرشدين أدلاء، وهداة فضلاء ، يسلكون بها سبيل السعادة، ويجنبوها أضرار الاندفاع، لا يزالون يتحسسون طريق النجاة بكل ممكنة وغير ممكنة من الطريق، أحيانا باستخلاص من العبرة التاريخية، وأخرى بالمقارنة بين الحوادث الكونية، وثالثة بما هدتهم إليه التجارب الطويلة والفطرة السليمة، وما أرشدهم الله إليه من طرق الإصلاح وسبل النجاة، كما يفعل الربان بسفينته إذا خفيت عليها وتراكمت بها الأمواج وضلت في فضاء المحيط بين السماء والماء، أفراء تهتدي بغير هاد أو تسلم بدون إرشاد؟
أولئك القادة هم صفوة الله من خلقه وأمناؤه على عباد وهم المجددون حقا الذين أشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من حديثه الشريف.
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير الهداة وإمام المرشدين وعلى آله وصحبه الذين كانوا مثل الفضيلة الحية ونماذج الخلق الطيب الطاهر ومعجزة الدهر وطفرة الأمة العربية- بل العالم إن شئت- من أحط مراتب الهمجية إلى أرقى منازل المدنية.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
- إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ولا أظنك تجد- وإن قلبت صحائف الدهور وفتشت بطون العصور واستنبأت التاريخ واستوحيت الحوادث- عصابة حق كتلك العصابة التي غذيت بلبان النبوة وتربت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجوب القيام بالدعوة وتعميمها
"وبعد" فلست في حاجة إلى أن أقول إن أمتنا المصرية – بل الإسلامية- بما تقلبت فيه من أطوار وما مر عليها من حوادث سياسية واجتماعية استبدت بدينها وأخلاقها فتركتها كالمعلقة. لست في حاجة إلى أن أقول أن هذه الأمة في أشد الحاجة على دعوة قوية فعالة تردها إلى رشدها وتهديها بهدي نبيها وترشدها إل معالم دينها وتنقذها مما هي فيه من الانحلال الأدبي والفساد الخلقي.
فأنت أينما وجهت وجهك لا تجد إلا فسادا ظاهرا وتهتكا مزريا، بله الفوضى في العقائد والتخبط في الآراء والمذاهب، إلى من يتهجم على عامتنا فيجرحهم في دينهم ويسرق منهم إيمانهم من مرتزقة التبشير وما إليه .
تسير في الشارع فترى ما يؤذي ويؤلم، وتستعرض حياة الأسرة ما يمضي ويؤسف، تولى وجهك شطر المدارس ومعاهد العلم فتلقى ما يزري ويخجل، وقل مثل ذلك في مرافقنا وشئوننا، حتى لقد أصبح الداء عاما يئن تحته الفرد والجماعة ويستغيث منه الصغير والكبير.
ولا يغرنك قوم من الكتاب يقولون هذا عصر مدنية وتجديد ورقي في المدارك والأفكار وثقافة حرة وحرية شاملة شخصية وغير شخصية، وغير ذلك من الألفاظ التي يرصونها رصا وينمقونها تنميقا يخدعون بها البسطاء ويخلبون بروائها الضعفاء ذلك تعبير لع تعبير، ولو أن هؤلاء القائلين ممن لم يستول عليهم الافتتان والإعجاب بما يرون إلى حد لا يفقهون معه دليلا ويذعنون لحجة " .. إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى.." لناقشناهم دليلا بدليل وساجلناهم حجة بحجة وبينا لهم أن الحق غير ما يظنون وصلاح الأمة بغير ما يفهمون، ولنا معهم موقف آخر إن شاء الله رغم ذلك كله يرون فيه الحق حقا والباطل باطلا.
وأما الآن فأوجه هذا النداء الصادق الحار إلى من يحس مثلي بداء هذه الأمة ويشعر به بين جوانحه هما مبرحا وجوى لاصقا.
إن أمة هذا حالها حرام على المؤمن فيها أن يسكت على ما يرى ، وأن يجد مس الداء ويتوسد الهم والألم فلا يبدي حراكا ولا يرفع صوتا، وهو يتلو في كتاب ربه " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم.. " ويقرأ " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .." ويقرأ " ق إن كان آباؤكم وأبناؤكم .. " الآية ويسمع " لعن الذين كفروا .. " الآية . وأما الأحاديث فلا يحصيها العد، ومواقف الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وصادقي الإيمان بعدهم في الدعوة إلى الله مذكورة معروفة فأين الإيمان من قلوبنا والدين من نفوسنا إن لم نؤد الأمانة : أمانة النداء بكلمة الله والقيام بحجته والدعوة إليه.
ألست ترى أولئك الذين ما يفتأون يرمون الأنفس البريئة والعقيدة الحقة الثابتة بسهام من الشك ونبال من الأوهام، وهي كأنها كلمة أمير المؤمنين عل كرم الله وجهه: " والله إني لأعجب من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، وتخاذلكم عن حقكم" وما جرأ هؤلاء وأظهر كوامن نفوسهم إلا أنهم رأوا الميدان خاليا، وأنسوا من أهل الحق تغافلا، فاندفعوا يطلبون الطعن وحدهم والنزال. وما هو إلا أن يقوم أهل الحق بتأييده وبيانه حتى ينجزر مد هؤلاء وينحسر طغيانهم ويتقهقروا إلى مراكزهم أذلة وهم صاغرون.
ومن جهلت نفسه قدره
- رأى غيره منه مالا يرى
واعلم أيها الأخ الغيور أيدك الله، أنه لم ينل من هذه الأمة أحد ما نال منها يأسها من نفسها وسكوت قادتها الغيورين عن إصلاحها فلا يخدعنك ما يخدعون به الأعصاب، وينيبون به الحمية، ويثبطون به العزائم، من قولهم: طبيعة العصر ، وهذا تيار لا يغالب وقد استفحل الداء، وغير ذلك من بنات اليأس وولائد الخمول ورسل الموت والفناء.
وفيم اليأس وقد وعدنا الله النصر، وكتب على نفسه المؤازرة للهداة والمرشدين. وانظر ذلك جليا في ثنايا الكتاب العزيز في تضاعيف صفحاته ومرامي سطوره وآيته " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"
حادثت مرة أحد الدعاة إلى الله بلهجة اليائس، فقال لي: حنانيك يا أخي لو أن حماية هذا الدين للخلق لتمكن الخلق من نقضه بل لزال وهو في مهده، ولكنه في حماية الله والله غالب على أمره فلا تبتئس بما كانوا يصنعون، فقلت رحمك الله يا سيدي ، لقد نبهت مني غافلا، ومن أصدق من الله قيلا؟
وصفوة القول أن الدعوة واجبة علينا معلقة بأعناقنا، فإن ظفرنا منها بما نحب من خير هذه الأمة وهدايتها فذاك وهو المأمول بحول الله وعونه، وإلا فحسبنا أن نكون قنطرة تعبر عليها فكرة الدعوة والإرشاد إلى من هم أقدر منا على التنفيذ،أو بعبارة أخرى حسبنا أن نكون حلقة اتصال بين من تقدمنا ومن سيأتون بعدنا، وإلا فحسبنا أن نعذر إلى الله ونؤدي الأمانة ونقوم بالواجب والقيام بالواجب غرض يقصد لذاته أولا ثم لفائدته ثانيا. وتأمل قول الله تعالى " .. قالوا معذرة إلى ربكم، ولعلهم يتقون " " تلك ثلاث مراتب من أغراض الدعوة، أعلاها أولها، وما ذكرت الأخريين عن يأس من النجاح أو شك في الفلاح والفوز أو استبعاد للنصر ولكن ليتضح لنا كيف أن الدعوة إلى الله فريضة لا يخلصنا منها إلا الأداء ولا يقبل فيها عذر ولا هوادة.
وليت شعري أية كارثة ألمن بنفوس المصلحين وهفت بأرواح القادة وطارت بحمية الغيورين على هذه الأمة فجعلتهم يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، ويثاقلون إلى الأرض، ويستوعرون سبيل الجهاد؟ وأية حادثة نالت من موضع آبائهم وهزت مواطن الشجاعة فيهم؟
أصحوت شجرات المجد أم نضبت
- غدر الحمية حتى ليس من رجل؟
" يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل"
وأنتم أيها السراة الأغنياء " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".
وإني لأشم بوادر النجاح وأستنشق عبير الفوز من تلك النهضة الإرشادية التي تغشت في نفوس الشباب فخلقت منهم دعاة صادقين، وكان من آثارها تلك الجماعات النبيلة المقصد وفي مقدمتها " جمعية الشبان المسلمين" و " جمعية مكارم الأخلاق" وغير ذلك، وإنا لا نرجو بعد ذلك مظهرا، فتلك إن شاء الله باكورة أعمال تتلوها أعمال وتحقيق آمال بعدها آمال، والعهد بأدبائنا وسراتنا بعد ما أنهضتهم الحادثات أن يثابروا على إمداد هذه الجماعات وتحقيق أغراضها حتى تكون دانية الجني وارفة الظلال عميمة النفع والله الهادي إلى الصواب.
وتلك خطرات وآراء بعضها ثمرة التجربة وبعضها وليد الفكر أدلى بها من يتكرم بالنظر فيها من أولى بعضها الغيرة، لعل فيها تبصرة وذكرى.
حياتنا التهذيبية
قد يظن أن التهذيب نتيجة من نتائج العلم، والحقيقة أن العلم شيء والتهذيب شيء آخر، وقد يكون الشخص عالما وليس مهذبا وبالعكس لأن مرجع العلم إلى العقل ومرجع التهذيب إلى الخلق، وهما قوتان مختلفتان من قوى النفس ولكل منها نوع خاص من التربية، وغاية ما بينهما من صلة أن العلم يكشف للشخص عن حقائق الأشياء ويريه وجوه النفع والضرر منها فيساعده ذلك على مصاحبة الحسن ومجانبة القبيح، وبعبارة أخرى أن العلم سلاح إن استعمل في تدريب النفس على الفضيلة أفاد وقد يكون معوانا لها على الرذيلة أحيانا، فليس التهذيب نتيجة لازمة له مطلقا. كانت أثينا مهد العلوم وعش الفلاسفة ولم تكن الفضيلة فيها مرعية كما هي في أسبرطة التي لم تبلغ شأن شقيقتها في العلوم والفنون.
إذا تقرر هذا أمكننا القول بأننا وإن كنا تقدمنا تقدما علميا محسوسا وخطونا إلى الرقي العلمي خطوات إلا أننا نلاحظ انحطاطا عاما في المستوى الخلقي يشمل معظم طبقات الأمة فقد كثرت الجرائم وضعف الشعور بالتبعة الأدبية والقانونية، واشتد تيار الخلاعة والتهتك، وأولع بهما لشبان والشابات في المنزل وفي الشارع وفي المنتزه ، وكان لكل هذا أثره في فشو روح الإباحية والإلحاد والاستهتار بالشئون الدينية والاستخفاف بأدائها والإقبال على المسكرات وما شكلها من السموم القتالة وتفكك روابط الأسر واختل نظامها لسهولة طرق البغاء وما في حكمه. وكل هذه مظاهر تدلنا على ما وصلت إليه الآن من الضعف الخلقي، ولا شك أن هذا نتيجة لعصر الانتقال الذي تجتازه مصر الآن وهو من أخطر الأدوار في حياة الأمم وأثر من آثار المدنية الحديثة التي نكرع من بحرها. ولابد أن يصحب المدنية والانتقال تغير شديد في سلوك المرء وأخلاقه فتتلاشى تلك ألأخلاق المؤسسة على النظم والعادات المرعية والعقائد الدينية ويحل محلها نوع آخر من الأخلاق عماده متينا أساسه الوجدان والحرية ولوجدت من الثاني خلقا متكلفا أساسه التصنع والرياء.
يحدثنا التاريخ بلسان الكاتب اليوناني أرستوفانس عن أثينا بعد الحروب الفارسية أن الإلحاد قد فشا والآداب قد فسدت وصار الناس أحرارا في سلوكهم لا يحتشمون ولا يتقيدون بنظام أو قانون، وأصبح الأطفال ذوي خبث ودهاء قد فسدت نياتهم ونضب ماء الحياء من وجوههم، وأصبحت الحلائل جامحات عاصيات مبذرات غير عفيفات، وأصبح البعول وقد أهملوا منازلهم وأغفلوا حقوق الزوجية وعاشوا لأنفسهم لا غير، أما رجال الوطن فقد تحولت وجهتهم إلى جمع المال وكسبه من الطرق الشريفة وغير الشريفة، لا يبالون بما نالهم من عار وسمعة سيئة، وأما الموالي فقد تعدوا العصيان والكسل وقل فيهم الولاء والإخلاص، وإن أردت الإجمال فقل فسدت شخصية الإنسان وتمشت في طريق الغواية والضلال.
هذا ما يحدثنا به التاريخ عن أثينا في دور انتقالها، وهو ما نكاد نراه بعينه فاشيا بيننا. وطبائع الأمم وإن تقادم العهد متشابهة، والواجب يقضي على الزعماء المصلحين أن يتداركوا هذا الأمر بالعلاج المفيد والدواء الحاسم، وأن يقفوا من الآن في تهذيب أخلاقها موقف المرشد الحكيم. والسبيل المجمل في الإصلاح الخلقي هو الرجوع بالناس إلى تمسكهم بدينهم وتقوية روح العقيدة السماوية في نفوسهم، ولن يؤثر في النفس الإنسانية شيء كالعقيدة، ولن يصلح أخلاق الأمم كالدين وخصوصا الأمم الشرقية التي شابت مفارقها في مدارسة العقائد والأديان، ومحال أن تقوم القوانين الوضعية أو الفلسفة البشرية أو العلوم الإنسانية مقام العقيدة السماوية التي تهبط على النفس المجدبة فتثمر بها روحا وريحانا وتحل بالفؤاد الخاوي الأصحر فتملأه تقى وإيمانا " .. ذلك هدى الله يهدي به من يشاء..".
وهناك وسائل شتى للتعليم والتهذيب العام فنوجز القول عليها في الكلمة الآتية:
وسائل التعليم والتهذيب العامة:
أهم هذه الوسائل عندنا المساجد والصحف والأندية والجمعيات الإرشادية الإسلامية الناشئة، ودور الكتب العامة والتأليف والنشر، ويسرنا أن النهضة الحديثة شملت هذه الوسائل كلها وإن كان شمولا قاصرا إلا أننا نرجو له بالمثابرة والزمن الكمال والوصول إلى الغاية المرجوة.
فأما المساجد فقد كانت إلى عهد قريب مهملة بأيدي بعض الأئمة يدرس كل منهم ما يشاء فاهتما وزارة الأوقاف بطبع كتابها في الفقه وتوزيعه عليهم توحيدا لمادة التدريس وإعانة للمدرس وإن كانت كل الشروط اللازمة لم تتوفر في هذا الكتاب إلا أنه خير من السكوت المطلق. واهتمت وزارة الداخلية بتعيين الوعاظ الرسميين الذين يشملون المراكز والبلاد بوعظهم وإرشادهم، ولا شك أن أثرهم في تهذيب الأمة العام سيكون واضحا قريبا، ولعل وزارة الداخلية تعجل للوجه القبلي بنصيبه من هؤلاء الوعاظ الفضلاء ولعلهم يقدرون مهمتهم حق قدرها فيخلصون لله حق الإخلاص في إفادة الأمة وتطهير روحها ويكونون في ذلك خير قدوة لها.
وأما الصحف فقد كثرت وانتشرت انتشارا عظيما وأصبح يتناولها كل طبقات الشعب تقريبا، ولقد يكون من المعجب السار أن ترى جماعة من الحمالين أو الحوذية قد تحلقوا حول قارئ بيده صحيفة في مقهى ينصتون إلى عباراتها ويحتدم بينهم الجدال في تفسير نصوصها، مما يدلك على نضوج الرأي العام وتكونه في مصر وإن كان مجال النضوج لا يزال بعد فسيحا. وهناك نوع من الصحف إثمه أكبر من نفعه وهو الصحف الماجنة الخليعة وهي كثيرة وحبذا لو راقبتها إدارة المطبوعات مراقبة جدية وخلصت الفتيان والفتيات من شر سمومها وخطر نفثاتها، ونناشد حضرات الصحفيين الأجلاء أن يكونوا نصراء للفضيلة عونا للإصلاح الحقيقي، أمناء على أخلاق الأمة ومصالحها كما تقتضيه مهمتهم الشريفة وألا يجاروا أعداء الدين والفضيلة في استهتارهم وإباحتهم.
وأما الأندية فهي كالصحف يتوقف تأثيرها في الحركة التهذيبية على نوع الدعاية التي تقوم بها، وإنا ندعو الأمة إلى أن تغشى الأندية المعروفة بحثها على الفضيلة واحترامها للأخلاق.
وإنا لعظيمو الاستبشار بهذه الجمعيات الإسلامية المباركة أمثال جمعية الشبان المسلمين والهداية الإسلامية ومكارم الأخلاق التي تعمل للفضيلة والدين، وتبين للأمة وجوه النفع والضرر، وترشدها إلى ما به حياتها وسعادتها، وتحث الأمة على تشجيعها والإقبال عليها، فذلك نوع من أنواع الجهاد الإسلامي، وفائدة علمية تهذيبية عظيمة، وإذا علمنا أن جمعية الشبان المسلمين ألقت بناديها في العام الماضي زهاء ستين محاضرة في موضوعات طلية قيمة عدا محادثاتها ومناظرتها ومسامراتها العلمية الأدبية، علمنا مبلغ الفائدة التي تعود على من يغشى ناديها، ويواظب على استماع دروسها. ولقد كان هذا النوع من التهذيب الإسلامي العام يكاد يكون معدوما في بلادنا فجاءت هذه الجمعيات فسدت فراغه وأروت ظمأ الناس منه قيض الله لها سبل الرقي والنجاح. وقد كان من آثار هذه لجمعيات تلك الصحف الغنية بموضوعاتها العلمية والفنية والأدبية التي يجد فيها كل من قرأها العلم واللذة والإقناع.
وأما دور الكتب فقد انتشرت منذ عهد قريب بمساعي مجالس المديريات والمجالس البلدية، وأثرها في نشر العلم والتهذيب معروف. وفق الله القائمين بأمرها إلى تغذيتها بالكتب النافعة الجيدة.
وقد كان من مظاهر نهضتها تلك المؤلفات الحديثة والقديمة التي تخرجها المطابع يوما فيوما، وتلك الشركات التي تؤلف لإحياء الكتب القيمة ونشر الكتب الكبيرة ، ويخيل إلينا أن الكتب التي طبعت حديثا في الموضوعات الدينية وحدها تزيد عن خمسين كتابا من الكتب الكبيرة النادرة التي ما كان يظن أحد أنها تروج في هذه الأيام ، ومع هذا فقد راجت وانتشرت بشكل سار مما يدل على تعطش الناس إلى العلم وحبهم للاطلاع.
ذلك مجمل القول في حياتنا العلمية والتهذيبية، نختمه بالرجاء الكبير على حكومتنا وشعبنا أن يحلا مواطن النقص فيها محل النظر الدقيق والرعاية الجدية وأن يعالجا نقصنا الخلقي وفسادنا الأدبي علاجا حاسما حتى تبلغ أمتنا بذلك غاية الكمال الممكن، والله ولي التوفيق.
كيف أكتب القسم الديني
لجريدة الإخوان المسلمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، اللهم إنا نستهديك إذا أدجن ليل الشبهات، ونستعينك إذا وهنت القوى وكلت العزائم، ونسترشدك إذا اشتبهت وجوه السبل والتبست مفارق الطريق فاسلك بنا من ذلك ما تحب وما ترضى، واجعل ما نكتب حجة لنا لا علينا واهدنا اللهم صراطا مستقيما.
وبعد، فقد أسند إلي القيام بكتابة هذا القسم من جريدة الإخوان المسلمين الناشئة ، فتقبلت ذلك على كثرة مزالقه، ووعورة مضايقه مستمدا من الله المعونة والتوفيق.
والبحوث التي يضمها هذا القسم تتصل من علوم الدين بالتفسير والعقائد والفقه وأصوله والتصوف والأخلاق، ثم عظة منبرية، ويتبع ذلك الفتاوى.
وسأتقدم إلى القراء الكرام لأول عهدهم بهذه الجريدة بالمنهج الذي عزمت على سلوكه، إن شاء الله، في تحرير هذا القسم، الذي تريد إدارة المجلة أن تجعله سلسلة علمية متصلة الحلقات يتعرف منها المسلم ما يحتاج إليه في أحكام دينه اللازمة.
وأرجو أن يتكرم قرائي الكرام بتفهمه وأن يرجعوا إلي إذا التبس عليهم بعض ما يكتب، وقبل أن أفصل طريق السير في البحوث المتعلقة بكل فن من الفنون التي ذكرتها آنفا، ألفت نظر حضراتهم إلى الملاحظات الآتية:
(1)إن لكل عصر طريقة في الكتابة تتناسب مع أسلوب أهله في الفهم وطرقهم في الدراسة، ولابد من هذا التجدد لتجدد عقول الناس وتغير طرق البحث والتفكير والاستنباط، ولهذا كان لمؤلفات كل عصر من العصور الإسلامية السابقة طابعا خاصا به، فالعصر الأول من عصور التدوين تمتاز تآليفه بالاقتصار على المتون والأسانيد مع التعليق عليها ببعض الآراء تعليقا مختصرا، كما ترى ذلك في موطأ مالك رضي الله عنه، وفي مسند أحمد، وفي كتب الحديث الأولى، وفي العصر الذي يليه التفت المؤلفون والفقهاء إلى تلخيص الأحكام وترتيبها وبيان المسائل التطبيقية عليها كما ترى في الأم للشافعي رضي الله عنه، وفي المبسوط للسرخسي مثلا، وجاء بعد ذلك عصر اقتصر فيه المؤلفون على سرد الأحكام والإكثار من التفريعات وبيان الشروط والمحترزات ثقة بالمؤلفين واعتمادا على جهود الأئمة رضوان الله عليهم، وجاء بعد ذلك عصر التعليق والتحشية والتقرير، وهكذا ترى لكل عصر طابعا يمتاز به، وتلك سنة الله في خلقه، وفي منثور الحكم (لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم).
(2)إن عصرنا هذا هو عصر نهضة في التأليف والعلوم والمعارف، وما بدا فيه من توجيه الهمم إلى الترتيب والتهذيب والتسهيل والتعريب لم تظفر فيه العلوم الدينية بشيء من همم المؤلفين وجهود المصنفين، فظللنا من الكتب الدينية حيث كنا، عماد ما كتب من قبلنا، ولم نخدم نحن عصرنا بشيء، فلا زلنا إلى الآن عالة على من سبقنا، ولهذا كانت فائدتنا من العلوم الدينية قليلة لأن طريقة تأليف تلك الكتب وترتيبها ووضعها لا يتفق مع طرق الدراسة الحديثة.
ويظهر ذلك جليا في عدة مواضع، نذكر بعضها على سبيل المثال:
أ-إذا أردت أن تتعرف حكم مسألة من مسائل البيع، وحاولت الوصول على ذلك في كتب الفقه الحالية، فإنك بلا شك تستنفد جهدا عظيما ووقتا كبيرا في الوصول على موضعها ثم في جمع شتات أحكامها.
ب-بعض أحكام المعاملات الحديثة تخلو منه أمهات كتب الفقه، فحكم أعمال البنوك والمصارف وبيع الكمبيالات وما إلى ذلك كلها تتصل بالدين والفقه من حيث التحليل أو التحريم، ومع ذلك لا ترى لها وجودا في موسوعاته وكتبه، والعذر في ذلك واضح فهي لم تكن عند المتقدمين ، وواجبنا نحن أن نعالج ما يجد في عصرنا من مثل هذه المسائل على ضوء القواعد الكلية التي وضعها الأئمة رضوان الله عليهم.
جـ-الإفاضة في أحكام لا وجود لها الآن كالتمثيل بمسائل الرق والإكثار من ذلك حتى لا يكاد يخلو منه باب من أبواب المعاملات في الفقه والتمثيل بوزن الدراهم وذكر مقادير الكيل والوزن والمسافات باصطلاحات نحن في حاجة إلى بيان ما يقابلها في هذا العصر.
د-إذا سألك شاب تعلم تعليما عصريا عن كتاب يلخص العقائد الإسلامية أو أحكام العبادات بطريقة تناسب عقله، فأي كتاب تستطيع أن تدل عليه؟ مع علمك أنه يود فائدة ملخصة مقنعة في وقت قصير لأنه هكذا تعلم.
لا أقصد بهذا الطعن في المتقدمين رضوان الله عليهم ، كلا فهم جزاهم الله خيرا أدوا مهمتهم، وقاموا بواجبهم لعصورهم، وألفوا كما تحب العقول التي عاشوا معها، وخلفوا لنا هذا الميراث الغني الخصيب الفياض بالعلم الزاخر بالأحكام، ولكني أقصد أن أستحث همم علمائنا المعاصرين حتى يخدموا دينهم في عصرهم ويؤلفوا للعقول التي يعيشون معها كما كان أسلافهم، وكما قال ذلك الفلاح الشيخ (قد غرس من قبلنا فأكلنا ونغرس نحن ليأكل من بعدنا) لا أريد أن نكون حلقة قوية تصوغ علوم الأسلاف بالصيغة التي تجذب إليها عقول الأخلاف.
(3)لهذا ستكون كتابتنا في جريدة الإخوان المسلمين إن شاء الله على طريقة قد لا تكون مألوفة في الكتب الدينية ، ولكنها بلا ريب ستستمد من بحارها الجياشة بالعلوم والمعارف، وسيكون عمادها جهود السلف الصالح وميراث الأئمة رضوان الله عليهم، فإن كانت هذه الطريقة مبتكرة في أوضاعها ونظمها، فلن تكون جديدة في أصول الأحكام وقواعدها لأنها ثابتة لا يعتورها تغيير ولا تبديل.
(4)وليعلم قرائي الكرام أني- وقد اخترت أن أطرق هذا الباب- لا استأثر ببحث ولا أستبد برأي، بل أرجو منهم أن يتكرموا بمعاونتي في هذا السبيل الشائك، حتى نستخلص الحقيقة معا، وليس أحب إلى نفسي من نصيحة صادقة يقدمها إلى قارئ كريم، أو مشورة مخلصة يفضل بها على أخ حميم- فأنزل على حكمها، وآخذ في العمل بها إن شاء الله.
وإلى القراء الكرام بيان خطتنا في الكتابة على كل علم من العلوم السابقة إن شاء الله تعالى.
أولا: التفسير- لما كانت الغاية من تفسير كتاب الله تعالى فيما أعتقد هي (توضيح معاني آياته توضيحا يجمع للقارئ فهم المراد والتأثير به ومعرفة ما في الآية من أحكام وعبر) فلكي يصل القارئ إلى هذه الغاية في الوقت القصير والجهد اليسير سنراعي في كتابة التفسير الأمور الآتية:
(1)حل المفردات اللغوية للتراكيب حلا مجملا.
(2)سهولة العبارة والتوسط في إيراد المعاني.
(3)التحقيق في الحوادث والقصص فلا نذكر منها إلا ماله مساس بالآية ويؤيده.
(4)ربط معاني القرآن الكريم بمظاهر الحياة الحديثة علمية واجتماعية وخلقية.
(5)ذكر أسباب النزول، وبيان الرابطة بينها وبين الآيات.
(6)ذكر الأحاديث النبوية المتعلقة بالآية من حيث تأثيرها ومعناها.
(7)استنباط العبر والعظات والأحكام الفقهية التي تحتوي عليها الآية الكريمة.
(8)الاقتصاد في مسائل الخلاف وقفل باب الجدل في التأويل، وعدم التعصب إلى رأي من الآراء.
(9)التفقيه ببحوث لغوية وأصولية بعد التفسير، حتى يجد فيها المتنورون ما تصبوا إليه أفكارهم من تمام البحث وسعة الاطلاع.
(10)التنبيه على المغالط التي وقع فيها بعض المفسرين، ورد الشبهات التي عسى أن يوردها بعض المغرضين على الآية الكريمة.
وقد راعينا في السير على هذه الطريقة أن تكون نافعة لعامة المسلمين، فيستطيعون فهم المعنى الإجمالي ومعرفة الأحكام، وأن تكون سارة للمستفيدين لما يتلو ذلك من بحوث عالية.
ويعجبنا أن نورد هنا كلمة من وصية قيمة لمصلح كبير أوصى بها بعض إخوانه فقال " دوام قراءة القرآن وتفهم أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره كما كان يتلى على المؤمنين أيام الوحي، وحاذر النظر إلى وجوه التفاسير إلا لفهم لفظ غاب عنك مراد العرب منه، أو ارتباط مفرد بآخر خفي عليك متصلة ثم اذهب إلى ما يشخصك القرآن إليه واحمل نفسك على ما يحمل عليه". وسنرتب اختيار الآيات بترتيب المقاصد الكلية للقرآن الكريم، فنبدأ إن شاء الله تعالى بآيات التعبد، وهي الآيات التي تكثر تلاوتها في العبادات ووردت الأحاديث بفضيلة خاصة في تلاوتها كالفاتحة والمعوذتين والكافرون والكهف وتبارك والواقعة ويس، ثم نقفي بآيات العقائد والنظر في الكون، ثم بآيات الأخلاق، ثم بآيات الأحكام، ثم بقصص القرآن الكريم، وهكذا والله المستعان.
ثانيا: العقائد – سنقصد في الكتابة على بحوث هذا الفن إن شاء الله تعالى إلى أمرين أساسيين، أولهما الاعتماد على طريقة القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم في توصيل العقائد الدينية إلى النفوس، واستيلائها على المشاعر والقلوب بدون تعمق في الألفاظ أو تشعب في البحوث أو إيراد للآراء والمذاهب أو خوض في مصطلحات الفلاسفة والمناطقة والكلاميين والجدليين، وتلك طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم.
وثانيهما العناية ببيان آثار هذه العقائد في النفوس، ليعلم القارئ أين نفسه من درجة استيلاء العقيدة الإسلامية عليها، فإن كانت متأثرة بها حمد الله على نعمته، وإن كانت هذه الآثار ضعيفة في نفسه عمل على علاجها وتقوية إيمانها فقد كانت العقائد عند أسلافنا عواصف مستقرة في القلوب ومشاعر مستولية على النفوس، فلما صارت عندنا جدلا وكلاما ضعف إيمان الأمة، وتسرب إلى دينها الخلل والوهن.
وسنتبع ذلك عند مناسباته برد الشبهات الحديثة، والاستدلال على العقائد الإسلامية بالنظريات العصرية لا على سبيل المزج والاختلاط، ولكن على سبيل الاستئناس والاستنباط ، نتأوله قوله تعالى " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.."
ثالثا : الفقه فالكتابة فيه أمر مشكل من عدة وجوه فهناك كثرة تفريعاته وجدلياته وتعقد أساليبه والخلاف في أصوله، وأهم هذه الوجوه تعدد المذاهب والآراء فيه وتقررها في نفوس الأمة يجعل الخروج عليها ضربا من الإلحاد يختلف عند الناس أكبر من أن يستقل به واحد.
هذه الوسيلة هي أن تكون الكتابة على درجات ثلاث:
الدرجة الأولى- الكتابة العامة وفيها نورد الكيفيات والأحكام المجمع عليها بين أئمة الفقه بدون نظر إلى تفصيلها وحكمهم عليها ويقفى على ذلك بما ورد فيها من الترغيب والترهيب، والفوائد الدينية والدنيوية وأسرار التشريع، وبذلك يستطيع العامي أن يعرف أحكام عباداته ويصححها ويؤديها كما يريد الله ورسوله، مع شعوره بفائدتها الدينية والدنيوية.
الدرجة الثانية- الكتابة للمستنيرين وفي هذه نورد أحكم كل عمل من أعمال الكيفية العامة عند الأئمة رضوان الله عليهم مردفة بالأدلة، وذلك بعد مقدمة في الأصول الاصطلاحية، وفي أسباب اختلاف الأئمة رضوان الله عليهم.
والدرجة الثالثة- الكتابة للعلماء المتخصصين ، وفي هذه نورد وجوه الترجيح بين الأقوال بحيث يعلم الباحث أرجحها في المسألة، ويكون لنفسه رأيا يطمئن إليه قلبه، وهذه لا تكون إلا للإثبات من العلماء بعد أن تتكون عندهم وسائل البحث وملكات النظر وقليل ما هم.
والذي سنعرض له في " جريدة الإخوان المسلمين " القسمان الأولان أما القسم الثالث فقد تكلفت به المطولات من كتب الفقه والحديث، وسنراعي إن شاء الله تعالى فيما نكتب : (أولا) البعد عن التفريعات والفروض (ثانيا) عدم استعمال الألفاظ الاصطلاحية الغامضة ما أمكن ذلك (ثالثا) سهولة العبارة وبساطتها (رابعا) مزح الأحكام الفقهية بما يذهب بجفافها من الفوائد والأسرار وحكم التشريع.
رابعا –التصوف- أما التصوف فهو وإن لم يكن من العلوم الرسمية إلا أنه استفاض في الأمة أكثر من أي علم آخر، وتخللت أحكامه وقواعده قلوبها ونفسها، وانتشرت كتبه بين طبقاتها فكان من الواجب على من يكتب في العلوم الدينية أن يعني بشأنه ويهتم ببحوثه، وفي الحق أن التصوف الصحيح هو لباب الإسلام وإن الصوفية الصادقين من خيار رجاله الذين عملوا على نشره وإعزازه، وتربية النفوس على مبادئه بطرق لم يسبقهم إليها غيرهم من الفلاسفة والمربين.
وفي رأيي أن التصوف قسمان: تصوف ديني إسلامي يستمد أصوله وأحكامه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتصوف فلسفي عقلي يستمد أصوله وقواعده من نظريات الفلاسفة وأحكامهم على العوالم والنفوس، وقد اختلط القسمان اختلاطا كبيرا عز معه إدراك الحق من الباطل واستخدمت فيه آراء الفلاسفة لتفسير كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بقدر ما تأول به المتأولون الآيات والأحاديث بما يتفق وآراء الفلاسفة حتى صار للصوفية لسان خاص بهم واصطلاحات مقصورة عليهم، ونلاحظ كذلك أن التصوف الإسلامي نفسه قسمان: قسم يتعلق بالتربية والتهذيب وتطهير النفوس وحملها على محاسن الأخلاق واستكمال الفضائل وهو المعروف بعلم المعاملة، وقسم يتعلق بنتائج الرياضة وثمرات العبادة من الأذواق والموجد والكشف والفيض إلى غير ذلك، وقد اختلط القسمان كذلك اختلاطا يصعب معه تمييز أحدهما من الآخر، ولهذا يتعلق بعض المريدين بالثمرة ويتشوقون إليها قبل أن يسلكوا سبيل الوصول، بل ربما غفلوا عنه واستهتروا به.
كما يلاحظ أن التصوف الإسلامي اختلط به كثير من نتائج الأهواء وثمرات الغايات والأغراض ومظاهر الحياة السياسية والاجتماعية في العصور التي مرت به- وهذا إجمال له تفصيل ليس هذا محل ذكره.
والذي نقصده أن نقول إن خطتنا في الكتابة عن التصوف ستكون مبنية على الأصول الآتية إن شاء الله تعالى:
1-إيراد أحكام علم المعاملة، وبيان أدلتها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2-الاقتصاد في إيراد ثمرتها من الأذواق والمواجد على ما يشوق إلى سلوك سبيلها ولا يتعارض مع الكتاب والسنة.
3-بيان التفسير الصحيح لألفاظ الفن التي وضعها له شيوخه وأئمته.
4-العناية بالقدوة الصالحة في سيرة الشيوخ رضوان الله عليهم وكلامهم.
5-العناية بالناحية العلمية من نواحي هذا العلم، لأنها أساسه وأصله. والله ولي التوفيق.
خامسا- العظة المنبرية- وسنراعي فيها إن شاء الله تعالى:"
1-سهولة العبارة ووضوحها وتناسقها من غير عناية بالسجع والتنميق اللفظي.
2-التوسط في المقدار فلا تكون طويلة مملة ولا قصيرة مخلة.
3-اعتماد أدلتها على القرآن والحديث والقضايا المسلمة المعلومة للمستمعين التي يكون لها تأثير على نفوسهم.
4-اعتمادها على فكرة واحدة تكون العظة كلها توضيحا لها وبيانا لأحكامها وآثارها ونتائجها بحيث تكون هذه الفكرة الأساسية واضحة في نفوس المستمعين بعد سماع العظة.
5-اتصالها بحياتهم اتصالا وثيقا بحيث يشعرون بأنها تدفعهم إلى منفعة أو تمنعهم عن مضرة.
6-اتصال موضوعات العظات اتصالا وثيقا يجعلها نقاطا لمنهج خاص يقصد به تثقيف المستمعين تثقيفا إسلاميا صحيحا.
7-وضوح خطوات الانتقال في العظة والاعتماد على الأمثلة الواضحة والتمثيل بالمعلوم للوصول إلى المجهول.
سادسا : الفتاوى- أما الفتاوى فسنورد فيها أقوال الأئمة ومذاهبهم مع دليل كل رأي، ندع للقارئ اختيار ما تطمئن إليه نفسه منها، أو نقفي عليها باختيار ما يطمئن إليه قلبنا مع بيان سبب الاختيار، والذي أريد أن يلاحظه القراء والمستفتون أن الدين يسرا والاختلاف في فروعه ضروريا وليس لعيب في الاختلاف، ولكن العيب في التعصب للرأي فنحن حينما تورد الآراء ونقفي عليها باختيارنا لا نحمل غيرنا على اتباع ما جئنا بها ولكنا ندع له رأيه ما دام مطمئنا إليه واثقا به مستدلا عليه بل ونقبل منه أن يناقشنا رأينا ونرجع عنه متى وضح لنا وجه الحق.
سابعا: المأثورات- نقصد بهذا البحث اختيار الأدعية والأذكار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يحفظها ويدعو بها من أحب من القراء، فينالوا ثواب المتابعة وثواب الدعاء.
والله حسبنا ونعم الوكيل.
خطوتنا الثانية (1)
إلى الأمام دائما- الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة
أيها الإخوان تجهزوا
منذ عشر سنين بدأت دعوة الإخوان المسلمين خالصة لوجه الله، مقتفية أثر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم سيد الزعماء وأهدى الأئمة وأكرم خلق الله على الله، متخذة القرآن منهاجا لها تتلوه وتتدبره وتقرأه وتتفقهه وتنادي به وتعمل به وتنزل على حكمه وتوجه إليه أنظار الغافلين عنه من المسلمين وغير المسلمين.
كذلك كانت وستظل دعوة (إسلامية محمدية قرآنية) لا تعرف لونا غير الإسلام الحنيف، ولا تصطبغ غير صبغة الله العزيز الحكيم، ولا تنسب إلى قيادة غير قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعلم منهاجا إلا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والإسلام عبادة وقيادة ودين ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد وطاعة وحكم ومصحف وسيف لا ينفك واحد من هذين عن الآخر، وأن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وكانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلا ولا كثيرا، يحكمها الغاصبون ويستبد بأمورها المستعمرون وأبناءها يجاهدون في سبيل استرداد حريتها والمطالبة باستقلالها ولم يخل الجو من منازعات حزبية وحزازات سياسية تزكيها مآرب شخصية ولم يشأ الإخوان المسلمون أن يزجوا بأنفسهم في هذه الميادين فيزيدوا خلاف المختلفين ويمكنوا للغاصبين، ويلونوا دعوتهم وهي في مهدها بلون غير لونها ويظهروها للناس في صورة غير صورتها فتقلبت الحكومات وتغيرت الدولات، وهم يجاهدون مع المجاهدين ويعملون مع العاملين منصرفين إلى ميدان مثمر منتج هو ميدان تربية الأمة، وتنبيه الشعب وتغيير العرف وتزكية النفوس وتطهير الأرواح وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس، وأعتقد أنهم نجحوا في ذلك إلى مدى يحمدون الله عليه ويسألونه المزيد منه فقد أصبح للإخوان المسلمين دار في كل مكان، ودعوة على كل لسان وأكثر من ثلاثمائة شعبة تعمل للفكرة وتقود إلى الخير وتهدي إلى سواء السبيل، وأصبح كذلك في مصر شعور إسلامي قوي دفاق يركن القوي إليه ويعتز الضعيف به ويأمل الجميع في ثمراته ونتائجه والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وشكر الله لهذا الشعب الزكي حسن استعداده لتقبل الحق وجميل مبادرته إلى طريق الخير.
هذه مرحلة من مراحل الإخوان قد اجتزناها بسلام وفق الخطة الموضوعة لها، وطبق التصميم الذي رسمه توفيق الله، والآن أيها الإخوان وقد حان وقت العمل، وآن أوان الجد، ولم يعد مجال للإبطاء فإن الخطط توضع والمناهج تطبق وكلها لا يؤدي إلى غاية ولا ينتج ثمرة والزعماء حائرون والقادة متذبذبون متأرجحون ما خطوتكم الثانية؟
أقول لكم فاسمعوا:
سننتقل من حيز دعوة العامة فقط إلى حيز دعوة الخاصة أيضا، ومن دعوة الكلام وحده إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال. سنتوجه بدعوتنا إلى مسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وهيئاته وأحزابه، وسندعوهم على منهاجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم بل زعيم الأقطار الإسلامية في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداراة، فإن الوقت لا يتسع للمداورات فإن أجابوا الدعوة وسلكوا إلى الغاية آزرناهم، وإن لجئوا إلى المواربة والزوغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة ، فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق إلى استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزبا ولا هيئة، كما أنكم لم تنضموا إليهم كذلك، ولقد تقول الناس عليكم فمن قائل أنكم وفديون نحاسيون، ومن قائل أنكم سعديون ماهريون، ومن قائل أنكم دستوريون ومن قائل أنكم بالحزب الوطني متصلون، ومن قائل أنكم إل مصر الفتاة تنتسبون، ومن قائل أنكم إلى غير ذلك من الأحزاب منتمون- والله يعلم والعارفون بكم أنكم من كل ذلك بريئون، فما اتبعتم غير رسوله زعيما وما ارتضيتم غير كتابه منهاجا، وما اتخذتم سوى الإسلام غاية فدعوا كلام الناس جانبا وخذوا في الجد. والزمن كفيل بكشف الحقائق " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم".
كان ذلك موقفكم أيها الإخوان سلبيا هكذا فيما مضى، أما اليوم في هذه الخطوة الجديدة، فلن يكون كذلك، ستخاصمون هؤلاء جميعا في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة إن لم يستجيبوا لكم ويتخذوا تعاليم الإسلام منهاجا يسيرون عليه ويعملون له وسيكون هؤلاء جميعا منضمين لكم في وحدة قوية وكتلة متراصة متساندة إذا أجابوا داعي الله وعملوا معه، وحينئذ يجتمعون ولا يفترقون، ويتحدون ولا يتعددون، فهو موقف إيجابي واضح لا يعرف التردد ولا يتوسط بين الحب والبغض، فإما ولاء وإما عداء.
ولسنا في ذلك نخالف خطتنا أو ننحرف عن طريقنا أو نغير مسلكنا بالتدخل في (السياسة) كما يقول الذين لا يعلمون، ولكنا بذلك ننتقل خطوة ثانية في طريقتنا الإسلامية وخطتنا المحمدية ومنهاجنا القرآني، ولا ذنب لنا أن تكون السياسة جزءا من الدين وأن يشمل الإسلام الحاكمين والمحكومين، فليس في تعاليمه أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولكن في تعاليمه قيصر وما لقيصر لله الواحد القهار.
أيها الإخوان- أعلم لكم هذه الخطوة على صفحات جريدتكم هذه لأول عدد منها، وأدعوكم إلى الجهاد العملي بعد الدعوة القولية، وللجهاد ثمن، وفيه تضحيات، وسيكون من نتائج جهادكم هذا في سبيل الله والإسلام أن يتعرض الموظفون منكم للاضطهاد وما فوق الاضطهاد، وأن يتعرض الأحرار منكم للمعاكسة وأكثر من المعاكسة، وأن يدعي المترفون منكم إلى السجون وما هو أشق من السجون، ولتبلون في أموالكم وأنفسكم فمن كان معنا في هذه الخطوة فليتجهز وليستعد لها، ومن قعدت به ظروفه أو صعبت عليه تكاليف الجهاد سواء كان شعبة من شعب الإخوان أم فردا من أعضاء الجماعة فليبتعد عن الصف قليلا، وليدع كتيبة الله تسير ثم فليلقنا بعد ذلك في ميدان النصر إن شاء الله ، ولينصرن الله من ينصره، ولا أقول لكم إلا كما قال أبي من قبل " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"
وإن لنا في جلالة الملك المسلم أيده الله أملا محققا، وفي الشعب المصري الذي صقلته الحوادث ونبهته التجارب ومعه الشعوب الإسلامية المتآخية بعقيدة الإسلام نظرا صادقا، وتأييد الله ومعونته قبل ذلك وبعده فإلى الأمام دائما.
"افتتاح"
في الميدان من جديد
بعونك اللهم، وفي رعايتك وتحت لواء دعوتك المطهرة، وفي ظل شريعتك القدسية، وعلى هدي نبيك الكريم العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، تستأنف هذه المجلة "المنار" جهادها وتظهر في الميدان من جديد.
رحمة الله ورضوانه ومغفرته " للسيد محمد رشيد رضا" منشئ المنار الأول ومشرق ضوئها في الوجود، فلقد كافح وجاهد في سبيل الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه، وجمع كلمة المسلمين وإصلاح شئونهم الروحية والمدنية والسياسية، وهي الأغراض التي وضعها أهدافا لجهاده الطويل حتى جاءه أمر ربه بعد أن قضت المنار أربعين عاما، كانت فيها منار هداية ومنهج سداد وإرشاد.
ولقد ترك السيد رشيد فراغا واسعا فسيحا. وقضى وفي نفسه آمال جسام، وشاهد قبل وفاته تطورا جديدا في حياة الأمة الإسلامية، فاستبشر بهذا التطور الجديد، وشام منه خيرا وأمل فيه كثيرا، وعزم على أن يساير هذا التطور بالمنار ودعوة المنار، وأن يجعل منها في عامها الجديد( الخامس والثلاثين) لسان صدق لجماعة جديرة "بالدعوة إلى الإسلام وجمع كلمة المسلمين" تخلف جماعة الدعوة والإرشاد وتقوم على الاستفادة بالظروف الجديدة التي تهيأ لها المسلمون في هذا العصر، ود كتب رحمه الله في هذا المعنى في فاتحة هذا المجلد ما نصه: " سيكون المنار منذ هذا العام لسان جماعة للدعوة إلى الإسلام وجمع كلمة المسلمين، أنشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد في أعلى مقصديها أو فيما عد التعليم الإسلامي المدري منه الذي ضاق زمان هذا العاجز عن السعي له وتولى النهوض به، فتركه لمن يعده التوفيق الإلهي له من الذين يفقهون دعوة القرآن وتوحيده ووحدة أهله وجماعته، ولا يصلح له غيرهم.. ثم ذكر بعد ذلك طرفا من تاريخ مدرسة الدعوة والإرشاد وما لقيت من عقبات ومعاكسات انتهت بالقضاء على فكرتها الجليلة ثم قال بعد ذلك.. وجملة القول أنني على هذه التجارب وما هو أوجع منها وألذع من أمر مشتركي المنار، وعلى ما أقر به من عجزي عن النهوض بالأعمال المالية الخاصة والعامة بالأولى، وعلى دخولي في سن الشيخوخة وضعفها لم أزدد إلا ثقة ورجاء بنجاح سعيي لأهم أصول الإصلاح الإسلامي وتجديد أمر الدين بما يظهره على الدين كلهن حتى تعم هدايته وحضارته جميع الأمم.. ولم أيأس من قيام طائفة من المسلمين بذلك تصديقا لبشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه " لا يزال في أمته طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة " رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما بألفاظ من عدة طرق. وهذه الطائفة كانت في القرون الأخيرة قليلة متفرقة، وإنني منذ سنتين أكتب عناوين خيار الرجال المتفرقين في الأقطار الذين أرجوا أن يكونوا من أفرادها على اختلاف ألقابهم وصفاتهم وأعمالهم لمخاطبتهم في الدعوة إلى العمل، وأرجو من كل من يرى في نفسه ارتياحا إلى التعاون معهم على هذا التجديد والجهاد أن يكتب إلينا عنوانه وما هو مستعد له من العمل معهم إلى أن تنشر دعوتهم الرسمية- وأهم ما يرجى أن تثق به فهي لا ينقصها إلا هذا، وقد طال تفكيري فيه وعسى أن أبشرها قريبا بما يسرها منه- وأعجل بحمد الله تعالى أن تجدد لي على رأس هذه السنة ما كان لي ولشيخنا الأستاذ الإمام (قدس الله روحه) من الرجاء في مركز الأزهر. وهو الذي يعبر عنه في عرف عصرنا بشخصيته المعنوية، وهذا الرجاء الذي تجدد بتوسيد أمره إلى الشيخ محمد مصطفى المراغي عظيم.. كان الأزهر كنزا خفيا أو جوهرا مجهولا عند أهله وحكومته وعقلاء بلده ، لم يفطن أحد قبل الأستاذ الإمام لإمكان إصلاح العالم الإسلامي كله به والاستيلاء على زعامة الشعوب الإسلامية في الدين والأدب والفقه بإصلاح التعليم فيه ولكن تعليم الأستاذ الإمام رحمه الله وأفكاره هما اللذان أحدثا هذا الرجاء في طائفة من شيوخه والاستعداد في جمهور طلابه ولم يبق إلا الجد ولله الحمد، انتهى.
هكذا قضى السيد محمد رشيد حياته وفي نفسه هذا الآمال الجسام:
أن يكون المنار بعد سنته هذه لسان حال جماعة للدعوة إلى الإسلام، وأن تتألف هذه الجماعة من ذوي العقل والدين والمكانة في الشعوب الإسلامية وأن يشد الأزهر أزر هذه الجماعة وتشد أزره، فيكون من تعاونهما الخير كله، ولقد كان السيد رحمه الله صادق العزم مخلص النية في آماله هذه فاستجابها الله له، وشاءت قدرته وتوفيقه أن تقوم على المنار " جماعة الإخوان المسلمين" وأن يصدره ويحرره نخبة من أعضائها، وأن ينطق بلسانها ويحمل للناس دعوتها.
يا سبحان الله. إن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رحمه الله ولقد كان يعرفها منذ نشأتها، ولقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ويرجو منها خيرا كثيرا، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليه بخطه " من المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين النافعة" ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة أن تحمل عبئه ، وأن تتم ما بدأ به، وأن تتحقق فيها أمنية من أمانيه الإصلاحية، وأمل في آماله الإسلامية. لقد تمنى اليد رشيد رضا الجماعة التي اشترطها أن تقوم بأعلى مقصدي جماعة الدعوة والإرشاد أي ما عدا التعليم المدرسي، ثم رجا أن توفق الجماعة الجديدة لهذا أيضا، وستحقق جماعة الإخوان المسلمين هذا الرجاء بتوفيق الله فإن إصلاح التعليم المدرسي الرسمي من أخص مقاصدها. وإن أثرها في طلاب الجامعة المصرية والمدارس المدنية من ثانوية وخصوصية لعظيم، وسنواصل الجهد حتى نصل إلى الغاية إن شاء الله، ويصبح التعليم كله مركزا على أصول سليمة مستمدة من روح الإسلام وتعاليم الإسلام وحضارته ومجده والله المستعان. ولقد أدرك الإخوان المسلمون منذ نشأت دعوتهم أهمية التواصل بين عقلاء المسلمين، فأخذوا يعملون لهذا وأصبح لهم بحمد الله عدد عظيم في كل قطر يعطف على فكرتهم ويؤيد دعوتهم، ولقد اقترح علينا أخونا المفضال السيد أنيس أفندي الشيخ من وجهاء بيروت أن نعمل ما عمله السيد رشيد فنجمع عناوين ذوي المكانة من عقلاء العالم الإسلامي، ونتصل بهم، ونكتب في جرائدنا عنهم، حتى يتعرف بعضهم إلى بعض، والآن ننتهز هذه الفرصة فنوجه الرجاء الذي وجهه صاحب المنار من قبل إلى كل من يأنس من نفسه الغيرة على الإصلاح الإسلامي والاستعداد للعمل به من رجالات المسلمين، أن يكتب إلينا عن الناحية التي يؤمل أن يعمل فيها، حبذا لو تكرم فأضاف إلى ذلك إرسال صورته الشخصية، وسنفرد لنشر هذه العنوانات والصور صحيفة خاصة بالمنار نسميها (صحيفة التعارف) بين أنصار الدعوة إلى الإسلام حتى إذا تكامل جمع يعتمد عليه فكرنا في الطريقة المثلى لتبادل الآراء والأفكار.
ولقد أدرك الإخوان كذلك منذ نشأت دعوتهم ما للأزهر من شخصية معنوية، وأنه أعظم القوى أثرا في الإصلاح الإسلامي لو توجه إليه، فاعتبروا أنفسهم عونا له في مهمته وتوثقت الروابط القوية بينهم وبين شيوخه وطلابه، وكان من هؤلاء الفضلاء ما بين علماء وطلبة كريمة لها أبلغ الأثر في نشر دعوة ألإخوان وخدمة فكرتهم التي هي في الحقيقة أمل كل مسلككم غيور وواجب كل مؤمن عاقل.
وإننا لنرجو أن نكون اسعد حظا من صاحب المنار رحمه الله في حسن معاملة المشتركين فيها، فإن ما الدعوة مهما كثر قليل بالنسبة لنواحي نشاطها وتشعب أعمالها،فليقدروا هذه الحقيقة، وسيجدون ما ينفقون في هذا السبيل عند الله هو خيرا وأعظم أجرا.
ستعود المنار إن شاء الله إلى الميدان تناصر الحق في كل مكان، وتقارع الباطل بالحجة والبرهان، وشعارها الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه وجمع كلمة المسلمين، والعمل للإصلاح الإسلامي في كل نواحيه الروحية والفكرية والسياسية والمدنية ولقد كان للمنار خصوم وأصدقاء شأن كل دعوة وإصلاحية فأما أنصارها فنجو أن يجدوا في مسلكها الجديد ما يعزز صدقتهم لها وصلتهم بها، وأما خصومها فإن كانت خصومتهم للحق فإننا على استعداد تام للتفاهم معهم على أساس كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل لخدمة هذه الحنفية السمحة.
لم يكن الشيخ رشيد رحمه الله معصوما لا يجوز عليه الخطأ فهو بشر يخطي ويصيب ، ولسنا ندعي لأنفسنا العصمة فنحن كذلك، ومل من أحد إلا ويؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ولا نريد أن نعرف الحق بالرجال، ولكننا نريد أن نعرف الرجال بالحق، ومتى كان ذلك رأينا جميعا، ومتى كان شعارنا أن نرد التنازع إلى الله ورسوله كما أمرنا، فقد اهتدينا ووصلنا إلى الحقيقية متحابين وانقضت الخصومة وولى الباطل منهزما زهوقا.
على هذه القواعد ندعو الأمة والهيئات الإسلامية جميعا على التعاون معنا سائلين الله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله حسبنا ونعم الوكيل.
دعوتنا.. في طور جديد
هذا طور جديد في دعوة الإخوان المسلمين ، أحببت أن أتحدث إلى القراء عنها فيه، فقد نشأت هذه الدعوة والناس في انصراف عن الفكرة الإسلامية، وفي إعجاب بالفكرة الغربية المادية، فأخذت طريقها في هدوء إلى قلوب الطبقة الأولى من الناس، طبقة الجماهير المؤمنة السليمة العقائد والصدور، وظلت في نفوسهم أمنية عزيزة وعاطفة متوقدة كريمة وشعلة منيرة، على حين كانت جمهرة المفكرين وأهل الرأي والتوجيه يرجون للفكرة الأخرى ويهتفون بها ويدعون الناس إليها، ويزينونها في السماع والأبصار والقلوب بمختلف صنوف التزيين والتحسين.
وشاء الله أن تقع الأحداث العنيفة التي هزت العقول والمشاعر والقلوب والأفكار وأشعرت الإنسانية بالحاجة الشديدة إلى إعادة النظر في مناهج الحياة وقواعد المدنية ودعائم التحضر وانطلقت الأصوات من كل مكان تهيئ لنظام جديد وعلاج جديد.
وصادف ذلك امتحان لدعوة الإخوان كشف عن جوهرها ولفت أنظار الناس إليها وجمع كثيرا من القلوب النافرة حولها، وبذلك انتقلت الدعوة إلى القلوب المؤمنة والعقول المفكرة، وأصبحت قاعدة مسلما بها بعد أن كانت عاطفة متحمسة، ونظر إليها كثير من الناس على أنها مبادئ ممكنة التحقيق صالحة للتطبيق، فلم تعد حلما في الرءوس أو وجدانا في النفوس فقط.
وكان طبيعيا أن تكثر الأسئلة عن مرامي الدعوة وكنهها، وعن الطرق التي يسلكها أهلها والقائمون بها في علاج ما يحيط بتطبيق مبادئها وتعاليمها من مشاكل داخلية وخارجية ولم يعد يكفي في الجواب عن ذلك كلام مرتجل أو خطابة تثير المشاعر أو عبارات تثر في العواطف، وبل صار واجبا على أهل هذه الدعوة أن يصورها للناس تصويرا منطقيا دقيقا واضحا مبنيا على أدق قواعد ابحث العلمي، وأن يرسموا أمام الناس الطرق العلمية المتجهة التي أعدوها لتحقيق ما يريدون ولذليل ما سيصادفون من عقبات لابد من وجودها في الطريق.
ولعل طورا آخر ينتظر هذه الدعوة حتى توضع موضع التجربة العملية، وحينئذ يتم هذا الهيكل الذي تجهز له هذه اللبنات، وحينئذ يرى الناس أي خير سينالون من تطبيق هذه المبادئ السامية وتحقيق هذه الأهداف الغالية.
سأتناول في أعداد هذه المجلة تباعا إن شاء الله خصائص هذه الدعوة ومراميها والشبهات التي تورد عليها والعقبات التي تحيط بها في هذا الطور الجديد، مستمدا من الله المعونة والتوفيق.
"ربانية –عالمية"
أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية، فأما أنها ربانية، فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافها جميعا أن يتعرف الناس إلى ربهم، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسمو بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها، ونحن الإخوان المسلمون نهتف من كل قلوبنا " الله غايتنا".
فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون" وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشاكل الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعا فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلا وبغير هذا المفتاح لا إصلاح.
وأما أنها عالمية- فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها إخوة " أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا".
فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكنا ندعو إلى الأخوة العادلة الرحيمة بين بني الإنسان.
قرأت لأحد زعماء الغرب أنه يقسم الجنس البشري إلى مبتكرين ومحافظين ومخربين، وهو يعتبر قومه مبتكرين، ويعتبر قوما آخرين من الغربيين محافظين، ويعتبرنا نحن الشرقيين وما إلينا عدا هذا مخربين مدمرين. هذا التقسيم ظالم جائر فضلا عن أنه غير صحيح بأصله، فالجنس البشري كله مرده إلى دم واحد وطينه واحدة، وإن اختلفت البيئات والأوساط والمدارك والثقافات، وإذا هذب الإنسان استطاع أن يرتقي من رتبة إلى أعلى منها بدرجة ظروفه وبيئته الخاصة به، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذا الشرق الذي وضع في صف المخربين والمدمرين هو مبعث المدنيات ومشرق الحضارات ومهبط الرسالات وهو مفيض ذلك كله على الغرب. لا ينكر هذا إلا جاحد مكابر، ومقل هذه المزاعم الباطلة إنما هي نزوات وغرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر على أساسها نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات، وما دام في الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الإخوة فيرفعوه خفاقا ، ويستظلوا بظله الوارف الأمين، ولن يجدوا طريقا معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذي يقول في كتابه " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.." ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم " ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
ولهذا كانت دعوة الإخوان المسلمين ربانية : إنسانية.
مطلع الفجر
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، أهدنا الصراط المستقيم " .. " ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا" .
(1)
تكون الدعوة من الدعوات واضحة ناجحة، ومع وضوحها ونجاحها يظل أمرها مغمورا في الناس، وتظل قلوبهم منصرفة عنها، حتى يتم لها أن تتملك قلوب المؤمنين بها وأن تتجسم في أشخاصهم وأن تؤثر في مجريات حياتهم وحياة من يتصل بهم، وحينئذ تتنبه أحاسيس الناس ومشاعرهم. وتتفتح أبصارهم وبصائرهم، ويلتفتون يمنة ويسرة نحو هذا النور يحسبونه جديدا وهو قديم، ويظنونه مفاجئا وهو مقيم، ويكثر التهامس والتساؤل ثم يتحول على نقاش وتحاور، وقد يتجاوز هذا الحد إلى اتهام وتهاتر، أو تهجم وتشاجر، وينتهي ذلك كله بانتصار الحق وانتصاف أهله، " كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.." وكذلك نشأت دعوة الإخوان المسلمين منذ سبعة عشر عاما واضحة ناجحة إسلامية صميمة، وأخذت طريقها إلى الظهور حتى تملكت آلاف القلوب من المؤمنين بها، وتجسمت صورة كاملة في صورهم ومشت على الأرض قوية فتية بأقدامهم ، وأثرت في مجريات حياتهم واهتز لهذا التأثر كيان المجتمع المصري، وسرى هذا التيار المبارك إلى الأقطار المجاورة فتلفت الناس يتساءلون متى ؟ وأين؟ وكيف؟ وماذا يقصدون؟ وفي أي طريق يسيرون؟ أتابعون أم متبعون؟ دينيون أن سياسيون؟ وما شأن جمعية خيرية بشركات مالية؟ وما موضع دعوة دينية في الحياة العصرية؟..الخ.
وكان لابد لهذه الأسئلة من إجابات متلاحقة تطالع الناس مع تنفس الصبح وتشرق عليهم إشراقة الشمس، وذلك بعض مهمة هذه الصحيفة.
(2)
والإسلام الحنيف دعوة إنسانية عالمية لا دعوة جنسية إقليمية، وقد تصوره المسلمون أنفسهم بفعل الحوادث المتعاقبة، وظروف الأجيال المتطاولة على صور شتى منها القريب من حقيقته، ومنها البعيد كل البعد عن أهدافه وغايته، ومنها ما أصاب المحز وطبق المفصل ووصل إلى عين اليقين وكل إناء بالذي فيه ينضح.
كما أحاطت به عند غير المسلمين خرافات وشبهات وأقاصيص وخيالات ليست من الحق في كثير ولا قليل، ولهذا سيكون من مهمة هذه الصحيفة حيال الدعوة الإسلامية العامة واجبات خمسة (أولها) تجلية تعاليم الإسلام والكشف عما فيها من روعة وجمال، وعرضها عرضا يلاءم أسلوب العصر ويثبت أنها أفضل الأنظمة للجمعية الإنسانية ، ( وثانيهما) رد ما يوجه إليها من اتهامات باطلة وشبهات لا حقيقة لها. (وثالثهما) تقريب وجهات النظر بين أهل القبلة جميعا من غير دخول في مناقشات مذهبية عقيمة، أو مجادلات لا توصل إلى الحقيقة، والعمل على جمع الكلمة حول الحق المشترك بأنزه الأقلام وأنبلها، وأعدل الآراء وأحكمها في حدود القاعدة الذهبية (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) . (ورابعها) تقرير هذه الحقيقة الجليلة الرائعة التي يتعامى عنها كثير من المغرضين ويحاولون إخفاءها أو تشويهها وهي، أن الإسلام الحنيف لا يخاصم دينا ولا يهضم عقيدة ولا يظلم غير المؤمنين به مثقال ذرة، ولا تثمر تعالميه حتى لا يسود بين أبناء الوطن الواحد إلا الحب والوئام والتعاون والسلام، مهما اختلفت نحلهم وتباينت معتقداتهم " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين" (وخامسها) رسم الطريق الموصلة إلى إعادة نظامه وتطبيق أحكامه في الحياة الفردية وفي البيت وفي المدرسة وفي الدولة، وفي كل شئون المجتمع الصالحة والتحذير من الخروج على هذه التعاليم السمحة.
(3)
ولنا مع قضايانا هذه السابقة قضية أخرى لا تقل عنها خطرا ولا تنقص أهمية، وهي قضية أوطاننا وديارنا، التي باغتها الاستعمار الغربي بعد أن بيت لها أجيالا طويلة، فأحاط بها، وقيد حكوماتها وشعوبها وحل بينها وبين التقدم، وبلغ مداه في نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ كانت مصر تحت الحماية البريطانية، وفلسطين والعراق في قبضة انجلترا، وسوريا ولبنان وتونس والجزائر ومراكش في يد فرنسا، وطرابلس وبرقة مع ايطاليا، حتى تركيا الأوربية والآسيوية، وهي دار الخلافة، وقعت تحت نير احتلال الحلفاء وأدى ذلك الاسترقاق والاستهتار بكرامات الأمم وحريات الشعوب إلى انفجار الثورات في كل مكان، واشتد النضال بين أصحاب الحق وغاصبيه حتى تحررت هذه الأوطان بعض الشيء وتيقظت، وعرفت طريقها إلى الجهاد والكفاح. وجاءت الحرب العالمية الثانية وهذه البلاد كلها تجاهد في صف الدول الديمقراطية إذ أقسم زعماؤها وأكد رؤساؤها أنهم إنما يكافحون في سبيل الحرية وإقرار العدالة الاجتماعية في أرض الله، وكان طبيعيا وقد وضعت الحرب أوزارها أن يطالب المظلومون بحقهم، وأن يجاهدوا في سبيل تحرير أوطانهم. وستناضل هذه الصحيفة في سبيل هذه الحقوق بكل ا أوتيت من قوة فتعمل للحرية والوحدة وتحارب الظلم والطغيان في كل مكان، وهي حين تعني أعظم العناية بالكفاح في سبيل حرية وادي النيل ووحدته لن ننسى أبدا أداء واجبها كاملا في سبيل أي قطر من أقطار العروبة وأوطان الإسلام مهما بعدت به الدار. إنما المؤمنون إخوة، والمسلمون عدول بعضهم على بعض يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فلئن كانت جريدة الإخوان بحكم مصدرها مصرية إقليمية، فهي بحكم روحها ومنهجها عربية إسلامية بل لك أن تقول إنها إنسانية عالمية " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" .
(4)
ولقد ترك الاستعمار كما تركت الحرب أعمق الآثار في أخلاقنا واقتصادياتنا ومدارسنا وكل شئون حياتنا، وواجهنا من المشكلات الاجتماعية ما يحتاج إلى العلاج الحاسم السريع، وارتفعت أصوات الكثير من الطوائف والهيئات التي شعرت بوطأة الفقر والمرض وأدركت سوء أثر الجهل والرذيلة بالشكاية والاستصراخ، وصحيفة الإخوان تعتمد على الشعب وتتصل بمختلف طبقاته، ويشعر القائمون عليها أتم الشعور بما يعاني من ضيق وإرهاق، لابد أن تفتح صدرها لهذه الظلامات، ويعلو صوتها بهذه الشكايات، ويشتد اهتمامها بعلاج هذه المشكلات، وتصل عن طريقها مطالب المواطنين من موظفين وعمال ومزارعين وتجار وطلاب.. إلخ. إلى جهات الاختصاص.
(5)
وجريدة الإخوان وإن كانت صحيفة إخوانية فلن تكون خاصة بهم، أو وقفا عليهم، بل هي ترجو أن تكون المنبر العام للهيئات الإسلامية، والجماعات الإصلاحية على اختلاف ألوانها وبلدانها، وترحب بكل ما يقدم إليها ما دام متفقا مع خطتها ومنهاجها.
(6)
وإننا نؤمن أعمق الإيمان بأن رسالتنا الأولى أن نقول الحق، وأن نجهر به لا تقعدنا عن ذلك رغبة أو رهبة، ولا نخشى فيه لومة لائم، كما نؤمن بأن النصيحة والإرشاد والثناء أو النقد يجب أن يكن ذلك كله في أسلوب عال رفيع، لا مهاترة ولا افتراء " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " وسيكون ذلك موقفنا، من الأفراد والهيئات والأحزاب والحكومات على السواء، لا نؤيد ولا نهاتر، ولكن نراقب ونوجه ونتحرى في ذلك كله وجه الله وصالح الوطن.
(7)
سنحاول ما استطعنا ألا تكون جريدة الإخوان مقصورة على لون واحد من ألوان الغذاء الفكري والروحي، ما وجدنا على الاستيعاب سبيلا، فسيكون فيها دنيا ودين، وعلم وفن، وأدب ورياضة، وقصص وفكاهة، والقلوب تمل كما تمل الأبدان، فالتمسوا لها طرائف الحكمة، وستعترضنا في بعض الموضوعات عقبات واعتراضات وليس المقيد بالرأي كالمطلق من المقيد، ويا ويح الشجي من الخلي. ولكنا مع هذا سنسدد ونقارب فكا كان خيرا نشرناه ولا نبالي، وما كان شرا كإعلانات الخمر وأندية الميسر وحفلات الخلاعة والمجون ، أهملناه ولا كرامة، وما اختلفت فيه الآثار والنتائج تحرينا الفائدة في النشر أو الإهمال ونبهنا على جانب الصلاح، وحذرنا من عوامل السوء والفساد، حملنا على ذلك الرغبة في أن تكون الصحيفة وافية بحاجات القراء. على أن الصحافة مرآة لحياة الأمة ، ومهمة الصحفي الكشف عن مستور هذه الحياة، ومواجهة واقعها، والعمل على تدعيم نواحي الخير، ومقاومة نواحي الشر، وليس معنى النشر في ناحية من النواحي، إقرارها أو الموافقة عليه، فقد يكون كل الغرض الدلالة عليها والتحذير منها.
ونحن بعد ذلك نرحب بكل نصح أو توجيه والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وكنا نرجو أن تكون صحيفتنا هذه مولودا لا طفولة له، لولا أن ذلك ليس من سنة الحياة، فلا أقل من أن نتعاون جميعا على أن ينشأ هذا المولود وهو ابن كل محب للإصلاح نشأة طيبة تدفع به دفعا سريعا إلى النمو والكمال، بهذه الكلمة، وهذا الرجاء، نقدم هذه الصحيفة إلى قرائها الكرام.
"افتتاح"
الحمد لله . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وعلى أنبياء الله ورسله، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين. وسلم تسليما كثيرا.
" ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا" (سورة الكهف الآية 10)
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" " (سورة آل عمران الآية
8)
" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" (سورة البقرة الآية 286).
" اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق".
من قنوت عمر رضي الله عنه فيما أخرجه محمد بن نصر والبيهقي، وقال هذا صحيح موصول. وقد ورد في سنن البيهقي في باب القنوت من حديث خالد بن أبي عمران أن جبريل عليه السلام علمه النبي صلى الله عليه وسلم ليقنت به، حين كان يدعو على مضر. وهو مرسل لأن خالدا لم يدرك النبي صلى لله عليه وسلم .
وبعد فهذه مجلة "الشهاب" نتقدم بها إلى القراء الكرام، إنسانية الاتجاه إسلامية المنهج، نرجو أن تكون قبسا يضيء للمتصلين به طرائق الحياة، مستمدا نوره وسناه من هدى القرآن الكريم، وشريعة الإسلام العظيم.
ولقد جاء الإسلام الحنيف نظاما اجتماعيا كاملا- لا مجرد دين لاهوتي- يقوم على مخاطبة الفطرة الإنسانية، واستثارة ما فيها من قوى روحية تتمثل عقائد ثابتة وخلاق فاضلة، وأفكارا عالية، وأعمالا نافعة، تنظم ملكات الفرد، وحياة الأسرة وطبقات الأمة، وواجبات الدولة، وعوامل الاتصال والأخوة بين العالمين.
ثم يرد ذلك كله على قواعد اجتماعية حكيمة دقيقة، تمتزج فيها المثالية السامية بالواقعية الملموسة التي تتصل بدنيا البشر وحياتهم اتصالا وثيقا، حتى إنه ليحول كثيرا من هذه القواعد النظرية إلى أعمال يومية تتكرر كل صباح ومساء في غاية من البساطة والسهولة " ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" سورة المائدة الآية (6)
وطريقة عرض هذه الأحكام الإسلامية على الناس تختلف ولا شك باختلاف الأزمان والبيئات والعقول والمدركات، وبخاصة فيما يتصل بالشئون الاجتماعية والسياسات المدنية، ولقد اجتهد السلف الصالح رضوان الله عليهم في الكشف والاستنباط والتدوين والكتابة والعرض بما يتفق مع أسلوب عصرهم ومعارف زمانهم، وتركوا لنا ميراثا ضخما لا نظير له، تتمثل فيه عقليات العصور ومعارف زمانهم، وتركوا لنا ميراثا ضخما لا نظير له، تتمثل فيه عقليات العصور المختلفة، والمدارس الفكرية المختلفة، والأزمان المتفاوتة التي عاشت مع هذا الإسلام وعاش معها هذا الإسلام، وارتبطت به وارتبط به في كل شئون الحياة.
وورثنا نحن أبناء هذا العصر الأخير هذا الميراث، فلم نفكر في الاستفادة منه أو الانتفاع به، أو الكشف عن درره وجواهره. ولم نفكر في الأسلوب الذي نعرضها بها على أنفسنا وعلى غيرنا عرضا صحيحا جذابا، يدفع إلى العناية بها، ويلفت الأنظار والنفوس إليها، ويضاعف إفادتنا منها.
ولا شك أن ذلك كان أثرا من آثار انصرافنا عن اعتبار الإسلام نظاما اجتماعيا للحياة، بما وقر في صدورنا من تقديس مظاهر الحياة الغربية، واعتبارها المثل الأعلى في مناهج الحياة، وطغيان هذه الموجة من موجات التقليد الغربي، التي غمرتنا في التفكير والثقافة وفي التعليم والتربية وفي نظام الحكم وأساليب السياسة وفي التشريع والقانون وفي المنزل والشارع والمتجر والمصنع، وفي كل أوضاعنا الحيوية والاجتماعية – حتى أصبحت شريعة الإسلام العملية ونظامه الاجتماعي أمورا أثرية للنظر والعلم والتاريخ لا للعمل والتطبيق والتنفيذ، وهكذا ضاق فهم الكثير من أبناء الإسلام للإسلام حتى جعلوه قاصرا على هذه الموروثات من العقائد والآداب العامة والمعتادات من ضروب العبادات، وحتى هذه البقية لم تسلم من الخرافة في الأولى ومن الابتداع في الثانية.
ومع تغير أوضاع الحياة باستمرار، ومع أن الزمن يدور دورته دائما ولا ينتظر المتخلفين، ومع أنه قد تجددت في المجتمع الإسلامي بحكم التطور الدائم والتغير الدائب أوضاع وصنوف مع التعامل والصلات لم تكن من قبل وقف أمامها المؤمنون بالإسلام حائرين لا يدرون ما حكمه فيها وما نسبتها إليه. فأ‘مال البورصة والبنوك المختلفة والتأمين على الحياة، والأسهم والسندات في الشركات وعمليات القطع وصور المبايعات الجديدة، والنظم السياسية الناشئة التي تقوم على الحزبية أو سلطة الحاكم أو حق الأمة، وحقوق الفقراء في مال الأغنياء، ونسبة طبقات المجتمع بعضها من بعض، كل هذه أمور صارت تشغل أذهان الجماهير والشعوب في هذا العصر، وتتصل بواقع حياتهم وتشكلها الحياة بمقتضيات الظروف والضرورات كيفما اتفق، كل ذلك والعلماء المختصون بالتحقيق والتمحيص يرون وينظرون ويسمعون ولا يفعلون شيئا: إما لأن الكثير منهم يرى أنه لا فائدة في الاهتمام بمسائل نظرية تجري العمليات فيها على نمط غير إسلامي، فلا فائدة من إظهار رأي الإسلام فيها وهو خطأ ولا شك، فمهمة العالم البيان ومحاولة حمل أهل التنفيذ عليه، فإن عجز فقد أدى واجبه وأعذر إلى الله، وإما لأنهم يرون بعد الشقة، وضخامة المجهود الذي يجب أن يبذل في البحث والمقارنة مع عدم تهيؤ وسال التعاون وانصراف الحكومات والهيئات العلمية المختصة عن التفكير في ذلك واشتغالها عنه بمشاكلها الإدارية والخاصة، وهو تقصير لابد أن يتدارك مهما كلفنا من ثمن. وهكذا نرى أن أحكام الإسلام قد أهملت وعواطف المؤمنين كادت تخمد بين حيرة وتقصير كان عنهما الجمود والحرمان.
ومنذ سنوات تقدم فضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت عقب انضمامه إلى هيئة كبار العلماء المصرية باقتراح إلى هذه الهيئة يطلب إليها توجيه جهودها إلى هذه الناحية، وتناولت الصحف السيارة هذا الاقتراح بالتشجيع، ولكن نتيجة عملية لم تظهر إلى الآن. ونرجو أن تظهر في القريب إن شاء الله.
وقد أنتجت الحوادث العالمية وأهمها الحرب الماضية العالمية الثانية انقلابا سياسيا واجتماعيا خطيرا، إذ تحطمت مظاهر الأفكار القديمة، والأوضاع السابقة كلها، ووقف العالم على مفترق طريقين: الأفكار الشيوعية التي تتزعمها وتدعو إليها روسيا السوفيتية، وطريق الأفكار الديمقراطية التي تدعو إليها وتتزعمها أمريكاوانجلترا، وكلا التيارين مسلح بالمظاهر المادية والنظريات الجدلية، واستثارة المطامع والشهوات الإنسانية. وقد امتد أثر هذه الموجة الجديدة إلينا بل إنها لتغمر مجتمعنا الإسلامي في كل مكان. ففي بوادي الحجاز وصحاري اليمن ومجاهل أفريقيا وهضاب آسيا وسهول مصر وبين البدو والحضر وفي القرى والمدن وفي كل مكان صرنا نسمع كلمات الشيوعية والديمقراطية والنازية والفاشية وملحقاتها وما يشتق منها ويتصل بها. ويحاول المبشرون بهذه الأفكار أن يركزوها على قواعد من المنطق والفكر، وأن يلبسوها ثوب العقائد الثابتة، ويصلوها بالمشاعر والوجدانات الأصيلة في الإنسان ويزينوا للأمم والشعوب فوائد الأخذ عنها، ويدفعوهم دفعا إلى ا لإيمان بها والارتماء في أحضانها، مع أن الإسلام الحنيف قد كفى الله به وأغنى من حيث الأفكار أو المشاعر أو الأوضاع العملية.
هذه الموجة الجديدة الطاغية تجتاح أرضنا في قوة واندفاع، ونحن في حالة تذبذب بين الاتجاهين ولابد من الاستقرار، فدوام هذا التردد من المحال، والاستقرار على قواعد أحد المذهبين من أخطر الخطر على كيان الأمم العربية والإسلامية والشرق كله . فليست هذه المبادئ إلا فورات وقتية لأعراض فساد اجتماعي مكبوتة في بيئة من البيئات، ثم تطورت إلى أستار حريرية تخفي وراءها مطامع الغاصبين وأحلام المتسيطرين، ولا نجاة للعرب ولا للمسلمين ولا عزة للشرق إلا أن يتخلص منها جميعا ويستمد من نفسه ويعتمد على نعمة الله التي أنعم بها عليه. فهو مهد النبوات ومهبط الوحي، ومشرق الرسالات ووارث كتب السماء وهدايتها إلى الأرض، وقد تبلورت هذه المعاني العليا جميعا في كتاب الإسلام الحنيف وهدى رسوله العظيم سيدنا محمد النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته صلى الله عيه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم. وكل هذه الأحداث تجري في قوة وسرعة والرجال المختصون بالبحوث الإسلامية لا يقدرون الأمر قدره، ولا يهتمون بما يحدثه هذا التطور الجديد في الكيان الإسلامي نظريا وعمليا من عميق الآثار.
مع أنها في الحقيقة فرصة سانحة لا يمكن أن تعوض ليعرض فيها الإسلام كنظام اجتماعي كامل شامل يفضل كل ما عداه ولا يفضله نظام سواه، والحجة واضحة والبرهان قائم. ولله الحجة البالغة " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
القضية الأولى:
وعلى هذا فستكون القضية الأولى في رسالة "الشهاب" علاج هذه الناحية علاجا دقيقا، ومحاولة تقديم رسالة الإسلام الحنيف على أنه " نظام اجتماعي لا مجرد دين لاهوتي" والمقارنة بينه وبين قواعد النظم الاجتماعية الأخرى التي خلبت ألباب الناس وملكن عليهم مشاعرهم واستهوت أنظارهم وأفئدتهم، ليرى المنصفون بالدليل المنطقي والتحليل العلمي، والبحث المجرد أنه قد جمع محاسنها كلها وتنزه عن مثالبها ومساوئها وأنه أولاها جميعا بالتطبيق والتنفيذ، وأن هذا هو الأساس الوحيد لإنشاء العالم الجديد الذي يقوم على الحق والفضيلة، والأخوة والتعاون والسلام، فيسعد في الدنيا ويفوز في الآخرة ولله عاقبة الأمور.
القضية الثانية :
على أن الإسلام نفسه لم يسلم عند المسلمين من أن يلصق به ما ليس منه، وينسب إليه ما ينكره أشد الإنكار وهو بطبيعته التي أظهره الله بها سهل بسيط، ميسور لا حرج فيه ولا غموض وإنما عقدته آراء الناس ولونته أفكارهم في مختلف العصور والأزمان، ولقد كان الرجل من البداية يجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع دقائق أو ساعة من نهار فيقوم مسلما أفضل ما يكون المؤمنون إيمانا لصفاء فطرته، وسلامة نفسه، وسهولة الإسلام وبساطته ويسره. وكان الإسلام حينذاك حياة قلبية تنصب في النفوس، ونورا ربانيا يشرق على الأفئدة، وأعمالا مخلصة فتحول ذلك كله إلى نظريات في الكتب، والألفاظ على الشفاه، وأعمال بحكم العادة، وتجارة باسم الحق للحصول على مغانم الدنيا، ومحال أن تنهض على هذه القواعد دعوة أو تحيا أو تقوم دولة.
وعلى هذا فستكون " القضية الثانية" محاولة عرض أحكام الإسلام الحنيف على المسلمين أنفسهم عرضا فطريا بسيطا على النحو الذي عرفها عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان قبل تبلبل الأفكار، وتفكك الوحدة، وغلبة الدنيا واستبداد الأهواء بالجماعات والأفراد على السواء.
وإن شئت قلت إن هذه القضية الأولى والسابقة تليها وتلحق بها، فهذه تأسيس وتلك تحصين وأنت بهذا لم تتعد الصواب.
القضية الثالثة:
والدين منذ عرفته البشرية على هذه الأرض، وجاء به أنبياء الله ورسله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم، يقوم أول ما يقوم على الاعتقاد والإيمان (بالله) الخالق المتصف بكل كمال والمنزه عن كل نقص، وعلى ما يتبع هذا الاعتقاد من إيمان بأفعال الله، ونسبة أفعال المخلوقين إليها، وإيمان بالأنبياء والرسل الذين بعثهم الله لهداية عباده، والكتب السماوية التي أنزلها عليهم تتضمن شرائع دينه، وعن هذه العقائد التي تتصل بحقائق الدين العليا انبعثت أرقى الحضارات وأخلد المدنيات، وأسمى الأخلاق، وأفضل الأعمال.
والماديون ينكرون على الدين هذه العقيدة، ويجادلون فيها أشد الجدال، ويصفون الخرافة والضعف هذه العقيدة " الغيبية" التي تؤمن بالله بإله لا تراه، ويريدون أن يقرروا في الأذهان والنفوس أنه لا شيء هناك إلا هذه المادة الصماء وما يتصل بها من قوى، وما يعرض لها من تفاعلات، وأنه لا رقي ولا تقدم إلا في ظل هذه العقيدة " العلمية" البعيدة عن أوهام الدين وخرافات المتدينين.
القضية الرابعة:
ومسألة أخرى لا تقل في الأهمية عن سابقتها وهي تتممها وتلحق بها تلك هي " حقيقة الإنسان وماذا وراء هذا الوجود المادي" فهل الإنسان هو هذا الهيكل المادي بلحمه ودمه وعظمه وعصبه وما تنتج هذه الأخلاط والأجهزة م تطورات فسيولوجية؟ وهل تقف حدود الكون عند هذا الوجود المادي بأرضه وسمائه ومائه وهوائه وجماده وحيوانه وإنسانه، وليس وراء ذلك إلا ما هو جنسه من نتج المادة وآثارها؟ يقول الماديون نعم لا شيء إلا هذا ويقول الدين والإيمان لا – إن لهذا الإنسان " حقيقته الروحية ولطيفته الربانية التي أودعها الله فيه" والتي تحمل هذا الهيكل وهولها كالغلاف وعنها يكون الوجدان والإرادة والإدراك، وهي العقل أحيانا والنفس أحيانا والروح أحيانا أخرى، وهي سر الإنسانية ، ومناط التكليف والجزاء في الدنيا والآخرة، وإن وراء هذا الوجود وجودا آخر لا يقوم على جنس هذه المادة، بل له كيانه الروحي الذي تعرف آثاره، وتدق حقيقته عن الإدراك، وهو ينتظم ما يطلق عليه في عرف الشرعيين " عالم السمعيات" ويكاد يكون تاريخ الفلسفة الإنسانية هو تاريخ النزاع بين الملحدين والمؤمنين في هاتين القضيتين، قضية الإلوهية وما يلحق بها وقضية الروح وما يتبعها، وهذا النزاع يتحدد دائما كلما ساعدت الظروف الاجتماعية أحد طرفيه على القوة والظهور.
ولقد لازمت الغربية الحديثة، والحياة الغربية العصرية التي تعتمد على الكشف والاختراع والعلم التجريبي الذي أنتج الآلات الهائلة، وكون الثروات الضخمة، وأمدهم بكل مظاهر القوة واصطدم بكثير من تعاليم الكنيسة المتوارثة عندهم فكرة الإلحاد والتملص من تبعات الإيمان الديني حينا من الدهر، حتى استردت البحوث النفسانية والروحية بعض قوتها في ذلك النزاع يتجدد في ثوب من المبادئ والتعاليم الاقتصادية المحببة إلى النفوس المغرية بالآمال.
ولقد تأثرنا نحن في مصر وفي سائر البلاد العربية والإسلامية بهذه النعرات الفكرية والاجتماعية والنفسانية العنيفة بحكم اتصالنا بأمم الغرب وشعوبه، وكانت أعراض هذا التأثر تبدو في كثير من الأحيان في صور شتى من ألوان الإنتاج الفكري، ورغبات الإصلاح الاجتماعي، ولابد لنا من علاج هذه القضايا في كثير من الجرأة والوضوح علاجا علميا ينفي عنها زيف المبطلين، ومغالطة الجاهلين المتعصبين. وقديما كان التعصب وصفا يكاد يكون ملازما لجماعة المتدينين فصار اليوم ألصق ما يكون بهؤلاء الماديين الذين جمدوا على آرائهم الباطلة، وإن خالفت الدليل الواضح والبرهان القاطع والهداية من الله " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء.."
ومع أن هاتين القضيتين من صميم البحوث الإسلامية إلا أننا سنسعى بعلاجها والتعرض لهما عناية خاصة في بحوث هذه المجلة لأهميتها وحاجة المجتمع- وبخاصة بين المثقفين- إلى الاستقرار النفساني والعقلي فيهما.
وأظن أنك قد عرفت من هذا الكلام أن القضيتين الثالثة والرابعة هما قضيتا الإلوهية وما وراء المادة.
رسالة الشهاب:
وعلى هذا فسيكون أول ما تعني به " الشهاب" علاج هذه القضايا:
1-محاولة عرض الأحكام الإسلامية عرضا مبسطا عمليا شاملا يوافق أسلوب العصر.
2-ومحاولة تقديم الإسلام كنظام اجتماعي كامل، لا مجرد دين نظري لاهوتي.
3-والدفاع عن أحقية عقيدة " الإيمان بالله".
4-والانتصار " للروح الإنساني".
وستقدم هذه الحقائق للقراء الكرام في ثوب من نصوص الدين وبحوثه أحيانا ومن التاريخ، أو الأدب، أو القصص، أو العلم والفن، أو تمحيص المواقف والشبهات أحيانا أخرى، مع العرض لعلاج بعض مظاهر النقص في المجتمع، وبيان طرائق العلاج ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ومع عرض الموقف العام للعالم الإسلامي في كل شهر، وتسجيل أهم الحوادث فيه، وأظهر الأخبار المتعلقة به. والله المستعان.
المنار والشهاب:
ولقد سبقت مجلة " المنار" التي كان يصدرها الأستاذ الكبير " السيد محمد رشيد رضا" رحمه الله في هذا المضمار سبقا بعيدا، وأسست مدرسة فكرية إسلامية تقوم على قواعد هذا الإصلاح الإسلامي الجليل لا زالت آثارها باقية في نفوس النخبة المستنيرة من رجال الإسلام إلى الآن. ونافحت عن حقائق هذا الدين ومقاصده أقوى دفاع، ووقفت للملحدين والإباحيين والجامدين بالمرصاد، مما جعل لها أجمل الأثر في خدمة الإسلام لهذا العصر في مصر وغيرها من الأقطار.
كما قامت مجلة " الشهاب" الجزائرية التي كان يصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في الجزائر بقسط كبير من هذا الجهاد، مستمدة من هدي القرآن الكريم وسنة النبي العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنا لنرجو أن تقفو " الشهاب" المصرية الناشئة أثرهما، وتجدد شبابهما، وتعيد في الناس سيرتهما في خدمة دعوة القرآن وتجلية فضائل الإسلام، على أن الفضل للمتقدم وفضل السبق ليس له كفاء. والله المسئول أن يحقق الآمال، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا . آمين.
وهل تنضج الموهبة ويصفو الجوهر النقي الحر إلا بين المنحة والمحنة، وتلك سنة الله تبارك وتعالى في تنشئة الأفراد وتربية الأمم، وسبل أصحاب الدعوات ممن اصطنع لنفسه من عباده وصنع على عينه من خلقه ليكونوا أئمة يهدون بأمره " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون"
والأمة الإسلامية اليوم بين منحة ومحنة إن فهمت عن الله فيهما، وأدت ما وجد عليهما من حقهما فشكرت النعمة وثبتت وصبرت على الشدة وواصلت السير في قوة إلى الغاية فهي واصلة بإذن الله تبارك وتعالى إلى ما تريد اعترضها من صعاب وواجهها من عقبات، ونصر الله قريب: " ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز".
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم القائل : عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير إن أصابته النعماء شكر.. فكان خيرا له، وإن أصابته الضراء صبر فكان خيرا له. "
والإخوان المسلمون اليوم وهم الأمة الجديدة، القائمة على الحق المهتدية بنور الله ، الداعية إلى صراطه المستقيم بين منحة ومحنة- وعليهم أن يشكروا الله أجزل الشكر، على ما أولاهم من نعمته، وأغدق عليهم من فضله ومنته، وأن يصبروا أكمل الصبر على المحنة مهما علا ضجيجها، وأرعد برقها وعظم هولها، وأجلبت بخيلها ورجلها. وليثقوا بموعود الله تبارك وتعالى لسلفه الصالحين من قبل " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا، إن الله بما يعملون محيط؟
يا أيها الإخوان المسلمون:
في الحرم المكي وأمام الكعبة المشرفة تجلس بعثتكم المتواضعة خاشعة لله مخبتة تذوب حياء من البيت، وتنطوي على نفسها خشية لجلاله وعظمته، والأبصار ترنو إليها من كل مكان. والأيدي تدل عليها بكل بنان ووفود الحجيج من كل قطر وبلد ومصر تقبل عليها بقلوب متوادة متحابة.
تسأل في شوق ولهفة أنتم الإخوان المسلمون؟ مرحبا بكم وما أشوقنا إلى لقائكم ونحن إخوانكم في أندونسيا أو في جاوة وسيلان أو الهند أو الباكستان أو في جنوب أفريقيا أو في مدغشقر وربونيون أو في نيجيريا والكامرون أو في إيران والأفغان أو في غير ذلك من أرض الله الواسعة التي امتدت إليها أضواء الإسلام الحنيف وانبسط فيها هدي كتابه الشريف المنيف وتكون تحية وسلام وتفاهم وكلام وتدارس لحال أبناء الإسلام وإعجاب بجهودكم المتواضعة وأعمالكم النافعة لا نرى أنفسنا له أهلا ولا نعتبرهما إلا منة من الله وفضلا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ويعود إخوانكم من البعثات العلمية أو من الرحلات التجارية في انجلترا أو أمريكاأو فرنسا أو غيرها من بلاد الغرب المتهالكة على المادة المتهافتة على الطغيان ، فإذا بهم قد أنشأتهم الرحلة نشأة أخرى، وسمعوا ورأوا من حديث الناس هناك عنكم واهتمامهم بشأنكم والتعليق على جهادكم وجهودكم بما يجعلهم يستشعرون في التقصير في حق الدعوة، ويعتزمون بذل الجهد وفوق الجهد في العمل بها والجهاد في سبيلها، ولقد سمعت أحدهم بالأمس القريب يخاطبني في حماسة ويحادثني في قوة وحزم فيقول: يا أخي والله لسنا مجهولين إلا في وطننا ولا مغموطين إلا في أرضنا، فإذا أراد الناس أن يعرفونا، بل إذا أردنا نحن أن نعرف أنفسنا ومدى تأثير دعوتنا فعلينا أن نرحل خلال هذه الأقطار، ونجوس تلك الأمصار، ونستمع إلى أهل تلك الديار في مجالسهم الخاصة أو مجامعهم العامة، وسنرى من ذلك العجب العاجب، والقول اللازب، فأقول له: لا بأس فقديما قيل: " " وزامر الحي لا يحظى بإطراب" وليس نبي بدون كرامة إلا في وطنه وبين عشيرته، وسيدرك قومنا بعد قليل من نحن وماذا نصنع؟ والعاقبة للمتقين " ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز"
وفي هذه الغمرة الغامرة من نعم الله عليكم بحسن الأحدوثة، وجميل الذاكرة وجليل التقدير، تواجهكم محنة القول الزائف، فتبلغ قلوب المنافقين الحناجر، ويظن الكثير من المتربصين بالله الظنون، وتقول طائفة كما قال أسلافها من قبل:
" .. يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.." وتقول طائفة أخرى: " .. ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" وأنتم خلال ذلك كله، تسيرون في ركاب نبيكم صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه وتهتفون بندائهم: " .. " هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما".
يا أيها الإخوان المسلمون:
ستنكشف الغمة، وتزول المحنة إن شاء الله، وتخرجون من البلاء خروج السيف من الجلاء، أتقياء أتقياء، والله تبارك وتعالى يربيكم بالمنحة سنة الله التي قد خلت في عباده، وخسر هنالك المبطلون، فاصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون ، والله أكبر ولله الحمد.
هذه الصحيفة
اليوم تصدر جريدة " الإخوان المسلمون " أو تعود إلى الظهور بعد أن تعطلت منذ سنة 1948م ( 1368هـ) بفعل الطغاة من الحاكمين أو بسببهم. هؤلاء الطغاة الذين ظنوا بما اجترموا أنهم قضوا على الإخوان، فخيب الله ظنهم واستيقنوا أن هذه الدعوة تنمو على ما يصادفه من شدة ورخاء على السواء.
ودعوة الإخوان المسلمين ليست شيئا جديدا. فهم لم يبتدعوها ولا أدخلوا عليها من الأوان التجديد ما يرغب الناس فيها. كلا بل هي دعوة الله تعالى التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام. لم يفعل الإخوان المسلمون شيئا غير أنهم نفضوا عنها ما علق بها من غبار القرون وأزالوا عنها النطاق الذي حصرها فيه الجلاء من المسلمين وذوو الأغراض منهم ومن المستعمرين. وقدموها للناس بيضاء ناصعة بسيطة وكلا غير قابل للتجزئة تتناول الحياة جميعا فلا تترك منها شاردة ولا واردة، وتجري معها في يسر وائتلاف وسماحة واتصاف. ورحم الله الأستاذ حسنالبنا الذي رأى الناس من آيات الإسلام ما كانوا عنه غافلين.
وسيجد الناس أن الإسلام ليس دين عبارة وصوم وصلاة كما فهم المقصرون، ولا دين قطع الأيدي ورجم الزناة فقط كما شنع المغرضون، ولا دين الفضائل (فقط) سيجدون أنه دين عبادة تطهر النفس وتزكي القلب وتصل العبد بربه حتى يكون قادرا على تحمل تبعات الحياة ومشاقها.
وسيجدون أنه دين أقام الحياة الاجتماعية بين المسلمين على أكمل نظام وأرفأه بحاجات الناس، حتى لا يجد امرؤ حاجة إلى السرقة وغيرها من الجرائم لامتناع أسبابها.. وسيجدون أنه عالج الأخلاق والفضائل وآداب السلوك فمر بالحسن ونهى عن القبيح، وسيجدون أنه أوجب على المسلمين- رجالهم ونسائهم، صغيرهم وكبيرهم- الجهاد إذا ديست أرضهم واحتلها العدو، وسيجدون فيه كيف عالج مشكلات العمال، وكيف نظر إلى ملكية الأرض بعدالة لا تعدلها عدالة ، وكيف عالج شئون الأسرة، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا تناولها بما يريح النفس ويطمئن القلب.
كما عالج شئون الحكم في قواعده العامة الثابتة التي لا تتغير، وترك التفصيل لاختلاف الظروف والأحوال وأسس ذلك كله على العلم الذي فرضه على الرجل والمرأة على السواء.
فهذه الموضوعات وغيرها ستتناولها جريدة " الإخوان المسلمون" وتبين للناس حقائق الإسلام، وتزودهم بزاد من المعرفة يشرح النفوس الحرجة، وتسكن إليه الأفئدة القلقة.
وهي إذ تنشر هذا النور لن تلبسه بباطل من الميل الشخصي أو التنابز فلن نجادل أحدا، ولنم نخاصم أحدا، وإنما نناقش الآراء والأفكار والنظم.
وتوسع صدها للباحثين في العلوم والآداب ومن يخدم الإسلام كل فيما هيئ له وتخصص فيه.
والله نسأل أن يرزقنا الصدق في القول والعمل وأن يجنبنا الشطط، ويسلك بنا سبيل الرشد والسداد.
الدعوة .. على الطريق
هل جال بخلد مكة يوما أن أعلام أبي جهل وأبي لهب ستنتكس وتنحدر وأن أعلام ياسر وبلال ستعلو وترتفع.
وهل ظنت قريش يوما أن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ستهوى وتندحر، وأن صوت بلال سيعلو فوق ربى مكة مدويا في أرجائها، مجلجلا بين جنباتها، مناديا الشرق والغرب أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسوله ونبيه.
لا أظن ذلك، وقد ظنوا في محمد معتديا على مقدسات الآباء والأجداد يبغي لنفسه ملكا، ويسعى ليشيد بنفسه سلطانا حتى كان هذا الحوار: إذا كنت تريد ملكا ملكناك وإذا كنت تريد المال أعطيناك: وكان الجواب " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه: ما قبلت"
ولا نذهب في هذا الأمر شططا فنظن في قريش خيرا، فقريش ككل قريش قلب قدت من صخر، وإن كان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ومنها لما يشقق فيخرج منه الماء ومنها لما يهبط من خشية الله . وشتان ما بين قلوب قريش وبين الحجارة التي تهبط خشية، وتشقق ماء، وتفجر أنهارا.
ولم يكن محمد ولا من جاء من بعده يحمل رايته وينشر دعوته ويبشر برسالته بدعا ولا أمرا غريبا. فتاريخ البشرية من القديم إلى قريش إلى الحديث وإلى أن تقوم الساعة.. من آدم إلى نوح إلى موسى إلى عيسى إلى محمد ومن جاء بعده من تلاميذه وأتباعه تاريخ متصل مرتبط، فالجميع مسلمون على الطريق وصدق القائل سبحانه " إن الدين عند الله الإسلام.." حقيقة لا يدركها أصحاب القلوب الصماء ولا يحيط بجوانبها وجوهرها أهل الصلف والكبر، ولا يحيا في جوها وبين أرجائها ويتنفس عبيرها ويتذوق طعمها إلا الساعون إليه، الماضون في طريقه، العاملون لرضاه سبحانه.
ولا عجب ولا غرابة في ذلك، فأسلوب الباطل على مر الزمن إعراض وتكذيب وتهجم واتهام.
وفي الماضي " أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا.." " بل هو كذاب أشر" وفي الحديث : رمى لدعاة الدين بالخروج على الدين، والعمالة أعداؤه الدين والإفساد في الأرض والتخريب فيها، والله يعلم من خرب الديار وقوض البنيان وزلزل الأركان.
وإذا سأل سائل ماذا أيضا بين الأمس واليوم؟
أجابه تاريخ الدعاة أن أوجه الشبه عديدة وليست غريبة.
إن الباطل هو الباطل وإن اختفت أساليبه، والحق هو الحق وإن كثر أعداؤه، وتنوعوا مصوبين إليه السهام والحراب والطلقات.. أو ناصبين لأتباعه أعواد المشانق.
فإذا كانت قريش قد أعرضت غرورا وصلفا وجهلا وحمقا عن رسالة النور وهي تعيش في الظلام، وتنكرت لموازين العدل والقسط والتسامح والوئام، وهي تحيا على أساليب القهر والحرب والعدوان، وعذبت في شعاب مكة ودوربها ياسرا وبلالا، فعلى مر القرون واجه الحق أنماطا من قريش تجلد بالسياط كل ياسر وبلال، ولكن الحق هو الحق وسنة الله في كونه لا تختل ولا تحيد " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"
وفي القديم وفي الحديث مشاعل على الطريق تنشر ضياء الحق وتوزع أنوار الهدى، وهي وإن اختلفت في أسلوبهما ومأخذهما فكلها تنهل من نبع الإسلام العذب الفياض، وتلتقي جميعها على أنه الإسلام ولا مبادئ فغيره.. سنة الله في كونه وصبغته في عباده " ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون"
فالأفغاني علامة عصره على الطريق، ترى آثاره فكرا أخذ مجاله في أذهان كثير من المصلحين من بعده.
وحسنالبنا مشعل زمانه على الطريق ، ترك آثاره، ونتاج فكره، وفهمه للإسلام بناء شامخا، تحدى مفاسد العصر بمبادئ الإسلام، وتكالبت عليه كل القوى، وتجمعت ضده كل الأهواء والمشارب، ومع ذلك بقيت الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وهوى من قال بالأمس البعيد أنا ربكم، ومن زعموا بالأمس القريب أنه مانح النعم ومجري الأرزاق.
رجع حسنالبنا بالمسلمين إلى إسلامهم الأول، وغرسها في نفوسهم طريقة سنية خاصة في العقائد والعبادات، وحقيقة صوفية تطهر القلوب وتنقي النفوس، وتحث على العمل الجاد المثمر، وإعراضا عن الخلق، وحبا في الله، وارتباطا على الخير وفهما شاملا للسياسة كجزء لا يتجزأ من الإسلام، يهدف إلى إصلاح الحكم في الداخل وتعديلا للنظر إلى صلة الأمة الإسلامية بغيرها في الخارج، وتربية للشعب المسلم على العزة والكرامة والحرص على قوميته الإسلامية إلى أبعد حد.
وبناء للأجسام وتربية لها انطلاقا من تخطيط حكيم صادق ( المؤمن القوي خير أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) . فالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد وطلب الرزق والعمل والكفاح من صميم الإسلام، ولكنها لا يمكن أن تؤدي في دنيا الإسلام وعالمه دون جسم قوي صحيح سليم متين. وسعيا للعلم وطلبا له انطلاقا من قول الصادق الأمين ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) ومطلبا للمال وتدبيرا له وسعيا لكسبه ليكون للمجتمع المسلم خادما لا سيدا ولأخوة الإسلام وسيلة نفع لا وسيلة سيطرة وقهر، وحربا على الشعوبية والعنصرية ومعاول قوة تهدم صرح العصبية والجاهلية والتفاخر بالألوان والأنساب والأجناس، وسعيا لقيام دولة الإسلام بمفهومها الصحيح لا تقوم إلا على أساس الرسالة المحمدية لتكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة، ولا تقم الدعوة إلى الله إلا في حماية تدفع عنها وتزود عن حياضها وتبلغ مطالبها.
ومن ثم فلا قبول لخطأ في التطبيق تجزئ في التنفيذ، أو أخذ للبعض وترك للآخر. والحكومة فيها تقوم على قواعد مقررة ومعروفة، وهي مسئولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها. فالحاكم مسئول بين يدي الله وأمام الناس وهو أحير لهم وعامل لديهم.
وإذا كان حسنالبنا قد مضى إلى ربه وترك النبتة يانعة يافعة فتية فقد كان حسن الهضيبي علامة زمانه ومشعل عصره يوم حمل الراية حريصا لم يفرط، عزيزا لم يلن، كريما لم يهن، وأدى الأمانة أمينا في عزم، قويا في جزم، ثابت الخطا في فهم، فأكد معالم الفهم السليم للإسلام صحيحا في القول، وفي العمل لم يثنه جبل مشنقة ولم يرهبه سجن ولا تعذيب.. بل زاده الألم إصرارا على إصرار، وصمودا فوق الصمود.
والدعوة تمضي على الطريق تعبيرا عن الإسلام الشامل الكامل رسالة للحياة ونظاما كاملا للبشر.. لسان الحق يعبر عن دعاة الحق في كل أرض وزمان. صوت المعذبين بلا جريمة ارتكبوها إلا أنهم قالوا ربنا الله ولا نعبد سواه صوت المسجونين خلف الجدران يضربون في سجون أم درمان والخرطوم وفي حاضرة معوية وحاضرة الرشيد بلا ذنب جنوا إلا أنهم أناس يتطهرون.
هي صوت أصحاب الديار وقد صاروا الغرباء فيها، بعد أن اجتمعت الدنيا عليهم بشرقها وغربها، صوت الغرباء في الفلبين طردوا من ديارهم واختلطت بماء المحيط دماؤهم بلا جريمة فعلوا إلا أنهم مسلمون أسلموا الوجهة لله، ورفضوا أن ينسبوا له ولدا أو شريكا.
هي صوت المستضعفين في أوربا وعلى الأخص في بلقانهم : هدمت مساجدهم فأصبحت أطلالا يؤمها السياح، ونكل بزعمائهم ليعيشوا كما مهملا يشكلون ويصاغون كما يراد لهم ويخطط.
هي صوت الملايين المعذبة في آسيا المسلمة حيث ترتفع أعلام الكفر قهرا وإجبارا.. هي صوت المسلمين في أرتريا حصدتهم بالأمس قنابل هيلاسلاسي ومدافعه وتحصدهم اليوم نفس القنابل والمدافع وإن تغير وجه هيلاسلاسي وحل محله الآخرون.
الدعوة على الطريق تمضي ولا تحيد ولا تبدل. الله غايتها، وقرآنه دستورها، ونبيه إمامها، والسبيل إليه هو السبيل ولا سبيل غيره.