محاولة للخروج من المأزق الراهن

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث


بقلم / د. محمد البلتاجي...عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسملين

في مقالين سابقين لي (أعتبرهما جزءًا رئيسيًّا من هذا المقال) كان الأول بعنوان (حقيقة التوريث والمسؤلية التاريخية للنخبة الوطنية) والثاني بعنوان (كارثة التوريث والنهج البديل), أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن انتقال السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله أصبح هو المشهد الرئيسي في المسرح السياسي المصري, بل هو لب وجوهر ومحور الأحداث المصرية كلها الداخلية والخارجية, ومن ثم وجب على الجميع التعامل معه بقدر من المسؤلية التاريخية التي تليق بمكانة مصر ومكانة شعبها, وأكدت كذلك أن خطوات عشر–أسميتها الخطايا العشر– قد تم إنجازها تهيئة للمرور الآمن للتوريث وقد أصابت كل خطوة منها عافية الوطن وطعنته في مقتل, وأكدت بالدليل والبرهان كيف أن الفساد والاستبداد قرناء التوريث لا يمكنه الانفكاك عنهما لا في مجيئه ولا في استمراره بعد مجيئه, ومن ثم فالوطن تنتظره كارثة تشكل خطورة كبيرة على حاضره ومستقبله.

قلت في مقالي السابق إن رفضنا للتوريث ليس لخصومة شخصية, ولكن لأننا نريد أن نمارس حقوقنا كشعب يحق له أن يختار قياداته– بنفسه ودون وصاية من أحد- ليحق له أن يحاسبها إذا قصرت, وأن يقومها إذا اعوجت, وأن يستبدلها بغيرها متى رأى أن اختياره لم يحقق آماله المرجوة, ولتتعامل قيادته معه وهي مدركة لملكيته لهذه الحقوق.

وهذا الذي نريده لن يتأتى إلا من خلال: (المطالب العشرة):

1- تعديل المادة 76 من الدستور (بما يتيح للمجتمع حق ترشيح من يراه مناسبًا، دون قيود إلا ضمانات الجدية), والمادة 77 (ليكون الحد الأقصى للتجديد للرئاسة مرتين فيتوقف التمديد والتأبيد), والمادة 88 (بما يحقق الإشراف القضائي الحقيقي على الانتخابات العامة).

2- شفافية ونزاهة الانتخابات العامة (الرئاسية والنيابية والمحلية) من خلال الضمانات المتعارف عليها دوليًا (جداول الناخبين الإلكترونية- التصويت بالرقم القومي- الإشراف القضائي والرقابة المجتمعية والدولية- حرية اللقاء بالناخبين وتكافؤ فرص الظهور في الإعلام الحكومي بين المرشحين- حياد الجهاز الأمني والهيكل الإداري للدولة وعدم تدخله بأي شكل من الأشكال في العملية الانتخابية- احترام وتنفيذ أحكام القضاء وإلغاء مبدأ أن المجلس سيد قراره....الخ).

3- استقلال حقيقي للسلطة القضائية (بعيدًا عن تبعية السلطة التنفيذية ووصاية الأجهزة الأمنية), ووقف إهدار أحكام القضاء.

4- وقف العمل بقانون الطوارئ ووقف إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية والاستثنائية.

5- إطلاق الحريات العامة من قيودها المتعسفة (حرية التعبير- حرية التظاهر- حرية التجمع والتظيم المدني- حرية تأسيس الأحزاب- حرية إصدار الصحف ونشر الفكر).

6- إطلاق الحريات النقابية المهنية والطلابية والعمالية, وحرية العمل الأهلي, وعدم التدخل الأمني في كافة أنشطة المجتمع المدني.

7- الشفافية في اختيار المواقع القيادية في أي من مواقع الهيكل الإداري للدولة ليكون الاختيار بناءً على معايير الكفاءة والتخصص وليس الولاء والثقة، مع ضرورة فض المزاوجة بين الثروة والسلطة لتعارض المصلحتين.

8- وقف كافة أشكال الوصاية والهيمنة الأمنية على مؤسسات الدولة (سواء في ذلك السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية) أو مؤسسات المجتمع المدني (نقابات– اتحادات – تعاونيات – جمعيات– نوادي- منظمات أهلية), لتتفرغ كافة السلطات والمؤسسات لآداء أدوارها على النحو الذي يحقق رسالتها الصحيحة في خدمة مصالح الشعب.

9- الفصل التام بين الهيكل الإداري للدولة (والمؤسسات التابعة له) وبين الحزب الحاكم (ومصالحه الحزبية التنافسية ضد خصومه السياسيين).

10- الفصل التام بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحزب الحاكم, فيبقى رئيس الدولة رئيسًا لكل المصريين, ويتوقف الخلط بين المصالح الوطنية والمصالح الحزبية.


نداء إلى صاحب الفخامة السيد رئيس الجمهورية:

سيدي الرئيس: هذه المطالب العشر التي ذكرتها– آنفًا- يرى كثيرون أنها تمثل نقطة البداية لإصلاح حال الوطن, ونقطة الانطلاق للخروج من المأزق السياسي الذي انعكس بالسلب على كافة أوضاعنا (الخارجية والداخلية, ليس فقط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، بل حتى العلمية والثقافية، بل أنماط السلوك والأخلاق الاجتماعية), وأنتم أكثر منا إدراكًا أن مصرنا الحبيبة تستحق أفضل من هذا الذي وصلت إليه, والبعض يدعو لمرحلة انتقالية– سنتين مثلاً- وحكومة انتقالية أو مجلس انتقالي- يحقق هذه المطالب للخروج بالوطن مما هو فيه, ونحن نطلب منك أن تقوم أنت بإعلان هذه المرحلة الانتقالية التي تتحقق فيها هذه المطالب العشرة؛ ليسترد الوطن عافيته وليأت بعد ذلك من يأت- في ظل أوضاع سياسية رشيدة وديمقراطية حقيقية ومجتمع مدني قوي ومنظومة سلطات متوازنة-, تعود بها مصر إلى موقعها ومكانتها الرائدة التي تستحقها, فقيامكم أنتم بتلبية هذه المطالب أدعى لاستقرار الوطن وتجنيبه الفوضى, وبها يخلد الله ذكرك في الدنيا والآخرة, وتحفظ لك الأجيال ويسطر لك التاريخ هذا الموقف بمداد من نور. 'نص عريض'

إلى السيد جمال مبارك:

قلت في مقالي السابق إنه ليس بيننا وبينك خصومة شخصية, وقلت في صدر مقالي هذا إننا نريد أن نمارس حقوقنا كشعب يحق له أن يختار قياداته– بنفسه ودون وصاية من أحد- ليحق له أن يحاسبها إذا قصرت, وأن يقومها إذا اعوجت, وأن يستبدلها بغيرها متى رأى أن اختياره لم يحقق آماله المرجوة, ولتتعامل قيادته معه وهي مدركة لملكيته لهذه الحقوق.

فهل تختلف معنا أن هذا حقنا كشعب؟ وما موقفك من هذه المطالب العشرة للوصول لهذا الحق؟ وماذا إذا أصر الشعب عليها، فهل تقف معه أو ضده؟ وهل توافقنا الرأي أن مصر العظيمة تستحق أفضل من هذا الذي يراد لها وبمستقبلها؟ وبصرف النظر عما إذا كان تحقيق هذه المطالب العشرة يتوافق أو يتعارض مع مشروعك وآمالك وطموحك، فنحن نريد أن نسمع موقفك من هذه المطالب, ثم ألا ترى معنا أن فترة انتقالية يسترد فيها الوطن عافيته (ثم يأتي بعد ذلك من يأتي بطريقة ديمقراطية حقيقية) هي محل فخر وشرف- وأكبر مصدر قوة- لمن سيأت به الشعب ويلتف حوله؟.

أخيرًا سيدي هل تستكثر على مصر الكبيرة فترة انتقالية ربما تستطيع أن ترتقي فيها أنت في سلم العمل السياسي في جو ديموقراطي صحيح (دون استغلال لنفوذ والدك) فتصبح أمينًا عامًا للحزب ثم رئيسًا له, وتعرض نفسك وخبراتك وحزبك على الشعب في تنافسية حقيقية وديمقراطية حقيقية ؟؟؟ ألا ترى معي أن مصر تستحق هذا وأكثر منه؟.

أكرر أنه ليس بيننا وبينك خصومة شخصية, لكن مصر ومستقبل شعبها أغلى علينا من حسابات الصداقة والخصومة.


إلى النخبة السياسية والمعارضة المصرية:

كلنا نعاني حالة الانسداد نفسها, ونواجه جميعًا حائط الصد نفسه, ويستوي في ذلك مشروعنا الوطني المشترك أو مشروعاتنا الأيديولوجية المختلفة (سواء الليبرالية أو اليسارية أوالقومية أو الإسلامية), وفي الوقت الذي يدرك فيه الشارع المصري تماماً فساد واستبداد النظام القائم فإنه لا يرى أمامه بديلاً عنه, والحديث عن الرئيس البديل والحكومة البديلة -كما الحديث عن دستور جديد- كلها أحاديث غير واقعية من جهة وقد تدفعنا للاختلاف والتفرق حولها من جهة أخرى, فهل يمكن أن نتفق على الحد الأدنى من المطالب المتفق عليها بيننا جميعًا– سواء هذه المطالب العشرة التي ذكرتها أو جزء منها– ونقف جميعًا وراءها صفًا واحداً بأيادٍ متشابكة في مواقف موحدة- رغم تنوعاتنا السياسية والفكرية- يتابعنا الشارع المصري، ونحن ندافع عن حقوقه في حملات متتالية (ضد التوريث– ضد التزوير– ضد الاحتكار– ضد إهدار ثروات الوطن– ضد إهدار الحق في الصحة والحق في التعليم– ضد تمديد الطوارئ– ضد الموقف السلبي من الاعتداءات الصهيونية على أمتنا ومقدساتنا.....) وهكذا تتراكم مواقفنا الموحدة– أمام الجماهير- كجماعة وطنية ممثلة للشعب المصري ومدافعة عن حقوقه, (في وقت ستكون مصداقية تمثيل المجالس النيابية القادمة للشعب محل نظر), وبذلك يمكن أن تتعاطى الجماهير مع النخبة بقدر من الثقة فيها والطمأنينة لمواقفها, وتأخذ الجماهير فرصتها في التمييز بجلاء بين من معها ومن عليها, وهي خطوة لا بد منها كي تنتقل الجماهير من موقع المشاهدة والمتابعة إلى موقع المشاركة والتأثير.

بقيت مبادرة أظنها واجبة على الإخوان المسلمين ليبطلوا الفزاعة (التي يستثمرها خصوم الوطن في التخويف منهم ويتخذون منها شماعة لتبرير التعويق لخطوات الإصلاح السياسي الحقيقي): سأفرد لها مقالاً آخر إن شاء الله.

أخيرًا: أعلم أن المناخ العام في اللحظة الراهنة قد لا يجعل أي من هذه المطالب والمبادرات تحقق المرجو من ورائها, لكن حسبنا أننا بذلنا وسعنا, وحاولنا إنارة الطريق بمعالم للخروج من المأزق ولو لجيل قادم حتماً سيشرق من بين يديه فجر جديد.

(اللهم قد بلغت, اللهم فاشهد).


المصدر : نافذة مصر