مجلس الشعب والسقوط المدوي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
مجلس الشعب ......... والسقوط المدوي



قلت في مقال سابق نشر في صحيفة صوت الأمة في عددها الأخير الأسبوع الماضي أن مجلس الشعب رسب مرتين عندما تم إختباره في قوانين الحريات العامة ، مرة عند الموافقة علي تمديد العمل بقانون الطوارئ لمدة عامين والمرة الثانية عند الموافقة علي تأجيل الانتخابات المحلية لمدة عامين ، وقلت إني لا اتوقع له النجاح في الاختبار الثالث الصعب وهو تعديل قانون السلطة القضائية ، وقد إتضح أخيراً أن توقعي كان في محله رغم الأمال التي كانت تراودنا في أن يقوم المجلس بدوره في تعديل وإضافة ما رفضت الحكومة إضافته في المشروع المقدم منها والذي جرت المناقشة عليه فقط رغم أن هناك مشروع أخر مقدم من بعض نواب مجلس الشعب قائم علي أساس ما إتفقت عليه كلمة القضاة في جمعياتهم العمومية ، والحقيقة أن المتتبع لسير المناقشات سواء في مجلس الشوري أم في مجلس الشعب ، يشعر أن السلطة التنفيذية محتله تماماً من قبل السلطة التنفيذية وهو تعبير إستعرته من أخي الكبير المستشار طارق البشري في التعبير عن حال السلطة القضائية ، والفارق بين السلطتين أن السلطة القضائية في هذا العهد محتله احتلال عن بعد أما السلطة التشريعية فهي محتله احتلالا استيطانيا تماماً كما تحتل إسرائيل فلسطين لا تحاول أن تخفي احتلالها بل تفاخر ورجالها يعتبرون أن هذا الاحتلال مشروع والفارق الوحيد أن فلسطين تقاوم أما السلطة التشريعية فإنها وإن كانت تقاوم إلا أن بعض رجالها يعتبرون احتلال الحكومة شرف ينبغي الحفاظ عليه وأن المقاومة في هذا الشأن خيانه للوطن ، ومن يتعاون معها خائن والويل كل الويل لمن يتصل بها أو يتعاون معها والحكومة بذلك تتهم ربع الشعب المصري الذي أعطي صوته للمعارضة بالخيانة ولك أن تتصور أن في مصر أكثر من عشرين مليون خائن في نظر الحكومة .

رسبت السلطة التشريعية بشعبتيها الشورى والشعب رسوبا مدوياً عند عرض مشروع تعديل قانون السلطة القضائية ، فقد خرج منها كما دخل لم يحدث به تعديل يذكر أو يؤثر علي جوهره الذي دخل به إلي المجلسين وما كان له أن يطرأ عليه تعديل داخلهما لأن السلطة التشريعية صاحبة القرار فـي إصدار القوانين لا تملك من أمرهـا في هذا الشأن شئ ، وغير مسموح لها بـأن تحدث أي تعديـل في أي قانون يعرض عليهـا إلا بموافقة ولي الأمر ( المستعمر ) رغم ما تتشدق به دائماً من أنها صاحبة السلطة الوحيدة في التشريع ، وهي بهذا تذكرنا بفاقد الوعي الذي كان يحب وهو في وعيه أن يكون شجاعاً فإذا به وهو فاقد الوعي يصيح دائماً ( أنا جدع ) والجميع يعرف ويدرك أن هذه صحية لا تعبر إلا عن أمنيته في أن يكون كذلك.

تذكرت ذلك بعد حديث جري بيني وبين زميلي وصديقي المستشار أحمد مكي بعد لقائه ووفد نادي القضاة مع رئيس مجلس الشعب والشورى إذ ابدا متفائلاً بتفهم الاثنين لمطالب القضاة واعتبارها مطالب مشروعه ومنطقية وعداه بالعمل علي تحقيقها ، وقد عجبت كثيراً من هذا التفاؤل الذي لا يتفق مع ذكائه وفطنته التي كانت توجب عليه أن يكون أكثر حيطه وهو الذي يتهمني دائماً بأني سريع الحكم علي الأمور دون حذر أو تحوط ، فإذا به في هذه المرة يتفوق عليٍ في هذا الشأن ويتفاءل في غير موضع التفاؤل وهو يعلم تمام العلم أن احدهما ليس صاحب قرار في هذا الشأن وإن ادعي ذلك ، وحدث ما يعلمه الجميع بل ودخل الدكتور رئيس مجلس الشعب إلي مجلسه ليقول لأعضائه قولاً مختلفاً تماماً عن الذي قاله للوفد القضائي الذي لقيه في مجلس الشعب ، وقبل أن ادخل في بيان المطالب التي تضمنها مشروع تعديل القانون المقدم من نادي القضاة والتي رفضتها الحكومة وأقرتها علي ذلك السلطة التشريعية دون أن يكون لذلك مبرر قبل أن اعرض لهذه النقاط أود أن أشير إلي ثلاث مواقف للسيد الدكتور رئيس مجلس الشعب حدثت منه في الفترة الأخيرة نسي فيها أنه محام كبير يعرف قيمة ومكانـه القضاة الذين يقف أمامهم فـي احترام وتبجيل ، نسي رئيس مجلس الشعب ذلك لطويل جلوسه علـي المنصة العالية في المجلس والتـي سيتركها إن عاجلاً أو آجلاً ، هذه المواقف الثلاثة التي حدثت منه في الفترة الأخيرة لو أن احدها فقط حدث منه أثناء وقوفه أمام منصة القضاء لوجد نفسه في قفص الاتهام خلف القضبان ، وأول هذه المواقف عندما زاره وفد الدارسين بالمعهد القضائي وحديثة غير اللائق أمامهم عن نادي القضاة ، والحقيقة أنه ليس هو المسئول وحده عن هذا الخطأ ولكن المسئول معه هو من ذهب مع هذا الوفد إذ كان يجب عليه أن يترك المكان غاصباً لشرف النادي الذي ينتمي إليه والسلطة التي هو جزء منها والموقف الثاني عندما تحدث عن نادي القضاة باعتباره جهة غير معلومة الهوية والصفة بالنسبة له وإنكاره ستين عاماً من تاريخ النادي الذي لم تحصل السلطة القضائية علي ميزه مادية أو معنوية إلا عن طريق مجهوده ، نادي القضاة الذي عقد مؤتمر العدالة الأول والأخير في مصر لسنة 1986 والذي وضع عن طريق خبراء مختصين حلولاً لجميع مشاكل السلطة القضائية والتي لو قدر لها أن تري النور لما شهدنا ما تشهده اليوم من مشاكل تؤرق الناس وتقض مضجهم من بطء وسوء التقاضي ، أنكر الأستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب كل ذلك وهو الذي وقف في هذا المؤتمر أمام المستشار الجليل يحي الرفاعي رئيس نادي القضاة في هذا الوقت ورئيس المؤتمر محتجاً علي أن القائمين عليه لم يختاروه لرئاسة احدي لجانه وحزنه الشديد لذلك .

السقطة الثالثة عندما وصف المعارضة بأنها تذهب لنادي القضاة لتخريب عقولهم وهو في هذا الشأن أهان القضاة أهانه بالغة إذ صورهم علي إنهم صغار يمكن العبث بعقولهم وحسنا فعلت المعارضة بإنسحبها من الجلسة التي تفوه فيها رئيسها بهذا القول غير اللائق وكنا نود ان ينسحب جميع الأعضاء الذين يتشدقون باحترام القضاة واحترام استقلالهم حتى يثبتوا للناس انهم فعلاً يحترمون القضاة عملاً لا قولاً فقط.

هذه هي المسائل التي أودت الإشارة إليها قبل أن أثير حديثي عن المطالب التي تضمنها مشروع تعديل القانون المقدم من نادي القضاة الذي أصبح في هذه الأيام بالنسبة لبعض المسئولين شخصيه غير معروفه الهوية والتي رفضتها الحكومة وسايرها في ذلك السلطة التشريعية دون مبرر لهذا الرفض سوي الإصرار علي الهيمنة علي السلطة القضائية.

أولاً : هل يمكن للرافضين سواء من الحكومة أو من السلطة التشريعية بيان مبرر رفض التعديل الخاص بتبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلى بدلاً من وزير العدل سوي أن يكون للوزير رجل السلطة التنفيذية الهيمنة علي هذا الجهاز الهام ، وسيذكر التاريخ للمستشار محمود أبو الليل أنه الوزير الوحيد الذي وافق علي ذلك رغبه منه في تحقيق المزيد من الاستقلال للسلطة القضائية ، ورغم ذلك أبت الحكومة إلا أن تحرج وزيرها وأن تعدل عن هذه الموافقة بلا مبرر وهي بذلك تخرج عما تسير عليه جميع الهيئات القضائية من تبعية جهاز التفتيش الخاص بها لها ، ولم يشز القضاء العادي في هذا المطلب ورغم ذلك رفضته الحكومة وسار خلفها مجلس الشعب بلا تفكير.

ثانياً : دخول عنصر مختار من الجمعيات العمومية إلي مجلس القضاء الأعلى ، المبرر لهذا الرفض من جهة الحكومة والسلطة التشريعية مبرر غريب يصور فيه البعض هذا الاختبار علي أنه انتخاب يحدث ما يحدث فيه كل عام من تنافس بين المرشحين وما ترتب علي ذلك من ضجة ومواقف لا تليق بالقضاة والحقيقة غير ذلك هو أنه اختيار عن طريق الجمعيات العمومية للمحاكم يتم سنوياً كما يتم توزيع العمل بين القضاة بلا ضجة أو صخب كل ما هناك انه يجعل داخل المجلس عضو يرقب ويرصد ولا مطمع له سوي إرضاء زملائه الذين اختاروه حتى يظل موضع ثقتهم علماً بأن اختيار أعضاء مجلس القضاء بالأقدمية المطلقة يجعل من يجلس فيه علي شفى الخروج إلي المعاش وهذا الأمر له حساباته التي لا نريد الخوض فيها احتراماً لزملائنا الكبار خاصة مع ما تعودت الحكومة من التلويح لهم به كل عام من رفع سن التقاعد وهذا أمر ينبغي الإقلاع عنه والانتهاء منه لأنه يضع هؤلاء الشيوخ موضع الحرج وهو ينتظرون منحه من السلطة التنفيذية لهم بمد السن أو أي وظيفة أخري تقبلهم من عبء المعاش والفراغ الذي ينتظرهم بعد العز والجاه الذي كانوا فيه.

ثالثاً : الأمر الثالث الذي طالب به مشروع نادي القضاة والذي رفضته السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية هو تقييد مدة الندب ومنع الندب لغير الأعمال القضائية والتي لا تليق بالقضاة ، والذي لا يمكن لأي إنسان أن يجد مبرراً لرفض الحكومة لهذا الأمر سوي الإصرار علي إفساد السلطة القضائية والتأثير المادي علي أعضائها ، هل يعرف القارئ نوعيه الجهات التي تصر الحكومة علي ندب القضاة للعمل بها وتحارب في سبيل ذلك لقد قمت باستعراض هذه الجهات من واقع قرارات الندب فأصابني الغثيان من مجرد معرفتها ، هل يمكن للقارئ أن يتصور قاضية الذي يحترمه ويجله بندب للعمل مستشاراً قانونياً لمكتب بيع الاسمنت المصري ، وشركة صان الحجر الزراعية ، هيئة النقل العـام ، وبورصة الأوراق المالية ، هل هذه جهات يليق بكرامة القضاة العمل بها وأن يمد القاضي يده لها لينال مكافأة العمل بها ، هذه هي الجهات التي يصر القضاة علي إلغاء الندب لها وتصر الحكومة ومجلس الشعب علي الإبقاء عليه امعاناً في إهانه القضاة والعبث بإرادتهم والأمل معقود علي مجلس القضاء الأعلى يقوم الموافقة علي الندب لهذه الجهات احتراماً للقضاء وعدم العبث بإرادتهم والأمل في السادة الزملاء في الترفع عن الندب لهذه الجهات لأن هذا لا يليق بكرامتهم.

رابعاً : نادي القضاة الذي أصبح الآن كما وصفه بعض المفكرين المحترمين ببيت الأمة والذي يعرفه القاصي والداني وأصبح حديث العالم كله فجأة وجد نفسه الآن ووجده الناس بلا هوية ومثار عجب السيد الدكتور رئيس المجلس الذي اقسم أنه لا يعرف له هوية لمجرد أن الحكومة أنكرت عليه ذلك وهي التي تحلم به في منامها ويأتيها علي شكل كابوس يقض مضجعها ، أصبح الآن بلا هوية قانونية ، وهل لي أن اسأل الدكتور رئيس المجلس الموقر هل كانت هوية النادي ستكون كذلك لو أن الحكومة رضيت بالنص عليه في مشروعها سواء كان نصا موافقا لإرادة القضاة أم كـان مخالفاً لإرادتهم ؟ أم أن الأمر كان سيختلف وسيكون للنادي شأناً قانونياً يتفق مع إرادة الحكومة ، اترك الإجابة لفطنه القارئ الذي أصبح لا يخفي علي فطنته شئ رغم تعمد المسئولين إظهاره بالغباء والجهل وعدم المقدرة علي حسن الاختيار حتى يبرروا تزوير إراداته.

إخواني قضاة مصر ، لقد كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ، لقد كتب عليكم القتال قبل أن تضع المعركة أوزارها وها نحن مصرون علي مواصلة الكفاح من أجل تحقيق ما لم يتحقق من مطالب القضاة وهي كثيرة حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم في إحقاق الحق ، والحقيقة أن السلطة القضائية تتعرض هذه الأيام لهجمة شرسة من السلطتين التنفيذية والتشريعية الهدف فيها إظهارها بمظهر الضعف والممائي للسلطة التنفيذية وهذا أمر أن استمر سيفقدها احترام الناس لها هذا الاحترام هو زادها ويبرر وجودها فقد ساد بين الناس اعتقاد بأن هناك قضاة ينحازون للسلطة التنفيذية أو قضاة كما يقول البعض حكوميون ، ٍوإن صح هذا فهو بداية النهاية ، فيجب علينا أن نقف سوياً في مواجهة هذه الهيمنة التي تهدف إلي القضاء علي استقلالنا مناط احترام الناس لنا.

المستشار محمود رضا الخضيري نائب رئيس محكمة النقض

      ورئيس نادي القضاةبالإسكندرية