مبارك.. تلميذ السادات الذى تفوق على أستاذه
محتويات
مشروع ثورة فى طريقها للاكتمال

ثورة 25 يناير هى مشروع ثورة فى طريقها للاكتمال. ثورة أشعلها الشباب مستخدمين معرفتهم بالتكنولوجيا فى وسائل الاتصال.
وشارك فيها الشعب كله بمختلف أعماره من كان فى منتصف العمر ومن بلغ الشيخوخة بل وشارك فيها الأطفال، كما شاركت فيها النساء. وقام جيش مصر الوطنى أحفاد أحمد عرابى بحمايتها ومساندتها.
أزعم بمعنى اليقين أن من أكبر أخطاء الرئيس السابق، التى أدت إلى إرغامه على التنحى، أنه كان جاهلا بالسياسة، وكان هذا من بين أهم أسباب اختيار السادات له ليكون نائبا له.
وأنه كان لا يقرأ الصحف ولا الكتب ولم يكن بالتالى له خيال ولا رؤية سياسية. هذا فضلا عن أن المجموعة التى كانت محيطة به قد أقامت طوقا حوله مستغلة عزوفه عن القراءة واهتمامه المفرط بصحته وشكله ومنظره متحديا الزمن لتنفرد هى باتخاذ القرار.
وأذكر لله والتاريخ أن اثنين من الكبار جدا من ضباط إدارة المخابرات العامة، وأحدهما تولى منصب محافظ ثم منصب وزير قالا لى حرفيا قولا متطابقا «إننا نعد التقارير الوافية للعرض على الرئيس. لكن المشكلة تكمن فى العرض». ولم يقولا أكثر، ثقة منهما فى أننى قادر على الفهم.
وعندما قامت ثورة 25 يناير أدركت المجموعة المحيطة بالرئيس السابق أن الأمر خطير وأنها ليست مجرد مظاهرة وأن ميدان التحرير لم يعد اسم مكان بل أصبح مطلب التحرير ميدانه فى كل محافظة. فى السويس فى الإسماعيلية وفى الإسكندرية. وهنا عرضوا الأمر على الرئيس السابق.
خطا الرئيس السابق

وهنا أخطأ الرئيس السابق الخطأ الذى دفع وسيدفع ثمنه الغالى. فلأنه يجهل التاريخ وربما أيضا العلوم العسكرية فقد كان ترتيبه الأخير عند تخرجه فى الكلية الحربية.
وقد صحح لى أحدهم معلوماتى فى هذا الشأن بحكم معلوماته المؤكدة أن ترتيبه كان قبل الأخير بواحد!! لكن هذا الواحد توفى فأصبح الرئيس هو الأخير فى الترتيب وحظا بما يستحق!
ارتكب الرئيس السابق ثلاثة أخطاء. أولها أنه لم يتصور أن تقوم ضده ثورة! بل هى مجرد مظاهرة كبيرة.
وثانى هذه الأخطاء عدم مساسه بغرور وزير داخليته حبيب العا دلى الذى أبقاه فى منصبه 12 عاما وجعل ميزانية وزارة الداخلية ضعف ميزانية وزارة التربية والتعليم!
وساعده على تأسيس الأمن المركزى والتوسع فى أعداد أفراده الذى بلغ ضعف أعداد قواتنا المسلحة المناط بها حماية حدود الوطن من عدو تعهدت أمريكا له بأن يكون أقوى من جميع جيوش الدول العربية مجتمعة!
ناهيك عن جهاز مباحث أمن الدولة الذى امتدت عيون أفراده إلى داخل كل أسرة فى كل مدينة وكل قرية وتخصص وزوده بأحدث الأجهزة لممارسة التعذيب إلى حد أن الرئيس السابق بوش الولد أرسل بعض سجناء جوانتانامو إلى هذا الجهاز لانتزاع الاعترافات منهم!
فكان أن ارتكب الرئيس السابق الخطأ وأبلغ حبيب العادلى أنه قرر الاستعانة بالقوات المسلحة لتقف إلى جانب الشرطة وتفض هذه التظاهرة! وكان رد حبيب العادلى بقراره انسحاب الشرطة وعودة كل أفرادها إلى معسكراتها ومقارها. وحدث الفراغ الأمنى.
والخطأ الأكبر والأخطر أن الرئيس السابق الذى لم يقرأ كتابا واحدا فى التاريخ ولم يقرأ طبعا ثورة عرابى ظن بجهل فاضح أن أفراد القوات المسلحة هم مجرد موظفين عنده! بمثل ما ظن الخديو توفيق أنه رئيسهم الأعلى! ولم يستطع أن يدرك أن عقيدة الجيش منذ ثورة أحمد عرابى قد تبدلت، وأصبح ولاء أفراده هو لله وللوطن.
عندما انهمرت دموعي
وايم الله كم انهمرت دموعى وأنا أستمع للمتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة وهو يقول: «إن القوات المسلحة تتفهم مطالب الشعب وأنها مشروعة»، وكان أهم مطالب الشعب المعلنة على لوحة فى ميدان التحرير ونادى به المتظاهرون.. «الشعب يريد إسقاط النظام» لحظتها قمت بعمل عفوى فاحتضنت جهاز التليفزيون وقبلت الشاشة أملا أن تصل إلى كل فرد من أفراد جيشنا الباسل.
وفعلت هذا مرة أخرى يوم وقف لواء عضو فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وألقى كلمة مختصرة. وعندما ذكر الشهداء وترحم عليهم رفع يده بتحية عسكرية. لحظتها انهمرت دموعى واحتضنت جهاز التليفزيون وقبلت الشاشة.
غفل الرئيس السابق ــ الذى غفل حتى عن فهم وقراءة المواد المقررة على طلبة الكلية الحربية فجاء ترتيبه فى التخرج الأخير ــ عن قراءة التاريخ.. حتى التاريخ الذى عايشه هو نفسه. غفل عن أن عقيدة قواتنا المسلحة منذ ثورة أحمد عرابى قد انحصرت فى الولاء لله وللوطن.
وأنه أى الرئيس السابق نسى أن الملك فاروق الذى كان أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة وكان زوج شقيقته وزيرا لوزارة الحربية ولم يمنع ذلك ضباطا أحرارا من القيام بثورة أطاحت به.
وأن ولاء الجيش ليس لفرد إنما لله سبحانه وللوطن وحده لا غير. نسى أو غفل عن أن قواتنا المسلحة الباسلة لا يمكن أن تكون أو تتحول إلى قوة قمع ملحقة بشرطة حبيب العادلى لأنهم جنود لمصر الوطن.
وأنهم ليسوا كالمرتزقة، الذين يستعين بهم معمر القذافى لإبادة الشعب العربى فى ليبيا، وأنهم ليسوا بموظفين عند سيادته.
وأن كل فرد منهم يوم حرر استمارة طلب التحاقه بالكلية الحربية فقد كانوا يحررون فعليا استمارة بالاستعداد وكل الموافقة على الاستشهاد دفاعا عن الوطن. ولاؤهم الوحيد هو لله وللوطن والشعب.
سؤال يستحق الاجابة
وهناك سؤال يستحق أن يطرح ويستحق جهد الإجابة عنه.. لماذا تصور الرئيس السابق أن قواتنا المسلحة يمكنها أن تتحول عن واجبها الوحيد الذى هو الدفاع عن الوطن إلى قوة لحمايته وحماية نظامه؟ وأن تتحول إلى قوة لقمع الشعب؟
السبب فى زعمى بمعنى اليقين أنه مع طول فترة حكمه التى طالت ثلاثين عاما طوالا شدادا، ومع فيض الرياء والنفاق، الذى أحاطه به وزراء إعلامه ورؤساء تحرير الصحف المسماة قومية ومعهم كتلة الفاسدين، التى التحقت بالحزب المسمى بالوطنى الديمقراطى، وأصبحوا قيادات بهذا الحزب، وشغلوا بالتزوير مقاعد مجلس الشعب وبالتعيين وما شابه التعيين وشغلوا أيضا مجلس الشورى، فإن الرئيس السابق قد تحول إلى إقطاعى دكتاتور يمتلك شخصيا مصر كلها وأنها بأرضها وشعبها وجيشها هى من ممتلكاته الشخصية!
يبقى حاكما لها كما قال إلى آخر نبضة قلب! وتؤول من بعده إلى ورثته ويؤول حكمها إلى من اختارته السيدة الدكتورة الفاضلة حرمه، نجله جمال الذى سيصبح ويقدرون وتضحك الأقدار رئيسا للجمهورية وقائدا أعلى للقوات المسلحة رغم أنه متهرب من الجندية! فهو لم يؤد خدمة العلم بالقطع واليقين.
من اختار محمد حسني مبارك وجعله نائبا له وبعد حادث المنصة أصبح تلقائيا رئيسا للجمهورية! أزعم بمعنى اليقين أن الرئيس السادات بعد بحث واستقصاء اختار مبارك بعد أن تأكد أن كل طموحه أن يكون رئيسا لشركة مصر للطيران أو أن يعين سفيرا فى بلاد «الاكسلنسات» مثل بريطانيا حيث أسرة زوجته التى والدتها انجليزية وباقى الأسرة حتى الآن هناك. على يدالسادات تتلمذ مبارك.
فالسادات هو صاحب سياسة الانفتاح سداح مداح! والفساد تأسس فى عهد السادات. والسادات هو الذى أسس الحزب المسمى بالوطنى.
والسادات هو الذى بادر من تلقاء نفسه وبقراره وحده الذهاب إلى إسرائيل. وهو الذى تعهد بإخراج مصر من الوطن العربى.
وهو الذى عقد اتفاقيات كامب ديفيد التى ناب فى إحداها عن الشعب الفلسطينى، ووافق أن يبقوا تحت الاحتلال فى ظل حكم ذاتى! وفى الثانية تعهد بعقد معاهدة سلام مع إسرائيل. وفى العام التالى أوفى بعهده وعقد المعاهدة رغم معارضة وزير خارجيته وخبراء وزارة الخارجية.
تفوق الرئيس السابق على أستاذه
تفوق الرئيس السابق على أستاذه. وأمد إسرائيل بالغاز وعقد معها اتفاقية الكويز. وساهم بكل جهده لحصار غزة وأقام عليها سورا فولاذيا ساهم فى تحديد مواقعه وإعداد مواده سلاح المهندسين بالجيش الأمريكى!
ووضع بواسطة السيد عمر سليمان ورقة للمصالحة بين فتح وحماس وأضاف لها فقرة تجعل هذه المصالحة شبه مستحيلة وهو ما أرادته إسرائيل التى دانت له بالفضل على ذلك وعلى تعهدات لا يعرفها أحد ووصفته بكنز استراتيجى لإسرائيل!
بقيت مسألة شخصية أعتذر سلفا عن ذكرها فقد اتصل بى قارئ كريم لا أعرفه واتهمنى بأننى أركب موجة الثورة، واستأسد على مبارك بعد أن تنحى.
ولعلمه وتصحيحا لمعلومات الأخ العزيز الأستاذ سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب الناصرى فقد كنت أول من هاجم مبارك بالاسم على صفحات جريدة العربى فى عام 2002، وأول من هاجم التوريث فى صحيفة الحزب.
ويومها اتصل بى الأخ والصديق الأستاذ فهمى هويدى، وسألنى: إذا كنت قد كتبت بكل هذه الشجاعة فماذا تركت لنا؟.. وأعداد صحيفة العربى هى شاهدى وكذلك الأخ السناوى رئيس التحرير. ومع ذلك أشكر القارئ الكريم. فلولاه ما كتبت هذا المقال بعد أن قررت التوقف عن الكتابة لأسباب لا محل لذكرها.
المصدر
- مقال: مبارك.. تلميذ السادات الذى تفوق على أستاذه الشروق