ما يراد لنا وما نريده لأنفسنا

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ما يراد لنا وما نريده لأنفسنا ؟
زعملاء الدول العربية

الذي أعرفه تماماً أن أعداء الأمة العربية لم يمكِّنوا الدول العربية من التقارب بعضهم مع بعض، أو من التصافي والهدوء ونبذ العداوات، فضلاً عن الاتحاد أو التفكير السليم في شؤونهم الاجتماعية أو السياسية أو الاستراتيجية، وإذا أردنا الزيادة في الوضوح، فإن العرب أنفسهم لم يفكروا تفكيراً جدياً في ذلك ولم يريدوه فعلياً أو نفسياً، لأسباب كثيرة، منها غلبة المصالح الشخصية وعدم الوعي الكافي بالأخطار المحدقة بالأمة وعدم استغلال الطاقات القادرة في الأمة، بل لا أكون مبالغاً إذا قلت بل الرغبة في تهميشها وإزاحتها من طريق العمل الوطني والسياسي والإبداعي، ولهذا وقع العرب ضحية للصراعات العالمية، وصاروا سلعة تتبادلها القوى الخارجية، التي تناوبتهم استعماراً ومناطق نفوذ واستغلالاً للثروات.

وكان ينبغي أن يشعر العرب بما يصير إليه أمرهم وبما يدبَّـر لهم، خاصة بعد أن توقح القراصنة بإعلانه، بل والخصومة عليه والمزايدة بشأنه بين الأوروبيين والأمريكان والذي ظهر جلياً في التوتر عبر الأطلنطي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي طالما عارض سياسة الأمريكان تجاه العراق وإيران المسماة بالاحتواء المزدوج.

فالأوروبيون كانوا يرون إيران تتحرك للأفضل، وكانوا يرون استمرار الحوار والتجارة مع طهران، ولهذا كان الأوروبيون لا يريدون الانخراط في ضغط الولايات المتحدة الأمريكية السياسي والعسكري على إيران وعلى الدول العربية، مثل ليبيا والسودان والعراق، وغيرهم، وعندما فرضت الولايات المتحدة المقاطعة الكاملة على المنتجات الإيرانية عام 1995م، وأقر الكونجرس الأمريكي عام 1996م قانوناً يعاقب الشركات الأجنبية التي تستثمر في البترول الإيراني والليبي بلغت العلاقات الأوروبية الأمريكية أدنى معدلاتها في أكثر من عقدين، والتوتر بين الولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط ليس ظاهرة جديدة لأن مصالح كل منهما متعارضة منذ الخمسينيات منذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تحل محل بريطانيا وفرنسا كقوة خارجية مهيمنة على المنطقة، كما كان للمشكلة الفلسطينية اليهودية، والحروب العربية الإسرائيلية، وكذلك الاجتياح الإسرائيلي للبنان1982م وضرب الولايات المتحدة لليبيا 1986م دور في تعميق الصراع بين تلك القوى المتنافسة على المصالح في الشرق العربي، ومحاولة الهيمنة الأمريكية التي أطلق عليها "الشرطي الجديد" وحرَّفها بعض الغربيين إلى الشرطي "الرديء" جلبت للولايات المتحدة عداوات مكتومة بين فرنسا وكثير من دول أوروبا، كما نبهت بعضاً من الدول الكبرى التي كانت غافية إلى التحفز والاستعداد دفاعاً عن نفسها ومصالحها الحيوية مثل الصين والهند، ولهذا تحاول الولايات المتحدة أن تمنع دولاً كثيرة من فعل ما تريد، حتى لا تستغل مكانتها الدولية، ومن ثمَّ تهدد الولايات المتحدة في مصالحها العالمية فأخذت بنظام الهيمنة للقطب الواحد، فهيمنت على حلف الناتو، وهيمنت على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهيمنت على مقدرات الدول بدءاً بالغذاء والسلع الاستراتيجية وانتهاء بالسلاح والتقدم التقني والحربي، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن الكراهية والحقد المكبوت على أمريكا سينفجران يوماً، ولكن ماذا سيكون عليه الحال في أمتنا العربية، هل ستبحث عن مستعمر آخر وتظل تدور في فلك العمالة والاستعباد والقهر، أم تفقه اللعبة السياسية وتعي الرؤية الواقعية لحال الدول والشعوب وتعمل وهي ثلث العالم تعداداً أن تكون دولة عظمى من جديد؟.

إن مقاومة صراعات الهيمنة ممكنة إذا فهم الإنسان المسلم أصول العمل السياسي، وكان منفتح البصر والبصيرة، نابه العقل سليم الطوية، مخلصاً لبلده وأمته، ولقد استطاعت أمم كثيرة الإفلات من قبضة الدول الكبرى وهيمنتها واتجهت إلى البناء، والعمل والتقدم وامتلكت قرارها وإرادتها، وطبقاً لتصريحات مسؤولين أمريكيين، وأوروبيين كبار، فإن التشريعات الأمريكية بالعقوبات ضد الشركات الأوروبية التي تتعاون مع إيران لم تنفذ، وتسببت في إشكالات بين أمريكا والدول الأوروبية، واضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلي عن تلك العقوبات التي فرضتها ضد الشركات الأوروبية، وهو ما قاد إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بينهما.

إذن فهناك موازنات يحرص الجميع على بقائها سليمة بدون تمزق، من استطاع أن يعرف تلك التوازنات يتفادى كثيراً من الصدمات والإخفاقات، أما إذا ظلت أمتنا بلهاء خرقاء فإنها لا يحسب لها أي حساب.

وعلاقة الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني وميلها كل الميل معها وضربها بمصالح العرب وكرامتهم عرض الحائط، شيء مقزز وكارثي بكل المقاييس، وعدم تحرك العرب أو إحساسهم بهذا الهضم لحقوقهم شيء يدعو إلى التأمل، والتعجب رغم ما عندهم من أوراق كثيرة يمكن اللعب بها والمساومة عليها، فمثلاً أوراق البترول والغاز، وأثر ذلك في منظومة الاتحاد الأوروبي وتوجهاته نحو الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أوراق الاستيراد والسوق الشرق أوسطية الكبيرة التي يتهافت عليها الجميع، أوراق الخامات الأخرى الكثيرة في الوطن العربي، وتلك الأوراق المهمة هي التي جعلت أوروبا رغم عجز العرب أكثر تعاطفاً مع موقف الفلسطينيين والعرب، وأكثر انتقاداً للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية 1969م، وأكثر رغبة في إرساء علاقات متينة مع جيران الكيان الصهيوني من العرب.

فكيف لو اتحد العرب واستطاعوا التوجه نحو مصالحهم، وكان لهم أهداف واضحة، يحبون ويعادون، ويوادون ويخاصمون عليها، وكيف لو استغلوا تلك العداوة المدفونة بين تلك القوى وأذكوا أوارها، وكيف لو استعملوا ما عندهم من أوراق، أكان يفعل بهم ما يفعل اليوم، ويتجرأ عليهم القاصي والداني، ويقهرون لصالح أعدائهم ولا عزاء، وإلى متى يُراد لأمتنا أن تنام كالميت، ولا تتكلم كالأبكم، ولا تبصر كالأعمى، أو تعقل كالأبله.

يا قوم لا تتكلموا

ناموا ولا تستيقظوا

من شاء منكم أن يعيش

فليمس لا سمع ولا

لا يستحق كرامة

وأظن أن هذا سيزول قريباً، ولن يدوم طويلاً لأن اليقظة قد امتدت والمارد قد تحرك والفجر قد لاح وسيفرح المؤمنون بنصر الله.


المصدر : مجلة المجتمع عدد1417 - 08/12/2000