ماذا جرى بين النقراشي والإخوان في عرض القضية المصرية على مجلس الأمن؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ماذا جرى بين النقراشي والإخوان في عرض القضية المصرية على مجلس الأمن؟


مقدمة

لقد كانت القضية المصرية هى الشغل الشاغل للإخوان المسلمين والتى كانت جزء من تربيتهم، فسلكوا كل السبل الشريف لنيل حرية وادي النيل وشعبها، رغم ما واجهوه من عنت من الحكومات المتعاقبة والتي كان لا يهمها سوى الكرسي حتى ولو على حساب القضية، ومع ذلك أعطى الإخوان المسلمين رؤساء الوزراء المتعاقبين الفرص لكي ينجزوا من أجل مصر لكن الجميع كان لا يستطيع رفع رأسه أمام الإنجليز، وظل الوضع كذلك حتى جاء وزارة النقراشي الثانية فأرسل له حسن البنا بخطاب جاء فيه:

من الإخوان إلى رئيس الحكومة ضرورة قطع المفاوضات والالتجاء إلى مجلس الأمن

حضرة صاحب الدولة محمود فهمى النقراشي باشا ... رئيس الحكومة المصرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد: فقد وصل الموقف فى الداخل والخارج إلى الحال التى تعلمونها دولتكم من الضيق والحرج، وأصبح من الحتم اللازم على كل غيور على مصلحة هذا البلد أن ينسى نفسه وحزبه ويذكر شيئا واحدا هو خير هذا الوطن والعمل السريع الحازم لعلاج هذا الحال.

تصرفات الإنجليز

كل تصرفات الإنجليز -يا باشا- فى لندن وفى السودان وفى أى مكان تدل على أنهم لا يريدون أن يسيروا مع المطالب المصرية خطوة واحدة إلى الحق، فهذه التصريحات المتوالية من رئيس الحكومة البريطانية ومن حاكم السودان العام، وهذه التصرفات العملية من إقصاء الموظفين المصريين، والاستئثار بكل شىء دون حكومة مصر فى جنوب الوادى، وهذا التحدى كل يوم بقول جديد وعمل جديد، كل هذه أدلة متوالية صريحة سافرة لا تقبل جدلا ولا تأويلا على أن القوم قد نفضوا أيديهم من الصداقة المزعومة والمجاملة الموهومة، وآثروا أن يفرضوا ما يريدون فرضا بالنهر أو بالغدر ولن يستطيعوا بإذن الله.

قلق وعمل

وكل شىء فى الداخل مظهر سافر واضح من مظاهر القلق والألم والأسى والأسف والحزن والضيق، هذه المعاهد المعطلة وهذه الحريات المكبلة، وهذا الرعب تمتلئ به الصدور، وهذا الحذر من الحاكم والمحكوم، وهذه القوات من البوليس السرى والعلنى نراها فى كل مكان تبعث الرهبة والريبة فى كل جو، ولا يمكن أن تعيش فى هذا الوضع أمة مهما كان صبرها طويلا، ومهما كان صدرها واسعا وحلمها عظيما، والضغط يولد الانفجار.

لابد إذن من عمل شىء، والسبيل أمامنا والحمد لله مهيأة، والوسائل ممهدة ولا ينقصنا إلا الحزم والإقدام، فإلى الأمام.

فشل المفاوضات

أعلن -يا دولة الباشا- فشل المفاوضات، واقطعها فى عزة وكرامة، صارح البريطانيين بأنهم أحوج إلى صداقتنا منا إلى صداقتهم، وأننا نعرف الوسائل التى ننال بها حقوقنا كاملة غير منقوصة وأننا لم نؤثر سبيل المفاوضات إلا إقامة للحجة وإيثاراً للمسالمة وإعذارا إلى الله والناس.

الجلاء

ثم اطلب إلى الإنجليز جلاء قواتهم عن أرض الوادى فلا يليق بدولة عضو فى هيئة الأمم المتحدة، أن تحتل قواتها أرض دولة أخرى هى عضو فى الهيئة كذلك، كما هو نص القرار، وإلا كان وجودهم عدوانا مسلحا على سيادة الوطن، وخروجا على ميثاق هيئة الأمم، وتهديدا للأمن والسلام فى الشرق الأوسط.

إلى الهيئات الدولية

فإن لم يفعلوا فتقدم بقضية الوطن إلى مجلس الأمن وإلى محكمة العدل وإلى كل مجمع دولى تأنس فيه ميلا إلى الإنصاف، ونفورا من الظلم والعدوان بعد الدراسة الكاملة، والتمحيص الواسع، والتنظيم الدقيق، ورعاية كل الظروف والملابسات و...

الحريات

ثم أطلق الحريات كاملة ولا تخش شيئا يا باشا ولا تخف على الأمن والنظام، فإنك لن تجد شعبا يقدر الأمن ويحب النظام ويعين بالطاعة كهذا الشعب المصرى الذى لا يعرف أن يحيا إلا فى ظل النظام والطاعة..

دعوة إلى الوحدة

ثم وجه الدعوة إلى مواطنيك فى جنوب الوادى وشماله فى برنامج شامل مفصل يوضح غايتك ووسيلتك لتحقيق المطالب التى أجمعت عليها البلاد (الجلاء الناجز عن الوادى كله والحرص التام على وحدته)، وادع الأمة جميعا إلى أن تكون معك على ذلك، وإلى أن تتألف من هيئاتها وأحزابها وجماعاتها ومفكريها جبهة قومية سودانية مصرية واحدة تتعهد الشعور الوطنى وتسدده إلى الخير وتقف به عن العدوان، وتنظم الدعاية الشعبية فى الداخل والخارج، فتعمل الحكومة بوسيلتها الرسمية وتعمل تلك الجبهة القومية إلى جانبها بوسائلها الشعبية، والجميع يرمون عن قوس واحدة ويهدفون إلى غرض قائم واحد معروف مقدس عزيز.

ولا تستبعد هذا -يا باشا- ولا تظنه من الخيال، فقد رأيت وسمعت ولمست وأحسست استعداد الجميع العظيم لمثل هذا، معارضين، ومؤيدين، على أثر بيانك بمجلس النواب، فإذا خطوت بعد هذه الخطوة العملية فسيكون الجميع معك لا بمجرد التصفيق والاستحسان ولكن بالقول والعمل واللسان والسنان، ولا يتخلف عنك فى ذلك إلا من فى قلبه مرض فيخسر نفسه وجهاده وماضيه ويظل مع الخوالف.

وثق -يا باشا- بأنه لن يكون معك شعب وادى النيل وحده، ولكن سيكون معك سبعون مليونا من العرب يؤازرهم ويمدهم ثلاثمائة مليون من المسلمين تخفق قلوبهم لمصر، وتتحرك مشاعرهم وعواطفهم لمشاعرها وتسكن بسكونها، وليس ذلك بقليل..

أمة قوية

دعنى أصارحك يا باشا- وأنت لا شك عليم- بأن الأمة ليست اليوم كما كانت بالأمس، فقد امتلأت أفئدتها بشعور جياش فياض قوى، وأصبح الوعى الوطنى اليوم تام الاكتمال، قوى الأثر، والشعور والوعى قوة أية قوة، بل هما عدة الشعوب المجاهدة وسلاح الأمم المناضلة.

كما أتاح الله لهذه الأمة من رجالها وهيئاتها من جمع كلمتها الشعبية فى تشكيل منظم مرتب، وفى وحدات مؤمنة باذلة، والتجميع والتنسيق والنظام الدقيق قوة أخرى. ولاشك- قوة تسرع إلى الخير، وقوة تحول دون الشر فالزمام أبدا معقود ولن يفلت بإذن الله.

يا دولة الباشا: لقد تقدمت لدولتك بمثل هذه النصيحة من قبل منذ عام مضى، وهأنا ذا أتقدم بها اليوم، وأعتقد أنى بذلك قد أبرأت ذمتى وأديت أمانتى، والوقت من ذهب، فسر على بركة الله والله معك، وأقدم ولا تتردد، فتفلت الفرصة السانحة، وتعود من جديد إلى التجارب القاسية، وتستبين النصح ضحى الغد حيث لا يفيد ولا ينفع، ألا قد بلغت اللهم فاشهد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

12 صفر سنة 1366

المخلص: حسن البنا

المرشد العام لهيئة الإخوان المسلمين

هذا هو نص الخطاب الذي تقدم به الإخوان للنقراشي باشا بعد تسلمه مقاليد الحكم بأقل من شهر ويلاحظ فيه القارئ عدا الخطة المفصلة المقترحة ؛ بث روح الاطمئنان في نفسه إلي أن الإخوان سيكونون بجانبه ومن ورائه وأن تنظيماتهم الشعبية قادرة علي النهوض بأعباء الجهاد ضد المستعمر إذا ما ارتضت الحكومة سلوك سبيل الجهاد ، وهذا لعمري هو نكران الذات حقًا أمام رجل لم يمض علي اعتدائه علي الشعب وعلي الإخوان بالذات إلا عام واحد .. بل يبدو أن بعض الطلبة أرادوا أن يبثوا الرعب في نفوس الإنجليز حتى يرغموهم علي التفاهم مع هذه الحكومة بأن انتهزوا أعياد الميلاد يوم 25 ديسمبر فانفجرت خمس قنابل في الاتحاد المصري الإنجليز وخلف باركاليفورنيا في شارع توفيق وفي شارع جلال وفي شارع الملكة فريدة وعلي سيارة تاكسي كان يركبها الجنود الإنجليز أمام مدرسة بغمرة وهذه هي الأماكن التي يأوي إليها الجنود والضباط الإنجليز – علي أن أحدًا لم يصب.

ولنا أن نقف على ما حدث بين الحكومة والإخوان والوطنيين لنعرف من ضيع القضية المصرية

1 – بعد توجيه الإخوان خطابهم إلي النقراشي وإصدارهم بيانًا إلي الشعب بنفس المعني أعلن النقراشي أنه قرر قطع المفاوضات مع الإنجليز وعرض القضية علي مجلس الأمن ، ومعني هذا أنه نابذ الإنجليز بالعداء .

2 – بعد سقوط وزارة صدقي عشية حصوله علي ثقة شبه إجماعية من مجلس النواب ثبت للنقراشي باشا ولغيره أن اعتماد الحاكم في مصر لتثبيت مركزه وتأمين خطواته علي تأييد هذا المجلس لم يعهد كافيًا وأنه لابد من الاستناد إلي قوة شعبية حقيقية ، ولما كان من المستحيل أن يحظي من الوفد بتأييد فلا مناص من اللجوء إلي الإخوان .

3 – أعلن الإخوان تأييدهم لهذه الحكومة بعد أن أعلنت استجابتها لمطالب البلاد – ومعني تأييد هيئة شعبية لحكومة كان يأمل المستعمر من وراء ضعفها الحصول علي مكاسب له أن يحاول الدس بين الحكومة وبين هذه الهيئة حتى ينفرد بالحكومة وحدها فيمل عليها ما يشاء .

وكان الإخوان حريصين علي أن لا يتيحوا الفرصة للمستعمر ، ولكن المستعمر لجأ إلي أساليب حقيرة – مستغلا الصيغة الدينية للإخوان – فسلط بعض صنائعه من المصريين فهاجموا بعض الكنائس والمعابد . وقد ظهر أثر ذلك في مقال نشرته جريدة فيلادلفيا تربيبون في 25-5-47 تعرضت فيه الإخوان المسلمين بقولها " إن عدم الاستقرار في مصر لا يرجع كله إلي الحمية الوطنية بين المصريين أنفسهم ، فهناك علي سبيل المثال ما يسمونه جمعية الإخوان المسلمين وهي التي غدت مسئولة عن عدد من الحوادث التي وقعت في مصر أخيرًا . إن نشاط هذه الجمعية في صالح الإسلام أكثر منه في صالح المصريين ، وصد المسيحية أكثر منه ضد البريطانيين ؛ وهذا يفسر الهجوم الذي وقع أخيرًا علي كنيسة قبطية والهجوم والذي وقع منذ عام مضي علي الكاتدرائية البريطانية في القاهرة وعلي معابد اليهود والكنائس اليونانية في الإسكندرية .. لقد بدأت هذه الحوادث تظاهرات سياسية وانتهت كمظاهرات العنف يقوم بها المتعصبون المسلمون والدولة التي تراقب هذه التطورات باهتمام . وتعتبر الدولة التي تستفيد من ذلك هي روسيا فإذا استطاعت أن تثير الدول العربية ضد الدول المؤمنة ذات المبادئ التي لا تشتري ضمائرها في سوق النفاق والشهوات . وقد ثبت أن الهجوم علي الكنائس من تدبير الإنجليز .

4 – علم الإخوان كما علم غيرهم أن هذه الحكومة بالذات هي أضعف من أن تقوم بأعباء مواجهة الإنجليز لأن رئيسها النقراشي يحمل إصر تأييده المفاوضات القديمة واشتراكه واشتراك حزبه وخطابه المشهور الذي تحدي فيه طوائف الشعب كله بتأييده بكل قوة . مشروع صدقي – بيفن في الجلسة السرية لمجلس النواب فعمل الإخوان علي تكوين جبهة من جميع الهيئات المصرية المحايدة ضمت الشبان المسلمين ومصر الفتاة والحزب الوطني والكتلة وحزب الفلاح وحزب العمال وانضم إليها السعديون الأحرار كما ضمت الشخصيات المستقلة . وكانت مهمة هذه الجبهة هي العمل علي وحدة الصفوف في مواجهة الإنجليز . وقد بذلت هذه الجبهة أقصي ما استطاعت من جهد ولكن نتيجتها قد أجملها صالح حرب باشا في بيان أذاعه يوم 24-3-1947 جاء فيه :

" إن شباب الأمة فوضني في محاولة توحيد الصفوف فقمت بمقابلة الجهات المختلفة وتبين أنها ثلاث جهات :

1 – معسكر الحكومة ويتكون من حزبي الأحرار والسعديين .
2 – معسكر الوفد .
3 – معسكر الأحزاب والهيئات الأخرى (وهي التي تتكون منها الجبهة التي فوضته) .

فالمعسكر الثالث رحب بالتوحيد ، ولكن المعسكر الأول رفض حل مجلس النواب الحالي في الوقت الذي اشترط فيه المعسكر الثاني حل مجلس النواب الحالي . فشلت هذه الجبهة في مساعيها وظل النقراشي علي تمسكه بأن يواجه الإنجليز وحده ، فدارت مناقشات واجهه بعض أعضاء مجلس الشيوخ في أثنائها بمواطن الضعف في مواقف السابقة مما يضعف حجته أمام خصوم البلاد ، فأصر علي رأيه ... حتى الموظفون الأخصائيون واجهوه بمثل ذلك فعندما أبلغ النقراشي باشا محمود حسن باشا سفير مصر في الولايات المتحدة باعتزامه تقديم القضية إلي التحكيم نصح السفير بأن تكون الهيئة التي تتولي ذلك ممثلة للرأي العام المصري بأجمعه . ولكن النقراشي أصر علي رأيه .. وحينئذ رأي الإخوان أنهم أمام أمرين أحدهما مر إما أن يعملوا علي إسقاط النقراشي وفي هذا إضاعة للوقت الثمين وللجهد الوطني المخلص وفي هذا مواجهة مباشرة للملك الذي أبدي إصرارًا علي التمسك بهذا البرلمان وما يتفرع عنه من حكومات هزيلة ... وستتحول المعركة من مواجهة المستعمر إلي مواجهات داخلية وهو ما يتمناه المستعمر .. وإما أن يؤيدوا النقراشي بعد أن قيد نفسه بتصريحات رسمية أنه سيفتح صفحة جديدة في مواجهة المستعمر .. واختار الإخوان أمرًا اعتبروه أخف الأضرار .

4 – كان أمل الإخوان كما كان أمل كل مصري أن ينجز النقراشي وعده فينبذ إلي الإنجليز علي سواء وفي أقرب فرصة ولكن الذي حدث أنه ظل يؤجل المواجهة يومًا بعد يوم بحجج مختلفة حتى قوت علي البلاد بهذا التأجيل المصطنع ثمانية أشهر ، استطاع الإنجليز في خلالها تكوين جبهة من السودانيين مناهضة لمصر برياسة المهدي وتطالب بالاستقلال عن مصر ، وطرد حاكم السودان في خلالها قاضي قضاة السودان المصري وأبدله بسوداني عينه هو كما طرد مدير التعليم المصري أيضًا ، فجعل ذلك مهمتنا في المطالبة بوحدة وادي النيل أمرًا صعبًا ؛ ولو أن النقراشي أخذ بنصيحة فأعلن إلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقية سنة 1899 الخاصة بالسودان لما استطاع الإنجليز ولما وجدوا الفرصة لفعل ما فعلوا في السودان ولكان موقفهم موقف الدافع عن نفسه لا موقف المهاجم .

5 – في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة أنها تتأهب لمهاجمة الإنجليز ودمغهم بالاعتداء ويقوم الإخوان بتعبئة الشعور الشعبي لهذه الخطوة :

  1. (أ) فيطبعون كتابًا عنوانه " إلي الشهداء الأبرياء " تقوم هذه الحكومة بمهاجمة دار الإخوان ومصادرة النسخ التي طبعت من هذا الكتاب .
  1. (ب) القنابل التي ألقاها بعض الطلبة في ليلة عيد الميلاد علي الأماكن التي يتردد عليها الإنجليز والتي أشرنا إليها من قبل والتي ألقيت محكمة بحيث تخيف الإنجليز دون أن تقتل أحدًا ، تلقي الحكومة القبض علي الطالبين حسين عبد السميع ومحمود نفيس وتقدمهما إلي محكمة الجنايات كأنهما مجرمان .
  1. (ج) يقوم جوالة الإخوان باستعراض في القاهرة لبعث الروح في الشعب في 30-6-47 فيقوم بوليس الحكومة بمهاجمتهم ويحاول منعهم عن مواصلة الاستعراض حتى تقوم بينهم وبين البوليس معركة .

6 – عند عرض القضية علي مجلس الأمن وإصرار النقراشي علي أن يكون هو وحده وحزبه ممثل مصر فيها يقع ما كان محذورًا ؛ فقد كان الأساس الذي بني عليه عرض القضية علي هذا المجلس هو قطع المفاوضات لفشلها ، وكان لابد أن يذكر النقراشي ذلك في بيانه أمام المجلس . فكان السير الكسندر كادوجان مندوب بريطانيا في المجلس يقذف في وجه النقراشي بالحجة وهي أن النقراشي نفسه هو الذي أيد مواصلة المفاوضات ووافق علي مشروع صدقي – بيفن ... وبذلك انهار دفاع النقراشي كله حيث انهار أساسه وفشلت القضية أمام المجلس .

7 – لم تقصر الأمة من جانبها في مساندة هذه الحكومة بالأستاذ أحمد حسين رئيس مصر الفتاة سافر إلي الولايات المتحدة قبل عرض القضية بفترة طويلة وأخذ يشرح جوانبها للشعب الأمريكي – وفي أثناء عرض القضية علي مجلس الأمن قام الأخ الأستاذ مصطفي مؤمن مندوبًات عن شباب الإخوان بعمل جرئ لإثارة العالم بقضية مصر – ونثبت نص ما جاء بالصحف ووكالات الأنباء عن هذا العمل فيما يلي : " نيويورك في 22-8-1947 :

في جلسة مجلس الأمن بعد الظهر افتتحت الجلسة في موعدها ، ولكن حادثًا لم يسبق له مثيل في تاريخ المجلس وقع في مستهلها ؛ فإن الأستاذ مصطفي مؤمن ما كاد يري النقراشي باشا يحتل مكانه المعتاد ليلقي بيانه حتى خرج من مكان المتفرجين إلي مكان الأعضاء والسكرتيرين فحدثت ضجة بين الأعضاء ، فطلب الرئيس منه أن يلزم النظام ثم دعا الحراس لإخراجه من قاعة المجلس .. وكان الأستاذ مؤمن يلبس الطربوش كعادته . وقد علمت أن الأستاذ مؤمن كان يريد أن يخطب في أعضاء المجلس باسم الشعب المصري ، وجاء في الكلمة التي استطاع إلقاءها ما يلي :

سيدي الرئيس

أتقدم إليكم باسم جميع شعوب الشرق الأوسط وبالنيابة عن الإخوان المسلمين .. نحن نطلب أن تعامل قضيتنا بالعدالة التي أصبحت جديرة بها ، فإذا لم يحدث ذلك فإن ألوفاً من الناس سيبذلون حياتهم رخيصة في الكفاح من أجل حرية بلادهم .. ثم قال وهو يلوح بأوراق معه : " ونحن نطلب الحرية " – ولكن حارسين مع نائب رئيس ضباط الأمن أخرجوه . ولكنه ظل يخطب بصوت عال حتى خرج ... فساد الذهول أعضاء المجلس ليذكر أعضاءه بالحقوق المهضومة التي يسكتون علي هضمها .

وبعد أن خرج الأستاذ مؤمن من الجلسة تبعه بعض مندوبي الصحف إلي قاعة الصحافة الواقعة خلف قاعة مجلس الأمن مباشرة – وقد تأثر الأعضاء لقول مؤمن : إن ثورة ستجتاح وادي النيل بدون ريب إذا حدثت مفاوضات ، وإن النذير قد بدأ اليوم في حوادث القاهرة وأنه يريد أن يعلن ذلك علي العالم كله .. وقال ..

" أيها السادة أريد أن أكرر عليكم ما أبلغته لمجلس الأمن قبل مناقشة المسألة المصرية اليوم ، فإني أعلن أولا أن استئناف المفاوضات سيلقي مقاومة شعب وادي النيل بأسره ، وأعلن ثانيًا أن فسم عري وحدة وادي النيل ستضر السلام العالمي . وأعلن ثالثًا أن سياسة الدول الكبرى التي تسعي إلي مصالحها الاستعمارية دون النظر إلي الأمم المهضومة الحقوق ستدفع هذه الهيئة إلي الصبر نفسه الذي اندفعت إليه هيئة الأمم ؛ أي الموت والاندثار من عالم الوجود .. وقد تلقيت من القاهرة اليوم وثيقة كتبها شباب مصر بدمهم ، وهو يعربون فيها عن الرأي الذي أبديته لكم الآن تمامًا . وما يجمع شعب وادي النيل عليه هو تطهير جبين البلاد من وصمة الاحتلال البريطاني فورًا ، وإنهاء الحكم التعسفي الذي أقاموه لأغراضهم الخاصة في السودان " .

8 – في نفس يوم اجتماع مجلس الأمن لنظر قضية مصر – وكان يوم جمعة – دعا الإخوان الهيئات الوطنية والشعب لإعلان تضامنه مع الحكومة في مطالبتها بحقوق البلاد . فخرجت مظاهرة ضخمة من الجامع الأزهر وأمامها علم الإخوان المسلمين تهتف بمطالب البلاد .. فإذا ببوليس الحكومة يهاجمها مهاجمة وحشية فأصيب الأستاذ المرشد بعدة ضربات في وجهه وفي أحد أصابعه ... وقد أخبرني الأخ الأستاذ محمود صبري وكان حاضرًا في هذه المظاهرة أنه لما جرح إصبع الأستاذ المرشد وسال منه الدم نظر إليه وتمثل بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم في مثل هذا الموقف وقال :

هــل أنت إلا إصبـع دميت

وفي سبيـل الله مـا لقيـت

وكان يتمثل بهذه الكلمات الكريمة حين اجتمعوا بعد المظاهرة في بهو الاستقبال وقد أخذوا يضمدون له جراحه .

كما أخبرني الأستاذ محمود – وكان بجانب الأستاذ المرشد طيلة فترة هذه المظاهرة – أنه لاحظ – كما لاحظ الأستاذ المرشد نفسه – أن تصرف رجال البوليس في ذلك اليوم كان يشعر بأن هناك خطة مرسومة لاصطياد الأستاذ المرشد منفردًا للتخلص منه ... ذلك أن قوات البوليس حاصرت الأزهر وكانت تعمل علي تفريق من يخرجون منه وتشتيتهم أولا بأول حتى إذا خرج الأستاذ المرشد اصطادوه وحده ... وكان الأستاذ آخر من خرج من المسجد وكأنهم ظفروا بما أرادوا فحاصروه بالقوة كلها راكبة الخيل وهو منفرد .. وهنا تصرف الأستاذ المرشد تصرفاً مذهلا إذ اختطف عصًا من أحد أفراد القوة وأخذ يضرب بها كل حصان علي أنفه فيرفع الحصان رجليه الخلفيتين فيهوي الجندي الذي يمتطيه علي الأرض وبذلك تمكن من إسقاط أفراد القوة كلها ، وكان الإخوان قد لحقوا به في خلال هذه المنازلة البارعة والتفوا حوله وعادوا به إلي المركز العام وقد نجاه الله من الموت محقق كان مدبرًا له في ذلك اليوم والله غالب علي أمره .

وقد توفي في تلك المظاهرة ثلاثة رجال وكان أحدهم الأخ الشهيد محمد عبد الرحيم الأنصاري من عمال السكة الحديد .. وقد أخبرني الأخ الأستاذ محمود الجوهري أيضا قال : كنا نستعد للتجمع لهذه المظاهرة وكانت وقفتي بجانب الأخ محمد عبد الرحيم وهو مسند ظهره إلي سور مدرسة المحمدية بشارع أحمد عمر قريبًا من المركز العام وكان في زيه المعروف به وهو الجلباب الأبيض والعمامة البيضاء الكبيرة وسمعته يقول قولة لا أنساها " إنني أشم اليوم رائحة الجنة " وأذكر أن الأخ الأستاذ لبيب البوهي قد أخرج قصة باسمه في ذلك الوقت . وقد رأيت بإيراد هذه اللمحات أن يتبين القارئ في ضوئها صورة للمواقف ومدي البون الشاسع بين الأم الثكل والنائحة المستأجرة . ولم يفت الأستاذ المرشد في خلال هذا الإجراء الغاشم من البوليس أن يعتب علي اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة ...

وفي نفس اليوم قامت مظاهرات في طنطا وبورسعيد والإسكندرية ... وكانت هذه المظاهرات من الضخامة بحيث هزت أبناؤها أرجاء العالم حتى إن مراسل جريدة المصري في نيويورك أرسل إلي جريدته يقول : تلقت نيويورك قبل ظهر اليوم أنباء المظاهرات ثم وقعت في القاهرة ، وانتشرت هذه الأنباء بسرعة عظيمة هنا في نيويورك ، وكان لها أثر قوي علي الجميع – ولم يشأ أعضاء الوفود المختلفة أن يعلقوا بشيء .. وقد أعرب كثيرون في ليك سكسس عن أسفهم لإصابة كثيرين في خلال المظاهرات ... وقد عاق السير والترسمارت علي هذه الأنباء بقوله : إنه يخشي أن تكون الحالة قد تطورت فأصبحت خطيرة للغاية . ومع هذا التناقض المزري في مواقف الحكومة إذ تهاجم مظاهرات قامت لتأييدها وتقوية مركزها في مجلس الأمن فإن الإخوان لم ينثنوا عن مواصلة تأييد الحكومة إذ تم اجتماع بين الإخوان والهيئات الوطنية وبين خشية باشا نائب رئيس الوزراء وسويت المسألة وقرروا الإضراب يوم 26-8 استنكارًا لمعاهدة سنة 1936 .

9 – يحار المرء أمام تصرفات النقراشي باشا التي تدل علي أنه كان جادًا يوم أعلن في مجلس النواب أنه سيهاجم الإنجليز ويصمهم بالاعتداء ، فلا شك علي سبيل المثال أن العمل الجريء الذي قام به مصطفي مؤمن في مجلس الأمن كان أعظم أثرًا وأجدي نفعًا للقضية المصرية من ألف خطية كالتي ألقاها النقراشي في هذا المجلس فلقد لفت أنظار العالم كله إلي مظالم الإنجليز واعتدائهم علي حرية الشعب المصري بطريقة عملية مثيرة لاسيما وقد شفعت بمظاهرات ضخمة في القاهرة هزت مشاعر العالم ... وكان أدني ما ينتظر من رئيس وزراء مصر أن يحتضن هذا الشباب في شخص مصطفي مؤمن ومن معه ويشيد بهم .. فانظر ماذا فعل هذا الرجل :

الذي جاء بالصحف في ذلك الوقت وقرأناه ولازال مسجلا فيها إلي اليوم هو أن الأستاذ أحمد كامل قطب شابًا وطنيًا وكان محاميًا ورئيسًا لحزب الفلاح .. وسافر هو الآخر إلي نيويورك ليشارك في الجهود الشعبية من أجل القضية ، فلما قام مصطفي مؤمن بحركته وألقي الكلمات التي أشرنا إليها قبلا وأخرجوه من قاعة المجلس ، قام الأستاذ أحمد كامل قطب بمثل الدور الذي قان به مصطفي مؤمن فأخرجوه أيضًا .. ويبدو أن مفاجأة مصطفي مؤمن لم تدع فرصة للنقراشي ليفكر ويكون رأيا فيما حدث فلما قام أحمد كامل قطب بنفس الدور كان النقراشي قد كون رأيًا فاتجه إلي أحمد قطب وقال له أمام الجميع : اخرج يا مجرم . وقد عز علي الأستاذ أحمد كامل قطب أن يرميه وزراء مصر بالإجرام واعتقد أنها مجرد زلة لسان فقابله في اليوم التالي أمام وفد مصر وعتب عليه فيما صدر منه إليه وقال له يا دولة الباشا إن العمل الذي قمت به هو جهاد شريف لتأييدك وتأييد قضية البلاد وما كان ينبغي أن ترميني من أجله بالإجرام فرد النقراشي باشا قائلا : إنك بالعمل الذي قمت به أمس فأنت مجرم فما كان من الشاب المجاهد إلا أن قال للنقراشي : إذا كان أحد مجرمًا إذن فالمجرم أنت . وتركه وانصرف .

أما تصرف النقراشي باشا إزاء مصطفي مؤمن فقد كنت علي علم به في تلك الأيام ولكني قد حملته يوم بلغني علي محمل المبالغة وكنت عازمًا علي إغفال ذكره في هذه المذكرات لهذا السبب ، ولكن شاءت الأقدار أن تحمي الظروف بزميل في العمل لا علاقة له بالإخوان المسلمين ولا بالسياسة ولكنه يرتبط برباط القرابة مع المرحوم الأستاذ عثمان عبيد الذي كان في ذلك الوقت قنصلا لمصر في نيويورك ، وفي معرض حديثه عن خلق قريبه وشجاعته قال لي إنه رحمه الله حدثه أنه بعد الانتهاء من عرض القضية علي مجلس الأمن جاءه الطالب مصطفي مؤمن الذي استطاع أن يجتذب انتباه العالم إلي مصر وإلي قضية مصر وشكا إليه أنه انفق كل ما كان معه من نقود وأنه يريد أن يرجع إلي مصر وطلب إليه أن تتكفل القنصلية بمصاريف سفره ، قال الأستاذ عثمان فوافقت لأن التعليمات تقضي بذلك .. قال الأستاذ عثمان فلما علم النقراشي باشا بذلك استدعاني وعنفني علي موافقتي علي ترحيل مصطفي مؤمن علي نفقة القنصلية ، فبهت لهذه المفاجأة لأنني كنت أعتقد أن مصطفي مؤمن بما أداه من خدمة للقضية سيكون موضع تكريم من الحكومة ورئيسها ... فسألته عما يريدني أن أفعله . فقال : ارفض ترحيله علي نفقة القنصلية . فقلت له : وكيف أرفض والتعليمات عندي تلزمني بالموافقة ؟ قال : أنا رئيس الحكومة وأنا آمرك . فقلت له : إذا كان الأمر كذلك فلابد من أمر كتابي .. فلما أحس بأنني أفحمته تقهقر .

10- أصدر مجلس الأمن قرارًا بتأجيل قضية مصر إلي أجل غير مسمي ، ورجع النقراشي إلي مصر وكان الجميع ينتظرون منه حين يرجع أحد موقفين إما أن يقود الشعب المهيأ تمام التهيئة للنضال ضد الإنجليز وإما أن يقدم استقالته .. ولكنه رجع واتخذ موقفًا آخر غير هذين هو موقف السكوت المطبق . وقد طال سكوته حتى أسأم أهل مصر جميعًا وأهل وادي النيل وكاد يبعث في نفوسهم اليأس وإليك نموذجًا من البيانات التي صدرت من الهيئات المختلفة معبرة عن هذا المعني وهذا البيان صادر من حزب مصر الفتاة يقول :

" إن دولة النقراشي باشا خيب آمال البلاد منذ عودته من أمريكا فقد لاذ بالصمت المطلق ، ولم يحاول أن يوجه البلاد أو يقودها نحو تحقيق أهدافها . ثم توالت الحوادث في الخارج والداخل فراح حاكم السودان يفاجئ الحكومة بتصرف جديد كل يوم جاهدًا في العمل علي فصل السودان نهائيًا ولم تفعل الحكومة المصرية شيئًا بل ولم تقل شيئًا . وليس هناك ما يكشف عن عجز الحكومة كأزمة ضباط البوليس (قاموا بإضراب) واختتم البيان بأنه يجب علي الحكومة أن تفسح الطريق لحكومة أخري تكون أكثر قدرة منها علي التعاون مع الشعب وحل مشكلاته وأزماته بروح جديدة وعزم جديد " .

وإذا كان هذا نموذجاً يمثل رأي الهيئات الشعبية في موقف هذه الحكومة وقد صدر في 20 أكتوبر وهو حزب الأحرار الدستوريين قد استبد به الضجر فعقد اجتماعًا في 16 ديسمبر سنة 1947 ووقف رئيسه الدكتور هيكل يصف موقف الحكومة من القضية بأنه " سبات عميق " وقد نشر ذلك في الصحف في ذلك اليوم . ونورد نموذجًا آخر يمثل رأي المستقلين من ذوي الفكر فيما جاء في كلمة ألقاها في مجلس الشيوخ في 13-1-1948 وهيب دوس بك عضو المجلس حيث قال " إن الذي تشعر به البلاد ويشعر به الناس جميعًا هو أن رئيس الوزراء يلوذ بالصمت دائمًا في كل أمر يطلب إليه بيانه ، وهذا ما يجب أن يوضع له حد " ثم قال : أما وقد ذهب وفد مصر إلي مجلس الأمن وعاد فقد كان مفروضًا أن الحكومة قد أعدت عدتها لمواجهة حالتي النجاح والفشل ، وبقاء القضية معلقة في المجلس ليس هو النجاح الذي ذهب وفد مصر إلي ذلك المجلس من أجله ، فكل ما فيه أن المجلس لم يحكم برفض الدعوى ، فماذا أعدت الحكومة لذلك ؟ وقد ثبت أن الخطوات التي خطتها لم تفد البلد شيئًا علي الأقل ويجب أن لا يبقي الأمر علي طريقة عدم كشف الأوراق ، بل يجب أن تعرف البلاد حقيقة الموقف فإذا كانت الحكومة أعدت خطة معينة أزمعت تنفيذها فعليها أن تصارح البلاد بها .

واستطرد فقال : إن المندوب البريطاني في مجلس الأمن واجه وفد مصر هذا المجلس غير مختص إلا بنظر الحالات التي تهدد الأمن العالمي . وتساءل كيف فات الحكومة ذلك فظلت الحالة علي ما يرام وظل الإنجليز علي قناة السويس لا يعكر صفوهم معكر ، علي أن الأمن لا يهدد إلا إذا كانت مصر تنوي أن تعمل عملا . ورأي أن السكوت علي تصرفات حاكم السودان إنما هو تكملة للعبارة التي قالها المرحوم سعد زغلول باشا حين قال : " هل عندكم تجريدة ؟ " وتساءل علي الأساس السحري الذي تنتظره لإزاحة الإنجليز من بلادنا إذا كنا بلا تجريدة وبقي الإنجليز حيث هم في بلادنا لا يجلون عنها . وقال : إنني لو كنت صاحب الأمر يوم أمر حاكم السودان بإخراج الموظف المصري من السودان في 24 ساعة وإلا اعتقل لما ترددت في أن أستدعي الموظفين الإنجليز في مصر جميعًا وأعلنهم بأن عقود استخدامهم قد ألغيت . وهذا كان أبلغ رد علي إخراج موظف مصري من أرض هي جزء من بلده

11- في الوقت الذي طالبت فيه كل الهيئات والأحزاب الممثلة للشعب بتخلي هذه الحكومة عن مركزها بعد فشلها التام نري جريدة التيمس تعبر عن وجهة النظر الرسمية في لندن فتثني علي النقراشي وتقول إن الواجب يحتم عليه البقاء في الحكم وتقول : إن جماعة الإخوان المسلمين يضعون أمام النقراشي مشكلة أخري ،وإن هذه الجماعة قد برهنت علي منفعتها كجبهة معارضة لخصمها وهو الوفد ، ولكن زعامة الإخوان المسلمين لا تتحمل المسئولية ، وتشددها يجعل تأييدها ميزة ليست لها قيمة مؤكدة " .

وكان من المنتظر أن يقوم الإخوان بعمل قوي يصحح الوضع يلزم هذه الوزارة بالتخلي عن تبلدها وبأن تقود البلاد إلي مقاومة المستعمر حتى يخرج من البلاد وإما أن تترك مكانها لحكومة ترضي لنفسها أن تحمل هذا العبء " ... ولكن كارثة كبرى حلت بالعالم الإسلامي أذهلت كل مسلم في الأرض وجعلت كل دولة عربية وإسلامية تنسي مشاكلها الخاصة أمام هذه الكارثة تلك هي صدور قرار هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين .. مما جعل الإخوان يضعون كل ثقتهم وراء العمل علي دفع هذه الكارثة وتجاوبت جميع الشعوب العربية بهذا الشعور حتى اضطرت حكوماتها المتهالكة إلي الظهور بمظهر المتجاوب هي الأخرى . ورأي الإخوان أن تكريس جهودهم لدفع هذه الكارثة المروعة أجدر أن يقدم علي كل ما سواه وقد أرجئوا مواجهة هذه الحكومة آملين في أن تحظي قضية فلسطين بتأييد من هذه الحكومة ، فتأييد هذه الحكومة ضروري لتأمين ظهر الإخوان في محاولتهم دفع الكارثة الحائقة بفلسطين وكان الإخوان قد رفعوا إلي الملك فاروق عريضة في شأن القضية المصرية وما آلت إليه وما ينبغي أن يتخذ في شأنها ، فلما وقعت كارثة قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين بعثوا في 18-1-1948 برسالة إلي النقراشي باشا أشاروا في مستهلها إلي أن الوزارة عدت عريضة الجماعة المرفوعة أخيرًا إلي جلالة الملك معارضة لها ضاق صدرها بها ثم قالوا : " إن الإخوان المسلمين يجاهدون وحدهم تارة ومع المجاهدين تارة أخري في سبيل فلسطين الغربية ، وقد أعلنت الحكومة اهتمامها بهذه القضية وتشجيعها للعاملين في سبيلها . وإنهم حين يعملون لفلسطين يعملون لها مخلصين ولا يسمحون لأنفسهم بأن تعلق بهذا الجهاد شبهات السياسة المحلية . وهم علي استعداد لشكر الحكومة المصرية في هذا المعني إذا قامت بواجبها ، ولتنبيهها إذا قصرت ولنقدها أشد النقد إذا أصرت علي التقصير " .

ويلاحظ القارئ أن في هذه الرسالة نوعًا من اللين والملاطفة لحكومة يعلم الإخوان من بلادتها ما يعلمون ولكن الظروف المحيطة بالبلاد الإسلامية وبالتبعات الملقاة علي عاتق الإخوان حيالها اقتضت هذه الملاينة مع حكومة كانت هي الأمر الواقع وقد ضمنت تأييد الملك بجعلها إبراهيم عبد الهادي رئيسًا للديوان الملكي ولا ينبغي للعاقل أن يحارب في جبهتين , ولاسيما وقد نبتت بجانب قضية فلسطين وفي نفس الوقت قضية أخري ألقت علي كاهل الإخوان عبثًا آخر تلك هي قيام " ثورة اليمن " .