ماذا بعد أحداث سبتمبر؟
بقلم : الأستاذ عبد الله الكوشي
محتويات
[أخف]- ١ المقدمة
- ٢ هل كانت أمريكا تنتظر الحدث؟
- ٣ مع أمريكا أو مع الإرهاب!
- ٤ الإسلام في قفص الاتهام
- ٥ احتواء الإسلام
- ٦ التركيز على مناهج التعليم
- ٧ ليسوا ضد الإسلام!
- ٨ إعادة صياغة العالم
- ٩ أولا- العالم العربي
- ١٠ ثانيا- العالم الإسلامي
- ١١ ثالثا- المنظمات الإسلامية
- ١٢ رابعا- العلاقة مع روسيا
- ١٣ خامسا- احتوء الصين
- ١٤ سادسا- قواعد عسكرية في آسيا الوسطى
- ١٥ سابعا- أمريكا تنقلب على نفسها
المقدمة
مازال العالم يعيش صدمة أحداث سبتمبر 2001.. وتحول هذا اليوم إلى مَعلم تاريخي.. يتحدث الكتّاب والسياسيون عن الأحداث التي جرت قبله، والأحداث التي جرت بعده..
وإذا كانت أمريكا، وهي القوة الأعظم والأوحد في هذا الزمان، قد فقدت توازنها في أعقاب الحدث.. إلا أنها وبعد فترة وجيزة تماسكت وبدأت تجير الحدث لصالح استراتيجيتها العالمية التي بشرت بها منذ سنين ومازالت تحاول فرضها على العالم.. ومن يتابع ما كتب عن العولمة أو (الأمركة) كما يسميها البعض.. وأنها لا تعني مجرد نظام اقتصادي يفتح الحدود أمام البضائع، ويلغي الجمارك، ويقضي على الدولة القومية، ويقيم للعولمة نظاما قضائيا، وإعلاميا، وثقافيا متميزاً.. ويضع الأمركة التي تحتكر المال والقوة على عرش التحكم العالمي.. من يتابع ذلك ويرى حجم المعارضة العالمية لهذا التوجه الذي فاق في سيطرته وتحكمه كل الحدود.. يدرك أن هذا النظام العالمي كان يحتاج إلى حدث غير عادي.. تستغله أمريكا.. لتعلن نفسها قائدة العالم.. الكل ينبغي أن يسمع لها ويطيع.. والدول والجماعات إمّا معها.. أو هي مع الإرهاب.. هذا النظام العالمي كان يحتاج إلى دولة متهالكة ضعيفة فقيرة هدتها الحروب.. وأرهقتها المؤامرات التي كانت روسية في البداية ثم أمريكية بعد ذلك.. مثل أفغانستان.. ليضربها ويعلن الانتصار عليها.. ويتباهى بهذا النصر الرخيص.. وليعلن أن الحرب على الإرهاب ستشمل دول العالم جميعا..
أي إرهاب.. وما معنى الإرهاب.. ومن هو الإرهابي..؟
هذه التساؤلات تهم كاتباً مثل نعوم شومسكي الذي أعلن بأن الرئيس بوش هو أكثر إرهاباً من بن لادن.. فبوش لم يقدم أي بينة ضد بن لادن حتى الآن، بينما القتل العشوائي للأبرياء في أفغانستان دليل قاطع ضد الرئيس.. ولكنها بكل تأكيد لا تهم يميناً متطرفاً يتحكم بمقاليد القوة والتعصب في أمريكا.
النظام العالمي الجديد كان يحتاج مثل هذا الحدث، ليعلن استهتاره بالقانون الدولي، وحقوق الإنسان، والمعاهدات الدولية.. وليصنف لوحده العالم، بين محور الخير ومحور الشر..
أما محور الخير فتمثله أمريكا وإسرائيل ومن يسير معهما.. ومحور الشر فتمثله الدول الإسلامية.. بدون أي لبس أو غموض.. ولذلك برزت على ساحة الأحداث: أفغانستان وباكستان ومصر والسعودية وإيران والعراق والصومال وإندونيسيا، وبرزت على ساحة الأحداث: المنظمات الإسلامية.. كهدف ستطاله الهجمة الأمريكية..
أما النصر الرخيص الذي حصلت عليه أمريكا في أفعانستان، فقد يغريها بالمزيد من المغامرات العسكرية.. وقد يدفعها لتحقيق حلمها العالمي بالسيطرة على العالم: عسكريا واقتصاديا وثقافيا..
ولكن هل فكرت امريكا بمصير تلك الأمبراطوريات التي شمخت في التاريخ معتمدة على قوتها وبطشها، هل فكرت بالمصير الذي آلت إليه؟
فوكوياما يعلق على الأمر ويقول: هي حرب تشمل كافة الجماعات الإسلامية وجميع المسلمين الذين يلتزمون الإسلام ويرفضون الاستسلام..
مقولة تشبه إلى حد كبير ما كان قاله قادة فارس وقادة الرومان للمسلمين.. عندما انساح الإسلام في الأرض يقيم دولة الحق والعدل.
قال تعالى: ]ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون[ [1].
وأخيرا.. فقد حاولت في هذا البحث أن أضع بعض النقاط على الحروف.. وأن أقدم للقارئ تحليلاً موضوعياً لأحداث 11 سبتمبر، وكيف استغلت القوى المهيمنة هذا الحدث.
واللهَ نسأل أن يعيد للأمة المسلمة توازنها، وأن تتخذ الأسباب التي تمكنها من الدفاع عن نفسها وعن قيم دينها..
والحمد لله رب العالمين
عبد الله الكوشي
[1] المائدة- 8.
هل كانت أمريكا تنتظر الحدث؟
يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001م يكاد لا يشبهه يوم في التاريخ.. يوم انقسم فيه التاريخ بين ما قبل وما بعد، كأنه كان البدء للعام الأول في الألفية الثالثة.
يوم الطائرات الانتحارية أخرج أمريكا من انكفائها واسترخائها.. ودفعها إلى قلب آسيا.. إلى حدود الصين وروسيا.
في هذا اليوم سقط برجا مركز التجارة العالمية رمز العولمة وأدواتها الوحشية، وسقط جناح من مبنى البنتاغون، رمز القوة التي تهاوى أمامها جدار برلين وما كان يرمز.
في هذا اليوم كانت أمريكا وكأنها تنتظر الحدث، ليس لتثبيت موقع القطب الأوحد فحسب، بل لتمنع طرح الأسئلة حول سياساتها الخارجية، وتفرض منظورها هي إلى قضايا العالم.
الوطنية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر.. وشارون كان القارئ الأبرز لمغزى الأحداث.. فاعتبر معركته ومعركة أمريكا ضد الإرهاب معركة واحدة.
وقف العالم صفا واحدا للتخلص من الإسلام السياسي المعتدل منه والمتطرف. وأصبحت جميع حركات التحرير الوطنية في فلسطين والفلبين والشيشان وكشميرحركات إرهابية، يطالب الجميع برأسها. وقفت إلى جانب الشقيقة الكبرى، أوروبا الخائفة ولكن الطامحة هي أيضا إلى شراكة فعلية في الإدارة الدولية[1].
[1] جريدة الحياة- جورج سمعان 30/12/2001م.
مع أمريكا أو مع الإرهاب!
للوهلة الأولى، ولأصحاب العواطف الجياشة والسذاجة السياسية ظهرت الحادثة وكأنها ضربة كبرى قصمت ظهر الولايات المتحدة وزلزلت كيانها, إلا أن الأحداث بينت لنا فيما بعد، أن هذه العملية قدمت لها، ومعها إسرائيل، هدية غالية لتضرب كل العصافير بحجر واحد، وتنفض الغبار عن مخططها الاستراتيجي المرسوم منذ زمن لتوسع مدار نفوذها وتكرس هيمنتها على العالم، وتؤمن مصالحها النفطية وغير النفطية ليس في آسيا الوسطى وأفغانستان فحسب بل في العالم كله.
أطلقت برامجها التسليحية والصاروخية ودروعها الفضائية دون أن ينبس أحد ببنت شفة أو يعترض أو يحاول إبداء أي رأي معارض:
فالحرب موجهة ضد الإرهاب.. وكل من يعترض أو يتململ أو يتنفس، داعم للإرهاب أو راع له أو متعاطف معه، بكل صراحة وعنجهية، تشبه عنجهية هتلر أيام عزه: لا حل ولا مخرج ولا مجال أمام أي دولة من دول العالم وفق معادلة الولايات المتحدة الجديدة التي خضعت لإدارة اليمين العنصري المتطرف، وهي معادلة: إما معنا أو ضدنا، أي بمعنى آخر، أن كل من لا يكون مع الولايات المتحدة يعتبر عدوا سيعاقب لاحقا بشكل أو بآخر, والويل والثبور وعظام الأمور، لمن يتجرأ ويخالف رأي السيد الآمر الناهي ظالما أو مظلوما. ولنتابع معا.. حلقات هذا المخطط الأمريكي الاستراتيجي المرسوم منذ زمن.
الإسلام في قفص الاتهام
ما إن وقع الهجوم الصاعق على برجي التجارة العالمية وعلى مبنى البنتاغون، وما إن استرد الرئيس الأمريكي قدرته على الكلام.. حتى وجه الاتهام إلى أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المتعاونة مع نظام طالبان الذي يحكم أفغانستان..
وإذا كان الكثيرون في داخل أمريكا وخارجها لم يسلَموا بهذا الادعاء.. الذي وجه الاتهام أولا.. ثم بدأ يبحث عن الأدلة.. فإننا في بحثنا هنا لا يهمنا هذا الموضوع كثيرا.. فإذا كانت أمريكا بكل مخابراتها وتنوع أساليبها لم تستطع إقناع العالم بأدلتها.. فكيف يتسنى لغيرها أن يقدم دلائل الاتهام ضد هذا الفريق أو ذاك؟.
• فريق من المحللين يربط ما حدث بمؤامرة داخلية قوية الإحكام.. دفعت إليها الأزمة الاقتصادية التي بدت بوادرها في الولايات المتحدة، وأمريكا الجنوبية, وأوروبا الغربية, فكان من الضروري اختراع عذر لإشعال حرب تحرك الاقتصاد الذي تلعب شركات الأسلحة دورا كبيرا في إنعاشه.
• إن ما حدث هو مؤامرة، وانه من السخف القول ان إرهابيين عرباً هم الذين اختطفوا الطائرات بكل الدقة والمهارة. لا يمكن لمثل تلك العملية أن تتم من دون مساعدة من خبراء على مستوى عال جداً من الداخل، أليس غريبا ألا يتم التحقيق مع أحد المسؤولين عن الأمن وعن سلامة الطيران[1].
وفريق يتهم المخابرات الصهيونية بأنها كانت على علم مسبق بتفجيرات 11 سبتمبر.. فقد أشارت شبكة فوكس الأمريكية في 4 حلقات بثتها من 11 – 14 ديسمبر 2001م, إلى اعتقال 60 إسرائيليا متهمين بالتجسس ضد أمـريكـا، وذلك في سيـاق (قانون مكافحـة الإرهاب الجديد)، والإجـراءات التي اتخذها مكتـب التحقـيقات الفيدرالي (أف بي آي)، بعد أحداث 11 سبتمبر. وكذلك، اعتقال عضوين من الجماعة الإرهابية اليهودية الأمريكية (جويش ديفينس ليج) (رابطة الدفاع اليهودية)، JDLكانا ينويان تفجير أحد المراكز الإسلامية في ولاية كاليفورنيا، والاعتداء على عضو كونجرس من أصول عربية، وبينما ركز الإعلام العالمي، والعربي خاصة، على شريط بن لادن ومحاكمة موساوي وإلقاء القبض على الإرهابيين اليهوديين، لم يحظ موضوع الإسرائيليين الستين، بأي اهتمام حقيقي يذكر، إلا من قبل مؤسستين إخباريتين أمريكيتين هما شبكة تلفزيون فوكس Fox، ومجلة Reviews Executive Intelligence التي يقودها السياسي الأمريكي ليندون لاروش, المعروف بعداء اللوبي الصهيوني له. وقد اختفى النص المكتوب للتقارير الأربعة, التي بثتها شبكة فوكس بين يومي 11و14 ديسمبر الماضي, من على صفحتها على الانترنت، بضغط من عدة مؤسسات صهيونية مؤثرة على إدارة شبكة فوكس، التي يملكها إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ[2].
• وفريق آخر يمثل بعض المثقفين والمفكرين من أمثال فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون صاحب كتاب صراع الحضـارات.. كمـا يمثل اليمين المتطرف وشركات النفط وتجار ومصانع السلاح.. اتهم هذا الفريق على الفور أسامة بن لادن.. وبدأ يعد العدة لحرب طويلة الأمد ضد الإرهاب.. وهذا الطريق هو الأقصر في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. من هذه الأهداف:
التصدي للإسلام الذي اعتبره هنتنغتون في كتابه صراع الحضارات أخطر الحضارات الموجودة على الحضارة الغربية الكاثوليكية.
وأن الإسلام في امتداد وتوسع.. والغرب في انكماش وأزمات روحية وثقافية واقتصادية متلاحقة.. والأمر في نتيجته صراع.. فمن يحطم الآخر ؟ .
عندما سئلت السيدة تاتشر يوم كانت رئيسة لوزراء بريطانيا عن مبرر إبقاء حلف شمال الأطلسي بعد سقوط حلف وارسو قالت: الإسلام أخطر من الشيوعية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر صرحت تاتشر لصحيفة الغارديان البريطانية أن الإسلام هو البلشفية الجديدة.. ودعت دول الغرب لتنفيذ خطة محكمة تلحق الهزيمة بالإسلام في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وإيران والعراق وسوريا وليبيا والسودان.
ولم تكن هذه الروح العدائية ضد الإسلام مرتبطة بما حدث في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن فحسب، بل عبَر عنها مجموعة كبيرة من المفكرين والقادة العسكريين والسياسيين الغربيين في فترات مختلفة.. ولنقرأ معا بعضا منها:
• إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في القارة الإفريقية[3].
• يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم[4].
• إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد[5].
• لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته المدهشة[6].
• من يدري ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين, يهبطـون إليهـا من السماء لغزو العالم مرة ثانية، وفي الوقت المناسب[7].
• المسلمون يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقا بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم[8].
• إن الوحدة الإسلامية نائمة, لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ[9].
• إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي, وعاشوا في ظل أنظمة ديموقراطية فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد, وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها[10].
• إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام, فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى[11].
• وماذا أصنع, إذا كان القرآن أقوى من فرنسا[12].
• لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حـدوده وانتشر فيه, فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق أي دين آخر[13]. إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا مباشرا وعنيفا هو الخطر الإسلامي, فالمسلمون عالم مستقل كـل الاستقلال عن عالمنا الغربي, فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم, ويتمتعون بحضـارة تاريخية ذات أصالة فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية[14].
[1] ليندون لاروش مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في الانتخابات القادمة 2004م، كما جاء في محاضرة له في واشنطن يوم 24/7/2001م.
[2] حسين النديم- جريدة الشرق الأوسط 19/2/2002م. وجريدة التجديد المغربية عدد خاص فبراير / مارس 2002م.
[3] مورو بيرجر.
[4] الحاكم الفرنسي في الجزائر بعد مائة عام على احتلالها.
[5] بن جوريون.
[6] لورانس براون.
[7] ألبر مشادور.
[8] مرماديوك باكتول.
[9] أرنولد توينبي.
[10] المستشرق الأمريكي (و.ك. سميث) الخبير بشؤون باكستان.
[11] المستشرق البريطاني موتجومري وات.
[12] لاكوست وزير المستعمرات الفرنسي، عام 1962.
[13] هانوتو وزير خارحية فرنسا سابقا.
[14] سالازار.
احتواء الإسلام
ولقد طورت أمريكا أسلوب تصديها للإسلام. فالتصادم مع الإسلام وضح أنه غير مجد, بل قد يعمق مشاعر العداء مع الغرب.. والأسلوب الأنسب هو احتواء الحالة الإسلامية.
تقول بولا دوبر يانسكي وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الدولية.. بضرورة احتواء الحالة الدينية في العالم الإسلامي عن طريق:
• الدعم المالي لمن يتعاطفون مع الرؤى الغربية الحضارية.
• وجذب المزيد من رجال الدين إلى برامج التبادل الثقافي والأكاديمي التي تموَلها الولايات المتحدة[1].
التركيز على مناهج التعليم
ومن أهم وسائل الاحتواء التركيز على مناهج التعليم.
• لقد خصصت واشنطن لباكستان (مائة مليون دولار) لكي تراجع كتب الثقافة الإسلامية, وتحكم السيطرة على المدارس الدينية, بحيث يعد ملف لكل أستاذ وطالب.
• طالبت السفارة الأمريكية في إحدى العواصم العربية باتخاذ إجراءات معينة لتقليص جرعة التعليم الديني, كان في مقدمتها اختصار ساعات تدريس مواد الثقافة الإسلامية من 20 ساعة إلى أربع ساعات فقط وإعادة النظر في مضمون المناهج التي تدرس, بحيث تخضع للتنقيح جنبا إلى جنب مع الاختصار.
• فكرة أن الغلط في جانبنا مسيطرة على الخطاب الإعلامي في الغرب، وقد لفت نظري إنني مالقيت صحفيا أجنبيا خلال الأسابيع الأخيرة إلا وسألني عن الجهود التي تبذل (لتحديث الإسلام) بعد أحداث سبتمبر, وأدركت مما سمعت أنهم يفـكرون فـي المسـألة على النحو التالي: طالما أن الذين قاموا بالهجوم على الأهداف الأمريكية من الأصوليين المسلمين, والأصولية في مفهومهم معادية للحداثة, ولما كان من غير الممكن التراجع عن الحداثة وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء, فثمة حل وحيد للأشكال هو: أن يتم تحديث الإسلام ذاته الأمر الذي يحل العقدة ويفض الاشتباك.
• توماس فريدمان (المشهور بكتابة رسائل على لسان الرؤساء الأمريكيين للمسؤولين العرب والمسلمين) طالب في صحيفة نيويورك تايمز بتغيير مناهج التعليم وصب غضبه على التعاليم الإسلامية والنصوص القرآنية, وهاجم المدارس الدينية وقال إنها مسؤولة عن هذا الجو الذي يعيشه المسلمون من عداء وإرهاب ضد الغرب.
وقد عمدت السياسة الأمريكية لإلصاق بعض الاتهامات الخطيرة بفرائض الدين الإسلامي لقتل الروح المعنوية المقدسة التي لا تبخل بالنفس والسعي للاستشهاد في سبيل الله, وفي هذا المقام ساقت الإدارة الأمريكية عدة مغالطات من بينها:
• أن الجهاد في سبيل الله وتحرير الوطن من المحتل الغاصب إنما هو عمل من قبيل الإرهاب وليس الكفاح المشروع, في إغفال وتجاهل تام لدور حركات التحرير الوطنية الثورية والتي كانت أساسا لنهضة البلدان الأوروبية بل وأمريكا نفسها التي كانت ترزح تحت الاستعمار البريطاني.
• أن أداء الزكاة تمويل للخلايا الإرهابية لابد من تجفيف منابعه.. ومن هذا المنطلق سمحت أمريكا لنفسها بتجميد أرصدة وممتلكات أكثر من 50 مؤسسة اقتصادية بزعم أنها تربطها علاقة لا ترضى عنها واشنطن بمنظمات تتهمها بتنفيذ هجمات عدائية ضدها..
• أن ملاجئ تربية الايتام ومنظمات الإغاثة وتوزيع المساعدات على المحتاجين دور لتفريخ الإرهابيين واستقطاب أعداء لأمريكا والغرب.
• التدخل في التعليم الديني.
وطبقا للمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام فإن مجموعة إجراءات تنوي الإدارة الأمريكية اتخاذها.. منها:
• إنشاء قناة تلفزيونية أمريكية مخصصة للشباب المسلم.
• وتخصيص حوافز لخطباء وأئمة المساجد داخل البلدان العربية والإسلامية لمن يلتزمون بالخط الأمريكي في خطبهم ومواعظهم.
• إنشاء برامج لرقابة المدارس الدينية بالتعاون مع السلطات الوطنية داخل العالم الإسلامي والتسلل إلى تلك المدارس ومعرفة ما يدور داخلها ونوعية الأنشطة التي تدور فيها.
• إدماج المدارس الدينية أو القرآنية في مراحل التعليم المدني، لسلب تلك المدارس في مراحل التعليم المدني خصوصيتها كمدارس لتعليم العلوم الشرعية والثقافة الإسلامية.
• وعقد دورات تدريبية للمدرسين للتدريب على تدريس المواد الدراسية التي ستقدمها الإدارة الأمريكية لتدريسها في البلدان الإسلامية.
• مراقبة مصادر تمويل المدارس الدينية المحلية والخارجية وإغلاق تلك المصادر حتى تندثر تلك المدارس من تلقاء نفسها[3].
• ولم تكن مطالبة بعض الأقلام في الصحافة الامريكية وكذلك بعض المسؤولين الأمريكيين، الدول العربية والإسلامية بتغيير مناهجها التعليمية, وصياغتها وفق التصور والرؤية الأمريكية امرا عابرا ارتبط فقط بأحداث الثلاثاء الأسود في أمريكا وكانت إحدى تداعياتها, بل تعود جذور تلك المطالبة إلى تاريخ 16 أكتوبر عام 1977.
فقد نشرت مجلة (themuslim world) بتاريخ 21/1/1978 تقريرا خطيرا يكشف تورط منظمات عالمية في التآمر على عقول الأمة ومؤسساتها التعليمية, حيث تبنت كـل مـن منظمـة اليونسكو, والاليسكو ومؤسستين غربيتين أخريين قيام منظمة عالمية اسمها الإسلام والغرب تخصصت في الدس على المناهج والمقررات الدراسية في العالم الإسلامي وخصوصا مادة التاريخ الإسلامي.
وقد فضح العالم المصري الدكتور جمال عبد الهادي محمد مسعود في كتابه (التطوير بين الحقيقة والتضليل) وهو عبارة عن مجموعة أبحاث قدمها إلى مؤتمر (قضية التعليم في مصر – أسس الإصلاح والتطوير) الذي عقدته جامعة أسيوط بالتعاون مع نادي أعضاء هيئة التدريس في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر 1990, حقيقة تلك المنظمة ودورها الخبيث في إفساد مناهجنا التعليمية.
وقد قامت تلك المنظمة بعقد ندوة استشارية حول التوصل إلى تفاهم أفضل بين الإسلام والغرب في (فينيسيا) البندقية في إيطاليا في المدة من 16 إلى 20 أكتوبر 1977 اشترك فيها 35 شخصا منهم عشرة من المسلمين و25 من الغربيين من القمم العلمية والسياسية منهم: هاريسون براون الرئيس الأسبق لأكاديمية العلوم الامريكية ومن أبرز علماء الذرة في العالم، واللورد كارادون الممثل السابق لبريطانيا في الامم المتحدة ومحرر قرار مجلس الأمن 242, والسيد هارولدييلي سفير بريطانيا الأسبق في مصر, وممثل عن الفاتيكان وغيرهم.
وفي الفترة من 3 إلى 6 أكتوبر 1979 عقد المؤتمر التأسيسي لجمعية (الإسلام والغرب) وقد أصدرت برنامجا كان عنوانه مراجعة كتب تدريس التاريخ وتطوير المادة التعليمية بوصفها السبيل إلى تفاهم أفضل بين الإسلام والغرب.
وقد ذكر الدكتور جمال عبد الهادي مقتطفات من التقرير توضح مدى التآمر على مناهجنا التعليمية كما ورد في قائمة محتويات البرنامج ما يؤكد هذا الاتجاه ويدعو إلى مراجعة الكتب المدرسية وإعداد المادة الدراسية.
ومما ورد في التقرير كما نشر في مجلة the muslim بتاريخ 21 يناير 1978: (إن مؤلفي الكتب والمدرسين لا ينبغي لهم أن يصدروا احكاما على القيم سواء صراحة أو ضمنا). (أي لا يقولون إن الزنا حرام ولا الكذب والسرقة حرام ولا حتى عيب). (كما لا يصح أن يقدموا الدين على أنه معيار أو هدف، وعليهم أن يتجنبوا الخوض فيما يتعلق من الماضي بالحاضر أو القيم الشخصية التي تتسم بالمفارقات التاريخية).
(أي تفريغ الدين من محتواه من أنه منهج حياة، وعدم ربط الحروب الصليبية بما يحدث الآن أو ربطه بالقضية الفلسطينية).
وأيضا يقول التقرير: (من المرغوب فيه أن الأديان يجب عرضها ليفهم منها التلميذ ليس خصائصها الأساسية فقط ولكن أيضا ما تشترك فيه مع غيرها من الأديان على وجه العموم).
كما ورد في التقرير: (ويلزم فحص الكتب الدراسية التي قامت بتقديم الظاهرة الدينية, على أن يقوم بذلك علماء من مختلف التخصصات, وكذلك أعضاء من أصحاب العقائد الأخرى, وكذلك من اللادينيين).
(أي يشترك البوذيون والشيوعيون واليهود والنصارى في مراجعة كتبنا الدينية).
(إن على جمعية الإسلام والغرب أن تتولى زمام المبادرة في مراجعة الكتب المدرسية, وأن الفترة التي نمر بها تعد مواتية لتشجيع جميع الأطراف في آن معا، الإسلام والغرب، على مراجعة الكتب الدراسية, وهذه العملية تتطلب إعدادا دقيقا, ومنحى جديدا, بالإضافة إلى خطوات يتقبلها الجانبان).
ويعلق الدكتور جمال عبد الهادي على هذا التقرير قائلا: كل هذه القرارات طبقت بالفعل في إحدى الدول الخليجية ودولة عربية كبرى.
وقد تم لهم تحقيق جزء من ذلك في بلادنا على يد من شارك في أعمال هذه المنظمة المشبوهة والذين تولوا بعد ذلك وزارات التربية في بعض البلدان الإسلامية فقد قام أحدهم بإلغاء تدريس التاريخ الإسلامي من المرحلة الإبتدائية خلال فترة توليه وزارة التربية والتعليم والتي بلغت أربع سنوات وهي المدة نفسها التي حددتها جمعية الإسلام والغرب, وأحل محله التاريخ الفرعوني واختزل التاريخ الإسلامي في بقية المراحل، وقد صرح لجريدة الجمهورية القاهرية بتاريخ 6/7/1990 حينما سئل عن مدى صحة اتهامه بإلغاء التاريخ الإسلامي لحساب التاريخ الفرعوني فقال: سنمضي في طريقنا قائلا عن الذين نقدوه أنهم يعانون من التخلف الثقافي ودوار البحر والجمود.....إلخ.
ومن هذا يتبين لنا أن الدعوة إلى تغيير مناهج التعليم ليست خالصة لوجه الله أو من أجل التطوير للأحسن وتنقية مناهج التعليم من الحشو الموجود فيها وإنما إلى خلق جيل خانع مستسلم لا يملك من مقومات الدفاع عن نفسه شيئا بعد تجريده من كل شيء يذكره بتاريخه وبعقيدته[4].
[1] الحياة اللندنية 3/12/ 2001م.
[2] فهمي هويدي- الوطن الكويتية 21/1/2002م.
[4] حسين الجرادي- الرأي العام الكويتية 22/2/2002م..
ليسوا ضد الإسلام!
هذا شعارهم الرسمي.. وخطابهم الذي لا يعني شيئا في أرض الواقع. لا أعرف أمريكيا عربيا أو مسلما واحـدا لا يشعر بأنه ينتمي إلى معسكر الأعداء، إذ يتيح الوجود في الولايات المتحدة في اللحظة الراهنة أن يُلمس على نحو مزعج تماما الاغتراب والعداء الواسع الانتشار الموجه إلى أهداف محددة. فعلى رغم التصريحات الرسمية التي تصدر بين حين وآخر مؤكدة أن الإسلام والمسلمين والعرب ليسوا أعداء الولايات المتحدة, يدل كل شيء عدا ذلك إلى العكس تماما. فقد جرى التحقيق مع المئات من الشبان العرب والمسلمين، وفي حــالات كثيرة احتجزوا مـن جانـب الشرطـة أو مكـتـب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي). ويتعين عادة على كل من يحمل اسما عربيا أو مسلما أن يقف جانبا ويولى اهتماما خاصا خلال عمليات التفتيش الأمني في المطارات. وأفيد عن حالات كثيرة من السلوك التمييزي ضد العرب، حتى أن التحدث باللغة العربية أو مجرد قراءة وثيقة عربية في العلن يمكن أن يثير ردود فعل سلبية. كما أن وسائل الإعلام قدمت سيلا من (الخبراء) و(المعلقين) حول الإرهاب والإسلام والعرب, ودأب هؤلاء على ترديد موقف تبسيطي بلغ من العداء والتشويه لتاريخنا ومجتمعنا وتراثنا حدا لم تعد معه وسائل الإعلام سوى أحد أسلحة الحرب على الإرهاب في أفغانستان وأماكن أخرى, كما هي الحال الآن حسب ما يبدو بالنسبة إلى الهجوم المتوقع لـ(إنهاء) العراق. وتنتشر قوات أمريكية بالفعل في بلدان عدة يؤلف المسلمون فيها غالبية سكانها، مثل الفليبين والصومال, فيما يتواصل الحشد العسكري ضد العراق, وتطيل إسرائيل أمد عقابها الجماعي السادي للشعب الفلسطيني، ويرافق هذا كله ما يبدو أنه تأييد كبير من جانب الرأي العام في الولايات المتحدة[1].
[1] ادوارد سعيد- الحياة اللندنية 7/3/2002م.
إعادة صياغة العالم
ليس الآن فقط.. بل من عقود تحاول أمريكا إعادة صياغة الخريطة السياسية في العالم.. عن طريق:
• تفرد وهيمنة أمريكية من دون رادع أو منازع.
• قدرتها على ضرب من تريد من دون الخوف من تدخل أحد.
• عدم وجود خيارات سياسية أمام الدول الأخرى.
• تشجيع الدول الصديقة على اعتماد استراتيجية تتناسب مع الأهداف الأمريكية مثل: (الفيليبين، إسرائيل، تركيا، باكستان).
• في الشرق الأقصى: إحياء دور الجيش الياباني، وإقامة حلف بين تايوان والهند بالإضافة إلى وجود دائم في أفغانستان والخليج.
• تتعامل مع الصين كشريك وليس في موقع القيادة.
• في ظل هذا الوضع، ستلجأ أمريكا إلى ربط التحالفات الإقليمية بشبكة الدرع الصاروخي الذي تسعى هي إلى بنائه، على أن تكون القواعد الرئيسية في البلدان الحليفة من الصنف الأول، كإسرائيل، الهند، وتايوان. فلا عجب مثلا أن ترحب الهند وحدها بمبادرة الدرع الصاروخي التي أطلقها الرئيس بوش، من بين كل الدول الكبرى. ولا عجب أيضا أن تزودها إسرائيل بطائرات الإنذار المبكر، التي قد تكون مستقبلا جزءا مهما من الشبكة المنوي إقامتها. ولا عجب أيضا أن تسعى الولايات المتحدة بكل ما تملك للضغط على كل من روسيا والصين، لمنعهما من تصدير التكنولوجيا المتقدمة لإيران[1].
• نقل الصراع إلى آسيا بعد تراجع الخطر السوفياتي، فسعت أمريكا إلى توسيع حلف الناتو لإحتواء أقرب لروسيا.. وفي آسيا بدّل بوش تسمية الصين من حليف استراتيجي إلى منافس استراتيجي، ولذلك يريد حماية تايوان، ويغازل فيتنام، ويشجع اليابان، ويمنع التقارب بين الكوريتين، ويساعد سنغافورة على تحديث ترسانتها، ويساعد اندونيسيا للخروج من أزمتها، وإعادة الهند إلى الحضن الأمريكي.. تهدف هذه السياسات الإشراف على المحيط الهندي واحتواء الصين.
• ضمن استراتيجيات أمريكا التحكم بالنفط.
وإذا كان الهدف من حرب الخليج الثانية تأمين بترول الحاضر والحفاظ على استمرار ضخه بأسـعار مناسبة, فإن إحدى الأهداف الكبرى من الحرب التي أعلنتها أمريكا على أفغانستان هو تأمين بترول المستقبل.
• إن أمريكا كانت بحاجة إلى إعادة رسم خريطة المنطقة:
حصار إيران النووية (مستقبلا)،
تحجيم باكستان النووية (حاضرا)،
مراقبة الصين العملاق النووي (حاضرا ومستقبلا)،
العملاق الروسي (سابقا).
ولقد ساعدها حدث 11 سبتمبر على تحقيق أهدافها. ولنتتبع حلقات هذه الهيمنة.
أولا- العالم العربي
• المحللون السياسيون الأمريكان يطرحون هذا السؤال: كيف يمكننا إصلاح العالم العربي؟ ويجيبون: العالم العربي يفتقر إلى الديموقراطية. (28%) من الأنظمة العربية تمارس الديموقراطية.. بينما تزيد هذه النسبة عن (57%) في بقية دول العالم. وعندما لا تكون هناك ديموقراطية فإن الشعوب تخضع لأنظمة استبدادية تُكمّم الأفواه ويستشري الفساد.. وهذا يدفع الشعب العاجز عن التعبير بحرية، إلى الإرهاب، فلم تبق لديه وسيلة أخرى للتعبير!
• ولكن لماذا لا تفرض أمريكا الديموقراطية على حكام الدول العربية؟ ويجيب هؤلاء المحللون: تخاف أمريكا من البدائل، وإمكانية أن يكون الإسلاميون هم البدائل، وإمكانية أن تصبح موارد النفط أكثر استقلالا.
• ولكن لماذا يتوجه هذا الإرهاب ضد أمريكا بالذات؟ ويجيبون: لأن أمريكا تدعم هؤلاء الحكام المستبدين.
• ويتساءل المحللون عن الحل.. وهذه عينة من الأجوبة:
• في مؤتمر عقد في لندن في أكتوبر /2001 ذكر نيال فيرغسون أستاذ التاريخ في جامعة أوكسفورد: لإصلاح المنطقة والعالم العربي والإسلامي يجب أن تمارس أمريكا دورا أمبرياليا (أي احتلال عسكري) صريحا في المنطقة، وأن تحول حقول النفط إلى معسكرات للجيش الأمريكي.
• فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ كتب في جريدة وول ستريت جورنال بتاريخ 11 أكتوبر 2001 فقال: لم يعد الإسلام السياسي أو الأحزاب الأصولية فقط، ولكن الإسلام كدين تحول في السنوات الأخيرة إلى قوة معادية للحداثة والديموقراطية.
وواضح معنى كلام الرجل: أن الأمر يقتضي محاربة الإسلام! توماس فريدمان نشر في النيويورك تايمز (27/11/2001) مقالا جاء فيه: إن كان تاريخ 11 سبتمبر هو بداية الحرب العالمية الثالثة، علينا أن نفهم أن ما نقصده في هذه الحرب هو أن علينا أن نكافح الإرهاب, فالإرهاب أداة فقط, علينا أن نحارب لهزيمة الأيديولوجيا، فحكم الحزب الديني لا يمكن أن يقاتل بالجيوش وحدها، بل يجب أن يقاتل في المدارس والمساجد والكنائس.
[1] إلياس حنا- الحياة اللندنية 4/2/2002م.
مصر مصدر الإرهاب
ركزت أجهزة الاستخبارات وأجهزة الإعلام الغربية على مصر متهمة إياها بأنها التي أفرخت الإرهاب وصدرته إلى غيرها من الدول، وأنها لم تتعاون بالقدر الكافي مع الحملة الدولية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب, ورغم الممارسات التي تقوم بها السلطات المصرية إلا أن الدوائرالأمريكية ترى أن هذه الإجراءات غير كافية للقضاء على ما يسمى بالإرهاب، وترى بدلا من ذلك ضرورة استئصال الفكر الديني ذاته، باعتباره مغذَيا للتطرف حسب زعمهم, وتقدم بدلا من ذلك رؤية جديدة للإسلام الذي ينبغي على المسلمين سواء في مصر أو غيرها الالتزام به وهو إسلام مسالم, يلبي المطالب الأمريكية, وينبذ تماما أفكار المقاومة ورد العدوان.
الإسلام المعدَل
وقد دعا رئيس الوزراء البريطاني في بداية شهر سبتمبر 2001م الزعماء والمسؤولين بالدول الإسلامية لأن يعملوا جاهدين على أن يهيمن الإسلام المسالم بحيث يخضع له جميع المسلمين في شتى أنحاء العالم.
نفس الفكرة عبَر عنها وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في شهر نوفمبر 2001 في خطاب ألقاه بجامعة لويسفيل بولاية كنتاكي، حيث أشار إلى تبلور رؤية أمريكية للمجتمعات الإسلامية تقوم على أساس من قيم معينة تمس التكوين الثقافي والسياسي والعقيدي لتلك المجتمعات. هذا الإسلام هو ما وصفه الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي بـ(الإسلام المعدل) الذي يجنب أمريكا والغرب احتمالات التعرض لأي هجوم مستقبلي كما حدث في واشنطن ونيويورك.
وحسب ما يرى الباحث السياسي الدكتور حامد عبد الماجد أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة فإن فكرة الإسلام المعدل ستكون هي الفكرة المحورية التي ستوجه عملية التأثير على العمل الإسلامي خلال المرحلة المقبلة, وهذا الإسلام المعدل هو الإسلام الذي يتماشى مع ما يمثله الغرب والولايات المتحدة من قيم وهيمنة ونفوذ, وعلى أساس هذه الفكرة سيقاس أي نشاط أو عمل إسلامي ليتم فرز من يصبح داخل هذا الإطار ومن يكون خارجه حتى يوضع في قوائم الإرهاب, ويقول: إن ملامح السياسة الأمريكية على مستوى المؤسسات تجاه العمل الإسلامي لم تتبلور بشكل كامل بعد, باستثناء الفكرة المحورية وهي فكرة الإسلام المعدل. لكن تنزيل هذه الفكرة على الواقع لا يزال في مرحلة التشكيل. وقد ظهرت بعض الوسائل خاصة في حقل محاصرة التعليم الديني لكن المواجهة الكاملة لم تبدأ بعد.
ويرى د. حامد عبد الماجد أن عملية المواجهة ستتضمن نوعا من تقسيم العمل بين الداخل والخارج حيث تتولى نظم حاكمة عربية أو إسلامية جزءا, في حين تحتفظ الولايات المتحدة والغرب بجزء آخر, والتدخل الذي سيتم بمعرفة تلك النظم الحاكمة محليا معروف وقد جرب بعضه من قبل في بعض الأقطار وتستخدم فيه عدة أدوات منها:
1- الأداة التشريعية وذلك بسن قوانين جديدة تخدم هذه الفكرة مثل قانون غسل الأموال لتجميد بعض الأرصدة المستهدفة لمجرد الاشتباه, وقانون المسطرة الجنائي (في المغرب) والذي يقنن لأول مرة عملية التنصت والتقاط المكالمات الهاتفية وتسجيلها، واتفاقيات لتبادل تسليم المجرمين.. إلخ, وعموما فإن البرلمانات –التي جاء أغلب أعضائها بالتزوير- جاهزة لتمرير أي تشريع.
2- الأداة الأمنية في الحصار والقمع.
3- الأداة الإعلامية وتستخدم في محاصرة العمل الإسلامي إعلاميا وتشويهه.
4- محاصرة التعليم الديني في المدارس والمعاهد والإعلام والمساجد, وما هو متوقع بالنسبة للأزهر في مصر يجد تطبيقا عمليا في دول أخرى مثل اليمن التي قررت حكومتها إلغاء المعاهد العلمية الدينية ودمجها في التعليم المدني بحجة توحيد العملية التعليمية (يوجد حوالي أربعمائة معهد من هذا النوع في اليمن), ونفس الشيء تقوم به باكستان حاليا –بالنسبة للمدارس الدينية- بتمويل أمريكي يبلغ مائة مليون دولار لإطلاق برنامج رقابة على تلك المدارس التي يقدر عددها بسبعة آلاف مدرسة تضم حوالي مليون طالب, وسيكون من أهداف ذلك البرنامج الذي تشرف عليه وزارتا الداخلية والشؤون الدينية الرقابة على منشورات المدارس ودور النشر التابعة لها, ويتضمن البرنامج تشكيل خلية خاصة من أجهزة الاستخبارات الباكستانية تدرب أشخاصا للتسلل إلى تلك المدارس ورصد كل ما يجري داخلها, كما يوجه جزء من التمويل الذي قدمته الولايات المتحدة لإدخال مواد دراسية جديدة في المدارس التي كانت تقتصر على تدريس العلوم الشرعية. والأمر ذاته حدث في تركيا قبل عدة سنوات.
الأمر لن يقتصر على التعليم الديني، بل يتجاوزه إلى التعليم المدني، وإلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التي سيطلب منها إلغاء كل المواد التي يزعمون أنها تحض على كراهية الغرب بسبب ممارساته المجحفة مع الشعوب العربية والإسلامية، كما حدث في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد نهاية السبعينات بين مصر والكيان الصهيوني حين ضغط الرئيس الأمريكي حينذاك جيمي كارتر ورئيس الوزراء الصهيوني مناحم بيجن على الحكومة المصرية لتعديل مناهج التعليم وإلغاء كل ما يحتوي على شبهة العداء لليهود, كما لن يقتصر الأمر على التعليم بشقيه الديني والمدني بل يتجاوزه إلى المساجد عبر ما يلقى فيها من خطب ودروس دينية بحيث تتجنب هذه الخطب والدروس ما يوصف بأنه إثارة للكراهية وعدم قبول الآخر, وأن تشيع بدورها ما يوصف بثقافة السلام, هذا من ناحية ومن ناحية أخرى – وكما هو مخطط لتقليص حجم المعاهد الأزهرية- فإن هناك توقعات بتقليص حجم المساجد. ويعتقد البعض أن قرارات مجلس الوزراء المصري التي صدرت أوائل ديسمبر 2001 ووضعت شروطا عشرة لبناء المساجد أهمها عدم بناء هذه المساجد أسفل العمارات السكنية –وهو الشكل الشائع في مصر- يعتقد البعض أن هذه الشروط هدفها الحد من بناء المساجد التي زاد عددها بحيث أصبح من الصعب على وزارة الأوقاف الإشراف والإنفاق عليها وتعيين أئمة لها، كما أصبح من الصعب على الأجهزة الأمنية مراقبة ما يدور في كثير منها.
المواجهة مع السعودية
منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) والعلاقات الأمريكية – السعودية تعاني من تآكل الروابط السياسية بسبب خلط إدارة الرئيس جورج بوش بين المملكة وبين تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.
وكان من الطبيعي أن تزيد الأشهر الأربعة الماضية من حجم الإساءة إلى هذه الروابط عقب الحملات القاسية التي شنتها وسائل الإعلام الأمريكية ضد النظام السعودي. لقد صورته آلاف المقالات والتعليقات بأنه نظام عدواني لا يفرز سوى العنف والتطرف والتعصب. واعتمد المعلقون الأمريكيون في حملاتهم الهادفة على دراسة نشرتها مجلة (سبكتاتور) البريطانية يوم 22 أيلول -أي بعد مرور عشرة أيام على الحادث- وقعها ستيفن شوارتز، مؤلف كتاب (مثقفون وقتلة). واستخدم الكاتب تعبير (إيديولوجية الإسلامفاشيست) للتدليل على الفارق بين تفكير بن لادن وبين الأصوليين الآخرين في الإسلام. وخلص في استنتاجه بملاحظة مسيئة مفادها أنه (ليس صحيحا أن كل الانتحاريين مسلمون، بل الصحيح أن كل الوهابيين انتحاريون). واستعان شوارتز في آخر مقاله بنصيحة طرحها السيد ولي رضا نصر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب (التطرف الإسلامي في باكستان) تقول: (إذا كانت الولايات المتحدة جادة في معالجة موضوع الإسلام الراديكالي، فهي ليست مضطرة لمقاومة العراق أو ليبيا, بل عليها أن تركز على السعودية باعتبارها الينبوع الأساسي لإيديولوجية التعصب). وفي ختام الدراسة يدعي شوارتز أن 80% من الجوامع المنتشرة في الولايات المتحدة, حيث يقطن عشرة ملايين مسلم, تقع تحت سلطة العلماء الوهابيين الذين يمثلهم هشام قباني (لبناني - أمريكي).
مؤلف كتاب (نهاية التاريخ) البروفسور فرانسيس فوكوياما استعار منطق شوارتز, وقدمه بطريقة مختلفة عندما اتهم الأصوليين الوهابيين من أمثال بن لادن وأفراد القاعدة بأنهم استهدفوا تدمير رموز العالم العصري من وراء تدمير مبنى التجارة العالمية. ورأى في مقال نشره في مجلة (نيوزويك) أن المهاجمين كانوا ينظرون إلى هذا المبنى كنموذج لانحلال الغرب على مختلف المستويات. وبما أنهم ضد التطور وضد العولمة وضد الحريات الاجتماعية والاقتصادية, نفذوا عملية التدمير بكل هدوء أعصاب. ولكي تساهم صحيفة (صنداي تايمز) بتقوية هذا الخط الإعلامي, نشرت تحقيقا أظهرت فيه الطريق الذي سلكه 13 عنصرا سعوديا اشتركوا في العمليتين الانتحاريتين. وقالت إنهم نشأوا في قرى نائية وفقيرة منتشرة بين أبها والهدى وخميس مشيط وجبال عسير. ويستدل من فحوى التحقيق أن الصحيفة تعمدت التحدث عن المناطق الواقعة على أطراف المملكة, وكيف اختارها ابن لادن لتكون المصدر المثالي للشباب الناقم العاطل عن العمل, كذلك تعمدت في هذا السياق, إبراز خلاصة تقرير وضعه (أف بي آي), وقال فيه أن لدى السعودية أكثر من مئتي إمام يعتبرون من دعاة الخط المتشدد تجاه أمريكا والغرب. واستغلت صحف أمريكية كثيرة هذه الحملة الموجهة ضد المملكة لتذكر بأن السعودية بنت 30 ألف جامع و90 جامعة دينية. وفي عام 1984 أسست دارا لطباعة القرآن الكريم باللغات التالية: العربية والانكليزية والفرنسية والصينية والتركية والأردية والهاوسا. ولقد بلغ مجموع ما طبعته قبل خمس سنوات 55 مليون نسخة تبرعت بـ36 مليون نسخة منها للجاليات الإسلامية في 78 بلدا, إضافة إلى إصدار أشرطة دينية تحت إشراف مجلس العلماء وزعت بواسطة رابطة العالم الإسلامي.
هل وجد الرئيس بوش أسبابا انتخابية ضاغطة حملته على شن حرب صليبية ضد الشر الجديد المتمثل بإسلام ابن لادن؟
وهل اكتشف رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو بيرلوسكوني الفرصة لتأكيد قناعته بتفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية؟
وهل عثر شارون على الحجة المطلوبة لتغطية إرهابه البشع ووحشية معركته ضد الشعب الفلسطيني[1]؟
[1] سليم نصار- الحياة اللندنية 6/2/200م.
القضية الفلسطينية
تقوم سياسات الولايات المتحدة فيما يخص القضية الفلسطينية على المحاور التالية:
• اعتبار إسرائيل الركيزة الأولى لضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
• الحرص على عدم تصاعد الأزمات بحيث تقوم حرب إقليمية بين إسرائيل والدول العربية.
• استمرار الدول العربية الصديقة لأمريكا في إطلاق مبادرات سياسية لتسوية الصراع، حتى وإن لم يكن لهذه المبادرات حظ من النجاح، وذلك كي لا يحدث فراغ سياسي قد يؤدي إلى تصاعد الأحداث.
• استمرار الضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى دورها الأمني.. من قبل أمريكا وبعض الدول العربية.
• الضغط على سوريا لتهدئة جبهة جنوب لبنان.
• الفصل الكامل بين ملف فلسطين، وملف العلاقات مع دول الخليج.
ولقد كان لحدث 11 سبتمبر تأثير كبير على مجريات الأمور بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد سار شارون على خطوات بوش، فهو يحارب الإرهاب في فلسطين، كجزء من محاربة بوش للإرهاب في العالم.
نظرة إلى المستقبل
هناك أنواع مختلفة من القوة، أبرزها بالطبع القوة العسكرية. لكن ما مكّن إسرائيل أن تفعل ما تفعله بالفلسطينيين خلال السنين الـ54 الأخيرة كان نتيجة حملة تم تخطيطها في شكل علمي ودقيق لتسويغ أعمال إسرائيل وفي الوقت نفسه تشويه وطمس أعمال الفلسطينيين. أي أن القضية لم تكن مجرد امتلاك جهاز عسكري قوي بل تعبئة الرأي العام، خصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. إنه نوع آخر من القوة يأتي من عمل متأن منهجي يقود الرأي العام إلى التماثل بسهولة مع موقف إسرائيل، فيما لا يظهر الفلسطينيون من خلاله إلا في صورة أعداء إسرائيل، وبالتالي كأشخاص منفّرين وخطيرين ومعادين لنا،. وقد تراجعت أهمية أوروبا في شكل متواصل منذ الحرب العالمية الثانية كحلبة للصراع، فيما أصبحت أمريكا على الصعيد العالمي، ساحته الرئيسية. لكننا لم ندرك أبدا أهمية التنظيم المنهجي لعمل سياسي على النطاق الشعبي، سعيا إلى وضع لا يفكر فيه الأمريكي العادي فورا بـ(الإرهاب) كلما سمع كلمة (فلسطيني). إن هذا النوع من العمل يوفر حماية فعلية للمكاسب التي تحقق على الأرض خلال مقاومتنا للاحتلال الإسرائيلي.
إذن، ما سمح لإسرائيل أن تعاملنا كما يحلو لها هو افتقارنا إلى تأييد قطاعات من الرأي العام تردع شارون عن جرائمه الحربية وترفض ادعاءه أن ما يفعله هو مكافحة الإرهاب. وأذا وضعنا في الاعتبار التأثير الإيحائي الهائل للصور التي تبثها ليلا نهارا شبكات مثل (سي ان ان)، في تقارير تكرر للمشاهد الأمريكي مائة مرة في الساعة تعبير (التفجير الإرهابي)، فإن من أبشع أنواع الإهمال عدم تشكيل فريق يكون في واشنطن على أهبة الاستعداد للحضور على (سي ان ان)أو غيرها ليقدم قصة فلسطين على حقيقتها ويوفر السياق الصحيح والفهم لما يجري ويديم لنا حضورا أخلاقيا إيجابيا أمام الرأي العام. نحن بحاجة إلى قيادة تدرك أهمية هذا باعتباره عنصرا أساسيا في الحياة السياسية في عصرنا الحالي، عصر الاتصال الالكتروني، وافتقارنا إلى هذا الإدراك هو جزء من مأساتنا اليوم[1].
[1] ادوارد سعيد- الحياة اللندنية 7/4/2002م.
ضرب العراق
يأتي العراق في قمة المخطط الأمريكي الرامي إلى استبدال النظام القائم هناك بنظام بديل يلتزم تطبيق القرارات الدولية كافة ضمن آليات حازمة تقوم خلالها القوات الأمريكية بالإشراف المباشر على تنفيذها في مدة زمنية محددة.
وتناولت وسائل الإعلام الغربية المختلفة هذا الموضوع، معتمدة على تسريبات بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية، فضلا عن التصريحات العلنية التي أدلى بها وزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وغيرهما ممن أشاروا إلى أن الخيار العسكري لإرغام صدام حسين على تنفيذ تعهداته في عودة المفتشين الدوليين إلى بغداد والكشف عن أسلحة الدمار الشامل ما زال مطروحا بقوة.
ويبدو من خلال التوجه الامريكي أن القرار بإزاحة النظام قد اتخذ فعلا، وما تقوم به واشنطن قبل التحرك لتنفيذ هذا القرار هو إعداد الرأي العام الدولي والإقليمي لقبول العمل العسكري المقبل تقليلا للانتقادات التي تتوقعها الإدارة الأمريكية من بعض الدول، وخصوصا الدول العربية. ويؤكد بعض مصادر المعارضة العراقية أن القرار الأمريكي سيتجاهل امتثال صدام حسين للقبول بعودة المفتشين الدوليين، لئلا يسمح له الإفادة من هامش المناورة لتفويت الفرصة الزمنية المطلوبة لإزاحته من الحكم، وبذلك تغلق واشنطن الطريق أمام نجاته من الضربات العسكرية المقبلة التي ستمضي حتى النهاية إلى أن يستسلم للامر الواقع فيتخذ قراره النهائي في ترك السلطة كليا.
الوضع العراقي على مفترق طرق، والمؤشرات الراهنة ربما لا تحتمل التأويل كثيرا في تحديد مصير هذه القضية، خصوصا أن الإصرار الأمريكي على تحقيق أمنية سابقة، كان بوش الأب تمناها، وهي إزاحة نظام صدام حسين، أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التحقيق, ولكن يبقى القلق الشعبي العراقي حول جدية البدائل التي تعقب هذا النظام، وحقيقة أن الإدارة الأمريكية صادقة في معاونة العراقيين لبناء صرح النظام الديمقراطي الحقيقي، أم مجرد تنفيذ مشاريع أخرى ليست من هذا القبيل[1].
• الدراسات الروسية تشير إلى أن السبب الحقيقي للرغبة الأمريكية في التغيير في العراق يعود إلى حقل القرنة (المعروف بحقل مجنون)، الذي حازت شركة لوك أويل الروسية على الحق في استثماره لمدة 23 سنة.
وتقدر الكمية التي ستتصرف بها الشركة الروسية بأكثر من 667 مليون طن من النفط الخام. ويقول وحيد اليكبيروف، رئيس الشركة الروسية، أن هذا الحقل يحتوي على أضخم كمية من الاحتياط النفطي بعد آبار السعودية. وهو يتوقع الحصول على 20 بليون دولار من وراء هذا العقد. ويقول المحللون الروس إن الإدارة الأمريكية كانت متخوفة من تدهور العلاقات مع السعودية إلى حدّ الوصول إلى القطيعة. وبما أن العراق يبقى الدولة الوحيدة القادرة على سد الفراغ النفطي في ظروف القطيعة، فقد تصورت إدارة بوش أن التركيز على ضرب النظام العراقي المعزول والحصول على نفطه وطرد شركة لوك أويل من المنطقة سيحل مشكلة اعتمادها على الصادرات النفطية السعودية.
• السبب الآخر المتعلق باحتمالات تغيير النظام العراقي، يعود إلى ارتباط هذا التغيير بأزمة الشرق الأوسط، أي الارتباط الذي عرضه بن غوريون عام 1956 على رئيس وزراء فرنسا غي موليه، أثناء اتفاقهما على ضرب مصر. ويقول موشيه دايان في مذكراته (الفصل 14) إنه حضر المناقشات عندما عرض بن غوريون على الفرنسيين حلا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، على أن يتم توطينهم في وسط العراق بعيدا عن حدود إسرائيل[2]. والأوضاع الحالية للقضية الفلسطينية تدعو الأمريكان واليهود لفتح الملفات القديمة.
[1] مهدي السيد- الحياة اللبنانية 1/3/2002م.
[2] الحياة اللبنانية 7/3/2002م.
السودان
وضعت حادثة القصف الجوي على تجمع للمدنيين في بلدة في جنوب السودان سياسة الحوار التي انتهجتها واشنطن مع الخرطوم خلال الأشهر الأخيرة على محك الاختبار، إذ إنها ستنعكس على مستقبل مسيرة الحوار سواء لجهة تشديد شروط التفاوض المستقبلي، أو ربما بعودة مفاجئة إلى سياسة العزل والعقوبات التي انتهجتها واشنطن تجاه الخرطوم طوال التسعينات. وتجمع التقديرات تقريبا على أن الوجهة الجديدة للسياسة الأمريكية بعد الحادث قد تسرع وتيرة المواجهة وتمثل بداية نهاية لشهر عسل سوداني-أمريكي قصير.
وتسرب خلال الأيام الماضية بعض ملامح الشروط الأمريكية للعودة إلى الحوار خصوصا في مقال نشره المبعوث الأمريكي إلى السودان جون دانفورث في صحيفته المحلية. وقال دانفورث في مقاله القصير ان الحادثة التي قتل فيها 17 مدنيا (تكرار لنسق ثابت في تكرار الهجمات، ونسق ثابت في قول الحكومة السودانية شيئا وفعلها شيئا آخر تماما). وبدا هذا التقويم قاسيا من مبعوث مهمته احلال السلام، ولكنه في الوقت ذاته يعكس عمق الانزعاج الأمريكي والرغبة في استخدام الحادثة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
وكان الحزب الحاكم، في السودان أكثر وضوحا من الحكومة في رده على قرار تعليق الاتصالات الأمريكية مع الخرطوم. وقال الناطق باسمه الشفيع أحمد محمد أن واشنطن (تريد استغلال الحادثة كأداة لممارسة ضغوط على الحكومة السودانية من أجل قبول ما رفضته سابقا لكن هذا لن يحصل أبدا), في إشارة إلى مسألة تحييد سلاح الجو السوداني في حرب الجنوب. ويقول المسؤولون إن المتمردين الجنوبيين هددوا مرات عدة في الفترة الماضية بأنهم سيستهدفون حقول النفط وهو أمر تجند الحكومة كل طاقتها العسكرية للحؤول دونه وسلاح الجو أحد أهم عناصر الآلة العسكرية للجيش[1].
[1] نزار ضو النعيم- الحياة 28/2/2002م.
مراقبة سواحل وأجواء الصومال
ما زالت الصومال تتصدر الأجندة الأمريكية، بيد أن الخطوة المحتملة ضدها هادئة وهادفة.. بدل أن تكون عسكرية خاطفة.. ويتوقع عدد من المراقبين في المنطقة أن يكون التحرك الأمريكي الراهن في الأغلب خليطا من دراسة ملف الصومال ومتابعة تطوراته عن كثب، وتغلغل في المؤسسات الشعبية والرسمية، وصياغة مستقبل الصومال سياسيا وثقافيا واقتصاديا.. بعد فرض رقابة مشددة على سواحله وأجوائه. ولذا يقوم مسؤولون أمريكيون بزيارات ميدانية مكثفة بغية دراسة الوضع الصومالي الراهن عن كثب والغوص في أغواره بعد غياب طال منذ خروج الجيش الأمريكي قبل قرابة عقد من الزمان.
كانت آخر مرة أولت فيها الولايات المتحدة اهتمامها بالصومال أوائل التسعينات. فقد بدأت عملية استعادة الأمل كمهمة لإنقاذ الصوماليين من المجاعة, ولكنها انتهت بمعركة مرعبة بالأسلحة النارية خلفت 18 قتيلا في صفوف الأمريكيين، ومئات القتلى من جنسيات أخرى. ومنذ ذلك الوقت انسحبت أمريكا وحلفاؤها من الصومال.
وبرزت على الساحة منظمات مثل الإصلاح لملء الفراغ. وتمكنت هذه الجماعة من تشكيل شبكة تتألف من 112 مدرسة ابتدائية وثانوية في 17 من الأقاليم الصومالية الـ18.
وتطبق 92 من بين تلك المدارس مناهج مستوردة من الخليج والسعودية.. وتطبق مدارس أخرى مناهج باللغة الانكليزية من كينيا. لوردات الحرب تشعر أن هذه المدارس تنشر الإرهاب والتطرف الديني وتبدل المجتمع.. وإن كان الشعب الصومالي في مجمله ممتن لهذه المدارس التي أنقذت أبناءه من الجهل.. والذي يرى أن الدين يدرس في هذه المدارس ولكن ليس بصورة متعصبة.
الولايات المتحدة تبحث حاليا عن مؤسسات صومالية صديقة في مجال التجارة والتعليم والخدمات، لتكون بديلا عن المؤسسات العاملة في الوقت الراهن، لأن جلها له صلة مع الأصولية الإسلامية أو أنها انبثقت منها حسب الاعتقاد الأمريكي.
منذ 11 سبتمبر، أغلقت واشنطن المؤسسة المالية الرئيسة في الصومال، التي تتخصص في المبادلات المالية وتعرف باسم (البركات) والتي كانت متهمة بتحويل الأموال إلى القاعدة.
وتقوم السفن الحربية الأمريكية والحليفة بعمليات الدورية في السواحل الصومالية التي تمتد على مسافة 1900 ميل في حين تقوم طائرات الاستطلاع بالمطاردة من الأجواء. وقد أوضح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في وقت مبكر من هذا الشهر أن القلق يساور واشنطن تجاه عناصر القاعدة في الصومال، وقال إنهم (يدخلون ويخرجون). ونحن نعرف أنه كان هناك معسكرات تدريب وأنهم كانوا ناشطين[1].
والخلاصة أن الولايات المتحدة تبلور في الوقت الراهن مكونات خطتها إزاء الصومال، كما أنها تعتزم فتح قنوات (!) مع المجتمع الصومالي، وتبحث عن أطراف تتعامل معها لتنفيذ برامجها العملية، ما دامت لا توجد سلطة مركزية فعالة تسيطر على البلد كله أو حتى جل مناطقه، بيد أن جل اهتماماتها –كما يبدو- يتركز على المديين المتوسط والبعيد.
ومع هذا التوجه الأمريكي الملحوظ فإن تفاصيل المشروع الأمريكي حيال الصومال ما زالت في حوزة صناع القرار الأمريكي، وهي في الأغلب ما زالت قيد الدراسة. ويتوقع عدد من المراقبين الصوماليين أن تكون الضربة الأمريكية القادمة موجهة ضد التعليم الأهلي الذي أثبت جدارته وكفاءته خلال السنوات الماضية. وكانت جميع الأطراف الأمريكية، الرسمية منها والصحفية –بلا استثناء- والتي زارت الصومال خلال الأشهر الماضية تبدي (قلقا شديدا) إزاء التعليم في الصومال, على الرغم من النسبة الضئيلة جدا للمنتسبين للتعليم فيما الغالبية العظمى من الصوماليين يحصدها الجهل حصدا[2]!
[1] النيوزويك.
[2] المجتمع الكويتية 6/4/2002م.
ثانيا- العالم الإسلامي
الأوضاع في أفغانستان
في هذا البلد عدة ملايين من الأشخاص مهددون بالمجاعة. كان هذا صحيحا قبل الاعتداءات الأخيرة. وكانوا يعيشون بفضل المساعدات الدولية. ومع ذلك فقد أوجبت الولايات المتحدة في 16 سبتمبر على باكستان وقف قوافل الشاحنات التي كانت توصل المواد الغذائية ومواد أخرى ضرورية للشعب الأفغاني. وهذا القرار لم يثر أي رد فعل في الغرب. وقد شكل سحب بعض العاملين في المنظمات الإنسانية مشكلة إضافية. بعد أسبوع من بدء القصف خمنت الأمم المتحدة بأن اقتراب فصل الشتاء سيجعل مستحيلا إيصال المساعدات, التي تم تقليصها إلى جزء يسير يكاد لا يسد الرمق بفعل القصف الجوي.
عندما طالبت بعض المنظمات المدنية والدينية ومقرر الأمم المتحدة للتغذية والزراعة بوقف القصف، لم تنشر جريدة (نيويورك تايمز) هذا الخبر، وخصصت له جريدة (بوسطون غلوب) سطرا واحدا. في أكتوبر الماضي 2001 سلمت الحضارة الغربية بإمكانية هلاك مئات الآلاف من الأفغان. وفي نفس الوقت عبر رئيس هذه الحضارة عن عدم استجابته لأي اقتراحات من الأفغان للتفاوض في موضوع تسليم السيد أسامة بن لادن، كما لم يستجب لوجوب الإدلاء بدليل يبرر قرار ترحيله. لم يكن مقبول لديه سوى الاستسلام بدون قيد أوشرط.
منذ ما يقرب من مائتي سنة، نحن الأمريكان طردنا أو قتلنا السكان المحليين، أي الملايين من الناس، استولينا على نصف التراب المكسيكي, خربنا منطقة الكاريبي وأمريكا الوسطى، كما اقتحمنا هايتي والفليبين، فقتلنا مائة ألف فليبيني بهذه المناسبة. ثم بعد الحرب العالمية الثانية بسطنا سيطرتنا على العالم بالكيفية المعروفة، ولكن نحن الذين نقتل دائما والحرب تقع خارج ترابنا الوطني.
لفهم أحداث 11 سبتمبر لابد من التمييز بين المنفذين لهذا الجرم من جهة، والمتفهمين له بما فيهم من يعارضونه من جهة أخرى. المنفذون؟ إذا افترضنا أنهم من شبكة بن لادن، فلا أحد أعلم بتكوين هذه المجموعة أكثر من المخابرات الأمريكية وعملائهم: لقد شجعوهم عند ميلادها، فالسيد مدير الأمن الوطني في إدارة الرئيس كارتر كان مبتهجا بالفخ الذي تم نصبه للاتحاد السوفياتي منذ 1978 والمتمثل في هجمات المجاهدين (المنظمين والمسلحين والمدربين من طرف المخابرات الأمريكية) ضد نظام كابول، وهو ما دفع الجيش السوفياتي للتدخل في أواخر السنة التالية. ولم يتحول هؤلاء المقاتلين ضد الولايات المتحدة إلا في سنة 1990 [1].
فتش عن النفط
• عرض مايك روبرت الضابط في شرطة لوس أنجلوس وثائق متصلة بهجمات 11 سبتمبر 2001 وما أعقبها، وعرض خرائط لآسيا الوسطى أوضحت بجلاء بأن الحرب الحالية في أفغانستان قيد التخطيط منذ أربع سنوات على الأقل.
وتساءل: كيف يمكن أن يرسل رئيس الاستخبارات الباكستانية -الذي تقلد منصبه بموافقة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية- بالتلكس حوالة بمبلغ 100 ألف دولار إلى محمد عطا المتهم الرئيس في الأحداث؟!.
وأكد أن الولايات المتحدة وبريطانيا نشرتا قوات كبيرة في المنطقة قبل وقوع الهجمات، وأن إدارة بوش أمرت مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتوقف عن التحقيق مع اثنين من أقارب أسامة بن لادن يعيشان قرب رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية في يناير الماضي.
وأكد روبرت أنه كان هناك اهتمام خاص بمشروع خط الأنابيب الذي تم الاتفاق عليه مؤخرا بهدف نقل النفط والغاز من جمهوريات آسيا الوسطى إلى ساحل باكستان[2].
كما أكدت صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية أن الحرب الأمريكية على أفغانستان كانت مقررة منذ أعوام عدة، وأن أحداث 11 سبتمبر لم تكن إلا الفـرصـة الـذهبية أمام الولايات المتحدة لاختراق منطقـة وسط آسيا، والاستفادة من الخيرات البترولية لبحر قزوين، وهو ما سيتيح لها فرصة عدم الاعتماد بشكل أساسي على بترول دول الأوبك.
وقالت الصحيفة: إن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جورج بوش في أفغانستان الأمريكي من أصل أفغاني (زلماي خليل زاد) اقترح ضرورة إسقاط حكومة طالبان، لكي تسهل مهمة السيطرة على المنطقة.
وفي مقال نشر تحت عنوان: (أفغانستان... ترويض دولة المتمردين) في دورية (واشنطن كوارتلي) الربع سنوية في عددها الصادر في شتاء 2000م, قال خليل زاد: (إن أهمية أفغانستان ستبرز في السنوات المقبلة, إذ إن بترول آسيا الوسطى ومخزون الغاز بها سيجعلانها تؤدي دورا مهما في سوق تجارة الطاقة العالمية, إذ تمثل أفغانستان الممر الأسهل للوصول إلى منابع البترول في آسيا الوسطى, خصوصا منطقة بحر قزوين التي يشبهها البعض بمنطقة الخليج العربي كمصدر للطاقة).
وأكدت الصحيفة: (أن أفغانستان في حد ذاتها لا تملك مصادر عديدة للطاقة, إلا أن الولايات المتحدة تسعى منذ سنوات عدة إلى إلغاء سيطرة روسيا على مصادر الطاقة في بحر قزوين, ومن هنا بدأ التفكير في أفغانستان, لتكون طريقا لتصريف مصادر طاقة تركمانستان عبر الخليج أو الهند التي تتمتع أمريكا بنفوذ قوي فيها).
ومن جانبه قال إمي جافي, المتخصص في مجال مصادر الطاقة بمعهد (جيمس بيكر) بولاية تكساس: (إن الحرب الأمريكية على أفغانستان استهدفت ترويض الدولة, وإيجاد حكومة صديقة لأمريكا, وكانت حكومة طالبان لا تحتوي على المميزات التي تجعل منطقة أفغانستان مستقرة كي تستطيع شركة (Unocal) الأمريكية البدء في مشروع توصيل أنابيب بترولية بين تركمانستان وباكستان عبر أفغانستان).
• وتعلق ليبراسيون بالقول: إنه من السذاجة أن نعتقد أن الولايات المتحدة تدفع كل تكاليف حرب أفغانستان للقبض على أسامة بن لادن الذي لم تثبت عليه حتى الآن أي أدلة منطقية بشأن اعتداءات 11 سبتمبر, دون أن تحقق مكاسب ضخمة من ورائها!
وأضافت الصحيفة: (ان العقلية الأمريكية تسعى وراء البترول, فالرئيس جورج بوش له خبراته الواسعة في مجال البترول منذ أن كان في ولاية تكساس, بل إن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني كان مديرا لأهم شركات البترول العالمية (هاليبورتون), كما أن (كوندليزا رايس) كانت المستشارة الإدارية لشركة (شيفرون) البترولية, وبالتالي فالأعضاء الرئيسون في حكومة بوش على دراية كاملة, وخبرة بالأهمية الاستراتيجية لوجود أمريكا في آسيا الوسطى, ولن يتأتى ذلك –من وجهة نظر خبراء البترول الثلاثة- إلا من خلال حكومة صديقة في أفغانستان[3].
تحديات تواجه حكومة كارزاي
حادثة قتل وزير الطيران المدني الأفغاني أعاد إلى الذاكرة الصراع الخفي بين الجناح الملكي وجناح (شورى نظار) الذي كان يرأسه القائد الراحل احمد شاه مسعود ويمثله الآن الثلاثي وزير الخارجية عبد الله عبد الله, ووزير الدفاع محمد قاسم فهيم, ووزير الداخلية يونس قانوني. وكلهم في المناسبة من بنجشير قرية أحمد شاه مسعود.
في المقابل لا يزال الجناح الملكي مهلهل وفي حال سيولة لا تجمعه سوى عباءة الملك الأفغاني السابق المقيم في روما.
والسؤال: لماذا العودة إلى لعبة النار والاغتيالات؟ يقول المحللون أن الأسباب تعود إلى اختلاط الأوراق, ومحاربة تهميش دور معسكر شورى نظار (أي جماعة أحمد شاه مسعود وبرهان الدين رباني), وظهور رئيس الوزراء بمظهر رجل أمريكا الذي يدافع عن القتل والإرهاب الذي تمارسه ضد شعبه.
أما على صعيد الولايات المتحدة فمايزال الوضع في حال قابلة للإنفجار. والأمريكيون منزعجون من التدخلات الإقليمية الإيرانية والروسية والأوزبكية الأمر الذي يعني أن أفغانستان عادت إلى المربع الأول وهو مربع التنافس بين قوى إقليمية. ومع ذلك فإن عوامل اطمئنانهم أكثر من عوامل قلقهم.. فهم قد رتبوا الأمور وجاءوا برئيس للوزراء المعروف بصلته الوثيقة بالمخابرات الأمريكية، وهو من كان مستشارا لإحدى الشركات الأمريكية العاملة في استخراج نفط بحر قزوين، وقع عليه الاختيار وشُكلت حكومته في بون.. وما على الجميع إلا السمع والطاعة.
[1] نعوم شومسكي- لوموند ديبلوماتيك، شباط (فبراير) 2002م.
[2] مجلة المجتمع الكويتية 12/1/2002م.
[3] المجتمع الكويتية 12/1/2002م.
ما الذي كسبته باكستان؟
لقد انضمت باكستان منذ البداية إلى أمريكا, ووضعت قواعدها ومطاراتها واستخباراتها وجميع أوراقها بيد الأمريكان، على رجاء أن ترضى عنهم أمريكا وتزودهم بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية وتحلُ لهم قضية كشمير.. وتصبح إسلام أباد هي الحليف، في جنوب آسيا بدلا من الهند.. فماذا كانت النتيجة؟
• في مقال ناري شنت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية هجوما شديدا ضد باكستان, اتهمتها بأن لها تاريخا طويلا في دعم وتأييد الهجمات على الهند وخاصة في كشمير, وآخرها الهجوم الذي تعرض له مبنى البرلمان في نيودلهي.
واتهمت الصحيفة باكستان بإيواء من سمتهم الإرهابيين مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الإرهاب, وتعزز في الوقت نفسه موقف مؤيدي الإرهاب في باكستان. وأضافت الصحيفة أن الآلاف من المدنيين قد قتلوا خلال السنوات الماضية على يد المنظمات العسكرية التي تمولها باكستان وأن المخابرات الباكستانية مسؤولة عن مقتل عدد أكبر بكثير من الأعداد المسؤول عن قتلها أسامة بن لادن.
وأشارت النيويورك تايمز إلى أنه خلال العشرين عاما الماضية تراجع نظام التعليم الحكومي كثيرا, ليحل مكانه نظام المدارس التي تعلم التلاميذ ما أسمته أصول الإرهاب، كما أن التسارع وراء امتلاك الأسلحة النووية أدى إلى عزلة الحكومة الباكستانية عن العالم وإصابة الاقتصاد بالشلل.
وقالت الصحيفة: إن إنشاء المخابرات الباكستانية لنظام طالبان في أفغانستان كان له نتائج عكسية, مضيفة أن هناك خطرا الآن من وجود نظام مماثل لنظام حكم طالبان في باكستان مع عودة (المتطرفين الدينيين) من جهادهم في أفغانستان.
• وفي نفس السياق زعمت دراسة نشرت مؤخرا في واشنطن اختلافات جوهرية بين ما صرح به الرئيس الباكستاني برويز مشرف من وعود لمكافحة الإرهاب وبين ما ينوي القيام به أو ما يمكنه تحقيقه فعلا في إطار تلك المعركة.
وحذرت الدراسة من أن الجدل الدائر حاليا في واشنطن حول الوجهة الجديدة في أجندتها للقضاء على عناصر تنظيم القاعدة وطالبان قد ضل طريقه كلية, في ظل هروب تلك العناصر إلى باكستان بحيث أضحت باكستان الدولة التالية في تلك الأجندة.
ونوهت الدراسة إلى أنه من الصعب التصديق بأن الحكومة وأجهزة الاستخبارات الباكستانية لم تمنح حركة طالبان مصادقة ضمنية على تصرفاتها وتمكينها من تطوير علاقاتها مع تنظيم القاعدة. وذكرت أن عناصر تنظيم القاعدة وطالبان الذين فروا حاليا لباكستان قد تلقوا دعم عناصر في الحكومة الباكستانية وقوى سياسية نافذة, إلى جانب دعم الباكستانيين العاديين لهم. وأشارت الدراسة إلى أن واشنطن في ظل هذه الأوضاع ستجد صعوبة في القضاء على بقية عناصر تنظيم القاعدة, انطلاقا من الشكوك الدائرة حول ما إذا كان الرئيس مشرف في وضع يمكنه من تنفيذ وعوده بتوجيه قواه الأمنية والعسكرية إلى تدمير العناصر الإرهابية. وأشارت الدراسة إلى أن هروب عناصر القاعدة إلى باكستان سيضطر واشنطن التي ترغب في حماية أراضيها من هجمات تلك العناصر والقضاء عليها, من شن حملة عسكرية ضدها غير ان ذلك يتطلب موارد أكبر مما تطلبته الحملة على أفغانستان, إضافة إلى المخاوف السائدة من تدمير قدرات باكستان النووية. واعتبرت الدراسة أن احتمال مهاجمة واشنطن لإسلام آباد سيصبح أمرا لا مناص منه في حالة توفر الأدلة الدامغة على إيواء الأخيرة لعناصر تنظيم القاعدة, على الرغم من حرص الطرفين على تجنب هذه الخاتمة لتحالفهما[1].
• ودخلت إسرائيل على خط العلاقات الباكستانية – الهندية حيث تلتقي المصالح الإسرائيلية الهندية في مسائل عدة أهمها:
• اتهام المقاومة الوطنية في كل من كشمير وفلسطين بالإرهاب, واعتبارها إرهابا إسلاميا واحدا, يهدد الطرفين.
تأكيد الهوية الإسلامية لباكستان النووية, واعتبار قدرتها النووية تهديدا مباشرا لكل من الطرفين. وتعتبر تل أبيب باكستان في استراتيجية (الأمن القومي الإسرائيلي) أنها تقع على محيط دائرة تضم إسلام أباد شرقا, والدار البيضاء غربا.
• وتستغل إسرائيل التوجهات الهندية الخاصة بالدعم الأمريكي, للحصول على التكنولوجيا العسكرية المتطورة, والمعلومات الاستخباراتية الخاصة بحركة المقاومة الكشميرية, وتسعى إلى تطوير العلاقات مع الهند إلى درجة التحالف الاستراتيجي، لدفعها إلى تدمير البنية التحتية الباكستانية الخاصة بالسلاح النووي.
• إلى جانب توتير العلاقات الهندية – الإيرانية إلى درجة المواجهة.
• كما تسعى إلى غزو السوق الهندية المدنية والعسكرية على سواء, تحت يافطة المصالح المشتركة, والعدو المشترك.
ولقد وافقت الولايات المتحدة على أن تزود إسرائيل الهند بتكنولوجيا عسكرية متطورة, تمانع الولايات المتحدة بشدة على تصديرها إلى دول أخرى، منها على سبيل المثال طائرة الاستطلاع والإنذار المبكر من نوع فالكون, التي منعت الولايات المتحدة تصديرها إلى الصين, على رغم توقيع العقد بين بكين وإسرائيل. لقد نجحت باكستان في امتلاك القدرة النووية, وإمكانات الردع النووي, وفي تشكيل ثقل استراتيجي في المنطقة, وفي خلق توازن استراتيجي إقليمي, وتلتقي الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية والهندية على تحجيم هذه النجاحات.. إن لم نقل تدميرها[2].
[1] 18/1/2002م.
[2] عز الدين سكاس- الحياة اللندنية 1/3/2002م.
استهداف إيران
كانت إيران من أوائل الدول التي دانت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على الولايات المتحدة وبدا وكأن هناك (تقاربا) في سياسة البلدين إزاء أفغانستان.
لقد كانت إيران على عداء مرير مع نظام طالبان وبقيت كذلك حتى آخر لحظة. لقد قدمت بالتعاون مع روسيا وأوزبكستان المساعدات العسكرية, وعلى نطاق واسع, لتحالف الشمال, وهي القوة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة لتحقيق نصرها العسكري في أفغانستان كما تحمَلت إيران وحدها الأعباء المادية والإنسانية المترتبة على حراسة حدودها الطويلة مع أفغانستان ودعمها.
والجميع يعلم بأن إيران تحمَلت وحدها وعلى نفقتها الخاصة, الأعباء المالية الباهظة لاستضافة ما يزيد على مليوني لاجئ أفغاني هربوا من بلادهم فرارا من القحط أو الجوع أو الاضطهاد من قبل طالبان.
وفي الأسابيع التي أعقبت هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر), قام وزير خارجية بريطانيا جاك سترو بزيارتين إلى طهران, بهدف الحصول على تأييد طهران في حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب. وتؤكد التقارير أنه على رغم أن الزيارتين لم تحققا النتائج المرجوة ولكن بات واضحا أنهما مهَدتا لمصالحة إيرانية – أمريكية مرتقبة.
وامتدحت واشنطن (دور إيران الإيجابي) في مؤتمر بون عن أفغانستان الذي رعته الأمم المتحدة والذي أفضى في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة حميد كارزاي أول حكومة انتقالية في أفغانستان.
وتعهدت إيران بدفع ما يقدر بـ500 مليون دولار إلى الصندوق الدولي لإعادة إعمار أفغانستان, مما أثار إعجاب وتصفيق الدول المانحة.
ولم يعد سراً أن إيران قد تبرعت –وعلى امتداد الحملة العسكرية الأمريكية ضد طالبان- بان تساعد على إنقاذ الأمريكيين العاملين في الحملة, إذا تعرضوا لصعوبات بل إنها –كما تفيد التقارير- سمحت للطائرات الحربية الأمريكية, بأن تهبط في المطارات الإيرانية في الحالات الطارئة.
ولهذه الأسباب مجتمعة بدا وكأن الولايات المتحدة وإيران تتحركان نحو إقامة علاقات صحيحة, وإن لم تكن علاقات صداقة.
أمام هذه المعطيات فما الذي دفع بالرئيس بوش وبكبار المسؤولين الامريكيين, مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي كندوليزا رايس إلى إضافة إيران إلى (محور الشر الثلاثي) المتهم بنشر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل في العالم كله؟
هناك عاملان رئيسان لعبا دورا حاسما في تحقيق هذا التغيير أو الانقلاب:
• الأول هو تأثير إسرائيل –من خلال خدمات اللوبي الصهيوني ونشر الأخبار الكاذبة والمضللة- في صياغة الموقف الأمريكي من إيران.
• والثاني هو نفوذ الصقور في الإدارة الأمريكية, وهؤلاء يصرون على أن إيران هي عقبة أمام مطامح الهيمنة الأمريكية في الخليج وآسيا الوسطى.
وليس من الصعب معرفة أسباب العداء الإسرائيلي لإيران: ففي لغة الجغرافيا السياسية الإقليمية تشكل إيران الدولة الوحيدة القادرة على تحدي التفوق الإسرائيلي بنجاح.
ثم إن التحالف الاستراتيجي مع سورية ودعم (حزب الله) في لبنان, أثار غضب إسرائيل فلم تنقطع عن إدانتهما بعنف والتقارب الأخير بين إيران والمملكة العربية السعودية مكنها من أن تكسر الطوق, من (سياسة الاحتواء المزدوج) التي كانت تنتهجها الولايات المتحدة بوحي من إسرائيل. ولم يكن الانفتاح الأخير الذي سمحت به إيران وسورية على العراق أقل إثارة لإسرائيل التي لا تزال فكرة (الجبهة الشرقية الثلاثية) تشكل كابوسا مرعبا يقض مضاجع قادتها منذ القديم.
وفوق كل شيء آخر أتت إشارات (ذوبان الثلج) في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة أخيرا لتزيد من قلق إسرائيل, لأن هذا التطور من شأنه أن يسمح لإيران أن تتابع استعداداتها العسكرية بما فيها برامجها الصاروخية الباليستية دونما خشية من إدانة أمريكية.
من هنا, فقد أصبح الهدف الثابت للسياسة الإسرائيلية تشويه سمعة إيران, وإقناع واشنطن, وبكل الوسائل الممكنة أن إيران تضمر نوايا عدوانية وشريرة[1]. الأمر الذي حدا بالرئيس بوش لإعلان أن إيران تمثل إحدى زوايا محور الشر!
[1] باتريك سيل- الحياة اللندنية 8/2/2002م.
اندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا
تتهم أمريكا إندونيسيا بوجود شبكة أصولية فيها على علاقة بتنظيم القاعدة.. تخطط لاستهداف المصالح الأمريكية في منطقة جنوب شرقي آسيا.. ولقد اتهمت أمريكا أبو بكر باعشير الحضرمي الأصل بأنه يمثل القيادة الروحية للجماعة الإسلامية, وأن جماعته تنسق مع منظمات إسلامية مماثلة في كل من ماليزيا والفلبين وسنغافورة.
وتزعم مجلة النيوزويك أن السلطات في سنغافورة وماليزيا تتهم الشبكة أنها خزنت متفجرات في الفلبين، وتآمروا لتفجير سفارة الولايات المتحدة وأهداف تجارية في سنغافورة.
خلال الفترة الماضية، اعتقلت السلطات الماليزية 48 مشتبها أصوليا إسلاميا، بمن فيهم يزيد شفعت الذي تتهمه السلطات الأمريكية بأن له دورا في تنظيم القاعدة. كما تقوم قوات أمريكية خاصة بالتعاون مع القوات الفلبينية لمطاردة من تزعم واشنطن أنهم على علاقة بالقاعدة.
ثالثا- المنظمات الإسلامية
كما كان الأمر يوم أعلن الرئيس ترومان عن مبدئه في الحرب الباردة التي شنتها أمريكا ضد الشيوعية.. يعود اليوم منطق الدفاع عن العالم الحر في وجه (محور الشر) وقد تجلى في خطاب بوش يوم 29 كانون الثاني (يناير) 2002م الذي سمى فيه دول محور الشر وحشر بينها كوريا الشمالية للتضليل على حقيقة استهداف العالم الإسلامي من دون سواه. ولدى استقباله شارون في البيت الأبيض أفصح بوش عن استهداف المنظمات الإسلامية (التي من ضمنها حركات تقاتل الاحتلال مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله) بوصفها جزءا من (محور الشر) قائلا: (بدأت بلادنا بتحقيق هدف عظيم جدا هو القضاء على تلك المنظمات ذات الانتشار العالمي وبهذا أعتقد أن العالم سيكون أكثر أمنا وسلاما).
أكثر من ذلك أكد مسؤول التخطيط السياسي في الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس أن (التعامل مع الشر هو الأمريكية القصوى)، فيما قال كولن باول أن الرئيس بوش حدد هدفين رئيسين يتعلقان بالسياسة الخارجية ينبغي الوفاء بهما قبل أي شيء آخر وهما: (كسب الحرب على الإرهاب وحماية الأمريكيين في الداخل والخارج).
المجموعة الإرهابية الأساسية في لبنان هي حزب الله. طلبنا منهم (السلطات اللبنانية)، تجميد أرصدة حزب الله، لكنهم لم يتجاوبوا وقالوا إن حزب الله حزب شرعي ولا تجميد لحساباته. أما في سوريا، فقد ذكَرناهم بأن على أرضهم قادة جماعات إرهابية مثل أحمد جبريل وجورج حبش والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس.
نعرف أن لاحمد جبريل معسكرات تدريب في سوريا, لكن السوريين يقولون ان نشاطه هو عمل مقاومة. معلوماتنا الاستخباراتية تؤكد أنهم يتدربون على الإرهاب. فقلنا للسوريين: اغلقوا معسكرات التدريب، أقفلوا مكاتبهم, اطردوا قادتهم. وبالنسبة إلى حزب الله, طلبنا منهم أن يوقفوا مرور السلاح عبر دمشق من طهران إلى لبنان. والضغط سيستمر مع تطور الحملة على الإرهاب.
وماذا ستفعل أمريكا إذا استمر لبنان وسوريا في رفض استجابة طلباتها؟
هناك خيارات عديدة: الخيار العسكري يمكن أن نعتمده في النهاية وفي حال فشلت كل الخيارات الأخرى. سنتخذ إجراءات ضد من يؤوي الإرهاب[1].
ويبدو أن السوريين قدموا للأمريكيين معلومات وافية عن هذا الموضوع، الأمر الذي حدا بالرئيس بوش إلى الاتصال بالرئيس بشار الأسد لشكره[2].
حكم التفجيرات في الرؤية الإسلامية
• أدانت حركة الإخوان المسلمين الاعتداءات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر).. وأعربت عن عميق أسفها وحزنها واستنكارها لما حدث.. وقالت أن التفجير يتعارض مع كل القيم الإنسانية والإسلامية[3].
• كما أدان اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الحدث..
وتقدم لذوي الضحايا خاصة، والشعب الأمريكي عامة بخالص العزاء[4].
• كما استنكر الإخوان المسلمون أي عدوان يستهدف العرب والمسلمين. جاء في البيان: إن الإخوان يطالبون الحكومات والشعوب العربية والإسلامية، وقد استنكرت الإرهاب الذي لحق بألوف الأبرياء الأمريكيين، أن تقف في وجه أي عدوان أمريكي يستهدف أفغانستان أو غيرها من بلاد المسلمين[5].
• كما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بتحريم تعاون الدول الإسلامية مع دول أخرى لضرب دولة مسلمة، وطالب الدول الإسلامية أن تتأكد من أن أفغانستان أو أي دولة مسلمة هي المسؤولة عن الهجمات على الولايات المتحدة قبل التحالف معها. على الرغم من هذا الوضوح في موقف الحركات الإسلامية تجاه ما حدث في أمريكا يوم 11 سبتمبر إلا أن الحكم الأمريكي بإدانة الإسلام والمسلمين والمنظمات الإسلامية قد سبق الحدث.. وتأكد به للأسف الشديد.. وما زالت الأمور في بدايتها!.
[1] 21/2/2002م.
[2] كميل الطويل- الحياة اللندنية 11/3/2002م.
[3] الإخوان المسلمون- القاهرة 12/9/2001م.
[4] بيان باسم الاتحاد 12/9/2001م.
[5] الإخوان المسلمون 15/9/2001م.
رابعا- العلاقة مع روسيا
عندما أطلق الرئيس الأمريكي ريغان مبادرته في الدفاع الاستراتيجي التي سميت بحرب النجوم عام 1983.. والتي كلفت الولايات المتحدة (35) مليار دولار في مرحلتها الأولى أي 16% من موازنة أمريكا الدفاعية.. في حين كلفت محاولات اللحاق بها 55% من موازنة الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي أدى إلى خروج بلدان أوروبا الشرقية عن نطاق سيطرته, وسقوط حائط برلين، ثم كان تنازل غورباتشوف عن منصبه كأمين عام للحزب الشيوعي وحل الحزب نفسه وفك تنظيماته في روسيا في تشرين الثاني (نوفمبر) 1991، وإعلان أكرانيا استقلالها في 15 أغسطس 1991م.
واستمرت هذه المبادرة حية بعد إعلان الرئيس بوش عن نيته في الاستمرار ببناء الدرع الصاروخي، وعن قراره في إلغاء معاهدة ال اي بي ام كان الهدف من هذا القرار تثبيت هذا الخلل الاستراتيجي مع كل القوى الكبرى القائمة حاليا. وانتقد كل من الحلفاء والخصوم هذه القرارات، معتبرين أنها سوف تؤدي إلى فوضى عالمية، وإلى سباق تسلح قد لا يعرف أحد إلى أين سيؤدي.
لقد صَدَمَ البيتُ الأبيضُ حديثا المفاوضين الروس عن موضوع تدمير الرؤوس النووية، التي كان يفترض التخلص منها بناء لاتفاقات سابقة، وعددها 4000 رأس، وذلك عندما أعلن أنه سوف يخزنها بدل تدميرها. ماذا تعني هذه الخطوة؟ في الشق الروسي، تعني المزيد من الأعباء الاقتصادية في حال قرر الرئيس فلاديمير بوتين عدم تدمير صواريخه. فروسيا لا تستطيع الاحتفاظ برؤوسها النووية في ظل موازنة عسكرية خجولة جدا (9 بلايين دولار)، في مقابل موازنة عسكرية أمريكية تتجاوز الـ379 بليون دولار. إنها رسالة من بوش لبوتين تقول له: (الأمر لي). فإذا ما قررت المواجهة، هناك ثمن باهظ، أما التعاون فيعني تسلمنا زمام الأمور.
وفي الوقت الذي يستغرب فيه المحللون تنازل روسيا عن أوراقها للأمريكان.. فإن بعض الواقعيين منهم يقولون: ان موسكو فقدت كثيرا من الأوراق التي كانت تملكها. فعلى الصعيد الاقتصادي تبلغ حصة روسيا من الناتج العالمي 1-1,5 % أي أقل من حصة تايوان أو هولندا، في حين تزيد حصة الولايات المتحدة على 25%. ولروسيا 0,003% (ثلاثة في الألف في المائة) من النفقات العالمية على العلم والتخطيط. وعلى الصعيد العسكري انكمش تعداد الجيش الروسي إلى مليون و274 ألف عنصر يفترض بهم أن يدافعوا عن مساحة تشكل سبع اليابسة من العالم، علما أن الانفاق على القوات المسلحة في روسيا أقل بـ60 مرة عن الولايات المتحدة، بل أن كل الموازنة الروسية بشقيها العسكري والمدني هي أقل من النفقات الدفاعية لليابان التي ليس لديها جيش بحسب الدستور.
وبانهيار حلف وارسو وانسحاب روسيا من أوروبا ومختلف مناطق العالم الأخرى لم تعد لدى موسكو مرتكزات جيوسياسية تستند إليها، وتبقى الترسانة النووية آخر تذكار عن انتماء روسيا إلى (نادي الكبار) إلا أنها لم تعد ورقة صالحة للتداول في اللعبة الدولية المعاصرة، خصوصا إذا كانت من دون غطاء اقتصادي.
في ضوء ذلك ولعوامل أخرى مماثلة يقول أنصار التعاون مع الغرب أن على روسيا الاعتراف بأنها لم تعد دولة عظمى أو حتى كبرى، وعليها أن تتصرف انطلاقا من هذه الحقيقة. والأكثر تفاؤلا يقول ان روسيا بحاجة إلى بضع مئات البلايين من الدولارات لاستعادة عافيتها الاقتصادية ما سيؤهلها للعودة مجددا إلى الساحة الدولية كواحد من اللاعبين الأساسيين، ويأملون أن تصل هذه (الحقن المالية) من الغرب. وهذه الاعتبارات لعبت الدور المحوري في اتخاذ قرارات بتقديم تنازلات للولايات المتحدة أملا في تحالف سياسي واقتصادي ينقل روسيا من جحيم الخصومة إلى نعيم الصداقة مع الولايات المتحدة.
وبذا يضيق الطوق الذي يحيط بروسيا التي فقدت موطئ قدمها في أوكرانيا غربا ثم بدأت تضيع ما تبقى لها من نفوذ في آسيا الوسطى حيث أقامت الولايات المتحدة قواعد، وبدأت إزاحة روسيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا من هناك. وفي أواخر العام الجاري ينتظر قبول انتساب جمهوريات البلطيق التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي إلى حلف الأطلسي وبذا ستكون الحلقة القوقازية جزءا من سلسلة تمتد من وسط آسيا إلى البلطيق.
إزاء هذه الأخطار البديهية يبدو غريبا موقف روسيا التي قال رئيسها فلاديمير بوتين أن الوجود الأمريكي على خاصرته الجنوبية (ليس بمأساة). بل انه مضى شوطا أبعد بموافقته الضمنية على الطوق كله وإشارته إلى أنه إذا كان الأمريكيون موجودين في آسيا الوسطى فـ(ليه لا) في جورجيا. وبهذا فإن الرياح التي هبت على أفغانستان لم تقتلع بالكامل جذور (طالبان) و(القاعدة) لكنها هدمت العمارة الجيوسياسية في آسيا الوسطى وقد تصبح هذه المنطقة لاحقا ميدانا لاحتكاكات أو حتى مواجهة باردة –ساخنة بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية وسيكون على روسيا أن تكتفي بدور الدولة المساندة ويبدو أن موسكو حسمت أو كادت أن تحسم خيارها لمصلحة واشنطن[1].
[1] الأهرام 3/4/2001م.
خامسا- احتوء الصين
لقد مرت العلاقات الأمريكية الصينية بثلاث مراحل:
• في الأولى كانت الصين أهم حلفاء أمريكا في مرحلة الحرب الباردة, فقد اصطفت الدولتان لمواجهة الاتحاد السوفياتي.
• في الثانية.. ومع نمو الدخل القومي الصيني.. وتحوّل الصين إلى معجزة اقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة أربع مرات في عشر سنوات. في هذه المرحلة أصبحت الصين منافسا استراتيجيا لأمريكا.
• في الثالث.. بدأت الصين تبحث عن تحالفات صينية مضادة لسياسات الاحتواء الأمريكي.. قابلتها أمريكا بإيجاد شبكة من التحالفات مع دول المنطقة لضبط الصين، وإقامة حاجز أمام انتشار النفوذ الصيني في العالم عبر آسيا الوسطى المتاخمة للصين[1].
كانت أمريكا بحاجة إلى حدث كبير مثل حدث 11 سبتمبر لتنفذ سياساتها لاحتواء الصين، بتمتين حلفها مع الهند (أعدى أعداء الصين)، ومع باكستان (أهم حلفاء الصين)، ومع فيتنام وكوريا الجنوبية واليابان وتـايـوان وغيرها من الدول الآسيوية.. بهدف تطويق الصين ومنعها من أن تأخذ دوراً عالمياً يتحدى أمريكا، من أن يكون القرن القادم قرنها وحدها.
[1] جلال الماشطة- الحياة اللندنية 24/2/2002م.
سادسا- قواعد عسكرية في آسيا الوسطى
بعد انحلال الاتحاد السوفياتي، واستقلال دول آسيا الوسطى.. بدأت شعوب هذه المنطقة وكلهم من المسلمين محاولة استرجاع ذاكرتهم، والبحث عن هويتهم الإسلامية، بعد أن جعلهم الروس عن طريق القتل والتدمير والنفي إلى سيبيريا ينسون كل شيء عن دينهم ويفقدون ذاكرتهم.
بدأت شعوب المنطقة تتجه نحو حركات إسلامية معارضة، بعضها يتبنى الصراع المسلح.. وبعضها اختار العمل السري.. بعضها مال إلى السلفية وبعضهم مال إلى الفكر الإسلامي المعتدل.. ولكن الحكام الذين هم من قدماء العسكريين الطغاة الفاسدين قمعوا هذه الحركات بمنتهى الشدة.
كانت روسيا تعتبر هذه المنطقة حديقتها الخلفية.. ولكن الأمر تغير بعد أحداث 11 سبتمبر.. ليس في آسيا الوسطى فقط.. بل وفي روسيا ذاتها التي اعتبرت الحدث فرصة لها لامتطاء قطار الغرب.. ولأمريكا الآن قواعد عسكرية في قرغيزيا بالقرب من عاصمتها بشكك.. وفي أوزبكستان التي بدأت علاقات مبكرة مع أمريكا.. وكذلك مع بقية دول المنطقة.. قواعد عسكرية.. واستثمارات اقتصادية.. وأنابيب نفط تنتهي بالموانئ التركية ولا تمر بروسيا.
نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 24/1/2002م تصريحات للقائد الأعلى للحملة العسكرية الأمريكية في أفغانستان الجنرال تومي فرانكس قال فيها: ان الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية (سابقا) على مكافحة المجموعات الأصولية المتطرفة في أراضيها، إذا طلبت سلطات هذه الدول ذلك, وكان الجنرال فرانكس يتحدث في العاصمة الأوزبكية طشقند، مشيرا إلى أن تعاونا قائما الآن بين الولايات المتحدة وتلك الدول في نطاق تبادل المعلومات الحساسة، لكنه يمكن أن يتوسع في الأشهر المقبلة، إذا ما طلبت الدول المعنية ذلك.
قبل يومين من تصريحات القائد الأمريكي نشرت (الأهرام) تقريرا بثته وكالة (أنباء الشرق الأوسط) من أنقرة تحت العنوان التالي: (واشنطن وأنقرة يتفقان على استراتيجية لترويج النموذج التركي العلماني في آسيا الوسطى. نسب التقرير إلى مصادر صحفية تركية أن الولايات المتحدة أقدمت على تعديل سياساتها في آسيا الوسطى بصورة جذرية. لتفادي تكرار أخطائها السابقة فيما يتعلق بتأييدها منذ بداية الثمانينات للتيارات الدينية في المنطقة, كشفت صحيفة (جمهوريت) التركية عن أهم دلائل التغيير، الذي تمثل في مرافقة رئيس الشؤون الدينية التركي محمد نوري يلماظ، ولأول مرة لرئيس وزرائه بولند أجاويد خلال زيارته الرسمية لواشنطن، حيث أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقيام بجهود مكثفة تبدأ بأفغانستان، وتمتد لباقي دول آسيا الوسطى لنقل النموذج التركي العلماني إلى هذه الدول. وقالت الصحيفة ان واشنطن وعدت يلماظ بتزويده بكل المساعدات الممكنة في هذا الخصوص، وأنه سيقوم بزيارة لأفغانستان في وقت قريب.
ليس سرا أن الإسلام التركي (المعلمن) يحظى بإعجاب شديد في أوروبا والولايات المتحدة، وفي عملية المراجعة وإعادة التشكيل الراهنة يبدو النموذج مغريا للتسويق في بقية الدول الإسلامية[1].
[1] و أ ف 24/1/2002م.
سابعا- أمريكا تنقلب على نفسها
1- هل المطلوب رأس بن لادن؟
هل تريد أمريكا رأس أسامة بن لادن أم أنها تكرر في أفغانستان مسرحية صدام حسين في العراق. والدليل أن أسامة بن لادن نجا مرتين من الموت لأن القيادة الأمريكية سمحت له بالهرب. وكانت المرة الأولى في بداية الحرب، بينما حصلت المرة الثانية في نهايتها. ومثل هذا القصور المكرر جدد السؤال القديم حول الهدف من بقاء نظام صدام حسين وارتباط وجوده وتهديده المتواصل بوجود القوات الأمريكية في الخليج. وهذا ما دفع القيادات الاوروبية إلى الاعتقاد بأن مواصلة البحث عن أسامة بن لادن وأفراد (القاعدة) سيظل المبرر المثالي لانتشار قوات الولايات المتحدة حول حقول النفط في أذربيجان وكازاخستان وبحر قزوين. ومع أن مهمة الحملة الأمريكية لا تعتبر منتهية إلا إذا ألقت القبض على الرأس المدبر للتآمر ضدها, أي أسامة بن لادن[1].
فمنذ إعلان بن لادن عن: (الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى) بتـاريخ 23 شباط (فبراير) 1994 وإقدام هذه الجبهة على تفجير سفارتي أمريكا في كينيا (نيروبي) وتنزانيا (دار السلام) في آب (أغسطس) 1998، وكذلك التدمير الجزئي للمدمرة الأمريكية (كول) في اليمن بتاريخ 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2000، لم تقدم أمريكا على (ملاحقة فعلية) لا استخباراتية ولا عسكرية لبن لادن وجبهته العالمية أو(قاعدته) أو حتى طالبان. إذ اكتفت بضربة صاروخية ليلية كالتها لمصنع أدوية في السودان في آب (أغسطس) 1998 ووجهـت بعـض الصواريخ لأفغانستان.
في حين أن أمريكا كانت تملك القدرة على اختراق تنظيم القاعدة وحركة طالبان للقضاء على بن لادن, وذلك بحكم العلاقات الوثيقة بين الاستخبارات الأمريكية والباكستانية ودورهما المشترك في مساندة نظام طالبان ضد القوى والجبهات الأفغانية الأخرى. وكان بإمكان الولايات المتحدة وعبر الاستخبارات الباكستانية أن تفعل ما فعلته في بيروت (فردان) عبر الاستخبارات الإسرائلية بتاريخ 10 نيسان (أبريل) 1973 حين تم اغتيال القادة الفلسطينيين أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر ردا على عملية (منظمة أيلول الأسود) في الخرطوم في الأول من آذار (مارس) من العام نفسه، التي راح ضحيتها السفير الأمريكي وبمعيته القنصل (كيرتس مور) والقائم بالأعمال البلجيكي (جي عيد). فالعلاقة بين الاستخبارات الأمريكية والباكستانية في صنع أحداث أفغانستان والنفاذ إلى حركة طالبان وتنظيم القاعدة وكذلك (الجبهة الإسلامية العالمية) وثيقة جدا, وبشهادة السفير السعودي السابق في كابول محمد بن عيد العتيبي حين ذكر أن (حركة طالبان صناعة باكستانية-أمريكية مشتركة) منذ نشوئها في (قندهار) منتصف عام 1994 ثم ظهورها إعلاميا في تشرين الأول من العام نفسه[2].
2- لماذا يكرهون أمريكا؟
إن الابتزاز الذي تقوم به أمريكا على صعيد العالم يؤسس لقيام نظام عالمي يغلب فيه العسف على الحق، والاستبداد على الحرية، وشريعة الغاب على الشريعة الدولية. ان أمريكا تنزلق تدريجيا، بزعامـة اليمين الجمهوري الممسك بأعنة الأمور في واشنطن اليوم، إلى تصور المصالح القومية الأمريكية على نحو متناقض مع المصالح القومية للآخرين في المجتمع الدولي.
فخلال الأشهر الثمانية التي قضاها بوش في الحكم، تراجعت الإدارة الأمريكية الجديدة علنا عن بروتوكول كيوتو، والمعاهدة مع روسيا حول سباق التسلح الصاروخي، واتفاق روما بصدد محكمة العدل الدولية، وملحق بمعاهدة السلاح البيولوجي، واتفاق دولي حول ضبط بيع الأسلحة الفردية والصغيرة. كذلك رفضت إدارة بوش عرضا من مجلس الأمن لتفويضها بالإضطلاع بمكافحة الإرهاب مفضلة أن يستند دورها فـي هـذا المجـال إلى توسيع مفهوم حق الدفاع عن النفس على نحو يسمح لها بالتفرد بتحديد أفق ووسائل وأهداف الصراع مع (الإرهاب الدولي). وفي هذا السياق الأخير أطلق الرئيس الأمريكي رؤية أمريكية خالصة للصراع بين الخير والشر, بين الأمن والإرهاب، وأعلن استعداد بلده لحسم هذا الصراع بصورة أحادية.
أثارت هذه المواقف ردود فعل دولية واسعة سلبية، من بينها تصريح ناقد لوزير الخارجية الفرنسي، وآخر لوزير الخارجية البريطاني الذي اعتبر فيه خطاب الرئيس الأمريكي نوعا من النشاط الانتخابي الرامي إلى تعزيز حظ الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. كذلك كان من بينها تصريح كريس باتن، مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي اعتبر الرؤية الأمريكية للوضع العالمي (تبسيطية وإطلاقية)، وهو وصف شديد القسوة بمعايير الديبلوماسية الغربية، خصوصا أنه يأتي من شخصية أوروبية تنتمي إلى حزب المحافظين البريطاني المتعاطف مع الحزب الجمهوري الأمريكي. رد الفعل الأهم على سلسلة المواقف الأمريكية جاء على لسان غيرهارد شرودر الذي أعلن خلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في مطلع هذا الشهر، أنه ما من حل لتعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة، من جهة، وأوروبا من جهة أخرى، إلا (بتوسيع الاتحاد الأوروبي أفقيا وعموديا). بتعبير آخر أن هذه العلاقات لن تصحح عبر النوايا الحسنة وأقنية التحالف والتنسيق، وإنما نتيجة نشوء ميزان قوى دولي جديد يضع حداً لتفرد أمريكا بالقوة والقرار.
إذا كان للقادة الأوروبيين ولغيرهم من القادة الدوليين الآخرين أن ينتقدوا السياسة الأمريكية وان يحثوا واشنطن على مراجعة هذه السياسة، فإنه من حق العرب أيضا‘ بل من واجبهم أن يتخذوا المواقف المشابهة. فالضرر الذي تلحقه هذه السياسة، أي سياسة القوة العظمى الوحيدة، بالمصالح والحقوق العربية لا يقل بل يفوق بمراحل الأضرار التي تتسبب بها للحلفاء الأوروبيين. وإذا كان لهؤلاء الشركاء الأطلسيين أن يرفضوا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لأنها تهدد مصالح أوروبا الاقتصادية والاستراتيجية، فإنه من باب أولى أن توجه القيادات العربية النقد القوي إلى هذه السياسة وأن يكون هدفها الضغط على واشنطن للتراجع عنها. فالانحياز المتمادى إلى جانب إسرائيل، والضغط على العرب لشراء صادرات السلاح الأمريكي ولبيع النفط بأدنى الأسعار، كل هذا يلحق أشد الأضرار بدول المنطقة العربية ويهدد استقرارها، واستطرادا الاستقرار والأمن الدوليين[3].
• كشف استطلاع لمعهد غالوب المرموق أن 18% فقط ممن شملهم الاستطلاع في 9 دول إسلامية يعتقدون أن العرب هم منفذو الهجمات.
وأشار المعهد أن الاستطلاع أجري من خلال 9924 لقاء وجها لوجه بين كانون الأول (ديسمبر) 2001م وكانون الثاني (يناير) 2002م. في السعودية وإيران وباكستان وإندونيسيا وتركيا ولبنان والكويت والأردن والمغرب. ويعيش في هذه الدول التسع نحو نصف سكان العالم الإسلامي.
• 53% لا يؤيدون الولايات المتحدة مقابل 23% قالوا العكس. وأوضح المناهضون أنها دولة عدوانية ومنحازة خصوصا ضد الفلسطينيين وقيمها مادية للغاية وثقافتها مفسدة.
• 66% ينظرون إلى أمريكا بشكل سلبي.
• 77% ينظرون إلى الهجمات على أفغانستان غير مبررة أخلاقيا مقابل 9% يرون أنها مبررة.
ونقلت شبكة سي أن أن التلفزيونية الأمريكية عن معهد غالوب قوله: أن هذا الاستطلاع قد يكون أكثر مشروع طموح في تاريخه[4].
ولا يقتصر الأمر على المسلمين والأوروبيين، فقد ظهرت الانتقادات داخل الولايات المتحدة نفسها، فقد قالت (مدلين أولبرايت) وزيرة الخارجية السابقة في مقابلة مع محطة (ان بي سي) الأمريكية يوم الأول من فبراير 2002، نقلتها عنها وكالة الأنباء الفرنسية: إن كثيرا من الناس في المجموعة الدولية والمجتمع الدولي يعتقـدون أن أمريكا فقدت صوابها إزاء إدارتها الحالية للأوضاع الراهنة، وداخل الحزب الحاكم نفسه ظهرت أيضاً انتقادات، فقد اتهم السيناتور الجمهوري (تشوك هاجل) أعضاء حكومة بوش باتخاذ موقف متعجرف من الحلفاء الأوروبيين واستخدام تعبيرات قد يكون لها عواقب وخيمة على الولايات المتحدة.
أما (جون دينجل) النائب في الكونغرس فقال في رسالة بعث بها للرئيس بوش بشأن القضية الفلسطينية إنـه يشعر بالقلق من بعض بيانات الإدارة مؤخرا التي يعكس الانحياز وعدم العدالة وتعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة تفشل في أن تكون وسيطا نزيها.
أما الكاتب والصحفي الأمريكي نورمان ميللر فقال: إن أمريكا مفتونة بنفسها بشكل مقزز.. إنها الدين الحقيقي لهذه البلاد، واتهم ميللر اليمين الأمريكي الذي يمثله الحزب الجمهوري الحاكم بالاستفادة من أحداث 11 سبتمبر حتى إنه قال: لو كنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة لقلت: إنه وراء الأحداث[5].
3- إرهاب الإعلام
كانت أمريكا تتهم إعلام الحكومات الديكتاتورية بأنه إعلام موجه.. بعيد عن الحقيقة.. وها هي تسلك السلوك عينه بعد 11 سبتمبر.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن خطة إعلامية أمريكية وضعتها وزارة الدفاع بهدف التأثير على الرأي العام وخلق حقائق جديدة قد تكون مضللة وكاذبة وملفقة.
ومع أن التعاطي في شـؤون الدعايـة ونشر الإشاعات كـان محصـورا بـوزارة الخارجيـة والاستخبارات المركزية، إلا أن ضعف أدائها أثناء حرب أفغانستان أعطى (البنتاغون) دورا إضافيا لتجميل صورة الحملة الأمريكية. وفي رأي وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن وسائل الإعلام العربي – من قنوات وصحف وإذاعات- ربحت معركة الصور والأفكار.
تقول مصادر (البنتاغون) أن استخدام طرف ثالث في حملة الإعلام المسيس سيبعد تهمة التوجيه الهادف عن الإدارة الأمريكية, ويعطي مكتب (ريندون) هامشـا واسعا للتشويه والتمويه. وفي هذا السياق ذكرت (نيويورك تايمز) وجود خلاف في الرأي بين الأجهزة المختصة على اعتبار أن هذا الأسلوب قد يفقد تأثيره الإيجابي في حال اكتشف العرب والمسلمون الدعاية الشريرة التي غطت بها وسائل الإعلام الأمريكية الوقائع.
المثقفون في أوروبا انتقدوا بشدة النهج السياسي الأمريكي الجديد لانه في نظرهم، يحارب الإرهاب بشن إرهاب مضاد سيؤدي إلى تغيير جذري في طبيعة النظام الديمقراطي. وكتبوا سلسلة مقالات في صحف مختلفة بينوا فيها مساوئ التحول من مجتمع يحكمه السياسيون إلى مجتمع يحكمه العسكريون[6].
ولا بأس أن نذكر بعض نماذج هذا الإعلام المضلل:
• الحديث المستمر عن محاولات بن لادن حيازة أسلحة نووية.
• تضخيم العدو، صدام سابقا، وبن لادن حاليا.
• الحديث المستمر عن مخطط بن لادن لضرب مفاعلات نووية. وهكذا..
4- حقوق الإنسان
تحـدثت الصحف البريطانية عـن سوء حال الأسرى الذين ينقلون إلى القاعدة الكوبية، وقالـت ان الصور التي نشرتهـا وزارة الدفاع الأمريكية تظهر أن الأسرى لا يعون ما يجري لهم، وأنهم فقدوا إحساسهم بالمكان والزمان وهم في حالة ذهول وارتباك.
ونقل عن جيم ويست، كبير مسؤولي الشؤون الطبية في (منظمة العفو الدولية) قوله أن صـورة الأسـرى الـراكعين جميعهم تذكر بسوء المعاملة التي كانت تعرفه أوروبا الشرقية في السبعينات، حيث كان الأسرى يعزلون لفترة طويلة قبل وضعهم في السجن، مشيرا إلى أنه (ليس بوسع الأسرى الإبصار أو السمع أو الشعور بأي شيء، وهم يجبرون على البقاء في وضعيات مؤلمة لفترات طويلة من الوقت، هذا باختصار انتهاك لحقوق الإنسان).
لقد أجبر المعتقلون على ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون، وسدادات في الأذن تمنع عنهم السمع، وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم. وقفازات ثقيلة بحيث لا يستطيعون لمس شيء أو تحسسه، كما قيدت أرجلهم بعارضات حديد كانت تستخدم أيام تجارة العبيد.
وذكرت هيلين هامبير، مديرة (مؤسسة الرعاية الطبية لضحايا التعذيب) أن سجناء غوانتانامو سيعانون من الاختلال وفقدان الرشد وربما أيضا سيصابون بانهيار، مشيرة إلى أنهم سيكونون عرضة للهلوسات المرعبة، ويشعرون بفقدان التوازن. ويمكن أن يعتقدوا بكل سهولة أنهم أصيبوا بلوثة جنون، ورجحت إصابتهم بنوبات ذعر مفاجئة، وانقلاب مزاجهم باستمرار، وتعرضهم لكوابيس مفزعة، كما حدث مع معتقلين تعرضوا في الماضي لعمليات تعذيب مماثلة. ونبهت إلى أن الحرمان من الإحساس يمكن أن يؤدي إلى انهيار الإعصاب لأن الأمر يعني هجومـا على شخصيـة الفرد وتحديا لمفهومه عن شخصيته.
هل نستطيع أن نقول: أن من يملك القوة الغاشمة.. يكون دائما على صواب؟
5- امبراطورية بلا حدود
• لم تكن الدرع الصاروخية الهدف العسكري الوحيد الذي خرج من الملفات وصار حقيقة واقعة.
• فقد حصلت المؤسسة العسكرية على اعتمادات من الكونغرس لم تحصل عليها من أي عهد سابق، لقد كان الحلم الأعظم للمؤسسة العسكرية الأمريكية على امتداد السنوات منذ حرب الكويت إعادة بناء جميع أنظمة التسلح الأمريكية، والتحول –غير المتدرج- من مؤسسة تخدم مصالح دولة أعظم وتحافظ على أمن أجوائها وأراضيها وبحارها إلى مؤسسة تحمي مصالح أمبراطورية لم يعرف التاريخ لها شبها في القوة أو المساحة أو الطموح.
• جاء هذا التطور وبرفقته تطور آخر لا يقل أهمية، إذ سكتت أصوات كثيرة كانت تحذر من عسكرة أمريكا.
• وتحقق هدف آخر، لم يكن من الأهداف المستحيلة وإنما كان بطيئا وحذرا، كان الهدف أن تقترب القوة العسكرية الأمريكية من حدود الاتحاد الروسي، بدأت واشنطن منذ أيام كلينتون بتنفيذ خطة توسيع حلف الأطلسي وتمدده نحو الشرق. ومع كل إنهيار في اقتصاد روسيا وتدهور في أوضاعها السياسية كان يتحقق تقدم أو آخر على صعيد التمدد الأطلسي. ثم بدأت الولايات المتحدة تتمدد منفردة بغير الأطلسي من خلال منطقة القوقاز. واستمرت في محاولتها إثارة دول البلطيق الثلاث للمطالبة بالانضمام للحلف الأطلسي. كان واضحا أيضا أن أكثر من عضو في الفريق الأمريكي المساعد للرئيس بوش مستعد لدفع الأمور نحو مواجهة مع روسيا إذا استدعى الأمر ذلك، فالعداء لروسيا لدى بعض أعضاء الفريق لا يختلف عن عداء كيسنجر لروسيا, انه العداء المتأصل في الفكر الاستراتيجي الغربي ضد الطبقة السياسية الروسية شيوعية كانت أم رأسمالية.
وحل اليوم الكئيب، وبعد ستة شهور كان قد تحقق الهدف في معظم جوانبه، إذ صار للقوات الأمريكية قواعد في عدد من الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا, وكلها متاخمة لروسيا, وهي موجودة الآن لدوافع التدريب والعمليات الثانوية في جورجيا، أشد الجارات خطرا على مصالح روسيا في القوقاز، وربما أشدها خطرا على الاستقرار السياسي في المنطقة برمتها. أمريكا الآن تحاصر بالوجود العسكري روسيا، وهو ما لم يحدث في الفترات الأشد توترا خلال الحرب الباردة.
• وتحققت أهداف أخرى، لا يتسع المجال للحديث عنها تفصيلا رغم أهميتها. فقد أثارت الانتباه مثلا هذه السرعة التي استعادت بها إدارة الرئيس بوش هيمنة الدولة على حياة المواطنين العاديين بحجة حماية أمريكا من الإرهاب. فقد صدرت بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) تشريعات وقوانين تهدف إلى تعظيم قوة الإدارة الحكومية الأمريكية في الداخل كما في الخارج. وفي معظم الحالات جاء هذا التعظيم على حساب حريات المواطنين وخصوصياتهم وحقوقهم الدستورية، وعلى حساب شعبية أمريكا ومبادئها في الخارج[7].
6- اندحار الشرعية الدولية
كانت الأمور في السلم والحرب منضبطة إلى حد ما بالشرعية الدولية. أما الذي فعلته أمريكا مؤخرا.. فهنـاك أوامـر وضـرورات اعتباريـة, تُعلـن من طـرف واحـد هـي التي تبرر اللجوء إلى القوة المسلحة وإلى تصورات رجعية مثل الصراع بين الخير والشر الذي يذكر بتلك التصورات التي كانت تبرر الحروب في القرون الخوالي.
إن ذريعة الإرهاب الدولي وكذلك السياسة الامبريالية الأمريكية تسرعان مسلسل تفكيك كل ضبط قانوني للعلاقات الدولية.
• إن الولايات المتحدة تعطي لنفسها الحق في تدويل قوانينها الداخلية الخاصة بها وقيمها الأخلاقية الخاصة وفرضها على العالم.
• وكذلك من المفاهيم الأكثر وضوحا للقانون الدولي تم التشطيب عليها. حصل ذلك بالنسبة لحق الدفاع عن النفس. ان الفصل 51 من ميثاق الأمم المتحدة يعطي للمنظمة الدولية وحدها الحق.. لتقرر من المعتدي، ومن الدولة المعتدي عليها، وكيفية الرد. ولقد شطبت أمريكا على القانون وأخذت الأمور بيدها.. لتقرر وحدها عناصر الموضوع وتبدأ بالعدوان[8].
7- مأزق الامبريالية الليبرالية
في إطار هذا المأزق نتذكر تساؤلات دينس كوشينيتش النائب الديمقراطي عن ولاية أوهايو[9]:
كيف تسوّغ أمريكا لنفسها إلغاء التعديل الدستوري الرابع, وهو التعديل الذي يمنع تفتيش الناس واحتجازهم من غير سبب وجيه؟
كيف تسوّغ أمريكا لنفسها إلغاء التعديل الدستوري الخامس، وهو التعديل الذي لا يسمح بتوقيف المشتبه بهم لأجل غير مسمى من غير محاكمة؟
كيف تسوّغ أمريكا لنفسها إلغاء حق المتهم في محاكمة فورية وعلنية، وحماية المتهم من العقاب القاسي غير المألوف، والتفتيش السري الذي يتم من غير إذن المحكمة، كيف تسوّغ تصنيف أية مجموعة بأنهـا إرهابية, كيـف نسمح لأجهزة الاستخبارات استهداف الناس ومراقبتهم والتجسس عليهم.
لقد فوضنا الرئيس بالرد على هجمات 11 من سبتمبر.. ولكنا لم نفوضه بشن الحرب على العراق، أو كوريا الشمالية، لم نفوضه بضـرب المدنيين فـي أفغـانستان، لم نفوضه باحتجاز الأسرى في غوانتانامو بصورة مهينة ودائمة، لم نفوضه بالانسحاب من معاهدة جنيف، لم نفوضه في قرار إنشاء المحاكم العسكرية, لم نفوضه في إرسال فرق الاغتيالات، لم نفوض له بإبطال العمل بلائحة الحقوق، لم نفوض الإدارة قرار شن حرب لا نهاية لها.
إن أمريكا التي يقف معها العالم هي التي تقف في محور الأمل واليقين والسلام والحرية.. لا أمريكا التي تتأهب لملاحقة محاور الشر، وهناك مخاوف جدية يقودها حاليا زعيم الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ توم داشل.. ويحذر من أن الولايات المتحدة تنجر إلى حروب تخص الآخرين[10].
[1] نيويورك تايمز 2/3/2002م.
[2] محمد أبو القاسم حاج حمد- الحياة اللبنانية 10/3/2002م.
[3] لماذا يكرهون أمريكا- رغيد الصلح (الحياة اللندنية 21/3/2002م).
[4] رويترز 28/2/2002م.
[5] المجتمع الكويتية 16/2/2002م.
[6] سليم نصار- الحياة اللندنية 2/3/2002م.
[7] جميل مطر 13/3/2002م.
[8] روبير شافران- المجلة الأوروبية للقانون الدولي نقلا عن التجديد المغربية 15/2/2002م.
[9] 17/2/2002م.
[10] 5 /3/2002م.
كيف السبيل؟
بعد هذا الاستعراض الموجز لبعض ملامح الخطة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب، نتساءل:
كيف تستطيع الأمة المسلمة التعامل مع هذا المخطط؟
تستطيع الأمة التعامل مع المخططات الأمريكية، والحفاظ على هويتها وحضارتها باتباع ما يلي:
- 1- مبدأ احترام حرية جميع الشعوب والدول، فإن هيئة الأمم المتحدة تؤكد المساواة للبشرية بأسرها في مبدأ حرية الشعوب وحق تقرير المصير، كما أن الإسلام يؤكد هذا المبدأ للجميع ويدعو إلى القضاء التام على كافة أنواع الاستعمار.
- 2- مبدأ نظام التعددية والذي يعني أن استيلاء إحدى الدول أو الحضارات على البشرية خطر رهيب للأمن العالمي – والكل له حق الدفاع عن حضارته وثقافته – والصبغة الواحدة المفروضة تخالف الفطرة والعدل، كما لكل واحد حق في أن يتقدم ويتطور وفقاً للمبادئ التي يؤمن بها.
- 3- مبدأ حلّ النزاعات بين الشعوب والأمم بالتفاهم والتفاوض، وأما استخدام القوة فينبغي أن يكون له قوانين وأعراف دولية، كما لا بد من تنظيم الرأي العام العالمي ضد كافة أنواع الإرهاب مع التفريق بين الإرهاب وحركات التحرر والمقاومة الشرعية.
- 4- مبدأ توفير ضمان العدل والإنصاف لكافة الأمم والشعوب تحت مظلة نظام العدل العالمي، وذلك لإنقاذ البشرية من الظلم والعدوان.
- 5- مبدأ إيجاد السبل للتعاون الدولي المشترك والمحافظة على استقلال وحرية الأقوام والشعوب والدول.
هذه النقاط الخمس يمكن أن تكون أساساً للنظام العالمي الجديد الذي يضمن الأمن والعدالة للمجتمع الدولي. وقد حالت القوى المعادية دون تحقيق هذه الأماني ولكن يمكن التصدي لها بالقيام بما يلزم لتحريض المجتمع الدولي وكسب الرأي العالمي بالأساليب السلمية الودية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بإعادة الثقة وتسخير الوسائل المتاحة لصالح الأمة، وبإيجاد الجو المناسب للتعاون المشترك بين الدول الإسلامية.
خطة عمل للأمة الإسلامية
ليس من المفروض تقديم جدول العمل هذا على المستوى العالمي، بل من اللازم إصلاح أنفسنا قبل دعوة غيرنا إليه، ونبدأ ذلك بنقد الذات كمرحلة أولى.
• إن ما يحدث اليوم وبعد 11 أيلول (سبتمبر) يكفي لفتح أعيننا. والدول والأشخاص الذين كانوا يزعمون أن علاقات الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تضمن لهم الأمن والعزة، وفضلوا إيداع أموالهم وثرواتهم لدى الغرب بدلا من أن تكون في دولهم، لا بد وأنهم فهموا من الوهلة الأولى أن ما خدعوا به كان سرابا. ويجب أن يقفوا عند هذه الحقيقة المرة (فالظلام والليل لا يجلوهما إلا الصبح الصادق). إذاً ينبغي السعي وكخطوة أولى لإيجاد جوّ للأعتماد على أنفسنا وشعوبنا ومنحهم الحريات الفردية والسياسية والقضاء على الاستبداد الشخصي في الحكم لضمان الحفاظ على الحرية والاستقلالية، ويمكن أن يتحقق ذلك من دون نزاعات وحروب داخلية. والهدف هو بناء وتقوية أمتنا الإسلامية للإعتماد على أنفسنا بدلا عن الغير.
• ولا يمكن إنكار أهمية المعتقدات الدينية والوطنية في رقي الأمم والدول، ويحتاج ذلك إلى التفاهم والتكاتف وروح المشاركة في المجال السياسي والاقتصادي بين السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة والشعب وإيجاد علاقة من الودّ والاحترام والتعاون المتبادل. وقد أشار رسول اللهr إلى ذلك في قوله بالمعنى: (خير عمالكم الذين يحبونكم وأسوأ عمالكم الذين تكرهونهم ويكرهونكم).
• بعد كل ذلك يجب أن نركز جلّ اهتمامنا على التعليم والتربية وتوفير التسهيلات الأساسية واللازمة للحياة، وإيجاد وتهيئة فرص العمل، والتوزيع العادل للثروات الوطنية والقومية بين جميع فئات الشعب، والعمل الجاد للحصول على مصادر القوة والتكنولوجيا الحديثة وإيجاد الجو الملائم والمشجع للإبداع والاختراع. وهذه الأمور تعتبر من المبادئ والأصول التي تعتمد عليها سياسة البناء. إن الاعتماد على الذات لا يعني بالضرورة الاستغناء عن الآخرين، والتمويل الذاتي لا يعني قطع العلاقات الخارجية بل هو يعني القدرة والتحكم الكافيان على الوسائل المادية لنتمكن من وضع سياسة للأمة وفقاً لأهداف ومقاصد وجودنا بحيث نتحرر من التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية والخارجية.
• ومع كل ذلك يجب ألاّ نغفل عن الحقيقة بأننا (أمة وسطاً) أخرجنا للناس لإقامة الحجة والشهادة عليهم، وعلى عاتق الأمة الإسلامية تقع مسؤولية السعي الجاد لنشر الخير والعدالة ومحو كل أنواع الجور والظلم والعدوان. الإسلام هو الدين الذي لا يقبل أبدا التطرف والتشدد وسياسة البطش والقوة والإكراه، لا على الأفراد ولا على المجتمعات أيضا، كما أن ذلك لا يتناسب مع الوجه المشرق للدين الإسلامي الحنيف في أي حال من الأحوال. إنما يأمر بالالتزام بمبادئ الود والأخوة والمروءة والتعاون والمشاركة.
• أما الجهاد الذي يستهدف أصلا رفع المعوقات الموجودة في توجيه البشرية وإقامة نظام العدل وضمان الحرية والعزة لها، وهو في جميع صوره – باللسان والقلم والنفس والمال – يخضع للآداب والأحكام والضوابط الشرعية والخلقية. فينبغي نشر حقيقة دعوته وتعاليمه وتعريفه بين المجتمعات على هذا الأساس ليسود الفهم والوعي الواضح التام ولتستفيد البشرية من تعاليمه.
كان من الواجب نشر هذا الفهم الصحيح للجهاد وإظهاره في كل العصور إلا أن ضرورته الآن أصبحت تحديا كبيرا مع الأوضاع الراهنة حيث اختلط الحابل بالنابل حتى تصنف الجهاد اليوم بالإرهاب والتشدد. ينبغي للامة الإسلامية ألاّ تقبل أية مساومة على مبادئ الجهاد الأساسية وتعاليمه وآدابه, وذلك لأن الجهاد هو ذروة الإسلام ورمز لقوته. وإن من فضل الحركات الإسلامية العالمية على الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي أنها قامت بإحياء روح الجهاد في عصرنا الحاضر وعملت بجهد لتبيين مقاصده وآدابه بوضوح تام, وسعت لإقناع المسلمين للإلتزام به.
• وأخيرا فلا بد للدول الإسلامية أن تقوّم العمل المشترك والتعاون في المجال الإعلامي والتقني والتعليمي نظراً للعلاقات الأخوية الودية التاريخية بينها، وذلك لأن التحدي القائم ضدها من النظام العالمي الجديد أصبح واضحا جدا، فلابد من القيام بما يلزم لمواجهة ذلك التحدي، كما يجب أن تقدم الحلول للنزاعات القائمة بين الدول الإسلامية لتمتين وحدة الصف الداخلي والعمل الجاد لتنظيم التعاون الإعلامي لإيضاح الموقف الإسلامي على المستوى العالمي[1].
معالم خطة
هذه الخطة التي اقترحها البروفسور خورشيد أحمد.. تصلح لأن تكون معالم خطة.. يبني عليها المسلمون موقفهم الموحد، لمواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدف وجودهم، ودينهم، ومقدساتهم.. ولا أظن أحداً لا يسمع ويرى اليوم ما يحدث في فلسطين.. وكذلك لا نظن أحدا لم يسمع ما ذكره صحافي فاجر عندما قال: ان أيسر الطرق للقضاء على الإرهاب هو ضرب مكة المكرمة بقنبلة نووية.
[1] خورشيد أحمد- كشمير المسلمة (فبراير 2002م).
كلمة الختام
وأخيرا.. فإن كل مسلم مطالب :
• أن يتعرف على قضايا المسلمين، ويستشعر مسؤوليته تجاهها، ويساهم في تعريف الأمة بها، ويتعاون مع الآخرين في بذل الوسع لنصرتها: بالدعاء والمال والنفس.
• أن تكون كلمته موزونة، ومواقفه واعية، فليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب. أن يكون عمله لله.. وفي سبيله.. فنية المرء خير من عمله.. ولنتذكر دائما أن النصر مع الصبر.. وأن العدوّ مهما بالغ في الجعجعة والتباهي.. فهو ضعيف في نهاية المطاف.. ولينصرن الله من ينصره.