مأساة حجاج غزة
من المسئول عن مأساة حجاج غزة؟!

في تضليلٍ إعلاميٍّ غير مسبوق ضد حركة حماس، قام المساندون للمشروع الصهيوني الأمريكي بتفجير بالونات إعلامية لإظهار الحركة على أنها عطَّلت حُجَّاج غزة من الخروج للحج هذا العام بدليل فتح النظام المصري معبر رفح لمدة ثلاثة أيام وإجبار الشرطة الفلسطينية في غزة الحُجَّاجَ على العودة إلى منازلهم بعد خروجهم بملابس الإحرام لاجتياز معبر رفح.
وبمصاحبة هذا السيناريو في الفيلم العظيم الذي قام بإخراجه مباشرةً محمود عباس بالتعاون مع النظام المصري والمملكة العربية السعودية؛ صرَّح محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية حتى الآن - وليس بعد 8 يناير القادم - بأن حماس منعت الحُجَّاج من الحج للمرة الثالثة في التاريخ، أما المرة الأولى - على حد زعمه - فكانت المنع بيد كفار قريش، وهذا خطأ تاريخي، والثانية كانت المنع من القرامطة، كما قال.
وشنَّ الإعلام الموالي للمشروع الصهيوني الأمريكي حملة ضارية، وبخاصةٍ في مصر، على حركة حماس باعتبارها ارتكبت جرمًا فادحًا في حق الشعب الفلسطيني!.
ويبدو أن الذين خططوا لهذه المؤامرة الكبيرة قد نجحوا إلى حد ما في تأليب بعض الرأي العام على حركة حماس لمنعها الحُجَّاج أيًّا كان انتماؤهم.
ويبدو أيضًا أن من خيوط هذه المؤامرة التعمية على الحصار الخانق وتأديب حركة حماس لرفضها الجلوس في حوار القاهرة مع فتح للتوقيع على الورقة المصرية بدون شروط، ومنها تجريم العمل المقاوم، وكذلك التغاضي على أن لها معتقلين سياسيين في الضفة الغربية على يد أجهزة دايتون عباس.
إن إجلاء الحقيقة يتطلَّب الترويَ والنظر ببعد إلى مجمل الأحداث والتحليل لا التضليل من أجل الوصول إلى معرفة ما يجري خلف الجدار المصري على حدود رفح.
وإليكم يا سادة ما حدث في قضية الحُجَّاج بالأدلة والبراهين،
وعليكم أن تشيروا بعدها بأصابع الاتهام إلى المتسبب في تلك المأساة:
1- أعلنت وزارة الأوقاف في غزة التابعة لحكومة إسماعيل هنية عن إجراء قرعة الحج هذا العام ككل عام، وللعلم فإن عدد التأشيرات المخصَّصة للحُجَّاج الفلسطينيين في الضفة والقطاع حوالي 8 آلاف تأشيرة؛ نصيب قطاع غزة منها ما يزيد قليلاً عن 3000 تأشيرة، ونصيب الضفة حوالي 4500 تأشيرة.
2- تقدَّم إلى قرعة الحج في غزة الآلاف من كل أبناء القطاع، وفاز بها ثلاثة آلاف فقط حسب التأشيرات المخصصة للقطاع كما يحدث في كل عام، وتم إبلاغ السلطات السعودية بأسماء وأعداد حُجَّاج غزة من أجل الحصول على التأشيرات كما يحدث في كل عام.
3- وصلت تأشيرات حُجَّاج الضفة إلى السلطة في رام الله، لكنها لم تصل إلى الحكومة في غزة، فطالبت الحكومة السلطات السعودية بسرعة وصول التأشيرات لسفر حُجَّاج غزة أسوةً بما تم في الضفة، ولكن لم تتلقَّ أي رد أو استجابة من السلطات السعودية.
4- أعلنت السلطات السعودية أن التأشيرات المخصصة لحُجَّاج غزة قد وصلت بالكامل إلى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وصرَّح محمود عباس نفسه في جريدة (الشرق الأوسط) اليومية الصادرة يوم الخميس الموافق 11/12/2008م بأن السلطات السعودية لا تتعامل إلا مع السلطة الشرعية في رام الله، وأن التأشيرات قد وصلت كلها بالفعل إليه.
5- قبل بداية موسم الحج بأسبوعين أعلنت السلطات المصرية في الإعلام فقط أنها فتحت معبر رفح لمدة ثلاثة أيام لمرور حُجَّاج غزة.
6- أعلنت الحكومة في غزة أن معبر رفح لم يُفْتَحْ مطلقًا على الرغم من الإعلان عن فتحه إعلاميًّا، ودلَّلت على ذلك بأنه يستحيل أن تفتح مصر المعبر من دون التنسيق مع حكومة وشرطة غزة لدخول وخروج المواطنين كما يحدث في خروج ودخول الجرحى للعلاج في مصر وكما هو معمول به في أي منفذ بري على الحدود بين أية دولتين في العالم؛ فمن المستحيل أن يتم فتح المعبر من جانب واحد دون التنسيق مع الجانب الآخر.
7- فوجئت الحكومة في غزة ببضع مئات من المواطنين يتوجَّهون إلى معبر رفح بدعوى أنهم حُجَّاج، وهم ليسوا من الحُجَّاج الذين فازوا بالقرعة الشرعية في غزة، فطلبت منهم الشرطة في غزة إبراز الوثائق والتأشيرات، فلم يكن معهم وثائق ولا تأشيرات، فأعادتهم إلى مساكنهم؛ لأن المعبر لم يُفْتَحْ مطلقًا، إلى جانب أنهم لم يكونوا من الحُجَّاج الذين فازوا بالقرعة الشرعية، ناهيك على أنهم لم يحملوا أساسًا وثائق الحج ولا التأشيرات، وحدثت بينهم بعض المناوشات مع الشرطة في غزة.
8- أعلنت الحكومة في غزة أنها لن تمنع أي مواطن يحمل وثيقة سفر وتأشيرة حج من الخروج عبر معبر رفح بشرط إبراز هذه الوثائق وفتح المعبر، حتى إن كان من غير الفائزين في القرعة الشرعية التي جرت في غزة.
9- في تلك الأثناء كانت سلطة رام الله بقيادة عباس قد باعت وتاجرت في معظم تأشيرات غزة في رام الله، وعلى ما يبدو أبقت بضع مئات من التأشيرات للمحسوبين عليها في غزة، وقالت لهم إن وثائقهم والتأشيرات موجودة لدى السلطات المصرية في العريش حتى لا تستوليَ عليها حماس.
10- طالبت حكومة غزة بالتنسيق بينها وبين السلطات المصرية ورام الله حول هذه الأزمة، وطلبت حتى من السلطات المصرية كشوفًا بأسماء المواطنين الذين تمتلك لهم وثائق وتأشيرات حج قيل إنها موجودة بالعريش، فلم يرد عليها أحد، وفي هذه الحالة يستحيل أن تسمح الحكومة في غزة بخروج المواطنين دون وثائق ودون كشوف ودون تنسيق، ناهيك عن غلق المعبر الذي لم يُفْتَحْ مطلقًا.
11- ناشدت الحكومة في غزة السلطة في رام الله والحكومة المصرية والحكومة السعودية إيصال الوثائق والتأشيرات لحُجَّاج غزة ومن تريد أن تضيف إليهم ممن يحملون وثائق وتأشيرات الحج ليخرجوا جميعًا عبر معبر رفح بعد فتحه، ولا مجيب.
12- ظل الحال كما هو عليه حتى قبل وقفة عرفة بيوم واحد، حين أعلنت وزارة الأوقاف في غزة عن فشل موسم الحج هذا العام بسبب استحالة اللحاق بالحج زمنيًّا، وحمَّلت سلطة رام الله المسئولية الكاملة عن هذا الفشل.
والجليُّ الواضح هنا أن مؤامرةً حيكت بليلٍ؛ كان أبطالها السلطة الفلسطينية بقيادة عباس والسلطات المصرية بدعمٍ من المملكة العربية السعودية؛ للإساءة إلى سمعة حماس والحكومة في غزة، وأن النية كانت مُبيَّتة لعدم فتح معبر رفح نهائيًّا لخروج حُجَّاج غزة، ولم تكن هناك تأشيرات ولا وثائق في العريش؛ بدليل أن الحسم العسكري لحماس في غزة كان حاضرًا في موسم الحج في العام الماضي، وتم خروج الحُجَّاج الذين فازوا في القرعة في غزة العام الماضي، والتي أجرتْها الحكومة هناك، ولم يكن هناك أية مشكلة في الخروج، ولكن كانت المشكلة في دخول القطاع، وتورَّطت فيها مصر بأن جعلت مجموعة من الحُجَّاج عالقين في البر وآخرين عالقين في البحر، وانتصرت إرادة الحُجَّاج العالقين ودخلوا القطاع، فقرر المتآمرون هذا العام أن لا يكرروا تجربة الخروج والإعاقة في العودة، ولكن تكون الإعاقة في الخروج وعدم فتح معبر رفح نهائيًّا للحُجَّاج.
إن الاجتماع الذي دار بين مصر والسعودية والأردن للتنسيق والتشاور قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في مصر لإدانة حماس لإفشالها مؤامرة حوار القاهرة وتأكيد التمديد لمحمود عباس كرئيسٍ للسلطة الوطنية بعد 8 يناير المقبل .. يؤكد انحياز دول الجوار والسعودية الكامل لطرف عباس على حساب حماس، وأن النية مبيَّتةٌ لإحراج حماس استغلالاً لموسم الحج.
هذا هو التضليل الذي حدث لتشويه صورة حماس، لكنَّ تضليلاً أكبر قد حدث ويحدث كل يوم هو الأخطر على الإطلاق، حين يطلق البعض المزاعم بأن الانقسام الفلسطيني هو السبب في كل ما جرى ويجري، والحقيقة أنه صراع على برنامجين: برنامج مقاوم يطالب بعدم التنازل عن الأرض الفلسطينية بقيادة حماس، وبرنامج مستسلم يرى إقامة دويلة فلسطينية على أي جزء من فلسطين والتخلي عن القدس وحق العودة وعملَ صلح وسلام مع العدو بأي ثمن ويقوده محمود عباس بدعمٍ من الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني وما يسمى بدول الاعتدال العربية.