ليلنا .. ليل العابدين أم ليل العابثين؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ليلنا .. ليل العابدين أم ليل العابثين؟


أ.د. صلاح سلطان

مقدمة

إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، تعالوا معًا لكي نعيش مع "الفجر جنتي" مع هذا البرنامج، بإذن الله تعالى.

لكي نعيش حالة رضا

هذا الأمر الذي نريد فعلاً أن نحرك فيه كل إرادتنا، لإرضاء ربنا لكي نعيش فعلاً حالة رضا عن الله ، عندما نسعى إلى بيوت الله، والفجر الذي يوصلنا إلى جنة الله عز وجل، ثم استثمار العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، واستثمار كل المنح الربانية، والشفع والوتر واليقين بأن هذا الكون كله يعتمد على الزوجية؛ لأنه مخلوق من رب العزة سبحانه الذي تفرد بالوحدانية.

تأتي بعد ذلك آية (والليل إذا يسر) الليل يتحرك بأمر ممن؟ من الله سبحانه وتعالى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) لا أحد يتحكم فيه على الإطلاق، النمرود لما قال: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) لا يقدر مرود أن يحرك الشمس ولا القمر، ولا يؤخر الليل، والعالم لا يستطيع إلى الآن، لا يستطيع أي زعيم في أي بلد من البلاد يقول أنا قررت أزيد الليل ساعة، قررت أزيد النهار ساعة، لا أحد يقدر على هذا، إلا رب العزة سبحانه وتعالى، هو الله الذي بيده مقاليد كل شيء (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ولذلك فالليل وتقلبه آية من آيات الله الدالة على وحدانية الله، الدالة على كمال الله عز وجل.

كما قال الله سبحانه في سورة آل عمران: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ) بس لمين (لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فالليل يأتي وكذا النهار كي نزداد تعبدًا ورقًا لله عز وجل، نزداد يقين بالوحدانية، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) لماذا؟ العلة قادمة: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) لأجل هذا خلق الله السماوات والأرضين، والليل والنهار، والبحار والأنهار، هذا هو الله سبحانه وتعالى، فالليل أحد الأدلة، أحد الأسباب التي تجعلنا نوقن برب الأرباب سبحانه وتعالى.

الليل هو ميدان السباق إلى الله بين الأبرار والمتقين، الأبرار إذا جن الليل انحنوا لرب العزة سبحانه وتعالى، سجدوا فأطالوا السجود، قاموا فأطالوا القيام، استغفروا فبكوا بين يدي الله الواحد الغفار، القهار، الجبار، سبحانه وتعالى.

استثمر الليل في أبواب الخير

الليل مضمار هذا السباق، النبي ـ صلى الله عليه وسلم _ وهويصلي الفجر_، حديث صحيح_سأل الصحابة سؤالا ، فقال لهم: من تَصَدّقَ اليوم على مسكين؟ سيدنا أبو بكر رفع يده، من شيع الليلة جنازة؟ فرفع سيدنا أبو بكر يده، كان هذا قبل الفجر، من عاد مريضًا هذا اليوم قبل الفجر؟ رفع سيدنا أبو بكر يده، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبره بأنه يدخل من أبواب الجنة جميعًا؛ لأنه استثمر الليل في أبواب الخير كلها.

ولنرى ماذا كان يقول سيدنا عمر رضي الله عنه؟ كان يقول: "لا أدع قيام الليل فأضيع نفسي، ولا أنام بالنهار فأضيع رعيتي، إذا نمت بالنهار أضعت رعيتي، وإذا نمت بالليل أضعت نفسي"، فبين الليل والنهار حركة لله سبحانه وتعالى، خالصة له.

كيف بدلنا ليلنا؟!

يبقى عنده عبادة في الليل لا يصلح أن يؤديها في النهار، وعبادة في النهار لا يصلح أن يؤديها في الليل، نحن كيف بدلنا ليلنا، فأصيح الليل نهارا، والنهار ليلا، الناس تنام بالنهار كما شاءت، وبالليل سهرانة ،الليل الذي جعله الله سبحانه وتعالى سكنًا للإنسان، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) نحن قلبنا الليل نهاراً والنهار ليلا ، مع إن الإنسان حين يسكن في الليل ساعتين نوم، خير من عشرين ساعة ، فنوم النهار كله لا يساوي ساعتين نوم بليل ، نحن مبرمجين هكذا، رب العزة قال هذا، إن النهار للمعاش، والليل للسكن.

عزم وجد

هو عزّ وجل قال لنا تنظيم الروح التي خلقها الله في الإنسان منظمة هكذا، نحن قلبنا كل هذه الأشياء، لأن الفنانين بيسهروا بالليل.

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي .. بصبح وما الأصباح منك بأمثل

حتى أصبح ليل المغمومين والمهمومين، ليل الفنانين والراقصين والعابثين، نحن لا بد أن نعيد لليل السكن، والنهار للمعاش.

الحقيقة أيضًا الليل هو متعة الأزواج مع زوجاتهم، فالله تبارك وتعالى يقول: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) أي إن هذا التلامس بين الرجال والنساء الذين هم أزواج، في الليل له طعم يختلف تمامًا، عنه في النهار، له روح له أداء، له حس ، له أثر، نحن مبرمجين ببرمجة ربانية لا تحاولوا تغييرها حتى لا نتعب، لأن هذه منظومة ربانية هو الله عز وجل الذي قال هذا، هو ربنا الذي هيئنا لهذا، فلماذا نغير هذا الإطار، فنجعل الليل نهارًا والنهار ليلاً.

يقول محمد إقبال –رحمه الله-:

يا رجال الليل جدوا .. رب صوت لا يـرد

لا يقـوم الليـل إلا .. مـن له عـزم وجـد

ففي الليل ينزل الله عز وجل في الثلث الأخير من الليل بدون تشبه ولا تجسيد، وينادي: "هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفرًا فأغفر له، هل.. هل.. حتى يؤذن للفجر ويقال حتى شروق الشمس، فنحن لماذا غافلين عن الليل، وقيمة الليل، وأثر الليل.

ليل العابدين وليل العابثين

تعالوا نقرأ كلمات من مقالة كتبتها من آلام حادة شديدة على أمة حولت الليل إلى ليل العابثين، تقليدًا لأعداء الله أجمعين، إلا من رحم الله تبارك وتعالى من الصالحين المؤمنين، فقمت بعمل مقارنة بعنوان " مفارقات بين ليل العابدين وليل العابثين ":

ليل العابدين قنوت وتهجد، وتسبيح وسجود، وتلاوة للقرآن.

أما ليل العابثين فغفلة عن صلاة العشاء، والفجر، وسهرات حمراء وخمور وفجور، وكؤوس ومعازف وأغان وسعار للشهوات.

ليل العابدين: سجدات تقرب إلى الله، وقنوت، ودعاء، وتضرع واستغفار بالأسحار.

أما ليل العابثين: فلقاءات بين الشباب والفتيات، وضحكات ومداعبات، وإسراف في المطعومات، والمشروبات.

ليل العابدين: سخاء بصدقات تحت جنح الظلام حتى لا تعرف شماله ما أنفقت يمينه، تجردا وإخلاصا وبحثا عن تمام الأجر من الرحمن

أما ليل العابثين فتجول في الأسواق، وفتنة بالمشتريات.

ليل العابدين، سهر لطلب العلم، والكد في طلبه.

أما ليل العابثين: فسهر أمام الشاشات، والمسلسلات والصور الفاضحات.

ليل العابدين: تغني بالقرآن الذي سيقول عن صاحبه "أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه"

أما ليل العابثين: فتغنِّي بالفسوق والعدوان وإثارة الشهوات وإقامة الحفلات والرقصات وميوعة المائلات المميلات

ليل العابدين: ندوات ومحاضرات.

أما ليل العابثين: فمجالس أنس وسخرية، وغيبة، ونميمة، ولهو، وكذب، وبهتان.

ليل العابدين: تخطيط لفعل الخير، ونفع الغير، وقضاء حوائج الناس.

أما ليل العابثين: فمكر الليل والنهار بتحالف الكفار والفجار، لفتنة ذوي الأيدي والأبصار.

ليل العابدين: محاسبة للنفس؛ لأن النوم يذكرهم بالموت، والاستيقاظ يذكرهم بالبعث والنشور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لتموتن كما تنامون، ولتبعثين كما تستيقظون، ولتجزون على المعروف معروفًا".

أما ليل العابثين: فاستلقاء على طول الأمل، استعدادًا ليوم جديد من الكد والعمل.

ليل العابدين: نوم على طهارة، كل واحد يتذوق أنه يتوضأ قبل أن ينام، يصلي الوتر إن لم يكن صلاه، وينام على وضوء، سيعيش فعلاً شعور أنه عابد لله عز وجل.

ليل العابدين.. نوم على طهارة وتفكر، وذكر وتدبر.

أما ليل العابثين: فنهوم على نجاسة، وجنابة، وغفلة.

ليل العابدين: سهر إذا حدث لإصلاح ذات البين، والتقريب بين الزوجين، وإصلاح ما بين ذوي الأرحام والجيران والشركاء والجماعات والدول.

أما ليل العابثين : فسهر لإفساد ذات البين، بين كل شقيقين، أو زوجين، أو صديقين.

ليل العابدين: سهر لأم ترضع أولادها، وترعى أبناءها، أو سهر طبيب أو ممرضة لرعاية مرضاهم.

أما ليل العابثين: فتسهر الأم أمام الأفلام والإنترنت، والمكالمات التليفونية، وتترك الأولاد للخادمات والألعاب والشاشات.

ليل العابدين: أفراحهم لقاءات على القرآن والسنة، وأناشيد راقية، ولا اختلاط بين الرجال والنساء.

أما ليل العابثين: فتعج أفراحهم بالسافرات والراقصات والأغاني، والإسراف في المطعومات والمشروبات، ويختلط الشباب بالفتيات.

ليل العابدين: رباط المجاهدين، والجيش والشرطة لحماية الثغور وحفظ الأمن.

أما ليل العابثين: فانطلاق للصوص وتجار المخدرات والمدمنين، والمفسدين، يروعون الآمنين.

ليل العابدين: متابعة لهموم الأمة في غزة وفلسطين، والقدس، والعراق، وأفغانستان، وكشمير، والشيشان، والصومال، والسودان، في كل مكان من أرض الله.

أما ليل العابثين: فسهرات لمتابعة المباريات، والمضلات، ومسابقات الفنانين والفنانات.

ليكون ليل العابدين

إن الليل مع العمر يسري، "والليل إذا يسر"، لا يستطيع أحد أن يوقفه، ويمضي، فهل آن الآوان أن نستثمره ليكون ليل العابدين فنسعد في الدارين، أم نبقى نعيش في ليل العابثين، ولا نرقى ولا ننال رضا رب العالمين، اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير.

نحن أمام هذه المعادلة، فماذا نختار؟ نختار إن شاء الله ليل العابدين لا ليل العابثين.

المصدر