ليس بالسنوات وحدها تُصنَع الأجيال
عودة للفكرة بعد رفضها

كثيرا ما رفض المبدعون فكرة المجايلة، ومصطلحات مثل «الكتابة الجديدة» التى ظهرت فى بداية الألفية، مبررين أن ما حدث مع أبناء الستينيات كان ظاهرة دعمتها الظروف السياسية وانتقال المجتمع إلى مرحلة جديدة، إلا أن ما تشهده مصر والعالم العربى من حراك سياسى يدفع فى اتجاه ترسيخ ظاهرة ابداعية مثيلة.
وعلى الرغم من تحفظه على سرعة استخدام كلمة «جيل» على المبدعين الشباب أكد بهاء طاهر أنه إذا استجاب هؤلاء الكتاب الشباب إلى شروط معينة ومعطيات الواقع فإننا بصدد «جيل متفجر المواهب، متعدد التيارات والمدارس الفنية والابداعية».
وبدأ طاهر فى ملاحظة ببعض التطورات فى شكل كتابة هذا الجيل الجديد قائلا: «بعض الشباب كتب مذكراته مع أحداث الميدان، وهذه الأعمال ستنتج تيارا مرتبطا بالواقع أكثر بكثير مما كانت عليه أعمالهم قبل الثورة، إذ كانت تنحو فى اتجاه ذاتى شديد البعد عن المجتمع».
وفى حال تحقق ذلك يرى طاهر أن هذا الجيل «سيكون أفضل بكثير من جيله، فما حدث منذ 25 يناير لم يحدث فى تاريخ مصر كلها من حيث ايجابيته وقدرته على منح الأمل».
تشابه كبير
ويؤكد المفكر دكتور جلال أمين على التشابه الكبير بين الحدثين السياسيين «ثورة يوليو 1952» و«ثورة 25 يناير» إذ أعادت الاثنتان حالة الأمل للمجتمع لكن تتميز ثورة 52 ــ والكلام هنا على لسان أمين ــ التى أنتجت جيل الستينيات الإبداعى فى أنها فتحت الباب أمام أصحاب المواهب ليحتلوا مراكز مهمة ووضعتهم فى صدارة المشهد فى كل وسائل الإعلام، وهذا ما لم يتحقق مع مع ثوار يناير إلى الآن، حتى إن المخاوف بدأت تسيطر على كل من يراقب الثورة من أن تتحول إلى مجرد انقلاب، وأن تخفت الآمال التى أشيعت فى الأسابيع الماضية».
ويتحفّظ الكاتب محمود الوردانى على سرعة رصد الآثار أو حتى جنى ثمار الحدث السياسى الضخم الذى تعيشه مصر، فـ «العلاقة ليست ميكانيكية بين الظرف السياسى وبين مختلف أشكال الإبداع وليس ضروريا أن تكون نتيجة الظرف السياسى سريعة ومتحققة على الفور، لكن الأمر المؤكد أن هناك حالة حرية كبرى نادرة، تكاد تكون الأولى من نوعها فى تاريخ مصر».
ويتابع:
- «من المؤكد أنه ستكون هناك كتابة جديدة مختلفة لكن علينا ألا ننتظرها حالا، فعلينا أولا أن ندافع عن حالة الحرية التى حصلنا عليها».
الاختلاف بين ثورتى يوليو ويناير كالفارق بين الحر والسقيع فجيل الستينيات الذى اعتبره الوردانى (ابن جيل السبعينيات) أحد الأجيال الكبرى فى تاريخ الإبداع المصرى والفكر التنويرى، وأن «ما بعده موجات متلاحقة، وهى ثمار الطريق الذى فتحه مبدعو الستينيات، حتى وإن كانت العلاقة بينهم علاقة تمرد فى بعض الأحيان».
لكن يبدى الوردانى تخوفا من سيطرة بعض التيارات الظلامية على المشهد السياسى فى هذه اللحظة وهو ما قد يؤثر على الابداع بشكل مباشر، فـ«حالة الحرية لا تفضى بالضرورة إلى طريق إيجابى خصوصا بعد ما ارتكبه النظام السابق من جرائم أوصلت مصر إلى حالة خراب سياسى».
ويوضح: «تيارات مثل الاخوان والسلفيين والجماعات الجهادية أفكارهم ليست دائما فى صالح الإبداع أو مع حرية التعبير بالتالى سيسنون الرماح فى وجه المبدعين، لكن علينا أن نكون متأكدين أن هذه الحالة من الحرية النادرة لن يفرّط فيها المبدعون بسهولة خصوصا الأجيال الجديدة وعليهم أن يقاتلوا سلميا من أجل أن تصبح هذه الحرية حقا من الحقوق غير قابل للنقاش».
أمر مشترك
الأمر المشترك الذى يؤكده الوردانى هو أن «حالة الحرية ستحقق نقلة كيفية فى الابداع إذ إن الكاتب لن يضطر لممارسة دور الرقيب على ذاته وسيحقق ذلك ازدهارا فى الكتابة».
تابع الوردانى مؤكدا أن ما كان يعرف بـ«الكتابة الجديدة» طوال العقد الماضى:
كتابة محترمة لكن وقف بين كتابها وقرائها حواجز كبيرة أهمها أن المناخ العام كان طاردا طوال الوقت، هذا المناخ العام تغيّر، وهذا سيكون جاذبا لمواهب وسيجعل المجتمع نفسه يعيد النظر لكتاباتهم، بل إنهم أنفسهم سيتغيرون ويكتبون بدرجة أعلى من الحرية، فهناك جمهورية قامت اسمها جمهورية الميدان فى كل أنحاء مصر أنتجت مبدعين وقدمتهم لجمهورهم هناك».
ويشدد الوردانى على ضرورة أن نعطى هذه التغييرات ذات «الطابع الزلزالى» وقتها، فـ«لو ظهر التغيير فورا سيكون دعائيا وفجا ولا معنى له».
ويتذكر الوردانى فى هذا الإطار أنه كتب روايته الأولى عن حرب أكتوبر التى شارك فيها بعد مرور نحو 5 سنوات على هذه التجربة، قائلا: «من النادر أن تجد عملا ناضجا وجيدا يكتب أثناء الحدث نفسه».
أما أحمد زغلول الشيطى فيرى أننا أمام اختلافات جوهرية بين نشأة الجيلين، فـ«جيل الستينيات، أسس له ذائقة ثقافية وجمالية جديدة تنظر من زوايا جديدة إلى العالم، ونشأ على أساس حالة فكرية كانت سائدة فى العالم كله، أما الآن فنحن أمام ثورة فريدة فى تاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية وقد جاءت فريدة فى تكوينها وتوجهاتها حتى انها بلا قيادة واضحة المعالم ويبدو أنها ليست طالبة سلطة، بالرغم من احتوائها على عنصر مثل الاخوان وهم من طلاب السلطة».
أهم ما يميز ثورة يناير
وأهم ما يميز ثورة يناير من وجهة نظر الشيطى الذى أصدر خلال الأيام الماضية كتابه عن يوميات ميدان التحرير «مائة خطوة من الثورة»
أنها:
- «كانت قادرة على عمل قطيعة حقيقية مع مجتمع الفساد وقطعت دائرة الكذب التى عاش بها النظام السابق دون أى غطاء سوى إيمانها بما تفعل، وهذه الطاقة الثورية الجديدة ستنشئ قادتها وستنشئ مثقفيها وفنانيها وجمهورها، لكننا مازلنا فى الفصل الأول من فصولها هذه الثورة فهى مازالت فى طور التكوين وأتوقع فصولا جديدة أكثر عمقا فى الأيام المقبلة».
ويضيف الشيطى:
- «الثورة أثرت فى الجميع بمن فيهم جيل الستينيات والموجات التالية عليه، وأتوقع أن يصطدم الإبداع الأدبى والفنى كله بها، لكنى أتوقع أيضا أن يكون الشباب هم رأس الحربة فى اعادة انتاجها ابداعيا»
ربما لا يروق أبناء الأجيال التالية على الستينيات رفض البعض فكرة المجايلة واعتبار ما نبغ واستطاع الاستمرار من أبناء هذه الحقب هم مواهب فردية، يتفق الشيطى ضمنيا مع هذا الطرح قائلا: «أظن أنه خلال هذه المرحلة الماضية كانت هناك موجتان فقط تحملان ملامح واضحة هما جيل الستينيات وجيل التسعينيات».
ويبرر الشيطى المنتمى إلى جيل التسعينيات أن جيله «فتح الباب لذائقة جديدة أدخلت النص الأدبى إلى مساحات لم تكن مطروقة سواء على مستوى تطوير اللغة والادوات أو اتساع مساحة الكشف، أما الموجة الثالثة فستنتجها ثورةيناير من خلال اسهاماتها الأدبية ودفاعها عن الحرية فى مواجهة القوى الظلامية».
هذه المسئولية التى حمّلها الجميع للجيل الجديد «مسئولية الدفاع عن الحرية الفكرية فى مواجهة محاولات الاسلاميين والمتشددين الانقضاض عليها هى بالضبط ما أكده محمد صلاح العزب قائلا: «معركتنا الأكبر والأهم مع القوى الظلامية والتى بدأت تظهر على الساحة، ودورنا الأكبر والأهم حتى من إنتاج أعمال أدبية بعيدة عن الشارع، أن ننزل إلى الشارع بحيث نكون قوة تنويرية».
وتابع:
- «حتى من سبق له اصدار أعمال إبداعية ستكون الثورة بالنسبة له نقطة بداية جديدة، وهذا مرتبط بدخول قارئ جديد، شغوف بالفكرة الثورية والحرية، ولابد أن تأتى الأعمال الإبداعية مواكبة لهذا الشغف».
ويختتم:
«بدلا من أن ننتظر جنى ثمار الثورة علينا أن نعمل أكثر، لنواكب تطورها، فما حدث فى الحقيقة لا يؤسس وحده لمرحلة جديدة».
المصدر
- مقال: ليس بالسنوات وحدها تُصنَع الأجيال الشروق