ليس الأفضل لكنهم الأتعس

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

بقلم / الأستاذ فهمي هويدي

ينتاب المرء قدر غير قليل من الحيرة، حين يجد نفسه مدفوعا إلى التحفظ على بعض أطروحات الدكتور محمد البرادعي، ويحرص فى الوقت ذاته على ألا يوظف ذلك التحفظ من جانب المهللين والمنافقين المنتفعين بالوضع الراهن، الذين بادروا منذ اللحظة الأولى إلى تجريح صورته ومحاولة اغتياله معنويا. لذلك تمنيت أن أنوه فى كل سطر أكتبه فى نقد مقولاته إلى أن ما أسعى إليه هو تطوير تلك الأطروحات لإنجاح مشروعه، فى حين أنهم يسعون إلى هدم أفكاره وتقويض ذلك المشروع، لكى يستمر الحال كما هو عليه الآن، تمنيت أيضا أن أذكر الجميع بأننى إذا اختلفت مع أطروحاته فى نقطة، فإننى اختلف معهم فى ألف نقطة.

وإذا كان مشروع الدكتور البرادعي ليس أفضل الخيارات، فإن مشروعهم يظل الأسوأ والأتعس. وإذا كان الرجل لم يختبر وفيه بعض الأمل، فإن خبرتنا مع الوضع القائم التى قاربت ثلاثين عاما، أوصلتنا إلى قدر لا يستهان به من اليأس وخيبة الأمل.

هذه مقدمة وجدتها ضرورية قبل التطرق إلى ملاحظاتى على البيان الذى أصدره الدكتور البرادعى، ورحبت به الصحف المستقلة التى صدرت أمس (الثلاثاء 2 مارس)، فى حين تجاهلته الصحف الحكومية، وأبرزت صحيفة «روزاليوسف» فى عناوينها الرئيسية ورقة حزب التجمع، التى وصفت أفكار البرادعى بأنها خيالية، وأنها تشكل خطرا على المجتمع، وهى الورقة التى أعدها أمين الحزب الذى يقود حملة تخريب مشروع البرادعى لصالح الحزب الحاكم فى أوساط الأحزاب الرسمية التى توصف بأنها معارضة.

فى البيان أن الهدف الرئيسى للجمعية الوطنية للتغيير التى تشكلت بقيادة الدكتور البرادعى هو: التوصل إلى نظام سياسى يقوم على الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية. وأن الخطوة الأولى على هذا الطريق هى كفالة الضمانات الأساسية لانتخابات حرة ونزيهة .. وحدد البيان تلك الضمانات فى سبع نقاط، أولاها: إلغاء حالة الطوارئ. أما النقاط الست الأخرى فإنها تعلقت بالإشراف القضائى والرقابة المحلية والدولية على الانتخابات، وتمكين المصريين بالخارج من التصويت. وكفالة حق الترشح لانتخابات الرئاسة للجميع، على أن تقتصر الرئاسة على فترتين. وأشار البيان إلى أن تحقيق بعض تلك الإجراءات يستلزم تعديل ثلاث مواد فى الدستور فى أقرب وقت ممكن، كما أشار إلى أن الهدف ليس قواعد الترشيح فى مصر، وإنما السعى لتحقيق التغير الشامل.

ملاحظاتى الأولية على البيان هى: أنه يطالب النظام القائم فى مصر بإجراء تعديلات تفتح الباب لتغييره بالوسائل الديمقراطية، دون أن يملك أى قوة ضغط حقيقية تضطره إلى الإقدام على ذلك التغيير. علما بأن هذه المطالب ذاتها هى التى دعت إليها الجماعة الوطنية المصرية طوال السنوات التى خلت وتجاهلها النظام، لأنه لم يجد مبررا للاستجابة لها.

  • إن البيان ركز على ضمانات الانتخابات، دون أن يركز على قضية الحريات العامة، التى يمثل تغييبها المشكلة الداخلية الأكبر فى مصر. ذلك أنه فى غياب حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب وحرية إصدار الصحف، فإن فرصة إجراء انتخابات نزيهة تظل ضعيفة إلى حد كبير.
  • إن البيان ركز على الشأن الداخلى ولم يشر بكلمة إلى قضية الاستقلال الوطنى التى هى عقدة العقد فى السياسة الخارجية، التى أدت إلى تقزيم الدور المصرى، وإلحاقه بالسياسات الأمريكية فى المنطقة وتحويل «أم الدنيا» إلى أحد أركان معسكر الاعتدال الذى تقوده واشنطن ويضم مع مصر إسرائيل والأردن والسعودية.

إذا قال قائل إن البيان تحدث عن خطوة أولى ولم يتحدث عن رؤية شاملة، فإنني لن أختلف معه كثيرا، لكننى فى الوقت ذاته احتفظ بتأييدي له وحماسى لمشروعه حين تتضح تلك الرؤية على الصعيدين الداخلى والخارجى. لأن أزمة مصر بعد تفكيكها وسلب إرادتها لا تحتمل التبسيط أو الاختزال فى الانتخابات وحدها.

المصدر : جريدة الشروق