ليس إلغاءً للمقاومة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ليس إلغاءً للمقاومة

رسالة من المستشار محمد المأمون الهضيبي - المرشد العام للإخوان المسلمين

ليس إلغاءً للمقاومة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وبعد:

الرؤية الإسلامية للقضية الفلسطينية هي رؤية تلتزم شرع الله- عز وجل- كما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- من عند ربه، ومضى عليه هو والسلف الصالح من بعده، ونهض به والتزمه المسلمون في كافة العصور دون إخلال أو تفريط أو تقاعس أو تراجع.

ومن ثَمَّ كانت وستظل القضية الفلسطينية قضية عربية إسلامية..

قضية أرض وديار عربية إسلامية جرى اغتصابها.. وشعب عربي مسلم جرى ويجري على مدى أكثر من نصف قرن تصفيته واغتياله وتهجيره وتشريده قسرًا إلى خارج أرضه.. من قِبَل غُزاة طُغاة غاصبين استباحوا الأرض والديار والحرمات والأعراض والدماء والأرواح، وأعلنوا دون مواراة بل في تبجح وصلف- أنهم يستهدفون ابتلاع كل فلسطين، وتوسيع رقعة عدوانهم وتوسعهم لتشمل كل ما حول فلسطين بين النيل والفرات ويثرب، وقد اعتمدوا السلاح والوحشية والمجازر والقهر والتنكيل بالأبرياء؛ سبيلاً لبلوغ الغايات والأهداف، كما حظوا بالدعم الأمريكى السياسي والعسكري والاقتصادي بلا حدود..

فقد التقت واتفقت السياسات والغايات.

من أجل ذلك صار الجهاد بالمال والنفس فريضة على كل المسلمين؛ لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض والثأر للعرض، وعودة شعب عربي مسلم إلى أرضه ودياره، وتحقيق الأمن والحرية لكافة الشعوب العربية والإسلامية.

والذبن حملوا رايات الجهاد بالأمس، ويحملونها اليوم ينطلقون في كافة مواقفهم من هذا الإيمان وهذ الفهم دون أن يبدلوا أو يحرفوا، ولكن يبغون وجه الله عز وجل، وما فيه صالح الشعب الفلسطيني، وكافة الشعوب العربية والإسلامية، وقد رسخت في قلوبهم وعقولهم آيات ربهم- عز وجل- تناديهم ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾(الحج: من الآية78) ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج:39).

وقد سعى ويسعى الكيان الصهيوني الغاصب وأمريكا لاقتلاع جذور ومعالم الإيمان بالجهاد؛ سبيلاً لتحرير الأرض والديار من قلوب المسلمين، وطمس مفهومه في أذهانهم؛ لأنه السبيل الوحيد المضمون لصدِّ وردع الغزاة، واسترداد الحقوق، والحيلولة دون العدو الصهيوني وتحقيقه لأهدافه، ومن ثَمَّ كان الإصرار في اتفاقية (أسلو) على حذف ما في الميثاق الفلسطيني من نصوص تؤكد على استخدام السلاح مع الاعتراف بالكيان الصهيوني مهيمنًا على أراضي 1948م في مقابل حكم ذاتي لم يوفر للأشقاء الفلسطينيين أمنًا، ولم يرد لهم حقًا، ولم تتعد مهمته في أذهان الصهاينة والأمريكيين الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، مع السعي لتجميد أو تغييب المقاومة الفلسطينية المشروعة.

وقد عارض المجاهدون اتفاقية (أسلو)، وكافة الاتفاقات التي عقدتها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، وأيضًا من منطلق ومنطق الرؤية الإسلامية للقضية الفلسطينية عارضها كافة المهمومين بهموم القضية على الساحة العربية والإسلامية، كما عارضوا نهج الحلول السياسية والسلمية مع العدو الصهيوني، الذي لا يعرف الوفاء بالعهود أو الوعود أو الالتزام بالمعاهدات أو الاتفاقيات، ولا يألو في المؤمنين إلاً ولا ذمةً، وقد نزل فيه قول الله تعالى الخبير وحده بما تخفي وتضمر السرائر والنفوس قاطعًا ومؤكدًا على بالغ عدائه وكراهيته ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية82)

وبعد سنوات من (أسلو) لم يحظ أشقاونا الفلسطينيون إلا بمزيد من العدوان الصهيوني الإجرامي، في إصرار منه على تفريغ الأرض من أصحابها بالتصفية والاغتيال أو بالحصار والقصف والحرمان، صاحبه مزيد من الوعود الأمريكية الجوفاء للعرب، ومزيد من الدعم والتأييد لأعداء العرب، وليعود أهل الحلول السلمية والسياسية والتفاوض إلى نقطة الصفر وهم صفر اليدين.

وفي أجواء وظروف الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق والإنذارات والتهديدات الأمريكية بغزو واجتياح غير أفغانستان والعراق، ومطالبةً الحكام العرب والمسلمين بتغيير مناهج التعليم وحذف آيات وأحاديث الجهاد وكل ما يؤكد على هوية وأصالة الشعوب.. تطرح الإدارة الأمريكية اليومَ ما تُسميه بـ(خريطة الطريق) على درب الحلول السياسية لا تحمل للشعب الفلسطيني إلا الوهْمَ، لكنها تطالب السلطة الفلسطينية بالقضاء على المقاومة ومنظماتها؛ لأنها في زعم الإدارة الأمريكية "الإرهاب" الذي يهدد الكيان الصهيوني، ويعوق إحلال السلام!!.

الضغوط الأمريكية والصهيونية على الحكام العرب والمسلمين والمصحوبة بالإنذارات والتهديدات، والمدعومة بجحافل الجيوش تحتل أفغانستان والعراق.. مؤتمر شرم الشيخ الذي لم يستنكر الإرهاب الصهيوني الوحشي، وأدان حق الشعب الفلسطيني في مقاومته، واعتبر المقاومة إرهابًا يجب وقفه، مع تعهد بوقف أي دعم يصل إليها.. السعي الأمريكي الصهيوني المتواصل لدفع حكومة "أبو مازن" لصدام فلسطيني- فلسطيني، خاصة وقد أعلنت رفضها للعمليات الاستشهادية، والتزمت على لسان "أبو مازن" في مؤتمر العقبة بمنعها..

ارتفاع أصوات هنا وهناك تصور المقاومة الفلسطينية وكأنها تحول دون انتهاز فرصة مزعومة للسلام قد لاحت في الأفق بعد طرح أمريكا لخارطة الطريق، ومن ثَمَّ فهي تحرم الشعب الفلسطيني من إمكانية التقاط الأنفاس، واغتنام المناسبة سعيًا لوضع الكيان الصهيوني موضع الحرج والاختبار أو وقف إراقة الدم الفلسطيني، وتجريف الأرض وهدم الديار.. التهديدات الأوربية بوقف أي دعم يصل إلى العمل الإنساني والاجتماعي في الضفة وغزة وهي تعيش أجواء الحرمان والحصار.. كل ذلك دعا منظمات المقاومة لوقفة؛ لإمعان النظر والتقويم، ولإثبات وتأكيد صحة وفاعلية أسلوب وسياسة المقاومة و الجهاد في مواجهة عدو لا يعرف الالتزام بوعد أو عهد، ولتأكيد أن السياسة الأمريكية لا تهدف من وراء مشاريعها المختلفة إلا تخدير أو تغييب العقول على الساحة العربية والإسلامية ليسهل اجتزاز الرؤوس والرقاب وتتم تصفية القضية، ويجري ابتلاع كل الأرض الفلسطينية والانتقال من مرحلة الدولة إلى مرحلة الوطن القومي.

تعليق عمليات المقاومة

لقد تجنبت فصائل المقاومة الفلسطينية، وأيضًا من منطلق شرعي الصدام الفلسطيني الفلسطيني، وأغلقت من جابنها كل باب يفضي إليه، وأكدت أنها- وهي الحريصة على البذل والعطاء والتضحية في ساحة الجهاد لاسترداد كل الحقوق الفلسطينية، وتحقيق أمن وحرية الشعب الفلسطيني- أنها أيضًا الحريصة على الدم الفلسطيني أن يُراق بأيد فلسطينية في صراع فلسطيني داخلي لن يجني ثماره، ويفيد من نتائجه المأساوية إلا الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني، ومن ثَمَّ جاء قرار منظمات المقاومة بتعليق عمليات المقاومة لشهور معدودات، ليس استجابةً لضغوط أمريكية أو صهيونية، ولا تراجعًا عن خط وسبيل الجهاد، ولكن استجابةً وتجاوبًا مع ما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني، والحفاظ على وحدة صفه وكلمته، والحيلولة دون أن يُراق دم فلسطيني طاهر بيد فلسطينية، وحتى يتضح للعالم كله مرة أخرى ومن خلال تجربة أخرى أن العدو الصهيوني لا يلتزم بعهد أو وعد، ولن يتراجع عن سياسة العدوان والتوسع، وأن خارطة الطريق وكافة مشاريع التسويات السياسية الأمريكية ليست إلا مشاريع تخدم مقاصد وغايات السياسية الأمريكية، وتصب في نفس الوقت في صالح الكيان الصهيوني وعدوانه وتوسعه، على حساب وجود ومصير العرب والمسلمين ومقدساتهم ودورهم الحضاري.

لقد كان واضحًا من خلال البيانات التي أعلنتها فصائل المقاومة الفلسطينية أنها أكدت على التزامها سبيل الجهاد؛ لالتزامها شرع الله عز وجل، وأن تعليقها لعمليات المقاومة لشهور معدودة إنما يأتي في إطار التزامها لسبيل وطريق الجهاد بالمال والنفس في وقت اختلط على فريق من الناس أن ثمة فارقًا كبيرًا بين الجهاد بالنفس والمال من أجل الحرية والأمن وتحرير الأرض والمقدسات المغتصبة، وبين السعي لقتل الناس وسفك دمائهم إرهابًا، وهو الأمر الذي تروج له أمريكا في محاولة لتشويه الجهاد الإسلامي، وحشد كافة قوى الشر ضده، بينما الكيان الصهيوني يُمارس الإجرام والوحشية إزاء شعب عربي مسلم أعزل، ولا تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمه بكافة أسلحة الدمار والقمع والتنكيل.

وإذا كانت فصائل المقاومة الفلسطينية الباسلة قد حظيت، وستظل تحظى بالتقدير والتأييد والدعم والتعاطف على مستوى الشعوب العربية والإسلامية منذ أن رفعت رايات الجهاد، ثم واصلت جهادها في إصرار وتصميم دون رضوخ للضغوط أو تراجع أو التهديدات وممارسات التصفية والغدر الصهيونية، فهي دون شك تحظى اليوم من قبل كافة الشعوب العربية والإسلامية أيضًا بالتقدير والتأييد والتعاطف والدعم حين تعلن- وهي مصرة على طريق الجهاد دون انحراف أو تراجع- تعليقها لعمليات المقاومة لشهور؛ حرصًا على وحدة الشعب الفلسطيني وإغلاقًا لأبواب الفتنة، وصَدًّا للمحاولات الأمريكية والصهيونية لإغراق الضفة وغزة بدم فلسطيني بأيد فلسطينية لا يدفع ثمنها إلا الشعب الفلسطيني، وقد وضعت شروطًا لتعليقها لعمليات المقاومة منها التزام الكيان الصهيوني الغاصب بالوقف الفوري لكافة أشكال عدوانه الإجرامي على الشعب الفلسطيني من اجتياح وحصار للمدن والقرى، وتجريف للأرض، وتصفية واغتيال للقيادات، واعتقال للأبرياء، وهدم للبيوت، وإطلاق لسراع المعتقلين، وانسحاب من مدن الضفة وغزة، وأنه إذا أخل بهذه الشروط فإن المجاهدين في حل من هذه المبادرة.

لقد كان موقف فصائل المقاومة موفقًا حين أكدت التزامها بمصالح الشعب الفلسطيني في تجرد من كافة الأهواء والمصالح الخاصة، معلنةً على لسان زعمائها أن مضمون هذا الموقف إنما يخدم وحدة الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة، وأنهم يقدمون المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، كما أنهم واثقون كما جاء على لسان قيادات حماس أن نتيجة هذا الموقف ستكون لصالح حركة الجهاد، وصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، كما كان موقف فصائل المقاومة حاسمًا ومُوفَّقًا حين حرصت وهي تبحث قضية تعليق أعمال المقاومة لشهور معدودات على الإجماع الذي يؤكد وحدة العمل الجهادي، وإصراره على مواصلة المقاومة، وإغلاقه الأبواب أمام محاولات بث الفرقة أو إيقاد جذور للفتنة مع استعداد كامل لمواجهة الغدر من عدو طبيعته الخسة والغدر، ويعرف أنه لا يعوقه عن مواصلة عدوانه وتحقيقه لتوسعاته إلا المقاومة التي تفقده الأمن، وتدمر اقتصاده، وفي نفس الوقت تحظى بدعم وتأييد الشعوب العربية والإسلامية، كما أنها فرضت واقعًا على المستوى العالمي ليس من السهل إنكاره أو تجاهله.

وقد فضح الموقف الذي اتخذته فصائل المقاومة بتعليق عملياتها نظير شروط أكد عليها قرارها الكيان الصهيوني الذي أعلن أنه لا يلتزم بهدنة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وأنه لن يقبل إلا بتفكيك البنية التحتية لها، وأن على الحكومة الفلسطينية أن تنهض بمهمتها في هذا الشأن.

كما فضح السياسة الأمريكية حين أعلن المسئولون الأمريكيون أنهم يطالبون أيضًا بتفكيك البنية التحتية للمقاومة.. مما يعني أن الكيان الصهيوني وأمريكا يواصلان وسيواصلان الضغط على الحكومة الفلسطينية لدفعها لتصفية فصائل المقاومة، أو لنشوب صراع فلسطيني داخلي لا يدفع ثمنه إلا الشعب الفلسطيني.

إن الموقف الأمريكي من المقاومة الفلسطينية يأتي في إطار السياسة الأمريكية التي أعلنت عداءها للإسلام والمسلمين، ولاحقت وتلاحق الجهاد والمجاهدين في كل مكان، وهي تصر على رمي واتهام كل ما هو إسلامي بالإرهاب، حتى وصل الأمر إلى أموال الزكاة والصدقات والإغاثة وكفالة اليتامى، فتمَّ تجميدها بتهمة أنها موجهة للمنظمات الإرهابية، وصارت قضية التطرف والإرهاب سلاحًا يشهر في وجه كل من يحاول جمع كلمة المسلمين، ويردهم إلى الله -عز وجل- أو أن يفعل الخير أو يدعو إلى مقاومة الظلم والبغي، وصرنا نسمع اتهامات التطرف الإسلامي والإرهاب الإسلامي تلصق بالإسلام والمسلمين في كافة الأرجاء، وأينما وجدوا.

وعلقت على شماعات الإرهاب والتطرف كل ما لا يُرضي الصهاينة أو الإدارة الأمريكية، فصار الدفاع عن الأرض والعرض إرهابًا، كما صار الذود عن البيت والحرمات والأمن إرهابًا، وتمَّ تجريم من يتبرع أو يتصدق بجزء من ماله لسد حاجة أخيه أو جاره، كما جرى ويجري اعتقال الكثيرين من الأبرياء في أمريكا وأوربا، بل وفي ديار المسلمين بتهمة الإرهاب، وربما مرت الشهور الطوال على إبرياء وهم يعذبون في السجون الأمريكية والأوربية أو سجون بلادهم بتهمة الإرهاب التي ألصقت بهم ظلمًا وبهتانًا.

إن الذين يرسمون السياسة الأمريكية .. يجهلون أو يتجاهلون .. أن الإسلام الذى قد نهى عن الفساد والإفساد وجرم الإرهاب وقتل الأنفس .. وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجعل الأمن والحرية حقا لكل إنسان .. في نفس الوقت أكد على العدل والإنصاف والمساواة .. ونهى عن الظلم أو الرضوخ للظلم .. وحث الناس على الجهاد حين تحتل أرضهم .. أو تصادر حرياتهم وأكد على أن يكون المسلم في عون أخيه .. فيصله ولا يقطعه أو يقاطعه .. وأن يقاسمه ماله وعيشه لينهض بتبعاته والتزاماته..

كما نادى الإسلام المسلمين أن يثبتوا على ما يوقنون به، ويستخفوا بما يلقونه من سخرية الجهال أو أذى الطغاة أو تهديدات الغزاة لأنهم قد اختطوا لأنفسهم نهجًا هو من صميم إسلامهم، والتمسوا طريقًا سار فيه سلفهم الصالح فما ضلوا وما زاغوا، ولكن كانت لهم القيادة والريادة في عالم أشاعوا فيه الخير والعدل والنور والمساواة.

كما أكد الإسلام على سعى المسلم لمثوبة ربه عز وجل، معرضًا عما في أيدي السلاطين أو لدى تتار العصر، ويدرك أن السلطة أو الجيوش والأساطيل لو أغرت أقوامًا فسخروا أو أنكروا على الدعاة إيمانهم ورسالتهم فإن الإيمان الراسخ في القلب يجعل الدعاة أقوياء عاملين واثقين من بلوغ الهدف شهادة أو نصرًا، وأن أهل البطش والطغيان سيبقون عاجزين مهما امتلكوا من وسائل الإغراء والخداع أو وسائل التجبر والقهر والتنكيل أمام دعاة مجاهدين يعتزون بإسلامهم ويعملون به وله، ويستشعرون القوة وهم يستمدونها عبر صلتهم بربهم واستقامتهم في العمل و الجهاد في سبيله.

وصدق الله العظيم إذ يقول ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (النحل:120) وكذلك يكون كل مؤمن شمَّر عن سواعد الجد والعمل على ساحة الدعوة للإسلام ونصرته إذا سأل فلا يسأل إلا ربه، وإذا استعان فلا يستعن إلا بالله، وهو يمتثل قول الرسول الإمام والقدوة والأسوة -عليه الصلاة والسلام- ينادي كل مسلم كما روى ابن عباس رضي الله عنه "كنت رديف النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال:

يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا" مسند الإمام أحمد بن حنبل

إن الداعية المجاهد يصمد في وجه الأعداء قويَّ الشكيمة، شديدَ البأس بإيمانه ويقينه ولو تكالبت عليه قُوى الدنيا بأجمعها، إنه يتوكل على ربه وقد أعد عدته فيحسُّ أنه أوى إلى ركن شديد، يستمد منه ثباته ورباطة جأشه؛ ليجدد طاقته، ويواصل عمله من أجل الإسلام والمسلمين.. يثابر ويجاهد.. يجهر ويدعو إلى الحق في قومه.. يستنهض هممهم ويفعّل إيمانهم.. حتى تبرق بشائر النصر، وتبدو في الأفق علاماته.. وهو على الدرب الذي مضى عليه الرسل والأنبياء والمجاهدون وكافة الدعاة وهم يرددون في إيمان قوي وعميق ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ (إبراهيم:12)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.