لن ينزلق الإخوان إلى العنف.. لماذا؟

(17-01-2010)
بقلم: الدكتور عصام العريان
في حوار تليفزيوني مع د. وحيد عبد المجيد رئيس مركز (الأهرام) للترجمة والنشر، كان التركيز على مسألة "الإخوان والعنف"، وهل هناك احتمال بأن الإخوان يمكن أن يستدرجوا إلى العنف؟
جزمتُ قطعياً بأن هذا الاحتمال بعيد جدّاً جدّاً يصل إلى درجة الاستحالة، لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها أن منهج الإخوان يعتمد الدعوة والتربية والتزكية للأفراد، والإصلاح الشامل للمجتمعات، والنصح للحكومات، والنضال الدستوري من أجل التغيير، وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات.
وكذلك هناك أسباب أخرى أهمها التجارب الإخوانية الفاشلة التي تمت مراجعتها بأمانة، والحوادث الفردية التي وقعت من بعض الإخوان في مصر وأدانها الإخوان قيادة ومؤسسات، وانقطاع تلك الحوادث منذ أكثر من 45 سنة، واعتماد الإخوان منذ ذلك الوقت على عدم الولوج إلى أي طريقٍ يؤدي إلى العنف، بل إدانتهم الكاملة لكل حوادث العنف التي وقعت منذ بداية سبعينات القرن العشرين في مصر وغيرها، وحتى يومنا هذا.
ويمكن أن أضيف إلى تلك الأسباب الجوهرية سبباً لا يقل أهميةً، هو المراجعات التي قام بها الشباب المسلم وقادتهم ممن رفضوا منهج الإخوان المسلمين ابتداءً لأسباب نفسية وفكرية وعصبية جهوية، وانتهاءً لاستعجال الوصول إلى الهدف الكبير وهو تطبيق الشريعة الإسلامية والحكم بما أنزل الله
وقد راجعت تلك الجماعات كالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد مناهجها الفكرية الداعية إلى العنف كأسلوبٍ انقلابي للوصول إلى سدة الحكم، أو اللجوء إلى حرب عصابات لإنهاك النظم الحاكمة بغيةَ إسقاطها ثم الاستيلاء على السلطة، أو مهاجمة الأقليات المسيحية أو السياح الأجانب من أجل الضغط على الحكومة والنظام للحصول على بعض المكاسب أو تحقيق بعض المطالب.
هذه الجماعات التي كانت تنافس الإخوان في جذب الشباب إلى عضويتها، وتمارس نوعاً من الإرهاب الفكري ضد شباب الإخوان، حيث تستهوي الشباب دائماً الحماسة والقوة والفتوة والعنف، كما يستهويهم أيضاً الآن الادعاء ببلوغ مرتبة العلماء والتصدي للفتوى من غير تأهيل ولا علم، لم تكتف تلك الجماعات فقط بمراجعة ممارستها الخاطئة في شجاعة بل تصدّت لأصل القضية، وهو السند الفقهي أو الفكري أو الحركي لاتخاذ العنف سبيلاً للوصول إلى هدف نبيل
ويمكن إضافة هذه المراجعات إلى ما سبق أن كتبه مفكرون من الإخوان كالشيخ القرضاوي وغيره، الذي أكد في السفر الجليل الأخير له عن "فقه الجهاد" دحض فكرة العنف الأهلي والتغيير الفوقي للنظم الحاكمة والوقوع في فخ الفتنة الدموية، ليؤكد في النهاية أن خيار الإخوان الأصيل بالابتعاد عن العنف كمنهجٍ للتغيير، واعتماد الإصلاح الاجتماعي بتغيير النفوس، والنضال الدستوري عبر المؤسسات الدستورية البرلمانية هو الأحق بالاتباع حيث عاد إليه الجميع تقريبا
وكان آخرهم الأستاذ "عبود الزمر" الذي كتب وصيّته ونشرتها جريدة (الشروق) المصرية يومي 13/1، 14/1/2010 وقال إنه عاد عن رأيه السابق في دخول الإخوان للانتخابات البرلمانية، وإنه يؤيد ذلك الخيار علماً بأنه خيار قديم جدّاً للإخوان منذ عام 1939م، وتأكد بوثائق قديمة ومتجددة، واعتمد في التطبيق العملي في معظم الدول التي يوجد بها تنظيمات للإخوان المسلمين أيّاً كان اسمها
وثبت نجاحه في بعض البلاد جزئيّاً أو كليّاً رغم الانسداد السياسي الذي تعاني منه معظم البلاد الإسلامية بسبب الديكتاتورية التي تحميها الجيوش والغطاء الأجنبي لمعظم الحكومات، ولكن ذلك الانسداد تسبب في نمو غير طبيعي للفساد ونهب الثروة الوطنية وتدهور شديد في الخدمات الأساسية وتوقف شبه تام لجهود التنمية في كل المجالات مما أدَّى إلى سخط شعبي عارم يطالب بالتغيير، ويؤيد البديل الإسلامي السلمي المعتدل ممثلاً في الإخوان المسلمين ومدرستهم الفكرية.
أضف إلى تلك المقدمات الضرورية أن المناخ العالمي والإقليمي هو مناخ التغيير السلمي عبر صناديق الانتخابات، وليس عصر الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وهناك إنهاك شديد للشعوب بسبب الحروب الأهلية.
في تصور الإخوان المسلمين أنه ليس هناك طريق آخر يحقق الهدف المنشود:
يقول الإمام حسن البنا:
- إن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناءً صحيحاً، وقد أثبتت التجربة صحة هذه النظرة، وأن العامل يعمل لأداء الواجب أولاً ثم للأجر الأخروي ثانياً ثم للإفادة ثالثاً، وهو إن عمل فقد أدَّى الواجب وفاز بثواب الله، ما في ذلك شك، متى توفرت شروطه، وبقيت الإفادة وأمرها إلى الله، فقد تأتي فرصة لم تكن في حسبانه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات، في حين أنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير، وضاع منه أجر الجهاد، وحُرِم الإفادة قطعاً".
ويقول للمتعجلين:
- "ومع هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلا بد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة".
ويتكلم باستفاضة عن الإخوان والقوة والثورة فيقرر إن القوة هي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، بل هي شعار المسلم حتى في دعائه، (...) ويضيف "ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام والقوة شعاره باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجَّه القوة توجيهاً محدوداً؟".
إذن طريق الإخوان معروفة، سلمية دستورية، علنية وسطيّة، تعمل وفق القانون الإلهي الثابت.. "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" الرعد: 11. وهنا يرد تساؤل الصديق د. وحيد عبد المجيد: أليس من المتوقع أن ينزلق الإخوان إلى العنف اضطراراً وليس اختياراً كما حدث في سوريا مثلاً؟
أقول:
- إن تجربة سوريا لا يجوز القياس عليها، خاصةً أنها لم تتكرر في أي مكان آخر، وأيضاً لأن مراجعتها تمت في مؤسسات الإخوان .. وتجربة سوريا لم تكن اضطراراً بالمعنى الواضح، ولكنها كانت استدراجاً من مجموعات صغيرة "الطليعة المقاتلة" وفي ظروف وبيئة إقليمية وعالمية مغايرة تماماً، وهي تحتاج إلى بحث مستقل تماماً ولا تكفي فيها الكلمات السريعة.
إلا أنني أضيف هنا للأهمية:
- أنه لا توجد نيّة ولا استعداد وسط العمل العلني الواسع الانتشار والمتابعة الأمنية الشديدة التي اعتقلت خلال 15 سنة قرابة ثلاثين ألفاً من الإخوان لم تجد لديهم لا وثيقة ولا ورقة ولا أدوات ولا أفكار أو حتى أحلام يمكن استخلاصها تحت التعذيب بأن هناك اتجاهاً إلى العنف.
ويتساءل د. وحيد مع آخرين:
- أليس من الممكن في ظل عدم جدوى المشاركة السياسية والانسداد السياسي والإقصاء الدستوري أن يلجأ الإخوان إلى العنف؟
وأجيب باختصار أرجو ألا يكون غير مخلّ:
- إن جدوى مشاركة الإخوان في العمل السياسي يجب أن يتم قياسها وفق خطتهم هم وليس استراتيجيات غيرهم، ووفق الأهداف التي حددوها هم وليس أهدافاً في ذهن غيرهم.. لذلك يجعل الإخوان لمشاركتهم السياسية في ظل الانسداد السياسي واحتكار السلطة أهدافاً جزئية وفرعية، مع العمل المتواصل والدؤوب لتحقيق إصلاح شامل يبدأ بإصلاح دستوري وسياسي تتضافر عليه جهود كل القوى السياسية، ويؤيده ويشارك فيه الشعب كله بكل فئاته حتى يتحقق الهدف الأصيل للانتخابات، وهو تداول السلطة سلميّاً.
من هذه الأهداف:
- تثبيت منهج الإخوان السلمي في نفوس المواطنين.
- تدريب الإخوان والنواب على العمل السياسي والمجتمعي.
- تقديم الخدمات للشعب عبر النواب ومكاتبهم وتشجيع العمل الأهلي.
- مقاومة الفساد عن طريق الرقابة النزيهة على أداء الحكومة في كافة المواقع.
- رفع المظالم عن الناس والتحقيق في شكاواهم.
- تفعيل الدور الدستوري للبرلمان وخاصة التشريعي، والإعداد الجيد لمشاريع قوانين في كافة المجالات إعذاراً إلى الله بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية.
- إعداد رجال دولة قادرين على فهم السياسات العامة والعلاقات الدولية، وتقديم البدائل وطرح البرامج في كافة أنشطة الحياة.
المصدر
- مقال: لن ينزلق الإخوان إلى العنف.. لماذا؟ موقع إخوان أون لاين