لم يعد الذي كان كما كان ..فدولة فلسطين جوهرة السلام
بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..
2009-03-21
في هذه الدولة المسماة اسرائيل ، عجرفة أمنية ، تتنافذ فيها التناقضات ، فتتحادد في الوعي ، فتصرف نتاجها في القول والفعل ، في الموقف ، فتبدو في شكلها وجوهرها ، تنم على استنقاع في الرغبة ، في الايحاء المستمد من تاريخ عربدة خلت ، ولا يردعها رادع ، سادية تشرأب بأعناقها بصلف لا يتناهى عند حد ، وهي بما يجري في الواقع ، ويوحي بتبدل وتحول ، قد طرأ على هذا الواقع ، فلم يعد الذي كان يجري مجراه الذي كان عليه ، فلقد أفرز الواقع قوى عازمة ، على فرض ارادتها على هذا الواقع ، فعندها يتراءى ماض تولى من خلال حقائق واقع غير الذي كان ، يبدو الحنين الى ما كان وبكل النزوع اليه ، مع العجز الذي يقيد هذا النزوع ويستبقيه في دائرة كان ولا يمكنه أن يكون ، أشبه بقوة تتذبذب بصاحبها بين سيد وما يريده رهن ارادته ، وبين سيد تشب النار حواليه وتفقد ارادته بعضا من حريتها ، فلم تعد حرة كما كانت فهي الآن مقيدة ، ثمة قوى تحد من طلاقتها ، وتمتص منها مقدرتها على الفعل ، وتبسط في ذلك أمام عقلها ضرورة أن تعيد النظر ، في هيكلة رؤيتها لهذه السيادة التي كانت ، ولم تعد موجودة بحالها الذي كانت عليه ، فعلاقة السيد بمحيطه لم تعد هي ، والسيد الذي كان بالضرورة استحال في كان .. كان ولم يعد كما كان ،
وهذا بعينه ما يستنفر قوى باطنية ، فتغلي في داخله ، فينهض نهوض واهم من قيود باتت حقائق لا يمكنه تجاوزها ، وتشرأب أعناقه ويتفلت باديا جنون التصاق بما كان ، محاولا اقناع نفسه ، بأنه لم يزل هو الذي يمكنه بما يملك من قوة ، أن يخلع على الواقع ما يرتأيه ، من أعادة هيكلة وتضمين من جديد ، فيتنادى بحول عربدة ، ويتشكل له جمهوره ، الصاخب بما يصخب ، المتفلت بما به من طاقة يود لو يصرفها ، بمن كانت هي تتنامى من أجل أن تنزل غيظا على رؤوسهم ، ويتدفق وزبانيته على الشوارع وجهته جهة تأخذه الى العربي ، فهو منطقة ، بظنه سهلة ليصرف على ربوعها أحقاده ، فينقض على ما يريد ، بهتافت من لا يقيم اللاممكن في وعي امكاناته .
انهم كما هم يفرون من وعي حقائق الواقع ، ففي الذي كان ، تبدو الصورة أجلى وأوضح وأكثر استدرارا للرغبة في السير عما كان ، على الرغم من كل ما ينوء به الواقع من اللاممكن للذي كان أن يكون ، انتهى زمن رسم الوهم بقلم الرصاص على الخريطة ، كانت كيفما تكون .. لكنهم هم أولئك الذين تخرجوا من كتاب الانتصار الذي سطرته طائرة على جمل ، وقذائف مدفع على عصا وبندقية مفككة ، ويتحنطون بمضمون هذا الانتصار ، وما ترتب عليه من نزولهم من الطائرات الى بيوت مفروشة ، كان أصحابها قد نزلوا بقوة الذبح في رقابهم الى باطن الارض ، أو من بقي منهم و به بعض حياة برغم تهالك الذبح عليه ، قد غادر تحت وابل من القهر المسور بالنيران الى بعيد قريب ، الى مكان يكون فيه خارج المكان حتى ولو ظل قلبه يرفرف فوق بيت هناك في داخل المكان .
صحيح بأنه لولا الاستيطان اليهودي في أرض فلسطين ، ما كانت هناك دولة أسرائيل ، ولولا كل ما يتصل بالاستيطان من اقتلاع للفلسطينيين من أرض فلسطين ، ولولا القوة التي حالت دون عودتهم ، ما كان يمكن لدولة يهودية ، أن تستمر كبناء قانوني وسياسي ، فديمومية فكرة الوطن القومي اليهودي ، وما كان من سيولة أفعال في الزمان فأدى الى تجسيد لها على الأرض ، والكيفية التي هو عليها الآن هذا التجسيد ، هو ما يمضي بالعلاقات مع الواقع والتيارات التي تهب عليها ، فيفصح عن أن نزوعا قويا مندلق دوما في سياقات الديمويمة للفكرة واستدامة بث الطاقات فيها ، على ما يضمن نموها وتطورها في الاتجاه الذي يزيد في اعلاء شأنها وترسيخها .
وهم الآن بما يتحاددون به من قراءات للواقع ، ولامكانات الفعل الممكن ، انما يدللون على جانب من دوامة الأمن التي تعيشها اسرائيل ، في سياق البحث عن حل تقترحه ، في أطار المفاوضات الجارية بينها وبين الفلسطينيين ، وهناك من جاء بطروحات انحسار ومضى ، وجاء غيره ، بغير مقترحاته ، وقد كان من قبله ، من أنكر حتى مجرد الوجود لشعب فلسطين ، فما بين تشريد ونكران وجود ، وبين اعتراف بهذا الوجود والبحث عن ما يقيم سلاما مع هذا الوجود ، هو في ذاته ، عملية تظل متهافته في البحث ، صياغات لربما ترضي هذا غير المرغوب في وجوده ، وهو حال التيه ، الذي ينقصه الخروج من ذاته ، بالاعتراف الصريح بحق هذا الوجود في قيادة ادارة شؤونه ، وعلى أرضه مستقلا بأرادته ، كما كل شعوب الأرض ،
وهذا بعينه الاعتراف الغائب عن الوعي الصريح بضرورة قيامه جليا مليا ، لكي يكون هناك استواء للمعرفة على ما يتوجب أن تكون عليه ، من مضامين ، فلو أن ثمة اعتراف ، فموجباته تقتضي ، الخروج من الوهم ، بأن سلاما يمكنه أن يكون ، مع وجود فلسطيني تغيب عنه أشراط بنيوية نظام كامل السيادة ، يدعى بأسم دولة فلسطينية ، على أرض فلسطين ، لكن اسرائيل بكل جهاز أمنها ، لا تفكر بأن من ضرورات أمنها أن تخرج من وهم كهذا ، ذلك بأن الوهم هذا يمكنه أن يصبح حقيقة ، وذلك بقوة التنشئة لحقائق في الواقع ، وبتغييب أو نفي لعناصر قوة مساندة للجانب الفلسطيني ، يمكنه أن ينشأ الحال الذي يصبح فيه هذا الوهم حقيقة لا فكاك من الأخذ بها ، فقد كانت فكرة وجود دولة صهيونية في فلسطين ضربا من وهم ، وكان تشريد شعب فلسطين من أرضه ضربا من وهم ،
لكنها حقائق القوة وعملية أدارة الصراع ، قد جعلت من وهم مثل هذا حقائق تاريخية على الأرض ، فليس بالضرورة أن تكون الفكرة آيلة الى الوهم لأن ترابها كان هو الوهم ، فالخط الممتد من الوهم الى الواقع ، له مقتضيايه ، فبتوفيرها ، يستحيل الوهم الى حقيقة ، ثم ان اعادة صياغة الجغرافية ، بتركيبة سكانية مسألة أمكانيات وقوة ، فمن يمتلك القدرة على ذلك يفعل ، ما لم يقدر عليه من تلاشت من بين يدية هذه القدرة ، أو من لم يمكنه استجماعها . لكن ما يصح من حيث التفكير بطلاقة تتجاوز كل معقولات الواقع ،لدى جانب يصح لدى الجانب الآخر ، فالجانب الفلسطيني ، قد أسقط فكرة اسرائيل الكبرى ،
وأسقط ما كان لا يستطيع تصوره وقبوله رئيس وزراء اسرائيل بيغن ، في كامب ديفيد ، فتلاميذه وورثته ، وورثة بن غوريون ، قد أرغموا على التراجع بقدرة هذا الفلسطيني ، الذي عليه الآن أن يستعيد عافيته ، بمزيد من التنامي في قدرته التنظيمية التي تصب قدرات كل الشعب في فعل واحد ، وذلك لكي يزيد في قدرته باضافة عناصر قوة جديدة لها ، كي يكون في مقدوره أن يزيد في ارغام الطرف الآخر على التراجع ، وذلك فتحا ، لآفاق يمكنه في سياقاتها أن يجعل ما قيل عنه بأنه الوهم في الجانب الصهيوني ، قد استحال الى حقيقة وذلك باستطاعته الرسم لدولة فلسطين ، على أرض فلسطين كحقيقة تاريخية ، قد خرجت الى الوجود ، رغما عن كل صعوبة اعترضتها عبر الزمان .
المصدر
- مقال:لم يعد الذي كان كما كان ..فدولة فلسطين جوهرة السلامالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات