لمصلحة مَن يحدث هذا؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لمصلحة مَن يحدث هذا؟


بقلم: أ.د عبد الحميد الغزالي

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم، إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران 173-175) .

نعم.. لن يُخيفَنا هذا الاعتقالُ الظالمُ لأشرف أبناء هذا الوطن، ولن يثنِيَنا عن المضيِّ في رسالتنا هذا التخريبُ الآثمُ لمؤسسات بعضهم، ولن ترهبَنا هذه الهجمةُ الشرسةُ من أجهزة الإعلام الرسمية المقروءة والمسموعة والمرئية، فالجميع- وعلى رأسهم النظام وأجهزته الأمنية والتنفيذية- يعلم يقينًا أن صفحتنا ناصعةُ البياض، وأننا ندعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، لا نريد إلا الخير كلَّ الخير لوطننا وأمتنا

ولا ندَّعي احتكارَ الحقيقة الإسلامية، وننبذُ العنف والإرهاب، ونعتمدُ الوسطية والاعتدال في كل أمورنا، كثابتٍ من ثوابتنا وليس تقيةً أو خوفًا من أحدٍ، ونريدُ أن نشارك ولا نغالِب في الحياة العامة، ليس لدُنيا نُصيبها، ولكن لإيماننا بأنَّ إسلامَنا العظيمَ دينُ ونظامُ حياةٍ شاملٌ وكاملٌ، ولأنَّ رسولنا- صلوات الله وسلامه عليه- أمرنا بأن نهتم بأمر إخواننا في قوله: "مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" . ومع ذلك يحدث لنا ما حدث وما زال يحدث، من اعتقالاتٍ ظالمة، وإغلاق مؤسسات أعضائنا، ومصادرة أموالهم وأجهزتهم.

هذا بالإضافةِ إلى هجمةِ افتراءاتٍ واضحة وأكاذيب فاضحة على فكرنا وسلوكنا، وكأنَّ هذه الحملة مبيَّتة بليل، ومخطَّطة بخبث، اتخذت حدثًا بسيطًا في داخلِ جامعة الأزهر تكئةً لكي تبدأ، ومبررًا لكي تستمر، والجميع يعلم أن حادث الأزهر قام به عددٌ من طلاب التربية الرياضية، أثناء اعتصام الطلاب؛

احتجاجًا على فصل إدارة الجامعة بعضَ زملائهم الذين شاركوا في انتخابات اتحادهم الحرّ، بعد أن مُنِعوا من ممارسة حقهم، بالشطب من الترشيح لانتخابات الاتحاد الرسمي، فكان الحادث "إسكتشًا" أو عرضًا رياضيًّا لم ينجم عنه إصابةُ أحد أو تدميرُ شيء، وما كان للطلاب أن يعتذروا عنه، ولكنهم اعتذروا، وما كان للإخوان أن يعتذروا عنه

ولكنهم اعتذروا واستنكروا، وقلنا إننا نرفض بالتأكيد هذا الشكل من التعبير الذي لا يتسق مع مبادئنا، ولا يتمشَّى مع ثوابتنا، ومع ذلك اعتُقل نحو 140 طالبًا و16 قياديًّا من قيادات الجماعة، منهم 6 أساتذة جامعة، كل ذلك قبل امتحانات الفصل الأول من العام الدراسي بأيام!!.

ثم بعد ذلك القبض على 25 عضوًا من الجماعة، على رأسهم 5 من كبار رجال الأعمال الناجحين في أعمالهم، المساهمين بحب وإخلاص في بناء اقتصاد وطننا، وتم غلْق مؤسساتهم ومصادرة ما وُجد من أموال وأجهزة حاسبات، وما يستتبع ذلك من تشريد مئات العاملين، وتهديد مئات الأُسَر في أرزاقهم !!.

وكل عاقل في هذا الوطن يتساءل: لمصلحة مَن يحدث كل هذا الظلم؟! وما هدف كل هذا الغبن الذي يقع ليل نهار على هذه الجماعة شديدة المسئولية وشديدة الوسطية والاعتدال وشديدة الحب والإخلاص لدينها ووطنها وأمتها؟! ولماذا هذه الهجمة الشرسة على أبنائها الشرفاء؟! ولماذا كل هذا التدمير والتخريب لمؤسساتهم ولمصالحهم.. بل لحياتهم؟!

ألم يكن من الأجدى والأسلم والأوفق أن يوجَّه هذا الجهد الأمني لحماية الوطن في الداخل والخارج، ولا أقول رعاية هذه المؤسسات التي تساهم بجدية والتزام في العملية الإنتاجية لهذا الوطن، وفي تنمية اقتصاده؟! أين كان الأمن عندما ضُرِب أبناؤنا الطلاب بجامعة عين شمس بالجنازير والأسلحة البيضاء على مرأى ومسمع من حرس الجامعة؟! أين كان الأمن عندما انتُهِك عرضُ فتياتنا في مظاهرة القضاة، وفي وسط العاصمة في وضح النهار؟!

أين كان الأمن عندنا ضُرب أبناؤنا بكل الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة النارية في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وبالذات الجولة الثانية من المرحلة الثالثة، بل ضُرب بعضُ القضاة الشرفاء، ثم ضُرب أحدُهم في مظاهرة القضاة بالحِذاء؟!

أين كان الأمن عندما انتُهكت أعراضُ بعض أبناء هذا الوطن في أقسام الشرطة؟! أسئلة كثيرة كثيرة تشير إلى ما يتعرض له الوطن من انتهاكات لحرماته وامتهانات لحقوقه ليل نهار في غياب واضح للأمن، أو اشتراك مباشر وسافر من قبله!! أعود وأتساءل: لمصلحة مَن؟! وما الهدف من هذا الظلم الفادح؟!

أهي طريقة النظام لصرف الناس عما يعانونه من مشكلات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتفاقم تكاليف المعيشة؟!أهي وسيلة النظام لإلهاء الناس عن ثقافة الفساد المنتشرة في كل مؤسسات وكل نشاط لصالح المنتفعين من قياداته ورجال أعماله؟! أهي الوصفة السحرية الغبية لتمرير التعديلات الدستورية التي تكرِّس استمرار النظام في اغتصاب السلطة وتوريثها؟!

أم هي الطريقة المثلى لتغييب عقل المواطن ووجدانه عن الكوارث المستمرة التي يئنُّ منها الوطن والمواطن، ابتداءً من قصر الثقافة ببني سويف، وعبَّارة الفساد والقطارات، وانتهاءً بحادثة بني مزار وكنيسة الإسكندرية وأطفال الشوارع، التي راح ضحيتها الكثيرُ والكثيرُ من الأبرياء؟!

أم هي الوسيلة العملية لإلهاء الناس عن المواقف الرسمية المُخزية في الخارج من قضايا فلسطين، ولبنان ، والعراق، والصومال؟! أم هي الطريقة المثلى لاعتبار الجماعة فزَّاعةً في الداخل وفي الخارج، حتى يظلَّ النظام مغتصبًا السلطة، ومؤيَّدًا من أعداء هذا الوطن؟!

وأيًّا كان الهدف فهو بالقطع ظالم ظالم وغير شريف، نتيجته الفاضحة هي المساهمة في مزيد من تخريب تماسك هذا المجتمع، ومزيد من تدمير اقتصاده، ويصبُّ في النهاية لصالح أعداء هذا الوطن الحبيب.. بإضعاف منظَّم وشرِّير لمصر داخليًّا، وبإضعاف منظَّم وشرِّير لمكانتها ومكانها في هذه المنطقة من العالم، وإن كان النظام يدري بهذا فتلك مصيبة عظمى، وإن كان لا يدري فالمصيبة بالقطع أعظم!! وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة 11-12).

فهل يعيد النظام التفكير في خططه المخرِّبة؟! .. وهل يعي خطورة المرحلة التي تمر بها مصرنا؟! .. وهل يحاول أن يرى ما جرَّته علينا سياساته الخرقاء، من كوارث في الداخل، ومن تآكل لدورنا ومصداقيتنا ومكانتنا في الخارج؟!

إن كل عاقل في هذا الوطن الحبيب- وجلّ مواطنيه عقلاء، بدليل صبرهم واحتسابهم الذي لا نظير له بين الأمم، لَيرجو من الله تعالى أن يراجع النظامُ سياساته التخريبية، ويَرجع عن انتهاكاته التدميرية، التي لا تخدم أحدًا، بما في ذلك قيادات النظام نفسه.

كما يأمل هذا العاقل من النظام أن يتخلَّى نهائيًّا عن أسلوبه الأمني الظالم ونظرته المخرِّبة لفصيل أساسي من فصائل هذا المجتمع، ومن أشدِّ أبناء هذا الوطن حبًّا لوطنه وأمته وإخلاصًا لتقدمها ورفعتها، وأن يتصالح مع جميع فصائل هذا الوطن على أساس متين من هويتنا التي تعلي الشورى والديمقراطية والحرية والعدل كطريقٍ وحيدة لخير هذا الوطن وتقدمه..

وليتذكر أقطاب هذا النظام وقياداته قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ (طه 111-112) .. وقوله جل وعلا:﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ (إبراهيم42) صدق الله العظيم.

المصدر