لماذا يصمت الإخوان؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لماذا يصمت الإخوان؟


بقلم: د. رفيق حبيب

مقدمة

اختلفت الآراء بشدة حول موقف جماعة الإخوان المسلمين من الضربات الأمنية التي تتعرض لها، بصورةٍ تؤكد أن هناك اختلافًا في تقييم الموقف بين المعلِّقين والمراقبين، ويدل هذا الاختلاف على صعوبة تقييم الواقع، وبالتالي تقييم النتائج التي يمكن أن تحدث في المستقبل نتيجةً لموقف الجماعة أو المواقف التي تقترح عليها، وتلك هي المشكلة الأساسية؛

حيث إنه من الضروري على جماعة الإخوان المسلمين أن تقيس وتقيِّم النتائج المتوقَّعة من كل قرارٍ تتخذه، وهو أمرٌّ مهمٌّ أيضًا من قبل مَن يقدمون مقترحات محددة للجماعة؛ حيث تحتاج تلك المقترحات لقياس دقيق للنتائج المتوقعة منها.

والناظر إلى الحالة السياسية في مصر يكتشف مدى صعوبة وضع تصورات مستقبلية؛ حيث أن النظام الحاكم لا يحكم بناءً على خطة واضحة المعالم والأهداف، ولكنه يعتمد على القرار الفردي الذي يصدر من أعلى جهة في النظام، وهي مؤسسة الرئاسة، وهي أيضًا الجهة المسيطرة على خيوط النخبة الحاكمة، ومع هذا، نعرف أن النظام الحاكم يريد تأمين بقائه في السلطة ولفترة زمنية طويلة، غير معروف نهايتها.

ونعرف أيضًا أن النظام الحاكم يريد إقصاء جماعة الإخوان المسلمين عن العمل السياسي بالكامل، كما نعرف أنه يحاول منع أي قوة سياسية أخرى من الوصول لمرحلة تمكنها من منافسة النظام الحاكم على الحكم؛ مما جعله يعمل على هدم كل البدائل أو التوجهات السياسية الأخرى؛ أي أن النظام الحاكم يعمل على حرق المجال السياسي بالكامل، حتى يبقى الجهة الوحيدة القادرة على السيطرة على الدولة، وبالتالي السيطرة على نظام الحكم في البلاد.

وفي المقابل سنجد أن موقف جماعة الإخوان المسلمين واضح لكل مَن يريد أن يتابعه ويقيمه، فهي أولاً تريد تحقيق الإصلاح السياسي السلمي المتدرج، والذي يؤدي إلى تحقيق الديمقراطية التي تجعل الأمة مصدر السلطات، أي التي تحقق ولاية الأمة وحقها في اختيار حاكمها وعزلهم ومحاسبتهم.

وجماعة الإخوان المسلمين ، كما تكرر مرارًا على لسان قيادتها، ترى أن تحقيق التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وغيرها من شروط العمل الديمقراطي، هي الخطوة الأولى الأساسية التي تليها مرحلة التنافس السياسي الحر بين القوى والتيارات السياسية، من خلال نظام حزبي يسمح لكل القوى أن تأسس أحزابًا تُعبِّر عنها؛

فإذا تحقق ذلك فسوف تعمل الجماعة على دعوة الناس لتأييدها، حتى تحقق رؤيتها السياسية الإسلامية، إذا حصلت على الأغلبية، وبهذا يكون الإصلاح السياسي هو الخطوة التي تسبق عمل الجماعة من أجل تحقيق رؤيتها السياسية والحصول على الأغلبية التي تمكنها من ذلك.

بهذا تتشكل صورة المواجهة بين النظام والجماعة، حول فكرة الإصلاح السياسي وضرورة التحول إلى النظام الديمقراطي؛ حيث يرفض النظام تمامًا أي تحول نحو النظام الديمقراطي، في حين تعمل الجماعة من أجل إقامة نظام ديمقراطي، كشرطٍ ضروري لاستكمال مشروعها السياسي؛ لأن هذا المشروع في رؤية الجماعة لا يتحقق إلا من خلال الحصول على الأغلبية في نظامٍ سياسي حر ومتعدد.

وهذا هو جوهر المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان، فالخلاف يدور بين ولاية الأمة التي ترى الجماعة أنها أساس النظام السياسي الصالح، وبين فرض وصاية النخبة الحاكمة على الدولة والمجتمع، والتي يرى النظام أنها ضرورة لبقائه في الحكم، ويتصور بالطبع أنها ضرورة للاستقرار الحكم في البلاد.

البديل الثوري

من هذا المنطلق يمكن النظر للبديل الثوري المطروح على جماعة الإخوان المسلمين، والذي يقوم على ضرورة تصدي الجماعة لممارسات النظام عمومًا، وممارساته ضدها خصوصًا، بالخروج إلى الشارع والتظاهر بمئات الآلاف، وعلى مدار أيام متصلة وفي العديد من المدن والمحافظات، والجماعة قادرة بالفعل على القيام بهذا الأمر، ولكن من المهم النظر في مسار تلك المواجهة المفتوحة في الشارع؛

فعندما تخرج جماعة الإخوان المسلمين في الشارع بهدف وقف الحملة ضدها، يصبح عليها الاستمرار في التظاهر حتى يتم إلغاء الاعتقالات التي تمت بحق قياداتها وكوادرها، وهنا يكون أمام النظام إما الاستجابة لضغوط الجماعة، فيعلن هزيمته أمامها ويفقد سطوته وهيمنته على المجتمع والدولة، ويكون قد مهَّد لخروجه من الحكم؛ وإما أن يدخل في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع الجماعة، حتى يحافظ على سطوته وسيطرته على الدولة والحكم.

والمتوقع أن لا تحظى تلك المظاهرات باهتمام الإعلام الغربي، مثلما اهتمَّ بالمظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران، ومن غير المتوقع أن تتدخل الدول الغربية أو الإدارة الأمريكية لوقف ممارسات النظام تجاه تلك المظاهرات؛ لذا يصبح من المتوقع أن يتعامل النظام بأقصى قوة مفرطة مع المظاهرات، ويبدأ في توسيع حملة الاعتقال ضد الجماعة.

ومن المتوقع أن تُسفر تلك المواجهة بعد أسبوع من بدايتها عن عشرة آلاف معتقل من الجماعة، وألف قتيل وجريح. ثم تتوقف المواجهة في الشارع، خوفًا من تزايد حجم الأضرار التي تنتج عنها، حيث سيميل النظام للتهدئة وكذلك الجماعة؛ لأن المواجهة المستمرة في الشارع غالبًا ما تضر كل الأطراف

وتفتح الباب أمام احتمالات الفوضى، فنتوقع مثلاً قدرًا من التذمر داخل قوات الأمن بسبب كثرةِ الضحايا، كما نتوقع أن تميل جماعة الإخوان لوقف النزيف الذي سوف تتعرض له كوادرها، وتجنيب البلاد احتمال حدوث انفلاتٍ أمني... وبهذا ينتهي مشهد المواجهة، مع وجود عشرة آلاف معتقل، يتم تصفية أوضاعهم خلال شهور، ويبقى قيد الاعتقال عدد يتراوح بين مائة ومائتين، وهو عدد قريب من عدد المعتقلين قبل بداية مواجهة الشارع.

وخلاصة ذلك، أن النظام سوف يبدو مهددًا من قوة ذات وزن في الشارع، ولكنه سيبدو أيضًا قادرًا على السيطرة بالقوة الأمنية، كما ستبدو الجماعة قوية وفاعلة في الشارع، ولكنها ستبدو أيضًا غير قادرة على الحسم النهائي.

بديل الانسحاب السياسي

يرى البعض أن الحل في وقف جماعة الإخوان المسلمين لكل نشاطها السياسي، حتى توقف المواجهة بينها وبين النظام الحاكم، وهذا البديل هو عكس البديل السابق؛ حيث يكون على الجماعة أن تعلن أنها تخلت عن نشاطها السياسي تمامًا، إما لمدة زمنية معينة، أو لمدة زمنية مفتوحة، وأنها سوف تكتفي بنشاطها الدعوي والاجتماعي، حتى تُجنب المجتمع وتجنب نفسها تلك المواجهة.

والمتوقع هنا، أن تصدر تصريحات من قِبل النظام الحاكم تؤكد أن ما قام به الإخوان ليس إلا خدعة، تدل على ضعف الجماعة، كما سوف يستشهد النظام بهذا الموقف ليؤكد أن الجماعة قد انكشفت وأصبحت تخشى من رفض الناس لها، وأن النظام استطاع أن يكشف الصورة الحقيقية للجماعة، والجماعة تحاول الهروب من الاتهامات التي يوجهها لها النظام، لهذا سوف يعلن النظام بكل غرورٍ استمرار مواجهته للجماعة التي يصفها بأنها محظورة.

وفي المقابل نتوقع حدوث معارضة شديدة لهذا الوضع داخل جماعة الإخوان المسلمين، وغضب هائل بين كوادرها، خاصةً الشباب، مما يجعل الجماعة في موقف حرج، ويكون عليها إما أن تستمر في موقفها وتجمد نشاطها السياسي، أو تضطر إلى مواجهة موقف النظام من مبادرتها بالخروج للشارع، ونعود إلى البديل الثوري.

فإذا استمرت الجماعة في قرار تجميد عملها السياسي، واستمر النظام في توجيه الضربات الأمنية لها، فسوف تفقد الجماعة الكثير من مؤيديها، وتضطر في النهاية إلى حماية نفسها من الضربات التي توجه لها؛ مما يدفعها إلى الخروج من دائرة الضوء، والعودة للنشاط غير العلني، حتى تستطيع أن تعيد بناء قدرتها وتنظيمها مرةً أخرى.

البديل الصامت

يغلب على مواقف جماعة الإخوان المسلمين تجاه ما يوجه لها من ضرباتٍ أمنية، أن تعلن رفضها لما يحدث، وتكتفي بهذا وتلجأ للصبر والتحمل، ورغم أن هذا يمثل منهج وقدرة الجماعة على تحمل المحن، إلا أنه يحمل مبرراتٍ أخرى تراها قيادة الجماعة؛ فالجماعة ترى أهمية أن تقوي قدرتها على تحمل الضربات الأمنية بدون أن يتأثر نشاطها إلا في حدودٍ ضيقة، وتحاول أيضًا تقوية قدرتها على تعويض غياب قيادتها بوجود البديل الجاهز لاستلام مهام مَن يتم اعتقاله...

وتحاول الجماعة أيضًا تعويض الخسائر المعنوية والمادية الناتجة عن الاعتقال، في محاولةٍ منها للحدِّ من أي تأثيرٍ لتلك الاعتقالات على نشاط الجماعة وانتشارها في المجتمع المصري، أي أن الجماعة تحاول أن تحافظ على معدل انتشارها وتوسعها في النشاط الدعوي والاجتماعي رغم تلك الضربات الأمنية.

وفي المقابل سنجد أن النظام يحاول بكل الطرق ضرب مفاصل مهمة في التنظيم للتأثير على قدراته الحركية ومقدرته المالية، حتى تؤدي هذه الضربات الأمنية للحد من قدرة الجماعة على النشاط والحركة؛ مما يفترض أن ينتج عنه تقلص معدل نمو وانتشار الجماعة في المجتمع المصري.

وخلاصة ذلك، أننا بصدد مواجهة تدور حول شعبية جماعة الإخوان ووزنها النسبي في المجتمع، حيث يحاول النظام الحد من تلك الشعبية من خلال الضربات الأمنية، وتحاول الجماعة توسيع تلك الشعبية رغم الضربات الأمنية.

البحث عن بديل

إذا عدنا لجوهر المواجهة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، سنجد أنه يدور حول الإصلاح السياسي، فالنظام يريد استمرار بقائه، والجماعة تريد نظامًا سياسيًّا حرًّا يمكنها من تحقيق مشروعها إذا حصلت على الأغلبية، فإذا كانت المواجهة الثورية يمكن أن تؤدي إلى نوعٍ من الفوضى التي تلحق ضررًا بالمجتمع وجماعة الإخوان ، وإذا كان الانسحاب يلحق ضررًا بالغًا بالجماعة ويؤجل مشروعها للإصلاح؛ لذا أصبح من الضروري الربط بين سياسة امتصاص الصدمات التي تتبعها الجماعة، وبين حركتها من أجل تحقيق الإصلاح السياسي، بغيةَ تحقيق مشروعها الإصلاحي الإسلامي.

والمقصود من ذلك، أن يتم التعامل مع المواجهات الأمنية من قبل النظام الحاكم ضد الجماعة، ضمن مواجهة سياسة الاستبداد والهيمنة على الحكم، فتكون عملية مواجهتها جزءًا من عملية تحرير المجتمع.

وهنا يمكن أن يكون للتظاهر دور مختلف عن دوره في البديل الثوري، فالخيار الثوري يقوم على تحدي النظام الحاكم لإجباره على اتخاذ قرارات معينة، فيصبح التظاهر خروجًا للشارع لفرض واقع جديد، أما التظاهر في حدِّ ذاته، فهو وسيلة للتعبير عن الرأي، وهو ليس الوسيلة الوحيدة، ولكنه وسيلة مهمة، وهو بهذا وسيلة إعلامية لإعلان الرأي أمام عامة الناس.

وتظهر أهمية العمل الإعلامي المكثف، والذي يستخدم كل الوسائل الإلكترونية المتاحة، حتى يتم نشر حقيقة ما يحدث على أوسع نطاق ممكن، بحيث تصل الصورة الحقيقية لأكبر عددٍ من الناس حول العال، فالمعركة الإعلامية تبدو هي جوهر المواجهة الأمنية بين النظام وجماعة الإخوان

فالنظام لا يهدف إلى اعتقال مئات من الجماعة كهدف في حدِّ ذاته، ولكن يهدف إلى تشويه صورة الجماعة، لتنفير الناس منها أو تخويفهم؛ لهذا نعتبر ما يحدث معركة إعلامية، تحتاج لرد مناسب، يكفي لتوصيل الصورة الحقيقية، لتهزم الصورة المضللة التي ينشرها النظام وكتيبته الإعلامية.

ويلاحظ هنا، أن البعد الدولي في هذه القضية يقتصر فقط على نشر الصورة الصحيحة لما يحدث في كل بقاع العالم، فالجماعة ترفض أي تدخلٍ خارجي، بجانب أن الدول الغربية والإدارة الأمريكية معادية أساسًا للمشروع الإسلامي، وترفض وصول من يحمله للحكم في البلاد العربية والإسلامية، فالمطلوب هو توصيل الصورة الصحيحة لما يجري لكل المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الحقوقية، كجزءٍ من المعركة الإعلامية.

وقد أصبح أيضًا من المهم، أن تعمل الجماعة عن نشر صورتها الحقيقة بين الناس، بما في ذلك حقيقة أفكارها ورسالتها ومنهجها، وأيضًا تاريخها؛ لأن نشر الصورة الصحيحة عن الجماعة بين الناس، هو رد مهم على الحملة التي تتعرض لها الجماعة، والتي تهدف إلى تشويه صورتها للحد من قدرتها على الانتشار، ولتخويف الناس من التعامل معها؛ وبهذا تكون عملية تصحيح الصورة لدى العامة، هي عملية مضادة لكل حملات التشويه، بما يمكن من الحد من أثر تلك الحملات.

ومن المهم أيضًا توضيح ما تقوم به الجماعة من أدوار وطنية، خاصةً في قضية فلسطين؛ حيث إن هذا الدور أصبح سببًا مهمًّا في تصاعد الهجمات ضدها، ولا يعني هذا المزايدة على هذا الدور، بل العكس من ذلك، يعني أن توضح الجماعة لعامة الناس أهمية هذا الدور، وكيف أن قيام الجماعة به يزيد من حجم عداء النظام والقوى الخارجية لها؛ مما يستلزم إفشال تلك الخطة بتوسيع مجال الدعم للقضية الفلسطينية، ومساندة حركات المقاومة، لإفشال أي مخطط لضرب العمق المعنوي والمادي المساند للمقاومة.

الخلاصة

خلاصةً ذلك، أننا أمام معركة أمنية من قِبل النظام ضد جماعة الإخوان المسلمين، هي في حقيقتها معركة إعلامية وسياسية بامتياز؛ لذلك لن يتم حسمها بمواجهة القوة الأمنية، وكذلك لن يتم حسمها بترك العمل السياسي، بل يتم حسمها بالمزيد من العمل السياسي والإعلامي، فجوهر الصراع أصبح حول الأفكار والصور، والأداة الأمنية ليست إلا وسيلة لإلحاق الأذى والعرقلة، وهدفها النهائي هو التشويه، فالمعركة في نهايتها هي حول موقف عامة الناس، ومن يكسب المعركة، هو من يكسب عقول وقلوب الناس، ويكسب المعركة الإعلامية

المصدر