لماذا نصر الطيب أردوغان غزة وتواطئوا هم ؟؟
بقلم / وائل الحديني
في تمام الساعة التاسعة وخمس دقائق في 10 /11 /1938 عندما لفظ أتاتورك آخر أنفاسه في قصر دولما باغشة في اسطنبول لم يعني ذلك أن العلمانيةً الاتاتوركية فقدت حصونها المنيعة فحراس صنم أتاتورك كانوا أكثر التزاماً بمبادئه ، واشدُ تطرفاً في مواجهة أعدائه .
محتويات
لكن تركيا التي انجبت محمد الفاتح قادرة دوماً على انجاب المزيد !
ربما يمكن الاجابة على هذا السؤال فى شقه الاول مباشرة انطلاقاً من محددين
الاول : التكوين النفسي والشخصي للطيب اردوغان :
- ـ يقول الصحفي العربي المقيم فى تركيا سعد عبد المجيد : لم يتخلف أردوغان يوماً عن واجب العزاء لأي تركي يفقد عزيزاً ويدعوه للجنازه.
- ـ اقترب الطيب من الجماهير خاصة البسطاء منهم ، قال احدهم : نحن نفخر بأردوغان ونعتقد أنه لن يجرؤ أحد بعد اليوم على السخرية منا أو إهمالنا .
- ـ ولد الطيب باستانبول فى 26 فبراير عام 1954 فى حي قاسم باشا الفقير لوالد يعمل فى خفر السواحل ، وبعد ان انتهى من تعليمه الابتدائي التحق بمدرسة الأئمة والخطباء ، ومنها إلى كلية التجارة والاقتصاد بمرمره
طويل القامة ، فارع الطول ، جهوري الصوت ، حاد الطباع ، نتيجة نشأته ، لكنه خرج من السجن بدرجة عالية من المرونة وأفكار إصلاحية وأسلوب معتدل ..
- ـ متدين لا يجيد سوى التركية ، لكنه متحدث بارع ومصغي جيد .
- ـ تاجر ماهر ، مارس كرة القدم فى ثلاثة أندية رياضية .
- ـ دخل السجن فى عام 1999 بسبب أبيات من الشعر : ( المآذن رماحنا.. والقباب خوذاتنا.. والجوامع ثكناتنا .. والمؤمنون جنودنا )
حملته الجماهير إلى السجن لتودعه فى مشهد مهيب ، حيث أكد لهم أنه سيقضي أيامه فى وضع حلول لمشكلات تركيا ، وخطط للنهوض بمستقبلها .. مطالباً إياهم بالعمل والبذل والعطاء .
- ـ مُنِع أردوغان من ممارسة العمل السياسي رغم فوز حزبه بانتخابات 2002 وحصوله على 354 مقعداً وتشكيله الحكومة منفرداً ، لكنه عاد إلى البرلمان بعد خمسة أشهر ، حينما رفع عنه البرلمان عدم الصلاحية واستقال أحد نواب الحزب بـ (سرت) لتجري الانتخابات ويفوز الطيب بها ، ثم تنازل له جول عن رئاسة الوزراء ليعيد صياغة التاريخ التركي في ظرف أعوامٍ قليلة
- ـ لم تمنع أردوغان نشأته المتواضعة أن يعتز بنفسه ، ففي مناظرة تليفزيونية مع زعيم الحزب الجمهوري وريث الكمالية دينز بايكال قال: (لم يكن أمامي غير السميد والبطيخ فى مرحلة الابتدائية والإعدادية كي استطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي ، لأن والدي كان فقيراً )
- ـ لم يغير الطيب مسكنه رغم تواضعه حتى بعد وصوله لمنصب عمدة استانبول ووجود فرص للحصول على عملات بملايين الدولارات بشكل شرعي ومتعارف عليه لكنه كان يخصم تلك العملات ويوفرها لخزينة المدينة
- ـ من ضمن ما أورده المدعي العام ضد اردوغان ، كان كلماتٌ قالها في سياق مُعارضته لدعوَى الانفصال التي أطلقها حزب العمال الكردستاني : (إن الخالقَ المطلق خلقنا جميعاً فلماذا نتفرق ؟؟).
وعندما هدده دينز بايكال رئيس الحزب الجمهوري الكمالي بأن مصيره سيُشبه رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس" (الذي اعُدم) أجابه اردوغان (انه عندما بدأ السير في هذا الطريق حمل كفنه الأبيض معه) . وقد عّد المدعي العام هذا القول عملاً ضد العلمانية !!
وقال "كمال أناضول" رئيس الكتلة البرلمانية للحزب عن أردوغان (حتى وان غير قميصه ، فإن القماش واحد) ..
- ـ كان اردوغان في رحلته لاستراليا عام 2004 قد تقدمت إليه فتاتان تركيتان تدرُسان في الجامعة هناك بعد مَنعهما من الدراسة الجامعية في تركيا بسبب الحجاب ، وطَلبتا منه حل المشكلة فأجاب :
( إنني اعرف هذه المشكلة جيداً، وقد قاست منها عائلتنا كثيراً فقد حصَلت ابنتان لي على الدرجة الكافية للالتحاق بجامعة (بوغاز إيجي) ولكنهما لم يستطيعا الدوام في تلك الجامعة لكونهما محجبتين ، أنا اعرف هذه المشكلة جيداً وارى أن حلها يتم بالتفاهم مع الأحزاب الأخرى . لذا ارجوا ألايطالبني احد بحلها بشكل منفرد لأنني لا أريد إثارة التوتر في البلاد !)
لكنه في يناير 2008 تحدث بالقول : ( سنتخطى هذه المشكلة معاً .. لا حاجة للانتظار للدستور الجديد .. حل هذه المشكلة بسيط للغاية سنجلس معاً ونحلها بجملة واحدة )!
- ـ يرى سعد عبد المجيد أن اردوغان يتعامل مع الأمريكان بندية : فهو استضاف مؤتمر القدس الدولي في حين رفضته دول إسلامية ، وهو المؤتمر الذي استبق مؤتمر انابوليس وأفشله , كما يشارك الجيش التركي في قوات حفظ السلام لكنه لا يقاتل ولا يتجاوز الأعمال الإغاثية خاصة في أفغانستان ، وانه فتح الباب للاستثمارات والأموال العربية ، وامتنع عن إقامة علاقات مع أرمينيا تضامناً مع أذربيجان التي تحتل أرمينيا ثلث أراضيها من العام 94) ..
الثاني : انجازات الطيب اردوغان فى تركيا
يقول رجل الأعمال - التركي من أصل سوري - غزوان مصري : كل من يعيش فى استانبول يدين للطيب بالماء والهواء النظيفين ، والخضرة التى تملأ المكان .. كانت وسائل الإعلام سابقاً تنصح كبار السن و الأطفال ألا يخرجوا للشارع لأن الهواء ملوث ، كما كانت الكمامات توزع فى الشارع .
- خلال ثمان سنوات عالج الطيب كل ذلك وحول استانبول إلى عاصمة اجتماعية وثقافية وسياحية تليق بتركيا
- اقتحم الطيب عالم الدعارة ، واستطاع أن يعيد تأهيل الفتيات نفسيأ واجتماعياً ، ويلحقهم كعاملات فى المصانع .
اردوغان بعد مرور ثلاثِ سنواتٍ على توليه رئاسة الوزراء بدا واثقاً من حجم التطورِ الهائل الذي تم في تركيا على يد حكومته ، لاسيما في مجالات الاقتصاد ، والتعليم ، والصحة والحرب على الفساد .. كما بدا علي باباجان أيضا ـ والذي تولى وزارة الاقتصاد وعمره خمسة وثلاثون فغير وجه تركيا واثقاً من (أن الاقتصاد التركي أصبح أكثررسوخاً من أي وقتٍ مضى ).. وهو احد الأسلحة الماضية التي يخوض بها اردوغان دوماً معاركه الانتخابية . وهو الأمر نفسه بعد مرور ستِ أعوام في الحكم فكل معركة يخوضها اردوغان يراها المحللون بمثابة المعركة الأخيرة له ، لكنه حين يخرج منتصراً يُدفع إلى معركة أخرى سريعاً . لكنه فى النهاية نجح فى تحييد اهم قويتين فى تركيا الجيش (حامي الاتاتوركية) ، والمؤسسة العلمانية.
هذين المحددين مثلا منطلقاً لتحرك اردوغان لنصرة غزة ..
لماذا تواطئوا هم ؟؟
ـ اذا كانوا يسحلون شعوباً فهل نتوقع ان تأخذهم شفقة بدماء واحزان غزة ؟!
ـ اذا كانوا يتركون شعوبهم فى العراء والجوع فهل نتوقع ان يمدوا يد العون لغزة ؟!
ـ كلهم لم تختلف حياتهم فى شق منها عن حياة اردوغان ، ربما عاشوا المعاناة نفسها ، لكن معاناة الطيب صنعت منه رجلاً !!
ـ لماذا لم يذكر التاريخ تفاصيل رحلتهم ؟ لانه ربما لا يوجد مايقال!
ـ امسكوا بالحكم قهراً ، واعينهم رهن الامريكي ، ورضاه يمر عبر الاسرائيلي هذا هو محدد البقاء
ـ لانهم الوجه الاخر للعلمانية المتوحشة ، والاستبداد القهري .
كان البعض يعتقد أنه ربما لم يسبق لرجل أن يحكم بلداً من قبره ولمدة زادت على ثلاثة أرباع قرن سوى لرجل واحد ذاك هو أتاتورك ..
أنا اختلف مع هذه الجملة حقيقةً يجب أن تقرأ الأحداث بموضوعية من خلال السياق الملائم: فمعظم الدول العربية تُحكم من خلال قبور وبسياسات وضعها أموات ولو بدو أحياءً !!
فالاستبداد والقهر يتعارضان مع مفهوم الإنسانية والحياة ، والجمود لا يتفق أبداً مع شرايين أوطان تتدافع فيها الدماء !
المصدر : نافذة مصر