لماذا التأجيل.. وماذا بعد؟
بقلم:معتصم حمادة
محتويات
حماس توافق وترفض
من جهة توافق حماس على انتخاب المجلس الوطني في الداخل والخارج بمبدأ التمثيل النسبي الكامل،ومن جهة أخرى ترفض هذا المبدأ لانتخاب المجلس التشريعي وتشترط بدلا منه النظام المختلط،أي أن حماس تريد تفصيل النظام الفلسطيني على مقاسها وليس على مقاس الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
للمرة الثانية على التوالي تقرر القاهرة تأجيل موعد الحوار الفلسطيني.
- المرة الأولى حين أجلت موعد 25/7 لشهر كامل
- والمرة الثانية حين أجلت موعد 25/8 إلى ما بعد عيد الفطر،أي إلى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) القادم .
وفي المرتين،سبق التأجيل جولة لفريق مصري ترأسه الوكيل اللواء محمد إبراهيم،ممثلا الوزير عمر سليمان.
وفي المرتين التقى الفريق المصري القيادات الفلسطينية في رام الله ودمشق،وعرض معها الأفكار والاقتراحات المصرية،واستمع إلى آرائها بشأن حل القضايا موضع الخلاف،وبما يفتح الطريق لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.
لماذا التأجيل
وبات واضحا،أنه على ضوء ما سمعه الفريق المصري،تقرر التأجيل،فلماذا تأجل موعد 25/8 هذه المرة ؟وماذا بعد التأجيل؟
تجمع التقارير المتوافرة أن جولة الفريق المصري،هذه المرة،أتت بما يشبه تكرار الجولة الماضية من حيث الأفكار التي سمعها من فتح وحماس.
وكان الجانب المصري،وعلى ضوء الجولات الفاشلة للحوار الثنائي بين الحركتين قد توصل إلى قناعة راسخة بأن «الثنائية» في الحوار يجب أن تنتهي إلى غير رجعة،وأن الحركتين عاجزتان،منفردتين،عن توفير الحلول المناسبة للأزمة الفلسطينية وأنهما أخذتا من الفرص ما يكفي لمعالجة القضايا الثنائية بينهما،وأن الوقائع تؤكد أنه كلما التقى الطرفان، كلما تعقدت الأمور بينهما، بدلا من أن تجد طريقها إلى العلاج.
لذلك اعترف الفريق المصري،في جولته، في بعض اللقاءات مع أصدقاء فلسطينيين بصوابية النصائح التي سمعها ودعته إلى وقف الحوارات الثنائية والعودة إلى الحوار الشامل.
فالحوار الشامل - كما تؤكد التجربة - هو الذي دفع بالعلاقات الفلسطينية إلى الأمام،وقدم لمعظم قضايا الخلاف حلولا واقعية،وسلمية،ووطنية،لم تراع المصالح الفئوية بقدر ما راعت المصلحة الوطنية العليا،التي يفترض أن تكون هي الكفة الراجحة على غيرها من المصالح.
بل إن الفريق المصري،اعترف في السياق نفسه،أن الحوار الثنائي،شكل تراجعا عن بعض ما حققه الحوار الشامل،وبالتالي أصبح هذا الحوار الثنائي عالة على الحالة الفلسطينية فيه ضرر وليس فيه أية منفعة.
طبعا،اصطدم هذا الموقف المصري مع الذين استمرأوا الحوار الثنائي،ووجدوا أن فيه صيغة للمناورة والالتفاف على القضايا،وتمييع الأوضاع،وإبقاء الحوار رهينة لحسابات إقليمية ليست خافية على أحد،تنتظر كلمة السر من بين شفاه الرئيس الأميركي أوباما.
ليس إبقاء الحوار وحده رهينة بل وكذلك إبقاء القضية الوطنية الفلسطينية ومجموع الهموم الأخرى والقضايا الملحة،في مقدمها قضية إعادة إعمار قطاع غزة.
التقارير المتوفرة أكدت أن قضايا الحوار بقيت على ما هي عليه
- بشأن الحكومة الجديدة،ما زال الموقف على ما هو عليه:الحكومة أفضل،لكن اللجنة المشتركة للتنسيق بين رام الله وغزة هي الحل الممكن في ظل الظرف القائم،وعدم الاتفاق على البرنامج السياسي لهذه الحكومة.
ففتح تشترط أن تلتزم الحكومة الاتفاقات الموقع عليها من قبل م. ت. ف. وحماس تشترط أن تكون حكومة بلا برنامج سياسي،ويكون على رأسها إسماعيل هنية،أو من تسميه حماس.
حل أخر قدمته القوى الديمقراطية دعا إلى حكومة وحدة وطنية تتبنى وثيقة الوفاق الوطني أساسا لبرنامجها وهي وثيقة تمثل الإجماع الوطني الفلسطيني.لكن وكما قال أحد أفراد الفريق المصري: «إن الأفكار الجيدة لا تأخذ دوما طريقها إلى التنفيذ».
- بشأن الانتخابات: كانت لجنة الحوار الشامل المعنية بالانتخابات قد قررت مبدأ التمثيل النسبي الشامل،وبنسبة حسم لا تتجاوز 1.5%.حركتا فتح وحماس،في حوارهما الثنائي عادا إلى النظام المختلط.
فتح اقترحت أن ينتخب 80% من أعضاء المجلس التشريعي بالتمثيل النسبي و 20% منهم بالدوائر. حماس اقترحت 60% من الأعضاء بالتمثيل النسبي و 40% بالدوائر.
الفريق المصري اقترح على الجانبين «حلا وسطا»:75% بالتمثيل النسبي و 25% دوائر.على أن تكون نسبة الحسم 2.5%.المصادر تؤكد أن فتح وافقت على الاقتراح،بينما تطالب حماس برفع نسبة الحسم لإغلاق الطريق أمام القوى الفلسطينية وبما يضمن لها وحدها حصة كبيرة في المجلس (مع العلم أنها لن تكون بعد الآن الحصة الأكبر) غير أن حماس،في السياق نفسه،ربطت بين إجراء الانتخابات ومبدأ حل قضايا الخلاف كافة،مع التأكيد من جانبها أن لا انتخابات ما دامت هناك قضية واحدة موضع خلاف ولم تحل بعد.
هذا الاشتراط من شأنه أن يعطل الانتخابات،لأنه يبقيها رهينة المناورات،خاصة وان قضايا الخلاف كثيرة، ومعقدة،وهي تزداد تعقيدا كلما دخل الحوار في التفاصيل،ويمكن لواحد من هذه التفاصيل (واحد هامشي وتافه وغير مؤ ثر) أن يعطل الحوار،وأن يعطل بالتالي الانتخابات.
في هذا السياق لاحظ المراقبون ازدواجية في موقف حماس.فهي من جهة توافق على انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج،وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل.
الوقت نفسه ترفض اعتماد هذا المبدأ لانتخاب المجلس التشريعي،وتشترط النظام المختلط (بين تمثيل نسبي ودوائر) هذه الازدواجية،كما يراها المراقبون،ما هي إلا تعبير عن واقع تعيشه حماس ينبئ أن ميزان القوى في الخارج ليس مختلا لصالحها،وأنها تريد التمثيل النسبي الكامل لتوازن بين قوتها في الداخل وضعفها في الخارج،وهو ما يؤكد أن حماس تريد أن تفصل النظام السياسي الفلسطيني على مقاسها هي وحدها،وليس على مقاس الشعب الفلسطيني ومصالحة الوطنية العليا.
- قضية إعادة بناء الأجهزة الأمنية:الاقتراح المصري يقضي باستحداث معسكر تدريب في القطاع، يلتحق به عدد من العناصر من حماس وفتح وفصائل أخرى،يعاد تدريبهم وفق آلية تشكل نموذجا لإعادة بناء الأجهزة خارج الانحياز الحزبي والسياسي.
حماس تطالب بخطوات موازية بين الضفة والقطاع، تحت شعار «إعادة بناء كل الأجهزة.. في الضفة كما في القطاع».هذه نقطة خلاف لم يتم التوصل إلى حل لها،خاصة وأن كلا الطرفين يجد قوته في الإمساك «بأجهزته» الأمنية.
ويخشى أن تفلت هذه الأجهزة من بين يديه،فتضعف شوكته وقدرته على السيطرة.هذا التخوف يخفي خلفه،في الوقت نفسه،إصرارا من الطرفين بالإمساك بالسلطة،متجاهلين أن موقع كل منهما رهن بنتائج الانتخابات،وليس بعدد عناصر الشرطة التابعين لكل منهما.
- القضية التي «استجدت» في هذه الجولة هي قضية المعتقلين السياسيين.
فالطرفان يتبادلان الاتهامات بالاعتقال السياسي لأنصار كل منهما.والطرفان ينفيان في الوقت نفسه أن يكون لدى أي منهما معتقلون سياسيون،ويؤكدان أن الاعتقال يتم على خلفية أمنية،المفارقة أن حماس تعتقل أنصار فتح «على خلفية أمنية»،وتعترف بذلك،وإن فتح (أو السلطة) تعتقل أنصار حماس «على خلفية أمنية» وتعترف بذلك؛لكنهما ينفيان،معا أن يكون الاعتقال على «خلفية سياسية».
ما يؤكد أن الاعتقال هو من تداعيات الانقسام السياسي ومن نتائجه وليس سببا من أسبابه،وبالتالي فإن إنهاء صيغة الاعتقال السياسي (تحت أي مسمى كان هذا الاعتقال) يشترط إنهاء الانقسام.هذه النقطة،بقيت حتى اللحظة الأخيرة ورقة مناورة بيد حماس،تشترط (وهي التي كانت تطالب بحوار دون شرط مسبقة) وقف الاعتقال السياسي قبل الذهاب إلى الحوار.
صحيح أن الاعتقال السياسي محرم،وصحيح أن على الطرفين أن يتوقفا عنه،وصحيح أن على الطرفين إطلاق سراح المعتقلين السياسيين،لكن الصحيح أيضا أن الحل للاعتقال السياسي هو في الذهاب إلى الحوار،وليس في تعطيل الحوار،وزيادة الأجواء توتيرا، وترك الوقت يضيع من بين أصابع القضية الوطنية.
الآن.. ماذا بعد التأجيل؟
- ما من أحد يضمن أن يتوقف الاعتقال ـ خاصة وأن له أسماء حركية كثيرة تخفي حقيقة مقاصده.
- ما من أحد يضمن أن التلافي سوق يقع حول قانون الانتخابات،أو حول آليات إعادة بناءالأجهزة الأمنية،أو غير ذلك من قضايا الخلاف.
هل ينجح الوقت في تليين المواقف.وهل الرهان على الوقت سياسة سليمة.أم أن لدى الطرفين رهانات أخرى،ينتظر كل منهما أن تسفر عن الإشارة المناسبة أو كلمة السر للعودة إلى نداء العقل،إلى الحوار الشامل .
المصدر
- مقال:لماذا التأجيل.. وماذا بعد؟ موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات