لماذا اقتحام الصهاينة للمسجد الأقصى الآن ؟
بقلم / د. ممدوح المنير ....كاتب و مدون مصري
ينبغى أن تسيطر علينا مشاعر الغضب و الإستياء إزاء الإقتحام الإجرامى للحرم القدسى الشريف ، لكننا فى نفس الوقت علينا ألا تشغلنا آهاتنا الغاضبة و جراحنا النازفة عن علامات الإستفهام الواجبة عن السبب الذى دفع بالصهاينة للقيام بهذه الجريمة النكراء الآن ، مدركين أنه ليس هناك فى إسرائيل أمور تحدث إعتباطا فهو مكر الليل و النهار ، و حتى نستطيع الإجابة عن هذا التساؤل يجب علينا أن ننظر فى الظرف الذى وقع فيه هذا الحدث الجلل .
المعلن إعلاميا أن هناك جماعة من المتطرفين اليهود – كلهم متطرفون - تسعى للإحتفال بعيد الغفران اليهودى و ممارسة الطقوس اليهودية داخل ساحات الأقصى و لو صح هذا الطرح رغم استباعدى له ، فلماذا هذا العيد دون غيره ؟! ، حين تتأمل فى مجريات الأحداث التى تمت فى ظلها هذه الجريمة تجد ما يلى :
فلسطينيا :
- رفض الكيان الصهيوني المطلق لوقف الإستيطان و لو مؤقتا ، مع خضوع الإدارة الأمريكية - هى خاضعة بالأساس - و إذعانها للموقف الإسرائيلى ، رغم مطالبات الرئيس الأمريكى أوباما المعلنة و المتكررة لوقف الإستيطان .
- الخضوع المذل و المهين لأبومازن الذى أعلن مسبقا وقف المفاوضات حتى تستجيب الكيان الصهيونيو توقف الإستيطان و لو مؤقتا ، ثم تراجعه عن موقفه فى ساعات معدودة بعد أن ذكّرته الإدارة الأمريكية بحجمه الحقيقى و طالبته ألّا يندمج بشكل كامل فى الدور !! فكان ذهابه لنيويورك و جلوسه مع نتنياهو و مصافحته الودودة لقادة الإحتلال أمام عدسات المصورين !! .
- اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية و الرئاسية الفلسطينية فى مطلع العام القادم فى ظل تسرب أنباء عن إعتزام السلطة فى رام الله قصر الإنتخابات العامة على الضفة للإمعان فى عزل و حصار قطاع غزة ، و يجب ألا ننسى كذلك أن أبومازن يمارس مهامه – لا مهامنا ! – دون صلاحيات دستورية فهو منتهى الولاية حتى لو حاول أولياء نعمته تجاهل هذا الموضوع بمنطق القوة لا قوة المنطق و القانون .
- موافقة سابقة للكنيست الإسرائيلى على بيع أراضى اللاجئين الفلسطينيين دون موافقتهم فى سابقة خطيرة تخالف كل أبجديات القانون الدولى ، مع استمرار طرد عرب 48 من منازلهم فى القدس المحتلة .
فشل صفقة الإفراج عن الجندى الإسرائيلى الأسير ( شاليط ).
عربيا ودوليا :
- استقبال الرئيس المصرى لنتنياهو و دعوته على مأدبة للإفطار فى رمضان المنصرم !! رغم تصريحات نتنياهو التى لا تحمل إلا كل شر تجاه القضية الفلسطينية !! .
- الإعلان عن المناورات الأمريكية الإسرائيلية المزمع القيام بها و اعتبارها الأضخم فى تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بدعوى التصدى لأى هجوم إيرانى محتمل على الكيان الصهيوني، هذا مع تصاعد نبرة التهديدت تجاه إيران سواء من الكيان الصهيونيأو الغرب .
- الغارات الوهمية و الإختراقات المتكررة للأجواء اللبنانية و سط تأزم الشأن الداخلى اللبنانى .
هذا بالتأكيد بعض من كل من الأحداث التى تحرك مشهد اقتحام الحرم القدسى ، حين تعيد قراءة الأخبار السابقة ، تجد أن هناك اتجاه ضاغط إسرائيلياً أمريكياً أوربياً ينتج عنه تمدد و تشدد فى المواقف باتجاه تصفية القضية الفلسطينية بالكلية ، يقابله إنكماش و استسلام عربى رسمى يصل إلى حد التواطأ فى بعض المواقف ، يقابله كذلك صمت شعبى من المحيط إلى الخليج ، اللهم إلا داخل الأرض المحتلة .
حين نترجم هذه المواقف و التحركات الغربية و العربية السالفة إلى أهداف نجد أنفسنا أمام الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية التالية :
1) محاولة تسخين الأوضاع من جديد داخل الأراضى الفلسطينية بهدف تصفية حماس أو على الأقل إخراجها من معادلة الإنتخابات الفلسطينية القادمة بأى شكل حتى يثتأثر أبومازن بمجمل القرار الفلسطينى و بالتالى تصفية القضية .
2) تعريض إيران و شغلها بحرب إعلامية نفسية اقتصادية هائلة لتحييدها أو على الأقل محاولة تقليم أظافرها لحين إنهاء ملف القضية الفلسطينية .
3) تصعيد الأزمة اللبنانية لأقصى مدى مع زيادة الضغوط على حزب الله و خصوصا بعد أن جاءت نتائج الإنتخابات اللبنانية فى غير صالح الحزب مع إلهاءه بالوضع الداخلى و فى ظل رسائل تحذيرية من مغبة أى محاولات لتوتير الأوضاع على الحدود .
4 ) تعريض الحركات الإسلامية الفاعلة داخل الأقطار العربية لأزمات متتالية من تضييق و اعتقال و مصادرة أموال وتلفيق تهم و غيرها – الإخوان المسلمون فى مصر نموذجا – خاصة بعد أن ثبت للقاصى و الدانى أنها العامل المحرك الرئيسى للشارع العربى و الإسلامى بل حتى العالمى أثناء العدوان الأخير على غزة مما يستدعى إلهاءها هى الأخرى بأزماتها حتى يسهل تصفية القضية دون إزعاج !!.
لذلك تكوّنت لدىِّ قناعة - اعتقد الكثيرون يشاركنى إياها - بأن ما حدث من إعتداء غاشم على الأقصى الشريف ما هو إلا بالونة إختبار و جس نبض إن صح التعبير، و الحكومة الإسرائيلية و أجهزتها تراقب الآن و تحلل و ترصد و تبنى قرارتها على ما يحدث على الأرض من ردود أفعال ، مما يجعلنا جميعا أمام واجب مقدس يقضى بإفشال ما يدبر لنا بليل ، كل على قدر طاقته و كل على قدر وسعه ، حتى لا يلاحقنا و خز الضمير فى الدنيا و الحسرة فى الآخرة ، و إنه لجهاد نصر أو استشهاد .
المصدر : نافذة مصر