لماذا أصبح العرب غير جديرين باحترام الآخرين؟
بقلم : فهمي هويدي
بسبب من التطورات الساخنة التي تعاقبت على المنطقة خلال الاسبوعين الاخيرين، تاهت في الزحام زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للهند، فلم تلق حقها من الرصد والتحليل، رغم انها حافلة بالدلالات والعبر، في توقيتها ونتائجها ومغزاها، اذ ليست مصادفة بأي حال ان تتم الزيارة في اجواء ذكرى احداث 11 سبتمبر، التي تعيد الى الأذهان الشريط الذي يحتل ما يسمى بالارهاب الاسلامي ركنا اساسيا فيه، وهو الحدث الذي استثمر في اسرائيل والهند الى ابعد مدى، فاسرائيل اهتبلت الفرصة وبثت خطابا اعلاميا يزعم انها بدورها ضحية لذلك الارهاب، وان ما تعرضت له الولايات المتحدة ذات يوم، تعيشه اسرائيل كل يوم، ويمثل كابوسا يخيم على حياة مواطنيها، من جراء العمليات التي تقوم بها عناصر المقاومة الاسلامية في فلسطين، خصوصا العمليات الاستشهادية التي تحصد ارواح الاسرائيليين «الابرياء» الى آخر المعزوفة التي تتجاهل مسلسل الجرائم، واولها جريمة الاحتلال، وثانيها الممارسات الاسرائيلية الوحشية التي لم تتوقف عن قتل وترويع مئات الاف من الفلسطينيين، وكذلك الممارسات الاسرائيلية المستمرة للتهرب من استحقاقات السلام العادل، واستخدام مشروعات التسوية وسيلة لكسب الوقت، وستارا لاخفاء مخططات الاستيطان وتوسيع رقعة الاحتلال.
وفي حين استثمرت اسرائيل احداث 11سبتمبر على ذلك النحو، ونجحت في اقناع الادارة والرأي العام في الولايات المتحدة، بأنها بدورها «ضحية»، تقف في خندق واحد مع الضحايا الامريكيين، فان الهند فعلت نفس الشيء، فالحزب القومي الهندوسي له حساسيته ازاء المسلمين من الاساس، ثم ان الحكومة وجدتها فرصة للاعلان عن أن ما تواجهه من مقاومة في كشمير هو بدوره امتداد للارهاب الاسلامي، الذي ادعت ان باكستان هي قاعدته، ومنها يتسلل «الارهابيون» إلى كشمير للقيام بعمليات «ارهابية» ضد السلطة الهندية، وكان من السهل الغمز في باكستان، ليس فقط لان الهند تعتبرها مصدرا للشرور والاضطرابات التي تعاني منها، ولكن ايضا لان ثمة نقطة ضعف اساسية في سجل الدولة الباكستانية هي انها وقفت الى جانب حركة طالبان، ان لم تكن هي التي اطلقتها.
استخدمت الهند لافتة مقاومة الارهاب لتصرف الانتباه عن حقائق القضية الكشميرية، واستحقاقات الكشميريين التي ضربت بها عرض الحائط من البداية، وكما ان اسرائيل تجاهلت تماما مسألة الاحتلال واعتبرتها غير موجودة، فان الهند سارت على ذات الدرب والتزمت الصمت ازاء قضية معلقة راوغت دلهي في حسمها منذ عام 1947.
كما رأيت، فإن الطرفين الاسرائيلي والهندي وظفا احداث 11 سبتمبر لصالحهما ( وهو ما فعلته ايضا الصين فيما يخص تركستان الشرقية أو اقليم سينكيانج، وما فعلته روسيا بالنسبة للشيشان) اذ اعتبر هؤلاء جميعا انفسهم ضحايا «للارهاب الاسلامي» ومن ثم فقد كانت لكل منهم دوافعه ومصالحه في الانخراط في حملة مقاومة ذلك الارهاب.
واذا نحينا جانبا الصين وروسيا، باعتبار ان كلا منهما تعد دولة عظمى لها حساباتها الخاصة، فسنجد ان احداث 11 سبتمبر ادت الى توليد محور جديد ـ امني وعسكري بالدرجة الاولى ـ ضم كلا من الولايات المتحدة والهند واسرائيل، لذلك فان اتمام زيارة شارون الى نيودلهي في هذه المناسبة يبعث برسالة مهمة تذكر بما هو مشترك بين الدول الثلاث كما انها اقرب الى الاحتفال بعيد الميلاد الثاني لذلك التحالف، الذي اصبح يمارس نشاطا فعالا ـ معلوماتيا وعسكريا ـ في ساحات عدة، تتقدمها افغانستان والعراق، فيما هو مشهور ومعلن على الاقل.
واذا كان هذا هو المضمون السياسي في الرحلة، الا ان ذلك لا يمنع من التنويه الى ما حققته على المستويين العسكري والاقتصادي، ذلك ان شارون الذي تعد رحلته اول زيارة يقوم بها رئيس وزراء اسرائيلي الى الهند، منذ اقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين في عام 1992، حرص على ان تكون زيارته دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، لذلك فانه اصطحب معه وفدا ضم 150 شخصا يمثلون مختلف الانشطة الامنية والعسكرية والتجارية والصناعية، وقد نقلت التقارير الصحافية ان الهند وقعت في هذه الزيارة على عقد شراء ثلاثة انظمة رادار اسرائيلي محمول جوا، اطلق عليه اسم «فالكون» من شأنه ان يضع اجزاء شاسعة من الاراضي الباكستانية تحت اعين الهنود، وقيل ان قيمة ذلك العقد مليار دولار، وما يزال الحديث يتردد عن محاولة حصول الهند على نظام «ارو» الصاروخي المضاد للصواريخ، الا ان هذه الصفقة تواجهها بعض العراقيل، بسبب عدم موافقة واشنطن على اتمامها بسبب تخوفها من ان يؤدي ذلك الى دفع باكستان الى توسيع نطاق ترسانتها العسكرية.
بطبيعة الحال فإن مثل هذه الصفقات تعد حلقة في مسلسل التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين، الذي يشمل فضلا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، تدريب القوات الخاصة والاشتراك في العديد من مشروعات التصنيع العسكري، وذلك بخلاف التبادل التجاري الذي يتجاوز المجالات العسكرية، وقد بلغت قيمته في بداية هذا العام مليارا و600 مليون دولار، في حين انه لم يكن يتجاوز 200 مليون دولار في عام 92، وتوسيع مجالات التعاون على ذلك النحو من شأنه ان يعزز من موقف اسرائيل، ويقوي من نفوذها في الهند، اضف الى ذلك ان العلاقات الخاصة التي نشأت بين تل ابيب ودلهي، صاحبها تطور ادى الى توثيق العلاقة بين «اللوبي» الاسرائيلي والهند في واشنطن، وكان لهذا التعاون اثره في موافقة الادارة الامريكية على صفقة بيع الرادارات المحمولة جوا من اسرائيل الى الهند.
ان ساسة الهند يعرفون جيدا انهم حين يضعون ايديهم في ايدي قادة اسرائيل، فانهم يصافحون أيدي ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب، وان شارون يعد واحدا من اكثر اولئك القادة إيغالا في دم الفلسطينيين ووحشية في التعامل معهم، ولا ينسى احد في عالمنا العربي ان الهند عرفت قادة ادركوا مبكرا تلك الحقيقة، وتعاملوا معها بحذر شديد انحيازا الى الحق والعدل واحتراما لمشاعر الامة العربية، لكن ذلك كله تبدل الان للاسف حتى اصبح اسوأ ما في المشهد ان سياسة الهند الحالية لم تعد تبالي لا بالفلسطينيين ولا بمشاعر الامة العربية حتى اصبحت على استعداد لان تستقبل وترحب في قلب ديارها بواحد من اشهر مجرمي الحرب الاسرائيليين.
وهذا الذي حدث مع الهند ـ الصديقة سابقا ـ نلحظه في مواقف اصدقاء اخرين مثل الصين وروسيا، كما نلحظه في موقف الاتحاد الاوروبي الذي وافق في الاسبوع الماضي على اعتبار «حماس» منظمة ارهابية، ازاء ذلك فلعلنا لا نخطئ اذا قلنا ان العرب الان صاروا بلا اصدقاء يقفون الى جوارهم في الساحة الدولية (زيارة الامير عبد الله الى روسيا استثناء يستحق التنويه والاشارة). ليس فقط لان السياسة في العلاقات الدولية تحكمها المصالح لا المبادئ، ومن ثم فالتقلبات فيها واردة، ولكن ايضا لان رصيد الاحترام للعرب تآكل مع مضي السنين، الامر الذي دفع كثيرين الى الاقتناع بأن صداقتهم لا مردود لها، ومن ثم فان المراهنة عليهم لا جدوى منها وتلك حقيقة مرة يتعين الاعتراف بها حتى لا نسارع الى نقد الآخرين والتنديد بمواقفهم لذلك فان السؤال الذي ارجو ان نستخلص ونحاول الاجابة عليه بشجاعة وصراحة ليس لماذا انفض الاصدقاء من حولنا ولم يترددوا في الوقوف في صف عدونا، وانما هو: لماذا لم نعد جديرين باحترام غيرنا حتى انفض من حولنا اصدقاؤنا؟ .
المصدر
- مقال:لماذا أصبح العرب غير جديرين باحترام الآخرين؟موقع:الشبكة الدعوية