لماذا أخفقت التجربة الفنية بعد البنا ؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لماذا أخفقت التجربة الفنية بعد البنا ؟

بقلم/ الشيخ عصام تليمة

مقدمة

الشيخ عصام تليمة

بقي أن ندرس هنا أمراً مهماً ، وهو : إذا نجحت التجربة الفنية في عهد الأستاذ البنا بهذا النجاح المتميز ، فلماذا لم تستمر التجربة بعده وأخفقت فيما بعد ، بل واختفى الفن في جماعة الإخوان المسلمين إلى فترات ليست بالقصيرة حتى بعد خروجهم من السجون في بداية السبعينات ، وحتى محاولاتهم الفنية التي تلت مرحلة السبعينات لا تعدو محاولة الهواة ، وليس العمل الحرفي ، وإن كان هناك تقدم ملموس في هذه الآونة في الفن عند الإسلاميين ، أما عن أهم الأسباب التي أدت إلى إخفاق التجربة بعد الأستاذ البنا ، فهي :

أولاً : تأثر الخطاب الإخواني بالخطاب السلفي :

فالخطاب الإخواني بعد حسن البنا تأثر تأثراً واضحاً بالخطاب السلفي ـ وخاصة التيار السلفي المتشدد ـ وساعد في ذلك أمران :

1ـ سفر عدد من علماء ومفكري الإخوان إلى الخليج ، وتأثرهم بهذا الجو العلمي ، فنضح على كتابتهم وأفكارهم .

2ـ انتعاش البلاد التي تتبنى المنهج السلفي انتعاشاً اقتصادياً ، مما جعل حركة توزيع الكتب المجانية التي تتدعو للمنهج السلفي تغزو البلاد التي كانت في حالة خصام مع هذا المنهج كمصر وبلاد الشام وبلاد المغرب العربي ، مما صنع هذه الأرضية لهذا الفكر . وهو أمر نلمسـه فـي كتابات عدد من مفكري الإخوان ، حتى المعتدلين منهم ، فلا أدري لماذا الإصرار عند عدد من كتّاب الجماعة عند تناول كثير من القضايا العلمية الشائكة التي بين الإخوان والسلفيين ، يحاول الكثير منهم الوصول لنصٍ لابن تيمية ، كي تسكت الأصوات المعترضة ، ومن هؤلاء مَن لهم ثقل لكلامه بدون حتى الاستشهاد بأحد ، ولا أريد أن أذكر مؤلفين بعينهم ، ولا مؤلفات بعينها . وليس معنى كلامي أني أبخسهم حقهم ، بل أعجب من تنامي هذه الظاهرة عند كتّاب ومنظري الإخوان .

فالصواب : أن يكتب المفكر أو العالم ما يكتب ، مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة ، فهما الأصلان اللذان لا يختلف عليهما أحد ، ولا ينبغي أن يعتمد على غيرهما وسيلة للإقناع ، ومن لم يقتنع بالكتاب والسـنة ، فلا يبالي به صدقه أم كذبه ، كائناً من كان ، اقتنع بفكره أم لم يقتنع .

إنني أقدر عبقرية وعلم وجهاد شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولكني لست مع هذه الهالة من التقديس لكلام الرجل ، وهو نفسه رحمه الله كان ضد هذا الكلام ، أو أن نعطي لكلام ابن تيمية قوة تعادل قوة النص الشرعي ، بل أعلى منه ، فهذا هو الخطأ وما لا يُقبل بحال من الأحوال ، ولا نريد بذلك ترضية فريق على حساب الحقيقة العلمية والدليل الشرعي .

ثانياً : انتشار مبدأ سد الذرائع :

كما انتشـر بين أبناء الحركة الإسـلامية مبدأ: سـد الذرائع، علـى مبدأ (الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا أتى نص يدل على التحريم) أو بالمعنى العامي طغى مبدأ ( الباب اللي يجي لك منه الريح سـده واسـتريح ) علـى مبدأ ( المبادرة والجرأة في التجريب ) أي إغلاق باب المباح ، بدلاً من فتحه ، وذلك خوفاً من أن يفتح بذلك باب للهجوم على الدعوة من خصومها ، ولو كان ذلك على حساب ترك المباح ، أو المختلف فيه ، وما أباحه عدد من العلماء .

ثالثاً : بعض حوادث العنف التي مارسها التنظيم الخاص :

والعامل الثالث ، وهو : كم حوادث العنف والقتل التي مارسها التنظيم الخاص من خلف ظهر الأستاذ البنا ، وضد أهداف الدعوة ، بل وضد مصالحتها ، فقد أفقدت بعض أعمال التنظيم الخاص ـ غير المبررة وغير المسؤولة ـ أهم مساحتين في الدعوة العامة بين الناس والصفوة كذلك ، وهما : فئة الفنانين ، وفئة المثقفين ، فقد توقف هذا المشروع الفني العملاق , الذي لو قدر له الاستمرار لكان للدعوة بين الجماهير شأن آخر . وكذلك كانت هذه الأحداث المؤسفة سبباً في قيام عدد مـن المثقفين الذين كانت علاقتهم بالإخوان علاقة ود وصداقة , ومحبة وتأييد ، إلى علاقة عداء وحرب ، وكانوا خنجراً في ظهر الإخوان وأفكارهم ، فقد صدر أخطر كتاب يهاجم الفكرة الإسـلامية ـ والإخوانية خاصة ـ فـي أهم ركن فيها ، وهـي أن الإسـلام دين ودولة ، فخرج كتاب الأسـتاذ خالد محمد خالد ( من هنا نبدأ ) الذي أنكر فيه أن للإسلام دولة ، وبين أنه دين فقط ، وليس ديناً ودولة ، ولما عاد الأستاذ خالد عن فكرته هذه ، وبيّن خطأ فكرته القديمة ، بعد اعترافه في كتابه الجديد ( الدولة في الإسلام ) أن الإسلام دين ودولة ، بيّن أن السبب الذي جعله يجنح بعيداُ عن التفسير الحقيقي للإسلام في هذه الفضية ، هي أحداث التنظيم الخاص في نهاية الأربعينات ، يقول الأستاذ خالد محمد خالد رحمه الله : ( أما العمل الثاني الذي شكّل تفكيري وموقفي من الحكومة الدينية فقد كان عاملاً موقوتاً بزمانه ، ولكني جعلت منه قاعدة عامـة بنيت عليه حكمي القديم . ذلك أن الإخوان المسلمين كانوا قد بلغوا في الأربعينات من الكثرة والقوة والنجاح مبلغاً يكاد يكون منقطع النظير .. كانت دعوتهم تسري بين الناس كالضوء ، وكان الشباب بصفة خاصة يقبل عليها إقبال أسراب النحل على رحيق الزهور !! وذات يوم والجماعة في أوج مجدها الباهر ، لا ندري هل انبثق منها ، أو أُقحم عليها وتسلسل إليها ما سُمّي بالتنظيم السري . وارتكب هذا الجهاز جرائم منكرة وتوسل بالاغتيالات لفرض الدعوة .. الدعوة التي كانت قد حققت بالإقناع والمنطق ما لم تحقق دعوة أخرى .. والدعوة التي كانت لباقة مرشدها الأستاذ حسن البنا رحمه الله وإخلاصه يفتحان له الآذان الصم ، والقلوب الغلف ، ويسلسان له قيادة الجماهير كافتهم ومثقفيهم !! لفتت حوادث الاغتيال التي مارسها ذلك الجهار السري انتباه الناس وروعت أفئدتهم ، وكنت من الذين أقضّ مضجعهم هذا النذير . وقلت لنفسي : إذا كان هذا مسلك المتدينين وهم بعيدون عن الحكم ، فكيف يكون مسلكهم حين يحكمون ؟؟ كان هذا هو العامل الثاني الذي جنح بتفكيري إلى التحذير من قيام حكومة دينية باسم الإسلام ) .

وانقلب الكاتب الكبير عباس محمود العقاد ـ الذي كانت علاقته بالأستاذ البنا علاقة طيبة ـ إلى خصم عنيد وشديد ، وذلك بعد مقتل النقراشي ، فالنقراشي كان صديقاً عزيزاً للعقاد ، فلما قتل على يد بعض أفراد التنظيم الخاص ، انبرى العقاد بقلمه وأسلوبه الحاد يهاجم الإخوان ، ويتهم حسن البنا بأنه ماسوني . وكذلك قام بنفس الدور عدد من المثقفين بعد حادث المنشية ، ومنهم من كان صديقاً ودوداً لدعوة الإخوان .

كل هذه الأحداث كانت كفيلة بإنهاء هذه التجربة الفنية لجماعة الإخوان ، ثم كان ما كان من أحداث ، وتغييب جماعة الإخوان خلف أسوار السجون لمدة بلغت العشرين عاماً .

هذه بعض الأسباب التي منعت تجربة الإخوان الفنية من الاستمرار بنفس القوة التي بدأت بها ، واستمرت لفترة امتدت لعشر سنوات أوأكثر.


  • المصدر: موقع أمل الامة