لقد ضاق صدرهم ذرعاً بها..

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لقد ضاق صدرهم ذرعاً بها..
السادات.jpg


بقلم : معتصم حمادة

إذا كانت حماس قد ضاقت ذرعاً بالمواقف السياسية للقوى الفلسطينية ولجأت إلى القمع وسيلة لتأكيد همينتها، فإن الأمر الذي لا شك فيه أن القطاع قد ضاق ذرعاً هو الآخر بممارسات حماس القمعية، وإن تطور الأمور بالاتجاه الذي تدفع نحوه حماس لا يخدم المصلحة الوطنية العامة

يقول المراقبون إن ما شهدته مدينة غزة يوم الاثنين في 13/8/ 2007 يشكل نقلة نوعية في العلاقة بين حركة حماس وبين الفعاليات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في القطاع.

ففي ذلك اليوم نزلت القوة التنفيذية التابعة ل حماس إلى الشارع، وبكامل أسلحتها وجهوزيتها القتالية لقمع تظاهرة دعت لها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في القطاع، احتجاجاً على ممارسات حركة حماس بعد أن استولت على القطاع بقوة السلاح وأحكمت سيطرتها عليه.

عناصر القوة التنفيذية تصدوا للمتظاهرين بالضرب، وإطلاق النار في الهواء، واعتقال البعض لمنعهم من الإعلان عن احتجاجهم، كما قامت هذه العناصر بمنع الصحفيين ورجال الإعلام من تغطية الحدث، فصادرت لهم آلات التصوير والمعدات الأخرى.

ولم تتردد في اقتحام مكاتب بعض الفضائيات ووكالات الأنباء والعبث فيها بحثاً عن تسجيلات وتقارير صحفية عن حادث القمع الذي شهدته ساحة الجندي المجهول.

المراقبون يقولون أيضاً إن ما جرى كان البداية، ولم يكن النهاية، ومع كل بداية تبدأ مسيرة جديدة ومرحلة جديدة من العلاقات السياسية. فماذا في قطاع غزة إذن؟

قبل الصدام العنيف مع التظاهرة التي دعت لها فصائل م. ت. ف. كانت حماس قد اصطدمت بحركة الجهاد الإسلامي. فقد اقتحم عناصر القوة التنفيذية أحد الأعراس لأحد عناصر الجهاد الإسلامي، واعتدت على أصحاب الاحتفال بذريعة أنهم يخلون بالأمن ويطلقون النار في الهواء ابتهاجاً.

علماً أن الوقائع تؤكد أن عناصر الجهاد الإسلامي لم يسجل عليهم أنهم تسببوا، لا في زمن السلطة الشرعية ولا بعدها، في الفلتان الأمني أو الفوضى الاجتماعية.

والحقيقة، كما يكشفها العارفون ببواطن الأمور، أن حركة حماس تحاول بشتى الوسائل أن تحاصر حركة الجهاد الإسلامي، وأن تحجمها سياسياً وجماهيرياً، وفي ميدان المقاومة لأنها ترى فيها «منافساً إسلامياً» محتملاً، خاصة في ظل اتساع النقمة الشعبية على ممارسات حماس وقوتها التنفيذية.

لذلك تراها تحاول أن تزاحم حركة الجهاد على مواقعها في المساجد لتخرجها منها مسجداً وراء الآخر، وتضايق عناصرها وتحاول أن تفرض عليهم وقف إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية بدعوى سحب الذرائع من يد إسرائيل وعدم توفير الفرص أمامها لشن هجماتها على القطاع، في الوقت الذي تحتاج فيه حماس إلى هدوء مع الجانب الإسرائيلي لتشدد قبضتها على الوضع داخل القطاع.

ويبدو أن حماس لا تستطيع أن تجاهر برغبتها في الوصول إلى تهدئة غير معلنة مع العدو الإسرائيلي، كيلا يمس موقعها باعتبارها فصيلاً مقاوماً، لذلك تلجأ إلى «الرسائل» تبعث بها إلى حركة الجهاد بأشكال مختلفة.

وقد أدى الاحتكاك بين الطرفين إلى وقوع قتلى وجرحى الأمر الذي وضع العلاقة بين حماس وحركة الجهاد على شفير الهاوية.

وإذا كان النزاع بين حماس والجهاد يدور على «المربع الإسلامي»، فإن موقف حماس من فصائل م. ت. ف. يبدو أكثر توتراً.

إذ أجمعت هذه الفصائل على ضرورة أن تتراجع حماس عن نتائج الحسم العسكري كشرط لا بد منه للعودة إلى طاولة الحوار، وأن تعيد إلى السلطة الشرعية مؤسساتها الإدارية والخدمية والأمنية، وأن تعود للالتزام بما جاء في وثيقة الوفاق الوطني الموقعة في 27/6/2006. وقد فهمت حماس أن أياً من فصائل المنظمة لم يعترف بها سلطة شرعية في قطاع غزة.

ولابد أن حماس لاحظت بقلق كيف استطاعت فصائل المنظمة أن تعيد تنظيم صفوفها، وأن تشكل فيما بينها ما سمي بهيئة العمل الوطني، التي شكلت 12 لجنة فرعية، تتولى دور همزة الوصل بين المواطنين في القطاع وبين مؤسسات السلطة في رام الله، بعدما لجأت حماس إلى إغلاق الوزارات والمؤسسات الرسمية في القطاع، بعد أن رفض القائمون عليها الاعتراف بسلطة حماس وحكومة هنية المقالة عليهم.

ولابد أن حماس لاحظت بقلق أن هذه اللجان قد تحولت إلى سلطة موازية لسلطتها في القطاع، وأنها تحولت إلى المرجعية اليومية للمواطنين بعد أن فشلت حماس وحكومة هنية المقالة في معالجة قضاياهم ومشاكلهم وإيجاد حلول لها.

فالعالقون على معبر رفح لم يستطيعوا الدخول إلى القطاع لولا تدخل السلطة الفلسطينية في رام الله بالتعاون مع فصائل المنظمة في غزة، والشيء نفسه ينطبق على مواصلة إمداد قطاع غزة بالمواد الغذائية والأدوية والمحروقات والوقود والحاجات اليومية الملحة.

وبفعل الحصار الذي اشتد على القطاع تدهورت الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر فاتسعت دائرة الفقر وارتفعت نسبة البطالة إلى ما فوق 70% دون أن تستطيع حماس أن تعالج هذه المسألة ولو جزئياً.

وقد لاحظ المواطنون أن جل اهتمام حماس انصب على الجوانب الأمنية من عملها، فتحولت القوة الأمنية إلى السلطة العرفية التي تدير شؤون القطاع بديلاً للأجهزة الأمنية الرسمية.

كما لاحظوا في السياق حرص حماس على بناء جهازها القضائي الخاص بها ـ لإغلاق دائرة السيطرة والهيمنة.

فالجهاز الأمني للقمع، والقضاء لإلباس سلوكيات الجهاز الأمني لبوسها الشرعية.

ويبدو أن صدر حماس قد ضاق ذرعاً بالقطاع وسكانه، خاصة في ظل إحساسها أن قبضتها لا تستطيع أن تمسك بخناقه إلى الأبد.

لذلك لجأت إلى محاولة سن قوانين تحاول من خلالها تشريع القمع وتقنينه.

فمنعت صحف رام الله من دخول القطاع بذريعة أنها تحرض ضد حماس . وكذا بدت حماس وهي تتلاعب بالديمقراطية كسلطة سياسية رخيصة.

فهي من جهة تتمسك بالديمقراطية التي أوصلتها إلى المجلس التشريعي، وهي من جهة أخرى ترفض الديمقراطية التي تكفل للمواطن حرية التعبير عن رأيه كتابة وتظاهراً واعتصاماً.

كذلك أصدرت حماس قراراً حرمت فيه على المواطنين حرية التظاهر والاعتصام والتجمع، وإقامة المناسبات الاجتماعية إلا بإذن مسبق من القوة التنفيذية.

في الوقت نفسه مازالت تواصل عمليات الاعتقال والاستدعاءات ومصادرة الممتلكات الشخصية للمواطنين، وتحاول على الدوام أن تنفي الخلفية السياسية لسلوكها هذا، مدعية أن الاعتقالات إنما تتم لأسباب جنائية.

كما يلاحظ المراقبون مدى التخبط والارتباك السياسي الذي أصاب حركة حماس . فهي من جهة تطالب الرئيس محمود عباس باستئناف الحوار معها وصولاً إلى صفقة سياسية ثنائية جديدة شبيهة بصفقة مكة ، لكن باختلال التوازن لصالح حماس هذه المرة عبر الاستقواء بسيطرتها على القطاع.

وهي من جهة أخرى لا تكف عن شن هجومها السياسي ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها، حتى أن خطابها في هذا المجال أخذ يهبط رويداً رويداً، وانتقل من مقارعة الحجة بالحجة، والموقف بالموقف، والبرنامج بالبرنامج، إلى شخصنة النزاعات والخصومات السياسية، وتحويل الخطاب السياسي إلى مجموعة من الشتائم والسباب والنعوت والتوصيفات المفزعة، وصولاً إلى التخوين وطنياً، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول حقيقة رغبة حماس في العودة إلى الحوار الوطني، ووضع حد لحالة الانقسام القائمة على الصعيد الوطني.

ولعل حماس أحست بأن الكفة بدأت تميل لغير صالحها، وأدركت أن الوضع العام في قطاع غزة آخذ في الاختمار ضد إرداتها.

وهذا ما عبر عنه نائب رئيس المكتب السياسي للحركةموسى أبو مرزوق في ندوة له في دمشق ، حين حذر من خطورة تحريض الجماهير للتمرد على الحركة وقوتها التنفيذية.

وفي هذا السياق اتبعت ميليشيا حماس تكتيكاً مكشوفاً، إذ تلجاً بين فترة وأخرى لاستغلال حدث أمني محدود، لتحوله إلى قضية تبث عبرها موجات من القمع الشامل ضد المواطنين لترهيبهم وزرع الرعب في نفوسهم، وإرغامهم على الركون إلى الهدوء والسكينة، ثم الادعاء فيما بعد أن القطاع يتمتع بالأمن والأمان، وأن مظاهر الفلتان الأمني قد أزيلت منه تماماً.

المراقبون يرون في سلوكيات حماس وتصرفاتها استعادة فجة لبعض مظاهر وسلوكيات وسياسات السلطة الفلسطينية:

@ فهي تحاول أن تمنع المقاومة من مواصلة قتالها ضد العدو الإسرائيلي.

خاصة إطلاق الصواريخ، وهي بذلك تلتقي مع السلطة الفلسطينية في رام الله التي لا تتردد عن الدعوة إلى وقف عسكرة الانتفاضة واعتبار أن العمليات العسكرية ضد الاحتلال تضر بالمصلحة الوطنية ولا تعود عليها بالنفع.

@ وهي تستعيد ممارسات الأجهزة الأمنية السابقة، بعدما كانت حماس تنتقد هذه السلوكيات وتدينها، وقد اعتبرت سبباً رئيسياً من الأسباب التي دفعتها إلى الحسم العسكري ـ حسب ادعائها لاحقاً.

يبقى السؤال: قطاع غزة إلى أين؟

إذا كانت حركة حماس قد ضاقت ذرعاً بالمواقف السياسية للقوى الفلسطينية، فإن الأمر الذي لا شك فيه أن القطاع قد ضاق ذرعاً هو الآخر بممارسات حماس القمعية.

وإن تطور الأمور بالاتجاه الذي تدفع به حماس لا يخدم المصلحة الوطنية العامة.

لذلك نعتقد أن على حماس أن تستمع إلى نداء الفعل، وأن تنزل عن الشجرة التي وضعت نفسها فوقها، وأن تعيد النظر في سياساتها ومواقفها، وأن تعيد المؤسسات والأجهزة إلى السلطة الشرعية، وأن تعود بعد ذلك إلى طاولة الحوار الوطني مع السلطة وباقي المكونات السياسية في المجتمع الفلسطيني.

بذلك تستعيد البوصلة الوطنية اتجاهها الصحيح في مواجهة الاحتلال، خاصة وأن الحالة الفلسطينية مقبلة في الأسابيع القادمة على تحديات واستحقاقات سياسية كبرى، لا يمكن التصدي لها إلا باستعادة وحدة الموقف الفلسطيني، جغرافياً، ومؤسساتياً.


المصدر