لقاء عباس ـ أولمرت ... خفي حنين
بقلم : معتصم حمادة
أثبتت محاولات الهرولة وراء أولمرت، أو استرضاء إسرائيل، أنها سياسة فاشلة.
وأن «إقناع» الجانب الإسرائيلي بالاستجابة للحقوق الفلسطينية لا يكون بالحوار حول طاولة الحوار فقط، بل وكذلك في الشارع.
المكان الذي بإمكانه أن «يقنع» الاحتلال أن بقاءه فوق الأرض الفلسطينية باهظ الثمن، وأن لا حل إلا بالرحيل.
لم يفاجأ المراقبون بنتائج اللقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبين رئيس حكومة إسرائيل إيهود أولمرت في 11/3/2007.
وكان المراقبون، قد لاحظوا، في هذا السياق، التردد لدى الدكتور صائب عريقات، رئيس دائرة شؤون المفاوضات في اللجنة التنفيذية في م. ت.ف. في حديثه عن الأعمال التحضيرية للقاء الرجلين.
حتى أنه استنكف عن تحديد الموعد المحدد للاجتماع، مع أن الوسائل الإعلامية كانت على علم به.
وقد فسر موقف عريقات هذا على أنه إشارة إلى ما سوف تجابه الاجتماع من مصاعب وعراقيل، قد تحول دون انعقاده حتى.
وكان عباس قد التقى أولمرت، في اجتماع سابق، في بيت الأخير في القدس، في أجواء شديدة الحفاوة والحرارة.
كما التقاه بمشاركة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس.
وقيل يومها إن اللقاء كان بارداً، وإن أولمرت كان شديد الانزعاج من توصل فتح مع حماس إلى اتفاق مكة.
حتى أنه نقل على لسان أولمرت قوله لعباس «إنك خنتني مع حماس».
وفي كل الأحوال، جاء الاجتماع الأخير بين الجانبين ليعكس طبيعة الحالة السائدة على جبهة المفاوضات.
جدول الأعمال بين الطرفين كان حافلاً بالقضايا المعقدة والشائكة:
أولمرت أثار مع عباس قضية الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليت وضرورة إطلاق سراحه بأسرع وقت.
وقالت المصادر إن أولمرت أصر على أن يطلق سراح شاليت قبل الإعلان عن الحكومة الفلسطينية الجديدة، في إشارة قيل إن الجانب الفلسطيني فهم منها استعداداً لدى أولمرت للتعامل مع وزراء فتح في الحكومة الفلسطينية الجديدة، شرط أن يتسلم شاليت من آسريه.
وتقول المصادر إن إصرار أولمرت على معالجة قضية شاليت بالسرعة القصوى، إنما تعبـر عن مأزق يعيشه رئيس الحكومة الإسرائيلية في ظل تدني شعبيته إلى أدنى مستوى عرفتها شعبية رئيس حكومة في إسرائيل، إلى جانب مسلسل الفضائح الذي يلاحقه، إن على المستوى الشخصي، أو على المستوى السياسي.
كما يقول المراقبون إن تفكك حكومة أولمرت، دفعه لوضع قضية شاليت على نار حامية آملاً أن يؤدي إطلاق سراحه إلى التمديد في حياة الحكومة الإسرائيلية الحالية لفترة إضافية من الوقت.
وكما بات معلوماً، فإن شاليت سوف يطلق سراحه مقابل إطلاق سراح ما بين 400 ـ 500 أسير فلسطيني على دفعتين.
ويقال في هذا السياق إن إسرائيل تتمسك بـ «حقها» في وضع المعايير التي سوف تعتمد لاختيار من سوف يطلق سراحهم من بين الأسرى الفلسطينيين، أي أنها لن تستجيب للائحة فلسطينية بهذا الشأن.
ولعل هذا ما سوف يعيق صفقة التبادل لفترة إضافية.
كذلك أثار أولمرت مع عباس مسألة، رأى فيها المراقبون تدخلاً في الشأن الفلسطيني، حين سأله عن مصير مئة مليون دولار، كانت إسرائيل أفرجت عنها من أموال الضرائب العائدة إلى السلطة الفلسطينية، وكما كشف المراقبون فإن «سؤال» أولمرت، إنما هدفه منح إسرائيل «الحق» في «الإشراف» على كيفية صرف أموال المعابـر، بذريعة ضمان ألّا تتسرب إلى دعم الأعمال المسماة إرهابية.
بدوره أثار عباس مع أولمرت العديد من النقاط الساخنة والتي تحتاج إلى معالجة فورية من بينها:
ـ التزام إسرائيل باتفاق التهدئة كي لا يكون اتفاقاً من جانب واحد.
في هذا السياق طالب عباس بوقف الاجتياحات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية ووقف عمليات القتل والاعتقالات.
المصادر أكدت أن رد أولمرت كان سلبياً، حين أبلغ عباس أن جيش الاحتلال الإسرائيلي «لا يستطيع أن يقف متفرجاً» ـ على حد تعبير أولمرت ـ وهو يشاهد التحضيرات لإلحاق الأذى به.
أي بعبارة أخرى، فإن أولمرت رفض الالتزام بالتهدئة، وأعطى لجيشه الحق في مواصلة أعماله العدوانية ضد الفلسطينيين.
ـ وقف بناء جدار الفصل والضم العنصري، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية الداعية إلى تفكيك هذا الجدار، وإعادة الأراضي التي أقيم فوقها إلى أصحابها والتعويض لهم عما لحق بهم من أضرار.
أولمرت من جانبه بـرر بناء «الجدار» بحاجة إسرائيل إلى الأمن، وأن وظيفته هي منع تسلل «الإرهابيين إلى داخل البلاد».
كما ادعى أن الجدار سوف يزال عند الوصول إلى التسوية النهائية، وعندما يلتزم الفلسطينيون بوقف هجماتهم ضد الإسرائيليين.
ـ وقف بناء مستوطنات جديدة، ووقف توسيع المستوطنات القائمة، والعمل على تفكيك أكثر من مئة بؤرة استيطانية أكدت خارطة الطريق أنها «غير شرعية». أولمرت نفى أن تكون هناك مستوطنات جديدة (خلافاً للحقيقة) و«فسر» توسيع المستوطنات بالزيادة السكانية في هذه المستوطنات. أما «البؤر غير الشرعية» فتجاوزها ولم يتطرق إليها.
ـ تخفيف الإجراءات الأمنية على الحواجز في الضفة الفلسطينية، وإزالة عشرات الحواجز «التي أقيمت دون وجه حق».
أولمرت رد على ذلك بالحديث عما أسماه «اتساع رقعة نشاط الإرهابيين» في الضفة الأمر الذي يتطلب إجراءات مماثلة.
ـ تنشيط الحركة على معابـر المسافرين وشاحنات النقل، في ظل شلل يلحق أضراراً واسعة بمصالح المواطنين الفلسطينيين.
أولمرت رد كذلك بإعادة «الأسباب» إلى «الضرورات الأمنية».
يقول المراقبون إن عباس خرج من اللقاء مع أولمرت صفر اليدين، وإن هذه النتيجة انسجمت مع كل التوقعات المسبقة لهذا اللقاء.
فأولمرت، والرأي للمراقبين، يعيش أكثر لحظاته حرجاً على رأس الحكومة. فهو على خلاف مع وزير دفاعه وشريكه في الائتلاف عمير بيرتس.
وهو يعاني من ملاحقات قضائية، كذلك ينتظر استحقاقات لجنة فينوغراد الخاصة بنتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان.
فضلاً عن أن حكومته دخلت في سجالات سياسية مع بعض أطراف اللجنة الرباعية حول الموقف من الحكومة الفلسطينية الجديدة.
وهي كلها عوامل لا توفر لأولمرت «الفرصة»، كما يقول المراقبون ليقدم لعباس شيئاً، بقدر ما كان هو بحاجة إلى من يقدم له ما يعزز وضعه على رأس الحكومة، وعلى رأس كاديما، وفي أعين الناخبين الإسرائيليين (خاصة وأن ثمة من بدأ يدعو داخل إسرائيل إلى انتخابات تشريعية مبكرة للخلاص من الثنائي أولمرت ـ بيرتس، اللذين أكدا فشلهما في إدارة الحكومة).
إلى ذلك، يرى المراقبون أن وصول عباس مع حركة حماس إلى اتفاق مكة، وكذلك نجاح الفلسطينيين في الاتفاق على مبدأ تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، والشوط الذي قطعه الحوار الداخلي حول تشكيلة الحكومة، هي أيضاً عوامل «تمنع» أولمرت من أن يقترب خطوة إضافية نحو عباس.
ولا تخفي الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية خيبتها من توقف الاقتتال الفلسطيني، بين حماس وفتح، وهي التي كانت تأمل أن يمتد هذا الاقتتال زمناً إضافياً يزيد الحالة الفلسطينية إنهاكاً.
كذلك لا تخفي خيبتها من التدخل العربي المصري ـ والسوري، ثم السعودي، للوصول بالفلسطينيين إلى توافقات سياسية بديلاً للاقتتال.
ويقول المراقبون إن أولمرت، لو قدم شيئاً لعباس، لبدا في نظر الرأي العام الإسرائيلي كمن يكافأ رئيس السلطة الفلسطينية على اتفاقه مع حماس، وعلى توافقه مع الأطراف الأخرى على دخول الحكومة الجديدة.
عامل آخر يقرأه المراقبون، يفسر لماذا أحجم أولمرت عن منح عباس أية تسهيلات، وهو حرصه على أن يبدو متشدداً في مواجهة الحالة الفلسطينية الجديدة، في سياق الضغط الأميركي ـ الإسرائيلي على اللجنة الرباعية كي لا تخفف من إجراءاتها في مواجهة الحكومة القادمة، وحتى لا تتآكل الشروط الثلاثة المرفوعة في وجه الحكومة الفلسطينية.
المراقبون يرون أن عباس اختار التوقيت الخاطئ للقاء أولمرت، وأنه كان عليه أن يتجاوز هذا اللقاء لصالح تطوير اتفاق مكة، وتوسيع إطار المشاركة في نقاشه وتطويره ليطال القوى الفلسطينية كافة بما في ذلك القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني.
كما كان عليه أن ينهي مشاوراته مع إسماعيل هنية، المكلف بتشكيل الحكومة، بما في ذلك حسم مسألة وزير الداخلية، والانتهاء من المشاورات حول بـرنامج الحكومة وبيانها إلى المجلس التشريعي، ثم يطير مع فريق عمل فلسطيني، يضم ممثلين عن الطيف السياسي الواسع، للمشاركة في أعمال قمة الرياض، وبحيث يجري تقديم الحالة الفلسطينية في صورة جديدة، هي أقرب إلى الوصول إلى الوحدة الوطنية الشاملة، وفقاً لقواسم مشتركة متوافق عليها.
بعد ذلك يمكن البحث في حملة دبلوماسية تنظمها الحكومة الجديدة، لتشق الطريق أمامها، وتنجز ما فشلت الحكومة السابقة في إنجازه.
أما العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، فمن الواضح أنها ستكون شديدة التعقيد، ولعل قرية بلعين هي التي تعطي النموذج الحي للكيفية الواجب مجابهة الاحتلال بها. المقاومة الشعبية، بكل السبل الممكنة والمقاومة المسلحة وفق رؤية استراتيجية شاملة.
إن الهرولة وراء أولمرت أو محاولة استرضاء الجانب الإسرائيلي، أثبتت أنها سياسة فاشلة.
وإن «إقناع» الجانب الإسرائيلي بالاستجابة للمصالح الوطنية الفلسطينية لا يكون بالحوار حول الطاولة فقط، بل وكذلك في الشارع المكان الذي بإمكانه أن «يقنع» الاحتلال أن بقاءه فوق الأرض الفلسطينية باهظ الثمن، وأن لا حل إلا بالرحيل.
- المصدر :لقاء عباس ـ أولمرت ... خفي حنينموقع:المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات
