لآلىء من الكتاب المكنون-1

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
لآلىء من الكتاب المكنون-1


بقلم : عمرو الشيخ

*مقدمة لا بد منها :

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله :

"القرآن هو كتاب هذه الأمة الحي ; ورائدها الناصح ; وأنه هو مدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها ..

كان الله سبحانه يربي بهذا القرآن الجماعة المسلمة الأولى التي قسم لها إقامة منهجه الرباني في الأرض و ناط بها هذا الدور العظيم بعد أن أعدها له بهذا القرآن الكريم .

أراد الله تبارك و تعالى أراد لهذا القرآن أن يكون هو الرائد الحي الباقي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة أجيال هذه الأمة وتربيتها ، وإعدادها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به ، كلما اهتدت بهديه ، واستمسكت بعهدها معه ، واستمدت منهج حياتها كله من هذا القرآن ، واستعزت به ، واستعلت على جميع المناهج الأرضية" .

إن هذا القرآن ليس مجرد كلام يتلى ..

ولكنه دستور شامل دستور للتربية ، كما أنه دستور للحياة العملية ،

ومن ثم فقد تضمن عرض تجارب البشرية بصورة موحية على الجماعة المسلمة التي جاء لينشئها ويربيها ; وتضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم عليه السلام وقدمها زادا للأمة المسلمة في جميع أجيالها ..

تجاربها في الأنفس ..

وتجاربها في واقع الحياة ..

كي تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها وهي تتزود لها بذلك الزاد الضخم وذلك الرصيد المتنوع .

ومن ثم جاء القصص في القرآن بهذه الوفرة وبهذا التنوع وبهذا الإيحاء ..

إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي وينبغي أن يتدبر على أنه توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ولتنير الطريق إلى المستقبل لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل ; أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود ..

*قاعدة جليلة :

كيف ننتفع بالقرآن ؟!

ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنلتمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وفي غدنا ; كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه .

وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد ..

وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي ..

سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق ; وتقول لنا هذا فافعلوه وهذا لا تفعلوه .. وتقول لنا هذا عدو لكم وهذا صديق .. وتقول لنا كذا فاتخذوا من الحيطة وكذا فاتخذوا من العدة ..

وتقول لنا حديثا طويلا مفصلا دقيقا في كل ما يعرض لنا من الشؤون .. وسنجد عندئذ في القرآن متاعا وحياة ; وسندرك معنى قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } .

فهي دعوة للحياة .. للحياة الدائمة المتجددة .. لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ ..

يقول ابن القيم رحمه الله :

" إذا أردت الانتفاع بالقرآن ؛ فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه ؛ فإنه خطاب منه سبحانه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم " .

قال تعالى : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .

والذكرى هنا العبرة .. والمقصود بالقلب هنا القلب الحي الذي يعقل به عن الله { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا } أي حي القلب .

{ ألقى السمع } : أي وجه سمعه وأصغى لما يقال .

{ شهيد } : أي شاهد القلب حاضر غير غائب .

يقول ابن قتيبة رحمه الله :

أي استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساهٍ ..

فـ (( يا صانع الحياة )) :

إذا أردت الانتفاع بالقرآن .. فأحضر قلبك ..

وأصغ بسمعك ..

واستحضر عظمة ربك ..

إن صناعة الحياة التي نريد و التي فيها عز الدنيا والآخرة ..

لا يمكن أن تكون ولن تكون إلا من خلال انطلاقها من هذا الكتاب المكنون .

قال تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون } .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) .

والذين فكروا في محاربة الإسلام وجهوا حرابهم إلى هذا الكتاب المكنون وحاولوا تغييبه عن الساحة وتحويله من منهج حياة إلى مجرد كتاب للتبرك به يتلى في المناسبات والمآتم وتفتتح به القنوات .

يقول وليم جيفورد :

" متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه !! " .

وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر ، في كلمة ألقاها بمناسبة مرور مائة عام على احتلال فرنسا للجزائر : " يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم " .

فذلك الكتاب المكنون هو روح هذه الأمة ، وهو دستورها الإلهي الذي نالت به العزّة والرفعة والسمو وسيادة العالم حينما استمسكت به .

وذلّت وهانت وصارت في ذيل الأمم حينما ابتعدت عنه وهجرته ..

ومع ذلك نرى المسلمين مقصرين في حقّ هذا الكتاب المكنون أبلغ تقصير !

فلم يعد هو الموجّه الأول لعقولنا .. ولا المؤثر الفعّال في قلوبنا !

ولا المحرك الرئيس لسلوكنا .. ولا المغير الأساسي لما بأنفسنا !

إنكم يا (( صناع الحياة )) مدعوون إلى العودة إلى ذلك المنبع الصافي الأصيل والنهل من معينه والتزود منه لطريقكم الطويلة ..

افتحوا لهذا الكتاب المكنون قلوبكم وعقولكم .. أصلحوا أجهزة استقبالكم .. وهيئوها لاستقبال رسائل ربكم .. وانطلقوا على بركة الله ..

صانعين للحياة .. ومستعيدين مجد الأمة

المصدر