كيف يضع مكتب الإرشاد سلطة إجراء انتخابات نفسه والإشراف عليها ...
التاريخ: الأربعاء, 30 ديسمبر 2009
مختار نوح
بدأت في الحلقة الأولى من هذه الدراسة في تحليل تكوين اللائحة العامة للجماعة، والأسس والظروف التي أحاطت بها حتى وصلت لهذه المرحلة، وذكرنا أن اللائحة بها عيوب خمسة رئيسية، وهي:
أن فلسفتها التشريعية تقوم على تركيز السلطات في يد جهة الإدارة، والمغالاة في استخدام حق التعيين مع عدم قصر التعيين على المجالس النيابية، بل إنه يتسع ليشمل التعيين بالإضافة في الجمعية الانتخابية، وتداخل السلطات على حساب السلطة التشريعية التي اختفى اختصاصها تماما, إضافة إلى عيوب الصياغة التي قد تصل إلى حد عدم القابلية للتطبيق في العديد من، وأخيرا اختفاء اسم السلطة القضائية وكذلك دورها, ونستكمل اليوم باقي بنود العيب الأول والعيوب الأربعة الباقية.
هـ - ومن المستغرب في هذه اللائحة انفرادها بجعل الرئاسة لمجالس الشورى من اختصاص الجهات التنفيذية؛ وهو أمر غير متصور في أي من التشريعات الحديثة، وعلى مدى أربعمائة سنة خلت من الصراع من أجل ارتفاع المجلس التشريعي، والدفاع عن مبدأ إعمال الرقابة على الجهات الإدارية.
ولم يحدث أن تم منح أي مجلس تنفيذي حق رقابة أو رئاسة الجهة التشريعية، بل وجعلت اللائحة من المرشد العام رئيسا لمكتب الإرشاد ولمجلس الشورى.
ويرى الباحث ذلك متجليا في العديد من النصوص، بل ويكون الأمر أكثر بعدا عن الأصول القانونية حينما تأتي النصوص لتجعل رئاسة "مجلس الشورى العام" لنواب المرشد في حالة غيابه أو لأي عضو من أعضاء مكتب الإرشاد، ولا تمنح اللائحة أعضاء مجلس الشورى حقهم في إدارة جلساتهم إلا عند غياب جميع أعضاء مكتب الإرشاد، ومعهم المرشد العام.. مع أن الأصل الفقهي أن المجلس التشريعي هو الذي يراقب ويرأس مكتب الإرشاد لا العكس، ومن الجدير بالذكر أيضا أنه ليس لمجلس الشورى أن يحدد لنفسه جدول أعمال، وإنما عليه أن ينفذ ما فرضته عليه جهة الإدارة من موضوعات، وذلك كله وفقا للنصوص الآتية:
"يجتمع مجلس الشورى بدعوة من المرشد العام دورتين كل عام"، وكذلك "يجوز دعوة مجلس الشورى لاجتماع طارئ بقرار من المرشد العام أو بناء على قرار مكتب الإرشاد"، وكذلك "يكون اجتماع المجلس صحيحا بحضور أكثر من نصف أعضائه، وفي حالة غياب المرشد العام ونائبه الأول، أو من ينيبه المرشد العام لرئاسة الجلسة، يرأس الجلسة الأقدم فالأقدم من نواب المرشد العام، ثم أكبر الحاضرين سنا من أعضاء مكتب الإرشاد، ثم الأكبر سنا من أعضاء المجلس".
وفي النهاية فإنه لا يكون لمجلس الشورى أي حق في دعوة نفسه إلى الانعقاد، أو إضافة أمور لمناقشتها في جدول الأعمال إلا في حالة واحدة وهي أن يطلب عشرون عضوا ذلك بطلب يقدمونه أيضا إلى المرشد العام.
وتذهب اللائحة إلى أبعد من ذلك؛ فهي تمنح مكتب الإرشاد سلطة وضع إجراءات الانتخابات والإشراف عليها، تلك الانتخابات التي يتم بمقتضاها انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد!
ومن هنا فإن مجلس الشورى، وهو مجلس المراقبة في الأصل القانوني وفق تصورات عصرية، فضلا عن كونه مجلس التشريع والمحاسبة والتحقيق، يظهر في اللائحة كمجلس ليس له من قدرة على عقد جلساته أو وضع جدول أعماله، كما خلت النصوص من بيان أي وظيفة لهذا المجلس تتعلق بالمراقبة أو المحاسبة أو التشريع، سوى أنه ينتخب أعضاء مكتب الإرشاد بإجراءات يتم وضعها بواسطة مكتب الإرشاد نفسه.
و- وتستمر رقابة المرشد العام على مجلس الشورى حتى في أمر التحقيق الأخلاقي، فمن الجدير بالذكر أن مجلس الشورى لا يملك أي اختصاصات، خاصة بالتحقيق في أي عمل تنفيذي، إلا ما أشارت إليه واحدة من المواد بتشكيل لجنة تحقيق أخلاقية، وهي حتى هذه اللجنة قاصرة على اختصاص وحيد وهو التحقيق الأخلاقي فيما يتعلق بسلوك أي عضو، وهذه اللجنة لا تملك أن تحقق إلا فيما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس؛ مما يمس السلوك فقط، وحتى في هذه الحالة فليس لها أن تحكم أو تقرر، وإنما عليها أن تقترح اقتراحا يتم عرضه على مكتب الإرشاد، وهذا نصها:
"ينتخب مجلس الشورى من بين أعضائه لجنة تحقيق تتكون من ثلاثة أعضاء أصليين وثلاثة أعضاء احتياطيين.. وتختص لجنة التحقيق بما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس مما يمس سلوك أحد الأعضاء.. وتقترح هذه اللجنة الجزاء الذي تراه مناسبا.. وتعرض قرارها على مكتب الإرشاد أو المجلس طبقا لاختصاص كل منهما".
ز- ونفس الأمر ينطبق على مجالس شورى المحافظات والتي منها يتم انتخاب أعضاء مجلس الشورى العام.. فلا تملك مجالس شورى المحافظات أن تدير مجلسها، أو أن تصدر قرارات؛ فهي في الجلسة الأولى تحت إدارة أحد أعضاء مكتب الإرشاد، ثم هي في النهاية لا تصدر إلا توجيهات ليتم تصعيدها إلى مكتب الإرشاد.
"يرأس أولى جلسات مجلس شورى المحافظة أحد أعضاء مجلس الإرشاد.."، وكذلك "ولمجلس شورى المحافظة أن يناقش التقرير (الذي يقدمه المكتب الإداري)، وأن يبدي ملاحظته، وأن يصدر توصيات يبلغها لمكتب إداري المحافظة".
حـ - ومن الجدير بالذكر أن مقدمة هذه اللائحة جاء بها ما سمي بـ"الأحكام العامة والمؤقتة"، ونحسب أن هذه الأحكام قد وردت في التعديلات التي تمت على اللائحة، أو بالأحرى فإنها هي التي أدت إلى تعديلات اللائحة، فورد بها إحالة الدور التشريعي كله إلى مكتب الإرشاد، بل وإحالة كل اللائحة وما ورد بها من اختصاصات إلى مكتب الإرشاد، فتم النص على:
"يجوز تعديل أحكام هذا النظام بناء على اقتراح المرشد العام وأغلبية أعضاء مكتب الإرشاد المقيمين بالقاهرة، ويضاف إليهم عشرون عضوا من أعضاء مجلس الشورى".
وبالطبع فإن هذا الاقتراح يتم عرضه على مجلس الشورى، ويعتبر التعديل مقبولا بأكثر من نصف عدد أعضاء المجلس، فإذا كان هناك عشرون عضوا من المجلس قد شاركوا في الاقتراح فإنه لا يتبقى على تحقيق النصاب إلا ثمانية عشر عضوا.. من مجلس الشورى حتى تتحقق نسبة الخمسين في المائة من مجموع أعضاء مجلس الشورى.
ثم يتم إرداف هذه المادة بمادة أخرى فحواها: "في حالة تعذر اجتماع مجلس الشورى لأسباب اضطرارية يتولى مكتب الإرشاد جميع الاختصاصات"، وهكذا تحدد الأحكام العامة المؤقتة نهاية مبدأ الفصل بين السلطات، وتدعيم تركيز العمل التشريعي والتنفيذي في يد واحدة.
الخلاصة إذن:
أن ما تم ذكره هو ملاحظات على سبيل المثال يظهر منها أن فلسفة تشريع اللائحة تقوم على أحادية جهة الاختصاص أي أنها تشريعات السلطة الواحدة، وهي السلطة التنفيذية، فيظهر أيضا من النصوص أن المجالس التشريعية أو مجلس الشورى لا يملك إلا أن يناقش أو يرفع تقريرا أو توصيات، فقد خلت وظيفة اللائحة من أي مهام حقيقية أو عصرية كالرقابة، أو التشريع، أو التعديل، أو الاتهام، أو التحقيق، أو التوجيه، أو حتى مجرد النصح؛ وذلك بالمخالفة حتى للنص الذي حدد اختصاص مجلس الشورى العام بأنه يكون مختصا بمناقشة وإقامة السياسات العامة، فجاءت النصوص التالية خالية من أي بيان أو توضيح أو أثر لهذه العبارة العامة.
العيب الثاني: لماذا التعيين؟ وما هي حكمته؟ وإلى أي مدى؟
تلجأ النظم الحديثة إلى منح الجهة التنفيذية حق إضافة بعض الأسماء إلى قائمة من أعلن نجاحهم في العملية الانتخابية من أعضاء المجلس التشريعي، ويطلق على هؤلاء الأعضاء اسم "الأعضاء بالتعيين"، وقد تمنحهم بعض القوانين حق التصويت، بينما تكتفي بعض التشريعات الأخرى بمنحهم حق إبداء الرأي دون حساب أصواتهم؛ وذلك حتى لا يستخدم حق التعيين لدى الجهة التنفيذية كوسيلة للتأثير على إرادة الناخبين.
ومع ذلك فإن النظم جميعها قد اتفقت على حرمان الجهة التنفيذية من حق التعيين إلا في أضيق نطاق.. وحتى التشريع المصري رغم أنه لا يعد من التشريعات المتقدمة إلا أنه حصر حق رئيس الجمهورية في التعيين في المجلس التشريعي، وجعله قاصرا على تعيين عشرة أعضاء فقط لا غير من مجموع المجلس بنسبة لا تزيد عن (2%) من مجموع الأعضاء، بل إنها قد تقل كثيرا عن هذه النسبة بعد التعديلات الدستورية التي أضافت إلى المجموع الكلي للبرلمان حتى لو توسعت في حق التعيين، ومع ذلك فقد أجازت التشريعات لرئيس الجمهورية زيادة هذه الأعداد من المعينين في مجلس الشورى؛ باعتباره من المجالس المعاونة للمجلس التشريعي، ولا يجوز له حق إصدار أي تشريع حتى ولو كان هذا التشريع لائحيا.
وإذا كان الذي جرى عليه العمل في مصر قد تشابهت معه أغلب التشريعات العربية، وهي تشريعات متأخرة، وحافظت على مبدأ منع التعيين إلا استثناء وبأعداد ضئيلة، إلا أن الذي نصت عليه لائحة الإخوان المسلمين كان أقل من ذلك المستوى من حيث الحداثة على النحو الذي نلخصه في نقطتين:
أولاها: مبالغة اللائحة في منح حق التعيين للسلطة الإدارية.
ثانيها: تجاوز فلسفة هذا الحق لتشمل التعيين في القاعدة الانتخابية (المجمع الانتخابي).
أولا: مبالغة اللائحة في منح جهة الإدارة حق التعيين:
أظهرنا فيما سبق أن منح حق التعيين لجهة الإدارة هو خروج على الأصل؛ ذلك أن النظم النيابية الحديثة، والتي وافقت أصل الشرع في أن تكون الجماعة هي مصدر السلطات، والجماعة هي الأمة عند بعض الفلسفات، وهي الشعب عند البعض الآخر، ومن هنا فإن حق الشعب أو الأمة أو الجماعة في اختيار من يمثلها هو حق ثابت لا استثناء فيه، بل إنه في بعض أنواع الديمقراطيات لا ينيب الشعب عنه من يتحدث باسمه، فألغى النظام النيابي وجعل الحق للشعب مباشرة، كما حدث في جمهورية اليونان القديمة.
ومن هنا فإن اختيار الشعب للنائب في المجلس التشريعي هو حق أصيل لا ينبغي انتزاعه أو التدخل فيه؛ باعتبار أن نائب الشعب أو الأمة أو الجماعة هو المعبر عن رغبتها، وهو وحده الناطق باسمها، ومن ثم فإن منح الإدارة حق التعيين هو أمر استثنائي يتم تطبيقه في أضيق الحدود على النحو الذي بيناه.
إلا أن اللائحة موضوع البحث قد بالغت في منح الإدارة هذا الحق، فعلى سبيل المثال نجد الآتي:
1- أن مجلس الشورى العام، وهو يتكون وفق نص اللائحة من خمسة وسبعين عضوا على الأقل.. منحت اللائحة لمكتب الإرشاد حق تعيين خمسة عشر عضوا فوق مجموع الأعضاء المنتخبين وعددهم اثنان وسبعون عضوا.. وبغض النظر عن عيب الصياغة في النص فإن مجموع المنتخبين وفقا للبيان العددي للمحافظات هو "اثنان وسبعون عضوا"، فتكون نسبة المعينين إلى نسبة المنتخبين هي أكثر من عشرين في المائة، وهي نسبة عالية جدا لا تعبر عن سياسة الاستثناء، وإنما تجعل من التعيين أصلا، وتجعل له دورا مؤثرا، ونعود فنؤكد أن هذا البحث لا يدور حول الثقة في الأفراد؛ فهم أهل لكل ثقة، وإنما يدور حول الثقة في النصوص ومدى مشروعيتها دون النظر إلى الأفراد، فضلا عن أن جماعة الإخوان المسلمين تخاطب العالم بتقدمها التشريعي.. فالأمر إذن أبعد من مجرد النظر إلى مدى الثقة في الفرد من عدمه؛ ذلك أنه متى كان للمعين صوت مؤثر في اختيار عضو من أعضاء مكتب الإرشاد، وهو العمل الوحيد الذي يوكل إلى أعضاء مجلس الشورى العام ليقوموا به منفردين، فإن إضافة عشرين في المائة من المجلس بالتعيين من شأنها أن ترجح اسما حتى ولو رفضه الأعضاء المنتخبون.. لتتحول العملية الانتخابية إلى عملية تعيين مستترة.
ثانيا: تجاوز فلسفة حق التعيين لتشمل التعيين في المجمع الانتخابي:
سبق أن أشرنا إلى أن النظام الانتخابي لمجلس الشورى العام هو انتخاب متعدد الدرجات (على درجتين)، فبينما ينتخب الأفراد على عمومهم مجلسا للشورى على نطاق كل محافظة، تكون مجالس المحافظات نفسها هي المجمع الانتخابي الذي ينتخب مجلس الشورى العام، ومن ثم فإن تعيين أي عدد من الأفراد في مجلس شورى المحافظة هو إضافة غير مشروعة للمجمع الانتخابي، أي القاعدة الانتخابية التي ستقوم بانتخاب مجلس الشورى العام.
وعلى هذا فإن ما نصت عليه اللائحة موضوع الدراسة من منح مكتب الإرشاد حق إضافة خُمس الجمعية الانتخابية في كل محافظة، والتي هي مجالس شورى المحافظات فهو أمر ليس له من سابقة في تاريخ التشريعات.. فمن حيث إنه نوع من أنواع التداخل في الاختصاصات وبه من عيب الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات القدر الكبير، إلا أنه أيضا يشير إلى التأثير في إرادة الناخبين الذي قد يصل إلى درجة الإلغاء لها لاسيما إذا علمنا أن النص أيضا قد أضاف إلى مجلس شورى المحافظة عددا بالتعيين فوق نسبة الخمس؛ ذلك أنه اعتبر من تم تعيينه في مجلس الشورى العام عضوا في مجلس شورى المحافظة، وهذا العضو المعين يكون له أكثر من صوت، وفقا للمترتب على أمر تعيينه في المجلس، فهو أولا ينتخب من يتم تصعيده لينتخب أعضاء مكتب الإرشاد، ثم هو ثانيا ينتخب مع من ينتخب أعضاء مكتب الإرشاد، وعلى هذا أكدت المادة بنصها أن:
"يشكل بكل محافظة مجلس شورى يحدد مكتب الإرشاد عدد أعضائه، ويختاره الأعضاء العاملون بالمحافظة طبقا للإجراءات التي يعتمدها مكتب الإرشاد"، "ويجوز لمكتب الإرشاد أن يضم إلى الأعضاء المختارين عددا لا يزيد عن الخمس.."، "يعتبر عضوا (معينا) بمجلس شورى المحافظة التي يتبعها من تم تعيينه عضوا بمجلس الشورى العام".
العيب الثالث: تداخل السلطات على حساب السلطة التشريعية:
يظهر من خلال مطالعة النصوص أن مشرع اللائحة كان حريصا على أن يلتزم بالأصل العام في أصول الدولة الحديثة، فأشار في شأن اختصاصات مجلس الشورى العام إلى ما نصه: "يكون مجلس الشورى هو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان في مصر".
وهذه رغبة لدى المشرع لاسيما وقد أشار إلى أن يكون "مجلس الشورى مختصا بمناقشة وإقامة السياسات العامة والوسائل التنفيذية اللازمة لها، وكذا مناقشة التقارير السنوية التي يتقدم بها مكتب الإرشاد".
ولو اقتصر المشرع على هذا القدر من الألفاظ -حتى مع اشتمالها على عيوب في الصياغة- لهان الأمر، إلا أنه عاد فمنح ذات الاختصاصات، بل أكثر منها في الحديث عن مكتب الإرشاد، ومن جهة أخرى فقد ألغت اللائحة هذه الاختصاصات لمجلس الشورى في البنود التالية لهذا النص.
ولنوضح ذلك علينا مراجعة اختصاصات مكتب الإرشاد وفقا لهذه اللائحة، ثم نقارنه بذات الاختصاصات المعقودة لمجلس الشورى، فسوف نقابل ما نصه: "مكتب الإرشاد هو الهيئة الإدارية والقيادة التنفيذية العليا، وهو المشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها، والمختص بكل شئونها وتنظيم أقسامها وتشكيلاتها".
وبالرغم من أن اختصاصات مكتب الإرشاد وفقا للنص هي اختصاصات تتعلق بالقيادة التنفيذية العليا، فإن سائر النصوص تمنحه جميع الاختصاصات التشريعية، بل تمنحه حق إلغاء العديد من النصوص اللائحية.. إلى أن ينتهي الأمر باتخاذ قرارات تتعلق بأقسام الجماعة ومجالسها، وكذلك بإنشاء أو إلغاء أي أمر، بالإضافة إلى النصوص من الناحية العملية.
ولا تكاد النصوص تفصح من الناحية العملية عن اختصاص محدد لمجلس الشورى العام، بل إنها اقتصرت في باب مجلس الشورى العام على مجرد التشكيل دون أن تظهر إذا ما كان لهذا المجلس أي دور يتعلق بالرقابة أو المساءلة، ودون أن تحدد أيضا مفهوما للنص الوارد في بند الاختصاص، والمتعلق بحق المجلس في مناقشة وإقامة السياسات العامة، لاسيما أن القانون لا يعرف اختصاصا يكون مقصورا على حق المناقشة إلا اختصاص اللجان المعاونة، ومن ثم فإنه يصعب الوقوف على تفسير حقيقي لاختصاص مجلس الشورى العام، فضلا عن خلو النصوص من تفسير لهذا الاختصاص.
العيب الرابع: عيوب الصياغة قد تصل إلى عدم قابلية التطبيق:
وقد سبق أن أشرنا إلى وجود العديد من عيوب الصياغة، ونكتفي في هذا المقام بالإشارة إلى نوعين من أنواع عيوب الصياغة:
ويأتي أول هذه العيوب في مادة تشكيل مجلس الشورى، وقد أصابها عيب الابتعاد عن الواقع، بل إنها في صورة من صور تطبيقها قد تؤدي إلى استحالة انعقاد هذا المجلس؛ ذلك أن المادة قد نصت على أن الحد الأدنى لتشكيل مجلس الشورى هو "خمسة وسبعون عضوا"، وأن الحد الأقصى هو تسعون عضوا، ومع ذلك فقد حددت المادة أرقام الأعضاء المنتخبين باثنين وسبعين عضوا، وفقا لما قررته من حصة لكل محافظة.
وبالتالي فإن النص يعتمد على قيام مكتب الإرشاد بتعيين خمسة عشر عضوا حتى يصل عدد الأعضاء إلى خمسة وسبعين عضوا، والتي هي الحد الأدنى لتشكيل مجلس الشورى، ولكن تثور المشكلة إذا لم يقم مكتب الإرشاد بتعيين الخمسة عشر عضوا المخصصة له.. لاسيما أن النص قد جعل أمر تعيين الخمسة عشر عضوا، والذي يقوم به مكتب الإرشاد جوازا، "خمسة عشر عضوا يجوز لمكتب الإرشاد تعيينهم".
ففي هذه الحالة لن يكتمل عدد مجلس الشورى اللازم لانعقاده، وفق الحد الأدنى المرسوم في النص المعيب، وهذه الإشكالية قد تكون واردة من الناحية النظرية، إلا أن النص يعاب في صياغته متى تعارضت تطبيقاته المفترضة مع المنطق والمقبول ولو نظريا، ولتوضيح ذلك فإن الحساب النظري لأعضاء مجلس الشورى هو خمسة وسبعون عضوا وفقا للنص، ثم يقوم النص التالي بتحديد نسبة كل محافظة فيكون المجموع (72) عضوا.
فأي مشرع ذلك الذي يبني وجود المجلس التشريعي على قيام مكتب الإرشاد باستخدام رخصة له إن شاء استخدمها وإن شاء تنازل عنها، وهناك فرض آخر غاب عن النص؛ فقد جعل النص كل من سبق توليه عضوية مكتب الإرشاد لمدة عامين عضوا بحكم اللائحة، مع أن الحد الأقصى هو تسعون عضوا، فكيف يتحقق ذلك؟
ومن هنا يبين العوار التشريعي في الصياغة والمضمون، وما تم ذكره كان على سبيل المثال.
خامسا: اختفاء اسم السلطة القضائية وكذلك دورها:
إن الجمع بين السلطات وتركيز الإدارة في يد الجهة المنفذة، ثم منحها حق التشريع بالتعديل والإضافة على النسق المسمى في نصوص اللائحة سوف يؤدي حتما إلى العديد من إشكاليات التطبيق.
ومن العجب أن خلت تلك اللائحة من مجرد الإشارة إلى سلطة قضائية بالمعنى الصحيح؛ لكي تفصل بين الاختصاصات المتنازعة عند التطبيق، بل لم يتم الإشارة إليها ولو على سبيل التحكيم.
والفقه الشرعي يعتبر أن غياب السلطة القضائية وفقا للنظم الحديثة لا يعني إلا غياب العدالة، فكما أن الأمر يستلزم أن تقوم سلطة محايدة بإعادة تشريع اللائحة، فإن الأمر يستلزم أيضا أن تقوم سلطة محايدة بمراقبة تطبيق اللائحة، وقد كان ذلك في أولويات إنشاء الدولة الإسلامية، وليس من المعقول أن تستبعد اللائحة مثل هذه البديهيات.
وقد جاء اسم لجنة التحقيق عرضا في اللائحة، ولكنها مع الأسف لجنة لا تمت لطبيعة السلطة القضائية بصلة، سواء من حيث التكوين أو من حيث الاختصاص؛ فهي لجنة يتم انتخابها من أعضاء مجلس الشورى، وتختص بالتحقيق فيما يمس سلوك أحد الأعضاء، وليس لها إلا أن تقترح، ثم تقوم بعرض هذا الاقتراح على مكتب الإرشاد أو المجلس وفقا لاختصاص كل منهما وذلك وفقا للنص.
"ينتخب مجلس الشورى من بين أعضائه لجنة تحقيق تتكون من ثلاثة أعضاء أصليين وثلاثة أعضاء احتياطيين يحلون محل الأعضاء الأصليين إذا وجد مانع لديهم، وتختص لجنة التحقيق بما يحيله إليها المرشد العام أو مكتب الإرشاد أو المجلس مما يمس سلوك أحد الأعضاء أو يفقد الثقة به، وتقترح هذه اللجنة الذي تراه مناسبا، وتعرض قرارها على مكتب الإرشاد أو المجلس طبقا لاختصاص كل منهما".
وبمطالعة هذا النص يتأكد الباحث أنه لا علاقة لهذه اللجنة بمفهوم السلطة القضائية، كما أن اختصاصها لا يتعلق إلا بالمسائل الأخلاقية التي تحال إليها، ودورها يقتصر على الاقتراح.
ومن الجدير بالذكر أن العاملين في علم الاجتماع يقيمون مدى تقدم النظم بمدى احترامها التطبيقي لقواعد العدالة، فما بالنا إذا غاب عن اللائحة المنظمة مجرد الإشارة ولو إلى الخطوط العريضة لقواعد الفصل عند الخلاف؟!
الخاتمة:
إننا بهذا نكون قد انتهينا من الملاحظات الخمس حول اللائحة، وقد حاولنا الاختصار في الأمثلة أو الاستشهاد، ولا ينبغي إلا الإشارة إلى الملاحظات الختامية.
1- إنه لا يمكن لجماعة عريقة مثل جماعة الإخوان أن تواجه الواقع السياسي بهذه النصوص المتواضعة، في ظل عصر تتولى الجماعة فيه قيادة الناس في الدفاع عن حرياتهم وعن حقوقهم، كما تتولى قيادتهم في النضال ورسم معالم الحرية في بلادنا.
2- إنه لا يمكن حسم خلاف الأفكار إلا بخلق آلية لصناعة الأفكار، تبدأ باستيعاب الرأي وتنتهي بصياغة النص دون تدخل بشري، أو تأثير أدبي، أو قهر مادي.
وأول نطفة في خلق هذه الآلية هو حسن صياغتها وتشريعها كصياغة لائحة تنظيمية يصوغها أهل العلم بعيدا عن العاملين في الجماعة والمتنافسين حول خدمتها.
3- إن من المتفق عليه بين علماء التشريع أن تكون من غايات التشريع تحقيق تداول الإدارة أو تنظيم تداولها، وأن النظرية الديمقراطية إذا عجزت عن تحقيق التداول أحيانا فإن تحديد سنوات الإدارة ومنع تجديدها قد يحد من هذا الخطر، حتى غالت بعض الآراء في هذا الجدل الهادف فلم تسمح لأي نائب أو قائم بالمسئولية أن يجدد ولايته لمرة ثانية حتى ولو أجمع عليه الناس.
وختاما: فإننا بعد هذا العرض -والذي ذكرناه على سبيل المثال- فإننا نقرر أن ترميم اللائحة المشار إليها في البحث أمر يستحيل من الناحية العملية، وأنه يجب إعادة النظر في الأمر بكامله، وإعادة بناء الشكل القانوني لجماعة تأمل الجماهير فيها أن تقودهم إلى النور، مع تحديد فلسفة اللائحة تحديدا عصريا يهدف إلى إعمال الشورى، والبعد عن تركيز السلطات في يد الإدارة.
وما أردت بهذا العرض إلا الإصلاح، والله أعلم بالسرائر {إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ}.
جروب "الإســــــلاميــون" على الفـيس بوك يفتح لك نافذة للإطلاع على أحدث الموضوعات التي تتناول شئون الحركات الإسلامية والطرق الصوفية