كيف تدير مفاصل الدولة العميقة؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كيف تدير مفاصل الدولة العميقة؟


مفاصل الدولة العميقة.jpg

توفيق منصور

( الجمعة, 2 ديسمبر 2016)


لا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء أو العمق في التحليل لمعرفة أن أي ديكتاتور لابد أن يطمئن من وجود أدوات هامة في جعبته، فلن يستطيع أن يتجاوز الدستور والقانون بلا قضاء يزين ويشرعن باطله، ولا يستطيع أن يبطش ويعذب من يعارضه دون شرطة وجيش يسبح بحمده، ولن يجروء أن يلقي بالترهات والنظرة السطحية البلهاء دون جهاز إعلامي يوجه مركزياً لتشوية وتزييف الحقائق.

ولم يكن غائباً عن الجميع بعد ثورة يناير 2011 أن القضاء المصري وعلى رأسه المحكمة الدستورية العليا كان فاعلاً في وأد الثورة بكل مخرجاتها وكانت يأتمر بأوامر مباشرة من قيادة المجلس العسكري ولا نحتاج لسرد الدلائل على أن القضاء كان ومازال من أهم أدوات الديكتاور في مصر، فهذه بلا مبالغة تحتاج لموسوعات قانونية تتناول أعاجيب الأحكام في زمن العسكر، وتأتي الشرطة والجيش كأشد الأدوات بطشاً بعد القضاء، والأمر لا يحتاج إلى خيال فكل يوم نرى ضحية جديدة تدعى اسرتها لاستلام الجثة في صمت، وها هم حراس السجون يتفننون في تعذيب المعتقلين على مسمع ومرأى من الجميع وما أحداث سجن برج العرب منا ببعيد بعدما أطلقوا الغاز الخانق في الزنازين المكدسة بالمعتقلين، وها هو البلتاجي أحد رموز الثورة يدلي بوقائع تفصيلية عن تعذيبه فيكتفي القاضي بالسماع ويصمت دعاة الليبرالية الباكين على حمادة المسحول.

وليس الأمرهنا لتناول جرائم الشرطة والجيش والقضاء، أواستعراض كيف تعمل آلة التدليس الممنهجة عبر وسائل الإعلام أو الحديث عن الصمت القاتل للمجلس المعين من قبل العسكر لحقوق الانسان، ولكن التساؤل الهام الذي يحتاج إلى دراسة تفصيلية هو كيف يتمكن الديكتاتور من تطويع كل هؤلاء؟ وليسمح القارئ بأن أشاركه الإجابة ببعض الأساليب القليلة للتحكم.

ربما كان من أهم اساليب الديكتاتور هو اسلوب تشجيع شيوع الفساد المالي والإداري ليهتف الجميع (يا عزيزي كلنا لصوص)، فإذا تلوثت أيدي الجميع كانت قيادتهم أسلس، وتهديدهم أوقع ولعل مثال فتح قضايا فساد أحمد شفيق لابعاده عن المشهد حتى حين هي من هذا القبيل، لذلك فمن يفضح هذا الفساد يفقد الديكتاتور ورقة من أوراق قوته، وتكمن نقطة ضعف هذه الطريقة من وجهة نظر الحاكم بأمره وجود طائفة تمتنع عن الفساد فضلاً عن محاربته وبالتالي فهي تهرب من بيت الطاعة ويصبح قرارها خارج السيطرة وهؤلاء يجب ابعادهم عن المشهد مهما كلف الأمر (اخرجوهم من قريتكم إنهم قوم يتطهرون)، لذا فمن الطبيعي أن يتم ترشيح الوزراء والمحافظين ورؤساء الأجهزة الحكومية ممن تلوثت أيديهم بالفساد والأكثر فساداً أشد قرباً للمنصب، وما تعيين وزير العدل السابق رغم نشر الأهرام لفساده واستيلائه على الأراضي إلا مثال بسيط على استخدام هذه الأداة.

ولعل من الأساليب التقليدية القديمة والتي يعرفها الجميع للسيطرة هو أسلوب الملفات السرية، التي تحمل جرائم اخلاقية وقد برع العسكر في عهد عبدالناصر في ذلك، ولعل ما روته اعتماد خورشيد عن صلاح نصر مدير المخابرات المصرية أنذاك، وما كان ينفذه ضابط المخابرات صفوت الشريف الذي أصبح وزيراً للاعلام في عهد مبارك يكفي، فسديهات مرتضى منصور المشهورة لا تعد نقطة في بحر الملفات المفتوحة للكثيرين.

وقد يكون أقل الطرق للتحكم والكنترول هو ذهب المعز رغم مفعوله السحري في الولاء والخضوع، وذلك بكثرة العطايا والمكافآت وزيادة الرواتب والانتداب لأكثر من وظيفة صورية لكسب المزيد من المال ولزيادة الحرص على بقاء تدفق النهر، فمن الطبيعي أن تجد زيادات متتالية لرواتب الضباط والقضاة، وضمان وظيفة مدنية مرموقة للضباط المحالين للتقاعد، والسماح لهم بممارسة التجارة والصناعة واعطاء ميزات اضافية تكمن في الاعفاء من الضرائب ومن الرسوم، ومشاركتهم للقطاع المدني في كل المشروعات بحيث ترتبط مصالحهم بصورة مباشرة باستمرار العسكر في الحكم، ثم أسلوب البطش والتهديد والحبس لمن تفشل معه الطرق السابقة.

لاحظ أننا لم نذكر الشعب في كل الطرق السابقة لأن الديكتاتور غالباً لا يرى الشعب ولا يهتم بمعاناته ولا يخاف ثورته ما دام يملك القوة العسكرية ويضمن ولاء وطاعة من يجلس على منصة القضاء، لذا فقد قام النظام الانقلابي بتنفيذ إجراءات تزيد معاناة الشعب من تعويم الجنيه ورفع الدعم عن بعض السلع قبل أيام قليلة من الدعوة لثورة الغلابة، ولم يعبأ بتلك الدعوات، فهل يظل الشعب خارج المعادلة يموت بالبطئ فيكتفي بالانتحار أو التأقلم مع الذل؟ أم يثور على منظومة الفساد ويكسر أدوات الديكتاتور ويفكك دولته العميقة.

المصدر