كلمة المرشد العام في حفل الإفطار 1425هـ

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كلمة المرشد العام في حفل الإفطار 1425هـ

(20-10-2004)

مقدمة

انتصار أكتوبر وعودة الوعي إلى الأمة

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين، سيدِنا محمدٍ، المبعوثِ رحمةً للعالمين.. ورضِيَ اللهُ عن أصحابِه الطيبينَ الطاهرين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، ورحم اللهً مرشدينا وشهداءَنا الذين قدموا أنفسَهم فداءَ لهذه الدعوةِ المباركةِ، فجزاهم اللهُ عنا وعن الإسلام خيرَ الجزاء..

بدءًا بإمامِنا الشهيدِ المجددِ حسن البنا، ومرورا بإمامِ الصابرينَ الصامدينَ حسن الهضيبي، والإمامِ المجددِ عمر التلمساني، والإمامِ المجاهدِ محمد حامد أبو النصر، والإمامِ المربي الصابرِ المحتسبِ مصطفى مشهور، وانتهاءً بأستاذِنا الجليلِ محمد المأمون الهضيبي.. رضي اللهُ عنهم وأرضاهم، وجمعَنا بهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا..

الأخوةُ الكرامُ والأخواتُ الكريمات، تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

فها قد أظلنا شهرُ رمضانَ، هذا الشهرُ المباركُ،. شهرُ الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ من النار، فهنيئًا لمن صامَ نهارَهُ وقامَ ليلَه إيمانًا واحتسابًا، وهنيئًا أيضًا لمن أكثرَ فيه الذكرَ وتلاوةَ القرآنِ والاستغفارَ والدعاءَ، وهنيئًا كذلك لمن أقبل فيه على الطاعاتِ وفعلِ الخيراتِ طمعًا في نَيلِ ثوابِ اللهِ وابتغاءَ مرضاتِه، أسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَه فاتحةَ خيرٍ وبركةٍ علينا جميعًا، وعلى شعبِ مصر، وعلى الشعوبِ العربيةِ والإسلامية.

الأخوةُ والأخوات

وفي هذه المناسبةِِ الجليلةِ، يكون قد مرَّ علينا واحدٌ وثلاثون عامًا من حدثٍ فذٍّ في تاريخِ أمتِنا الحديث، ألا وهو انتصارُ العاشرِ من رمضانَ؛ حيث عبر ضباطُنا وجنودُنا البواسلُ قناةَ السويس وخطَّ بارليف، في اقتحامٍ غيرِ مسبوقٍ في تاريخِ الحروب، ودارت هناك على أرضِ سيناء الحبيبةِ معركةٌ من أشرسِ المعاركِ، استطاع فيها ضباطُنا وجنودنُا أخذَ زمامِ المبادأةِ وتحقيقَ نصرٍ عزيزٍ أعاد لمصر، بل للعربِ والمسلمين، كرامتَهم وإحساسَهم بالعزةِ والثقةِ بالنفس.

ولا شك أنَّ إعدادَ الجبهةِ الداخليةِ آنذاك من حيث حشدِ كافةِ القوى والطاقاتِ تجاهَ المعركةِ، وإطلاقِ الحرياتِ العامةِ، ورفعِ شعارِ العلمِ والإيمانِ، فضلاً عن التكاملِ العربي، كلُّ ذلك كان له أثرُه الحاسمُ في النصر، كما كانت قواتُنا المسلحةُ، قادةً وضباطًا وجنودًا، على أعلى مستوى من الكفاءةِ والقدرةِ والصمودِ والإيمانِ والإحساسِ بالمسئوليةِ، وهم يخوضون معركةً في سبيل العقيدةِ، ومن أجل استردادِ الأرض ِوتحريرِ الأوطانِ، فتحيةً إليهم في هذه الذكرى العطرةِ.

الإخوةُ الأعزاءُ والأخواتُ العزيزات

ها نحن أولاءِ نلتقي اليومَ لننظرَ في أحوالِنا وأحوالِ مجتمعِنا وما تمر به أمتُنا، كما تعودنا أن نفعلَ كل َّعامِ، ليس اجترارًا لما يجيشُ في صدورنا من آلامٍ ومعاناةٍ، ولكن أملاً في شحذِ الهممِ وتقويةِ العزائمِ واستعادةِ الإرادةِ الصلبةِ للخروجِ من النفقِ المظلمِ، وأملاً في أن تستعيدَ مصر عافيتَها وحضورَها ودورَها على المستوى المحليِّ والإقليميِّ والدولي.

وأنتهز هذه الفرصةَ كي أتوجهَ بالتحيةِ لمن شاركَنا لقاءَنا هذا من السادةِ المفكرين والكتابِ والأدباءِ والشخصياتِ العامةِ وممثلي الأحزاب والنقابات، كما أتوجه بالتحيةِ للإخوان هنا وفي كل موقعٍ راجيًا لهم التوفيقَ والسدادَ.

وكنت أود أن يشاركنا هذا اللقاء أخوةٌ أعزاءٌ علينا غيَّبَتهم الأسوارُ عنَّا، لا لشيء إلا لأنهم أصحابُ رسالةٍ ربانيةٍ يدعون إليها بالحكمةِ والموعظة الحسنةِ، لكن أرواحَهم في الحقيقة لم تغبْ عنا، فإليهم أرسلُ خالصَ التحيةِ وأجملَ التهنئةِ بحلول شهرِ رمضانَ المباركِ، سائلاً المولى عزَّ وجل أن يربِطَ على قلوبِهم ويشرحَ صدورَهم، وأن يعيدَهم إلى أهليهم وأولادِهم غانمين سالمين.

الهجمة على الإسلام

الحضورُ الكريم

هجمة صهيوأمريكية على العالم الإسلامي

يواجه العالمُ العربيُّ والإسلاميُّ- وفي القلبِ منه مصر الحبيبةُ- تحدياتٍ شرسةً وضاريةً- ممثلةً في المشروع الأمريكي الصهيوني- الذي يستهدف تركيعَ الأمةِ، وتوهينَ عقيدِتها، وسلخَها من هويتِها، وإفسادَ أخلاقِها، وتذويبَ خصوصيتِها الثقافيةِ، وطمسَ معالمِ تراثِها الحضاريِّ، وليس بخافٍ على أحدٍ أن الإسلام ذاتَه يتعرضُ اليومَ لهجمةٍ عالميةٍ، ومحليةٍ، تحاول أن تستأصلَ شأفتَه وتجتثَّ جذورَه، وحملةٍ تحاولُ أن تربِطَ بينه كعقيدةٍ وشريعةٍ وبين العنفِ والإرهابِ.

وليس أدل على ذلك مما حدث- ولا يزالُ يحدثُ- في أفغانستان والعراق وفلسطين والشيشان وكشمير، وفي أماكنَ أخرى من العالم، وهو ما يتبدَّى أيضًا في الخطواتِ المتسارعةِ نحو تغييرِ المناهج، وتجريدِ النصوصِ القرآنيةِ وأحاديثِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام من كلِّ عناصرِ القوةِ والعزةِ، وتطويرِ الخطابِ الدينيِّ من أجلِ أن تتبنى الأمةُ ثقافةَ الإذعانِ والاستسلامِ وضَياعِِ الهُويةِ!!

وهو ما يظهرُ كذلك في إشاعةِ التحللِ والخلاعة، وتصديرِ الإباحيةِ والشذوذِ، وتبنِّي برامجَ تستخفُّ بالعقولِ، بما يؤدي إلى انحلالِ الأخلاقِ، وانهيارِ العزائمِ، والبعدِ عن القيمِ والمثلِ العليا.

مصر مستهدفة

انفجار فندق طابا

وليس بخافٍ على أحدٍ أيضًا أن هناك من يعملُ على إقصاءِ وتهميشِ مصر، وعزلِها عن القيامِ بدورِها المحوريِّ والإستراتيجيِّ تجاهَ الإسلام وقضايا الأمةِ، ولا شك أن الجمودَ والركودَ وحالةَ الانسدادِ السياسيِّ التي تعانيها مصر، والتي تسببت في تفاقمِ الأزمةِ الاقتصاديةِ الحادة، والتردي الاجتماعيِّ، والتخلفِ العلمي والتقنيِّ والحضاريِّ هو أمرٌ مقصودٌ حتى تنكفئَ مصر على ذاتِها، وتنشغلَ بمشكلاتِها عن دورِها الحضاري.

إن مصر تعاني من فسادِ مالي وإداري، ويكفي أن تذكرَ تقاريرُ الأجهزةِ المختصةِ أن معدلَ جرائمِ الفسادِ في مصر أصبحت صورتُه مخيفةً ومفزعةً داخلَ الأجهزةِ الحكومية، وقد أورد تقريرُ التنميةِ البشريةِ لعام 2004م أن البطالةَ السافرةَ في مصر وصلت إلى 2.8 مليونًا، وأن 6.8 مليونًا من المواطنين لا تصلُهم مياهُ شربٍ نقية، وأن 4.1 مليونًا لا يصلُهم الصرفُ الصحي، ناهيك عن مشكلاتِ التعليمِ والصحةِ والنقلِ والإسكانِ وغلاءِ الأسعار، والفجوةِ في التنميةِ بين الريفِ والحضر، والعجزِ الرهيبِ في الموازنةِ العامة... إلخ.. إلخ.

وهذا كلُّه بسبب نظامِ لا يخضعُ لأيِّ قدرٍ معقولٍ من المساءلةِ السياسيةِ أو القضائيةِ، إضافةً إلى ضَعفِ المشاركةِ السياسيةِ للجماهير، وتزويرِ إرادةِ الشعبِ في الانتخاباتِ العامة، ومصادرةِ نشاطِ الأحزاب، وعرقلةِ الجهودِ التي تقومُ بها مؤسساتُ المجتمعِ المدني.

الإصلاح ضروري

الجمعُ الكريم

أ. عاكف، د. حبيب يعلنان المبادرة

لقد أعلنَّا مبادرةً للإصلاحِ الشاملِ يوم الثالثِ من مارس هذا العام، وتوجهنا بها إلى الشعبِ وإلى التياراتِ السياسيةِ والقوى الوطنيةِ والحكومةِ على أساسِ أن الإصلاحَ مطلبٌ وطنيٌّ وقوميٌّ وإسلاميٌّ، وأنه يجب أن ينبعَ من داخلِنا، لا أن يُفرضَ علينا، وقلنا إن القيامَ بهذا الإصلاحِ لا تقوى عليه حكومةٌ ولا أيةُ قوةٍ سياسيةٍ منفردة، وأن المصالحةَ الوطنيةَ العامةَ التي تؤدي إلى تضافرِ جميعِ الجهودِ وتكاتفِ كلِّ القوى هي فريضةُ الوقت.

إنَّ النهضةَ التي ننشدُها لمصر تبدأ من الاهتمامِ بالمواطنِ المصري من حيث حقِّه في حياةٍ حرةٍ كريمةٍِ تحفظُ عليه إنسانيتَه وكرامتَه، وتجعله فردًا عاملاً منتجًا، وهذا لا يمكن أن يتمَّ إلا من خلالِ الإصلاحِ السياسيِّ الذي يعدُّ بحقٍّ المدخلَ الحقيقيَّ لكافةِ أنواعِ الإصلاحِ، ولا شك أن الحرياتِ العامةَ (من حيثُ حريةِ تكوينِِ الأحزاب وإصدارِ الصحفِ والمجلات) وإيقافِ العملِ بقانونِ الطوارئ، وإلغاءِ كافةِ القوانينَ الاستثنائيةِ المقيدةِ للحريات، وإلغاءِ المحاكمِ الاستثنائيةِ، وإلغاءِ القانونِ 100 لسنة 93 الخاصِّ بالنقاباتِ، والإفراجِ عن كافةِ المعتقلين السياسيين، وضرورةِ تشكيلِ لجنةٍ قضائيةٍ مستقلةٍ للإشرافِ- كليًّا وحقيقيًّا وليس جزئيًّا وشكليًّا- على الانتخاباتِ النيابيةِ التي ستعقدُ عامَ 2005م بدءًا من تنقيةِ جداولِ الناخبين وانتهاءً بالفرزِ وإعلانِ النتائج، أقولُ: هذه هي البدايةُ الحقيقيةُ والواقعيةُ للإصلاح.

الأخوةُ الكرامُ والأخواتُ الكريمات

إن ما يحدثُ في المنطقةِ العربيةِ والإسلاميةِ لا يمكن تجاهلُه أو إغفالُه، أو غضُّ الطرْفِ عنه، لأنه يمَسُّ الأمنَ القوميَّ المصريَّ من ناحيةِ، ولأنه سوف يحددُ مستقبلَ المنطقةِ كلِّها من ناحيةٍ أخرى، ولا يَتصورُ عاقلٌ أن مصر يمكنُ أن تظلَّ بمنأى عما يجري في العراق، أو فلسطين، أو السودان، أو التحرشاتِ التي تتمُّ الآن بسوريا وإيران.

كلنا يعلم أن الإدارةَ الأمريكيةَ قامت في تحدٍّ سافرٍ للقوانينِ والمواثيقِ والأعرافِ الدوليةِ باحتلالِ العراق، وبذلك أعادتْ إلى العالمِ شرعيةَ القوةِ وشريعةَ الغابِ، وفتحت بابًا من أبوابِ الفتنةِ والشرورِ والصراعات، وقد ادَّعت كذبًا حيازةَ العراق لأسلحةِ دمارٍ شامل، ثم زعمت أنها ما اجتاحت العراق إلا لإسقاطِ نظامِ صدام، وإقامةِ الديمقراطية وحمايةِ حقوقِ الإنسان، وإذا بها ترتكبُ في حق الشعبِ العراقي- من شذوذٍ وساديةٍ وعنفٍ وانتهاكاتٍ بشعةٍ لحقوقِ الإنسانِ- ما يَنْدَى له الجبينُ خجلاً، وما يعدُّ وصمةَ عارٍ للحكومتينِ الأمريكيةِ والإنجليزيةِ ومن حالفَهما.

ومنذ اليومِ الأولِ للاحتلالِ تُركت العراق للسلبِ والنهبِ وأعمالِ الفوضى، وقام (بريمر) بحلِّ مؤسساتِ الدولةِ (الجيشِ والشرطةِ) لمزيدٍ من الفوضى، ولتتحولَ الميادينُ إلى ساحاتِ قتلٍ وسلبٍ، وكي يكونَ ذلك ذريعةً لاستمرارِ بقاءِ الاحتلالِ، وحتى تتمَّ الانتخاباتُ القادمةُ- إن أجريت في موعدِها- في ظلِّ قانونِ الطوارئِ الذي يهيئُ لإفرازِ عناصرَ مواليةٍ لأمريكا.

إن جريمةَ الاحتلالِ لا تعدِلُها جريمةٌ أخرى، ومن ثم فنحن مع المقاومةِ العراقيةِ كحقِّ مشروعٍ فرضهُ الإسلام، وكفَلته المواثيقُ والأعرافُ الدولية، ولا زالت تواصلُ قواتُ الاحتلالِ مجازرَها الوحشيةَ، واعتداءاتِها الهمجيةَ، ضد الشعبِ العراقيِّ الذي يتساقطُ أبناؤه بالعشرات يوميًّا في الفلوجةِ وكربلاء والرمادي ومدينةِ الصدر.

وليس من شكٍّ أن الحكومةَ الانتقاليةَ هي حكومةٌ ناقصةُ السيادةِ، وغيرُ قادرةٍ على التحركِ وبسطِ نفوذِها على الشأنِ العراقيِّ بمعزلٍ عن قواتِ الاحتلالِ صاحبةِ السيادةِ الحقيقيةِ والسلطةِ العليا في البلاد، ومن هنا فنحن نطالبُ بخروجِ قواتِ الاحتلالِ فورًا من أرضِ العراق، ونحن على ثقةٍ ويقينٍ من أن الشعبَ العراقيَّ قادرٌ على إدارةِ شئونِه بنفسِه.

فلسطين

الأخوةُ الحضور

وما زالت وحشية الاحتلال مستمرة

وفي فلسطين المحتلةِ يمارسُ العدوُّ الصهيونيُّ أبشعَ الجرائمِ في حق الشعبِ الفلسطينيِّ الأعزلِ من مجازرَ وحشيةٍ واغتيالٍ وتصفيةٍ وإبادةٍ، إضافةً إلى حصارِ الجوعِ والموتِ، وتجريفِ الأراضي وهدمِ المنازل، لقد أدمت قلوبَنَا وهزَّت مشاعرَنا جميعًا صورُ الدماءِ وأشلاءِ الضحايا من الفتياتِ والفتيانِ الفلسطينيينَ الصغارِ في مخيمِ جباليا وشمالِ قطاع غزة نتيجةَ المذبحةِ التي قامت بها قواتُ الاحتلالِ في الأسابيعِ الأخيرةِ، هذا في الوقتِ الذي تقوم فيه الإدارةُ الأمريكيةُ بدعمِه ماديًّا ومعنويًّا في عملياتِه العسكريةِ العُدوانية، وفي حملتِه الانتخابيةِ يصلُ نفاقُ بوش ليهودِ فلوريدا إلى غايتِه حيث أعلن أنه وقَّع بالأمس القريبِ قانونًا جديدًا سيُلزم الخارجيةَ الأمريكيةَ بإحصاءِ الأعمالِ المعاديةِ للساميةِ في أنحاءِ العالم،ِ وتقييمِ موقفِ الدولِ من هذه المسألة، ونقرر هنا أنه لولا عجزُ الحكوماتِ العربيةِ والإسلاميةِ وصمتُ العالمِ وتواطؤه ما أقدمت حكومةُ الكيانِ الصهيونيِ على اعتداءاتِها الوحشيةِ والبربريةِ في حق الشعبِ الفلسطيني.

إن خيارَ المقاومةِ والجهاد هو السبيلُ الوحيدُ لتحريرِ فلسطين واستعادةِ المقدسات، وعلى المقاومةِ ألا تُلقيَ سلاحِها؛ لأنه الضمانةُ الأكيدةُ في مواجهةِ المجازرِ الوحشيةِ التي يرتكبُها العدوُ الصهيونيُّ في حق شعبِ فلسطين، وعلى كل الفصائلِ الفلسطينيةِ أن توحِّدَ جهودَها وتتكاتفَ قواها ضد العدوِّ الصهيوني المحتل.

فإلى شعبِ فلسطين الأبيِّ أوجه إليه من هذا المكان تحيةَ إجلالٍ وإعزازٍ وتقديرٍ على صمودِه وثباتِه وإيمانِه، وإلى فصائلِ المقاومةِ منا كلُّ التحيةِ والإجلالِ، وأقول إنَّ الشعوبَ العربيةَ والإسلاميةَ مطالَبةٌ بأن تقفَ وراءَ الشعبِ الفلسطيني بدعائها ودعمِها، وأيضًا بمقاطعتِها لبضائعِ العدو الصهيوني ومن يقفُ وراءَه، وكذلك برفضِها القاطعِ لكل أنواعِ التطبيع.

وإذا كان الشعبُ الفلسطينيُّ قد قدَّمَ شهداءً، فقد أثخنَ عدوَّه بالجراحِ، لقد سقطَ منه القتلى، وتزعزع استقرارُه، واهتزت نظريتُه الأمنيةُ، وتراجعَ اقتصادُه، والهجرةُ العكسيةُ تسجلُ أعلى معدلاتِها، وصدقَ اللهُ تعالى إذ يقول: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء: من الآية104).

السودان

الأخوة والأخوات

السودان مستهدف

أما ما يخصُّ السودان فقد ثبت من خلال التقاريرِ المنصفةِ والموضوعيةِ التي تقدمت بها الجامعةُ العربيةُ والأممُ المتحدةُ والمنظماتُ الدوليةُ أنه لا توجدُ هناك في دارفور بالسودان أيةُ دلائلَ على وجودِ تطهيرٍ عرقيٍّ أو أعمالِ إبادةٍ أو اغتصابٍ جماعيٍّ..

وكان من الممكنِ أن تظلَّ مشكلةُ دارفور شأنًا داخليًّا خاصًّا بالسودان، لولا البترولُ واليورانيوم الذي أثارَ لُعابَ الإدارةِ الأمريكيةِ، وجعلها تتلمَّظُ شوقًا للسيطرةِ والهيمنةِ ومحاولاتِ التدخلِ عن طريق الزعمِ بحمايةِ حقوق الإنسان! هذا فضلاً عن محاولاتِ تأليبِ الأطرافِ للانقضاضِ على القلب.

نحن نريدُ من الحكومةِ السودانيةِ ومن قوى المعارضةِ أن ترتفعَ فوق الجراحِ أو تصفيةِ الحسابات، وأن تستشعرَ الخطرَ المحدقَ بالسودان وشعبِ السودان ووحدةِ السودان، وأن تدركَ أن المحاولاتِ التي تجري الآن نحو تدويلِ مشكلةِ دارفور- بالإضافة إلى مشكلةِ الجنوب، وما يجري التحضيرُ له الآن في الشرقِ والشمال- هو البدايةُ نحو تفكيكِ السودان وتقطيعِ أوصالِه إلى خمسِ قطاعاتٍ، الأمرُ الذي يستلزمُ حتمًا حشدَ كافةِ القوى، وتجييشَ كلِّ الطاقاتِ والإمكاناتِ حتى يقفَ الكلُّ على قلبِ رجلٍ واحدٍ للحيلولةِ دون ذلك.

وليس هناك من شكٍّ أن ما يحدثُ في السودان يمَسُّ الأمنَ القوميَّ المصريَّ والعربيَّ في الصميم، وهو ما يفرضُ على مصر ودولِ العالمِ العربيِّ والإسلامي أن تقومَ بدورِها، وألا تتراخَى عن القيامِ بمسئولياتِها تجاهَ السودان ودعمِ وَحدتِه وإقالِته من عثرتِه.

الجمعُ الكريم

في النهايةِ أودُّ أن أقولَ إنه لابد من مصالحٍة حقيقيةٍ بين الحكوماتِ والشعوبِ، وضرورةِ أن تكون هناك خطواتٌ جادةٌ نحو الإصلاح، ولتكن الحرياتُ العامةُ هي البدايةَ نحو إقامةِ ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ ضروريةٍ ولازمةٍ لنهضة دولِ العالمِ العربيِّ والإسلامي من ناحيةٍ، ولتمكينِها من التصدي للتحدياتِ الكبيرةِ التي تواجهُها من ناحية أخرى، كذلك أود التأكيدَ على أنه لا يدري أحدٌ ما الذي كان ممكنًا أن يحدثَ لو لم توجدْ المقاومة، سواء في العراق أو في فلسطين؟

إن هذه المقاومةَ تمثلُ في الواقعِ حائطَ الصدِّ الحقيقيَّ، وخطَّ الدفاعِ الأولَ ضد المشروعِ الأمريكي- الصهيوني تجاهَ مصر والمنطقةِ ككل.. لذا من الواجب على الجميع حكوماتٍ وشعوبٍ أن يقوموا بدعمِ المقاومة- ماديًّا ومعنويًّا- وتقديمِ ما يلزمُ لاستمرارِها حتى تتطهرَ الأرضُ وتُستردَّ المقدسات.

ومن هذا المكانِ أعلنُ أمامَكم وأمامَ العالمِ أن الإدارةَ الأمريكيةَ (ومن حالفَها) التي استخدمت الآلةَ العسكريةَ الباطشةَ في تفجيرِ وتدميرِ القرى والمدنِ والمنشآتِ والبنى التحتيةِ لأفغانستانَ والعراق، وما قام به الكيانُ الصهيونيُّ من هدمٍ للبيوتِ وتجريفٍ للأراضي في فلسطين، فضلاً عن الأرواحِ التي أُزهقت والدماءِ التي أُسيلت والإعاقةِ التي حدثت في كلٍّ من هذه البلاد.

أقول: كلُّ هذا هو دَيْنٌ في أعناقِ هؤلاء القتلةِ والمخربين، سوف نطالِبُ به، ولن نتنازلَ عنه؛ لأنه حقٌّ من حقوقِ الشعوبِ بمن فيهم من الأراملِ والثكالى والأطفالِ في أفغانستان والعراق وفلسطين، وأدعو القانونيينَ ومنظماتِ حقوقِ الإنسانِ على المستوى المحليِّ والإقليمي والدولي إلى إحصاءِ هذه الخسائرِ وتقويمِها، ورفعِ دعاوَى بشأنِها أمامَ المحافلِ والمحاكمِ الدوليةِ واعتبارِها جرائمَ حربٍ يجب أن يُحاسَبَ عليها مرتكِبوها.

وفي الختامِ أشكر لكم حضورَكم ومشاركتَكم هذا اللقاء، حمى اللهُ مصر وشعبَها وحمى الأمةَ العربيةَ والإسلاميةَ، ورفعَ لواءَها وخذَّل أعداءَها، وكلُّ عام وأنتم بخير، وتقبلَ اللهُ منا ومنكم الصيامَ والقيام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر