كلمة الأستاذ الهضيبي في جنازة الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
كلمة الأستاذ الهضيبي في جنازة الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله


بقلم : المستشار مأمون الهضيبي

بسم الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أيها الإخوان الكرام:

لقد استودعنا وديعة عزيزة علينا عصر ذلك اليوم حين شيعنا جثمان قائدنا وأخينا وأستاذنا الأستاذ مصطفى مشهور إلى مثواه الأخير في هذه الدنيا، ويحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا ما يرضي الرب وكما علمنا رسولنا الكريم إنا لفراقك يا مصطفى لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... فلعلنا ندرك الحكمة من تشييع الجنازات، وإتي أعتقد أن الحكمة من تشييع الجنازة هي العبرة والعظة وكفى بالموت واعظًا، وأن كل نفس ذائقة الموت، وإننا اليوم نشيع حبيب من أحبابنا، وغدًا سيشيعنا أحبابنا وأصدقائنا، فهي أيام دول وساعات متواعدة ولن يخلد في هذه الأرض أحد (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.

رحم الله فقيدنا وحبيبنا الغالي، لقد أدرك عبرة هذه الحياة الدنيا وإن الدار الآخرة هي الحيوان، فالآخرة هي النعيم الحق لمن أخلص الإيمان لربه وعمل في دنياه لآخرة يرتضيها الإله، فمنذ بدأ الابتداء عرف مصطفى مشهور الحق، ولزم جماعة الإخوان المسلمين ورضيها هو ومجموعة من الأخوة يتعاونون على إحقاق الحق وإقامة شرع الله في هذا البلد العزيز، إلى أن لقي زوجته في أول ليلة من دخوله بها أخبرها أن لها ضرة فاستغربت الفتاة وهي بعد لم ترى زوجها فسرعان ما أخبرها أن ضرتها هي دعوة الإخوان المسلمين.

إن هذه الدعوة يفوق حبه لها أي شيء آخر وكانت الفتاة مؤمنة طاهرة عاقلة فرحبت وجندت نفسها رحمها الله وأجزل لها العطاء بأن تقف مع زوجها في الطريق المستقيم وتتعاون معه فيما يلقاه فكانت نعم الزوجة الوفية.

أقول هذا لكي يعلم الناس أن مصطفى مشهور من بدأ حياته منذ أكثر من ستين سنة جاهد في سبيل الله مخلصًا مؤمنًا متقينا لم يتزحزح عن الطريق قيد أنملة لم يلتفت لأي جرائد أو أي جهات، بقي صامد على الحق لم يتلكأ وهو فتى يافع.

بعد أن خرج من السجن بعد ثلاث سنوات قضاها في سبيل الله، علم أن الثورة تعادي الإسلام والإخوان المسلمين وبدون أي ذنب اقتادوه لمحكمة عسكرية حكمت عليه بعشر سنوات ظلمًا وبهتانًا، خرج منها ليجد قرار جمهوري يقضي باعتقال كل من سبق اعتقاله وهكذا أصبح في السجن لعشر سنين أخرى، ماذا يفعل ظل على منهج [الإخوان المسلمين] مرة أخرى بعد أن تشتت أعضاؤها إثر الاعتقالات التي استمرت قرابة ثمانية عشر عامًا وسرعان ما قامت الجماعة على أقدام ثابتة وعلى إخلاص وعمل صالح لرفع راية الإسلام ورفع شعار أن الإسلام هو الحل وأن الحكم لله لا حكم غيره ولا شريعة غيره، هذه هي السعادة فمن كفر بالآخرة فلن يسعد بالدنيا فهذه الأنظمة المهترئة التي اخترعها الناس لا تسعد أحد، أما شريعة الله التي أنزلها لتحكم البشر فهذه الحياة كلها الأرض والسماء شرعت على الحق والعدل والإحسان (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

وعادت جماعة الإخوان بفضل جهد الأستاذ مصطفى مشهور وعمر التلمساني والدكتور أحمد الملط وغيرهم من الأخوة الكرام الذين وهبوا أنفسهم لله والعمل على إعلاء كلمة الله وإقامة شريعة الله في أرضه ولو كفر الكافرون ولو كره الحاقدون لقد لقوا ما لقوا من العنت والحكومات الفاسدة فلم يرهبهم شيء ولم يبخلوا بجهد وهكذا صار مصطفى مشهور على الدرب بأقدام ثابتة لا يتزحزح ولا يتغير.

أيها الأخوة الكرام: نحن نعرف من هو ومصطفى مشهور عاشرناه في السراء والضراء فما وجدنا فيه غير الرجل الطيب، النافع، المتعفف، الطاهر، طاهر اليد، طاهر اللسان، طاهر الصدر، طاهر الكلمة، موطأ الأكناف، يحب إخوانه ويحنو عليهم، أب كريم، وأخ كريم، لا يعادي أحد، ولا يحمل ضغينة لأحد، ليس له هم لهذه الدنيا في شيء إلا إرضاء الله.

هكذا عهدناه هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحد، ولا يستطيع أحد أن يتحمل ستين سنة يتصنع فيها لذلك نحسبه صادقًا أمينًا ثابتًا على اليقين قوي الجناد، سار على الدرب دون خشية ودون خوف إننا نستبشر خيرًا حتى في وفاته وكلنا يعلم قصة وفاته، قد كان في ذلك اليوم الأخير في مكتبه بالإخوان ولما انتهى الأمر عاد إلى بيته أكل طعامه ثم نام، وقبل الوقت المفروض دخلت ابنته لتوقظه فوجدته ملقى على الأرض في غيبوبة إذن أصيب بالجلطة الدموية قبل وقت العصر، وبدأت اتصالات تليفونية من ابنته ثم عادت إليه فوجدته قاعد سليم معافى يطلب الوضوء حاولت أن تثنيه وأن تجعله يصلي في البيت فرفض، وقام وتوضأ وتوجه للمسجد وأدى تحية المسجد وصلى الفريضة ولما قام ليأخذ حذاءه سقط على الأرض.

لقد بعث لكي يموت في المسجد فهذه آية وبشرى ونحسبه كذلك وهو ويستحقها وإننا كلنا نتمنى أن نلقى الله ونحن في الصلاة أو في المسجد في بيت من بيوت الله (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وهكذا عاش مصطفى مشهور ومات على ذكر الله، فبشراه إن شاء الله بشراه.

ندعو الله له اللهم تقبله من عبادك الصالحين، اللهم تقبله من عبادك الصالحين، اللهم تقبله من عبادك الصالحين، اللهم تقبله في العليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا وذلك هو الفوز العظيم، اللهم اغفر له ذنوبه كلها، اللهم اغفر له وأدخله الجنة وجازيه خيرًا عما قدم وزد عليه من فضلك، فهو عبدك ابن عبدك وابن أمتك، فإنا نحسبه مؤمنًا ولا نزكي على الله أحد، اللهم تقبله.

شكر الله لكم أيها الأخوة حسن عزائكم وصالح أعمالكم وتقبل صالح دعائكم، وسبحان من له الأمر أولاً وأخيرًا وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر