كرة المفاوضات بين ملعبين
2010-08-04
بقلم : محمد السودي
اثر اجتماع لجنة المتابعة العربية المنبثقة عن مجلس وزراء الخارجية العرب بناء على طلب فلسطيني بعد تسلم قيادتها رسالة امريكية واضحة تطالبها بالانتقال الى المفاوضات المباشرة دون شروط كما يحلو لهم تسميتها ، قيل الكثير عن اجتماعات هذه اللجنة وفي الحقيقة لم يتنبأ احد ان تخرج بنتائج غير متوقعه في ظل الواقع الراهن اذ كان من الطبيعي ان يتوحد الموقفين العربي والفلسطيني في مواجهة الضغوطات الامريكية التي اضحت اوروبية دون استثناء يعززها طلب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون هذه المواقف بمجملها تبنت الطلب الامريكي الإسرائيلي الداعي للانتقال من المفاوضات غير المباشرة الى مفاوضات مباشرة دون احداث اي تقدم يذكر في عملية متطلبات الانتقال بما سمي محادثات التقريب ، اي تنكر ادارة اوباما وتخليها عن رؤيتها لاستئناف عملية التسوية على اساس الضمانات التي قدمتها القيادة الفلسطينية بضرورة وقف الاستيطان والاجراءات الاستفزازية في القدس واحداث تقدم ملموس في مسألتي الحدود والامن والمرجعية ، ولكن حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة " حكومة الاستيطان " رفضت تلبية اي ٍ من هذه المطالب واعتبرتها شروط مسبقة ، ومن الطبيعي ايضا ان يقوم الراعي الامريكي والمجتمع الدولي بممارسة الضغط على حكومة الاحتلال وليس على الطرف العربي والفلسطيني ولكن ما الذي حصل؟ تحركت مجموعات الضغط اللوبي الصهيوني في مجلسي النواب والشيوخ الامريكييين لانقاذ حكومة الاحتلال التي ساءت سمعتها كثيرا اثر اقتحام جيشها لاسطول الحرية ، وبدا الأمر تصفية حسابات داخلية امريكية على عتبة الانتخابات النصفية التكميلية للمجلسين ، وما كان من ادارة اوباما سوى التخلي عن تعهداتها المعلنة تجاه عملية التسوية في المنطقة واختارت اهون السبل بتوجيه اقصى الضغوط على الطرف العربي والفلسطيني من اجل الانتقال الى المفاوضات المباشرة ارضاء ً للشريك الاستراتيجي الذي يتباهى بانتصاره على ادارة اوباما وفرض املاءاته وشروطه في ظل استمرار العدوان والاستيطان وفرض وقائع ميدانية تغير جغرافية مدينة القدس كما يطال التغيير الواقع الديمغرافي من خلال مجموعة من اجراءات التطهير العرقي بحق المواطنين وممتلكاتهم وبذلك تؤكد الادارة الامريكية ان إسرائيل دولة فوق القانون الدولي يحق لها مالا يحق لغيرها ، وبالتالي تثبت للجميع ان لا مصداقية للادارة الامريكية ولا يمكن ان يكون لها دور متوازن ازاء عملية التسوية عند تعلق الامر بإسرائيل .
مما لاشك فيه ان اجتماع لجنة المتابعة العربية الذي انعقد في القاهرة كان يمكن ان يشكل فرصة استثنائية للوقوف في مواجهة الاستخفاف بالمصالح القومية والحقوق العربية الضائعة في متاهة الصراعات الثانوية والتمسك بهذه الحقوق وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في الحرية وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس وفقا لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، ولأن الامر على هذه الدرجة من الاهمية التي وصلت حد التهديد والوعيد كان ينبغي دعوة مجلس وزراء خارجية الدول العربية على اقل تقدير ان تعثرت الدعوة إلى قمة طارئة ، لاستعادة الدور العربي المؤثر والمفقود بدلا من ان يحل محله اطراف اقليمية اخرى تتبنى مطالبه وتدافع عن مصالحه ربما لتحسين مواقع هذه الاطراف على الخريطة الدولية ، ولكن العرب اختاروا ان يلقوا كرة المفاوضات العقيمة في الملعب الفلسطيني عوضاً عن حمايته وتحصينه ، وهكذا يتّضح من جديد شدة الوهن في الجسد العربي الذي يبحث باستمرار عن سلامة رأسه تجسيدا لمفهوم " انا ومن بعدي الطوفان " .
ان الرسالة التي وجهتها لجنة المتابعة العربية الى الرئيس اوباما والتي تؤكد فيها على متطلبات استئناف المفاوضات المباشرة لم تغير من الموقف الامريكي الاسرائيلي شيئا ، وسيذهب الجميع الى مفاوضات مباشرة ربما لإكتفاء بوعود شفهية امريكية لحفظ ماء الوجه لم يكن مصيرها افضل من مصير الوعود السابقة ، وعلى القيادة العربية والفلسطينية ان يستعدوا لبناء استراتيجية بديلة عن استراتيجية الدوران في حلقة مفرغة ، لايمكن الاستمرار بسياسة الهروب الى الامام بمنح الادارة الامريكية المزيد من الفرص ونزع القناع عن وجه نتنياهو كما يحلو للبعض تبرير مواقفهم .
ليس امام فصائل العمل الوطني الفلسطيني متسع من الوقت وعلى الجميع التخلي عن خطابات الترف ازاء استعادة الوحدة الوطنية لان ترتيب البيت الداخلي هو الخطوة الاولى الضرورية لمواجهة مخططات الاحتلال الرامية الى شطب الحقوق الفلسطينية لا يوجد هناك رابح من وراء الانقسام والانفصال هذه الخطوة ضرورة لا بد منها قبل مطالبة العرب والمجتمع الدولي بالوقوف الى جانب الحقوق الفلسطينية ، مَن صَنَعَ الانقسام ومن يستفيد منه هو الاحتلال ، الاحتلال الذي لم تغمض له عين قبل تهويد القدس ومصادرة الاراضي واقامة جدار الفصل العنصري وتقطيع اوصال الاراضي الفلسطينية ، الامر المحزن أن يقف النخبة من شعبنا وقيادة فصائله امام وسائل الاعلام والفضائيات المنتشرة كالنار في الهشيم عاجزة عن الاقناع بماذا ستفعل في مواجهة كل هذه التحدّيات ،ولا تجد سوى كيل الاتهامات لهذا الطرف او ذاك وكأن الامر قل كلمتك وامشي ، ان شعبنا الفلسطيني مطالب اليوم بتشكيل اداة ضغط هائلة في وجه الانقسام ويتطلب ايضا تصعيد المقاومة الشعبية للاحتلال وتعزيز الصمود على ارض الوطن ، بدون ذلك على الجميع البحث عن طريقة ناجعه لإعادة الكرة إلى الملعب العربي من جديد ، وفي حال استمرار هذه الدورة بعد وقت قصير لم يتبقى شيء يمكن التفاوض بشأنه ، عندها فقط سيتحول الجميع إلى متلقي مساعدات إنسانية ، وبالتالي ضياع الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال والعودة .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية