كارثة مضاعفه
لتقرير الخطير الذي نشرته صحيفة «هاآرتس» في 18 /9 الجاري، تضمن معلومات أخرى عن مدى تغول الاسرائيليين وانتشارهم في منطقة الخليج، وكنت قد تحدثت أمس عن وجود اعداد كبيرة من جنرالات الجيش والاستخبارات المتقاعدين في مختلف المجالات المتعلقة بالأمن والتدريب العسكري في الدول الخليجية، وبعض هؤلاء من مجرمي الحرب والقتلة الذين ادانتهم المحاكم الاوروبية، في حين انهم جميعا يعملون بالتنسيق مع القيادة العسكرية في اسرائيل، ولكن ذلك يعد وجها واحدا للحضور الاسرائيلي في الخليج.
وهناك أوجه أخرى كشف النقاب عنها تقرير الصحيفة الاسرائيلية، منها ان الشركة الدولية السويسرية (AGT)، التي أسسها ويديرها رجل الاعمال الاسرائيلي الأميركي ماتي كوخافي فازت اخيرا بعقد تصل قيمته الى مئات الملايين من الدولارات لبناء مشروع كبير لمصلحة جهاز الأمن الداخلي في احدى الدول الخليجية، وأشارت إلى ان شركة AGT (اختصار لآسيا جلوبال تكنولوجيز) فازت بعقود انشاءات أخرى كبيرة يفترض ان تنفذ لصالح تلك الدولة، وبحسب الصحيفة فإن العقد وقع بين ممثلي جيش الدولة الخليجية، وممثلي الشركة التي تقدم استشارات في مجال الدفاع عن الحدود والمنشآت الاستراتيجية في البحر (حقول النفط)، ويشارك فيها خليط من خبراء تخصصات الحراسة والاستخبارات والدفاع.
وقد اكدت «هاآرتس» ان شركة AGT تستدعي العشرات من الضباط الذين خدموا في الجيش الاسرائيلي واستقالوا من الجيش، بالاضافة الى كبار المسؤولين السابقين في الصناعات الجوية وفي جهازي الموساد والشاباك (المخابرات الداخلية)، والملاحظة الجديرة بالذكر في هذا الصدد ان الشركة المذكورة تعمل بتنسيق وتوجيه كاملين من قبل وزارة الحرب الاسرائيلية، وهو ما ذكرته الصحيفة صراحة، مشيرة الى ان مدير الشركة كوخافي اسرائيلي الجنسية، لكنه انتقل للسكن في الولايات المتحدة، وجمع ثروته من الاشتغال في مجال العقارات، وفي السنوات الأخيرة خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دخل الرجل الى مجال الامن الداخلي، واقام علاقات مع اجهزة الامن في إسرائيل، وبدأ بتشغيل المسؤولين السابقين في الاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وقبل عدة سنوات تعهد بإقامة جامعة راقية في النقب على الحدود بين إسرائيل والأردن، بدعوى اسهامه في تشجيع عملية السلام بين الدول العربية وإسرائيل.
ما يقلق الاجهزة الامنية الاسرائيلية في الوقت الراهن هو خشيتها من ان يقوم حزب الله باختطاف عدد من الجنرالات العاملين في الخليج، انتقاما لقتل القائد العسكري عماد مغنية على يد عملاء الموساد في دمشق، وفي اشارتها الى هذه النقطة ذكرت «هاآرتس» ان الجيش الاسرائيلي وجه في الآونة الأخيرة تحذيرات بهذا الخصوص الى عدد من الجنرالات العاملين في الخليج، لكن احدا منهم لم يعد الى إسرائيل.
هذه المعلومات الخطيرة تحتاج الى تدقيق للتثبت من صحتها، ومن ثم تحديد حجم الاختراق الاسرائيلي لدول الخليج. ذلك ان اولئك الجنرالات الذين لايزالون يعملون بالتنسيق مع قيادة الجيش الاسرائيلي ليسوا من فاعلي الخير، ولا يقدمون «استشارات» فحسب، ولكنهم موجودون في قلب الاجهزة الامنية الخليجية، ومن السذاجة ان نعتقد انهم لا يقومون بمهمة استخبارية لمصلحة بلدهم، حيث من الطبيعي ان يؤدوا هذا الدور، اذا لم تكن تلك مهمتهم الاساسية، واذا صح ذلك كله، فمعناه اننا بإزاء اختراق وغزو استخباراتي اسرائيلي لمنطقة الثروة النفطية في العالم العربي، يشكل في ذات الوقت تهديدا لا ينبغي تجاهله للامن القومي العربي.
معلومات من هذا القبيل، نشرتها الصحيفة الاسرائيلية، يفترض ان تحدث صدمة في الخليج والعالم العربي، تستنفر مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية عند الحد الادنى، لكن لا أكاد أرى شيئا من هذا القبيل، فقد تجاهلت وسائل الاعلام العربية التقرير الخطير، واغمضت العواصم العربية اعينها عن محتواه، الامر الذي يضاعف من الكارثة ويعمق من شعورنا بالخزي والعار.