قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض

إسلاميات - الدليل والبرهان

مقدمة

خطأ في إنشاء صورة مصغرة: الملف مفقود
الداعية سعيد حوى

... ومن خصائص هذا القرآن التي تشير إلى ربانية مصدره ، ما أشار إليه القرآن بقوله :

... {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} . {لَّاكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي? أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} .

... لقد أخبر الله في الآية الأخير أنه سيكشف للناس خفايا هذا الوجود ، ودقائق هذا الإنسان وأن الكشف فيه دليل صادق على أن القرآن حق ، إذ ما سيعرفه الإنسان سيطابق ما في القرآن وهذا لا يكون إلا إذا كان منزل القرآن هو الله العالم بأسرار السماوات والأرض ولئن كانت الآية الأخيرة نبوءة كاملة في حد ذاتها ، تحققت بما كشف الإنسان حتى الآن فإن ما سنذكره من أمثلة سيكون برهاناً كاملاً على نسبة القرآن لله جل جلاله

... لقد تحدث القرآن بلغة واضحة عن كثير من القضايا الكونية ، مما لم يكن معروفاً قطعاً قبل أربعة عشر قرناً في أي مكان من العالم ، فضلاً عن أن يكون معروفاً وفي جزيرة العرب حيث الأمة الأمية ، التي كانت معارفها عن الكون محدودة وسطحية ، فكان حديث المحيط بسر كل شيء . ولكما تقادم الزمان أكثر ظهرت دقة القرآن أكثر . فيصبح الإنسان أمام الحقيقة التي لا شك فيها أن خالق الكون ومنزل القرآن واحد ، الله رب العالمين ، وهذه أمثلة وفي القرآن المزيد لمستزيد :

== ... أ – قال الله تعالى :

... {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ} النحل 66 . ==

... يقول العلم اليوم إن الحليب قبل أن يصبح في الثدي ، يمر على عمليتي تصفية . الأولى تصفيته من الفضلات وذلك بعد الهضم ونزول السائل الحليبي إلى الأمعاء ، إذ تقوم الزغيبات المعوية بامتصاص المواد الغذائية طارحة إياها في الدم ومبقية الفضلات في المعدة حيث تطرح خارج الجسم . وأما المواد الممتصة التي طرحت في الدم فإن قسماً منها يغذي جسم الكائن الحي ، وقسماً آخر تصفيه الغدد اللبنية من الدم وترسله إلى الضرع حليباً خالصاً سائغاً للشاربين .

... إذن قال العلم هذا الحليب يصفى أولاً من الفضلات ثم من الدم .

... وقال القرآن { مِن بَيْنِ فَرْثٍ } والفرث هو الفضلات { وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً ... } .

... وهذه الحقيقة العلمية التي يذكرها القرآن هنا عن خروج اللبن من بين فرث ودم لم تكن معروفة لبشر وما كان بشر في ذلك العهد ليتصورها فضلاً عن أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة ، وما يملك إنسان يحترم عقله أن يماري في هذا أو يجادل ، ووجود حقيقة واحدة من نوع هذه الحقيقة ، يكفي وحده لإثبات الوحي من الله بهذا القرآن .

== ... ب - قال تعالى :

... {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ} الأنعام 125 . ==

... " منذ اكتشاف الطبقات العليا من الجو بفضل الطيران والبالونات ، استطعنا أن ندرك ظاهرة كونية تنتج عن نقص أوكسجين الهواء في طبقات الجو العليا ، إذ يشعر الصاعد في هذا العلو ببعض الصعوبة في التنفس ويحس بالضيق ، والآية القرآنية صرحت بأن من يرتفع في السماء يشعر بعوارض الضيق ، ولذلك يستعمل الطيارون الذي يصعدون إلى الارتفاعات العالية أجهزة التنفس الصناعية حتى يتفادوا هذه الحالة ولقد لفتت هذا الظاهرة نظرة هواة التسلق حتى قبل ارتياد الطبقات الجوية العليا . ويلاحظ أن الآية لم تعبر عن لفظ الصعود في الجبال بل عبرت عن الصعود في السماء . كما أن بلاد العرب ذات سطح منبسط وصحارى ممتدة وليس فيها جبال عالية بحيث يأخذ الساكن فيها فكرة عن تسلق الجبال وما يشعر المتسلق فيها من ضيق " .

== ... ج – قال تعالى :

... {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات : 49 . ==

... وقال : {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَق الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} يس : 36 .

... القاعدة في اللغة العربية أن ( كل ) إذا أضيفت إلى معرفة عممت أجزاءها وإذا أضيفت إلى نكرة عمت أفرادها ، وفي الآية الأولى أضيفت ( كل ) إلى نكرة لذلك تعمم جميع الأشياء .

... يقول صاحب ظلال القرآن " وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض وربما في هذا الكون ، إذ إن التعبير لا يخصص الأرض قاعدة الزوجية في الخلق وهي ظاهرة في الأحياء ولكن كلمة شيء تشمل غير الأحياء أيضاً ، والتعبير يقرر أن الأشياء كالأحياء مخلوقة على أساس الزوجية ، وحين تتذكر أن هذا النص عرفه البشر منذ أربعة عشر قرناً وأن فكرة عموم الزوجية حتى في الأحياء لم تكن معروفة حينذاك فضلاً على عموم الزوجية في كل شيء حين نتذكر هذا نجدنا أمام أمر عجيب عظيم وهو يُطلعنا على الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكرة كل التبكير .

... كما أن هذا النص يجعلنا نرجح أن البحوث العلمية سائرة في طريق الوصول وهي لا تكاد ...

... إن بناء الكون كله يرجع إلى الذرة وأن الذرة مؤلفة من زوج من الكهرباء موجب وسالب .

== ... د – قال تعالى :

... {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُو?اْ أَشُدَّكُمْ} الحج : 5 . ==

... وقال : {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} المرسلات : 20 ، 23 .

... وقال : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } المؤمنون : 12 – 14 . وقال : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} العلق : 22 .

... " يتم الإخصاب بين الحيوان المنوي للرجل وبويضة المرأة في أعلى القناة الواصلة بين المبيض والرحم ، فيبدأ الجنين خلية واحدة ولكن الإنسان كله بكل عناصره وخصائصه يكون مختَصراً في تلك الخلية الواحدة ، ثم تنحدر في اتجاه الرحم مستغرقة في رحلتها ما يقارب الأسبوع ، تكون خلاله قد تكاثرت حتى أصبحت كتلة من الخلايا تلتصق هذه الكتلة بجدار الرحم فتنهشه ربما بواسطة أنزيمات معينة حتى تعلق به كنقطة صغيرة تتغذى على دم الأم ، وليس أدق من كلمة العلق في وصف شكل ونشاط الجنين في هذه المرحلة ثم تأخذ هذه العلقة في النمو ، وتأخذ خلاياها في التنوع ، ويكون شكلها مستديراً بغير انتظام ، وتبقى كذلك بضعة أسابيع يكون الدم فيها في ( برك ) صغيرة لا في شرايين محددة ، إن شكلها لا يختلف عن شكل قطعة من اللحم الممضوغ وإن كان طولها لا يتعدى بضعة مليمترات .

... ثم ينشأ طراز من العظم أكثر شفافية وأقل صلابة وأشد رخاوة من العظم العادي هو الغضروف الذي تترسب حوله مادة العظم فيما بعد ، وتنشط الخلايا في كافة أجزاء المضغة مكونة الأنسجة والأجهزة التي تكسو العظام المتكونة لحماً " .

... وهنا يقف الإنسان مدهوشاً أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيراً بعد تقدم علم الأجنة التشريحي . وذلك أن خلايا العظام هي التي تتكون أولاً في الجنين ، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا العظم ، وتمام الهيكل العظمي الغضروفي للجنين . وهي الحقيقة التي يسجلها النص القرآني { مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} فسبحان العليم الخبير .

.. في كل المراحل السابقة لا توجد فروق بين جنين الإنسان وجنين الحيوان ولكن ما أن يوشك الشهر الثاني للحمل على الانتهاء حتى تتضح الخصائص الإنسانية لهذا الجنين فإذا به خلق آخر ...

... إن الجنين الإنساني مزود بخصائص معينة هي التي تسلك به طريقه الإنساني فيما بعد ، وهو ينشأ { خَلْقاً آخَرَ } في آخر أطواره الجينية بينما يقف الجنين الحيواني عند التطور الحيواني لأنه غير مزود بتلك الخصائص . ومن ثم فإنه لا يمكن أن يتجاوز الحيوان مرتبة الحيوانية فيتطور إلى مرتبة الإنسان تطوراً آلياً كما تقول النظريات المادية ، فهما نوعان مختلفان اختلفا بتلك النفخة الإلهية التي بها صارت سلالَةٌ من الطين إنساناً . واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص المعينة الناشئة من تلك النفخة التي ينشأ بها الجنين الإنساني خلقاً آخر ، إن الإنسان والحيوان يتشابهان في التكوين الحيواني ، ثم يبقى الحيوان حيواناً في مكانه لا يتعداه ، ويتحول الإنسان خلقاً آخر قابلاً لما هو مهيأ له من الكمال بواسطة خصائص مميزة وهبها له الله عن تدبير مقصود لا عن طريق تطور آلي من نوع الحيوان إلى نوع الإنسان {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }.

... وإن الناس ليقفون دهشة أمام ما يسمونه " معجزات العلم (1) " حين يصنع الإنسان جهازاً يتبع طريقاً خاصاً في تحريكه دون تدخل مباشر من الإنسان . فأين هذا من سير لجنين في مراحله تلك وأطواره وتحولاته ، وبين كل مرحلة ومرحلة فوارق هائلة في طبيعتها وتحولات كاملة في ماهيتها ؟

... غير أن البشر يمرون على هذه الخوارق مغمضي العيون مغلقي القلوب . لأن طول الألفة أنساهم أمرها الخارق العجيب ، وأن مجرد التفكير في أن الإنسان هذا الكائن المعقد كله ملخص وكامن بجميع خصائصه وسماته وشياته في تلك النقطة الصغيرة التي لا تراها العين المجردة ، وإن تلك الخصائص والسمات والشيات كلها تنمو وتتفتح وتتحرك في مراحل التطور الجنينية حتى تبرز واضحة عندما ينشأ خلقاً آخر . فإذا هي ناطقة بارزة في الطفل مرة أخرى . وإذا كان الطفل يحمل وراثاته الخاصة فوق الوراثات البشرية العامة . هذه الوارثات وتلك التي كانت كامنة في تلك النقطة ..

... إن مجرد التفكر في هذه الحقيقة التي تتكرر كل لحظة لكافٍ وحده أن يفتح مغاليق القلوب على ذلك التدبير العجيب الغريب .

... كل هذا يتم في القرار المكين الذي هو الرحم وأن من يدرس تشريح الرحم وموضعه المكين الأمين في أسفل بطن المرأة ويرى ذلك الوعاء ذا الجدار العريض السميك ، ثم يرى هذه الأربطة العريضة ، والأربطة المستديرة ، وهذه الأجزاء من البريتون التي تشده إلى المثانة والمستقيم ، وكلها تحفظ توازن الرحم وتشد أزره وتحميه من الميل أو السقوط . تطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل ، وتقصر إلى طولها الطبيعي تدريجياً بعد الولادة . إن من يدرس كل ذلك يعرف تكوين الحوض وعظامه يعرف جيداً صدق قوله تعالى :

... { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} المؤمنون : 13 .

(1) لا يجوز إطلاق المعجزة إلا على الأمر الخارق للعادة الذي يجري على يد الرسل بقدرة الله .

... هـ - {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} الحجر : 22 .

... {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} النور : 43 .

... " إن العوامل المسببة للأمطار محورها الكهربائية الجوية وقد أشير إليها إشارات واضحة كما سنرى في هاتين الآيتين ، كما ضمت الآيتان معاني أخرى .

... لقد كان الناس قبل يحملون وصف الرياح " باللواقح " على أنها لواقح للزرع والشجر وهذا منهم إغفال للنصف الثاني من الآية . إذ لو كان ما ذهبوا إليه هو المراد لترتب عليه إزكاء الزرع وإخراج الثمر للناس يأكلونه لا إنزال الماء من السماء يشربونه ، أما وقد رتب الله على إرسال الرياح لواقح إنزال الماء من السماء يسقاه الناس فقد تحتم أن يكون "" للواقح " معنى آخر غير معنى تلقيح الزرع ويكون مع ذلك – من ناحية – شبيهاً بلقاح الأحياء من زروع وحيوان ، ومن ناحية أخرى يكون بينه وبين نزول الماء ما بين العلة والمعلول ، أو السبب والمسبب ، وما عليك الآن إلا أن تتذكر بعض الحقائق العلمية حتى ترى سر الإعجاز في الآية :

... إن تكاثف السحاب مطراً أثر عن الكهربائية ، إذ من السحاب ما كهربائيته سالبة ، ومنه ما كهربائيته موجبة ، والرياح هي أداة اتحاد أنواع السحب حتى يتكون المطر . وهذا هو المراد كما هو ظاهر في الآية من وصف الرياح بأنها لواقح .

... فالملاقحة هنا بين قطيرات أو بين سحاب وسحاب والشبه تام بين التلقيح الكهربائي والتلقيح النباتي ، فكما تتحد الخليتان في حالة التلقيح النباتي لتنشأ بعد ذلك خلية واحدة لها غير خواص الخليتين الأصليتين فكذلك في حالة اتحاد سحاب وسحاب إذ ينشأ عنها برق ورعد ومطر ، إذ ينزل المطر كأثر عنه التفريغ الكهربائي السحابي . ... فآية الحجر تلك هي مظهر من مظاهر الإعجاز المتجدد للقرآن لأن تلاقح السحاب وأثره في نزول المطر أمر كان يجهله الإنسان حتى كشف عنه العلم الحديث .

... ثم زادت آية النور الإعجاز {سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} فإن التأليف بين السحاب ما هو إلا إشارة واضحة بل وصف دقيق للتقريب بين السحاب المختلف الكهربائية حتى يتجاذب ويتعبأ في الجو تعبئة تتفق مع ما سيخلق من برق وصواعق ومن مطر أو برد .

... فإذا كان السحاب المتجاذب بعضه فوق بعض نشأ السحاب الركام عظيماً ، فإذا حدث التفريغ داخل السحاب بين بعض تلك الطبقات وبعض – كما هو الغالب – نزل المطر الناشيء عن التفريغ من خلال الطبقات الدنيا ، وتكبر قطراته أثناء نزولها بما تستلحقه من القطيرات وهو الودق ، فإذا بلغت الحالة الجوية الكهربائية في ذلك السحاب الركام من القوة والاضطراب ما يسمح بوقوع تلك الظاهرة الغريبة ظاهرة تردد بلورات الماء بين منطقتين ثلجية علوية ومطرية سفلية تكون البرد ونما حتى يصير أثقل من أن يظل في أسر تلك القوى فيسقط على الأرض والإنسان لا يعرف كثيراً عن الظروف التي يتكون فيها البرد ولكنه يعرف أنها ظروف يسودها اضطراب جوي عظيم . هذا الاضطراب قد أشارت إليه الآية وإلى طبيعته إشارتين :

... الأولى : حين شبهت السحاب الركام الذي يتكون البرد داخله بالجبال . ومشهد السحاب كالجبال لا يبدو كما يبدو لراكب الطائرة وهي تعلو فوق السحب أو تسير بينها ، فإذا المشهد مشهد الجبال حقاً بضخامتها ومساقطها وارتفاعاتها وانخفاضاتها وأنه لتعبير مصور للحقيقة التي لم يرها الناس إلا بعد ما ركبوا الطائرات .

... والثانية : حين أشارت إلى عظم القوى الكهربائية المشتركة في تكوينه بنصها على عظم برقه وشدته وبلوغه من الحرارة درجة الابيضاض أو ما فوق ذلك {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} النور : 43 .

... و - {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} الفرقان : 45 ، 46 .

... نحن نعلم أن الجو هو تراكب طبقات متتابعة ، تقل فيها بينها كثافة الهواء ابتداء من الأرض ، وفي وسط كهذا يجب أن يكون مسلك الشعاع الضوئي منحنياً طبقاً للقانون الثاني للعالمين ( الهيثم – ديكارت ) وهو قانون الانكسار ... إن قانون ( الهيثم – ديكارت ) يقول بأن الشعاع الضوئي الذي ينتشر في مجال ذي كثافة متغيرة باستمرار يخط في مسيره خطأ منحنياً ذا تجويف متجه نحو النقط الأكثر كثافة وفي هذا المجال يقبض الظل " قبضاً يسيراً " بالنسبة لما قد يكون عليه في الفراغ الذي لا يوجد فيه انكسار . ذلك توافق عظيم بين ما كشفه الإنسان مما لم يكن معروفاً زمن تنزل القرآن وبين القرآن .

ز - {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} الذاريات : 47. وهكذا يبدو الكون من خلال الآية – بسبب استعمال اسم الفاعل " موسع " الذي يفيد الاستمرار في هذه الحالة – وكأنه في حالة توسع مستمر وكأنه يزداد على الدوام ، هذه المسألة أصبحت الآن من مسلمات العلوم وهي التي هالت (انشتين) عندما اكتشف عالم الطبيعة (هابل) أن الكواكب السديمية تبتعد عن (سديمنا) واستنبط عالم الرياضة البلجيكي (لسومتر) من ذلك نظرية امتداد الكون ، أو ليس عجيباً مذهلاً أن يضع الوحي دائماً معالمه المضيئة أمام الفكر العلمي حتى كأنها تصف له الطريق وهل يستطيع أحد أن يقول بأن معالم كهذه قد انبثقت من عقل أمي .

... ح - {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي? أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} النمل 88 .

... {يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} الأعراف 54 .

... إن في هاتين الآيتين إشارتين واضحتين إلى موضوع دوران الأرض ، الآية الأولى تلفت النظر إلى أن الإنسان لأول وهلة يرى الجبال ثابتة ، ولكنها في واقع الأمر تسير تبعاً لسير الكرة الأرضية ذاتها ويذهب بعض المفسرين إلى أن الآية في حديث الآخرة ولكن نهايتها : {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي? أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} تدل على أنها في عالمنا هذا .

... والآية الثانية تشير إلى نفس المعنى وإن كانت الإشارة أبعد وذلك :

... لنفرض أن الشمس والأرض ثابتتان إذن يكون قسم من الأرض نهاراً دائماً وآخر ليلاً دائماً ، فإذا ما فرضنا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض فإنه في هذه الحالة يكون المنبع الضوئي هو المتحرك وإذن فالنهار هو السائر والليل تابع .

... وعلى عكس ذلك في حالة دوران الأرض فالمنبع الضوئي ثابت نسبياً(1) أي بالنسبة للأرض – وإن كان هو في حد ذاته متحركاً ، وفي حالة ثبات المنبع الضوئي يكون الليل هو السائر وحركة النهار تابعة وهذا الذي ذكرته الآية إذ قالت : {يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} فالليل هو الذي يطلب النهار ولا يكون هذا إلا إذا كانت الأرض هي التي تدور حول نفسها ، ولزيادة التوضيح نقول : إذا عمل الفعل – في اللغة العربية – بمفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبر . فالأول منهما يكون فاعلاً في المعنى والثاني مفعولاً ، ولا يصح تقديم ما هو مفعول في المعنى على ما هو فاعل بالمعنى في حالة وجود اللبس وآية : {يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} عمل فيها الفعل يغشي بمفعولين كل منهما يصلح أن يكون فاعلاً ومفعولاً . فلا بد إذن أن الفاعل في المعنى يكون هو المقدم فلما قال الله عز وجل {يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ} دل على أن الليل هو الفاعل في المعنى وهو الفاعل فيقوله عز وجل : {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} يقول ابن مالك :

والأصل سبق فاعل معنى كمن من ألبسن من زاركم نسج اليمنويلزم الأصل لموجب عرى وترى ذاك الأصل حتما قد يرى

ط – والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة لمن أراد أن يتتبّع وكلها تشير إلى شيء واحد : إن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عند بشر فإنك إذ تجد في كلمتين حقيقة علمية ما عرفها الناس إلا في زمن متأخر تصبح أمام شيء خارق جداً جداً .

... فعندما يقول : {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} تجد نفسك أمام أدق النظريات الجيولوجية التي تقول بأن للجبال جذوراً وتدية في الأرض يعدل امتدادها ضعفي ارتفاع الجبل عن الأرض .

(1) يقول علماء الكون اليوم :

إن للشمس ثلاث حركات . حركة عمودية باتجاه كوكبة الجائي مع الكواكب السيارة ، وحركة حول نفسها ، وحركة مع مجرتها .

... وعندما يقول {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} تجد نفسك أمام أدق النظريات الجيولوجية التي تعب العلم حتى وصل إليها وهي أن الاضطرابات تسبق البركان وإن باطن الأرض أثقل من قشرها وإن كانت الآية لم تأت لبيان هذا ولكنها مع هذا لم تتناقض مع النظريات العلمية .

... وعندما يقول في قراءة صحيحة :

... {وَجَعَلَ فِيهَا سُِرُجاً} عن السماء تجد نفسك أمام حقيقة عملية غير متوقعة فالسراج في اصطلاح القرآن الشمس وفي الماضي لم تكن تعرف إلا شمس واحدة وإذا بالعلم اليوم يقول هذه النجوم كلها شموس .

... وعندما يقول :

... {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} تجد نفسك أمام أدق الحقائق عن الشمس التي تبين أخيراً أنها تشارك مجرتها في دورتها وتدور حول نفسها وهي مع هذا تسير في اتجاه عامودي نحو كوكبة الجاثي ويتوقع العلم حدوث حالة ما لها في يوم من الأيام .

... وعندما يقول :

... {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} الزمر . تجد نفسك أمام مسألة كروية الأرض إذ التكوير إنما يكون للشيء الدائري ، كما تجد نفس المعنى في قوله : {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} فالأدحية والأدْحُوَة بيض النعام .

... وعندما يقول :

... {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} النحل : 15 . تجد نفسك أمام الحقيقة العلمية التي تقول : إنه لولا الجبال لكانت قشرة الأرض في حالة تشقق دائم ، وبالتالي في حالة ميدان واضطراب شديدين .

... وعندما يقول :

... {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُو?اْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} الأنبياء : 30 .

... تجد نفسك أمام ما كشفه العلم بعد زمن في كلا تفسيري الآية سواء فسرنا " رتقاً " بأنهما كانتا شيئاً واحداً وهذا ينسجم مع أدق النظريات العلمية خاصة السديمية أو فرسنا " رتقاً " بأن الأرض كانت لا تنبت والسماء لا تمطر وهذا ينسجم مع النظريات التي تقول إن الأرض كانت في الأصل كتلة نارية كالشمس فلم يكن وقتذاك شيء حي أو ماء ، وكلا التفسيرين أشار إليه ابن كثير .

... هذا وأمثاله كثير ولو أنصف العقل عرف أن هذا القرآن أنزله خالق السماوات والأرض العليم بهما {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك : 14 .

الرجوع الى فهرس براهين سعيد حوى

المصدر