قضية فلسطين والحالة العربية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
قضية فلسطين والحالة العربية

2008-09-11

بقلم : معتصم حمادة

بعد اجتماع مجلس وزراء جامعة الدول العربية نستطيع القول إن الحالة الفلسطينية باتت تقف عند مفترق طرق مزدوج: الأول خاص بالأوضاع الفلسطينية الداخلية وضرورة ترميمها. والثاني خاص بالعملية التفاوضية وضرورة إعادة صياغة أسسها. وعلى الحالة الفلسطينية أن تعرف جيدا أي طريق يجب أن تسلك منذ الآن فصاعدا.

التقت القاهرة وعمان، في موقفهما المشترك في رفض أي اتفاق جزئي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وأكدتا للرئيس محمود عباس تمسكهما بضرورة الوصول إلى اتفاق شامل لقضايا الحل الدائم.

ولو أن الرئيس عباس استشار دمشق وبيروت، كما استشار القاهرة وعمان، لسمع من القيادتين السورية واللبنانية الموقف نفسه: لا نوافق على حل جزئي، ونتمسك بحل شامل.

موقف القاهرة، وعمان (وفي السياق الافتراضي، بيروت ودمشق) أعاد للأذهان الحقيقة القائلة بأن أي حل فلسطيني ـ إسرائيلي، لن تقف مفاعيله عند حدود الحالة الفلسطينية، بل سوف تمتد بتداعياتها إلى الحالتين العربية والإقليمية. وهو ما يفترض بالضرورة، ليس فقط أن يعيد الرئيس عباس صياغة أسلوبه بالاستفراد بالقرار التفاوضي، لصالح مشاركة سياسية فلسطينية وطنية شاملة (أقلها على مستوى اللجنة التنفيذية) بل وكذلك ضرورة الحفاظ على مستوى عال في المشاورات مع العواصم العربية والتنسيق معها.

فالأردن، كما هو معروف، يعتبر نفسه شريكا في عدد من قضايا الحل الدائم. هناك الحدود، التي ستمس بالضرورة الوضع الأردني، ومن الطبيعي أن ينعكس الاتفاق الخاص ببند الحدود على معاهدة وادي عربة. وهناك المياه، التي ستمس بالضرورة مياه نهر الأردن، الذي يربط بين الضفتين الشرقية والغربية. وهناك قضايا الأمن، واللاجئين، والقدس، وهي كلها على تماس مباشر، جغرافي، وسياسي، وديمغرافي بالحالة الأردنية، ومن الطبيعي، والحال هكذا، أن تكون عمان على إطلاع دائم على مسار العملية التفاوضية، بل إنها تتحدث عن ضرورة أن يتواجد ممثلون عنها إلى طاولة المفاوضات حين تبحث القضايا ذات الصلة المشتركة. لذلك ليس مفاجئا أن يكون للأردن رأيه في العملية التفاوضية، وأن يرفض سياسة ترحيل قضايا الحل الدائم إلى أمد غير منظور، وتغطية هذا الترحيل بما يسمى بالاتفاق الجزئي، كما اقترحه أولمرت على الرئيس عباس.

والقاهرة تعتبر هي الأخرى نفسها معنية بالعملية التفاوضية لأكثر من سبب. هناك أولا مصير قطاع غزة، باعتباره يشكل خاصرة في الأمن القومي المصري. وهناك ثانيا التوافق الفلسطيني على أي اتفاق، فالقاهرة تعتبر نفسها معنية بشكل رئيسي بضمان التوافق الفلسطيني وضبط حركته وآلياته، انطلاقا من انعكاس ذلك على أوضاع القطاع، وانطلاقا من انعكاسه على مجمل الوضع الفلسطيني. إلى ذلك تعتبر القاهرة نفسها معنية بالحل الفلسطيني ـ الإسرائيلي من موقعها الإقليمي، وحرصها على ضبط التوازنات الإقليمية، وعلى الأخص التوازنات العربية ـ الإسرائيلية. ومن الطبيعي القول إن أي اتفاق يختل لصالح الجانب الإسرائيلي معناه اختلال في العلاقات الإقليمية العربية (المصرية) الإسرائيلية، وبالتالي اختلال المعادلة والاصطفافات الإقليمية. وهذا أمر يدخل هو الآخر في صلب الأمن القومي المصري.

ومن الطبيعي القول إن دمشق تعتبر نفسها، هي الأخرى، طرفا في التسوية السياسية مع الجانب الإسرائيلي. من موقعها العربي أولا، ومن موقعها الجغرافي ثانيا، ومن موقعها التفاوضي بشأن الجولان. ولا يحتاج المرء للشرح الطويل ليؤكد ضرورة التنسيق بين المسارين الفلسطيني والسوري، لأن كلا منهما يشكل سابقة للطرف الآخر، سلبا أو إيجابا. كما أن مصلحة الطرفين تكمن في ضرورة التنسيق في مواجهة المفاوض الإسرائيلي، لقطع الطريق على سياسة اللعب على المسارين كما تتبعها تل أبيب، ولضمان أفضل النتائج للمصلحة الوطنية الفلسطينية والمصلحة الوطنية السورية. إلى ذلك تستضيف سوريا على أرضها حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني، من المفترض أن تقرر مصيرهم مفاوضات الحل الدائم، وهذا يعني أن سوريا معنية من هذه البوابة بمفاوضات الحل الدائم، وهي معنية أيضا بقضية المياه. وأخيرا وليس آخرا، تقيم على أرض سوريا قيادات للعمل الوطني الفلسطيني، ويعتبر هذا الوجود، في حد ذاته، اشتراكا لسوريا، بشكل مباشر أو غير مباشر بالعملية التفاوضية، شاءت إسرائيل أم أبت.

وما ينطبق على القاهرة وعمان ودمشق، ينطبق وبقوة على بيروت. فلبنان عضو في الأسرة العربية يتأثر بما تتأثر به هذه الأسرة في علاقاتها مع إسرائيل، كذلك يتأثر بأي اختلال في المعادلات الإقليمية. فضلا عن ذلك يعيش على أرض لبنان حوالي 250 ألفا من اللاجئين، في مخيمات، تنظر إليها بعض الأطراف اللبنانية على أنها إشكالية أمنية واجتماعية. إلى ذلك فإن لبنان على تماس حدودي مع شمال إسرائيل وهو معني أن ينظر إلى مستقبل علاقاته بهذا الكيان من بوابة العلاقات العربية ـ الإسرائيلية المستقبلية. وتدرك القيادة السياسية اللبنانية أن أي اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي هو متغير إقليمي كبير، لا يستطيع لبنان أن يعيش بمعزل عنه، بحيث ستطرح عليه استحقاقات سياسية يحتاج الوصول إلى قرار بشأنها إلى حوار لبناني داخلي شاق ومعقد، وبالتالي لا يستطيع لبنان أن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي.

وإذا كنا قد اكتفينا بعرض التداعيات المحتملة للاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي على الأوضاع العربية المحيطة بفلسطين وإسرائيل، فليس معنى ذلك أن باقي الدول العربية (كالسعودية مثلا) لن تكون معنية بهذه التداعيات. فالكل يدرك أن التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية لن تعني أن الشرق الأوسط سيبقى على ما هو عليه بل ستشهد المنطقة متغيرات واسعة لسنا الآن بصدد تعدادها. ونعتقد أن دولة كالسعودية، ترى بالضرورة، نفسها، معنية بهذه التوازنات، لذلك هي ترى نفسها معنية بأي اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي.

إذن، لا غرابة أن يعرض الرئيس عباس نتائج مفاوضاته مع العواصم العربية، ولا غرابة في أن يكون لهذه العواصم موقفها من العملية التفاوضية ومسارها.

ونعتقد أن الاهتمام العربي بالمسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي ونتائجه وتداعياته، يمتد ـ كأمر طبيعي ـ ليصبح اهتماما بالحالة الفلسطينية الداخلية. وقد عبر وزراء الخارجية العرب (9/9/2008) عن هذا الأمر في مداولاتهم تحت قبة جامعة الدول العربية، وفي تصريحاتهم الصحفية. وفي البيان الختامي الصادر عن دورة اجتماعاتهم. فليس منتظرا من نظام سياسي منقسم على نفسه، ومنشغل بنفسه، كالنظام الفلسطيني أن يحقق نتائج مذهلة في العملية التفاوضية ضد الجانب الإسرائيلي، رغم وقوف حكومة أولمرت على حافة الهاوية. فالانقسام الفلسطيني خطر، يتهدد، ليس فقط المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، بل ويهدد الحالة العربية برمتها. وفي كلامه الصريح أوضح وزير خارجية السعودية، الأمير سعود الفيصل، مدى تخوف الحالة العربية من خطورة انتقال التجربة الفلسطينية إلى داخل الحضن العربي. فيزداد المنقسم انقساما، والمجزأ تجزأ. وتنجرف الحالة العربية مع انقسامات الحالة الفلسطينية بدلا من أن تلجم الحالة العربية الانقسامات الفلسطينية وتعيد اللحمة إلى الصف الوطني. إذن ليست مصادفة أن نسمع من داخل مجلس وزراء خارجية الدول العربية لغة واضحة في التهديد، تبلغ من يعنيهم الأمر أن الحوار الفلسطيني هذه المرة سيكون مختلفا عن سابقه. وأن الجامعة العربية لن تتردد لحظة في الكشف عمن يعطل المفاوضات أو يعرقلها.

ونعتقد أن بيد الحالة العربية أكثر من فرصة، وإمكانيات الضغط على الحالة الفلسطينية كي تنصاع بكل أطرافها، وأعلامها وراياتها، من موقع التضامن والتنسيق الاخوي والإقليمي.

وواضح أن هذا التداخل العربي ـ الفلسطيني يمكن النظر إليه من زاويتين: زاوية التضامن الحر والمستقل مع الحالة الفلسطينية، وهو أمر نرى فيه مصلحة فلسطينية ومكسبا وطنيا كبيرا. أما الزاوية الثانية فتتلخص في وقوع الحالة الفلسطينية تحت الوصاية العربية، بحيث لا تصدر قرارا ولا تخطو خطوة واحدة إلا بقرار عربي. وهذا رهن بالحالة الفلسطينية نفسها. إن هي صانت ثوابتها، والتزاماتها السياسية إزاء شعبها، استطاعت أن تنسج أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة. أما إذا ذهبت بعيدا في الانقسام والتحديات الداخلية فرضت على نفسها حالة عجز داخلية، ترغمها على اللجوء إلى الحضن العربي ليحل محلها في اتخاذ القرار وتتحول إلى مجرد صدى للصوت العربي وصورة لمشهده.

أهمية هذا الكلام ـ الآن ـ أن العرب صمموا في مجلس الجامعة، على معالجة الحالة الفلسطينية المنقسمة على نفسها. وقد صدرت عنهم مواقف هي المرة الأولى التي يتحدثون بها، رغم أنهم عودونا على مبدأ حجب المعلومات والاكتفاء بالعبارات العامة.

وتؤكد مواقف مجلس الجامعة العربية أن الدول العربية لم تمل الحالة الفلسطينية ولم تهملها، بل ستتدخل فيها، من موقع صون موقع هذه القضية في قلب المعادلات السياسية. وهذا ما يعيد للقضية الفلسطينية بعدا قوميا طالما احتاجته في صراعها مع العدو الإسرائيلي وفي مواجهتها للتداعيات الإقليمية.

لا نستطيع القول إن الحالة الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة نوعيا، لكننا نستطيع القول إن الحالة الفلسطينية تقف الآن عند مفترق طرق مزدوج. الأول خاص بالأوضاع الفلسطينية الداخلية، والثاني خاص بالعملية التفاوضية. وعلى الحالة الفلسطينية أن تعرف جيدا أي طريق يجب أن تسلك.

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات