قضية الإرهاب الرؤية والعلاج

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
الخروج من المأزق .!
الرسالة الثانية
قضية الإرهاب الرؤية والعلاج

تأليف: جمعة أمين

تقدم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

محتويات

إهداء

( إلى كل من علمني كونوا كالشجر يرمي بالحجر فيلقي بالثمر )

يقول سيدنا على رضي الله عنه :

( من لانت كلمته ... وجبت محبته )

ويقول سفيان الثورى رضي الله عنه :

( الفقه رخصة الفقيه الحق , أما التشدد فيحسنه كل أحد والفقيه الحق , هو الذي لا يضيع على المسلمين أمورهم وييسر لهم حياتهم )

تقديم

الحمد لله رب العالمي والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجميع .

وبعد فهذه هي الرسالة الثنية حول " الخروج من المأزق " تدور حول قضية الإرهاب .. الرؤية والعلاج ومما لا شك فيه ن المخلصين الغيورين على حاضر ومستقبل هذه الأمة ووحدة وسلامة هذا الوطن وأمنه واستقراره ليحزنهم ويؤلمهم أشد الأم أن يسمعوا أو يقرؤوا أن واحدا من أبناء هذه الأمة سقط صريع رصاصة مصرية

- الأصل فيها أن توجه إلى صدور أعداء هذه الأمة – ويستوي هذا الفرد أن يكون من أبناء الشرطة أو من الشباب في وضعه الغريب إن الأمر كله مفزع ويدمي القلوب ويجعل كل حريص على هذا الوطن يفكر في المخرج من هذا المأزق فاستمرار هذا الأمر خطير ولابد من علاج.

وإذا كانت لأحداث على الساحة الأمنية تتطور أحيانا في بعض الأماكن في غير الاتجاه الصحيح حتى تبرز وتتضخم وتتفاقم فإن مشاكل عدة على هذه الساحة ومآسي كثيرة تترك بصماتها دامية على العديد من البيوت والسر بشكل بات ينذر بعواقب وخيمة وسيئة ونساء تترمل وبيوت تخرب وأطفال يفقدون عائلهم وهم أبناء وطن وحد والذي نريده ضرورة البحث عن حل بعيدا عن هذا الأسلوب ووقفة متأنية للمراجعة وإمعان النظر وتبادل الرأي والسعي من الجميع للحل المناسب الذي بات أمرا ملحا وعاجلا وضروريا اليوم قبل الغد...

لقد تصاعدت الأحداث وتلاحقت حتى أصبحت بلا شك مصدرا للإزعاج والإقلاق وأصبحت اليوم قبل الغد تحتاج إلى تضافر الجهود المخلصة الجهود المتجردة من هوى النفوس التي تغلب الصالح العام جهود منصفة تعطي الحق ولو من نفسها لأصحاب الحق وتنتصف للآخرين حرصها على انتصافها لنفسها والحمد لله الأمة غنية برجالها وعلمائها ومفكريها .

وأكرر القول لابد من تضافر الجهود والدراسة والبحث وإمعان النظر والفكر ووضع أصول وضوابط وسياسات تشرك فيها كل الجهات وكل القوى العاملة الحريصة على مستقبل الأمة ,بدلا من ذلك حدث العكس من قبل البعض في أجهزة الإعلام وفي مجال الفن , فأساليب الإثارة والتحدي والممارسات التي وصلت إلى مستوى الهبوط والتدني مثله مثل أسلوب الهجوم والتهجم على شرع الله وعلى الدعاة إلى الله من كتاب صاروا معروفين جدا وواضحين في عدائهم يجب ن يوقفوا بالقانون و يتوقفوا فهذه الأعمال التي يقومون بها لا أخلاقية وتجافي أصالة هذه الأمة وهويتها وأعرافها وتقاليدها وتثير الجماهير ولا تؤدي إلى وقف النزيف أبدأ وكأنها فرصة استغلها هؤلاء لتصفية حسابات قديمة بدل تقديم النصح.

ولقد تناول المؤلف في الفصل الأول : ظواهر الغلو والعنف وعدد صورا منها .
وفي الفصل الثاني : تساءل هل الإسلام دين إرهابي ؟ وبين بالدليل المعتبر أن الإسلام دين الوسط والسمحة واللين والرفق وأنه يمقت العنف والتشدد في ى صورة من الصور .
والفصل الثالث : تناول جوانب الجهاد المشروع وبين أنالإسلام يدعو الجميع للدخول في السلم كافة وفي نفس الوقت تحدث عن الإرهاب المرفوض وأنه لا علاقة له بالجهاد في سبيل الله .
وفي الفصل الرابع : تحدث عن مراتب الجهاد وأنواعه . من أول جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد المنافقين والكفار وجهاد الظلم والبدع وأنكر على الذين يصفون الجهاد المشروع بالإرهاب فالجهاد للذود عن الأوطان والمحافظة على أمنها وسلامتها من أعظم الدرجات عند الله .
وفي الفصل الخامس : تحدث المؤلف عن النظم العالمي الجديد وأشار إلى طبيعة الحضارة القديمة واستعمالها القوة الغاشمة والبطش سلاحها دائما وقد ورثت أمريكا هذه الحضارة وهي تمارسها حتى اليوم بحيث من يدقق النظر لا يجد جديدا في جوهر الأمور فأين ما تفعله أمريكا اليوم مما فعله ويفعله الإسلام من سماحة وسلام مع جميع الشعوب ؟ إن دعوة الإسلام هي دعوة السلام الحق وليست دعوة القوة أو العنف .
وفي الفصل السادس : تحدث المؤلف عن قانون السلام في الإسلام فهو يفتح باب الحوار مع كافة الأديان ومبادئ الإسلام تدعو إلى حسن اختيار الكلمة وقوة الحجة والبرهان واستبعاد العنف بكل مظاهره المادية والمعنوية .
وفي الفصل السابع : تحدث المؤلف عن مصطلح الإرهاب وعرفه بأنه ممارسة العنف أو التهديد به بغرض سياسي للتأثير على هيبة الدولة ثم عدد أنواعه وتحدث عن علاج الظاهرة بشئ من التفصيل ونقل عن كثير من المفكرين آراءهم في العلاج وتضمن هذا الباب اقتراحات محددة حول علاج هذه الظاهرة .

ونسأل الله عزوجل ن يجزى المؤلف الأستاذ جمعة أمين كل الخير عن كل ما قدمه ويقدمه دائما من بحوث نافعة ومؤلفات طيبة قياما بحق هذا الدين كمال نسأله أن يوفقه إلى المزيد المفيد خدمة لدعوة الإسلام الخالدة تعليما وتفقهيا صحيحا لإخوانه في مجل الدعوة وبينا للناس وأعذارا إلى الله عزوجل والحمد لله رب العالمين

محمد عبد الله الخطيب
من علماء الأزهر الشريف

الفصل الأول: الإسلام وظواهر العنف

( كان المسلمون في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وعصر صحابته يجتمعون على منهج واحد في الفهم لهذا الدين , لكن ظهرت بعض الفتن الجانبية نتيجة لمفاهيم غير صحيحة أدت إلى أحداث وكان من أخطر هذه الفتن , تكفير أصحاب المعاصي والذنوب من المسلمين , ثم ذهبت تلك الفتن تقريبا لأنها غريبة عن منهج الإسلام الوسط في كل شئ لكن هذه الظاهرة تعود أحيانا فكان ولابد من البيان والتصحيح )

من ظواهر الغلو والعنف

1- يشهد العالم العربي والإسلامي اليوم ظهور بعض الأفكار البعيدة عن طبيعة هذا الدين والغريبة على تاريخه ومنها اعتقاد عند البعض كفر من ارتكب معصية من المعاصي وهذا خطر شديد فإن عمل الداعية إلى الله ليس هو عمل القاضي فلا يحل للداعية إقامة الحدود مثلا ولا ممارسة سلطات الحاكم على أحد من الناس فهذا تجوز لحدود الله , لأن عمل الداعية في دائرة قوله تعالي ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )( النحل : 125)
وهذا الاعتقاد الفاسد أساسه الجهل وعدم الفهم الصحيح للإسلام وعدم إحسان فهم القرآن والسنة وبالتالي يأتي التطبيق بعيدا عن مكانه الصحيح وهنا يكون الخطأ والتمادى فيه بداية المصائب والمشاكل .
2- وقد يزعم هذا البعض أنهم سبقوا في الفهم غيرهم نظرة فيها تجاوز وقد يتجه إلى المغالاة فيتطاول على العلماء والفقهاء , وهو لا يعرف شيئا من العلم والفقه , ولا عن مراتب الأحكام : الواجب , الحرام , المندوب , المكروه , المباح, إن الجيل الأول قدم النموذج المثالي في فهم هذا الدين وفي تطبيقه وفي التزامه الكامل بالوسطية في كل المجالات مع الدقة في مغرمة الحدود وضوابطها لئلا يحدث الخلط الذي وقع فيه بعض الشباب فأعطي المندوب فوق ما يستحق ونسي في نفس الوقت بعض الواجبات أو المحرمات فخرج عن الاعتدال في تقديره للأمور فقدم من القلب أفسده وجعل صاحبه يقطع ما أمر الله أن يوصل وأصل هذا كله اهتزاز اليقين وضعف الإيمان وفقدان الخوف من الله , والغرور بالنفس والتعالي على الغير وتجاوز الحدود التي أمرنا الله بالوقوف عنده ومن لوازم سوء الظن الحق , وتتبع السقطات وحسبنا في التحذير من هذا الاتجاه قول النبي صلي الله عليه وسلم ( إذا سمعتم الرجل يقول : هلك الناس , فهو أهلكهم ).
3- ومن مظاهر الغلو أيضا: التزام التشدد دائما مع دواعي التيسير إنه لا مانع أن يأخذ نفسه بالعزيمة فهذا أمر آخر لكن التشدد الممنوع هو التكلف الذي يسبب الحرج والعنت وقد لا يقف عند حدود نفسه وإنما يحاول أن يفرض هذا على غيره , وقد يتمادي فيتعمد الخشونة والغلظة في فرض ما يريد فإذا أفتى عالم فقيه في أمر من الأمور , ولم تعجبهم هذه الفتوى فهو عندهم مترخص يستحق في نظرهم الإعراض عنه بل الهجوم عليه وقد يوسعون دائرة الإعراض حتى يدخلوا فيها جميع العلماء ويسحبوا الثقة منهم وهنا يكمن الخطر ويوجد الشطط .

ولقد ترتب فعلا على هذا الإعراض عن العلماء أمور خطيرة منها :

1- لاجتهاد من غير استعداد .
2- التفقه من الكتب دون معلم وموجه .

" قال أحد العلماء الذين حاوروا الشباب أثناء لقائه بهم : الذي أخشاه أن فقد الثقة بالعلماء سيحملكم على أحد أمرين أو الأمرين معا وهما :

1- الاجتهاد من غير استعداد كاف ومن غير معرفة تؤهل لذلك .
2- أو العودة للكتب ولأخذ عنها دون الاستعانة بأحد وفي الاثنين من المخاطر ما فيهما قال أحد الشباب لقد وقعنا في الاثنين معا "

الفصل الثاني: هل الإسلام دين إرهابي ؟؟

محاولات البعض إلصاق تهمتي الإرهاب والعنف بهذا الدين تعتبر من أشد التهم قسوة وظلما لرسالة الإسلام ذاتها وهذه التهمة المفتراه تنقضها وتنفيها نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين.

1- يقول الحق تبارك وتعالي في توجيه سيدنا موسي وتكليفه بالذهاب إلى فرعون المستكبر الطاغية , مدعي الإلوهية ( اذهب إلى فرعون إنه طغي * فقل هل لك إلى أن تزكي * وأهديك إلى ربك فتحشى ) (النازعات 17 -19 ) لقد علمه الله كيف يخاطب هذا الطاغية بأحب أسلوب وأشده جاذبيه للقلوب لعله ينتهي عن صلفه واستكباره ( هل لك إلى أن تزكي ) هل لك إلى أن تتطهر وتسمو وتتوب وتعود لى ربك تعود إلى طريق الخير والاستقامة والطاعة والصلاة والتواضع والخشية و( أهديك إلى ربك فتخشي ) أريد منك أن تعرف طريق ر بك وخالقك فإذا عرفته وقعت المهابة والخشية في قلبك فما يستكبر الإنسان ويطغي ويعصي إلا حين يبعد عن ربه فيضل ويقسوا عليه , ويفسد عقله ويلتوى تفكيره فيكون منه الطغيان والتمرد والشر والعدوان .
وفي سورة طه يؤكد الحق سبحانه هذا المعنى فيكلف موسي وهارون ويحدد لهما الأسلوب الذي يتعاملان بع معه فيقول جل شأنه ( اذهب أنت وأخوك بآيتنا ولا تنيا في ذكري* اذهبا إلى فرعون إنه طغي * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي )( ط8 42 – 44) يقول صاحب الطلال في التعليق على هذه الآية اذهبا إلى فرعون فقد طغي وتجبر وعتا ( فقولا له قولا لينا ) فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم, ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشي عاقبة الطغيان , اذهبا إليه غير يائسين من هدايته راجين أن يتذكر ويخشي فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار .
وإن الإله ليعلم ما يكون من فرعون , ولكن الأخذ في الأسباب في الدعوات وغيرها ولابد منه والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم وهو عالم بأنه سيكون فعلمه سبحانه بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء .
2- إن أسلوب اللين والرحمة هو صمام لأمن في التبليغ والدعوة إلى الله وبهذا الخلق كان المصطفي صلي الله عليه وسلم في أعلي الدرجات قال تعالي : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاروهم في الأمر ) ( أل عمران : 159)

3- وجاء في الأحاديث الصحيحة ما يعتبر من القواعد الأساسية في هذا الدين ومنها :

أ‌- ( إن الله يحب الرفق في الأمر كله)
ب‌- إن لله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطى على سواه )
ت‌- ( إن الرفق لا يكون في شئ إلا زنه ولا ينزع من شئ إلا شأنه )
ث‌- ( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير , ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير )
ج‌- ( وجبت محبة الله على من أغضب فحلم)
ح‌- ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )
خ‌- ( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله )
د‌- من ثوابت الإسلام أنه لا يجبر أحدا من الناس على اعتناق عقيدة ما فهو يحترم حرية الإنسان في الاختيار ثم يحمله مسئولية اختياره وهذه الحرية لأصحاب الأديان غير الإسلام لأن المسلم لا يجوز له أن يترك

دينه إلى دين آخر قال الله تعالي ( ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( يونس : 99).

ولذلك وصف سيد الدعاة بأنه ( الرحمة المهداة ) قال في وداع أحد أمراء الجيش ( انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا , ولا طفلا صغيرا ولا امرأة , ولا تغلوا , وضموا غنائمكم وأصلحوا . وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )

إذن فالإسلام في تاريخه كله ضد العنف وعدو التشدد والغلو في أى صورة من الصور .

وتحت عنوان ( الانبهار الأعمي ) كتب الأستاذ فاروق جويدة يقول :

وهناك غرائب كثيرة يمكن لأى إنسان أن يرصدها الآن في واقعنا الثقافي تؤكد حلة الانبهار الأعمي التي نعاني منها :
هناك محاولة ربط مقصود بين الإسلام والإرهاب وقد يبدو ذلك في الغرب شيئا عاديا لتصفية حسابات قديمة ولكن بعض كتابنا لديهم ا إصرار غريب على إيجاد هذه العلاقة في كل ما يكتبون رغم أن الإرهاب أنشطة سياسية لا علاقة لها بالإسلام , حتى وإن تسترت وراءه وفي بعض الأحيان نقرأ هجوما حادا على الإسلام بأقلام عربية وتكاد تشم في هذه الكتابات لغة مصالح لا يمكن إخفاءها .
إن التطاول يصل أحيانا إلى درجة الهجوم الضاري على الكثير من مقدسات هذه الأمة والتشكيك في قدراتها ومقوماتها الثقافية والحضارية .
حتى إن البعض يتجرأ ويقول إننا أمة بلا ثقافة ولا يستطيع أحد أن يدعي ذلك وأمامه حضارة امتدت آلاف السنين ما بين الفرعونية والقبطية والإسلامية ... إلا إذا ساءت النوايا وفسدت الضمائر واختلت موازين الأحكام .
تقول احدي الكاتبات والحديث ما زال للأستاذ " جويدة " لقد كفرت بكل المصطلحات القديمة العالمية مثل الوطن , والعروبة , والإسلام والانتماء أريد أن أعيش فقط مع جسدي وأكتب عنه )

ثم يقول ( وبجانب هذا تجد كتابات أخري تسخر من كل شئ ابتداء من الإسلام : الرمز والعقيدة وانتهاء بكل القضايا الكبرى التي عاش عليها هذا الوطن.

ثم يقول في موضع آخر من مقالة الدقيق وتحليله الجيد.

لقد تصور البعض أن الدولة تستطيع أن تخوض معركتها مع الإرهاب من خلال هذا الطرح الساذج والمريض بأن تكون كتابات الجنس و تكسير القيم أو تزوير التاريخ أو التهجم على المقدسات هو طريقنا لمحاربة الإرهاب والحقيقة أن هذه الأعمال تمثل الوجه الآخر للإرهاب وكلاهما أسوأ إن تفريغ المجتمع من قضاياه الأساسية ومعتقداته ومقادساته وقيمه وتاريخه وتقاليده خطأ لا يقل في خطورته عن قضايا التخريب التي يطرحها الإرهاب وممارساته .

وهو الذي أفزر لنا في النهاية ( عبدة الشيطان )

والحقيقة أننا لا نريد عبدة الدم ولا عبدة الشيطان ولكننا نريد أجيالا تقدر تاريخها وتراثها وتفخر بما لدها من رصيد حضاري وإنساني وهو جدير بهذا نريد شبابا متوازنا يقدر قدسية الدن وقدسية الوطن وقدسية الإنسان عقلا ووجدانا ).
لقد تحدث الكاتب هنا عن الذين سقطوا في دوامة الانبهار الأعمى , وعن خطر ما يكتبون وهو بكل المقاييس يضر ولا ينفع ولا يعالج أبدا قضايا الإرهاب بل يزيدها اشتعالا بل هو استفزاز يزيد من الطيش والاندفاع والغلو والتطاول والحقد .

ويتحدث الأستاذ الشهد سيد قطب عن أثر الإنكار بالحسني وعدم التعالي فيقول عن أثر ذلك:

وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات وينقلب الهياج إلى وداعة والغضب إلى سكينة والتبجح إلى حياة على كلمة طيبة ونبرة هادئة وبسمة حانية في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجا وغضبا تبجحا , وتمردا , وخلع حياءه نهائيا وأفلت زمامه وأخذته العزة بالإثم غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها حتى لا يصور الإحسان في نفس المسئ ضعفا ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقا )

الفصل الثالث: بين الجهاد المشروع " في سبيل الله " والإرهاب المرفوض

مهمتنا في هذا الوجود

خلقنا المولي سبحانه وتعالي بيده نفخ فينا من روحه وأسجد لنا ملائكته وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض وكرمنا سبحانه وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا كل ذلك لنقوم برسالتنا ونؤدي أمانتنا ونحقق ما خلقنا من أجله ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )( الذاريات : 56 ) هذه مهمتنا في الموجود

ولما كان الناس أمام هذه المهمة فريقين منهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة نتج عن ذلك صراع بين الفريقين لاختلاف الوجهة والغاية فمنهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد لآخرة تبعا لطبيعة النفس ونوازعها (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) الشمس : 7-10)

من هنا ارتبط النزاع والقتال والحرب بوجود الإنسان ولقد وضح لنا القرآن ذلك وهو يبين لنا تاريخ البشرية منذ قتل ابن آدم عليه السلام أخاه ( واتل عليهم نبا ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمي ) ( المائدة 27, 28) وببقاء هذا الصراع نزاعا دائما بين الخير والشر وفي الحديث " الجهاد ماض إلى يوم القيام ".

وهذا النزاع وهذه الحرب لابد منها لإقامة الحق والعدل والقيم العليا .

وها نحن ذا نرى النظام العالمي الجديد القائم على القوة والبطش يهدد ويقتل ويحارب كل من خرج عليه بوحشية ويكيل بمكيالين ليفرض نظامه ومنهجه حتى ولو قتل الأطفال والنساء والشيوخ وحالة العراق خير شاهد على ذلك .

فأين هذا من نظام الأصل فيه السلام والأمن والأمان إذ طبق منهاجه ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) ( الأنعام : 82) ولذلك فإن الإسلام يطلب من الناس أن دخلوا فيه كافة : قال الله تعالي : (يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكن عدو مبين )البقرة : 208) ولا يتحقق ذلك إلا بنظام الله ومنهج الحق ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل : 90)

فإن طبق منهج الله تحقق العدل الإحسان وصلة الأرحام وإذا نأى الناس عنه وتخلوا عن تطبيقه حلت الفحشاء والمنكر والبغي وترى ذلك في أيامنا هذه مع أصحاب المناهج المادية وكان البشرية تعيش في ماخر كبير ونظرة إلى صحافتها وأفلامها ومعارضها وأزيائها ومسابقات جمالها ومراقصها وحاناتها وإذاعاتها ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري والأوضاع المثيرة والإيحاءات المريضة في الأدب والفن وأجهزة الإعلام إلى جانب نظامها الربوي وما يكمن وراءه من سعار المال ووسائل خسيسة لجمعه وتثميره فضلا عن الجانب الأخلاقي المتدهور والانحلال الاجتماعي الذي أصبح يهدد كل نفس وكل بيت وكل تجمع إنساني ومصير ذلك كله الهلاك والفناء ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها شديدا وعذبناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا ) الطلاق : 8:9) وهذا هو المنهج الذي يريدون فرضه على البشرية كلها .

وليس معني ذلك أنه لا يوجد بين هذا الشر عقلاء بل هناك من يعيش وسط هذا الجو الفاسد والحياة الضنك وهم ينادون بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تقر الأخلاق الحميدة وتهجر الأخلاق الذميمة ولكنها صرخة في واد ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) ( الأعراف : 189 ) وصدق الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم حين قال : " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " فهل يفقهون لتسعد البشرية بهم ؟

أ‌- التقدم العلمي لا يكفي

صحيح إننا نرى البشرية اليوم قد أحرزت انتصارات في جهادها بتسخير قوى الكون وحققت في عالم الصناعة والطب ما يسبه الخوارق بالنسبة للماضي وما تزال في طريقها إلى انتصارات جديدة ولكن ما أثر هذا كله في حياتها النفسية هل وجدت السعادة ؟ هل وجدت الطمأنينة ؟ هل وجدت السلام والأمن والأمان ؟

كلا!! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف والأمراض المستعصية والنفسية والشذوذ والجريمة على أوسع نطاق وصدق الله ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي *ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصير قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي ) ( طه : 123 :126)

فأين حضارتهم التي يدعون ؟ وأين سلامهم الذي ينشدون وهم يعتدون كل صباح ومساء على المسلمين في بقاع الدنيا والمسلمون مفزعون وخائفون واكتب هذه السطور واسمع من إذاعة لندن عن كشف عورات المسلمين في تنزانيا وإجبارهم على ترديد أغان مسيحية ونزع حجابهم والاعتداء عليهم وعلى دنهم وعرضهم ووطانهم.

فأين نظامهم الذي يبغون ؟ إن حضارتهم المادية تبدو أمام التصور الإسلامي آية في القزامة , بل تبدو لعنة تحط من تصور الإنسان لنفسه ومقامه في هذا الوجود وتشغل به وتصغر من اهتماماته وأشواقه والخواء يأكل قلب البشرية والمكدودة والحيرة تهدر روحها المتعبة لأنها لا تجد الله ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) ( الحشر : 19)

لقد أبعدتها عن الله ملابسات نكدة فالعلم الذي تتباهي به وجعلته إلها من دون الله والذي كان من شأنه لو سار تحت منهج الله أن يجعل من كل انتصار للبشرية في ميدانه خطوة تقربها إلى الله هو ذاته الذي تبعد به أشواطا بسبب انطماس روحها ونكستها أنها لا تجد النور الذي يكشف لها غاية وجودها الحقيقي فتنطلق إليه مستعينة بهذا العلم الذي منحه الله لها , ووهبها الاستعداد له ولا تجد المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون وفطرتها وفطرة الكون وقانونها وناموس الكون ولا تجد النظام الذي ينسق بين طاقتها وقواها وآخرتها ودنياها وأفرادها وجماعتها وواجباتها وحقوقها تنسيقا طبيعيا شاملا مريحا إنها لا تدعي الجهل بل تعلن الحرب عليه أني ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )( المائدة: 64 )

إنهم شياطين الإنس يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا يعملون ليل نهار للصد عن سبيل الله ويبغونها عوجا ويدعون رفع شعار السلام على الأرض وما هم ببالغيه بل هم في الواقع يعلنون الحرب علينا وعلى الناس أجمعين ويرمون المجاهدين في سبيل الحق ونشر الفضيلة بكل نقيصة بمصطلحات مغلوطة فإذا ما جاهدت حماس عن الدين والعرض والأرض وانتهكت العرض وحاربت الدين وفعلها هذا الأثيم سمى أمن إسرائيل فأى قلب للموازين وأي التباس في المفاهيم وأي تضليل للشعوب.

فحماس والجهاد الإسلامي حين يدافعون عن أوطنهم يقرهم في ذلك جميع المواثيق الدولية وحقوق لإنسان العالمية وجميع المجالس الشرعية لكن يضرب بذلك كلفه عرض الحائط لصالح إسرائيل المدللة فتحاصر البلاد الإسلامية وتهدد الأوطان ويرمون المجاهدين بأوصاف تنفر منها النفوس الأبية حتى يميتوا الجهاد وحتى لا يبقي على الأرض قوة إلا قوتهم ولا نظام غير نظامهم ولكن هيهات ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) الصف : 8) فمن يعلن الحرب على من ؟ ومن البادئ بها ؟

ب‌- من البادئ بالحرب ؟

ليت الكفر الذي استقر في القلب ما ترجم إلى اعتداء وقتال لقلنا ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) ولكن الكفر تحول إلى عدون بالاستهزاء تارة وبالسخرية أخرى , وبالإخراج من الأوطان ثالثة ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجكم من أرضنا و لتعودون في ملتنا ) ( إبراهيم : 13 ) بل تعدى ذلك إلى القتل ( ذروني أقتل موسي وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) ( غافر : 26 )

ومنطق الضلال واحد في كل عصر ومصر وإن اختلفت وسائله في حرب الإسلام والمسلمين .

فماذا نحن فاعلون أمام إعلان الحرب علينا ؟ وهي حرب قديمة قدم الحق والباطل , وتلك سنة الله ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآيتنا عيسي ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد )( البقرة: 253).

فالمولي سبحانه وتعالي شاء الاقتتال ليحث الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون , فإذا كانت البداية منهم فلا بديل عن رد الاعتداء إلا بالقتال أم أن الجيوش تجيش والأحزاب تتجمع والقرارات تصدر والبوارج والطائرات تهاجم وليهلك العراق ويدمر وينتهي عدوانه على الكويت – وهو حق أريد به باطل – أما الاعتداء على المقدسات والإعراض والأوطان وبلاد المسلمين فمن ينادي بالجهاد لرده وصده والتضحية من أجله فهو إرهابي مطرود من رحمة النظام العالمي سبحانك هذا بهتان عظيم بل هي فتنة . وصدق الله القائل ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) ( الأنفال : 39 )

جـ - المسلم لا يبدأ بالعدوان

إن المعتدى هو الذي يبدأ دائما بالحرب ليس من يرغب في إقامة شرع الله القائم على الحق والعدل ولكن من يحاربه ويعتدي عليه ويمنع إقامته هم الذين يحادون الله ورسوله فكان لابد من رجال يحملون الحق ويذودون عنه ويضحون من أجله لدرء الفساد الذي يرونه وجلب الصلاح الذي يدعون الناس إليه ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) البقرة : 251 ) فلولا هذه المدافعة لزلت أقدام بعد ثبوتها ولزلت الأماكن التي يعلو فيها صوت الحق والتي تخرج رجالا يحملونه ويدفعون عنه ويضحون من أجله ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) الحج : 40)

لذلك فقد أرسي الإسلام قواعد العدالة والفضيل والقيم الإنسانية وحافظ عليها في الحرب والسلم على حد سواء فالحربالإسلامية تتصف بالعدل وإقامة الفضيلة ونظرة فاحصة ودراسة واعية للحروب قبل الإسلام بل وللواقع الذي نعيشه اليوم نري مصداق ذلك فالحروب الحالية الوحشية اللا أخلاقية التي يعانيها العالم خير شاهد في زماننا هذا على ذلك ومرجع ذلك كله إلى طبيعة النفس الإنسانية التي ألهمها الله فجورها وتقواها فإن اتقت صلحت وسعدت وإن فجرت خاصمت وحاربت وفجرت.

ونحن والحمد لله لسنا أمة ثورة تسفك الدماء وتستحل الأموال ولأعراض , لتقيم نظاما على الأشلاء ولا تبالي بتقتيل الأطفال وتحريق الأخضر واليابس , ولا تحكمها مبادئ وقيم لتصل إلى غايتها بوسائل لا أخلاقية , فالغاية عندها – أى الأمة الإسلامية - تبرر الوسيلة وما أرسل الله صاحب الدعوة إلا رحمة مهداه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء : 107) فمن حمل هذه الرسالة – فرد أو جماعة - لابد ن يكون رحيما بالناس جميعا أسودهم وأبيضهم مسلمخم وكافرهم .

إن بعض المغرضين من أعداء الإسلام يرمونه بالتناقض فيزعمون أنه فرض بالسيف في الوقت الذي يقرر فيه ( لا إكراه في الدين) ( البقرة : 256) وقد بينا في أول الرسالة هذا الكذب وهذا البهتان – أما البعض الآخر فيتظاهر بأنه يدافع عن الإسلام وهو حاول في خبث أن يخمد في حس المسلم وروح الجهاد , ويهون من شأن هذه الفريضة في تاريخ الإسلام وفي قيامه وانتشاره .

إنه يوحي إلى المسلمين – بطريقة ملتوية ناعمة ماكرة – أن لا ضرورة الوم أو غدا للاستعانة بهذه الفرصة وذلك كله في صورة من يدفع التهمة الجارحة عن الإسلام كي يؤمنوا انبعاث هذه الروح لأنها ما انبعثت بصدق في قلوب مؤمنة به إلا انتصرت لذلك لم يسمحوا للجهاد ولو مرة أن ينبعث فمسخوه وشوهوه وما أطمأنت نفوسهم إلا بعد ما خدروه وكبلوه بشتى الوسائل وألقوا في خلد المسلمين أن حروبهم حرب أسواق وخامات وما كانت يوما حرب قيم وحضارات تقتضي الجهاد وقالوا ليس الإسلام إلا دين التسامح والمسالمة وليس دين قتال وجهاد ونسوا أو تناسوا قول الرسول صلي الله عليه وسلم " ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا " صحيح أن قيام دولة الإسلام إنما هو بالدعوة ولحجة وانتشاره السريع على العالم إنما هو بموافقته للفطرة ( إن الدين عند الله الإسلام ) ( آل عمران : 19) ( ومن يبتغ غير الإسلام دين فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ( آل عمران : 85 )

ولكن ماذا عسانا أن نفعل حين يهم العدو والطامع باغتصاب بلادنا أو شئ من حقوقنا أو أراد استذلالنا أو العدوان على استقلالنا ونهب ثرواتنا ومنع حرية دعوتنا ؟ أن بلادا ونظما غير إسلامية يضحي أبناءها من أجل العرض والأرض فكيف بأصحاب الرسالة الربانية ألا يستحق ذلك أن نتحلي بالشجاعة ونرتدي رداء العزة والكرامة , ونتوكل على خالقنا ونركن إلى من بيده النصر فنقاتل بعد الإعداد ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ( الأنفال : 60) حتى تكون حقوقنا محفوظة وكرامتنا مصونة , وهويتنا محددة ومقدساتنا محميية , ودعوتنا منتشرة فيكون هذا القتال في سبيل الله التعدي على المسلمين وعلى بلادهم وشعوبهم ونكون في هذه الحال كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكي كله.

لقد كتب الله القتال على المؤمنين وهو مع كراهيتهم له خير لهم وخير للبشرية كلاها حيث هدى الله به وبدينهم ودعوتهم عظم شعوب الأمم من النصارى والعجم وسائر الأمم فأسلموا وحسن إسلامهم حيث فتحوا الكثير من ممالك الشرق والغرب حتى استولوا على بعض بلاد أوروبا وفارس ونظموا فيها دولة عربية مسلمة كانت سعادة للبشرية كلها وكانت زينة الأرض في العلوم والفنون والحضارة والعمران .

ذ‌- شهادة العقلاء

ولقد انتشر الإسلام في أواسط آسيا شرقا إلى المحيط الطلسي غربا ودخل الناس في دين الله أفواجا حين عرفوا محاسنه وذاقوا طلاوته وسعدوا بعدل سادته ومن اختار منهم البقاء على دينه فإنه آمن على ماله ودمه وعرضه ودينه , وعاشوا في ظل الإسلام والمسلمين في أمن وأمان وسعادة واطمئنان بل منهم من فضلالإسلام على بني جلدته ..

ولقد شهد بذلك " جوستاف لوبون " وهو من أكبر فلاسفة الاجتماع والعمران والتاريخ من الإفرنج بقوله :"

إنه لم يعرف التاريخ فاتحا أ‘دل ولا أرحم من العرب المسلمين في فتوحاتهم "

ويقول ( ولز) الانجليزي :" إن الإسلام قد ساد لأنه أفضل نظام اجتماعي وسياسي تمخضت به الأعصر , وإنالإسلام قد ساد لأنه وجد أمما استولي عليها الخمول , وكان فاشيا بها الظلم والنهب والعسف , وكانت بدون تهذيب ولا ترتيب , فلم جاء الإسلام لم يجدوا إلا حكومات مستبدة جائرة ظالمة متقطعة الروابط بينها وبين رعاياها فأدخل الإسلام في أعمل الخلق أوسع فكرة سياسية عرفها البشر وقد مد إلى البشرية يد المعونة ولم يبدأ المسلمون بالانحطاط إلا عندما بدأت البشرية تشكك في صدق القائمين به"

كما يقول ( لوثر وباستورادر ) الأمريكي :" العرب المسلمون في فتوحاتهم لم يكونوا قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستيلاب والتدمير , بل كانوا على الضد من ذلك , أمة موهوبة جليلة الأخلاق والسجايا توقة إلى ارتشاف العلوم محسنة في اعتبار نعم التهذيب تلك النعم التي انتهت إليها من الحضارات السابقة "

هذا هو الإسلام الذي شرع الجهاد للدفع عن الدعوة الإسلامية ولمنع الظلم والبغي والعدوان وإرهاب الشعوب من أمرهم عسرا ,ووضع له قواعد وأصولا ومبادئ وحدودا لا ينبغي ن يتجاوزها المقاتلون لتعلو القيمة ويرسو المبدأ وتسود الأخلاق التي بعث رسولنا صلي الله عليه وسلم ليتمم مكارمها اسمع إليه صلي الله عليه وسلم وهو يخاطب الجيش والقادة وهم ذاهبون للقتال يقول لهم :" اغزوا باسم لله قاتلوا من كفر بالله , لا تقتلوا وليدا ولا تغلوا ولا تعذروا , ولا تمثلوا " ولذلك كن لابد أن يسبق الجهاد بالسيف مجاهدة للنفس للتحقق هذه السلوكيات الأخلاقية .

ولقد ذكر القرآن الجهاد في اثنين وسبعين موضعا فالآيات التي تحث على الجهاد كثيرة والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله وكذلك عرف ابن عباس الجهاد بأنه استفراغ الطاقة فيه وألا يخاف في الله لومة لائم ونقل عن الحسن البصري قوله :" إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوما من الدهر بسيف ".

الفصل الرابع: الجهاد أنواع ومراتب

قسم ابن القيم الجوزية الجهاد أربع مراتب : جهاد النفس , وجهاد الشيطان وجهاد الكفار والمنافقين وجهاد في مواجهة الظلم والبدع .

وقد فصل كل مرتبة حتى بلغ عدد مراتب الجهاد التي صنفها ثلاثة عشرة مرتبة يمل الجهاد باليد ( القتال ) وحدة فقط منها .

ولهذا فإن كل قتال في سبيل الله يعد جهاد حقا ولكن من وجهة نظر التأصيل العلم فليس كل جهاد في سبيل الله ينبغي أن يكون قتالا وإذا كان الجهاد أنواعا ومراتب ودرجات فإن القتال نوع واحد له صيغة واحدة.

ومن ثم فإن الجهاد بهذا المعني متصل وماض حقا إلى يوم القيامة بينما القتال عارض يقوم ويزول بقيام أو زوال سببه , فهو قيمة عالية المقام وعظيمة القدر تمثل ركنا ركينا في منهج الإسلام فضلا عن أن لتلك القيمة رنينها المجلجل في عمق التاريخ الإسلام وعمق الضمير المسلم .

ولا يقلل من شأن الجهاد إساءة البعض توظيفه أو ابتذاله للمصطلح باعتبار أن القيم لا تجرح أو تهدم على وجه الأرض حيث تاريخ الشر في العالم هو سجل حافل بانتهاكات مختلف القيم , والذي تفهمه أن مواجهة العبث بأى قيمة لا تكون بنفيها أو اغتيالها وإنما التصرف المسئول يكون يوضع القيمة في إطارها الصحيح .

نقول هذا الكلام كله لأن بعض الناس في زماننا هذا يطالبون بحذف كلمة الجهاد من لغة الخطاب العام وكأنها وصمة وكأن الشعوب ليس لها أن ترفع راية الجهاد في وجه من يغتصب الأرض والعرض بل ويذهبون إلى أن وضع الجهاد يتعارض وهو في موقف التناقض مع السلام وهذه صياغة ملتبسة ومغلوطة فالموالي سبحانه وتعالي الذي أمر بالقتال ( فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) البقرة : 191 هو الذي دعا للدخول (في السلم كافة ) ( البقرة : 208) فهذه الصياغة إذن لا تمت بصلة إلى ما هو مستقر في ثقافة العرب والمسلمين .

وإلا ما الذي دفع إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وهو مدجج بأكثر من مائة قنبلة ذرية غير أنواع الأسلحة الأخرى البيولوجية والهيدروجينية أن يقول بصراحة في افتتاح مؤتمر مدريد يوم الثلاثين من أكتوبر مطالبا العرب بإلغاء كلمة " الجهاد"

لا يستطيع منصف أن يقول : إن شامير وهو يخص كلمة الجهاد دون غيرها بالاستبعاد والنفي واعتراض نتنياهو على تسمية المناورة الحربية لجيشنا الباسل " بدر 96" مجرد الاسم الذي لا يمت إلى اليهود بصلة وإنما هي غزوة بين المسلمين والمشركين ولكن لأن اسم بدر يذكر المسلمين بأمجاد الجهاد أقول : فلا نتنياهو يوم أن اعترض على اسم بدر كان يدعو إلى السلام ولا شامير أيضا كان يدعو إليه ولكنهما كانا يدعوان إلى تجريد الأمة الإسلامية من صفة من خص صفاتها كأمة مجاهدة إذ أن شامير وأمثاله لا يطبق سماع كلمة الجهاد بأى صورة أو معنى لأنها تمثل صيغة الوصل بين العقيدة والعمل وتمنح النضال قداسة حتى يصبح الموت دولة شهادة في سبيل الله يتسابق على نيل شرفها كل المؤمنين الصادقين .

ومن هن فإن شامير وهو يقول ذلك أراد أن يجرد لأمة العربة من أحد أمضى أسلحتها, بل السلاح الوحيد الذي يمكن أن يصمد أمام قنابله الذرية وينتصر علها أيضا وما الانتفاضة منا ببعيد بل البوسنة والهرسك والشيشان وكل بلد مجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلي وصدق رسول الله الكريم صلوات الله وسلامه عليه القائل :" ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ".

جهاد الأمس لا إرهاب اليوم

إن الذين يصفون الجهاد بالإرهاب إنما يمنعون حق الشعوب في تقرير مصيرها والذود عن أوطانها والمحافظة على هويتها ولذلك فهم يقومون بتشويه المصطلحات وتزييف المعاني والحق يقال : إنه لم يشهد عصر من العصور ما شهده عصرنا الحاضر من انقلاب المفاهيم , وتبدل الأفكار وزرع المصطلحات حتى غدا الناس يعانون صعوبة بالغة في تمييز الحق من الباطل ومعرفة الأصيل من الدخيل ,الثابت من المتغير مما نتج عنه ضياع الهوية الإيمانية والشخصية الإسلامية حتى أصبحت شخصية إمعية غنائية أفقدتنا التفرد المتميز والخيرية بل وأورثنا التبعية الذليلة والدونية البغيضة – كما ذكرنا في من قبل - ليصبح لقمة سائغة في فم الأعداء يلتهمونها أو يلفظونها أني شاءوا وهذه خطورة نشر المصطلحات المقلوبة والفريضة المفترى عليها " الجهاد " من المصطلحات التي أراد أعداؤنا أن يشوهوها ويهدموا معناها ويستبدلوها بمفردات أخرى أكثر رقة إلا لشئ إلا الإبعاد المسلمين عن مصطلحاتهم وتشويه تاريخهم .

إننا نقول لهؤلاء : إننا حينما نرجع الحضارة الإسلامية العملاقة وكيف توالت عليها الجروح والاستنزافات وكيف تتابعت المحاولات المسعورة للنيل من الإسلام فما من حيلة إلا واستغلت وعاونت الأقنعة لتستر النوايا الشريرة ومع هذا كله وصل الإسلام في القرن العشرين بمليار من البشر دون أن يرتكز على صواريخ أو عابرات قارات ولكنه يعبر القلوب والعقول بحجته القوية وبيانه وعقلانيته السوية دون إكراه لأحد على الدخول فيه , أو إرغام بالقهر والجبر والسيف على اعتناقه.

والمجتمع المعاصر – باعتراف الجميع – بقدر ما يفخر بإنجازاته في الأشياء المادية بقدر ما يعاني من غيبة الانجازات بالنسبة للإنسان الذي ضمر وجف كما يقول كبار المفكرين في حضارة الغرب لأنه اختزل الأمكنة والأزمنة وبالتالي اختزل الإنسان كما اختزل الأجهزة .

ونحمد الله أن إنسان الإسلام لم يجف , فما زالت لدى المسلم العواطف والمشاعر والتطلع للتعادل بين الجسد والنفس والروح تحت راية عقيدتنا الخالدة .

والذين يريدون تشويه الإسلام من خلال مصطلح من المصطلحات وقلب المفاهيم لإبعاد الناس عنه نقول لهم :

ليس هذا هو المنهج العلمي – كما تدعون – فلا يحكم على الإسلام بأنه دين السيف والقتل والسفك والإزهاق من خلال تشويه المصطلحات , أو ارتكاب بعض أبنائه تصرفات لا تستند إلى فقه أو فهم أو دليل ولكن هناك مقاييس حددها علماء الإصلاح يقولون : إذا أردنا أن نقيم أى مذهب يقدم للناس لابد أن نتأكد من معرفة هذا المذهب من حيث :

أولا : القوانين والمبادئ والقيم التي يقوم عليها , من حيث عدالتها وشمولها وأساسها الفكري والعقيدي الذي قمت عليه , نظرة هذه المبادئ للكون – الإنسان – الحياة .
ثانيا : الأشخاص الذين يدعون لهذا المذهب من حيث سلوكهم أخلاقهم تكوينهم العقلي مدى تطبيقهم لما يدعون إليه وموقفهم بين الناس .
ثالثا : نتائج هذا المذهب وأثره في حياة معتنقيه و , ثم أثره النافع في المجتمع .
رابعا : هل هذه النتائج والآثار وقتية ستنتهي بزوالهم وزوال مبدئهم أم أنها مستمرة من بعدهم في الأجيال التي تليهم .
خامسا : هل هذا المذهب يرغم الناس ويجبرهم على اعتناقه ولا يسمح لمعارضيه بصوت أو نصح , أم أن معتنقيه يلتزمون به ولا يلزمون غيرهم ويقنعون ولا يكرهون ويتركون الناس يختارون .

فهل هناك غير دين الإسلام وكتاب الله ومنهجه وشريعته التي أحاطت بهذا كله ؟ ومن غير محمد صلي الله عليه وسلم اكتملت فيه الصفات ؟ فاكتمل البناء دعوة وداعية , نظاما ورجالا .

هذا هو الإنصاف لتقييم نظام ما لا أن نجتزأ منه ركنا من الأركان أو فرعا من الفروع ثم يشوه هذا الركن أو الفرع ثم يصدر الحكم على النظام كله من خلال التشويه والتضليل أو يقيم بفعل خاطئ من بعض إتباعه الذين يسيئون إليه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فهذا هو بعينه وصدق الله القائل ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) ( الأنعام : 33) ولذلك ارتبط جند الله فيالإسلام بنظامهم المبني على الأخلاق والقيم فكان الواحد منهم أنموذجا لهذا النظام القائم على قاعدة أخلاقية إيمانية فكانوا أصحاب أخلاق قبل أن يكون أصحاب فتوحات , فلماذا فرض الجهاد إذن ؟

لماذا فرض الجهاد

الذي نريد أن نؤكده أن الإسلام انتضي السيف وناضل وجاهد في تاريخه الطويل , لا ليحتل أرضا أو يستذل شعبا أو يحقق ثروة أو حتى ليكره أحدا عليه والدخول فيه لكن ليكفل عدة أهداف كلها تقتضي الجهاد في سبيله منها :

أولا : جاهد الإسلام ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين الله ( والفتنة أشد من القتل ) ( البقرة : 191)

فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها وفتنة أهلها عنده أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم .

وإذا كان المؤمن مأذونا في القتال ليدفع عن حياته وماله فهو من باب ولي مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه إذا تعرض للعدوان .
ثانيا : جاهدالإسلام لتقرير حرية الدعوة – بعد تقرير حرية العقيدة – فقد جاءالإسلام بكمل تصور للوجود والحياة وبأرقي نظام لتطوير الحياة جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها فمن شاء بعد البين والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر ولا إكراه في الدين ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات التي تحول بين الناس وبين سماع هذا الحق والغريب أن القوم يعترفون بالنظام العالمي الجديد كي يسود لا فكرا فحسب بل نظاما يطبق .
ومن يحول دون ذلك فعاقبته معروفة يحاصر أو يحرب و يرمي بالإرهاب أو في أقل تقدير ممن يساعدون الإرهابيين وأحداث اليوم خير شاهد على صدق ما نقول , فما بالك والإسلام دين الحق والعدل والمساواة بين البشر جميعا حين يدعو إلى نظام تسعد به الدنيا كلها – وقد سعدت – ينكر عليه ذلك بل يحارب وتوضع أمامه كل العقبات حتى لا يكون واقعا على الأرض تسعد به البشرية .
ثالثا : جاهد الإسلام ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه, وهو وحده النظم الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها " " إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا ولآخرة "

وعلى هذه القاعدة الربانية يقوم نظام أخلاقي نظيف تكفل فيه الحرية لكل إنسان حتى لمن لا يعتنق عقيدة الإسلام وتصان فيه حرمات كل أحد حتى الذين لا يعتنقون الإسلام وتحفظ فيه حقوق كل مواطن في الوطنالإسلامي أيا كانت عقيدته ولا يكره فيه أحد على اعتناق عقيدة الإسلام ولا إكراه فيه على الدين إنما هو البلاغ وهكذا يدع الإسلام الناس في ظله أحرارا في عقائدهم الخاصة لا يلزمهم إلا بالطاعة لشرائعه الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية الدولية , أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار وأحوالها الشخصية هم فيها أحرار يزاولونها وفق عقائدهم والإسلام يقوم عليهم يحميهم ويحمى حريتهم في العقيدة ويكفل لهم حقوقهم ويصون لهم حرماتهم في حدود ذلك النظام .

فلم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناق عقيدته ولم ينتشر بالسيف على هذا المعني كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه إنما جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعا ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته ويؤمنوا بكتابه ويصدقوا رسوله صلي الله عليه وسلم .

وكأى نظام لابد له قوة تحميه لا ظلما وعدوانا كالنظام العالمي الجديد الذي يدعي إليه في زماننا هذا ولكن قوة الإسلام ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتهم واطمئنان من يريدون اعتناقه على أنفسهم كذلك وإذا كان لابد للإسلام من نظم فكان لابد له من قوة ولابد له من جهاد فهذه طبيعته التي لا يقوم بدونها إسلام يعيش وبقوة .

نعم ( لا إكراه في الدين) ( البقرة : 256) ولكن ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم تعلمونهم الله يعلمهم ) ( الأنفال : 60)

هذا هو قوام الأمر في نظرالإسلام وهكذا يجب أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم وحقيقة تاريخهم فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع , إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات ونظم الأرض جميعا وعلى مذاهب الأرض جميعا لا يتخدعون بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدى والجهاد كذلك لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه ويحول بينها وبينه فهذا هو أعدي أعداء البشرية .

إن سماحة الإسلام تراها في مواجهة كل عداء فهو يأمر المسلمين بالوقاية دائما من الأعداء ولكنه لا يحرضهم على مقابلة الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بمثلها إنما هي مجرد الوقاية للصف المسلم مجرد الوقاية والتنبيه إلى الخطر الذي يحيطها به الآخرون أما المسلم فبسماحة الإسلام يتعامل مع الناس جميعا , وبنظافة لإسلام يعامل الناس جميعا , وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس جميعا , يتقي الكيد ولكنه لا يكيد, ويحذر الحق ولكنه لا يحقد و إلا أن يحارب في دينه , وأن يفتن عن جهادا في سبيل الله لا انتقاما لذاته , وحبا للخير للبشر لا حقد على الذين آذوه , وتحطيما للحواجز الحائلة دون إيصال هذا الخير للناس لا حبا للغلب والاستعلاء ولاستغلال وإقامة للنظام القويم الذي يستمتع الجميع في ظله بالعدل والسلام لا ليرفع راية قومية أو لبناء إمبراطورية .

لذلك لا يصد البشرية عنه إلا أعدى أعداء البشرية الذين ينبغي التصدي لهم فكرا بفكر واعتداء باعتداء هو الجهاد في سبيل الله وهو ماض إلى يوم القيامة تحت هذا اللواء حتى ولو بذل المسلم روحه من أجله ليكون الموت في سبيل الله أسمي أمانيه

ولذلك يجب علينا أن نفرق بين فريضة الجهاد المشروع واستخدام القوة الممقوتة والممنوعة شرعا.

تصحيح بعض المزاعم

يسرى مفهوم خاطئ مفاده أن الحركة الإسلامية تعد العدة للجهاد من غير حدود وفي كل مكان بل يقولون إن الحركةالإسلامية تتخذ من الديمقراطية وسيلة لتحقيق أغراضها حتى إذا ما تمكنت ووصلت إلى الحكم فإنها لا تبقي ولا تذر وهذا ليس صحيحا فالإسلام يفتح القلوب والعقول ويدعو الناس بالإقناع قبل الدخول فيه , وأكثر الأمم التي دانت للإسلام لم يحدث فيها قتال فالحركة لا تفكر في هذا إلا في ظروف استثنائية وأماكن محدودة لا يكون أمامها خيار لآخر مثل ما حدث في حرب فلسطين والقنال وهذا لون من الجهاد مطلوب وكذلك الموقف في أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان وكل بلد يضطهد فيه الإسلام والمسلمون وتنتهك فيه الأعراض وتسلب منه الأموال وتسفك فيه الدماء أما أن يكون لمن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وينطق بالشهادتين ويعمل بمقتضاها فلا إثم .

لأن هذا إثم عظيم وبهتان مبين لأن الجهاد في سبيل الله ليس جهادا بالغير ضوابط في كل اتجه فالجهاد أولا المقصود منه ضد الاستعمار الأجنبي أو ضد المتعدي الذي يريد استئصال الإسلام والذين ييدون استعباد المسلمين كما يحدث اليوم في فلسطين وكرد عدوان عباد البقر في الهند عن إخواننا أهل كشمير أو حين يحال بين المسلمين وبين دينهم كما في كثير من البلاد الشيوعية والإلحادية ويحكم ذلك قواعد شرعية وضوابط فقهية وليس أهواء شخصية ولا مفاهيم مغالية ولا تصورات خاطئة ولذلك فإن موقفنا من بنى جلدتنا ووطننا النصيحة الخالصة والتربية الصالحة والمشاركة الفعالة في الإصلاح بالطرق المشروعة لا القوة والبطش وهذا موقف مبدئي استراتيجي وليس تكتيكيا حركيا كما يفترى أعداء الإسلام لأننا نصدر في كل أعمالنا عن أحكام الشريعة الإسلامية والحكم الشرعي يفرض علينا النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم كما أنه يفرض علينا أن ننصر إخواننا المغلوبين على أمرهم إذا استنصرونا في الدين فلا نتردد ويحكمنا في ذلك ضوابط شرعية وأمر الرب سبحانه وتعالي ونبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم .

علم بأن القوة هي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته فالقرآن الكريم ينادى في وضوح وجلاء : ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الأنفال : 60) والنبي صلي الله عليه وسلم يقول : " المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف ) بل إن شعار الإسلام القوة حتى في الدعاء وهو مظهر الخشوع والمسكنة واسمع إلى ما كان يدعو به النبي صلي الله عليه وسلم في خاصة نفسه ويعلمه أصحابه ويناجي به ربه " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " ألا ترى في هذه الأدعية أنه استعاذ بالله من كل مظهر من مظاهر الضعف : ضعف الجيب بالهم والحزب وضعف الإنتاج بالعجز والكسل وضعف الإرادة والمال بالجبن والبخل وضعف العزة والكرامة بالدين والقهر ؟ فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويا في كل شئ ولا يصح أن توصف أمة بالقوة حتى تتوافر لها هذه المعاني جميعا وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك وأما الثورة فيجب ألا يفكر فيها المسلمون ولا يعتمدوا عليها ولا يؤمنوا بنفعها ونتائجها لأنها تجر على المجتمعات الأهوال وكما كنت في يوم من الأيام سبيلا للإصلاح والتاريخ قديما وحديث خير شاهد على ذلك ومن هنا فإن المسلم الواعي يرى أن دوره في إقامة الدين وليس الاستيلاء على السلطة بالثورة والقوة.

إقامة الدين وليس الاستيلاء على السلطة

إسلامنا دين سلام وعلاقة حب ونظام وحدة وجهاد قيم ورسالة أخلاق وشمول يحقق الظلال الوارفة التي يستظل العالم كله بظلها ويقيم فيه منهجه ويجمع الناس جميعا تحت لواء الأخوة الإنسانية .

وهذه الأهداف ليس لها من عائق لتحقيقها إلا عدوان أعدائها عليها وعلى أهلها بكل أنواع الأسلحة فإن سالموا فليس الإسلام براغب في الخصومة ولا متطوع بها فإن دفع إلى الحرب دفعا فهي حرب كي لا تستذل فيها الرقاب ولا يشتد فيها الباطل ولا ينال من المسلمين عدو وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله هم إن اضطروا إلى الحرب يكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضا وارتياح ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) ( الأنفال : 58 ) أى إذا أحسست يا رسول الله صلي الله عليه وسلم من قوم معاهدين خيانة للعهد ونكثا بأمارات ظاهرة أطرح إليهم عهدهم على بينة ووضوح من الأمر وهذا من معجز ما جاء في القرآن مما لا يوجد في الكلام مثله على اختصاره وكثرة معانيه والمعني وإما تخافن من قوم بينك وبينهم عهد خيانة فنبذ إليهم العهد , أى قل لهم قد نبذت إليكم عهدكم وأنا مقاتلكم ليعلموا ذلك فيكونوا معك في العلم سواء " ولا تقاتلهم وبينك وبينهم عهد ولا هم يثقون بك فيكون ذلك خيانة وغدرا "

ولذلك فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول للجند وهم متوجهون للقتال تألقوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل مدر ولا وبر أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم "

ولذلك فإن الإسلام في حالة الخصومة يستبقي أسباب الود في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة انتظارا لليوم الذي يقتنع فيه الخصوم بأن الخير تحت هذا اللواء الرفيع ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم ( عسي الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير ولله غفور رحيم * لا ينهاكم له عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة : 7) فهل دين هذا منهاجه يدعو إلى غي السلام وهو الذي يقول : ( وقل الحق من ربكم فمنا شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الكهف : 29 ) فهو لا يرفض الأفكار , ولا يقهر العقول , ولا يجبر النفوس على اعتناقه ولا يفرض على الناس بالقوة طريقه , بل يحاجهم ويجادلهم بالتي هي أحسن بأقوى حجة وأنصع دليل .

ولو كان الغرض هو طلب المال لقبله رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم أن قالوا له :" إن كنت تريد سيادة سودناك علينا " أو استجاب لطلب ملك الجبال بعد عودته من الطائف بعد أن استقبله أهلها أسوأ استقبال فجاءه جبريل – عليه السلام 0 ومعه ملك الجبال في طريق عودته وقال له :" لو أردت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت " فلو كان هو الطريق لدعوة الإسلام لاستجاب الرسول صلي الله عليه وسلم لكن القضية بالنسبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم ليست قضية انتقام أو تشفي أو بطش بالعدو حتى يتمكن من الاستيلاء على السلطة ولكنها دعوة يتحمل فيها الداعي ألوان الإيذاء, بل إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يستطيع أن يدعو عليهم كما دعا نوح عليه السلام 0 رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ( نوح : 26) أو يقول كما قال موسي ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) ( يونس : 88) لكنه صلي الله عليه وسلم قال : لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبدوه من بعدهم " أو كما قال صلي الله عليه وسلم يوم ن فتح الله عليه مكة قل لهم :" ما تظنون أني فاعل بكم : أخ كريم وابن أخ كريم " : اذهبوا فأنتم الطلقاء لأن الحرية في الإسلام أصل أصيل فليس المسلمون الذين إذا مكنتهم الديمقراطية من تداول السلطة بجبارين ولا معتدين ولا منتقمين ولكن لهم في رسولهم الكريم الأسوة الحسنة .

إن القوة وحدها لا تقيم مبادئ ولا قيما وإن قامت دولة على البطش والعدوان واستبعاد الإنسان فمآلها إلى زوال لا محالة فكم من حضارات قامت على القوة والبطش ولكنها زلت وبادت ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يحلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذى الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد ) الفجر : 6 – 14 ) ولذلك خاطبهم المولي بقوله ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون ) الشعراء : 128 -131 ) ولقد أوضح القرآن من خلال قصصه وبين الفرق بين دعوة الإسلام وغيرها من الدعوات الأرضية إن قامت نظمها على القوة فحسب , إن الذي كان يشغل الرسول صلي الله عليه وسلم ليس هلاك القوم والاستيلاء على السلطة إنما كان الذي يشغله هدايتهم واستمراريتها في أجيال متلاحقة بعدهم يستمسكون بحبل الله المتين كما استمسك رسولهم صلي الله عليه وسلم ( فإما نذهبن بك فأنا منهم منتقمون * أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون * فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) الزخرف : 41 -44 )

فصلاح حال المجتمع عندنا سابق على إقامة الدولة وإقامة الدين أولا وليس الاستيلاء على السلطة ولا يتحقق ذلك إلا بالفرد المسلم إقناعا وإيمانا لا قوة وإجبارا وإكراها ثم يأتي بعده الأسرة فالمجتمع الحقيقة التي يجب أن يعيها الدعاة لذلك فإن الحقيقة التي يجب ن يعيها العاملون في حقل الدعوة الإسلامية أن المد الإسلامي لأول كان وحيا يحدد المنهاج وتعليما يفتق الألباب , وزيادة نفسية واجتماعية تفرش أشعتها على مساحات رحبة ومسافات بعيدة بين أيدى المسلمين نتيجة تربية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فإذا بالإسلام الذي يبشرون به يسيطر على الأفكار والمشاعر قبل الإعلان بالحرب والمقارع .

فلابد إذن للحركة الإسلامية من بذل الجهود الفكرية والعملية لترشيد خطواتها وتسديدها على الطريق الصحيح الذي يجنبها المزالق والعثرات وينأى بها عن الغلو والتفريط ويقيها السقوط في المهاوي التي يحفر لها الحافرون ـ أو تحفرها لنفسها بسوء تقدير بعض أتباعها .

إن بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية يصورون – للأسف –الإسلام وكأنه دين دموى المزاج , شرس المسلك يؤخر اللطف ويقدم العنف .

والغريب أن الصورة التي تقدم – عالميا – لدار الإسلام هي الدار التي ينهب فيها المال العام ويسودها حكم الفرد وتهون فيه كرامة المرأة بل تضيع وأن شوارعها ملأى بالقمامة ومدنها وقراها مظهر التخلف المادي والأدبي , وأن الفوضي والتقطع هما الرباط الذي يسود الجماهير وباختصار فإن الدعوة إلىالإسلام هي الدعوة إلى العودة إلى الهجمية ومعني ذلك كله أن الحضارة الإنسانية في خطر وأعداؤنا يكذبون علينا بيد أننا نشجعهم على الكذب حين يضطرب فقهنا لديننا ويضطرب علمنا به وتكون حياتنا الخاصة والعامة بعيدة عن جوهر الدين وغاياته العظيمة .

إن العربي كنت له غرائز حادة ومشاعر جياشة , وخيال واسع وخصائصه العقلية حسنة وهو مقاتل يحب الشجاعة والإقدام وهذه السمات إذا لم تضبطها كوابح حديدية هوت بصاحبها في عرض الطريق وإذا واتتها هذه الضوابط وراء نهضة جينية جيدة حلقت بها في الأوج وصدق ابن خلدون حين قال :" يستحيل على العرب أن يقوم لهم ملك إلا على أساس نبوة , أو أن يقوم لهم دولة إلا على أساس دين " لذلك قال لهم ربهم في أولي خطوات التربية ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) النساء : 77) إنه الكف حتى تكتمل التربية .

حذار من الشرك

وقد دلت الشواهد ووقائع كثيرة أن هناك جهات أجنبية وقوى معادية خفية تعمل بجد ودهاء وتدبر في الظلام والخفاء لإدخال هذه الصحوة لإسلامية في متاهات لا تستطيع الخروج منها , وإقحامها في معارك لا مبرر لها وشغلها بالنوافل عن الفرائض , وبالفروع عن الأصول , وبالشكل عن الجوهر, وبالمختلف فيه عن المتفق عليه , أو تدفع البعض إلى التسرع والتهور والعنف وتعمل على تغذية ما سموه بالتطرف الديني أو الإرهاب وتضخيمه واستخدامه لمصالحهم وتشويه الحركة الإسلامية جميعها دون تفرقة بين معتدل ومتطرف .

إننا لا نحب أن نبالغ في تصوير هذه الجهات وما تقوم به وفي نفس الوقت لا نستطيع أن ننكر أن هناك قوى معادية لانتصار الإسلام وعودته إلى قيادة المجتمع استغلت هذه الظاهرة بخبث ودهاء وحرصت على تغذيتها لتكبر وتنمو ورمت لها بالوقود لتظل متأججة ملتهبة ثم أشاعوا أن الإسلام انتشر بالسيف والقهر والجبر ولا هم لأتباعه إلا الاستيلاء على السلطة والانقضاض على الحكام فهو في نظرهم شريعة العدوان والبطش والسطو وتفننوا في رسم صورة للمسلم كلها رعب وفزع فهو في نظرهم إنسان متوحش يتطاير الشرر من عينيه انحصر تفكيره في القتل والسلب والنهب وهو بمجرد ما يري من يخالفه رأيا أو اعتقادا ينقض عليه ويمسك بخناقه إما أن يوافقه وإما أن يضرب عنقه .

إن هذا الافتراء الكاذب يدحضه قول رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يوصي جنده وقد أرسلهم للقتال يقول لهم صلي الله عليه " تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل مدر ولا وبر أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم "

إن هذه القوى التي تتعمد تشويه الإسلام وتصوره على أنه دين دموى لا هم له إلا القتال والاقتتال تكسب بذلك جملة فوائد منها :

1- تنفير جماهير الناس من ظهور الإسلام نظاما حاكما للحياة ما دام الذين يدعون إليه ويجسدون صحوته يتبنون التشديد والتضييق وتحجير ما وسع الله وتعسير ما يسر الله على عباده على عكس ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين وبذلك ينعزل الجمهور الذي ينشد اليسر ويكره العسر عن الصحوة بل قد يقف منها موقف الجفاء والخصام وفي هذا خسارة كبري .
2- شغل جيل الشباب الذي يمثل العمود الفقري للحركة الإسلامية بالمسائل الجزئية والقضايا الجانبية وتبديد جهوده الفكرية وطاقاته العملية في الدعوة بحرارة لهذه الفرعيات وإلهائه عن القضايا المصيرية الكبرى التي تتصل ببناء الإسلام وسيادة أمته وتحرير أوطانه وتحكيم شريعته في الأرض .
3- شغل القوى الإسلامية المتحركة بعضها ببعض فبدل أن توجه حركتها إلى عدوها المشترك تتصارع فيما بينها وتتراشق بالتهم حتى يصل الأمر إلى حد التأثيم , بل التكفير, وربما التقاتل وبهذا يهدم بعضها بعضا , والعدو المتربص يقف متفرجا قرير العين بما يري , ولا مانع عند اللزوم أن يتدخل ليجهز على البقية الباقية .
4- إعطاء الجهات والمؤسسات المعادية للإسلام والمتربصة بالدعوة الإسلامية والتي تتوجس منها خيفة أو تضمر لها كرها مبررا لتضرب التحرك والعمل الإسلامي كله وبجميع اتجاهاته وفصائله السوى منه والشاذ تحت مظلة التطرف ومقاومة المتطرفين .
5- تيئيس الناس – في النهاية – من الإسلام ودعاته وأن المد الإسلامي مصيره إلى جذر والصحوة مآلها إلى نوم , وأن لا فائدة في أى عمل إسلامي ما دامت نتيجته أن يضرب من الخارج ,أو يتأكل من الداخل .

ولا يمكن أن يتحقق هذا المنهج الإسلامي وأن نتلافي هذه السلبيات أو المعوقات إلا بالاهتمام الزائد بالحاضر والإعداد للمستقبل وليس بالانكفاء على الماضي وذلك بالعناية بالتربية لننتقل من سماء الأحلام إلى أرض الواقع بدعوة حكيمة , وتربية سديدة .

لقد اتضح لنا أنه ليس هناك أسوأ من استخدام العنف والقوة حين يدعي إلى الإسلام وليس أضر على الدعوة منه وليس هناك بديل عن الحكمة والموعظة الحسنة وهذا هو مسلك الدعاة إلى الله تبيانا للحق ودعوة إليه بحكمة وموعظة حسنة ومجادلة بالتي هي أحسن ثم تربية المستجبين لهذه الدعوة تربية إيمانية تربي رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار .

ولقد جاءت هذه الدعوة في زمان كانت القوة فيه هي ديدن الجميع هي الفيصل في فض المنازعات وفرض الأفكار وحسم المواقف ولا أقول إن الدارس للتاريخ يعرف ذلك حق المعرفة ولكني أقول إن القارئ له يري ذلك جليا واضحا لا لبس فيه ولا غموض وسواء داخل الجزيرة العربية أو في فارس والروم ففي جميع الحضارات السابقة على الإسلام لا تعرف غير القوة ميزانا بل إن المجتمعات البشرية كلها قبله كنت تقوم على أساس مبدأ القوة فالقوة هي الحق والحق هو القوة تراها في الحضارة الآشورية والبابلية إلى الفرعونية إلى الفارسية وإلى الرومانية وغيرها من الحضارات المادية .

فالدولة الرومانية كانت تقسم العالم إلى رومان وبرابرة ولا يعترف لهم بحقوق إلا تحت المظلة الرومانية ولسنا بصدد سرد وقائع تؤيد ما نقول فالإشارة هنا تكفي عن العبارة ويكفي أن أشير إلى سياسة قائد مشهور عرفته الدنيا هو الإسكندر المقدوني الذي سعي إلى السيطرة على العالم أجمع ليجعل منه مملكة وحدة تدين للأغريق بالولاء والطاعة وتفرض سيادتها ونفوذها على العالم فلما انهارت الدولة الأغريقية وآلت الأمور إلى روما آلت معها كذلك فكرة السيطرة العالمية وفعلا تمكنت روما من جعل البحر المتوسط بحيرة رومانية وما ظهر من سلم ومن في الفترة لم يكن قائما على تعادل القوى بين دول متساوية بل كان نتيجة روح مسيطرة تسعي لقيام دولة عالمية .

وهكذا نجد علاقة كاملة بين القوى المختلفة للسيطرة الأجنبية سواء في الحرب والسلم والغريب أن أعداءالإسلام في الغرب بوجه خاص وفي العالم بوجه عالم يتهمون المسلمين بالإرهاب وحب الدماء وهم أصحاب هذا الاتجاه الذي يريد أن يستأصل شأفة الإسلام والمسلمين مستخدمين كل وسيلة خسيسة وكل آلة مدمرة لإبادة المسلمين .

ما أشبه الليلة بالبارحة

تاريخنا اليوم خير شاهد على ذلك في البوسنة والهرسك والفلبين والشيشان وفلسطين وفي كل مكان يسمع فيه كلام الله أو حتى ينطق فيه بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أكبر برهان ودليل على صدق ما نقول فهم يدنسون المقدسات وينتهكون الأعراض ويسترخصون دماء المسلمين ويحرقون كتابهم ويسخرون من شعائرهم وشرائعهم ويبقرون بطون الحبالي ويئدون الأولاد الذكور منهم والإناث ولا يحترمون المعاهدات ويفرضون السلام الذي يعني عندهم الاستسلام.

وها نحن نري نظاما يفرض وثقافة تنش وعلوما تدرس واقتصاد يسيطر وأصحاب هذا النظام يتعايشون ولكنهم يجبرون ويفرضون ويسيطرون والغريب أن هؤلاء لهم أتباع من جلدتنا يشهدون شهادتنا ويصلون صلاتنا ويدعون الحرص على الإسلام يحملون هذه الأفكار ويؤيدون هذا الاستعمار فإذا انتقدهم منتقد غيره على الدين والأوطان رمي بكل نقيصة فعقله متحجر وفكره متجمد ودينه رجعي وسلوكه همجي وكل ما يحمله من أفكار إنما هي ظلام في ظلام حتى سموه ظلاميا .

وليس لدى ما أقوله لهؤلاء إلا ما استعيده من تصورات تحكمنا نحن المسلمين فما أشبه الليلة بالبارحة فرحي الأيام تدور ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ( آل عمران  : 140) فبعد عدل قائم وقوة تحكم ورحمة تسود ومنهج شامل كامل فيه السمو والكمال والدوام والشمول خلف من بعد ذلك كله خلف أضاعوا كل شئ حتى عادت القوة مرة أخرى هي التي تحكم وليس هذا رأيي الذي أقول حتى لا أوصف بتلك الصفات المكرورة المكروهة , ولكنها آراء بعض العقلاء في وطننا الحبيب يكتبونها بأيديهم تؤيد ما نقول بالرغم من أن أصحابها لا يمتون إلى الاتجاه الذي ينادى به فصيل الإسلاميين بصلة , آثرنا أن ننقلها كما هي دون زيادة أو نقصان لنري من الإرهابي في هذا الزمان ومن الذي يجعل من القوة حكما وفيصلا أهم المسلمون أم غيرهم ؟ فاسمع إلى هذا الكاتب العلماني لأمين فيما يقول :

" إن السياسة الأمريكية قد أثبتت في مناسبات كثيرة قديمة وحديثة أنها وريث أمين لسياسة القوة الغاشمة الباطشة التي ولدت من رحم الحضارة الغربية عب تسلسل تاريخي طويل بدأ بدبلوماسية البوارج وقبل قرون طويلة وها هو يمارسها حتى اليوم .

فعند انتقال الحضارة الغربية القديمة من العصر اليوناني إلى العصر الروماني اتخذ هذه الحضارة من تحكيم العقل والفلسفة والفنون والثقافة وسيلة للتفوق والازدهار إلى تحكيم القوة الرومانية والباطشة سلاحا للهيمنة والسيادة .

وهو السلاح ذاته الذي ورثته الإمبراطوريات الغربية الصاعدة منذ الكشوف الجغرافية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر وصولا لتصارع مراكز الإمبريالية الأوربية المتنافسة : انجلترا وفرنسا وهولندا والبرتغال .. الخ وإلى دبلوماسية البوارج في الغزو والحروب الاستعمارية وبناء إمبراطوريات ما وراء البحار خصوصا من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية منذ القرن السابع عشر حتى منتصف القرن العشرين .

وحين بدأ تراجع الإمبراطوريات الأوربية الأمبريالية التي شاخت صعدت الإمبراطورية الأمريكية الشابة بكل عنفوان القوة الباطشة ترث الأرض ومن عليها , وتزيح مراكز التوازنات الدولية وتهمش القوى الرئيسية وصولا لنجاحها المدوي في اختراق الأمبراطورية السوفيتية وتفتيتها لكي نعقد لها زمام القيادة المنفردة .

نحسب أن هذا هو المكون الثقافي والتراث التاريخي الذي يشكل المحرك الرئيسي لدبلوماسية البوارج المعبرة عن انقلاب القوة الباطشة التي تمارسها الحكومات الأمريكية لمختلفة وصولا للشاب اليافع كلينتون الذي يريد استعادة مجد أسلافه من الرؤساء ذوى القبضة الحديدية على شاكلة أحدثهم الرئيس الأسبق رونالد ريجان الذي أعاد على مدى سنوات حكمه استرجاع تاريخ القوة الغاشمة في الغرب الأمريكي خلال الحرب الأهلية .

وليس هدفنا من هذه الخلفية التاريخية محاولة فلسفة الأمور أو تعقيدها ولكن هدفنا هو القول إن ما أقدم عليه كلينتون في ممارسة القوة الباطشة واستسهال استخدمها ضد الشعوب الأخرى على نحو ما فعله مؤخرا ضد العراق هو وليد ثقافة وميراث حضارة تؤمن منذ ازدهار الحضارة الرومانية حتى اليوم بن القوة هي سلاح السيادة والردع والهيمنة .

إذن لا جديد في جوهر الأمور

ولأهمية هذه المقالة استكمل معك سطورها فيستطرد الكاتب ربما يكون الجديد الذي نراه ويجب أن نرصده يتمثل في الآتي :

أولا : أن دبلوماسية البوارج والقوة الباطشة الأمريكية تكمل دبلوماسية الاحتواء الاحتلال ودبلوماسية التطويع والتركيع فعلي مدى سنوات بذلت السياسة الأمريكية جهودا جبارة لاحتواء العرب أو تطويع شعوبهم وتركيع نظمهم واحتواء شاردهم واحتلال ترابهم فإذا بالهيمنة تكتمل اكتمال البدر في ليلة التمام ظاهرة جلية .
فحيثما وليت وجهك تلحظ البرق الأمريكي يخطف الأبصار فالجيوش الحليفة تخترق الديار العربية من غربها إلى شرقها مضحية بأرواحها دفاعا عنا والاقتصاد الأمريكي يفرض نمطه الوحيد الفريد علينا حماية لفقرائنا وليس إفقارا لأغنيائنا كما يدعي المرجفون والمصالح الأمريكية تعلو على ما عداها حتى على المصالح الوطنية والقومية برضائها والثقافة الأمريكية تسري في العروق قبل وبعد الدماء والإعلام الأمريكي بغسل الأدمغة بمنظفات فائقة القدرة فلماذا تستغربون أن يرفع البعض منا العلم الأمريكي على نافذة بيته ؟
ثانيا : تصديقا لكل ذلك فإن القبول العربي بالهيمنة الأمريكية لم بعد تعبيرا عن رغبة طارئة ولكنه صار شهوة غريزية دائم وها هو البعض الذي نره يدلنا على اشتهاء التوحد المطلق مع سيدنا ومحبوبنا الذي أسرنا بقوته في الدفاع عنا والوله بنا !!
إن أخطر ما قاله كبار المسئولين الأمريكيين في أعقاب الهجوم العدواني الأخير على العراق هو أنهم أخذوا موافقة الدول العربية المعنية على ضرب العراق قبل القيام بالضرب لكن هذه الدول طلبت أن تظل موافقاتها سرية إبقاء للحرج أمام شعوبها .
لكن ماذا نفعل مع الأصدقاء الأمريكيين الذين لا يخفون سرا ولا يسترون عورة حتى بورقة توت جافة .
ثالثا : إن النتيجة الحتمية لدبلوماسية البوارج واستسهال استخدام القوة الباطشة على الطريقة الأمريكية الراهنة هي إطلاق وحش العنف بل وتشجيع التمرد والتطرف وصولا لتدعيم الإرهاب كرد فعل من جانب المقهورين المخدوعين المظلومين الذين يحسون بأن كرامتهم القومية والوطنية والشخصية تهان في اليوم عشرات المرات في أوطانهم وأن أمتهم العام والخاص بات مربوطا بصواريخ هذه البارجة أو بمدفع تلك الحامية أو بقذائف تلك الطائرة .
رابعا : بالقدر نفسه فإن دبلوماسية البوارج والقوة الباطشة الأمريكية قد غذت النزعة نفسها عند إسرائيل فإذا بحكومتها الجديدة برئاسة المغرور الأكبر " نيتانياهو " تتمادى في تطرفها وتمسكها بمبدأ أن القوة هي الأمن وهما معا صلب الهيمنة وجوهر السيادة وأصل السلام الذي تفرضه على العرب فرضا .
ولا تعليق لكني استدرك فأقول : لو أن إسلاميا في توجهه وتفكيره وتصوره قال هذا الكلام سيوصف بكل نقيصة ويرمي في فكره بل وعقله وصدق الله القائل : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذن يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن القلوب التي في الصدور )( الحج : 46)

نحن وهم في الميزان

أين هذا من الإسلام الذي يعترف بالآخر فلا ينكر من سبقه من حضارات كما يعترف بالأديان فلم يكن موقفه الرفض والعدوان إنما لقبول والاعتدال فلقد خرج الإسلام من بيئة بدوية بدائية ثم انتقل إلى بيئات حضارية عريقة في المدينة ك مصر وفارس فالبر غم من اختلاف الوجهة والثقافة بل التصور والفكر فلم يهدد إسلامنا حضارة ولم يبدد تراثا ولم يهمل خيرا رآه بل أقر الحسن وعدل السيئ وأنكر بالبرهان ما يمجه العقل السديد والفطرة السليمة .

بل أكثر من ذلك فإنه اعترف بأساس سبقه وبناء أكمله وشبه من سبقوه من الأنبياء برجل بني بيتا فزينه وأحسنه حتى نظر الناس إليه فاستحسنوه غير أنهم كانوا يرون في هذا البناء لبنة ناقصة فكان صلي الله عليه وسلم وما جاء به هو هذه اللبنة وبذلك حفظ وصان وأضاف وأذاب رهبة الخوف و التهيب أو التحفظ على أقل تقدير ومهما اختلفت الآراء في الحضارة الإسلامية أو أصالتها فمن المؤكد أنها كنت هي الشعاع الذي بدد ظلمت أوربا ففتحت عينيها على معالم جديدة للحياة المزدهرة بمجد العلم والمدنية بل إن أشد الناس تعصبا لا يمكنه الإقلال من شأن النتائج الحضارية الخطيرة التي حدثت في تاريخ البشرية وترتبت على ظهور الإسلام ولا يمكن مقارنة هذا الحدث بأى حدث آخر في التاريخ الإنساني ولا يمكن مقرنة هذا الحدث بأى حدث آخر في التاريخ الإنساني ومهما اختلفت الآراء في الحضارة الإسلامية فثمة حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها , وهي لولا العرب ما عرفت أوروبا علوم اليونان والنهضة التي ترتبت عليها .

لقد ثبت أن أوربا نقلت علوم اليونان من العربية إلى اليونانية فقد عكف الأسبان لم يتدارسونها ولا سيما في قرطبة عاصمة الملك الحربي بالأندلس حتى هال أسقفها " الفارو" فكتب يشكو أنه لا يجد بين الألوف من أبناء طائفته من يتقن كتابة رسالة باللاتينية المقبولة بينما يتقن الكثيرون العربية ولذلك كانت العربية هي لغة المثقفين الأوروبيين يومئذ كل ذلك لأن الإسلام يؤمن في جوهره بالحوار الحضاري وتبادل الخبرات والمعرفة .

إن الرسول صلي الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة وجد بها يهودا تواطئوا ومشركين مستقرين لم يتجه فكره إلى رسم سياسة الإبعاد أو المصادرة أو الخصام كما يفعل اليهود اليوم وإنما قبل عن طيب خاطر وجود اليهود والوثنيين وعرض على الفريقين أن يعاهدهم معاهدة على أن لهم دينهم وله دينه.

وأبرم مع اليهود معاهدة تذكر طرفا مما جاء فيها ك" إن المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن بينهم النصح والنصيحة والبرد دون الإثم إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وإن عليهم النصر على من دهم يثرب وأنهم إذا دعوا إلى صلح يصالحونه فإنهم يصالحونه وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المسلمين إلا من حارب في الدين وإن ذمة الله واحدة يجير على المسلمين أدناهم وإن بينهم النص على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنه لا يجوز لمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر مجرما أو يؤويه فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وأن اليهود ينفقون مع المؤمنون ما داموا محاربية وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وأن من خرج من المدينة آمن ومن بقي فيها آمن إلا من ظلم وأثم وأن الله جار لمن بر واتقي "وهكذا تنطلق نصوص الصحيفة بأن حرية الدين مكفولة كما تنطلق برغبة المسلمين في التعاون الخالص مع يهود المدينة لنشر السكينة في ربوعها والضرب على أيدي المجرمين أيا كان دينهم .

فهل فعل غير المسلمين ما فعله المسلمون إذا دخلوا بلدا ؟ قل سيروا في الأرض فانظر كيف فعل هؤلاء بشعوبنا وبلادنا وثرواتنا ؟ وما فعلوا ذلك إلا حين تركنا منهاجنا الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإيمان ومن الفرقة إلى الوحدة , ومن الذل إلى العزة ومن البداوة إلى الحضارة ومن الحفاة العراة إلى خير أمة أخرجت للناس .

ولا شك أن م آل إليه حال المسلمين من انحطاط أثر على العال أجمع فانحط هو الآخر فلم يتحقق أمن ولا أمان ولا حب ولا سلام حتى انتشرت الفحشاء والمنكر والبغي وساد الظلم والبطش والمسغبة مصداقا لقول ربنا : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي * ومن أ‘رض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيام أعمى * قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا * قال كذلك آتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي )( طه 123 -126)

فضعف المسلمين الذي نراه اليوم ليس من الدين بل بسبب جهلهم به وإعراضهم عنه وتركهم أحكامه فلما ضعف عملهم بالقرآن ولم يتخلقوا بأخلاقه ذهب ريحهم وضعف سلطانهم , فتمكن منهم أعداؤهم فافتقروا بعد غني وذلوا بعد عزة وتفرقوا بعد وحدة ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ( مريم : 59) .

يقول شيخالإسلام ابن تيمية رحمه الله :" كل من عرف سير الملوك والأمم رأي أن كل من كان أنصر لدين الإسلام وأعظم جهادا لأعدائه وأقوم طاعة لله ورسوله كان أعظم نصرة وطاعة وحرمة من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وإلى هذا الزمان وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين وصلاح الدين ثم العادل كيف مكنهم الله وفتح لهم البلاد وأذل لهم الأعداء بما قدموا به من الدين وليعتبر من والي النصارى وباع لهم بلاد المسلمين كيف أذله الله وكبته وسلب ملكه "

فكيف نستعيد قوتنا وكرامتنا وعزتنا وأمتنا ؟ هل بالعنف والقوة والثورة أم بالتربية الإيمانية والدعوة الحسنة ابتداء حتى يغير الله حالنا إلى أحسن الأحوال ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد : 11 ) إنها دعوة السلام وليست القوة والعنف .

الفصل الخامس: الأصل فيالإسلام السلام

قانون السلام في الإسلام

لقد دع الإسلام إلى السلام العام بين البشر حتى أن كلمة السلام وردت في أكثر من مئة آية بينهم لم تذكر كلمة حرب ومشتقاتها إلا في ست آيات فقط وليست الحرب في الإسلام للثأر أو الانتقام وإنما هي لإعلان الحق ودفع عدوان الباطل .

ولذلك فإن الإسلام يفتح باب الحوار مع كافة الأديان ليعيش الجميع في أمن وأمان وهذا الحوار يستمد شرعيته من :

أولا : المبدأ الإسلامي في الدعوة إلى الكلمة السواء التي بينتها الآية الكريمة ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) ( آل عمران : 64)
وهذا الحوار يحكمه حسن اختيار الكلمة وقوة الحجة ( وقولوا للناس حسنا ) ( البقرة : 83 ) ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن )( العنكبوت : 46)
ثانيا : استبعاد العنف بكل مظاهره المادية والمعنوية فما انتشر الإسلام إلا بحكمة رجاله وقوة إيمانهم واسترشادهم بقول ربنا : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )( النحل : 125 )وتوجيهات الرسول صلي الله عليه وسلم لصحابته باقية ما بقيت السموات والأرض " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا "
ثالثا : التعايش المطلوب مع أصحاب الديانات الأخرى وترك الحرية لممارسة شعائرهم فلا نكره أحدا على ديننا ونقول لهم ( لكم دينكم ولى دين) مع المحافظة على الدين , والنفس , والنسل , والمال, والعرض .
رابعا : رفض الغلو في جميع الأديان فالغلو مرفوض بنص الكتاب والسنة والقواعد الفقهية وها هو القرآن يوجه أهل الكتاب إلى عدم الغلو في الدين ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) ( النساء : 171 ) إنه سلام البشرية كلها وليس سلام الأبيض دون الأسود ولا العجمي دون العربي ولا السيد دون العبد ( ادخلوا في السلم كافة ) ( البقرة : 208)
والحق يقال : إن كان السلام هو ورح الإسلام إلا أن السلام ليس هو الحقيقة الوحيدة في الاجتماع البشري الذي يعرف كذلك وبضراوة التنافس والتناحر وفي هذا المعني يقول القرآن الكريم ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( الحج : 40)

إذن فدفع الباطل وكشف شر قوم عن غيرهم بما خلقه الله وقدره من الأسباب هو درء للمفسدة ومجلبة للخير , ومن بين صور هذا الدفع يذكر القرآن الكريم القتال ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) البقرة : 216 ) فإذا كان القتال حقيقة من حقائق الحياة وشأنا من شؤون الدنيا فما أحرى الإسلام وهو دين ودولة بأن ينظم أموره ويرتب أحكامه بل لقد كان الإسلام أول هدى أضاء السبيل أمام بشرية بربرية هوجاء تجعل من الحرب عديلا للإبادة وبديلا للتخريب ولا ترعى في العدو إلا ولا ذمة .

لقد كنت الحنيفية السمحاء النقلة الكبرى التي أخرجت الناس من ظلمات الأفكار اليونانية والرومانية عن الحرب مع الأعداء إلى نور ملأ الأرجاء يقر للعدو بحقوق ويضمن للمحارب حمايات ولم تكن هذه النقلة كبرى بالقياس إلى وحشية الحروب التي عرفها العصر الإغريقي الروماني فقط بل إنها ما زالت كبرى بالقياس إلى ما يشهده اليوم بعد جهود أربعة قرون سلخها القانون الدولي المعاص في محاولات لهدهدة أهوال الحرب وتخفيف ويلاتها .

وواضح أن القانون الدولي الإنساني لا يمكن أن يؤدى دوره إلا إذا وفق بين المتناقضين :

أولا : اعتبارات الإنسانية .
ثانيا : متطلبات الضرورة .

فالإنسانية تشده إلى التواد والتراحم والضرورة تدفعه إلى القوة والتزاحم وينجح القانون الدولي الإنساني في تحقيق أهدافه وغاياته بقدر ما ينجح في التوفيق بين هذه المتناقضات ولقد لخص الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه هذا الدور للقانون الدولي الإنساني الإسلامي في حديثه الشريف " أنا نبي الرحمة , وأنا نبي الملحمة " فقرن الملحمة بالمرحمة , وقدم المرحمة حتى يقر في قلب المقاتل المسلم بأنه يد العدالة وليس سيف النذالة وقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم دقيقا في اختيار اللفظ فهو عندما اختار المرحمة قصد التعبير عن العواطف والتراحم في علاقات متبادلة ولذلك فضل الرحمة على الملحمة , أما الملحمة وإن كانت تعني مجرد القتال فدل بذلك على أن ملحمته ليست ملحمة الغلبة والسلطان وإنما هي ملحمة درء الفتن وتحقيق الأمان .

وفيها أيضا معني الاصطلاح ففي اللغة لحم لأمر إذا أحكمه وتلك هي غاية القتال في الإسلام وهي أيضا ضابط يضبط سلوك المحارب المسلم .

وفي هذه المعاني السامية تلتقي المرحمة مع الملحمة ويظهر في القرآن بوضوح وجلاء أن الأمم لها حق تقرير مصيرها فإذا حيل بينها وبين ذلك كانت الملحمة والقرآن يعزز ذلك في قوله تعالي : ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا * الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( النساء : 75 - 76 ) وهنا تختلف حرب المسلمين عن غيرها من الحروب فشتان بين حرب تبغي إقرار الحق والعدل والأمن وغايتها الله وحرب تدمر كل شئ ابتغاء مرضاة الأهواء والنزوات والسيطرة والملك .

فأين هذا من حروب الدول الأوربية ؟ إن دولة النصارى في فتوحاتها تحرص على نشر تعليم لغاتها وتاريخ عظمتها وسياسة ملكا , وينالون من الإسلام بهضمه وذمه , وصد الناس عنه , وما الجزائر منا ببعيد بل وليست الجزائر فحسب ولكن ارجع البصر هل ترى من عدل أقيم في أى بلد استعمره الغرب , أم طمسوا هويتها واستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير فغزوها غزوا فكريا لا أقول صاغوا العقول صياغة غربية فحسب بل جعلوا اللسان لسان أعجميا , يقول المبشر تكلي :" يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي والعلماني لأن كثيرا من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم في الإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية .

الاهتمام بقانوني الحرب والسلام

لا نستطيع أن نتكلم عن القتال أو الجهاد أو الحرب في الإسلام بعيدا عن تصورنا الرسالة الإسلام ونود أن ننوه إلى أن الدراسات الإسلامية المعاصرة تعج بأبحاث مستفيضة عن قانون الحرب في الشريعة الإسلامية ولكنها تخلو من معالجة جدية لأحكام " قانون السلام الإسلامي " فإن كان الفقهاء القدامي اهتموا بقانون الحرب وأغفلوا قانون السلام فإن لهم عذرهم في ذلك فقد تبلور الفقه التقليدي من الفتوحات الإسلامية فانشغل أصحابه بدراسة الظواهر التي تحيط بمجتمعهم وكانت ظاهرة الحرب هي التي تسيطر وقتئذ على علاقة الدول الإسلامية – الموحدة تحت خلافة واحدة – بغيرها من الدول فكان بديهيا أن تنطبع أفكار الفقهاء بطابع عصرهم وأن يسعوا إلى التنقيب عما يضبط سلوك الدول الإسلامية في قتالها مع الدول التي تقاسمها الجماعة الدولية .

وهذا كله يوم أن كان للمسلمين شوكة وأما اليوم فلم تعد للقوة العسكرية سمة للدول الإسلامية فضلا عن أن كثيرا من أهل الغرب يرمون المسلمين بالإرهاب , وكما يقول الفقهاء :" الرأي يتغير بتغيير الزمان والمكان " فكان لابد أن ندافع عن الإسلام لتستبين سبيل المجرمين الذين يشوهون معني الجهاد في الإسلام .

وما كان الجهاد إلا لإقرار السلام

وأمامك كتاب الله ينطق بالحق يهتف بالسلام ويشيد به ويضحى أبتاعه بكل نفيس وغال من أجل إقرار السلام على الأرض فالآيات تنزل في موكب من الملائكة ويحدوه ويحف به السلام ( إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر )( القدر : 1-5) وتحيتنا فيما بيننا السلام وختام لقائنا مع ربنا في صلواتنا السلام ويوم نلقي ربنا يحيينا بالسلام ( وتحيتهم فيها سلام) ( يونس  : 10) وربنا الذي نعبده هو الملك القدوس السلام .... الذي أ‘د لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بش في دار السلام ( لهم دار السلام عند ربهم ) ( الأنعام : 127) والمولي سبحانه وتعالي يأمر رسوله صلي الله عليه وسلم بالصفح عن قومه في قوله ( فاصفح عنهم وقل سلام )( الزخرف : 89)

إن السلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس لمسلمين فأصبحت جزءا من كيانهم وعقيدة من عقائدهم .

لقد صاح الإسلام – منذ طلع فجره وأشرق نوره – صيحته المدوية في آفاق الدنيا يدعو إلى السلام ويضع الخطة الرشيدة التي تبلغ بالإنسانية إليه .

إن الإسلام يقدس حياة الناس ويصونها وهو لذلك يحرر الناس من الخوف حتى يعيشوا في الحياة آمنين مطمئنين فيرسم لهم الطريقة المثلي لتعيش الإنسانية متجهة إلى غاياتها في الرقي والتقدم وهي مظللة بظلال الأمن والأمان والوارفة .

ولفظ الإسلام – الذي هو عنوان هذا الدين – مأخوذ من مادة السلام لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكنية ورب هذا الدين من أسمائه " السلام " لأنه يؤمن الناس بما شرع من مبادئ وبما رسم من مناهج.

وحامل هذه الرسالة هو حمل راية السلام لأنه يحمل إلى البشرية الهدى والنور والخير والرشاد فهو الرحمة المهداة .

وتحية المسلمين التي تؤلف القلوب وتقوى الصلات , وتربط الإنسان بأخيه الإنسان هي السلام ولقد جعل المولي تحية المسلمين بهذا اللفظ للإشعار بأن دينهم دين السلام والأمانة وهم أهل السلم ومحبو السلام .

وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا "

وأخيرا فإن أهل الجنة لا يسمعون من القول لا يتحدثون غير لغة السلام ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما ) الواقعة : 25 -26) وكثرة تكرار هذا اللفظ " السلام " على هذا النحو مع إحاطته بالجو النفسي من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها ويوجه الأفكار والأنظار إلى هذا المبدأ السامي العظيم مبدأ السلام في الإسلام .

فما هو السلام الذي أراده الله لعباده في ظل الإسلام ؟

إن السلام الذي يريده الإسلام يقوم على دعامتين :

أولا : على النظام الاجتماعي الكامل المستمد من عقيدة التوحيد والذي يحقق الإخوة العالمية ويرفع من مستوى النفس الإنسانية ويكشف للبصائر عن حقائق ربانية , ويقيم دعائم العدالة الاجتماعية بين الحاكم والمحكوم والقوى والضعيف والفقير والغني والرجل والمرأة ويشيع في المجتمع معنى الحق والعدل والقوة ومعاني الحب والسعادة والطمأنينة والسلام ليتحقق الأمن والأمان ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي ) " طه : 123 )
ثانيا : الأمة المؤمنة بهذا النظام الذي لم يدع خيرا إلا أمر به والذي جاء بيانا لكل شئ فأنشأ دولة قائمة عليه فقهية وتؤمن به وتدافع عنه وتدعو إليه وترشد إلى ما فيه من خير وجمال ورحمة وبذلك اقترن التصور النظرى بالكفاح العملي فحفظ الأمن واستقر على الأرض من أجل ذلك بدأ الإسلام بتحطيم الأصنام ليست الحجرية التي يحول عبادها بين الناس وبين عبادة الله فحسب ولكن كل أنواع الشرك الذي هو الظلم بعينه والذي جاء الإسلام ليزيله بطرقه المشروعة ذلك لأن الله يقول : ( إن الشرك لظلم عظيم ) ( لقمان : 13 )

إن من نظر بعين الاعتبار والبصيرة إلى مقاصد الشريعة علم أن الدين إنما اشتهر وانتشر بالدعوة والتبليغ لا بالإكراه والإلزام ولأن الحرب شر عظيم يترتب عليه سفك الدماء ويتم الأطفال وتأيم النساء ولذلك فإن القرى، لم يأذن بالجهاد إلا للضرورة التي هي المدافعة عن الحق والسلم هو الأصل الذي يترتب عليه راحة الناس واطمئنانهم لهذا سمي الله الإسلام سلما فقال ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )( البقرة : 208) أى في الإسلام لأنه دين السلام والأمان ولهذا أمر الله بإيثارها على الحرب فقال ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) ( الأنفال : 61 ) .

ومن هنا كان لابد من تحديد معني الإرهاب كم حددنا مفهوم الجهاد حتى لا تختلط الأمور وتضل العقول ويلتبس الحق بالباطل .. فما هو المعني المصطلحي للإرهاب ؟

الفصل السادس : مصطلح الإرهاب ومفهومه

إن تحديد المصطلحات أمر في غاية الأهمية لأنه يحدد الفهم الذي يجب أن نجتمع عليه أو نفترق فإذا اتفقنا على معني المصطلح سهل علينا التعامل معه وأصبح هذا الفهم ميزانا يعرف به المعني المقصود كما يتحدد إن كان من الواجب فعله أو تركه وبذلك تتضح الأمور دون تدخل الأهواء والأغراض ويصبح التفكير في الأمر منهجا علميا موضوعيا .

لذلك تجد القرآن وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم تحدد معني الكف كما تحدد معني الإيمان ومعني النفاق حتى نعرف من شذ وغالي ومن التزم واتبع ومن هنا رأينا علماء الفقه والحديث وعلم الرجال وعدا ذلك من العلوم الإسلامية لها مصطلحات لها معني محدد فبمجرد قراءتها تحدد المعني المقصود وإلا التبست الأمور واختلط الحق والباطل والمعروف والمنكر والسنة والبدعة وانقلبت المفاهيم تبعا للأهواء.

لذا كان العلم بالمصطلح سابقا على العمل به بل إن العلم بالإسلام نفسه سابق على العمل به يقول ربنا عزوجل : ( وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ) ( الحج :54) والعطف بالواو يفيد الترتيب أى أن العلم يترتب عليه الإيمان والإيمان يترتب عليه الإخبات فهم إذا علموا آمنوا وإذا آمنوا أخبتوا فالعلم كما تري سابق على العمل ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك) محمد : 19 ) يقول معاذ رضي الله عنه : " العلم إمام العمل والعمل تابعه "

فماذا نقول للذين يسمون التطلع لمنهاج الله الرباني والدعوة إليه رجعية والتمسك بدين الله والالتزام بأوامره " تطرفا " والاستسلام للعدو " سلاما " والجهاد في سبيل الله وبذل الأرواح والأموال من أجله إرهابا فلن نتفق على العلاج إلا إذا اجتمعنا على معني محدد للمصطلحات .

وإلا ماذا نقول للذين يعتبرون التزام المرأة بالحجاب " تزمتا " وعدم الاختلاط " تحجرا " معني الإرهاب الذي نحن بصدده والذي اجتمع له وزراء الخارجية والداخلية العرب مرات واتفقوا على ن من يحمي وطنه ويصون عرضه ويذود عن أرضه ويضحي من أجل مقدساته ليس بإرهابي بل مجاهد وصرح بذلك السيد رئيس الجمهورية وجميع المؤسساتالإسلامية بل وغير الإسلامية الدولية والمحلية وبذلك تتحدد المفاهيم تحديدا دقيقا لنستطيع على ضوئها أن نحدد العلاج لظاهرة الإرهاب فما هو معني الإرهاب ؟

معني الإرهاب

يقول التقرير الذي قدمه السيد الأستاذ الدكتور مفيد شهاب رئيس لجنة الشئون العربية والأمن القومي ( سابقا ) إلى السيد الأستاذ الدكتور رئيس مجلس الشورى في 20/3/1993 تحت عنوان " مواجهة الإرهاب ":

يعد تعريف الإرهاب من أعقد الأمور فهناك عدد كبير من التعريفات لهذا المفهوم بحكم تعقد ظاهرة الإرهاب وتعدد مستوياتها وتباين وجهات النظر بشأنها سواء بالنسبة للأشخاص أو القوى السياسية أو الدول التي تواجهها إلى أن يقول : وتكمن أهمية التعريف في أنه إذا تم تحديده فإن من السهل بعد ذلك التعرف على الممارسين للإرهاب باعتبار أنهم إذا قاموا بالأعمال الموضحة في التعريف فإنهم يدخلون ضمن فئة الإرهابيين وبالطبع فإن تحديد من الإرهابي هو المدخل الصحيح لمواجهة الإرهاب .

والخلاصة – كما يقول التقرير – أن الإرهاب هو ممارسة العنف أو التهديد به بغرض سياسي للتأثير على هيبة الدولة أو السيطرة بها على الأوضاع القائمة فيها والتأثير على سيادتها بصورة تطرح باحتمالات مختلفة وضرب اقتصادها بما يؤدى إلى خلق أوضاع عدم استقرار داخلها ولها هدف نهائي هو تغيير الوضع الشرعي الراهن الذي يرسمه الدستور ويقبله المجتمع .

فالفرق إذن أوضح من الشمس في رابعة النهار وبين الإرهاب المرفوض والجهاد المشروع بهذا التعريف , وللدكتور سيد دسوقي تعريفات لأنواع الإرهاب الخبيث .

كالإرهاب الإجرامي الذي تقوم به عصابات اللصوص والبلطجية .

والإرهاب القمعي الذي تقوم به جماعة سياسية ضد خصومها السياسيين حيث يلص بعض هذا القمع إلى درجة الجريمة الكاملة .

والإرهاب الفكري الذي يدعو إلى الحوار بعد أن يكتم أنفاسك ويحاصرك بالاتهامات من كل جانب وينقض على عقائدك وقيمك نهشا وتعريضا ويمنعك من وسائل الإعلام جميعا بعد ذلك يدعوك متبجحا إلى الحوار .

هذا فضلا عن إرهاب الأقلية للأغلبية . وإرهاب الأغلبية للأقلية ثم الإرهاب العصابي فالإرهاب الدولي الذي تستخدمه الدول الكبرى بإسم النظام العالمي ومن وراء ذلك مافيا الاقتصاد والسلاح وأنياب الاستعمار القديم والحديث .

وأيا كانت هذه التعاريف فإن إتباع الحركة الإسلامية الراشدة يؤمنون بأن القوة ليست وسيلة لنشر الفكرة الإسلامية لأن دعوتها تخاطب الأرواح وتناجي القلوب , وتطرق مغاليق النفوس , وتحاج العقول , ومحال أن تثبت بالعصا , أو تصل إليها على شبا الأسنة والرماح ولكن الوسيلة في انتشار كل دعوة صحيحة وثباتها معروفة معلومة لكل من له إلمام بتاريخ الجماعات وخلاصة ذلك جملتان: إيمان وعمل ومحبة وأخوة حتى تدوم الفكرة التي يحملها رجال – كما بينا من قبل – وكما سنبين فهمنا للإرهاب وكيفية علاجه ؟

علاج ظاهرة الإرهاب المرفوض

في تقرير لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى والمشار إليه سابقا .

يقول لتقرير : يجب أن نتعامل مع الحد في ذاته بدون تهوين أو تهويل وعلينا أن نتعامل معه بوضوح وتحديد يختلفان عما تعاملنا به مع الأحداث المماثلة من قبل وعلى الرغم من أن ما يحدث لبس جديدا إلا أنه يتضمن أبعادا جديدة تؤكد أننا للم نتعامل معه بصورة صحيحة وجذرية في الفترات الماضية وأننا نفعل ذلك هذه المرة حتى لا يستفحل أمره .

لاحظ أن هذا التقرير قبل حادث الأقصر الأليم والذي استنكرته والذي جميع القوى والأحزاب ثم جاء لإعلام بمقالاته تترى بنفس المعاني ونفس النمط .

يقول التقرير بل ويؤكد على ضرورة فتح الطريق نحو حوار وطني موضوعي حول هذه الظاهرة إذن ما يستلزم المواجهة والحوار هو الوضع الحالي وليس التاريخ وذلك في إطار نقطتين :

الأولي : أننا ندرك تماما أن ظاهرة الإرهاب ليست جديدة وليست خاصة بمصر وأن ظهورها وتذبذبها يتوقفان إلى حد كبير على طبيعة التطور السياسي والاجتماعي في مصر وذلك رغم أنه من الممكن احتواء من مظاهرها الخطرة عن طريق أساليب وإجراءات مختلفة .
الأخرى : أننا ندرك تماما أيضا أن الإرهاب ليس مجرد عمليات مثيرة أو مجرد أنشطة تهدف إلى إثارة الخوف والفوضى وإنما هو شكل من أشكال استخدام القوة في الصراع السياسي بهدف التأثير في اتجاه معين وبالتالي فإنه ليس بعيدا عما يحدث في الساحة الداخلية أو الإقليمية أو الدولية .

ثم تكلم التقرير عن أسباب ظهور وتصاعد أعمال الإرهاب كالأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية ثم أشار إلى الأسباب الخارجية التي دفعت إلى صعود الظاهرة الإرهابية في الفترة الأخيرة ومن هذه الأسباب صعود بعض التيارات الإسلامية إلى السلطة أو اقترابها منها في بعض البلدان إضافة إلى حدث مآس حقيقية للمسلمين دفعت بعض أعضاء التنظيمات الدينية إلى التطوع للعمل إلى البلاد دون أن يفرقوا بين ما يحدث في الخارج وبين الأوضاع في مصر حيث الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهو أمر يعني أنه يجب الالتفات أيضا إلى المسببات الخارجية لأعمال العنف الإرهابي .

وحين تكلم عن أساليب مواجهة الإرهاب قال : لأن التعامل مع ظاهرة الإرهاب يتطلب بالطبع إجراء دراسات سياسية واجتماعية واقتصادية تفصيلية حول كل ما ذكرنا ثم يقول : وبالطبع فإن بعض أبعاد المشكلة يتطلب عملية إصلاح طويلة نسبيا للتعامل , ثم تحدث عن أساليب المواجهة مبتدئا بالمواجهة الأمنية التي قال في مقدمتها " هناك اتفق عام في الوقت الحالي على أن مواجهة الإرهاب ليست مهمة أجهزة الأمن فقط ذلك أنها مواجهة سياسية اجتماعية شاملة ثم تحدث عن المواجهة الدينية وتحدث بنفس المعاني التي ذكرنا هنا ثم المواجهة التشريعية فالمواجهة الإعلامية ومما ذكره : الاهتمام بتناسب المواد المذاعة والمنشورة مع القيم الحقيقية والأخلاقية السائدة في المجتمع بما يؤمئذ الثقة أن أجهزة الإعلام تعبر عن القيم الحقيقية للشعب وأن تدعم هذه لأجهزة تلك القيم لدى الشباب بصفة عامة وبصفة خاصة يجب أن تقلل الأعمال العنيفة التي تتضمن مشاهد العنف وغيرها من مظاهر السلوك التي تتناقض مع الأسس العليا للمجتمع في الوقت الذي يسمح فيه بمساحة أوسع للأعمال الدرامية والبرامج الحوارية التي تنمي قيم الحق والخير والجمال إضافة إلى ذلك فإن من الضروري زيادة ماسحة البرامج الدينية الواعية التي تؤكد القيم الدينية الصحيحة وتقدم التفسير الصحيح المبادئ الإسلام السمح .

وفي ذات الوقت لابد من تنمية النزعة العلمية الموضوعية والعقلانية في المجتمع وداخل صفوف أفراده كذلك من المهم أن تسعي وسائل الإعلام الجماهيري إلى توفير المناخ الديمقراطي الصحي الذي يتيح المجتمع كله ولشبابه على وجه الخصوص إمكانية التعبير عن مشكلاتهم والإفصاح عن مطالبهم وأحلامهم وتنمية روح الحوار القائم على حق الآخرين في الاختلاف .

لاحظ أن هذا التقرير رسمي يمثل وجهة نظر جهة رسمية وليست جهة وجماعة متطرفة ونحن نؤيد ما جاء كوسيلة جزئية من وسائل العلاج بل وندعو إلى وضعه موضع التنفيذ :

والحق يقال أن هذا التقرير بذل فيه جهد مشكور ودراسة تحتاج إلى تفصيل كما ذكر واضعو التقرير والمتأمل فيه يجد أن العقلاء في هذا البلد الطيب على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم لا يختلفون مع هذا الذي جاء في هذا التقرير حتى ولو اختلفنا معه في بعض جزئياته التفصيلية وهذا ما نادينا به واشتركن مع القوى السياسية المختلفة في المناداة به وكم نادي العقلاء من كل اتجاه بإتاحة الفرصة للمشاركة ولكن بالرغم من أن ضمن إجراءات معالجة جذور الإرهاب في هذا التقرير : ضرورة تطوير الحياة السياسية المصرية بصورة تضمن زيادة فعالية الأحزاب السياسية وقدرتها على العمل , واجتذاب الشباب إلى صفوفها وتطوير شكل الحياة السياسية بصورة تضمن أن يتم استيعاب كافة الفئات في إطار الشرعية السياسية والدستورية " وهل طالبنا نحن بغير هذا ؟ وما زلنا نطالب ومعنا جميع القوى السياسية لأخرى .. فهل من مجيب حتى نشارك في العلاج الفعلي الصحيح وليس في البيانات التي تستنكر ثم لا تجد سبيلا غير الاستنكار !! ثم يقال بعد ذلك : ماذا قدتم من علاج ؟.

وهاهو ذا أحد الأساتذة العقلاء والذي له باع كبير في إسهامه بجهوده الفكرية الإسلامية وهو الدكتور كمال أبو المجد – الغني عن التعريف – يقدم لنا إسهامه في علاج هذه القضية ونحن معه في كل ما قاله وقدمه في هذه المقالة القيمة في الأهرام 4/4/1993 تحت عنوان " الحوار مع الشباب العنصر الغائب في قضية الإرهاب ".

يقول الدكتور كمال أبو المجد:" لقد أحصينا في مناسبات سابقة المحاور الفكرية الكبرى والتي يتم عن طريقها الانحراف في مسيرة هؤلاء الشباب – الذين يسلكون مسلك العنف والإرهاب - والتي نرى أن تكون موضوعا لحوار علمي مفصل تجرى عن طريقة صياغة المعالم الكبرى لرؤية إسلامية سوية تحمل روح الرسالة الخالدة كما حددتها آيات القرآن الكريم . والأحاديث النبوية الصحيحة وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم الثابتة الموثقة كما تحمل في الوقت ذاته مظاهر الوعي بالزمان والمكان بحسبانها محددات رئيسية للسلوك الإسلامي السوى في مواجهة المشكلات المتجددة للوجود الإنساني وأن هذه الصياغة التي يسهم فيها العلماء الثقات هي وحده القادرة على إزاحة معالم العوج والانحراف الشائعة في كثير من أنماط السلوك والفكر الذي يرفع شعاراتالإسلام ولكنه يستخدم نصوصه استخداما يحرمها من موضوعها ويناقض بها روح الإسلام وما عرف عن شرعيته بالضرورة .

وإذا كانت عناصر هذه الصياغة تضيق بتفسيرها هذه السطور فإننا نجزئ هن تلك العناصر داعين إلى فتح حوار علمي واسع حولها مؤمنين بأن الحق قديم لا يبطله باطل , وأن فلول السلوك الخاطئ والفكر المغلوط يجب أن يتوارى ويتراجع أمام كل رؤية إسلامية سوية تستلهم روح الإسلام وتفهم الشريعة وتستنبط من مصادرها الموثوقة ما ينفع الناس .

أولا :الإسلام في جوهره استمرار لدعوة الحق التي جاء بها الأنبياء والمرسلون وليس دعوة جديدة ناقصة لدعوتهم وكما التقي رسول الله صلي الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء والرسل في رحلة الإسراء والمعراج فالمسلمون مطالبون صلي الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء والرسل في رحلة الإسراء والمعراج فالمسلمون مطالبون بالالتقاء بالدنيا كلها والتواصل مع شعوبها ومكانهم كان – ولا يزال مع الناس,وليس بعيدا عن الناس .
ثانيا :الإسلام لا يحتقر الدنيا ولا يضع المسلمين في معركة عقيمة مع قواها فهذه الدنيا هي الطريق الوحيد إلى الآخرة واحتقارها ليس موقفا إسلاميا صحيحا. وإنما الموقف الإسلامي الصحيح هو الإقبال عليها سعيا لإصلاح أمرها والاستمتاع بنعم الحياة الحلال سلوك صحيح لا موضع لحرمان النفس منه أو إنكاره على الآخرين والقائلون بغير ذلك معسرون ومنفرون ومحجوجون بالكتاب وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم ومسلكهم مسلك مريض وخيال معتل لا تنهض به أمة ولا تبني به حضارة .
ثالثا : العقل في التصور الإسلامي الصحيح أداة المعرفة الصحيحية وهو مع النصوص الثابتة مدخل العلم الصحيح النافع وأداة التعامل مع الكون ونواميسه التي تختلف ولا تتبدل .
وتغييب العقل منهج فاسد مصادم تمام لروح الإسلام ومؤذن بزول دولة المسلمين وأكثر ما تعانيه أمتنا اليوم من مظاهر الضعف والتراجع والهوان على الدنيا كلها أننا عطلنا عقول الناس تحت شعارات يبرأ منهاالإسلام تماما فتقدم غيرنا وتأخرنا وتحركت الدنيا ووقفنا ونضيف ونوضح أن مجال العقل حدده الشرع ولا مجال له فيما وراء المادة أو أصول العقائد والعبادات وفي الأمر تفصيل ليس هذا مجاله .
رابعا : حاكمية الله على النحو الذي فهمه بعض المعاصرين مقولة مبتدعة تصل إلى تعطيل العقول وتغييب لسلطان الرغبة في مواجهة القلة من أولي الأمر وإهدار حق الجماعة في وضع قوانينها التي تحمى مصالحها في إطار القواعد العامة والمبادئ الفقهية للشريعة الإسلامية .
خامسا : ليس من حق مجموعة من الأفراد ينحازون عن جماعة المسلمين العامة أن يدعوا أنهم هم وحدهم جماعة المسلمين وأن يتعاملوا مع سائر الناس على هذا الأساس تلك بدعة ضالة ما أنزل اله بها من سلطان وقد أفسدت على كثير من الناس أمرهم وأحدثت في المسلمين شرا طويلا وفسادا عريضا وهذا التصور الفاسد مردود بالكتاب والسنة وأقوال العلماء الثقات على امتداد تاريخ الإسلام, لا ينقصه وهم واهم ولا ادعاء مدح , وهو يدخل في باب مفرقة الجماعة وشق وحدتها وإفساد ذات بينها – ونؤكد نحن أن هذا ما قاله الإمام البنا : نحن جماعة من جماعات المسلمين ولسنا جماعة المسلمين .
سادسا : الشورى واجبة في أمور السياسة والتشريع واختيار ولي الأمر وهي ملزمة للمستشير في تلك الأمور, ورأى الجماعة مقدم على رأى الفرد وتصرف الواحد في المجموع ممنوع والغافل عن هذه الحقائق الكبرى واقع في خطأ علمي فادح ومسلكه جريمة في حق الإسلام والمسلمين .
سابعا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس رخصة للخروج على الجماعة وإسقاط هيبة الشرائع والأحكام واقتحام حقوق أصحاب الحقوق إذ هما واجبان يؤديان في جماعة منظمة ولها منهج معلوم وحدود معروفة وضوابط بغيرها تتحول حياة الناس إلى فوضى لا حدود لها وعلماء المسلمين متفقون على أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر وأن الأمر بالمعروف إذا أدى إلى مفسدة أكبر وجب التوقف عنه , والأمر في هذا علم ومعرفة ولا تغنى عنهما مزاعم قادة لاحظ لهم من علم ولا هدى ولا كتاب منير :
ثامنا : للدماء في الإسلام حرمة عظمى صرحت بها آيات قطعية في كتاب الله وسنن صحيحة ثابتة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم والاستهانة بالدماء خطيئة عظمي وجريمة كبرى يحمل وزرها ووزر من ولغ فيها من يهونون من أمره ويقيمون من أنفسهم أوصياء على عقل الشباب يزينون لهم الهوى ويوردونهم النار والأمر في هذا أمر دنيا فلينظر الشباب عمن يأخذون دينهم وليس بعد الحق إلا الضلال .

وحسب الشباب في هذا أن يقف من جديد بين يدى قوله تعالي :

( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ) ( النساء :92) وقوله تعالي : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) ( النساء : 93) وقول النبي صلي الله عليه وسلم :" لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما .... وليذكر المسلمون جميعا آخر وصايا النبي صلي الله عليه وسلم لأمته يوم حجة الوداع :" أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في عامكم هذا "
تاسعا: إن الوسائل الانقلابية في تغيير أوضاع المجتمعات أسلوب أثبت التاريخ عقمه كما أنه يتنافي مع جوهر الحرية التي هي أصل عظيم من أصول التكليف في الإسلام حيث ( لا إكراه في الدين) ( البقرة : 256 )وحيث يعلم الله تعالي نبيه صلي الله عليه وسلم قائلا : ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( يونس : 99) ولذا كان الإكراه محظورا في أمور الإيمان والعقيدة فمنعه أولي وأوجب في أمور السياسة والاجتماع .
إن النهضة الإسلامية الحقيقية وإن احتاجت إلى رواد وقادة فإنها تستند في النهاية إلى رضا الناس ومشاركتهم وإذا كانت الوسائل الانقلابية تمثل عند أصحابها نوعا من العمل السياسي فإنها من وجهة نظر إسلامية اختيار سيئ أولا وغير جائز ثانيا وهو يمثل نوعا من الجهاد الأسهل والخاطئ يقفز على الواقع ويجور على حقوق الناس في مقابل التغيير الذي يعتمد على رضا الناس ومشاركتهم والذي يعد جهادا أفضل يلتقي فيه نبل الغاية مع شرعية الوسيلة .
إن إعلان البراءة الكاملة والصادقة من الوسائل الانقلابية في العمل السياسي هو المدخل الذي لا غني عنه لتصحيح العلاقة بين الدعاة إلى السلام وبين سائر أفراد المجتمع وكل تأخير في هذا الإعلام من شأنه بقاء الشكوك محطة بكل روافد التيار الإسلامي وهو شكوك يتحمل ووزرها قلة ممن لا خبرة لهم في سياسة الناس التي يقوم عليها التصور الإسلامي الموثق في شئون تلك السياسة ونزيد فنقول : إن الإمام الشهيد حسن البنا ذكر ذلك من ما يقرب من نصف قرن من الزمان في رسائله حين بين موقف الإخوان من القوة والثورة .
عاشرا : المرأة شريك الرجل وشقيقته في الكرامة والقيمة الإنسانية وفي تحمل المسئولية وإنما النساء شقائق الرجال وإذا كان توزيع الوظائف بينهما قد جعل له مهمة خارج البيت فإنها مهمة ثابتة في جنبات المجتمع له – هو الآخر – مهمة ثابتة داخل البيت وحرام وظلم فادح أن نتحمل النساء المسلمات وتتحمل معهم المجتمعات العربية والإسلامية آثار تصورات فاسدة حول المرأة ودورها تستند إلى أحاديث ضعيفة أو مرسلة أو مقطوعة من سياقها أو تستند إلى أحاديث ضعيفة أو مرسلة أو مقطوعة من سياقها أو تستند إلى أعراف جاهلية أو تقاليد فاسدة تمت واستقرت في عصور التراجع الحضاري للمسلمين .

وبعد ليست هذه الأمور العشرة إلا رءوس أقلام يحتاج كل منها إلى بحث طويل ترد فيه القضايا إلى أصولها ويستند فيها الرأي إلى دليل من خلال حوار موضوعي هادئ تحترم فيه عقول وحريات أطراف الحوار ويكتشف الشباب المتدين من خلاله مقدار العوج والفجوة الهائلة التي تفصل بين الفهم السوى لرسالة الإسلام , ورسالة النهضة والبناء والانعتاق من قيود الناس على الناس , وبين الفهم المعوج المغلوط الذي يروج له والذي ينتشر انتشار النار في الهشيم فيفسد على الصالحين أمرهم ويشوه صورة الإسلام والمسلمين في عقول الناس وقلوبهم فتنغلق دون الحق عقول وقلوب الملايين وتستولي على المجتمع كله حيرة لا آخر لها وتستهلك طاقته في انقسام ثقافي واجتماعي تدفع الأمة كلها ثمنه الباهظ.

إن شبابنا مدعو بغير إبطاء إلى وقفة مع النفس يراجع خلالها ما سبق إلى عقله وقلبه من فهم للإسلام ومن تصور لمهمة المسلم في الحياة والعلاقة بسائر الناس ذلك أن الفقه لا تستغني عنه العباد وترشيد الدعوة إلى الحق لا يقل قيمة عن التوجه الصادق لتلك الدعوة فالله سبحانه طيب يقبل إلا طيبا إن في ذلك لآيات لأولي النهي .

الفصل السابع: جوانب أخرى واقتراحات للعلاج

ومن هذه الاقتراحات

1- يرى البعض أن تغيير الجوانب الاقتصادية إلى الأفضل في محافظات الصعيد من خلال إقامة مصانع تستوعب الأيدي العاملة ربما يؤدي ذلك إلى توارى الظاهرة وينقل لنا الكاتب الأستاذ فهمي هويدي في الأهرام بتاريخ 13/1/1998 ص 11 تحت عنوان : ملاحظات أصولية على عام مضي " بعض توجهات الدول فيقول ) إن الراصد للغة الخطاب السياسي في مصر يلاحظ ن التوجه إلى دفع عجلة التنمية في الصعيد هو احدي العلامات المهمة للعام المنصرم, وهو التوجه الذي عبرت عنه بيانات وتصريحات عدة سابقة في النصف الثاني من ذلك العام يعني أن ثمة إدراكا لأهمية البعد الاقتصادي في إنهاء مشكلة التطرف باعتباره من العوامل التي تسهم في تهيئة التربة لإفراز مختلف مشاعر الإحباط واليأس ومن ثم النقمة على المجتمع والسخط عليه الأمر الذي تستثمره جماعات التطرف في نهاية المطاف ولا ينسي في هذا الصدد أن أحد أساتذة جامعة أسيوط كان قد نشر مقالا في " الأهرام " منذ سنتين نبه فيه إلى أن الصعيد قبل أن يصبح مسرحا للتطرف الفكرى والسياسي فإنه ظل طويلا ضحية للإهمال والتجاهل الذي أطلق عليه مصطلح " تطرف التنمية )
ويعلق الكاتب على هذا المفهوم في العلاج للظاهرة وهل يؤدى الدور بمفرده فيقول : ( نعم من السذاجة أن يتصور أحد أن مدخل التنمية كفيل بحل مشكلة العنف والتطرف هي سذاجة لا تقل عن الرغم بأن التعامل الأمني قادر وحده على حل المشكلة , ذلك أن هناك قنوات بالغة الأهمية يتعين التحرك من خلالها لبلوغ الهدف المنشود يتصدرها قناة العمل السياسي أو التنمية السياسية إذا جاز التعبير ولعلك لاحظت أني حين أشرت قبل لحظة إلى البعد الاقتصادي ذكرت أنه يسهم في تهيئة التربة للتطرف وبذات القدر فبوسعي تأكيد أن التنمية الاقتصادية تسهم بدورها في حل الإشكال وهو الحل الذي أكرر أنه لا يكتمل بغير التنمية السياسية ) المرجع السابق .
ثم يقول : ( لا تنس أن تقارير معهد التخطيط القومي عن التنمية البشرية فيمصر مهمة للغاية وحاسمة في هذه النقطة حيث أشارت إلى العلاقة القوية والمباشرة بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبين توليد الاستعداد للتطرف والإرهاب وقد بينت دراسات خبراء المعهد :
أن محافظات بني سويف والمنيا وأسيوط والفيوم هي المحافظات الأشد فقرا .
والأقل حظا من التنمية البشرية في مصر وهي ذاتها المحافظات التي أفرزت الشريحة الأكبر من عناصر التطرف والإرهاب كما أنها الأوفر حظا من العمليات الإرهابية ) المرجع السابق .
2- رفع اليد عن الاتجاهات الإسلامية المعتدلة وإنصافها ( خاصة الإخوان المسلمون) وهم بلا شك أصحاب التاريخ الوطني والجهادي وأصحاب الأصالة والعقل والحكمة حيث يجد معهم كل متطلع لخدمة دينه ونصرته بصدق بغيته , وقد حازت المصداقية لثبات مبادئها وتأصيل قيمها وبعدها عن مجازاة هذا أو ذاك.
3- مطلوب ترك الملاحقة وعدم توسيع دائرة الاشتباه حيث نجد المضايقات التي لا نعرف لها سببا ولا مبررا واحدا فأسلوب التعامل هذا مع اتجاه أصحاب الاعتدال والتوسط والحكمة يضر ولا ينفع ويؤدي إلى الكثير من المشاكل .
4- مراعاة النظام القائم للقانون وحمية حقوق الإنسان عند التصدى لظاهرة العنف فكل جريمة لها تكييفها القانوني ولها عقوبتها, وغير ذلك من التجاوزات يولد الرغبة عند الآخرين في الثأر وتزيد من دوامة العنف .
5- إعطاء الفرصة لدور الوساطة وترك دعاوى الحق فالأمر لم يعد يحتمل هذا فأسبانيا تحاورت مع منظمة الباسك الانفصالية, وبريطانيا تفاوضت مع الجيش الجمهوري الإيرلندى وحقنت الدماء , ولا يلزم أبدا أن يتحاور رموز النظام لكن تترك الفرصة لبعض ذوى المصداقية وبوادر الخير نقبلها وإن كان غير ذلك يرد على أصحابه .
6- مراجعة حال المؤسسات الدينية الرسمية , وخاصة الأزهر بتقوية دوره والتركيز على مناهج الدراسات الشرعية نظريا وعمليا بهدف الارتقاء بخارجية علميا وسلوكيا. ليكونوا قدوة في مواقعهم المختلفة .
7- إعادة النظر في خطة تجفيف المنابع التي يتبناها البعض حيث تجاوزت حدود علاج ظاهرة العنف إلى ينابيع المعرفة الصحيحة للإسلام, والإلتزم به والاعتزاز بأمجاده وهذا مما يجعل ظاهرة العنف تستشري نتيجة هذه السياسة ونظرة واحدة إلى البلطجة التي وصلت إلى طلاب المدارس ومعدلات الجريمة في المجتمع ومستوياتها تمثل إنذار لنا أن نبحث عن الخلل سريعا وأن تصحح بعض الأوضاع قبل فوات الأوان .
8- الإصلاح السياسي بإطلاق حرية التعبير وحرية الأحزاب والإصلاح الاجتماعي وبث روح التراحم والتكافل ومحاربة جميع ألوان الفساد واستغلال النفوذ ومقاومة مظاهر الترف وتعميق الشعور بالانتماء والولاء للوطن حتى شعر كل فرد ن خير وطنه عائد عليه هو .
9- ضرورة إخماد أصوات بقايا المتسلقين من شيوعيين وعلمانيين من خدام أهداف الصهيونية والتغريب فهؤلاء لا يهمهم وطن و لا تشغلهم مصالح أمة وحين يتم ذلك تتسق سياسة الدولة مع دستورها وعقيدة هذه الأمة وبذلك نقطع الطريق فعلا على دعاة العنف والإرهاب والتكفير والغلو والتشدد ويسحب البساط من تحت أقدامهم جميعا .
10- دعم دور الأسرة والمدرسة لضمان توافر محاضن تربوي أمينة في محيطيهما وبث روح الإيمان والخلق والاستقامة والاعتدال والتسمح في نفوس الناشئة وينبغي مراجعة السياسات والإجراءات المعوقة لهذا الهدف.

الفصل الثامن: الخلاصة

إن هذا الذي نادي به الأستاذ الدكتور كمال أبو المجد – من فتح باب للحوار الذي يوصلنا لحرية الرأي والتعبير والاعتراف بالآخر, وتداول السلطة وغير ذلك من الحريات التي كفلها الدستور – أمر هم للإصلاح إلا أننا نقول : إن أى تصور إصلاحي يحتاج إلى إنزاله على أرض الواقع ليصير منهج حياة فهذا التصور القيم الذي ذكره الأستاذ الدكتور كمال أبو المج هو الجنب النظري البحث الذي لا غني عنه ولكن لكي نبعث فيه الحياة وكان لابد من تضافر الجهود للمؤسسات جميعا لننشئ أجيالا تربي على هذه المفاهيم ليدوم الحال ويصبح واقعا ملموسة في الحياة يراه الشباب فيقتدى به .

إننا نريد الإنسان المؤمن إيمانا صحيحا لمنتج في مجتمعه الصالح في نفسه المصلح لغيره والذي يعيش في الحياة لهدف ورسالة لا نريد ترابا يأكل من التراب ويمشي على التراب وينتهي إلى التراب نريد إنسان ( سورة العصر ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) نريد الإنسان الباني لا الهادم المنتج المعطاء الرحيم ب الصغير الموقر للكبير الذي يقول للناس حسنا يحترم العقل ولا يعبده يبني به حضارة على منهاج النبوة إنسانا لا يتخلي عن العمل حتى تلفظ الحياة آخر أنفاسها حتى ولو قامت الساعة يؤدى الواجب قبل أن يطلب الحق يحب لأخيه م يحب لنفسه يعيش لأمته المسلمة قبل ذاته يضحي من أجل الدين والعرض والأرض والقيم والمقدسات .

و يتحقق ذلك إلا بالتربية الإسلامية والتربية في مفهوم الإسلام شاملة متكاملة وليست التربية الدينية وحدها كما يتوهم كثيرون فالتربية الدينية نوع من أنواع التربية الإسلامية التي يحرص عليها الإسلام ويدعو إليها كما يدعو إلى التربية العقلية , والبدنية , والنفسية والصحية , والخلقية , والعلمية والأدبية , والفنية والجمالية ,والجنسية و, الاجتماعية و,العسكرية والاقتصادية, والسياسية ,والإنسانية لخلق شخصية سوية متكاملة تعيش العصر وتتواصي بالحق والصبر .

ولا يمكن أن نتصور أن تقوم المدرسة وحدها بهذا كله فليست هذه مسئوليتها وحدها بل لابد أن يتعاون معها البيت , ثم إن لأجهزة والمؤسسات التوجيهية المختلفة عليها مسئولية مماثلة في التربية سواء كانت رسمية أم شعبية الصحافة , والإذاعة, والتلفاز , والشعر والأدب والأحزاب والنقابات وغيرها من المؤسسات متعاونة مع أجهزة الدولة في تناغم واحد لا شذوذ فيه ولا اضطراب الكل وجهة واحدة لتحقيق هدف وغاية واحدة فلا مستقبل لأمتنا إلا بهذه التربية الحكيمة والتي تحتاج إلى القدوة في كل موقع من المواقع ليراها الشباب فيمتثلوها لا كلاما يقال ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ( الصف : 3) بل يعمل وسلوكه مرئي .

وللذين يتعجبون من هذا الكلام ولا يؤمنون إلا بما يقوله الغرب أقول لهم ما قاله " جون فستر دالاس " وزير خارجية أمريكا من عام 19521959 م يقول " إن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ في أمتنا وإلا لما أصبحنا في هذا الحرج وفي هذه الحالة النفسية لا يجدر بنا أن نأخذ موقفا دفاعيا وأن يتملكنا الذعر إن ذلك أمر جديد في تاريخنا , إن الأمر لا يتعلق بالماديات فلدينا أعظم إنتاج عالمي في الأشياء المادية إنما ينقصنا إيمان صحيح قوى فبدونه يكون كل ما لدينا قليلا وهذا النقص لا يعوضه السياسيون مهما بلغت قدرتهم أو الدبلوماسيون مهما كانت فظنتهم و العلماء مهما كانت اختراعاتهم أو القنابل مهما بلغت قوتها فمتى شعر الناس بالحاجة إلى الاعتماد على الأشياء المادية فإن النتائج السيئة تصبح أمرا حتميا ".

هذا رجل غربي يتكلم كلام العقلاء لينقذ وطنه من الانهيار الأخلاقي الذي وصل إليه في الوقت الذي نري أنفسنا وقد صرفنا جهدنا في إقامة الهياكل الديمقراطية ولم نول اهتمام موازي ولا كافيا لتشغيل تلك الهياكل وتوظيفها في خدمة المجتمع – حتى بدا للبعض أن الهيكل هدف وليس وسيلة كما ظن البعض – كما يقول الأستاذ فهمي هويدى في مقاله بالأهرام في 28/12/1993 تحت عنوان من الوساطة إلى الحوار :

يقول :" وبوضوح أكثر نقول : إن موقف بعض النخب العلمانية في مصر من مشاركة التيارالإسلامي في الحوار يكاد يكون متطابقا مع موقف نظرائهم في الجزائر وهو تطابق ليس في الهدف فحسب وإنما في الأسلوب أيضا حيث الحرص مشترك على وضع كل الإسلاميين في سلة واحدة ودمغهم جميعا مشترك على وضع بحجة ن هناك فريقا يمارس الإرهاب فعلا أما الآخرون المعتدلون – فإنهم يضمرون تلك النية الشريرة – إلى أن يقول : إن كما لافتا للنظر من كتابات وتعليقات الخصوم السياسيين ظلت تلح طيلة العام على تلك الدعوة التي تقول صراحة : إنه ليس بين الإسلاميين متطرف ومعتدل ولكنهم جميعا متطرفون إضافة إلى ذلك فقد وجدنا مجلة رصينة تابعة لوزارة الثقافة في مصر خصصت افتتاحياتها لأشهر لهدم رموز الاعتدال الإسلامي واتهامهم بأنهم يرتدون ( أقنعة ) تخفي حقيقة التطرف فيهم .

وقرآنا لأحد الأكاديميين في مستهل كتاب له قوله : إن الاختلاف بين الاعتدال والتطرف في الساحة الإسلامية هو في الدرجة وليس في النوع حيث كلهم متطرفون بدرجات متفاوتة وقوله : في مؤلف آخر : إن الإسلام ليس فيه اعتدال ومن ثم فإن المشكلة تصبح في تعاليم الدين ذاته وهو غلو لا يراد به إقصاء التيار لإسلامي فقط ولكن اتهام الدين ذاته والتحريض على إقصائه بدوره فالأمر لا يخلو من تدليس وتغليط ناهيك عن الاجتراء مما يفقد التقييم موضوعيته ويدل على مدى تدهور مستوى الصراع الفكري إلى الحد الذي لا يتردد عنده طرف في اغتيال الآخر عبر تلبيسه تهمة الإرهاب وملاحقته بها لإقصائه فيما يدعي ذلك الطرف أنه يدعو إلى احترام الآخر وحماية حقه في الاختلاف .

بعد ذلك التلبيس انتهاك آخر لأحدي بديهيات الاجتماع الإنساني فبينما يسلم أهل العقل بأن الاعتدال والتطرف صفتان ملازمتان لكل فصيل فكرى أو سياسي فإن إعلام الخصوم يصر على إقناع الخلق بأن التطرف سمة مقصورة على جنس الإسلاميين دون غيرهم من البشر وفي بلد أو اثنين دون غيرهما من بلاد المعمورة وأن الاعتدال إن وجد فهو مجرد قناع يخفي الحقيقة المرة .

أيا كان الأمر فنرجو ألا يطول بنا الوقت لكي ندرك الخلاصة التي وصلت إليها لجنة الحوار في الجزائر حين قررت بعد سنتين من التردد دفعت خلالهما البلاد ثمنا باهظا أنه لا دوي من تجاهل التيار الإسلامي أو محاولة حصره كليا بالإرهاب .

ولكي لا يلتبس الأمر على أحد في هذه النقطة فإنني ألفت النظر إلى أمور ثلاثة :

أولا : أننا عندما نتحدث عن ضرورة إشراك التيار الإسلامي في الحوار الوطني لا نخصه بهذه الدعوة دون غيره من الفصائل التي درج التقرير الاستراتيجي العربي على وصفها بالقوى بالمحجوبة عن الشرعية حيث نعتبر أن كافة القوى السياسية أيا كان اتجاهها شريكة في الوطن ومن ثم فلها حق لإسهام فيما يتعلق بحاضره ومستقبله ناهيك عن أن مصطلح القوى المحجوبة عن الشرعية يعد بحد ذاته ثغرة معيبة في بنيان أى تجربة ديمقراطية حيث لا يتصور في أى مفهوم ديمقراطي حقيقي أن تنشأ قوة سياسية لها مشروعها للتغيير السلمي ثم تظل منبوذة وملفوظة من الشرعية .
ثانيا: إن تركيزنا على التيار الإسلامي في هذا الخطاب له أسباب عدة في مقدمتها أنه صاحب الوزن الأكبر بين القوى المحجوبة عن الشرعية , ثم إنه الأوفر حظا في حصة التجريح الذي نستهدف إقصاءه عن الحوار فضلا عن أن اشتراكه في الحوار يوفر له المصداقية والجدية ثم إنه قد يساعد على إنجاحه في نهاية المطاف وأخيرا فإنني لا أخفي انتماء فكريا إلى ذلك التيار ينصب على المشروع والموقف ولا يتجاوز حدودهما .
ثالثا : إنني حينما أتحدث عن التيار الإسلامي فلست أخص طرفا بذاته كما يخطر على بال البعض من هوة التأويل ولاصطياد وما يهمني في الأمر هو تقرير المبدأ بغض النظر عن الطرف المستفيد منه ولعلي أضيف هنا أنه إذا استفادت أى جماعة من الدعوة إلى المشاركة في الحوار فإن ذلك لا يعني بطبيعة الحال أنها الأفضل وإنما يعني على التحقيق أنها الأظهر .

فلك أن تتصور ما قاله ( دالاس ) بعد هذا التقدم العلمي الذي ليس له نظير من ضرورة العودة إلى الدين وقارن بينه وبين الخصوم السياسيين الذين يريدون للدين إقصاء وللأخلاق إبعادا ولمنهج الله حربا وتشويها كما بين الأستاذ فهمي هويدي في مقاله الممتع مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين