قصة أول داعية متبرجة في الحركة الإسلامية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
قصة أول داعية متبرجة في الحركة الإسلامية

[05-06-2004]

مقدمه

حوار: هبة الله محمد

نادرة شنن أدخلها الدعوة حوار مع شيوعي

إذلال المرأة يحولها لأمة وساعتها لن تلد إلا عبيدًا

زينب الغزالي شخصية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر

قضيت تسع سنوات بعيدة عن زوجي لانفصال مصر وسوريا

على الطريق دائمًا يحتاج السالكون لعلامات مضيئة.. يستشرفون بنورها خطواتهم الآتية.. ويقيمون مراحل سيرهم الماضية.. يجمعون من بين صفحات جُمَلاً تشكل كتاب أعمارهم.. وهو الأمر الذي يحيل الواحد من هذه النماذج إلى روحٍ تسري في بدن الحياة، فتحيل كل خلاياه لنبتٍ سرعان ما يمسي شجرًا يحملنا ويعلو بنا.. واليوم يلتقي (إخوان أون لاين. نت) بواحدة من السابقات على الدرب.. نبتت على صوت والدها تاليًا للقرآن في السحر، فشربت فطرتها نقاءً ربانيًّا وسموًّا روحيًّا.. غير أن دعاوى التحرر التي هزَّت كيان الأمة- محاوِلةً أن تضربها في درتها المكنونة- أغرت صاحبتنا في صدر القرن الماضي، إلا أنها سرعان ما عادت الفطرة إلى أرضها الأولى تغرِّد لما جبله عليه خالقها.. إنَّها "نادرة شنن" بنت حلب، التي تعرفها زنابق الشام كما تعرفها مآذنه، ومَن في سوريا لا يعرف الحاجة "نادرة شنن"..؟‍


نص الحوار

  • كيف أثرت نشأتك منذ الطفولة في تكوينك كداعية؟
علاقتي بالدعوة تبدأ منذ الصغر.. أصحو على صوت والدي وهو يقرأ القرآن قبل الفجر.. حتى إذا ما تأخر المؤذن حلَّ والدي محله في إقامة الشعائر، وكان صوت أبي- رحمه الله- جميلاً، فكنت أحب أن أقرأ وأحفظ ما يحفظه.
وككل الفتيات في أواخر النصف الأول من القرن العشرين فُتنْت بدعوات تحرير المرأة التي كانت منتشرة آنذاك، خاصةً عندما دخلت الجامعة والتحقت بكلية الآداب ببعثة داخلية من الدولة لتخريج مدرسات.. ولم يزد عددنا حينها عن ثلاثين فتاة، وكنت وقتها أعتزُّ بشخصيتي واستقلاليتي إلى حد كبير.. وخلال فترة الدراسة نضجت شخصيتي فطريًّا وسياسيًّا ودينيًّا، ولا أعني بالنضج الديني الصلاة والفرائض فقط بل نضْج العقلية التي تفكر وتحلل بمرجعية دينية؛ حيث كانت هذه الفترة تعجُّ بالأحداث السياسية الهامة في سوريا.. من انتهاء للحكومات العسكرية، وبدء الحياة الدستورية، وعودة الأحزاب والتيارات الإسلامية؛ مما يسر لي قراءة العديد من الكتب الأساسية حول الشيوعية وحزب البعث؛ مما كان له أكبر الأثر في حمايتي من الانضمام إليهم رغم إلحاحهم على ذلك ليستفيدوا من نشاطي.
  • إذًا فقد التحقت بركب الدعوة في فترةٍ هي أوج صعود نجم البعثيِّين.. فكيف مارستِ دعوتَك خلالها؟
في إحدى المرات تناقشتُ مع مسئول الشيوعيين بالجامعة حول "قضية فلسطين بين الشيوعية والدين"، ومن يومها أدركت أن طريق الدعوة هو طريقي، ثم قيَّض الله لي مجموعةً من الأشخاص على رأسهم د. مصطفى السباعي- المراقب العامللإخوان في سوريا في ذلك الوقت، والشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ محمد المبارك.. وغيرهم من قادة وعلماء الدعوة بسوريا، وبرغم أنني لم أكن محجَّبة في ذلك الوقت كانوا يقبَلونني كممثلة للاتجاه الإسلامي في الجامعة، وسعَيت كثيرًا حتى صار للفتيات مسجدٌ بالجامعة- وهو أمر لم يكن متصورًا- وصار هذا المسجد نواةَ الاتجاه الإسلامي بيننا.
وبعد تخرجي من كلية الآداب عرض عليَّ د. مصطفى السباعي أن ألتحق بكلية الشريعة الإسلامية مع أول دفعة بها؛ حيث كنتُ الفتاةَ الوحيدة بينهم، وواجهت بذلك اعتراضات كثيرة، لدرجة أن أحد الأساتذة استقال من الكلية لوجودي بها، ولكنني بفضل الله تفوَّقت في دراستي، وكنت أولَ فتاة في العالم الإسلامي تتخرج في كلية الشريعة عام 1958م، وعندما قررت أن أرتدي الحجاب وأكون رمزًا للإسلام قررت أن أكون أنيقةً جدًا؛ حتى إنه في أول يوم ارتديته فيه أرسل إليَّ الأستاذ عمر الأمير مَن يخبرني أنه لا يريدني أن أدخل بيتي في هذا اليوم، ويقصد بذلك أن يراني أكبر عدد من الناس حتى أحبِّبهم بمظهري الأنيق في الحجاب.
  • وكيف مارستِ دعوتَك بعد انتهاء مرحلة الدراسة؟
بعدها عملت كمدرِّسة لغة عربية في المدارس الحكومية لمدة ثلاث سنوات؛ حيث سافرت بعدها بعثةً لألمانيا، وعند التحاقي بالمدرسة لم تكن هناك طالبة ولا مدرِّسة ترتدي الحجاب، وكُنَّ يستحيين الذهاب للمسجد للصلاة، وبفضل الله خلال سنوات عملي عمِلت على نشر الحجاب بصورة كبيرة بينهن، وكذلك كنتُ أحثُّهم على الصلاة في المسجد وأتقدمهم في ذلك، وأرفع الروح المعنوية للملتزمات، وأُشعِرُهُن بالاعتزاز بالدين والدعوة اللذين ينتمين إليهما أمام باطل البعثيين والشيوعيين ومَن على شاكلتهما، ففي إحدى المرات علمت أن إحدى المسئولات البعثيات داخل المدرسة قد هاجمت الحجاب فقُمت بتوبيخها على ذلك أمام الجميع.. فبُهتت ولم تجد جوابًا.


السفر لألمانيا

  • وهل ظلَّ عطاؤك للدعوة وحملُك إياها كما هو عند سفرك لألمانيا؟‍
سافرت إلى ألمانيا في أوائل الستينيات في بعثة لإتمام دراستي اللغوية، وقبل سفرنا أقام لنا السفير الألماني بدمشق حفلةً شاركتنا خلالها زوجه وزوجات عدد من أساتذتنا الحلبيات، وإذا بإحداهن تقول لي- مشيرةً إلى حجابي-: ألم تخلعي هذا بعدُ أم ستُسيئين إلينا في ألمانيا؟! ففوجئت بزوج السفير ترد عليها قائلةً: "نحن نقدِّر الأُصَلاء ولا نحب المرايا الممسوخة".. وبعد سفري لألمانيا فهِمتُ طبيعتهم، وعلمت أنهم تعودوا على أن يتملقهم الآخرون.. وأن يفرضوا حياتهم على مَن يتعامل معهم، ولكني قاومت هذا بشدة.. فعندما لم أجد مسجدًا أصلي فيه كنتت أصلي على الثلج في الشتاء؛ حتى أشفقَت عليَّ طبيبة ألمانية مسيحية متديِّنة، وأعطتني مفتاح غرفتها لأصليَ فيها.
وعندما جاء رمضان- تصوَّروا أنه شهر الكسل بالنسبة لنا- كانت معركة.. وأخذنا نثبت أن هذا الدين أغلى علينا من أنفسنا، وأنه سبيل الفلاح في الدنيا والآخرة.. وكان أول يوم في رمضان لديَّ امتحان ودرجة الحرارة 25 تحت الصفر، وتصور الجميع أنهم سيضطَّرون لإحضار الإسعاف لإنقاذي.. وبفضل الله كنتُ الأولى على المعهد كله.. وهكذا علمتُ أنهم أيضًا عندما يوقنون أن مَن أمامهم ليس مستعدًا للمساومة يتوقفون عنها فورًا؛ حتى إنني التقيت بزوج السفير بعدها في (ميونخ)، وسعِدت للغاية باحتفاظي بحجابي.
  • ما الأسس التي اخترتِ- بناءً عليها- زوجًا يكون عونًا لك في دعوتك؟
تزوجتُ في ألمانيا من مصري.. ولم يكن لي أي شروط سوى أن يكون رجلاً صالحًا، وأن يتركني أكوِّن نفسي، وأنا نفسي الدعوة.. أما هو ففي حلٍّ من أمره بعد ذلك، سواء أراد أن يُمارس الدعوة أو لا، كذلك اشترطتُ عليه أن ينقل عمله إلى سوريا، وقد قبِل كل شروطي، وكان صادقًا ووفيًّا في تنفيذها فلم يسألني في يوم بعد عودتي من أي عمل دعوي مهما استغرق أين كنتِ؟ وماذا فعلتِ؟ وللعلم إنه قبل بذلك وهو يعرف انتمائي جيدًا، وما يمكن أن أتعرَّض له من مشاكل بسبب ذلك، حتى هو بعد زواجنا تعرَّض للاعتقال لفترة قليلة بسبب ارتباطه بي.
  • فترة الستينيات أيضًا كانت فترةً عاصفةً على المجتمع السوري والعربي.. فكيف تأثرتِ بها؟
عدتُ إلى سوريا، وعاد زوجي إلى مصر لينهي أعماله، ولكن حدث الانفصال بين مصر وسوريا، وبقينا منفصلين لمدة تسع سنوات؛ بسبب الظروف السياسية بين البلدين، وكانت الأحزاب في بلادي قد حُلَّت ثم عادت، ولكن كانت الحركة الإسلامية بطيئة، وتصاعدت الانقلابات حتى انقلاب حزب البعث الذي ضرب كافة الاتجاهات السياسية- خاصةً الحركة الإسلامية- وبالرغم من كل هذه التوترات التي عانيتُ منها على المستوى الشخصي، وعانت منها بلادي.. إلا أنه كان أقساها على نفسي الانفصال بين مصر وسوريا، فلقد قاومته بشدة؛ لأنني تربيت على أن الوحدة بين مصر وسوريا هي بداية لوحدة الأمة ومقدمة لنهاية الكيان الصهيوني.


زينب الغزالي

  • لكل إنسان قدوة لا سيما في طريق الدعوة.. فمن ذا الذي يمكن أن يشغل هذا المكان في حياتك؟
كقدوة معاصرة بالطبع كانت الحاجة زينب الغزالي، فقد كنت أراها أمًّا لي، ولا أعتقد أن هناك مَن قدمت للدعوة ما قدمته الحاجة زينب الغزالي.
  • أي الفترات ترينها قمة عطائك الدعوي؟! ولماذا؟
على عكس ما كنتُ أنوي من أن ينتقل زوجي للعيش معي بسوريا، وبعد تسع سنوات من الفراق، عدتُ أنا لمصر لأنضم لزوجي، وأعمل مدرسة لمدة 12 عامًا بالمدرسة الألمانية الإنجيلية، وخلال هذا كان أساتذتي يعملون بالسعودية وحاولوا أن يستدعوني للتدريس هناك سواء في قطر أو أم درمان، وبفضل الله أرسلوا لي عقدًا موقعًا من رئيس جامعة أم القرى لأدرس بكلية الدعوة وأصول الدين، وتمثل هذه الفترة قمة العطاء الدعوي، فالفرص هناك متاحة والمناهج خصبة وثرية وتتفق مع ما أريد توصيله للأجيال الناشئة، وكنت أدرِّسُ مادة الثقافة الإسلامية المقررة على جميع كليات المملكة، هذا بخلاف المحاضرات والندوات العامة، إضافةً إلى الجو الذي يسمح لك بالعمل دون أن تشعر أن هناك رقيبًا على كل كلمة وكل لفتة.
  • من خلال عملك الدعوي لمستِ الكثير من المشاكل التي تعاني منها الأسر المسلمة وأسر الدعاة.. فما الأسباب الحقيقية وراءها من وجهة نظرك؟
هناك العديد من الأسباب المتشابكة، أولها حالة الانفصام الذي يُعاني منها بعض مَن يدعون إلى الإسلام فيرغِّبون الناس فيه، ويدعون للتعامل بخلقه، في حين يبغض زوجته ويعاملها بغير خلق الإسلام.. كذلك إلحاح الرجل ورغبته الدائمة أن تكون زوجه صورةً من أمِّه، وأيضًا الجهل بالدين وأولوياته وسننه وفرائضه في مسألة الزواج، فالكثيرون تركوا الفروض وحرصوا على السنن، فلك أن تعلمي أن فروض الزواج ثلاثة: أن تلبي دعوة زوجها ولو كانت تجلس على التنور- أي الفرن-، وألا تُدخل بيته مَن يكره، وألا تخرج بغير إذنه.
ودعونا نتساءل لماذا كان لدى زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- خادمات بالرغم من أنه لم يكن لمعظمهن أبناء، وكان منزل كل منهن حجرة واحدة، والنبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقوم بعمل أهل بيته، لقد أراد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يعلمنا أن هذا ليس فرضًا عليها ولا يعقل للمرأة أن تُرهق في السُّنن حتى إذا طُلب منها الفرض لم تستطع القيام به، وعلينا أن نعلم أن إذلال المرأة يكسرها ويجعلها أمَةً لا زوجة، والأَمَة لا تلِدُ إلا رقيقًا.
  • ولكن هذا الكلام قد يُفهَم على غير مقصده ويؤدي للعديد من المشاكل!
لو سألت أي فتاة.. الرضاعة أولى أم عمل المنزل؟ لقالت لك الرضاعة، والقرآن يخبرنا أن للمرأة الحق أن تنال أجرًا عليها، ولكن لو حدث ذلك في الواقع لصار شيئًا بشِعًا، هذا ما أريد أن تفهمه الزوجات.. الحياة الزوجية معاملةٌ.. ودٌّ.. رحمةٌ.. إحسانٌ.. عطاءٌ، وليست معاملةَ حقوق وقانون، وبالرغم من ذلك فعلى الطرفين أن يفهما أن العطاء ليس حقًّا مكتسبًا، ولكنه فضل من كل منهما على الآخر، ومن ثَمَّ يكون هناك التقدير والتماس الأعذار، وعندما رأيت أن بعض الفتيات فهِمْن دعوتي لمعرفة كل طرف بحقوقه خطأً عنَّفتهن وأفهمتهن أنني- وأنا فوق السبعين- أقوم بجميع أعمال المنزل، وأنه من العيب في حقِّها أن يكون بيتها مهمَلاً، بزعم أنه سنة وليس فريضةً، وبالرغم من ذلك فلا يجب علينا حجب الحقائق؛ لأن البعض يفهمها خطأً.
  • ذكرتِ أسباب المشاكل من جانب الزوج.. فماذا عن الزوجة؟‍
أول خطأ تقع فيه الفتاة هو رضاها بأي شخص متديِّن، دون تمحيص في جوانب خلقه وتربيته وسماته الشخصية والنفسية، وللأسف يحدث هذا نتيجة ندرة الشباب الملتزم، وكذلك صعوبة ظروف الزواج بصفة عامة، ولنفس الأسباب السالِفة أيضًا إذا اكتشفت الفتاة عيوبًا في الرجل أثناء فترة الخطبة تتجاهلها مهما كان حجْمها وتستمر وتغطِّي على المشاكل بعد الزواج أو قبله؛ حتى تتعفَّن، ويضمر كل طرف للآخر ما لا يحب، ويعتاد أحد الطرفين الإساءة للآخر وعدم وضوح الأسلوب الأمثل للتعامل منذ البداية، وما في مقدور كل طرف أن يعطيه.
فأنا أنصح الشباب والفتيات ألا يعِدوا إلا بما يستطيعون القيام به، سواء في العاطفة أو الأمور المادية أو الحياة الزوجية، وعلى الطرفين أن يعلما أنه إذا رُفِع الودُّ والرحمة من البيت فهو ليس بيتًا ولا سكنًا، حتى لو ارتدوا الحجاب داخل البيت أيضًا.


حلول دعوية

  • إذًا ما الحلول المطروحة من وجهة نظرك؟‍
أولاً: اختيار الزوج أو الزوجة على دين وخلق وظروف وسلوكيات تربوية متكافئة ومتناسبة.
ثانيًا: إذا اكتشفت عيوب وخلافات جوهرية في فترة الخطبة لا يتردَّدا في فسخها، وإذا كان في العقد يتمهَّلا قليلاً، ويحاولا الإصلاح، فإن لم تنتَهِ هذه الخلافات والطباع والعيوب على الصورة المطلوبة يسارعان بفسخ العقد.
ثالثًا: تربية الفتيات منذ بلوغهن على مواجهة الحياة الزوجية الحقيقية من تعامل مع الزوج ومسئولية الأبناء والبيت، ومالها وما عليها في ذلك.
رابعًا: إعداد كتب ودورات وشرائط و"سيديهات" تناقش هذه الموضوعات مناقشةً جادةً وموضوعيةً مبنيةً على أُسس البحث العلمي وعينات من الأسر والمشاكل تعرض الواقع وليس مجرد كلام نظري أو تنظير من المحاضر.
خامسًا: أن تتفهَّم الزوجة ظروفَها وأولوياتِها، فمثلاً الزوجة العاملة في المجال الدعوي أو غيره إذا خُيِّرت بين السُّفرة والغسالة الأوتوماتيك فعليها باختيار الثانية؛ لأنها توفِّر الوقت أكثر، وإذا فكرت أيهما أولى.. السيارة أم "الأنتريه"؟‍ تصبح السيارة؛ لأن كل هذه الوسائل توفر جهدها وطاقتها ووقتها لأمور لا يمكن أن يقوم بها غيرها، وهكذا فإذا كانت ميسورةَ الحال مثلاً وترى إحدى أخواتها تحتاج إلى العمل أو المال يمكنها أن تستأذنها في الجلوس مع أبنائها خلال غيابِها، وهكذا تكون ساعدتها وساعدت نفسها، وجعلت أبناءها في أيدٍ أمينة.
  • لو سألنا عن تعريفك لكل من الزواج والقوامة فماذا تقولين؟‍
الزواج يعني باختصار اجتماع عنصرين متفاوتين في النشأة والتربية والقدرات والإمكانات يحتاجان للتأقلم بينهما؛ بحيث يكون هناك دمج للخبرات حتى يلتقوا في منطقة متوسطة مشتركة وتخصُّهما معًا في سبيل إقامة هذا الصرح الإسلامي الذي يباركه الله من فوق سبع سماوات، وعلى كل منهما الحرص على عنصر مهم، وهو التوازن الذي يدفع طغيان أحد الطرفين على الآخر، وأقول أحد الطرفين؛ لأن المرأة عندما تطغى تصبح بشعةً ولا تُطاق.
أما القوامة فتكون بتوفر شروط معينة فيه.. كالإنفاق، واحتمال واستيعاب الطرف الآخر، ومن ثمَّ فهي تكليف لا تشريف تجعل المرأة تشعر أنها في شراكة الإدارة فيها للرجل، ولكنه يخبر شريكته ويستشيرها في كل شيء، ولا يطغى عليها، ولديه القدرة على استيعاب متغيرات الحياة والتفاهم وتوظيف كل هذا للطريق، وأهم من كل ذلك أن يستشعرا معًا حُبًّا لا يتغير من الشباب إلى الشيخوخة ولا الفقر ولا الفتن والمِحَن، فهذا الحب عنصر هامٌّ جدًّا في ظل ضغوط الحياة المادية التي تسوق الجميع أمامها بسوط الحاجة، وفي ظل هذا المفهوم لا يصح للزوج أن يطالب بالقوامة والطاعة وهو يصغر نفسه أمام زوجه، ويطالبها بمرتبها رغمًا عنها أو ميراثها أو ما شابه ذلك.
وأذكر في هذا الإطار أن والدي- رحمه الله- والذي وُلِد عام 1891م وتوفي عام 1958م كان يعمل في أحد المصانع، وعند عودته لا يجد أيًّا منا يطلب من أمي شيئًا حتى يقول له إن والدتك متعبة طوال النهار، ويقضي حوائجنا بدلاً عنها وتخفيفًا.
وكذلك زوجي فقد ساعدني في الكثير من أمور الحياة بنظامه ودقته التي قاد بهما سفينة الأسرة حتى عوَّد الأبناء عليها، فكل فرد مسئول عن ترتيب غرفته وتنظيف ملابسه والوعاء الذي يأكل فيه وتنظيف الشقة والأواني، وما شابه ذلك بالتبادل بين أفراد الأسرة، وكان يسبقهم بنفسه لذلك فخفَّف عليَّ الكثير؛ مما ساعدنا على تنظيم عطائي بين دعوتي وبيتي، كذلك جاء عليَّ وقت كان ابني الكبير يدرس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وزوجي يدرس في مدارس الفكر بجدة أيضًا، وابنتي في كلية الصيدلة بمصر، وأنا أدرس بجامعة أم القرى بمكة فكنت أوقظهم بالهاتف يوميًّا في أذان الفجر ليتذكَّروني مع كلمة الله أكبر.
وهذه المرحلة علمتني أن الله يبارك للدعاة في أبنائهم فقد تركت ابنتي بمصر وهي تضع إيشاربًا على رأسها واليوم هي ترتدي حجابًا خيرًا من حجابي، ومن هنا نعلم أن أبناءنا غراس عمرنا إن لم نستطع أن نرعاهم يرعاهم الله سبحانه..

المصدر