قراءة في المشهد العام
مقدمة
2010-14-04
أولاً: الشأن الداخلي
1- تنامي الحراك السياسي
في الوقت الحالي، تتعدَّد مشاهد الحراك السياسي في مصر، وهو ما يعد ظاهرةً إيجابيةً في مسيرة العمل الوطني، ويجري هذا الحراك على مستويين، النخبة الفكرية والحركات السياسية، والحركات المطلبية، وهي ظاهرة بدأت منذ خمس سنوات وما زالت تشهد تطورات مهمة في الوقت الراهن.
فمنذ فترة بدأت النخبة الفكرية في طرح تصورات جادَّة عن الإصلاح السياسي، وقد تنوعت هذه التصورات ما بين المطالبة بصياغة دستور جديد أو إجراء تعديلات على الدستور الحالي، وما بين العمل على تطوير شبكة من العلاقات السياسية تستوعب كلَّ الأطراف السياسية والاجتماعية، وبهذا الشكل تطرح تصوُّرات الإصلاح إطارًا واسع الأفق يكاد يستوعب مطالب مختلف التيارات الفكرية والاجتماعية.
وثمة تطور آخر لا يقل أهمية عن التطور السابق، وهو ما يتمثل في قدرة عدد من الأحزاب على ضعفها على الانخراط الجماعي في نقاش حول المستقبل السياسي للبلاد، ويعد مؤتمر بعض أحزاب المعارضة والذي انعقد الشهر الماضي مختلفًا عن أشكال التعاون والحوار السابقة، فهو يشير إلى وجود قدرة أكبر من ذي قبل على إدارة الاختلافات، ومن الأهمية هنا توافر الرغبة في صياغة رؤى ومواقف مشتركة بشأن الإصلاح السياسي والعمل المشترك مع كل الأطراف السياسية للبلاد.
ورغم أن هذا الحراك قطع شوطًا مهمًا، إلا أنه ما زالت ثمة عقبات قد تقضي على آمال تحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة.
ويكمن البعد الأول من عقبات الحراك السياسي في إمكانية التوافق حول معالم الرؤية الوطنية للإصلاح؛ بحيث تعبِّر عن تطلعات وآمال المصريين في الحرِّية والعدالة، وهذا ما يقتضي العمل على صياغة رؤية وطنية للتقدم والنهضة، تقوم بالأساس على اجتهادات كل القوى السياسية ومؤسسات الدولة؛ لتشكل اتجاهًا عامًا وجماعيًّا يستوعب كل الاجتهادات التي تلبي حاجات المجتمع.
وتشير الخبرات السابقة إلى أن مقومات صياغة هذه الرؤية ارتبطت بدرجة من عدم القبول المتبادل ورفض حق الآخر في المشاركة السياسية، غير أن المرحلة الحلية تشهد تطورات مهمة تدفع باتجاه تبلور كيان الجماعة الوطنية التي تتسع لكل الأفكار والاتجاهات السياسية.
ولا تقتصر عقبات الحراك السياسي على العلاقة (إيجابيًّا وسلبيًّا) بين التيارات والكيانات الفكرية والسياسية، ولكنها ترتبط أيضًا بتماسكها الداخلي وتضامنها حول أولوية الإصلاح وضرورته في الوقت الراهن؛ حيث يشكل الالتحام الداخلي واحدًا من العناصر اللازمة لحدوث التحول الديمقراطي الهادئ، والبعيد عن الصراعات والانقسامات الداخلية.
وقد تزايدت تطلعات الشعب نحو المزيد من الحرِّيات والحقوق السياسية ووقف الفساد، إلا أن الاستجابة الحكومية لا تزال محدودة، وهو ما قد يدفع البعض للتجاوب مع الأجندات الخارجية أو الاستمرار في التظاهر والاعتصام، وهذا ما يمثل مصدر توتر سياسي واجتماعي، غير أن ظهور أخبار عن إمكانية تعيين نائب للرئيس قد يكون بداية استجابة لمطالب الجماهير والقوى السياسية بالإصلاح السياسي، وهذه الخطوة إذا ما تم اتخاذها من المهم أن تكون واحدة من مفردات تحسين ا لمناخ السياسي، ومقدمة لصياغة علاقات سياسية جديدة بين الأطراف السياسية المختلفة، وهذا ما يتطلب التوافق حول الخريطة الوطنية للإصلاح.
ومن هنا تأتي أهمية تضافر جهود جميع الأطراف لخروج البلاد بشكل آخر من الأزمات والتوتُّرات السياسية والاجتماعية، وهذه الجهود مهمة ومطلوبة أيضًا لوقف تدهور الأداء الاقتصادي، وهذا ما يتطلب وقف مصادر الاحتقان السياسي التي تزيد من الشقاق والخلاف.
2- تحديات الهويَّة المصرية الإسلامية
تواجه الهويَّة المصرية الإسلامية تحديات كبيرة في هذه المرحلة، وذلك بإثارة العديد من الملفات التي من شأنها إعادة تشكيل المجتمع، سواء من ناحية توطين القيم والقواعد الاجتماعية الغربية والعلمانية وتقديمها كبديل للقيم الإسلامية أو من ناحية صياغة مؤسسات الدولة وفقًا لهذه القواعد الجديدة.
وفي هذه الأيام، كثرت القضايا التي تثير جدلاً واسعًا في الأوساط الثقافية والاجتماعية، والجديد في الأمر هو أن الجدل أصبح يصطدم بالمؤسسات العتيدة والراسخة في الدولة، كالمؤسسة القضائية، فضلاً عن النظام التعليمي.
ومن ثم فإن من الأهمية قراءة هذه الأطروحات والصياغات، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق المرأة، إذ لا يمكن عزله من السياق العالمي وما يتضمنه من ثقافات مغايرة أو مختلفة، فهو ليس فقط مجرد حقوق سياسية واجتماعية ولكن هذا المضمون هو واحد من مفردات سياسية وثقافية لعلمنة المجتمع، وإبعاده عن الدين (الإسلام) وليس فقط إبعاد الدين عن السياسة، وهذا ما يعد تطورًا ملفتًا في هذا الشأن.
وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه مثل هذه التوجهات والسياسات، وخاصة ما يتعلق بمساعيها بإعادة صياغة التكوين الاجتماعى للدولة، وإعادة صياغة المحتوى الثقافي والديني للمجتمع.
وخلال هذه الفترة ظهر العديد من الكتابات والتوجهات التي تحضُّ على تفريغ المناهج التعليمية مما تبقى فيها من روح وأخلاق إسلامية تحترم الإنسان، وتقدم مصلحة الأمة على الفرد، وذلك تحت دعوى أن وجود مثل هذه القيم في المناهج التعليمية سوف يؤدي إلى تقسيم المجتمع وتمييز بعض المواطنين على الآخرين.
وبالنظر إلى العديد من النظُّم السياسية الغربية، فإنه يمكن ملاحظة أن المؤسسات والدساتير لم تصادم قيم المجتمع؛ حيث احترم كثير من الدساتير الهوية الدينية للمجتمع وتضمنت المبادئ الدستورية هذه القواعد سواء في الديباجة أو في صلب الدستور ذاته، ومن ثم فإن الإدعاء بالتحرر كنوع من الخروج على التقاليد والقيم لا يعد محاولة أو توجهًا نحو البناء، وإنما هو ما يساعد على ترسخ الفوضى الاجتماعية، وإهدار القدرات البشرية والإمكانات المادية.
وإزاء هذا الواقع الذي يؤدي إلى زيادة التوتر الاجتماعي، فإن التحدي الأكثر أهمية هنا هو أنه في ظلِّ هشاشة الدولة، فإنه من المرجح أن تجد هذه المشاريع طريقها إلى التنفيذ، وبشكل يضيع معه الكثير من الحقوق والقيم الثقافية والدينية.
3- التقارير الدولية: مصر بين الجمود والحراك
صدر تقرير منظمة الشفافية الدولية ليعكس حالة الجمود العام في الدولة، فقد تناول التقرير العديد من الموضوعات والقطاعات الإدارية والسياسات الاقتصادية، بشكل يكشف عن جوانب من الاختلالات الحقيقية في النظام السياسي.
وبشكل عام ركَّز التقرير على مسألتين، الأولى وتتعلق بتصحيح البيانات في أجهزة الدولة، وأشار هنا بشكل خاص إلى أهمية إصلاح الجداول الانتخابية، وحرية تداول البيانات والمعلومات، أما الثانية فهي ما تتعلق بغموض سياسة الإصلاح الإداري في الدولة ومكافحة الفساد.
وقد أشار التقرير إلى أن سياسات الحكومة في هذا الشأن، لم تحقق إنجازات، وفشلت في التصدي لأوضاع الفساد داخل أجهزة الدولة، كما أنه لا تتوافر الإرادة لإجراء إصلاحات سياسية.
وبالنظر إلى ما تشهده الأجهزة الرسمية من تشوُّهات إدارية، وفساد شديد، وفقدان الإرادة للإصلاح السياسي، فإن الجهود الحاليَّة لإصلاح الدولة تواجه تحديات كبيرة، ليس فقط في المجال السياسي، ولكن أيضًا في المجالين الإداري والاقتصادي، حتى تنتقل الدولة من حالة الجمود.
4- مخاطر السياسة المالية
شهدت المناقشات حول الحساب الختامي لموازنة 2009/ 2010م عن اختلال السياسة المالية للدولة، ومخالفات دستورية وقانونية تُنذر بوجود مخاوف أشد في الشفافية في التعامل مع إيرادات ونفقات الموازنة العامة خلال السنة القادمة، وخاصة مع عدم قدرة الحكومة على إخفاء العجز وارتفاعه لما يقرب من 40% من إجمالي الموازنة، وذلك على خلاف السنوات السابقة والتي سعت فيها الحكومة لتكميش العجز في الموازنة؛ لتظهر صورة غير حقيقية للاقتصاد.
ويشير تطوُّر السياسة المالية للدولة منذ نهاية التسعينات إلى أنها اتجهت لتكميش العجز والإسراع بتطبيق سياسات الخصخصة وخفض النفقات العامة دون مراعاة للجوانب الاجتماعية، وظلَّت عملية بيع الشركات العامة وتضمين عوائد البيع في الموازنة العامة وليس استثمارها من السمات الأساسية للسياسة المالية، ويمثِّل إدماج ودائع التأمينات والمعاشات في المالية العامة للدولة سواء من وضعها تحت تصرف وزارة المالية أو التصرف فيها بطرق أخرى، واحدًا من مخاطر السياسة المالية التي تعصف بالمسئولية الاجتماعية للدولة، وهو وضع يهدد بزوال الحماية الاجتماعية عن المواطنين، وذلك على مستوى الخدمات العامة التي تقدِّمها الدولة في الرعاية الاجتماعية والصحِّية والتعليمية.
وهنا يمكن الإشارة إلى تطورين على قدر من الأهمية وهما:
1- أن مشروع قانون التأمينات الجديد يتحيَّز لصالح الدولة، ويهدر الكثير من حقوق العاملين، خاصة وأنه ينظِّم وبطريقة قانونية انسحاب الدولة من القيام بوظيفة الحماية الاجتماعية، وبشكل يتجاوز الأعراف حتى في الدولة الرأسمالية ذاتها والتي تتجه في الوقت الحالي لتطوير السياسات الاجتماعية لتشمل أكبر قدر ممكن من الأفراد.
2- أن وزير المالية يشكل وضعًا حرجًا بالنسبة للسياسة المالية المصرية، فإلى جانب توليه أمور المالية العامة في مصر فهو في ذات الوقت يرأس اللجنة النقدية في صندوق النقد الدولي، وهذا الوضع يؤدي لزيادة ارتباط السياسة المالية بتوجهات صندوق النقد، وهذا ما يعني أن السياسة المالية تركِّز على الخفض الشديد لدور الدولة دونما اعتبار للآثار الاقتصادية والاجتماعية، ولعل الفلسفة المالية لقانون الضرائب العقارية تكشف عن سعي الدولة للانسحاب من الخدمات العامة، وفي ذات الوقت تسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من مدَّخرات الأفراد.
ثانيًا: الشأن الإقليمي
1- دلالات مؤتمر المانحين لدارفور
عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمرًا للمانحين الدوليين لإعمار "دارفور" (السودان) بالقاهرة في 21 مارس 2010م، وقد انعقد هذا المؤتمر بتنسيق بين تركيا ومصر، ويستهدف المؤتمر توفير الدعم المالي والفني لإعمار ولاية دارفور بعد سنوات الحرب الأهلية التي أضرَّت بوضع السكان، وأشاعت جوًا من الفوضى وعدم الاستقرار.
وإذا كان الجانب الاقتصادي والإغاثي يشكل الجانب الأساسي للمؤتمر، فإن الدلالات السياسية لا تقل أهمية؛ حيث إن وجود منظمة المؤتمر الإسلامي كمظلة سياسية قد يساعد ليس فقط في تنشيط دورها تجاه الشعوب الإسلامية ولكن يساعد أيضًا في إعادة تصحيح مسار التناول السياسي الدولي لأوضاع تلك المنطقة.
ولعله من الأهمية هنا الإشارة إلى أن انعقاد المؤتمر تم من خلال التنسيق بين ثلاث دول أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي تركيا، ومصر، وقطر، وهو ما يعكس منظورًا إيجابيًّا في التعامل مع المشكلات المزمنة في العالم الإسلامي، ويمثل في ذات الوقت نواةً لتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي.
ويعكس نجاح مؤتمر المانحين في توفير حوالي 40% من أهدافه المالية (700 841 مليون دولا) في المرحلة، مدى القدَّرة على المضي في تطوير التعاون السياسي والاقتصادي بين الدول الإسلامية، وقدرتها في ذات الوقت على التعاون مع الدول والكيانات الدولية الأخرى.
2 - انقطاع أنفاس السلام
ما أن أُعلن عن قبول العديد من الأطراف بعقد مفاوضات "غير مباشرة" بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني ظهرت المشكلات التي تجسِّد الجوانب الحقيقية للصراع، وهو ما يعني أن محاولات تغييب الوعي أو تجاوز الحقائق والواقع السياسي يكشف عن جوانب الخلل ليس فقط في التفكير الإستراتيجي، ولكن أيضًا في الرؤية تجاه مستقبل الصراع أو التسوية مع الكيان الصهيوني.
في أثناء التحضير لتلك المفاوضات، أعلن الكيان الصهيوني عن إنشاء 50 ألف وحدة سكنية في محيط مدينة القدس، وهو ما أدى إلى إرباك كلِّ الأطراف السالمة وحسنة النية، كما أنه يكشف في ذات الوقت عن الخطوط الإستراتيجية العامة للسياسة الصهيونية، والتي تركز على التوسع وإخضاع المتعاملين معها، وقد أجهزت هذه السياسة على كثير من الحقوق الفلسطينية منذ وصول نتنياهو، وبصورة بدأت تدفع باتجاه إعادة احتلال قطاع غزة، فضلا عن مصادرة الكثير من الأراضي في الضفة الغربية.
لقد كان دخول الجامعة العربية كمظلة للمفاوضات سابقةً تاريخيَّة خطيرة، لا يلغيها تراجع الجامعة العربية في إطار عدم ملائمة الظروف أو الغبن والأوهام تجاه المواقف الصهيونية.
وبدلاً من البحث عن تطوير رؤية أو إطار عمل مشترك فيما بين الدول العربية فإنه من الملاحظ أن الدول العربية تتعامل مع هذه القضية المهمة والحيوية والمصيرية بالنسبة للسياسات الإقليمية والعالمية بشيء من التفكك والتناقض، فهي من ناحية لم تسع لتحسين شروط التفاوض وتعمل بدون تنسيق، ومن ناحية أخرى تعمل على تعويق المقاومة، وتعطيل دعم الشعوب للفلسطينيين، وهي سياسة تعكس مدى التشتت في الموقف وفي الرؤية أيضًا، وهو ما يشكل حالة ضعف وتفكك عربية تُمثِّل مصدر إغراء لاستمرار السياسات الصهيونية.
3- التحديات المزمنة للقمة العربية
رغم بروز التحدِّيات السياسية والأمنية للعمل العربي المشترك إلا أن انعقاد القمة العربية يعكس تضاؤل الفاعلية والاستجابة لهذه التحديات، وهو ما يرجع لعوامل كثيرة، لعل أهمها اختلاف مصالح حكَّام الدول العربية، وغياب المشروع العربي المشترك، وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي.
فقد انعقدت القمة العربية في سياق تصاعد التهديدات الصهيونية ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، والتي وصلت ذروتها إلى الإجهاز الصهيوني على الكثير من الأراضي الفلسطينية، ورغم ذلك وفَّرت الجامعة مظلة سياسية للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني من ناحية، ومن ناحية أخرى تشهد الفترة الحاليَّة تغيرات متسارعة في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في دول الجوار العربية، تفرض في مُجملها فرصًا في التنافسية كما يلازمها تحديات أمنية تشكل تهديدًا إقليميًّا عامًا.
وعلى مستوى التعامل مع القضية الفلسطينية تبدو الأوضاع أكثر تعقيدًا، ليس فقط بسبب وضع إقدام الجامعة (ككيان جماعي) في المفاوضات، ولكن بسبب الانقسامات والمحاور العربية، ولهذا لم يكن غريبًا غموض مواقف الجامعة تجاه التصدي للسياسة الصهيونية والتي يمكن وصفها بالمحدودية والعشوائية؛ حيث لم تتعامل مع القضايا المحورية، واكتفت بمساعدات هامشية، فما توصَّل إليه البيان الختامي بالحديث عن بدائل التحرك السياسي على مستوى المؤسسات الدولية لا يختلف عن المحاولات السابقة عبر الأمم المتحدة وأجهزتها، ومن ثم فإنه في ظلِّ غياب الرؤية القومية لا يتوقع أدنى تأثير للعمل العربي المشترك، وهذا ما يُشكل الجانب الأساسي للتحديات التي تواجه الجامعة العربية.
أما التحدي الآخر، فهو ما يتمثل في تسارع معدلات نمو قدرات دول الجوار الإسلامي وخاصة تركيا وإيران، وأيضًا تنامي الصراع والتوتر في دول الجوار الأفريقية، وقد ارتبطت هذه التطورات بتأثير واضح للتدخلات الدولية وبشكل يؤثر على الأوضاع الأمنية في الدول العربية، وفي هذا السياق يمكن القول أن المشكلة لا تكمن في تنامي قدرات دول الجوار أو ضعفها بقدر ما تكمن في الانقسامات العربية والارتباط بسياسة ومشاريع الدول الكبرى، فرغم اتساع فُرص التعاون لا تزال الانقسامات العربية تشكل عائقًا أمام تطوير العلاقة مع الدول الأفريقية وإيران.
وإذا ما كانت مقترحات "الأمين العام" للجامعة بإنشاء رابطة الجوار العربي تعكس إدراك التحدِّيات الإقليمية، إلا أن غياب غالبية دول ما يسمى "محور الاعتدال" سوف يشكل إعاقة لمثل هذه المقترحات، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران.
وبناءً على ذلك، يمكن القول أنه ليس من المرجح حدوث تقدُّم في العمل العربي المشترك؛ حيث إن امتناع أو غياب بعض الدول المؤثرة والمرتبطة بالنفوذ الأمريكي، سوف يساعد على اتساع التباين في المواقف العربية، وخاصة في ظل طموح "ليبيا" لإحداث تغيير واسع في الجامعة العربية، ولعل الكلمات الافتتاحية والبيان الختامي والإعلان عن قمة استثنائية في سبتمبر 2010م يكشف عن مدى التباين والخلاف والانقسام.
4- دلالة تصريح الصهيوني نتنياهو بالاستيطان في القدس
في سياق الجدل حول بدء المفاوضات على المسار الفلسطيني، أعلن نتنياهو أن الاستيطان في القدس الشرقية (جيروزاليم) لا يختلف عن البناء في تل أبيب (كل الربيع) وهو تصريح يتجاوز بكثير الجدل السياسي الدائر حول المفاوضات، ويتعداه إلى تثبيت هيمنة وسيادة الكيان الصهيوني على الأراضي التي يراها ضرورية ومناسبة له.
وعلى التوازي، تسعى الحكومة الصهيونية لترتيب أوضاعها الداخلية، ليس فقط لمواجهة الضغوط المحتملة أمريكيًّا، ولكن أيضًا لتطوير سياستها وتدعيمها تجاه العرب والفلسطينيين؛ حيث تشهد الساحة الصهيونية محاولات لتدعيم التحالف الحكومي ليشكل حكومة جبهة وطنية تجمع كل الاتجاهات السياسية، وغالبًا ما يرتبط تبني هذه السياسة بوجود تطلعات توسعية تستند إلى أوضاع أيديولوجية، ولعله من الأهمية هنا الإشارة إلى إستراتيجيات التوسع الصهيونية على المستويات السياسية والثقافية والجغرافية، وتعد الدعوة لإعادة احتلال غزة واحدة من أبعاد سياسة التوسع الصهيوني.
هذا التوجه لا يعد أمرًا جديدًا في السياسة الصهيونية، فهو يتسق مع مساعي إخراج القدس من مفاوضات الحل النهائي، وفتح آفاق جديدة أمام الاستيطان، غير أن الجديد في الأمر كان في تبني لغة حاسمة لا تقبل التفاوض، وهو ما يثير التساؤل عن الأسباب التي دفعت الصهيوني نتنياهو لإصدار هذا الإعلان.
لعل الجانب الأساسي في تشجيع الصهاينة على المضي في إعلان سياستهم، يكمن في إقدام الجامعة العربية ودون شروط على توفير مظلة للمفاوضات دون وجود مشاريع أخرى بديلة، وبهذا المعنى فإن الانخراط التام في المفاوضات (كخيار إستراتيجي) والتمادي مع السياسة الأمريكية، يغري السياسة الصهيونية بغرض أجندتها وتطوير مشاريعها.
5- الإبعاد من الضفة الغربية: سياسية عنصرية جديدة
طرح الكيان الصهيوني معيارًا جديدًا لتصنيف السكان في الضفة الغربية؛ حيث تبنى مفهومًا أطلق عليه اسم المتسللين، وهذا المعيار ينطبق من وجهة نظر الصهاينة على الفلسطينيين الذين لا يحملون وثائق إقامة الضفة الغربية أو يحملون جنسيات أخرى والمولودين في قطاع غزة، وقد صدر هذا المعيار وفقًا لأمر عسكري يتماثل مع أمر عسكري صدر بعد احتلال الضفة في 1967م.
ويعد الجيش الصهيوني هو صاحب الاختصاص في تنفيذ هذه السياسة، والتي تشكل عنصرًا جديدًا يهدِّد التركيبة السكانية في الضفة الغربية؛ حيث يتيح الأمر العسكري للجيش سلطة طرد السكان وترحيلهم إلى ما يعتبره الكيان الصهيوني بلدهم الأصلي، وباعتبار أن القانون يشمل من فقد وثائق إقامته، فإنه من المتوقع أن ينطبق على السكان المولودين في الضفة والمقيمين إقامة دائمة بها؛ حيث يرتبط إصدار وثائق جديدة بموقف الجيش الصهوينى وتذهب التقديرات الأولية إلى أن هذا القانون يشمل حوالي 70 ألفًا من سكان الضفة، ولكنه مرشح للتزايد عبر السنوات القادمة.
ويأتي إصدار هذا القانون (الأمر العسكري) في سياق سياسة صهيونية للتوسع الاستيطاني في كلِّ أنحاء الضفة الغربية، سواء بإنشاء تجمعات استيطانية جديدة أو توسيع القائم منها، وهذه النوعية من القوانين التي تسعى لإحداث خلخلة في التركيبة السكانية لا تختلف في مضمونها عن طبيعة القوانين العنصرية التي تتحيز ضد السكان الأصليين.
ويتناقض سعي الكيان الصهيوني لترسيخ الطابع العسكري للضفة مع السياسات الهزيلة الساعية لإيجاد شكل ما للحكم الذاتي أو تلك التي تتحدث عن تكوين دولة فلسطينية؛ حيث يتضمن القانون نوعًا من الإدارة العسكرية المباشرة، وهوما يتجاوز بكثير الأوضاع القانونية والسياسية التي تضمنتها عملية أوسلو، فلم تقتصر السياسية الصهيونية على المسائل المتعلقة بالسيادة، ولكنها امتدت لتحد من تحركات السكان وحقهم في الانتقال داخل الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، وهو ما يشير إلى حدوث تراجع إلى وضع ما قبل مؤتمر مدريد ( 1992م)، والاقتراب من سياسة الفصل العنصري، وإخلاء الضفة الغربية لصالح الاستيطان.
6- الصراعات حول الانتخابات السودانية
تشهد الانتخابات السودانية خلافًا شديدًا فيما بين الأحزاب والحركات السياسية، ويدور الخلاف حول موعد انعقاد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وما يثير الانتباه هو ما يتمثَّل في إثارة المطالبة بتأجيل الانتخابات قبل أيام من انعقادها، وبعد تقدم الأحزاب بمرشحين منذ فبراير الماضي وحدوث تقدم في مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة.
وقد أُثيرت الدعوة لتأجيل الانتخابات في تقرير مراقبي الانتخابات التابعين لمركز كارتر لأبحاث السلام، واستند التقرير إلى عدم ملائمة الظروف السياسية لانعقاد انتخابات حرَّة ونزيهة، وأشار إلى التوتر السياسي في كثير من مناطق الغرب والجنوب، وفي سياق الإعلان عن تقرير مركز كارتر صرح المبعوث الأمريكي بأن الانتخابات قد تؤدي إلى انفصال سلمي لجنوب السودان، وبهذا المعنى يتقارب الموقف الرسمي مع ما ذهب إليه تقرير مراقبي الانتخابات، لكنه لم يظل موقفًا نهائيًّا للولايات المتحدة؛ حيث بدأت في حثِّ الأطراف على المشاركة في الانتخابات.
وفي تطور مثير، تلقف "تحالف جوبا" فكرة تأجيل الانتخابات، وعقد اجتماعًا في جوبا لمناقضة تأجيل الانتخابات، وحضره 22 حزبًا سياسيًّا مشاركًا في الانتخابات ومنهم الاتحادي الديمقراطي، ولم يتوصل الاجتماع لموقف موحد وإنما تركت الخيارات لكل حزب ليقرر موقفه من الانتخابات، وقد انعقد الاجتماع في مناخ يسمح فقط بالاختيار ما بين تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها.
ويبدو أن غالبية الأحزاب ركَّزت البديلين في اجتماع جوبا كوسيلة للضغط على الحكومة؛ لأجل تنفيذ توصيات تقرير المراقبين الأجانب، ومراجعة تسجيل الناخبين، غير أن التطورات اللاحقة وضعت غالبية أعضاء تحالف جوبا أمام خيارات صعبة؛ حيث تغيرت المواقف الداخلية والدولية وبشكل لا يساند الدعوة لتأجيل الانتخابات.
فقد جاء إعلان الحركة الشعبية بالاستمرار في الانتخابات التشريعية (باستثناء دارفور) والانسحاب من الانتخابات الرئاسية، واتخذ المؤتمر الشعبي موقفًا قريبًا من موقف الحركة الشعبية؛ ليكون أحد المشكلات التي تواجه التحول السياسي في السودان، ويشكل التحدي الرئيسي للأحزاب الشمالية؛ حيث إن استمرار الحركة والمؤتمر الشعبي في المشاركة في الانتخابات يعد بمثابة إضعاف لخيار المقاطعة، وتلاشي تأثيره السياسي، كما هو في ذات الوقت يعيد إنتاج وتطوير الأزمة السياسية.
وبإصرار الحكومة السودانية على إجراء الانتخابات وبالإضافة إلى تأييد الولايات المتحدة وفرنسا، واجهت الأحزاب الشمالية تحديًا آخر لا يقل أهمية عن تحدي انفراط عقد تحالف جوبا أمام الخيارات السياسية ذات التأثير في مستقبل السودان، كما أن تعرُّض الأحزاب لانقسامات داخلية يُشكل قيدًا على اتخاذ مواقف جادة وغير تفاوضية.
وإزاء حالة الارتباك وعدم الوضوح، لم تجد الأحزاب السودانية ( الأمة، الاتحادي، الشيوعي) من خيار سوى التهديد بالإعلان الجماعي عن مقاطعة الانتخابات حتى لا تضفي الشرعية على نظام الحكم، ولكنها تراجعت وأصبحت تتحدث عن تحسين شروط الانتخابات، وهذا التغيير يرتبط بتأثير وضغوط الولايات المتحدة والانقسامات الداخلية، فكل من هذه الأحزاب تعرض لانشقاقات شديدة خلال السنوات الماضية، بحيث أصبح جسدها التقليدي والتي يطلق عليها أحزاب الأصل يواجه منافسة شديدة من المنشقين عليه، وربما هذا ما يفسر محدودية تأثير الدعوة لمقاطعة الانتخابات واستمرار زخم الدعاية الانتخابية.
ومن الواضح أن إعلان بعض الأحزاب مقاطعة الانتخابات تأثر بتقرير المراقبين الأجانب وبأجواء المناقشات في جوبا، دون التيقن من الدوافع السياسية لإثارة المراقبين والحركة الشعبية لفكرة التأجيل أو المقاطعة وتراجع الحركة فيما بعد وتقليل سقف مشاركتها في الانتخابات.
في هذا السياق، يكشف تاريخ العلاقة بين الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة عن أن الحركة احتفظت باستقلال قرارها بعيدًا عن تحالف المعارضة رغم وجود تحالف قائم بينهم، ورغم ذلك ظلَّت أحزاب المعارضة تسعى لتنسيق المواقف السياسية مع الحركة سواء في إطار التحالف الوطني أو تحالف جوبا، فيما تتزايد مساحات الخلاف فيما بينهم.
وكشفت التطورات السياسية أثناء الفترة الانتقالية منذ يناير 2005م عن وجود خلافات بين الحركة الشعبية وبعض أعضاء تحالف المعارضة؛ بسبب سعي الحركة إلى توسيع النطاق الجغرافي للإقليم الجنوبي، وأثارت مسألة أبيبي جدلاً واسعًا على المستوى السوداني، غير أن اعتبار أبيبي دائرة انتخابية يعني أن نتائج الانتخابات سوف يكون لها بالغ الأثر في تقرير مصير المنطقة، وخاصة أنها تشكل منطقة تنافس بين حزب الأمة والمؤتمر الوطني والحركة الشعبية.
ومع انتشار مؤيدي الحركة الشعبية وحلفائها في الأقاليم الشمالية، فإن اهتزاز مواقف أحزاب المعارضة من الانتخابات قد يعزِّز فرصها في الحصول على مقاعد خارج جنوب السودان، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات وهي مقاعد تخصم من رصيد الأحزاب الشمالية بشكل عام، وقد يكون إضعاف المعارضة واحد من أهداف الحركة الشعبية للحصول على تمثيل سياسي خارج مناطق نفوذها التقليدية والفوز بمقعد أبيبي، وهو ما يساعدها على طرح نفسها رسميًّا كحركة وطنية.
وفي ضوء التطورات السياسية الراهنة يبدو من المأمول أن تساهم الانتخابات في حدوث تغيُّرات سياسية واسعة، تتجاوز الأبعاد الثنائية للسياسة السودانية، وتتجاوز مرحلة الحرب الأهلية.
ثالثًا: الشأن الدولي
1- حقيقة الخلاف الأمريكي– الصهيوني
نشب ما يعتبره محللون أزمة سياسية بين أمريكا والكيان الصهيوني، وذلك على إثر الانتقادات الأمريكية لقرار بناء 50 ألف وحدة سكنية أثناء تواجد نائب الرئيس بايدن في مقارات الحكومة الصهيونية، وكان في مهمة الإعداد للمفاوضات غير المباشرة، وهو ما اعتبرته الخارجية الأمريكية إهانة للدولة والحكومة.
ومن المفارقة أن يأتي الإعلان الذي تسبب في "الأزمة" في سياق إعلان "بايدن" عن استمرار الضمانات الأمريكية لأمن الكيان الصهيوني تجاه المخاطر الداخلية والخارجية، وهذا التكرار يعبِّر عن استقرار الالتزامات الأمريكية في هذا الشأن، ومن ثم فإن الضغوط الأمريكية لبدء مفاوضات التسوية لا تخرج عن إطار ترطيب الأجواء وترضية الجانب الفلسطيني.
وإذا كان اعتذار نتنياهو خفَّف من الانتقادات الأمريكية، فإنه يمكن القول أن الخلاف البروتوكولي لا يعد أزمة في العلاقة بين الطرفين، والأمر لا يعدو بالنسبة للأمريكيين سوى رد الاعتبار، خاصة وأن طبيعة التحالف والتساند تشكل شبكة معقدة من المصالح والأهداف المشتركة والتي تتطور عبر الزمن.
ورغم الجدل الذي صاحب زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، إلا أنها كشفت عن ارتباك الإدارة الأمريكية تجاه المطالب والتحركات الصهيونية، فبينما تحدَّدت المطالب الصهيونية بإبعاد الاستيطان في القدس وغالبية أراضي الضفة الغربية عن المساومات السياسية وحشد الدعم الأمريكي لهذ الغرض، تباينت تحركات تصريحات المسئولين الأمريكيين بين مؤيد للمطالب الصهيونية وبين إبداء تحفظات على بعض جوانب السياسة الصهيونية، وهذا ما دفع نتنياهو للتمسك بمواقفه التي جاء بها إلى واشنطن.
وبطبيعة الحال، تكشف هذه الحادثة عن السياق الذي تتم في إطاره الإعداد لمستقبل الفلسطينيين، فهذا السياق يتضمن أن السياسة الأمريكية وغيرها من السياسات على استعداد لتجاوز الكثير من الحقائق وإهدار الحقوق في مقابل تأكيد ضمانات وجود الكيان الصهيوني، ولعل عدم طرح الإدارة الأمريكية مبادرة جادة ومنصفة من جانب، وفرض المفاوضات من جانب آخر، يكشف عن العشوائية والتحيز في ذات الوقت.
2- التعامل الدولي لحل القضية الفلسطينية
أصدرت اللجنة الرباعية بيانًا انتقدت فيه سياسة الاستيطان الصهيونية ودعت أيضًا إلى استئناف المفاوضات والإعلان عن دولة فلسطينية بعد عامين، وقد جاء صدر هذا البيان أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية والكيان الصهيوني.
وبينما تحدثت اللجنة الرباعية عن وقف الاستيطان بشكل عام، اعتبر الأمين العام الاستيطان في القدس الشرقية غير شرعي وذلك باعتبارها أرضًا واقعة تحت الاحتلال دون الإشارة إلى الاستيطان في الضفة الغربية، وربما يرجع هذا التفاوت إلى تأثير الأمين العام بالأوضاع السياسية داخل الكيان الصهيوني.
هذا الاختلاف أو التفاوت لا يعكس وجود سياسة دولية فعَّالة أو مؤثرة لوقف الاستيطان وسحب الشرعية عن ما تم بناؤه خلال السنوات الماضية، ومن الملاحظ أن المواقف الدولية باتت أقرب لإضفاء الشرعية القانونية والشرعية السياسية على المستوطنات، وذلك من خلال تحسن علاقاتها مع سكان المستوطنات والتعامل على إنتاجها الزراعي والصناعي، وهذا ما يتم التعبير عنه سياسيًّا في إقرار من مبدأ تبادل الأراضي.
وبغض النظر عن أهمية وخطورة مسألة الاستيطان، فإن السقف السياسي للأمم المتحدة والرباعية شهد انخفاضًا شديدًا؛ حيث تجاهل حقَّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وصار يركز على تناول قضايا جزئية كرفع الحصار والدعوة إلى دولة فلسطينية غير واضحة المعالم، وفي هذا السياق يضيع الكثير من الحقوق، وخاصة حق العودة.
وفي ظلِّ الصراعات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإنه ليس من المتوقع تقديم إطار جديد يحافظ على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
3- السياسة الدولية تجاه الملف النووي الإيراني
تشير التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني إلى تراجع فرص التسوية السياسية فيما تتصاعد احتمالات الحل العسكري، فخلال الأيام الماضية حدثت عملية فرز في مواقف الأطراف المختلفة لإثناء الصين وروسيا عن معارضة التدخل العسكري وتفعيل العقوبات الدولية ضد إيران.
ومن وجهة نظر السياسة الإيرانية، يبدو أن الاتجاه بدا واضحًا في المضي في تطوير البرنامج وتطوير نظم التسليح الدفاعية والهجومية، هذا من ناحية، كما في تطوير تحالفها ومصالحها الإقليمية مع سوريا وتركيا فضلاً عن تثبيت نفوذها في لبنان، وفي هذا السياق كانت زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا وعقد اجتماع ثلاثي حضره الأمين العام لحزب الله، وتم تفسير هذا اللقاء على أنه محاولة للردِّ على محاولات تكوين حلف متضامن مع الولايات المتحدة ضد إيران.
وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين والعرب يعتبرون أن امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية يشكل تهديدًا لمصالحها، كما أنهم يُبدون قلقهم من برنامج الصناعات العسكرية الإيرانية، ولذلك لم يكن غريبًا تقارب الخطاب والمواقف السياسية لهذه المجموعة، وبشكل يعبِّر عن تماثل المصالح المشتركة، وكان من اللافت أن تتباين مواقف الدول العربية تجاه المصالحة مع إيران في إطار العلاقة بين الجامعة العربية ودول الجوار، وهو ما يعبر عن العلاقة الوثيقة بين مواقف بعض الدول العربية والسياسة الأمريكية.
وتقوم تحركات هذا الفريق في الوقت الراهن على محورين، الأول حيث التركيز المشترك على الملف الإيراني دون غيره من الملفات الأخرى، وهذا ما يتضح ليس فقط في تجاهل الانتهاكات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ولكن بتقليل النفوذ الإيراني في الدول العربية، وبشكل خاص في العراق واليمن، وفي هذه النقط كان من الملاحظ أن هذا الفريق سعى إلى مساعدة التنظيمات السياسية غير الموالية لإيران، أما المحور الثاني فيتمثل في سعي الولايات المتحدة وأوربا لعزل إيران وتفعيل الحصار الدولي عليها.
وتحاول الولايات المتحدة الاستفادة من قلق واهتزاز الموقف الروسي من تنامي القوة العسكرية الإيرانية وتطوير برنامج تخصيب اليورانيوم دون التنسيق مع روسيا ، وتحاول دفعه نحو الحل العسكري في الوقت الراهن، كما تبذل جهودًا مماثلة مع الصين والبرازيل، وتشير المفاوضات الأمريكية مع الصين بشأن الملف الإيراني في اتجاه البحث عن وسائل لتعويض الصين عن الخسائر المحتملة من تأييد المواقف الأمريكية، كضمان وصول البترول من دول الخليج، غير أن الصين تبدى قلقًا من هذه الحلول التي تخضع للهيمنة الأمريكية.
ويتمثل المصدر الثاني لتردد الصين في الالتزام الكامل بالعقوبات في تعدد قضايا الخلاف والصراع السياسي والاقتصادي والتكنولوجي مع الولايات المتحدة، ويعد الملف الإيراني واحدًا من هذه الملفات، وإزاء تعقد وتشابك العلاقة بين الدولتين، فقد يشهد الموقف الصيني ثباتًا نسبيًّا على البدء بمفاوضات قبل البدء بعمل عسكري.
وبالنظر إلى المصالح المشتركة بين كلٍّ من إيران وروسيا والصين والبرازيل ، فضلاً عن أهمية الاستقرار في منطقة الخليج بالنسبة لها، فإن مواقف هذا الفريق تشكل عاملاً كابحا للعمل العسكري، وإذا ما أخذنا في الاعتبار الأزمات الدولية الأخرى في وسط آسيا وشرق أفريقيا، يمكن القول أن موقف هذا الفريق يعد حيويًّا بشأن تقرير الموقف الدولي تجاه إيران.
4- تناقضات قمة الأمن النووي
دعت الولايات المتحدة لعقد قمة عالمية حول الأمن النووي في العالم، وتسعى القمة لمناقشة توفير وسائل الحماية للمنشآت النووية من الوقوع في أيدى الإرهابيين، وتعد هذه الخطوة في سياق اتفاق روسيا والولايات المتحدة على خفض مستوى التسلح التقليدي والنووي.
ورغم تركيز الولايات المتحدة على منع الانتشار النووي، إلا أنها تلفت الأنظار إلى خطورة الجماعات المسلحة وإمكانية حصولها على أسلحة نووية، وتشير في هذا الصدد إلى تنظيم القاعدة وما تعتبره حركات إرهابية، وهذا التوجه لدى السياسة الأمريكية يعد امتدادًا لسياستها في مكافحة الإرهاب؛ حيث إن أجندة القمة تتحدث باستفاضة عن الإرهاب النووي وتأثيره السلبي على الأمن العالمي.
ومن المفارقة، أنه رغم أن القمة تقوم على مبدأ العالمية، إلا أن الدعوة لم توجَّه إلى الدول على قدم المساواة، وهو ما يعد إخلالاً بهدف القمة (المعلن) لتحقيق الأمن النووي، فإن استثناء إيران على سبيل المثال من الحضور يكشف عن طبيعة التحيز ضدها والمواقف المسبقة، وبهذا المعنى يشمل جدول القمة قضايا تتعلق بحظر تداول التكنولوجيا ونقل المعلومات وكبح التطور العلمي، وهذا ما يعد أمتدادًا لقرار سابق لمجلس الأمن.
وإذا كانت الدعوة لم توجه لإيران، فقد اعتذر الكيان الصهيوني عن عدم حضور القمة، حتى يقلِّل من مستوى إثارة الانتقادات والمطالبات بمراقبة البرنامج النووي الصهيوني، رغم ما يمثله من قلق وتوتر في المنطقة، وهو ما يلقي بظلال من الشكِّ على مصداقية محاولات توفير الأمن العالمي؛ حيث يبدو أن الولايات المتحدة تسعى للهيمنة على التسلح بكل أنواعه على مستوى العالم.
المصدر
- تقرير:قراءة في المشهد العامإخوان أون لاين