قراءة في أبعاد أخرى للصفقة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
قراءة في أبعاد أخرى للصفقة


بقلم : خالد معالي

طغت أخبار صفقة الأسرى على مجمل وسائل الإعلام، وتناولها الكاتب والمحللين في محاولة لسبر أغوارها ومعرفة تداعياتها وانعكاساتها، وركزا على معرفة تفاصيلها من اجل القدرة على الخروج بتصور عام؛ لما تنطوي عليه من دلالات ودروس وعبر ونتائج ذات بعد استراتيجي في الصراع.

هنا نقرأ الصفقة في سياقها التاريخي؛ فالصراع بين الحق والباطل لن يتوقف بانتهاء الصفقة، والاستعداد للجولة القادمة سيكون أكثر شراسة وقوة؛ كون كل طرف سيتعلم من تجربته، ويستقي العبر من جولته هذه، بما لها وما عليها.

لا يمكن اعتبار الصفقة وتفسيرها على أنها غير جولة للحق، انتصرت بالنقاط على الباطل، وإمارة ذلك اعتراف وإقرار قادة الاحتلال وكتابها ومحلليها بذلك؛ ضمن هذا الاعتبار لم ينتصر الشعب الفلسطيني بالضربة القاضية على دولة الاحتلال؛ وهذا يقود لبدء الاستعداد للجولة القادمة؛ بتقوية الجبهة الداخلية بالوحدة؛ لان الصراع لن ينتهي ويتوقف على المدى القريب.

أبطلت الصفقة مقولة سهولة اختراق القوى الفلسطينية، وقوة جهاز استخبارات الاحتلال، وأظهرت أن الفلسطينيين يمكن أن يتفوقوا على دولة الاحتلال بالكثير من المجالات، وبامتياز؛ كما حصل مع اخفاء "شاليط" لسنوات عدة، وعلى بعد أمتار او كيلومترات من دولة الاحتلال، أمام احدث وأقوى قوة تنصت وتجسس في المنطقة المتوترة والمتقلبة، ويكون الجندي الأسير لدولة الاحتلال متواجد فوق ارض فلسطينية في سابقة جديدة.

كما أن الصفقة جاءت في وقت بلغت فيه القلوب الحناجر، وانقطاع للأمل، وانسداد أفق تحقيق أي اختراق في حصون دولة الاحتلال، وهو ما يشير إلى أن سنة "الأيام دول" تفعل أفاعيلها مهما بلغت قوة الظلم والطغيان.

ليس من الدقة القول بأنه لو لم يأسر "شاليط" لما قام الاحتلال بعملية الكوانين وقتل ودمر؛ لان الاحتلال سبق وقتل واعتقل وسرق أراض وما زال في القدس والضفة، ويهودها صباح مساء، ويطلق العنان لمستوطنيه بحرق المساجد وأشجار الزيتون دون الحاجة لوجود "شاليط" آخر هنا أو هناك، أو مبرر لإجرامه وبطشه؛ كونه لا يعرف محرمات، وسيعاود القصف والقتل بعد الانتهاء من الصفقة في كل المناطق.

أبطلت الصفقة مقولة "شعب الله المختار" وشعور كل فرد في دولة الاحتلال بالتميز والتفوق على بني البشر الآخرين؛ فلو كانوا مميزين ومختارين من الرب، لماذا يجبروا وينصاعو لمطالب من هم اقل منهم "شأنا ودونية"؟ بحسب وصفهم.

تحصل الصفقة في مرحلة تغول فيها الاستيطان والاحتلال في الضفة والقدس، بمساندة أقوى دولة في العالم، ونفاق من تسمي نفسها دول متحضرة ومنحازة لدولة الاحتلال؛ وهو ما يعني انه مهما بلغت قوة العدو، فهناك نقاط ضعف له يمكن اختراقها ومن خلالها تحقق أهداف وأمال المظلومين والمعذبين.

على المدى القريب حققت الصفقة الفرحة العارمة لأهالي الأسرى وعموم الشعب الفلسطيني، ورفعت المعنويات بشكل غير مسبوق وبالغ الأهمية؛ إلا أن الأهم من ذلك ما حققته على المدى البعيد وبشكل استراتيجي؛ من كسر لمحرمات الاحتلال ومعاييره، واختراق نفسيته، وتحطيمها، وتمزيقها شر ممزق؛ باقتراب زوال دولة الاحتلال وانحسارها مع كل جولة نصر للفلسطينيين، والذي لا مانع من تكرارها ما دام الاحتلال موجودا وجاثما على صدور الفلسطينيين يعد أنفاسهم.

مرحلة تمدد الاحتلال، ومواصلة احتلاله بثمن منخفض وبخس؛ انتهت وولت إلى غير رجعة مع صفقة الأسرى. كل تصريحات قادة دولة الاحتلال بعدم الرضوخ لما اسموه ب"الارهاب" قد بلعوها عنوة، وصارت كالسم الزعاف.

بلورت الصفقة قناعات جديدة لدى كتاب دولة الاحتلال ومفكريها، واعترفوا بذلك؛ بان دولتهم لا محالة زائلة وفانية لقيامها بقوة الظلم، ولان ما أسس وبني على باطل فهو باطل. وبلورت قناعة راسخة لدى الشعب الفلسطيني؛ بأن القوة هي الوحيدة والكفيلة بنزع الانجازات والحقوق وإطلاق الأسرى.

كشفت صفقة الأسرى أن التعاطي مع دولة الاحتلال لا يكون من منطق ضعف؛ بل من منطق قوة؛ وهنا تبرز الحاجة المحلة والسريعة لبلورة رؤى وخطة إستراتيجية محكمة وموحدة من قبل القوى الفلسطينية لمقارعة دولة الاحتلال؛ عبر مقاومة واعية ومدروسة بشكل علمي، تتعلم من تجربة من سبقوها بالتحرر.

استنزفنا الانقسام، وأوجع قلوبنا، وأراح الاحتلال من دفع ثمن باهظ ومرتفع لاحتلاله، وأفرحه كثيرا. حان الوقت مع فرحة الإفراج عن أسرانا، أن نكمل الفرحة بالمصالحة والوحدة خلف برنامج مقاوم متفق عليه، فالوقت يمضي سريعا، والفرصة ما زالت سانحة، فهل سيقتنصها قادة الشعب الفلسطيني هذه المرة، ولا يفوتونها؟

المصدر