قانون الافساد الزراعى
إن الأستاذ الهضيبى لم يطلب من عبد الناصر أن يكون تحديد الملكية الزراعية بخمسمائة فدان ولكن هذا كان رأيا له ولم يخاصم عبد الناصر أو يجادله فيه . ولم يرفض التحديد بمائتى فدان . والسبب فى ذلك أن الأستاذ الهضيبى كان يرى من الناحية الاقتصادية أن تفتيت الملكية الزراعية يضر لا ينفع لأنه يؤدى الى ضعف الانتاج وهو الأمر الذى أثبت الواقع صحته . هذا الى جانب أن الاسلام يرفض مصادرة أموال الناس أو يعطل حقوقهم فيها إلا للضرورة القصوى التى لا مفر منها لأنقاذ المسلمين وحتى تحديد الملكية الزراعية بمائتى فدان قانون لم يحترمه عبد الناصر وهو الذى أصدر ه ـ فأنزله بعد ذلك الى خمسين فدانا . ويعد أن تعهد بدفع ثمن الأراضى المصادرة لأصحابها فى فترة من الزمن فإنه لحس هذا القرار ولم يدفع مليما واحدا .
وحسبك أن تعرف أن كثيرا من الملاك حدد لهم عبد الناصر معاشا شهريا فى حدود لا تزيد على خمسة جنيهات شهريا مع الإذلال الذى لا قوه فى الحصول على هذه الملاليم . إنها نفسية جمال عبد الناصر فى إذلال كل ذى شأن فى مصر ولست أدرى ماذا يسمى علماء النفس هذهالرغبة وإن كنت أعلم أنها نقيصة خلقية بعد ما نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول “ أكرموا عزيز قوم ذل “ فهو لا يكتفى أن يستذل الأعزة فقط ولكنه يحارب إكرامهم والرأفة بهم .
ولكن العقول والطباع والأخلاق والنفسياتتتخالف بسبب مؤثرات وضغوط كثيرة يعرفها علميا المتخصصون فى علم النفس والآن وقد تبينت الحقائق أقول وأنا مستريح الضمير إن قانون الاصلاح الزراعى أولى به أن يسمى بقانون الافساد الزراعى . لا لأنى أنكر فكرة الاصلاح الزراعى . . أبدا فقد تفتحت عينى على حياة الفلاحين وكنت أعيش بينهم .
وأنا لا أقرأ أن يتملك مالك للأرض آلاف الأفدنة ويعيش فى بيته عيشة الترف والرفاهية فى الوقت الذى يأكل فيه الفلاح العيش القفار وينام الى جانب بقرته ولا يجد من الملابس ما يقيه وخزات الرياح الباردة فى الشتاء . إنى أقر الاصلاح الزراعى بوسائلة المشروعة لا بالوسائل المستوردة والأساليب التى تخالف شرع الله .
كان بإمكان عبد الناصر أن يصدر قانونا باقتسام المالك والفلاح لثمار الأرض عن طريق المزارعة وعنده رأى لبعض الفقهاء لا يقر تأجير الأرض ولو أن فلاحة الأرض قامت على المزارعة لكانت المحاصيل الزراعية أقرب ما تكون للإكتفاء الذاتى أو لما هجر الفلاحون الأرض للعمل فى المدن . إن الفلاح إذا علم أن ناتج الأرض له فيه حق لا يقل عن النصف مثلا فإنه سوف يبذل كل ما يستطيع لايصال هذا النصف الى أعلى مستوى يحقق له عيشة كريمة لا يشعر فيها بالتبعية والاذلال أو يصدر قانونا بمشاركة الفلاح للمالك فى الآلات الزراعية التجارية أو السولارية أو البنزينية وفى حيوانات الجر والألبان والدواجن مثلا .
لو أن شيئا من هذا حدث لما وصل ثمن البيضة الى ما يزيد على عشرة قروش وثمن الجاموسة أو البقرة ما يزيد عن الألف جنيه .
إن ما ظنه عبد الناصر خيرا للفقراء وجموع الشعب أصبح نكبة على هذا الشعب المسكين فلا يأكل البيض أو لحم الضان أو الحمام أو الديوك الرومى إلا الأثرياء إياهم .