قالتْ شهدُ وقُلتُ
(26/07/2014)
قلتُ: إنك أنت زوجتي وأكثر، فمن نعمِّ الله علينا أن أطلقَ للقلبِ والروحِ العنانَ، ليتزوجَ القلبُ من يهوى وإن بعد، وتسكنَ الروحُ بالروحِ ولو كانت في أحضانِ القبورِ، كي يعوضَ الإنسانُ بعضَ ما يفقده فيمن يحبُّ ليحيا في جنةِ قلبه وفردوسِ روحه، ويستشعرُ معنى الجنة الأبدية موطن أبينا وملاذنا الآخر إن شاء الله.
قالتْ: هذه دعوةٌ للخيانةِ أنتَ صاحبُها لكن مغلفةٌ بثيابٍ من ظلٍّ.
قلتُ: حبيبتي ... للمادةِ قوانينُ وتبعاتٌ لا نتجاوزها مادمنا أحياء، أما القلبُ والروحُ فلا سلطانَ عليهما، ولا يحاسبُ ربي على خياناتِ الروح والقلبِ لأنهما من نفخته هو، فهما لا يعرفا الإثمَ ولا ينبتا في الأرضِ الفسادَ ما داما يحتفظانِ بعبق النفخة ويتحليان بسلامةِ الفطرة، فهما دوماً يرتقيان بصاحبهما، ويتحسسُ من خلالهما كمالاً ينشده، وأعتقدُ إن لم أكن جازماً أن كلَّ المخلوقاتِ يتزوجون في كل يومٍ وليلة حسب ميل قلوبهم وهدي أرواحهم، فهل معنى ذلك أن نتهمَ الجميعَ بالخيانة؟ ثم هذا الذى يتزوجُ اثنتين هل له سلطانٌ وقدرةٌ على قِسمةِ قلبه إلى أنصافٍ وأرباع وأثلاث؟ قالت: لستُ مقتنعة، كأنك تريدُ أن تحولَ الحياة كلها إلى كلمةٍ واحدة هي الحبُّ،
قلتُ: وهل انتظم عقد الكون من حولك إلا بقانونِ الحبِّ؟ فلا تسمعي لأهل العلم فإنهم لا يفهمون، يحشرون عقولَ الناس بقوانينَ ونظرياتٍ ومسمياتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، لكنها كلها قوانين للحبِّ في صوره وأشكاله، فكلُّ قانون أو نظرية تجدين فيها (البساطة والجمال وروعة التنسيق وتربط الأشياء الأشد اختلافاً)، أليس هذا هو نفسه معنى الحب؟ هل سمعتم بأن هناك حبّاً لا يتحلى ببساطة دخوله القلب؟ وجماله يظهرُ وينطق ويفضح صاحبه، ويجعله يعيد تنسيقَ ذاته من جديد، وأجملُ قصص الحب هي التي ربطت بين قلبين شديدي الاختلاف، فقانون الجاذبية يصورُ حالاتِ المحبِّ وحبيبه، فليست الأرض تجذبُ الأشياء نحوها، لكن الأرض تعشق أشياءَ فتجذبها نحوها.
وقانون النسبية... وأن لكلِّ فعلٍ رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، هو بعينه شرحٌ مبسطٌ لحالة حبِّ، حين الوصلِ وحين الجفاء، حتى المد والجزر يمثل في حقيقته إقبال الحبيبِ وإدباره، وكلُّ التفاعلات الكيميائية والإنسانية مردودها الحب. يا سيدتى قانونُ الكون واحدٌ وهو قانون(الذى قدر فهدى) اللهُ قدرَ الحبَّ فهدى كل مخلوقٍ ليحبَّ على سجيته، ولا أحسب أن انفراطَ عقد الكون يوم القيامة ما هو إلا تباعد حرفي (الحاء عن الباء).
فأسرارُ الحبِّ من أسرار الروح وعالم الغيب، وللمحبِّ سموٌّ ورقىٌّ يحولُ إنسانَ الطينِ إلى إنسان النور، وكأنه يقذف فيه بقبسٍ من قبسات النبوة تظهر في رقةِ قلوب العاشقين، قالتْ: وفي العشق أيضاً تسفلٌ وقبحٌ وانحدارٌ يُظهرُ الإنسانَ الطيني في أقذر الأثواب. قلتُ: ليس هذا في قاموس المحبين ولا ينتمي هؤلاء للعشاق.
قالتْ :سأرفع عليك قضيةَ مجونٍ، فأنت رجلٌ متزوجٌ، سأشهرُ بك فلا تدعي السمو، قد اقترفت جريمةً، تعشقُ من لا ثيابَ لها ولا جسدَ تراه، أنت تعشقُ صورةً في خيالك أوخريطةً وتفضلها على زوجتك، قلتُ: يا حبيبةَ القلبِ ونبضَ الفؤاد أليس الحبُّ هو تعلق النفس بالنفس؟ أليس العشق هو حلول الروح في الروح؟ أليس الحبُّ فلكاً يجذب روْحينا دون قصدٍ وعلى بعاد؟ إن بعدي عنك موتٌ فيه حياة، وبعدكِ عني حياة فيها معنى الموت، قالتْ : لكني عليك مشفقةٌ، أحبابى كُثرٌ، قلتُ: لا بأس وأتمنى زيادتهم..واسألي آل(ياسين)، فبهم( سعيدٌ) قلبى ، (خالدٌ) يشتعلُ، عقلى (ريانٌ)، فكرى (صِيامٌ) عن غيرك، نبضى( زهارٌ) في واحتك.
قالتْ: فأين مهري؟ لعلك لا تعرفه. قلتُ: أعرفه وأشتهيه، أعرف أن مهرك هو إراقةُ دمي على نحرك، تحت نخيلك ليثمرَ، وفوق صفرةِ وجهك كي يخضر، وعلى ثغرك لتعلوه ابتسامة،كي تسكنَ عينك يا غزة عن الدمع، فدمعك ياغزةُ يثمر شهداً.
وأنا حبيبتى غزة، وثلثا زوجتي شهد.
المصدر
- مقال: قالتْ شهدُ وقُلتُ موقع نافذة مصر