في مناقشة البيان الوزاري.. بقي موضوع المقاومة وإلغاء الطائفيّة السياسيّة
بقلم: الأستاذ إبراهيم المصري
بعد مخاض طويل وعسير ناقش المجلس النيابي البيان الوزاري للحكومة الجديدة وصوّت على منحها الثقة بأغلبية كبيرة.
وقد جاءت جلسات مناقشة البيان هادئة رتيبة لسببين، الأول أن البيان جسّد توجهات معظم القوى السياسية في المجلس النيابي، والثاني أن عناوينه وبنوده الرئيسية جرت مناقشتها والاتفاق عليها خلال عشر جلسات عقدتها لجنة وزارية مؤلفة من اثني عشر وزيراً يمثلون الكتل النيابية الممثلة في الحكومة، وبالتالي فإن معظم تعليقات النواب جاءت هادئة رتيبة، ولمجرد استغلال الفترة الإعلامية الممنوحة لكل نائب كي يتوجه الى ناخبيه الذين غاب عنهم مدة ستة أشهر بعد الانتخابات النيابية.
وعلى الرغم من أن مداخلات النواب جاءت مكررة وليس فيها جديد، جاء معظمها من خلال نصوص انشائية باردة لم تحمل رفضاً ولا معارضة ولا تحدّياً لما تضمنه البيان وما أدلى به نواب المعارضة أو ما كان يسمى الموالاة، فإن كل نائب كان يحرص على استثمار مدة النصف ساعة الممنوحة له حتى آخرها، خاصة أن النقل التلفزيوني المباشر أغرى الجميع بالاستمرار والاستطراد واعتماد البسمة واللجوء الى النكتة أحياناً، كل ذلك من أجل الخروج من جو الركود والرتابة ولجوء عدد من النواب الى الاستغراق في النوم، أو الخروج من القاعة لاستنشاق هواء نظيف.
بقي موضوعان ما زالا محل خلاف وتجاذب بين السادة النواب، الأول هو المقاومة، والثاني إلغاء الطائفية السياسية.
أما المقاومة فتحمل عناوين مختلفة، من «الاستراتيجية الدفاعية»، الى «قرار السلم والحرب» الى استكمال تحرير المناطق المحتلة.
ومن المعلوم أن أية مقاومة يصعب عليها - أو يستحيل - أن تتعايش مع النظام، أي نظام.
ولذلك فإن المقاومة الوحيدة للعدوّ الصهيوني في العالم العربي لم تستمر وتستقرّ الا في لبنان، سواء منها المقاومة الفلسطينية والوطنية خلال عقد السبعينات، أو الاسلامية بعد الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، نظراً لغياب النظام أو انفراطه خلال فترة الحرب اللبنانية، ووجود الوصاية السورية التي كانت تحمي المقاومة أو تتولى الاشراف على تنسيقها مع الجيش منذ ابرام اتفاق الطائف عام 1990وعودة اللحمة الى الجيش اللبناني ومؤسات الدولة.
لذلك نلاحظ أن المقاومة (ممثلة بحزب الله) لم تكن حريصة على المشاركة في السلطة ومتابعة التفاصيل اليومية الا بعد رحيل القوات السورية عن لبنان بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، لأنها لم تعد مطمئنة الى موقف النظام منها، أي نظام، وكانت تركز على امتلاكها ثلثاً ضامناً - أو معطلاً - سواء في المجلس النيابي أو الحكومة، عن طريق بناء تحالف متعدد الطوائف والتوجهات السياسية ما أمكنها ذلك.
والمطلوب اليوم ضمان هذه الثقة بأن ظهر المقاومة محفوظ، وأن القوى السياسية الرئيسية في البلد لن تتخلى عن دعمها ولن تتواطأ عليها مع القوى الاقليمية أو الدولية، فضلاً عن أن يكون ذلك مع العدوّ الاسرائيلي.
انطلاقاً من هذه الاشكالية، وحتى يمكن للنظام السياسي اللبناني أن يستقر، وللمقاومة ضد العدوّ الاسرائيلي تستمرّ، لا بدّ من التسليم أولاً، بأن المقاومة كسب وطني وقومي وإسلامي حققه لبنان، وأن المشروع الصهيوني ليس مجرد اختلاف حدودي عابر، وانما هو خطر حقيقي يستهدف كل اللبنانيين والعرب، مسلمين ومسيحيين، وبالتالي فلا بدّ من دعم المقاومة وتثمين دورها حفاظاً على هذا الكسب، وهي مقاومة تغطي كل الجوانب، الثقافية والعسكرية والسياسية.
وثانياً، أن تسلّم الجهات القيادية في المقاومة بأنها حق وواجب يشمل كل القوى الحية في لبنان، وأنها مقاومة شعب وليست مقاومة حزب، وأن الأولوية في المقاومة تطال مواطني المناطق الحدودية، وأن الجيش الوطني اللبناني، ذا العقيدة القتالية التي تعتبر العدوّ الاسرائيلي هو العدوّ في الساحة اللبنانية والعربية، هو صاحب القرار العسكري في اطلاق أية مواجهة ضد هذا العدو.
وهذا بطبيعة الحال لا يلغي دور المواطنين اللبنانيين - لا سيما سكان المناطق الحدودية - في الدفاع عن النفس ومواجهة العدوان بكل الامكانات المتوافرة لديهم.
وبهذا يمكن أن يقوم توافق وطني تنبثق منه حكومة وحدة وطنية، تحكم مسارها الثقة المتبادلة والتوافق على مواجهة العدوّ المشترك.
المحور الثاني الذي برز في الآونة الأخيرة ويدور حوله النقاش هو إلغاء الطائفية السياسية. اذ من المعلوم أن لبنان تحكمه ديمقراطية طوائفية، تقوم على تقاسم المواقع والمناصب، لا سيما في اطار الفئة الأولى، بين الطوائف اللبنانية الرئيسية.
فكان المسيحيون منذ الاستقلال حتى اتفاق الطائف ينالون 66٪ من المناصب في الحكومة والمجلس النيابي والادارات العامة، فيما كان نصيب المسلمين 44٪، وكانت رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكميّة البنك المركزي وغيرها من نصيب المسيحيين، الى أن جاء اتفاق الطائف عام 1990 فحقق المناصفة في وظائف الفئة الأولى، وأعاد توزيع الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء بما يحقق التوازن الوطني والاستقرار الدستوري، لأن رئيس الجمهورية غير مسؤول أمام أية جهة رقابية أو محاسبية، ونصت المادة 95 من الدستور على تشكيل «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية» حتى تكون الكفاءة هي التي ينبغي أن تحدد الموظف المناسب للوظيفة المناسبة وليس انتماءه الطائفي.
وحدد موعداً لتشكيل هذه الهيئة بعد اجراء أول انتخابات نيابية على أساس المناصفة.
وجرت هذه الانتخابات عام 1992 دون تشكيل هذه الهيئة، وقبيل نهاية عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي حاول اجتراح خطوة باتجاه العلمنة أو إلغاء الطائفية، فتواطأ مع عدد من وزراء حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 1998 على مشروع جديد للزواج المدني، ضمن له ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، فقامت يومها حركة احتجاج شعبية إسلامية اضطرت أصحاب الشأن يومها الى طيّ هذا المشروع وعدم احالته على المجلس النيابي لمناقشته واقراره.
من هنا قامت الحاجة الى تفعيل المادة 95 من الدستور التي تنص على تشكيل «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية»، وليس هذا قراراً بإلغاء الطائفية السياسية، وانما مجرّد تأهيل الجهة الصالحة لدراسة كل ما يتعلق بإلغاء الطائفية السياسية، حتى لا تكون أي خطوة في الفراغ، أو أنها تحقق عكس الذي صدرت من أجله، فتقع ردة الفعل التي تثير المشاعر الطائفية وتزيد من تداعياتها في النفوس قبل النصوص.
ومن هنا يأتي حرص معظم القوى اللبنانية، مسلمة ومسيحية، على تفعيل هذا النص الدستوري، حتى يباشر أعضاء الهيئة مهماتهم الصعبة باتجاه إلغاء الطائفية السياسية، وقد تكون أجدى من طاولة الحوار الوطني التي لم تتقدم خطوة واحدة الى الأمام.
المصدر
- مقال:في مناقشة البيان الوزاري.. بقي موضوع المقاومة وإلغاء الطائفيّة السياسيّةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان