في ما جرى يوم الجمعة السوداء

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
في ما جرى يوم الجمعة السوداء
لانش فى البحر.jpg

بقلم : معتصم حمادة

في قمعها للمصلين يوم الجمعة السوداء، تكون حماس قد كشفت عن عمق مأزقها.

فهي تدعو للالتزام بالقانون، في وقت يشكل وجودها في القطاع، انتهاكاً للقانون وهي تدعو لعدم الخلط بين الدين والسياسة، علماً أنها هي من خلط بين الاثنين، وبالتالي فهي الآن تتجرع من الكأس التي حاولت أن تسقيها للآخرين.

ما جرى يوم الجمعة السوداء في غزة (7/9/2007) أثار حفيظة الرأي العام الفلسطيني واستهجان أطراف الحالة العربية ومنظمات حقوق الإنسان.

فالقمع على يد ميليشيا حماس، طال ليس فقط قيادات فلسطينية ذات وزن مميز، بل وكذلك صحفيين ورجال إعلام، فضلاً عن أبناء الشعب العاديين الذين استجابوا لنداء فصائل م. ت. ف. وأعلنوا انحيازهم السياسي لها، وخرجوا إلى الساحات العامة لأداء صلاة الجمعة.

الممارسات القمعية لميليشيا حماس، لا يبرره لجوء شرطة السلطة في الضفة الفلسطينية إلى قمع لعناصر حماس أو لأي من أبناء الشعب الفلسطيني.

فالقمع مرفوض، أياً كان مصدره، وحرية الرأي والتجمع والاجتماع والتحرك والقول، يجب أن تكون مكفولة للجميع دون حسبان لرأيهم.

وما صدر على لسان الناطقين باسم حماس كان أكثر فظاظة من ممارسات ميليشياها.

فكثيراً ما تكون الكلمة أكثر خطراً من الرصاصة.

بل كثيراً ما تكون الكلمة تمهيداً لانطلاق الرصاصة.. لكن في الاتجاه الخاطئ.

@ فالإدعاء أن ميليشيا حماس قمعت من قمعتهم لأنهم خالفوا القانون هو إدعاء مزيف، وكلام يرتد على أصحابه.

فالقانون، كما سنته الهيئات التشريعية الفلسطينية يكفل للمواطن الفلسطيني حق التحرك والتظاهر والاعتصام وإعلان الرأي ومخالفة الحاكم في رأيه، دون أن يمس ذلك الأمن العام.

وفي زمن السلطة الشرعية على قطاع غزة ، كانت حماس (وقوى غيرها) تتمتع، تحت سقف هذا القانون، بكل الحريات الديمقراطية بما في ذلك حرية التظاهر بالسلاح، كعرض عضلات، لا يقصد به العدو الإسرائيلي، بل تقصد به العلاقات الداخلية الفلسطينية في رسالة واضحة اللغة والأهداف والمرامي، موجهة إلى السلطة الفلسطينية وإلى أجهزتها الأمنية.

أما القانون الذي تدعي ميليشيا حماس أنها تطبقه، فهو قانون طارئ على الحالة الفلسطينية، وغريب عليها، لا يستمد شرعيته من أية جهة فلسطينية معترف بشرعيتها، سنته حماس، وهي قوة انقلابية، مغتصبة للسلطة وتمارس انتهاكاً لها بشكل يومي من خلال فرض هيمنتها المسلحة، وبقوة الترهيب وزرع الرعب في النفوس، في صفوف المواطنين، عبر اللجوء إلى الاعتقالات والتنكيل بالمعتقلين، وفرض غرامات عالية عليهم لإطلاق سراحهم.

وهي غرامات تحاول أن تستغل الحال الاقتصادية المأساوية التي يعيشها المواطنون، وتحاول أن تفاقم أزمتهم المعيشية.

لذلك، من ينتهك القانون، في كل ساعة لا يحق له الإدعاء بأنه يحافظ على القانون، ولا يحق له قمع الآخرين بذريعة حماية القانون، خاصة وأن الصلاة في الساحات العامة، لو تركت لشأن أصحابها، لمرت بسلام وهدوء، ولشكلت تعبيراً راقياً عن موقف جماعي رافض للهيمنة العسكرية والترهيبية لحركة حماس.

@ أما الإدعاء بأن حماس ترفض استغلال الدين والصلاة لأهداف سياسية فهو أمر يثير السخرية كما يثير الشفقة.

يثير الشفقة لأن حماس بذلك تكون قد انقلبت على نفسها، وعلى تاريخها، وعلى تقاليدها السياسية.

ومثير للسخرية لأن حماس ، تحاول بذلك أن تسخر من عقول الناس ووعيهم وذاكرتهم.

لكنها في حقيقة الأمر لا تسخر سوى من نفسها هي دون غيرها.

ف حركة حماس هي التي أدخلت تقليد استغلال الدين في السياسة.

هي التي تستغل خطب الجمعة لتقول رأيها في الحدث السياسي، وخير شاهد على ذلك الخطب الأسبوعية لرئيس الوزراء السابق، وعضو القيادة السياسية لحركة حماس إسماعيل هنية.

وخير شاهد على ذلك خطب يوم الجمعة التي يلجأ لها بين وقت وآخر، في بعض مخيمات دمشق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل .

وهي خطب سياسية من الطراز الأول، تلقى في المصلين تحت قبة المسجد، مستغلة تجمعهم في المكان لأداء الصلاة الجماعية.

كما لا يغيب عن بال العارفين، كيف أن حماس ، وفور أن استولت على القطاع بقوة السلاح، خاضت حرباً ـ نعم حرباً ـ ضد حركة الجهاد، لتخرجها من المساجد، حيث الإمام والخطيب ينحازان لصالح حركة الجهاد.

ف حركة حماس تعتبر هيمنتها على المساجد، معياراً لسلطتها في غزة ، وهي تهدف إلى الهيمنة على المساجد كلها، انطلاقاً من اعتبار سياسي أنها الحركة الإسلامية الشرعية الوحيدة في الأراضي الفلسطينية، وكل من عداها، لا يمت إلى الإسلام الشرعي والحقيقي ـ كما تراه حماس ـ بأية صلة.

كذلك تذكر حماس جيداً كيف احتجت، عشية الانتخابات التشريعية مطلع العام 2006، حين اقترحت الفصائل وفي وثيقة شرف كانت قيد الإعداد، عدم استغلال المساجد في العمل السياسي والدعاية الانتخابية.

وقد احتجت حماس بشدة، مؤكدة في سياق احتجاجها أنها تعتبر المساجد ميداناً من ميادين نشاطها السياسي، علماً أن المساجد هي في الأساس دور صلاة وعبادة.

أما تلك الفتوى التي أطلقها أحد رجال الدين الموالين لحماس، واعتبر فيها كل صلاة باطلة إذا كان الهدف من أدائها سياسياً، فإنها تثير أسئلة بلا حدود.

أسئلة حول من يحق له إصدار الفتوى، وهل هذا الأمر من صلاحية كل رجال الدين دون استثناء، أم أن هناك هيئات معنية بذلك تملك المؤهلات، وبالتالي تملك الصلاحيات.

كذلك تثير هذه «الفتوى» أسئلة حول صلوات حماس في الأيام الماضية والتي كانت تؤدى لأهداف سياسية، هل هي الأخرى صلوات باطلة. إن موقف هذا الرجل أقرب إلى النفاق منه إلى الموقف الشرعي.

@ أما الإدعاء بأن بعض من دعا إلى الصلاة لا يعترف بالصلاة أصلاً، فهو يكشف حقيقة الخلفية التي تحاكم بها حماس الآخرين، وهو إدعاء يشكل امتداداً لخطاب سياسي، ملفق، تحاول حماس أن تتلطى خلفه لتحقق مكاسب فئوية خاصة بها على حساب المصلحة الوطنية العامة، فضلاً عن كونه خطاباً يعطي ل حماس حق منح صكوك الغفران لمن تشاء، وتكفير من تشاء، وهذا أمر غاية في الخطورة، هو فتنة في حد ذاتها.

فلقد دأبت حماس ، بموجب خطابها الخاص بها، على احتكار تمثيل المقاومة والنطق باسمها، وتقديم نفسها باعتبار برنامجها هو برنامج المقاومة، وأن برنامج الآخرين هو برنامج التسوية.

علماً أن المقاومة هي وسيلة لتحقيق أهداف وبرنامج، وليست برنامجاً في حد ذاته.

وعلماً أيضاً، أن التحاق حماس بالمقاومة جاء بعد عقود من انطلاق المقاومة الفلسطينية وتحقيقها جملة من الأهداف والمكاسب جاءت حماس بداية لتطعن بها.

طعنت في شرعية م. ت. ف. وطعنت في البرنامج السياسي للمنظمة.

وعندما نزلت عن الشجرة، واعترفت بالمنظمة، ووافقت على دخول مؤسساتها والانتماء إليها، بما في ذلك القبول بدولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران ( يونيو ) 67 وعاصمتها القدس ، حاولت أن «تميز» نفسها عن الآخرين، بالإدعاء أنها وإن وافقت على تسوية مرحلية فإنها تتميز عن الآخرين بأنها لا تعترف بإسرائيل، دون أن توضح بالمقابل من هي القوى الفلسطينية (ماعدا الذين وقعوا اتفاق أوسلو) التي اعترفت بإسرائيل.

حماس في موقفها هذا، من الذين وصفتهم بأنهم دعوا إلى الصلاة، وهم لا يعترفون بالصلاة أصلاًً، إنما تعبر عن مأزقها الذي تعيشه، حين شعرت أن السلاح الذي كانت تتفرد به، صار ملكاً لغيرها، يستعمل في وجهها كما هي استعملته في وجه الآخرين.

كما وجدت نفسها تتجرع من الكأس التي حاولت أن تجرعها للآخرين.

مما لا جدل فيه أن الدعوة إلى صلاة جماعية في الساحات العامة ما هي إلا إعلان عن عدم رضا الناس عن الوضع الذي أدخلت حماس قطاع غزة فيه، وعدم رضاها عن سلوكيات حماس وممارساتها، ومحاولاتها تأبيد حالة الانقسام من خلال بناء مؤسسات غير شرعية بديلاً للمؤسسات الشرعية.

كما أن الإضراب الذي دعت له فصائل المنظمة يوم الأحد (9/9/ 2007 ) احتجاجاً على سياسات القمع التي طالت القيادات كما طالت المصلين، إنما يندرج في سياق الإعلان عن عدم الرضا.

أما القول بأن الإضراب كان جزئياً، فهو قول تكذبه الوقائع.

فالإدارات الرسمية أغلقت أبوابها، بعد أن استجاب الموظفون لنداء الأحزاب، وكذلك أغلقت المدارس أبوابها، وشهدت الأسواق التجارية الرئيسية والكبرى إضراباً شاملاً، أثبتت صحته عدسات الفضائيات التي جالت على هذه الأسواق ونقلت عنها صوراً واضحة وصادقة.

صحيح أن بعض فئات المجتمع في القطاع لم تستجب لنداء الأحزاب، لأن الصحيح أيضاً أن ل حماس جماهيرها وقواعدها.

لكن هذه القواعد بدأت تتقلص، وبدأت شعبية حماس بالتراجع، بعد أن كشفت عن حقيقة أهدافها وحقيقة نواياها، وبعد أن تبدى، أن الشعارات الكبيرة والرنانة إنما تخفي خلفها أهدافاً وصيغة لا تتجاوز الهيمنة على السلطة والاستئثار بها والتفرد بالقرار الفلسطيني.

و حماس تحاول من خلال هذا أن تلعب لعبة مكشوفة.

هي في غزة تحاول أن تفرض هيمنتها بقوة السلاح، وأن تفرض هيمنتها بقوة الاعتقالات وإهانة الآخرين وتعذيبهم.

كما تحاول أن تلجم المقاومة من خلال رسائل مستشار هنية الدكتور أحمد يوسف إلى الإسرائيليين مؤكداً لهم تمسك حماس بالهدنة وعدم وجود خطط ونوايا لديها لمهاجمة أهداف إسرائيلية (هذا يذكر بما قاله محمود الزهار لإحدى الصحف الغربية بأن حماس ستتوقف عن محاربة إسرائيل وستتفرغ لمحاربة محمود عباس ، وأن حماس لا تستطيع أن تحارب عدوين في وقت واحد).

وهي في الخارج، وعلى لسان رئيس مكتبها السياسي تقدم أوراق اعتمادها إلى الدوائر الغربية باعتبار أن حماس هي الطرف الأكثر أهلية والأكثر قدرة على الاستجابة لشروط التسوية بما في ذلك توفير الأمن والاستقرار في المنطقة (اقرأ: لإسرائيل).

هي لعبة مكشوفة تلعبها حماس إذن.

تقف مقابل سياسة محمود عباس ، التي تنتقدها حماس ، لكنها تمارس إزاءها سياسة المناقصة المكشوفة. ولذلك إن لجم سياسة حماس ، كما أن لجم سياسة عباس، يكون بوضع حد لحالة الانقسام، وبالعودة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني، ووثيقة الأسرى، والتي ربما لأول مرة، رسمت، وبتوافق وطني جماعي، عناوين نضال الشعب الفلسطيني وأهدافه.


المصدر