في ذكرى سقوط الأندلس.. التاريخ يحذر المسلمين
(02/01/2017)
كتب: سيد توكل
مقدمة
قبل 514، وفي مثل هذا اليوم بالتحديد، الثاني من يناير عام 1492، شهدت الحضارة العربية والإسلامية أحد أكبر جراحها، لم يتوقف نزيفها إلى اليوم، حضارة ازدهرت وانتعشت وملأت الأرض شرقًا وغربًا بنورها، وخَفُت نورها وقل وهجها حتى انطفأ، ذكرى بعيدة من زمن ولى ليومٍ كنا فيه أعزاء مُكرَمون، وانتهى بنا المطاف مُهجّرون.. حين سقطت غرناطة، آخر ممالك المسلمين في الأندلس.
أحدث النبوءات الامريكية تتوقع أن يحدث لخارطة المسلمين الحالية ما حدث للأندلس، سورية لم تعد موجودة.. العراق اختفى.. ليبيا في عالم النسيان.. ولبنان على طريق التفكيك.. فهل يجلس المسلمين حتى تتحقق صحة هذه النبوءة؟ وما هي البدائل لهذه الدول غير المقاومة؟ وهل سيستسلم المسلمون والعرب؟ وهل لديهم النوايا والاسلحة للمقاومة؟
تقول الكاتبة جيهان شعراوي في تصريحات صحفية:
- "لقد حان الوقت لننفض التراب عن صفحات خالدة من التاريخ ونعيد إحيائه لنذكر العالم الغربي بأن القسوة التي يتهموننا بها ما هي إلا غرسهم الذي غرسوه وتعليمهم الذي حفروه في وجدان الأمم علي مدي قرون مضت, لم ينالهم من العرب والإسلام والمسلمين إلا الثقافة والتعليم والتنوير الذي أخرجهم من عصور الظلام, ولم ينل منهم العرب إلأا القتل وسفك الدماء وسلب الثروات والخيرات ثم يعودوا لاتهامنا بأننا وحوش بربرية همجية تمارس القتل والذبح".
وتضيف:
- "وفي الوقت أصبح الإسلام متهما بالعنف والوحشية, وفي الوقت الذي نغرق فيه في همومنا ودمائنا, نجد من يطالب بمحو هذا التاريخ وما تبقي من الكتب, وكأننا لم نكتف بما تم حرقه ليطلبنا البعض بأن نشعل بأيدينا النيران فيما تبقي لنا من تراث دون أن نعكف عليه لندرسه وننقحه وننقيه ونضيف له".
مقولة غير صحيحة
"فلتبك كالنساء مُلكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال" جملة نُقلت على لسان أم أبي عبدالله محمد الثاني عشر لابنها، في رواية لم تَثبُت صحتها، حين وقف على تل يبكي غرناطة بعد أن سلّمها إلى ملك قشتالة، حتى أطلقوا على هذا التل اسم "زفرة العربي الأخيرة"، ويذكر الكاتب ليوناردو بيلينا أن الملك أبي عبد الله لم يبك عندما غادر غرناطة
ولم تقل له والدته الجملة الشهيرة (إبك مثل النساء ملكًا مضاعًا ***لم تحافظ عليه مثل الرجال) وما هي إلا من وحي خيال المؤرخ أنطونيو دي غيفارا أسقف قادش ومجرد أكذوبة، وذلك في صيف سنة 1526م حيث أراد تلميع صورته في أعين الإمبراطور شارل الخامس الذي كان في غرناطة لقضاء عطلة بمناسبة زواجه.
ويؤكد خبراء أن تصريحات كثيرة يطلقها مسؤولون غربيون سابقون، وحاليون، حول الأوضاع في منطقتنا العربية التي تشبه إلى حد كبير الأوضاع في الأندلس، بعضها يمر عليه المراقب مرور الكرام، وبعضها الآخر يضطر للتوقف عنده متأملاً ومحللاً، فهؤلاء هم الذين يلعبون الدور الاكبر في غزو بلداننا وتقسيمها، وبذر بذور الفتنة الطائفية فيها، وسقيها وتسميدها، ويضعون الخرائط الجديدة، ويرسمون الحدود، اما قياداتنا فهي مجرد ادوات في معظمها.
تصريح لافت نطق به مدير وكالة الاستخبارات الامريكية السابق مايكل هايدن لمحطة "سي إن إن" قال فيه "إن سورية لم تعد موجودة، والعراق انتهى، ولن يعودا إلى ما كانا عليه، وأن لبنان يتفكك، وليبيا في خبر كان”.
إنها نبوءة مرعبه، من شخص كان يدير مطابخ الغرف السوداء في دهاليز الإدارة الأمريكية واقبيتها، ويجند المرتزقة، ويسلح الميليشيات، ويرسم خطط الفوضى الدموية وطرق تنفيذها، ولذلك علينا اخذها بمحمل الجد لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان، فالمسؤولون الأمريكيون، وبعد ان يغادروا المنصب العام يصبحون، أو معظمهم، أكثر حرية في الحكم على الامور، وتسريب بعض الحقائق والمعلومات، بوعي أو بدونه.
ملحمة ثلاثية غرناطة
لخصت رضوى عاشور، في روايتها الملحمية ثلاثية غرناطة، أحد أسباب سقوط غرناطة، حين تخلّى عنها الجميع وبقيت محاصرة شهورًا، حتى وقعت معاهدة تسليم غرناطة في نوفمبر 1491، بعد أن ظلت تحت حكم المسلمين حوالي 800 عام، وقعت في أيدي القشتاليين في 2 يناير 1492، وقالت :"المشكلة يا ولد أن قادتنا كانوا أصغر منا، كنا أكبر وأعفى وأقدر، لكنهم كانوا القادة، انكسروا فانكسرنا".
وأضافت:
- "بعد أن كانوا أعزاءً في بلادهم، أصبح على المسلمين التخلي عن دورهم وأرضهم، أُحرقت حقولهم، كتبهم وتراثهم أمام أعينهم، اُجبروا على التخلي عن دينهم أو الرحيل، مارسوا طقوس عبادتهم في الخفاء، حتى أصبح الكفن حرامًا على الموتى، "لا نضن بالكفن عليكِ، والله لا نضن"، ربما قالها بالفعل أحد مُشيعي جنازة ما حينها وهو يبكي، لتنقلها عنه رضوى عاشور في روايتها.
وتضيف:
- "يقررون عليه الرحيل، يسحبون الأرض من تحت قدميه.. ولم تكن الأرض بساطًا اشتراه من السوق، فاصل في ثمنه ثم مد يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره وبسطه وتربع عليه في اغتباط.. لم تكن بساطا بل أرضا.. ترابا زرع فيه عمره وعروق الزيتون. فما الذي يتبقى من العمر بعد الاقتلاع؟.. في المساء يغلق باب الدار عليه وعلى الحنين.. تأتيه غرناطة.. يقول يا غربتي! راحت غرناطة.. يسحبونها من تحت قدميه، ولم تكن بساطا اشتراه من سوق بالنسية الكبير».
كانت دومًا كالعروس
كانت معركة غرناطة هى الأخيرة فى سلسلة معارك حرب الاسترداد كما أطلق عليها أعداء الاسلام والعرب، وهم ملوك إسبانيا الذين رفعوا شعارًا هو إما إسبانيا خالية من العرب أو الإسلام أو النهاية، ولأن القدر كان مكتوبًا علينا أن تنتهى قصة أجمل أندلس.
وهو ما تنبأ به موسى بن غسان ذلك القائد العربى، الذى قال بعد أن شعر نية آخر ملوك الأندلس عبدالله الأحمر بالاستسلام:
- "لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم، إن الموت أقل ما نخشى، فأمامنا نهبت مدننا وتدميرها تدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا وهتك عرض نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشى والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعانى من مصائب وعسف، وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة التى تخشى الآن الموت الشريف أما أنا فوالله لن أراه".
وإذا بأطفال غرناطة ينشدون ذلك النشيد الذى لا يعرف من نظَمه لهم، فيصغى الناس ويستمع الفَلَك الدائر:
- لا تَبْكِ يا أُمَّاهُ، إنَّا ذاهبون إلى الجنَّة - إنَّ أرض غرناطة لن تَضِيقَ عن لَحْدِ طفل صغيرٍ مات فى سبيل الله - إن أزهار غرناطة لن تَمْنَعَ عِطرَها قَبْرًا لم يُمَتَّعْ صاحبُهُ بعِطْرِ الحياة - إن ينابيعَ غرناطة لن تَحْرِمَ ماءَها ثَرَى لَحْدٍ، ما ارتَوَى صاحبُهُ من مائها - أنتِ يا أرضُ غرناطة أُمُّنَا الثانيةُ فضُمِّينَا إلى صَدْرِكِ الدافئ الذى ضَمَّ آباءنا الشُّهَدَاء - لا تَبْكِ يا أُمَّاهُ بلِ اضْحَكِى، واحفظى لِعَبَنَا، سيأتى إخوتنا فيلعبون بها - فذَكِّرِيهِمْ بأنَّنا تركناها من أجل هذا الوطن، سنلْتَقِى يا أُمَّاهُ! إنَّكِ لن تُؤْثِرِى الحياة فى ظلال الإسبان على الموت تحت الراية الحجازيَّة، ولن تَضِيقَ عَنَّا أرض غرناطة، ما ضاقت أرضُنَا بشهيد".
ولم يعد يطيق موسى أكثر من ذلك، فلَكَز فَرسه، وانطلق إلى حيث لا يدرى أحد، كما جاء من حيث لم يدر أحد، و كذلك ذَهب آخر أبطال الأندلس، لم يخلف له قَبرا فى الأرض، ولا سيرة واضحةً فى التاريخ، بل مر على الدنيا كالحلم بهيج!
وحده موسى بن أبى الغسان اختار الاحتجاج على تسليم غرناطة، ووحده حمل السيف والدرع وخرج من الحمراء إلى حمراء أخرى... وحده موسى بن أبى الغسان اختار الطريق السهل، وترك للملك الصغير الاختيار الأصعب، وتحقق لموسى الخلاص يوم بدأت المعاناة فى غرناطة وجبال الجنوب و بلنسية والمرية فى الساحل الشرقي، الرويات كثيرة وهو ما كشفت عنه كتب المؤرخين الذين وضعوا سيناريوهات النهاية لدولة الأندلس، رحمةُ الله على موسى بن أبى الغَسَّان.
ورغم أن هذه الجملة "لا غالب إلا الله" منقوشة على جدران قصر الحمراء، كُتبت في ظل انتصارات المسلمين، إلا أنها تبقى الجملة الأكثر تعبيرًا عن حال الأندلس والمسلمين، حينها وحتى يومنا هذا.
المصدر
- تقرير: في ذكرى سقوط الأندلس.. التاريخ يحذر المسلمين موقع بوابة الحرية والعدالة