في ذكرى استشهاده.. عياش دونك أنجماً فاصنع لهم وجه السما
بقلم:فؤاد الخفش
اعتدنا في كل عام يمر أن نشحذ هممنا وأن نذكر من أحب فلسطين وعشق المقاومة بذكرى استشهاد الفارس الملهم والبطل الهمام الأسطورة يحيى عياش، فذكر الرجال وفعالهم يحيي الهمم كيف لا وهو من له من اسمه نصيب العياش ويحيى....
فبالرغم من كثيرة التواريخ وكثرة الأحداث التي مر بها الشعب الفلسطيني والقوافل التي لا تعد ولا تحصى من الشهداء والأسرى منها ما نسي ومنها من لم تستطع الأيام أن تنسينا إياه، بقيت أسطورة المهندس وذكرى استشهاد المهندس الأسطورة يحيى عياش حاضرة في كل عام ولم يتوقف الشعار من نظم شعرهم المادح ليحيى لم تتوقف حناجر المنشدين من التلذذ بذكر اسمه، كيف لا وهو من أصحاب السبق صاحب البصمة المميزة في التاريخ النضالي الفلسطيني المعاصر.
لا أريد أن أتحدث عن يحيى في ذكرى استشهاده ولن اعدد مناقبه ولا عملياته ولا لن امدح من شهادتي بحقه لا تقدم ولا تؤخر، وسأتحدث عن بيت يحيى الذي تربى فيه والمكان الذي خرج منه ليسمع صوت المقاومين في الأرض ويقول أن الإرادة اقوى من أي قوه.
شرفني الله بزيارة منزل الشهيد يحيى عياش مرات عدة وفي كل مره كنت أتحسس بنظري تفاصيل المكان وشكل المنزل وانظر إلى والد ووالدة يحيى حفظهما الله محاولا أن افهم السر أو أفسر المعادلة التي خرج منها يحيى، ولطالما كنت استمع بشغف لكل من التقى يحيى وعرفه، كنت استمع بإعجاب لكل ما يقال عن الرجل كل ذلك لكي افهم ظاهرة يحيى عياش ومدرسته التي أصبح هو ربانها وسيدها بدون أي منافس.
البساطة والتواضع هو سيد الموقف في منزل يحيى عياش فإذا ما قدمت إلى فناء البيت وللوهلة الأولى يلاقيك الوالدان بالترحيب والتأهيل والابتسامات والسلام، استقبال ما بعده استقبال مجرد ان يروك إلى أن يودعوك وهم يقولون لك أهلا وسهلا شرفتنا حياك الله، ومن هذه الكلمات التي تشعرك بالراحة والطمأنينة وما أن تدخل ذلك البيت البسيط المتواضع وتجلس في وسط غرفة الاستقبال حتى تستشعر معنى التواضع والبساطة، فبيت رجل بوزن يحيى قد يخيل للبعض انه قصر شامخ وان أثاثه غال ثمين وهذا ما تكذبه عينيك بمجرد دخولك هذا البيت تجد الحصيرة بدل السجاد والأثاث البسيط لتستشعر كم هم يزهدون بالدنيا، جدر منزل يحيى تتزين بصوره تارة يداعب ولديه وأخرى يحمل السلاح وثالثة يقبل رأس أمه ورابعة يعانق أباه في براويز غاية في البساطة، وإذا ما دققت النظر تجد (مكنسة القش) المصنوعة من الذرة مسنده على احد الجدران لا يستخدمون مكانس الكهرباء كل شي من حولك يشير إلى البساطة والتواضع وضعف الحال.
وبالعودة للحديث عن والد ووالدة يحيى وهنا سر من أسرار يحيى تجد الطيبة وحسن الملقى والاستقبال، نظرت إلى أصابع أم يحيى ووجدت كيف أن أعمال البيت والفلاحة شققت رؤوس أصابع أم يحيى، وشعرت من خلال ثوبها الفلسطيني الملون بالأسود والأحمر كم هي تعشق التراث، حركاتها العفوية وهي تعيد ترتيب منديلها للتأكد بعدم خروج أي شعره من شعر رأسها تشعرك بعظم هذه المرأة، كلماتها وفخرها بيحيى لا تستطيع أن تخفي دمعاتها وشوقها على المهندس الذي اغتيل في ريعان الشباب، ولا يبدد هذه الدمعات إلا ذكر رابين الذي مات بحسرته قبل أن ينال من يحيى وبيرس الذي سقط في الانتخابات بسبب عمليات الثار ليحيى وما بين كل كلمه وكلمه تقول لمك كلمة (يمه) يا الله ما أزكى وأطيب هذه الكلمة من أم يحيى.
في جابنها الحاج أبو يحيى بزيه الفلسطيني (الدمايه) يضع على وسطه قشط خاص ويرتدي حذاء من ذلك الموديل القديم، لا يبدد تجاعيد وجهه إلا ابتسامته العريضة كلما رحب بنا، يحدثك عن سجنه ومكالمته الأخيرة مع يحيى وصوت الانفجار ولحظه اعتقال أم يحيى وعمليات المداهمة والتفتيش للبيت، وشوقه لزيارة قبر ولده في غزة وحنينه للقياه بالجنان.
الحديث مع هذه العائلة لا ينتهي وتقديم الشاي والقهوة وكل ما هو متوفر في البيت يشعرك بدفء خاص وكرم أصيل، تستطيع بعدها أن تفهم سر ظاهرة يحيى حيث لا ألوان الا الألوان الطبيعية،ولا تنميق للكلمات ولا تظاهر وتصنع هي البساطة وهو التواضع وهي الآخرة التي تبتغى ويسعى إليها لا ترف الدنيا وزخرفها.
اسأل الله أن أكون قد وفقت بإنارة شمعة بجانب سيره سيد الشهداء صقر الكتائب يحيى عياش، واسأل الله أن يجمعنا به في مستقر رحمته، والى ذك اليوم لك مني سيد الشهداء سلام وتحية وألف قبلة لرأسك وتلك اليدين التي صنعت لنا عزا ومجدا نتوق إليه.