في ذكرى
« كلمة فضيلة المستشار
قال الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء: 1)
تطل علينا هذه الأيام ذكرى عطرة، هي ذكرى الإسراء والمعراج التي خلد الله ذكرها في القرآن الكريم، والتي كانت تشريفًا وتكريمًا لنبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وطمأنة لقلبه، وكانت بمثابة ومضات نورانية على طريق الحق.. تثبت المؤمنين، وتميز الصادقين من الكاذبين، وتنبه أمة الإسلام إلى دورها في قيادة البشرية.
لماذا الإسراء والمعراج؟
ورحلة الإسراء والمعراج حدث فوق مستوى القدرة البشرية، وفوق مستوى إدراك العقل البشري؛ لذلك تباينت ردود الأفعال حوله، فعندما سمع الناس خبر تلك المعجزة انقسموا إلى فرق شتى، فمنهم من أنكرها، ومنهم من سخر من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واستهزأ به، وارتد بعض المؤمنين، وذهبوا إلى أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) فقالوا: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟
قال: أوقال ذلك؟
قالوا: نعم.
قال: لئن كان قال ذلك، لقد صدق.
قالوا: أوتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟
قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة.
ثم توجه أبو بكر (رضي الله عنه) إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوجده يخبر قريشًا بما رآه، وكلما سمع منه شيئًا قال: صدقت، فقال (صلى الله عليه وسلم): بل أنت الصديق يا أبا بكر.
ومن مقاصد هذه الرحلة المباركة:
- أن الله – سبحانه وتعالى – أراد أن يتيح لرسوله (صلى الله عليه وسلم) فرصة الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتى يملأ قلبه ثقة به واستنادًا إليه؛ ليزداد قوة في مهاجمة الكفر والضلال، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء: 1).
- إعلان أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) هو نبي القبلتين، وإمام المشرقين والمغربين، ووارث الأنبياء قبله، وإمام الأجيال بعده، حيث التقت مكة بالقدس، والبيت الحرام بالمسجد الأقصى، وصلى بالأنبياء خلفه، فكان هذا إيذانًا بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه، وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
- تحديد مكانة أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) التي بعث فيها، وآمنت به، وبيان رسالتها ودورها في قيادة البشرية التي اتضحت من إمامة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للأنبياء في الصلاة، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: 143).
- التخفيف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والتسرية عنه؛ حيث جاءت رحلة الإسراء والمعراج بعد أن نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشد النيل، وتطاولت عليه خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب الذي كان يدافع عنه، وزوجته خديجة (رضي الله عنها) التي كانت تواسيه، وبعد أن استهزأ به أهل الطائف، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم.
- اختبار صدق المؤمنين وثبات عقيدتهم، وتمحيص يقينهم وتخليص الصف من المترددين وضعاف الإيمان والذين في قلوبهم مريض، فالمؤمن الصادق صاحب العقيدة الثابتة واليقين الراسخ يؤمن بكل ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
نفحات من الإسراء والمعراج
ومن العبر والعظات التي يمكن أن نستخلصها من رحلة الإسراء والمعراج:
- طلاقة القدرة الإلهية: فقد أسرى الله بعبده من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، ومنه عرج به إلى سدرة المنتهى، ثم رجع إلى مكة، وكل ذلك في ليلة واحدة.
- سنة التداول: حيث كانت رحلة الإسراء والمعراج إيذانًا بتحول القيادة من بني إسرائيل إلى أمة الإسلام التي تسلم رسولها محمد (صلى الله عليه وسلم) الراية بإمامته للأنبياء جميعًا في المسجد الأقصى.
- العبودية أعلى مقام للبشر: فقد وصف الله - سبحانه وتعالى - نبيه قائلاً (بعبده)، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقلب كفه فرحًا وهو يردد كلمة (بعبده)؛ لإدراكه (صلى الله عليه وسلم) أن العبودية لله أسمى مكانة ينالها الإنسان، وبها يتحرر الإنسان من كل ما عداه.
- الثقة التامة بالقيادة وتصديقها: وذلك يتضح من موقف أبي بكر الصديق الذي قال: لئن كان قال ذلك، لقد صدق.
- معية الله ولطفه بعباده، فلا يصيبهم ضيق إلا ويتبعه فرج، ولا عسر إلا ومعه يسر، قال الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 5، 6).
- وحدة الأنبياء في دعوتهم؛ فكلهم جاءوا بدين واحد هو دين الإسلام وبالتوحيد الخالص من عند الله سبحانه وتعالى.
- ضرورة تنقية المجتمع مما قد يظهر فيه من أمراض اجتماعية، ليكون مجتمعًا قويًا متاسكًا نظيفًا، تسوده المحبة والإخاء.
- مكانة المسجد الأقصى وأهميته للمسلمين، فهو أولى القبلتين، وثاني المسجدين ومسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعراجه إلى السماء، فيجب عليهم نصرته والدفاع عنه.
المصدر
- مقال: في ذكرى الإسراء والمعراج موقع العقيل ابو مصطفي