في الحوار الفلسطيني.. مرة أخرى

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
في الحوار الفلسطيني.. مرة أخرى

2008-10-30

بقلم : معتصم حمادة

هل يستطيع الفلسطينيون أن يجابهوا استحقاقات الوضع الإسرائيلي الجديد، واستحقاقات ولادة إدارة أميركية جديدة، وهم يعيشون حالة من الانقسام والصراعات الداخلية؟

تناولنا في العدد الماضي ضرورة الحوار الوطني الفلسطيني، الذي دعت له القاهرة في 9/11/2008، وأكدنا أن الضرورة تنطلق من حاجة الفلسطينيين إلى إنهاء الانقسام واستعادة وحدتهم الداخلية، وتطوير نظامهم السياسي وتحصينه، وتهيئة الأوضاع لمواصلة مسيرة التحرير والعودة والاستقلال والسيادة والخلاص من الاحتلال والاستيطان.

إلى ذلك، نلاحظ، أن الدعوة إلى الحوار، في هذه المرحلة بالذات، لا تستجيب فقط إلى ضرورات ذاتية، خاصة بالوضع الفلسطيني الداخلي، ولن تكون معنية فقط بمعالجة أوضاع المؤسسات، التشريعية والتنفيذية والأمنية، وإعادة صياغتها وفق أسس وقوانين وآليات أكثر تطورا وأكثر استجابة للمصلحة الوطنية الفلسطينية.

إننا نرى، إضافة إلى ما قلناه في الأسبوع الماضي، أن جولة الحوار تفرضها ضرورات موضوعية، خاصة بالتطورات الإقليمية والدولية. حتى ولو لم يكن الوضع الوطني يشكو من انقسام، كما هو عليه الحال الآن.

فبعد أن فشلت تسيبي ليفني في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، تخلف حكومة إيهود أولمرت الراهنة، حزم الإسرائيليون حقائبهم، وبدأوا رحلة التحضير لانتخابات تشريعية جديدة، لاختيار كنيست بديل للحالي، على أمل أن ذلك سيعيد رسم الخارطة الحزبية في برلمانهم، مما يتيح ـ مرة أخرى ـ تشكيل حكومة تخلف أولمرت وحكومته.وقد تقرر إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في السادس من شباط (فبرار) من العام القادم. بعدها سيجري رئيس إسرائيل شمعون بيريس مشاوراته البرلمانية لاختيار رئيس الحكومة المكلف، الذي سيستغرق خمسة أسابيع كي يشكل حكومته الجديدة، ثم سيأخذ الوقت اللازم لصياغة البيان الختامي والمثول أمام الكنيست، وبالتالي ستكون الحالة الفلسطينية التفاوضية، أمام «فراغ سياسي» ـ إذا جاز التعبير، قد يمتد لستة أشهر قادمة، لا نستبعد أن تشهد الأحزاب الإسرائيلية خلالها تنافسات سياسية لأسباب انتخابية، تعبر عن نفسها في مواقف متشددة من المسألة الفلسطينية بما في ذلك إطلاق العنان لوحش الاستيطان ليلتهم المزيد والمزيد من الأرض الفلسطينية وإطلاق العنان لوحش الاستبداد ليعتقل دفعات جديدة من المواطنين بتهم مزيفة ووفقا للقوانين الجائرة المعروفة، بينما توضع العملية التفاوضية في الثلاجة، ويبقى الوضع الفلسطيني التفاوضي في حالة انتظار، لا يستفيد منها سوى الجانب الإسرائيلي نفسه.

على صعيد آخر، تدخل الحالة الأميركية مربعا سياسيا جديدا، بانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة، سيكون معنيا من الآن، حتى العشرين من كانون الثاني (يناير) من العام القادم بتشكيل إدارته الجديدة. ومن الطبيعي أن تصوغ الإدارة الجديدة أجندتها السياسية، وفقا للأولويات التي تخدم مصالح الولايات المتحدة أولا وقبل كل شيء، وبالتالي فإن القضية الأولى ستكون بالضرورة الأزمة المالية العالمية، والبحث عن نظام عالمي آخر، يضمن للولايات المتحدة مصالحها، ويعيد للدولار، موقعه في زعامة العملات الدولية، ويحفظ لشرائح واسعة في المجتمع الأميركي مصالحها خوفا من الانهيارات المأساوية.

يتبع ذلك بالضرورة السيطرة على أسواق الطاقة، وتحديدا السوق العالمية للنفط التي بدأت ترسل إشارات تقلق الولايات المتحدة بل وتثير غضبها، على خلفية الأزمة المالية.

ويعتقد المراقبون أن قضية العراق وأفغانستان سوف تحتلان هما أيضا موقعا لهما في الأجندة الأميركية خاصة وان الجدل الساخن حول «مستقبل» العلاقات الأميركية العراقية يشغل بال السياسيين، كما يشغل بال العسكريين، وكذلك بال شركات النفط، تنقيبا، واستخراجا، وتوزيعا.

ومن الطبيعي أيضا أن تولي الإدارة الأميركية الجديدة المسألة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل الاهتمام، لكن ليس بالدرجة نفسها من الاهتمام التي ستولي بها القضايا الأخرى. خاصة وأن الوضع عل جبهات قطاع غزة هادئ عسكريا، وأن التهدئة تسير وفقا للشروط الإسرائيلية، وأن الأوضاع في الضفة الفلسطينية لا تقلق لا إسرائيل والأميركيين من الناحية الأمنية.

أي أن القضية الفلسطينية لن تكون ضاغطة على الهم السياسي الأميركي كي تسخر لأجلها جهودا على حساب القضايا الساخنة الأخرى المذكورة أعلاه.

نحن هنا لا نقلل من أهمية القضية الفلسطينية ولا من أهمية الصراع مع العدو الإسرائيلي، لكننا نحاول أن نرصد مدى الحيز السياسي الذي سوف تحتله هذه القضية في اهتمامات الإدارة الأميركية الجديدة، على الأقل في الأشهر الستة الأولى من ولايتها.

في السياق نفسه، نعيد التذكير أن الاهتمام الأميركي بالقضية الفلسطينية لا يعني بالضرورة أن الوضع سوف يسير نحو الحل المنشود. فلقد أبدت إدارة بوش اهتماما ملحوظا بالقضية الفلسطينية حتى أنها تجاوزت انتقاداتها إلى الرئيس السابق كلينتون حين اتهمته أنه غرق في التفاصيل أكثر من اللازم ليتضح أن بوش وإدارته غرقا هما أيضا في تفاصيل القضية، حتى أن بوش أطلق وعده الأول بقيام دولة فلسطينية نهاية العام 2005، ثم تراجع عن وعده هذا، دون أن يقلل من اهتماماته بالموضوع، فأطلق وعدا جديدا متوقعا أن يشهد قيام الدولة الفلسطينية قبل رحيله من البيت الأبيض، أي في نهاية العام 2008. وفي لقائه الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض، أقر بوش أن وعوده كانت كاذبة وأن الدولة الفلسطينية لن تقوم مع نهاية هذا العام.

ردد الأمر بعده الرئيس عباس نفسه، ورئيس الطاقم الفلسطيني التفاوضي أحمد قريع.

إذن، إذا كان الوضع الإسرائيلي سيضع الحالة التفاوضية في الثلاجة لمدة لا تقل عن ستة أشهر (في أكثر التقديرات تفاؤلا لصالح العملية التفاوضية) فإن الترجيحات الأميركية لا تستبعد أن توضع العملية التفاوضية في الثلاجة لمدة لا تقل عن سنة.

فماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا خلال هذه السنة؟ هل يعطون أنفسهم إجازة سياسية بانتظار عودة اللاعبين الإسرائيلي والأميركي إلى أرض الملعب، بينما الاستيطان في ذروة نشاطه وآلة القمع لا تتوقف عن الدوران؟ من قال إن المصير الفلسطيني يجب أن يكون رهنا بالموقف الإسرائيلي. وأين هو العامل الذاتي الفلسطيني، وكيف يمكن استنهاض هذا العامل وتفعيل دوره؟

هل ينتظرون الرئيس الأميركي الجديد، إلى حين تسنح له الفرصة ليفتح الملف الفلسطيني، ويطلق وعدا جديدا بدولة فلسطينية قبل أن تغيب شمس إدارته مع نهاية العام 2012. ومن قال إن قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يكون رهنا بوعد أميركي؟ حين رسم الفلسطينيون برنامجهم السياسي: العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة، رسموه في مواجهة الاحتلال والاستيطان، وكمشروع نضالي كفاحي يتطلب تحقيقه نضالات على كل المستويات. وكذلك رسموه ضد إرادة البيت الأبيض الذي كان ملتزما عدم الاعتراف بشعب فلسطين، وبحقوق وطنية فلسطينية.

وحين رسم الفلسطينيون مرة أخرى برنامجهم الوطني في وثيقة الوفاق الوطني (27/6/2006) رسموه في مواجهة الاحتلال والاستيطان، وفي مواجهة الانحياز السياسي الأميركي للجانب الإسرائيلي. لم يرسموه في مراهنة على وعد بوش، ولا على وعود اللجنة الرباعية، ولا غيرها، بل استنادا إلى إرادة كفاحية للشعب الفلسطيني، رسمت لها الوثيقة عناوين أهدافها وآليات تحقيقها.

وبالتالي إذا كان على الفلسطينيين أن يذهبوا إلى القاهرة لأجل الحوار حول الانقسام وآلية استعادة الوحدة وأسسها، فهم معنيون في الوقت نفسه بالحوار حول الإستراتيجية الفلسطينية الواجب تبنيها للمرحلة القادمة.

الفلسطينيون معنيون بأن يجيبوا على جملة أسئلة:

  • ما هو حجم الربح والخسارة من العملية التفاوضية المنبثقة عن مؤتمر أنابوليس، وهل هذه هي المفاوضات المنشودة، والتي يمكن أن نثق أنها ستقود إلى الحقوق الوطنية الفلسطينية. وهل هذه المفاوضات هي الخيار التفاوضي الوحيد، أم أن هناك خيارات أخرى يمكن التوافق عليها فلسطينيا (أولا) ومن ثم التمسك بها والعمل لفرضها على العدو الإسرائيلي؟.
  • ما هو دور المؤسسات الفلسطينية الإدارية والخدمية والأمنية في المرحلة القادمة. هل توفير فرص العمل لآلاف العاطلين عن العمل، بحيث تحولت الإدارة الرسمية في السلطة الفلسطينية إلى رب العمل الرئيسي. وكيف يمكن تحويل هذا الجيش من الموظفين إلى عاملين في «الجيش الفلسطيني»، كل من موقعه، في معارك مواجهة الاحتلال والاستيطان؟.
  • مع الاعتراف بدور بندقية الشرعية الفلسطينية في ضبط الأمن الداخلي، وحماية مصالح المواطنين، ما هي الآليات الواجب اعتمادها لتجنيب بندقية المقاومة من الغوص في الشأن الأمني الداخلي، والتفرغ لواجبها في مقاومة الاحتلال. وما هي الآليات المطلوبة للتنسيق بين دور البندقية الشرعية وبندقية المقاومة؟.
  • ماذا حققت التهدئة مع العدو الإسرائيلي من مكاسب للجانب الفلسطيني، وهل من مصلحة الفلسطيني تمديد التهدئة بالشروط الحالية أم أن الوضع يتطلب شروطا جديدة؟.
  • والسؤال المركزي الواجب أن يشكل قاعدة لكل الأسئلة الأخرى، هو: هل نستطيع أن نجابه استحقاقات الوضع الإسرائيلي الجديد، واستحقاقات الوضع الأميركي الجديد، في ظل حالة من الانقسام والصراعات الداخلية؟.

إن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، هما المعبر الإجباري نحو استعادة القدرة على مواجهة الاستحقاقات. وإن يوم 9/11/2008، لن يكون يوما عاديا في التاريخ الفلسطيني.

المصدر

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات