في البدء تكون الديموقراطية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

بقلم:أ.فهمي هويدي

الديمقراطية بمفهوم النظام المصري

حين قال الدكتور مفيد شهاب إن مصر تمتلك إرادة سياسية قوية للنهوض بمنظومة حقوق الإنسان فإنني فهمت كلامه على أنه حديث عن النوايا، وليس حديثا عن الواقع،ربما أراد الرجل بوصفه وزيرا للشؤون القانونية أن يؤدي واجبه ويبيض وجه الحكومة أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف، فقال مقولته تلك التي أبرزتها «الأهرام» في 10 /6، وهذا شأنه وحقه، لكن من حقنا أيضا أن نقرأ كلامه في ضوء حقائق الواقع ومعطياته، وهذه القراءة هي التي تدفعنا إلى القول بأن شهادة الدكتور مفيد شهاب تسجل النوايا الطيبة ولا صلة لها بالواقع المعيش.

ولست هنا بصدد التفصيل في وضع حقوق الإنسان في مصر، التي يعرف الجميع أنها تتدهور عاما بعد عام، خصوصا في ظل قانون الطوارئ الذي يطلق يد السلطة والأجهزة الأمنية لتفعل ما تشاء في حريات الناس وكراماتهم ومصائرهم، دون رقيب أو حسيب، لكني أردت أن أنبه إلى شيء آخر أزعم أنه يسهم في وضع الأمور في نصابها الصحيح،ذلك أن عبقرية أنظمة العالم الثالث مكنتها من الاحتيال على الديموقراطية عن طريق تفكيكها وتفريغها من مضمونها، بحيث تنفصل هياكل الديموقراطية عن وظيفتها، ومن ثم تبقى الهياكل شاخصة أمام الجميع، أما الوظيفة فيتم تغييبها وإهدار قيمها واحدة تلو الأخرى، وفي الوقت ذاته يتم إقصاء الأصل في حين تسلط الأضواء على ما يتفرع عنه. وهذا منطوق يحتاج إلى شرح.

فنحن نفهم أن الديموقراطية بما تكفله من تعددية وإطلاق للحريات العامة، تكفل ثلاثة حقوق أساسية هي:

حق المشاركة، وحق المساءلة، وتداول السلطة.

وهذا المناخ الذي توفره الديموقراطية يفتح الأبواب واسعة لممارسات عدة تتراوح بين تعددية الأحزاب السياسية، وظهور منظمات المجتمع المدني، وتنشيط حركة حقوق الإنسان، وغير ذلك من الأنشطة المجتمعية الأخرى،لكن الحاصل في العديد من أقطار العالم العربي أن أبالسة الاستبداد صادروا الديموقراطية بكل قيمها، وعمدوا إلى إقامة الهياكل المتفرعة عنها، فاصطنعوا أحزابا من ورق، تعبر عن إرادتها وليس عن أشواق الناس، وزيفوا الانتخابات لإقامة مؤسسات تشريعية تقنن الاستبداد وتحميه، وما فعلوه مع الأحزاب استنسخوه مع وسائل الإعلام، ثم تحكموا في منظمات المجتمع المدني، عن طريق التصريح للفئات الموالية لها بإقامة مختلف الجمعيات والهيئات، وحظر أي أنشطة أهلية مستقلة،

وفي الوقت ذاته فإنهم أقاموا من جانبهم ولحسابهم منظمات لحقوق الإنسان، تتستر على الانتهاكات ولا تفضحها وتجمل وجه الأنظمة عبر إخفاء قبح ممارساتها ودمامة وجهها الآخر. وكانت النتيجة أن العالم العربي حفل بالأحزاب السياسية والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، لكننا لم نشهد في أغلب الأنظمة مشاركة أو مساءلة أو تداولا للسلطة، أعني لم نشهد وجودا حقيقيا للديموقراطية. إذ توافرت لنا مظاهرها وجرى تغييب جوهرها.

لقد قرأت قبل حين دعوة أطلقها أحد الأدباء (خالد الخميسي) لتشكيل «لوبي» للنظافة في مصر، تكون له أذرع في المدن المصرية كلها، يتولى المجتمع من خلال تلك الأذرع إزالة تلك الوصمة المشينة والمهينة التي أصبحت في قسمات المدن الكبرى في بر مصر، ولا تسأل عن الأرياف بطبيعة الحال.«جريدة الشروق 30 /5».

ووجدت أن عبدالرحمن الكواكبي صاحب كتاب «طبائع الاستبداد»، ربط بين الاستبداد وبين فساد الأخلاق ونزوع الناس إلى «التسفل». إذ اعتبر أن الاستبداد يهمش الناس ويزدري بهم، فيفقدهم الرغبة في الترقي.

وإذا جاز لنا أن نصوغ فكرته بلغة زماننا فربما جاز لنا أن نقول إنه إذا كان الاستبداد يهمش الناس ويزدريهم فإن الديموقراطية تستدعيهم وتحولهم من متفرجين إلى مشاركين، الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول بأنه حتى مشكلة النظافة إذا أراد المجتمع أن يتصدى لها، فإنه يظل بحاجة إلى بيئة ديموقراطية تعيد إلى الناس اعتبارهم، وتنمي لديهم حس المشاركة، ومن ثم تجعلهم يعزفون عن التسفل ويتطلعون إلى الترقي والتقدم.