فهمي هويدي يكتب: تعز المنكوبة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
فهمي هويدي يكتب: تعز المنكوبة


(8/27 / 2015)

فهمي هويدي

مدينة تعز تذبح الآن، والعالم العربي واقف يتفرج.

وإذا كانت حكومة اليمن قد أعلنتها مدينة منكوبة وذلك صحيح لا ريب، إلا أن النكبة أكبر من ذلك بكثير،حيث لا يعقل أن يدمر اليمن.

وتستعر فيه الحرب العبثية منذ أربعة أشهر، ولا يتحرك شيء في العالم العربي، فالكارثة سقطت من جدول أعمال الجامعة العربية، والأمر لم يعد مدرجاً ضمن اهتمامات أغلب دول المنطقة.

فلا الحكومات شجبت ولا مظاهرة خرجت، ولا حتى مقالة كتبت،واكتفى الجميع بأخبار وكالات الأنباء التي باتت تنقل كل حين تقاريرها عما يجري هناك، شأنها في ذلك شأن أي بلد غريب في العالم.

أستثني من ذلك المنابر الإعلامية السعودية، باعتبار أن ما يجري في اليمن يمس أمنها القومي، ثم إن هناك كثيرين لم يعد يهمهم في الأمر سوى تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة،أما معاناة الشعب اليمني والخراب الذي يزحف على مدنه والدمار الذي يتعرض له العمران، بما في ذلك آثاره التاريخية ورموز حضارته العريقة، فذلك كله ليس في الحسبان.

نجت عدن من المذبحة، لأن جهداً خاصاً بذل لتحريرها لأسباب إستراتيجية في الأغلب، على الأقل نظراً لأهمية الميناء والمطار ودورهما في تحقيق قدر محدود من انفراج الوضع الإنساني.

ولكن الأنظار اتجهت إلى تعز التي كان الحوثيون قد وصلوا إليها ولكن المقاومة الشعبية نجحت في تحريرها.

وهو ما أعلنه الشيخ حمود المخلافي الذي قاد المقاومة هناك، إلا أن هذه لم تكن نهاية المطاف، لأن المدينة لها رمزيتها التاريخية والثقافية، فضلا عن أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية،لذلك عاد الحوثيون ومعهم قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى مهاجمتها مرة أخرى بقوات مضاعفة وبما يملكون من آليات وصواريخ.

وقد انتهزوا فرصة بطء وصول قوات التحالف إلى تعز فانفردوا بها، وانقضوا عليها من كل صوب، لكسر شوكة المقاومة وللانتقام من المدينة التي صمدت في قتالها ضدهم، وهو ما تم بصورة وحشية أشاعت الدمار والموت في أنحائها.

من الروايات التي تم تداولها في تفسير عدم وصول إمدادات وقوات التحالف إلى تعز في الوقت المناسب أن المدينة تعد من معاقل حزب الإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين،لذلك لم تتحمس قيادة قوات التحالف لإنقاذها، كي لا يعود حزب الإصلاح إلى تولي أمر المدينة ويحسب تحريرها لصالحهم،

وهو رأي سمعته من بعض خبراء الشأن اليمني، وتبناه المحلل العسكري والخبير اليمني عبد الله الحاضري في مداخلة له بثتها قناة الجزيرة في الأسبوع الماضي.

هناك تفسير آخر لعنف هجوم الحوثيين وقوات صالح، هو أن ثمة دافعا شخصيا لدى الرئيس السابق، مرجعه أن المقاومة الشعبية استولت على مقر له في تعز،الأمر الذي أثار غضبه ودفعه إلى محاولة الانتقام منها بالصورة التي تحدث الآن.

أيًّا كانت الأسباب والدافع، فالقدر الثابت أن تعز تعرضت لهجوم همجي ووحشي استهدف العمران واليمنيين وأحكم الحصار عليها، بحيث أصبح شبح الموت والخراب يخيم عليها طول الوقت، وما لم توقف حملة التدمير فإن مستقبلا كارثيا سوف ينتظر المدينة.

ليس فقط من جراء الخراب والدمار الذي حل بها، ولكن أيضا بسبب حملة التصفيات والجرائم الإنسانية التي يمكن أن تترتب على ذلك، للانتقام من قيادات وقواعد حزب الإصلاح التي قادت المقاومة وتصدت لمحاولة اقتحام المدينة والسيطرة عليها.

شاهدت قبل أيام متحدثاً باسم أهالي تعز وقد انفجر باكياً وهو يتحدث عن الكارثة الإنسانية التي حلت بها، ثم وهو يناشد الجميع أن يسعوا لإنقاذها، قبل أن يتحقق انقضاض الحوثيين وأعوانهم عليها لكي يجهزوا على ما تبقى منها.

وذلك شعور كل من تحدثت إليه من اليمنيين الذين ما خطر لأحدهم يوما ما أن تلقى تعز بكل مجدها وتراثها ذلك المصير البائس، دون أن يتحرك أحد في العالم العربي لإغاثتها.

خبراء الشأن اليمني يعتبرون أن الأسوأ لم يقع بعد، وأن باب النكبات لا يزال مفتوحا على مصراعيه.

وهم يتحدثون في ذلك عن الحشود التي تتجمع الآن لاقتحام صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، ويرون في التجمعات التي تجهز الآن في إب (٢٣ ألفا من قوات التحالف) تجهيزا لمحاولة تحرير العاصمة من الحوثيين،

وتلك جولة إذا بدأت فإنها ستعد إيذانا بتدمير المدينة وإشاعة الموت والخراب فيها، لأن الحوثيين وقوات الرئيس السابق سوف يستميتون في الحفاظ على سيطرتهم عليها، وسوابقهم في تدمير عدن وغاراتهم الوحشية على تعز لا تدع مجالا للشك في ذلك.

قلت إن النكبة في تعز أحد أوجه النكبة الكبرى التي يعيشها اليمن، من جراء القتال العبثي الدائر على أرضه، والتجاهل العربي لقضيته، وتعثر محاولات التوصل إلى حل سياسي ينهي المأساة التي ستظل وصمة عار في جبين الأمة العربية إذا ما فشل الجميع في أن يضعوا لها حدا، إن نكبة تعز أحد أوجه إشهار جديد لنكبة الأمة.

المصدر