فضيحة ويندراش والاضطهاد العرقي الغربي
- عبده مصطفى دسوقي
الحرية مفهوم من المفاهيم الكبرى التي تحكم وعي الإنسان فتحرك مشاعره وتوجه فعله، مثل مفاهيم الحياة والموت والأمل. وهي لذلك من المفاهيم التي يصعب تحديدها تحديداً جامعاً مانعاً، نظراً لتأثرها بالخبرة الاجتماعية وارتباط معانيها بجملة من المفاهيم المساوقة.
وهذا ما يتشدق به الغرب الذي يعمل جاهد بكل السبيل ترسيخ هذه المفاهيم في عقول الجميع أن الغرب بلد الحريات.
لكن جاءت استقالة وزيرة الداخلية البريطانية أمبر رود، لتكشف جوانب مهمة في سياسات الحربة التي يعمل الغرب على تثبيتها، غير أن استقالتها والأسباب التي تقف خلفها فجرت الحرية العرقية التي تنتشر على رؤوس الغربيين فحسب، دون غيرهم من بقية الأعراق التي هاجرت واستوطنت هذه البلاد، والتي يواجهون فيها حرب عرقية سواء بسبب الدين أو اللون.
ما حقيقة ويندراش؟
في عام 1795 جند الجيش البريطاني أشخاصا من مستعمرات منطقة البحر الكاريبي للمساعدة في النضال من أجل مصالح الإمبراطورية البريطانية.
ومع بداية القرن العشرين، أصبح استقدام الجنود من هذه المناطق يتم بشكل روتيني، للمساعدة في دعم المصالح البريطانية في الحرب العالمية الأولى.
ومع الرغم من الدور الذي قدموه للإمبراطورية البريطانية ، إلا أنهم ظلوا غير مرغوب فيهم، ولا يقدم لهم خدمة متميزة مثل التي تقدم للنموذج الأصلي الأبيض للوطنية البريطانية، كما أنه لم يتم ذكر الجنود السود عند تدريس المناهج الدراسية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية استقدمت بريطانيا ما يقرب من 10 آلاف جندي من منطقة البحر الكاريبي، وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء.
وبعد انتهاء الحرب وصل عدد من المهاجرين إلى بريطانيا بين عامي 1948-1971 من بلدان الحوض الكاريبي، وأطلق عليهم " جيل الويندراش".
وتعود التسمية إلى سفينة باسم "إمبراطورية ويندراش" التي وصلت إلى مرفأ في مقاطعة إسيكس، شرقي إنجلترا، في 22 يونيو/حزيران 1948 (وهو العام الذي تم تمرير قانون الجنسية البريطانية فيه) وتحمل مهاجرين من جامايكا و ترينيداد وتوباغو وجزر أخرى كاستجابة لنقص اليد العاملة في المملكة المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، وحملت السفينة آنذاك مئات الركاب، معظمهم من الأطفال.
غير أن عدم الارتياح وكراهية الآخرين لأنهم أجانب أو غرباء (الإكزينوفوبيا)، ملخص لدوافع السلوكيات والقرارات المتخذة عادة في بريطانيا، التي كانت في السابق بلدا أم تخضع لسلطتها مستعمرات عالمية تجمع ربع مساحة الأرض.
تصريحات قاتلة
لم يكن وضع الهجرة قضية مهمة بالنسبة لمواطني الكومنولث حتى السنوات الأخيرة، لكن ولكون العديد منهم هاجروا مع أسرهم كأطفال، فقد جاء بعضهم إلى البلاد بوثائق ذويهم ولم يتقدموا بشكل رسمي للحصول على الجنسية البريطانية أو لاستخراج جواز سفر بريطاني.
وقد أعطى قانون الهجرة لعام 1971 إجازة لإقامة غير محددة الأجل لمواطني الكومنولث الذين يعيشون بالفعل في المملكة المتحدة.
ومع ذلك فلم تسجل وزارة الداخلية تفاصيل أي فرد من هؤلاء، لذلك من الصعوبة الآن بالنسبة لأولئك الذين لم يحصلوا على وثائق في ذلك الوقت، أن يثبتوا الآن أنهم هنا بوضع قانوني.
بينما تعتبر آمبر راد بأنها تتمتع بآراء ليبرالية ومرنة فيما يتعلق بشؤون الهجرة أكثر ممن سبقوها، لكن خطابا نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الأحد (29 أبريل/نيسان)، كانت قد أرسلته لماي، كشف عن اقتراحات لها لتشديد إجراءات الهجرة واعتزامها ترحيل 10 في المئة من المهاجرين غير الشرعيين، كشف عن سياسة غير معلنة أمام أعضاء مجلس العموم وهو ما دفع الكثيرين، ومن بينهم أعضاء بارزون في حزب المحافظين، باتهامها بتضليهلم.
في الوقت نفسه وصف النائب العمالي ديفيد لامي، رئيس "المجموعة البرلمانية حول العرق والمجتمع" الأزمة بأنها "غير أخلاقية ولا إنسانية". وأضاف: "لقد دعت حكومتنا جيل ويندراش إلى بريطانيا كمواطنين لإعادة بناء بلادنا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ويجب على تيريزا ماي أن تمنحهم الحقوق التي يستحقونها كما على الحكومة الإجابة عن أسئلة جدية حول كيفية حدوث ذلك أمام عينيها".
ولذا أعرب خبراء دوليون فى مجال حقوق الإنسان عن قلقهم إزاء ما وصفوه بالعنصرية المتجذرة فى نسيج المجتمع البريطاني، مشيرين إلى وفاة أعداد بنسب متفاوتة من أشخاص من أصل إفريقي وأقليات أخرى بسبب الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن البريطاني.
رغم الاعتذارات من وزيرة الداخلية المستقيلة ورئيسة الوزراء ورغم التأكيدات من قبل الحكومة على حصانة حقوق جيل ويندراش، إلا أن الأزمة كشفت عن جذور عنصرية لدى البريطانيين لدى الأقليات الموجودة على أراضيها، خاصة السود.