فضيحة تجنيس الفلسطينيين في لبنان
بقلم : فادي شامية
يمكن أن نطلق بارتياح بالغ صفة "الفضيحة" على تعامل السلطة والمعارضة المسيحية مع ملف تجنيس الفلسطينيين في لبنان، فالسلطة من جهتها انتهكت القانون ومررت المخالفات لغايات سياسية، بينما تعاملت المعارضة المسيحية بعنصرية وطائفية مفرطة مع الموضوع .
في حزيران من العام 1994 صدر مرسوم التجنيس، ويومها قيل إن التحضير له قد أحيط بسرية تامة إلى أن زف خبره رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري في مجلس النواب،وقد استند المرسوم إلى أحقية شريحة كبيرة من الناس في نيلها الجنسية اللبنانية - أهالي القرى السبع اللبنانية - وهو أمر صحيح لا يماري فيه إلا متعصب، لكن الرابطة المارونية آنذاك تحركت على أساس أن الدستور اللبناني يمنع التوطين معتبرة أن أكثر هؤلاء ليسوا لبنانيين، إضافة إلى كشفها لحالات غش طاولت عددا من الملفات، وأن الموضوع برمته يدخل في إطار التوظيف السياسي الإنتخابي، وقد تأكدت هذه المخاوف أثناء إنتخابات العام 96 والعام 2000 النيابية لدى مشاهدة الحافلات التي تحمل آلاف المجنسين إلى دوائر إنتخابية ليصوتوا لصالح رموز معروفة في السلطة. لكن وزارة الداخلية كانت تؤكد باستمرار على صحة المرسوم وخلوه من الشوائب وأن هؤلاء المجنسين قد صاروا لبنانيين لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وبالتالي ظل الطعن الذي تقدمت به الرابطة المارونية نائما في أدراج مجلس شورى الدولة.
أعاد مجلس الوزراء في العام الماضي الحياة للطعن الموجه للمرسوم بضغط من المعارضة المسيحية عندما وجه وزير العدل السابق سمير الجسر رسالة إلى مجلس شورى الدولة يطالبه فيها بالإسراع بالبت بالطعن، بعدما أثير الموضوع في مجلس الوزراء، فرفع مجلس الشورى مراجعة الطعن إلى مجلس القضايا - أعلى مرجعية في القرار الإداري- ، وقد كان أمام هذا المجلس واحدا من ثلاثة خيارات :
- - الإبطال الكلي للمرسوم نظرا لوفرة الشوائب فيه.
- - إبطال جنسية من توفرت بحقهم الشوائب قضائيا من خلال المجلس ذاته أو من خلال لجنة قضائية مستقلة تدرس الملفات كافة.
- - إحالة المرسوم إلى وزارة الداخلية للتحقيق في كل ملف على حدة ونزع الجنسية ممن لا يستحقها.
وقد اعتمد المجلس الخيار الأخير بالإجماع معتبرا أن " مراسيم منح الجنسية تخضع لرقابة مجلس شورى الدولة عندما يثار النزاع لديه حول مدى احترام هذه المراسيم للشروط الواجب توفرها لدى منح الجنسية أي مدى تقيد هذه المراسيم بمبدأ الشرعية" ، وقد كرس القرار مبدأً إداريا استعاره المجلس من الفقه الفرنسي إستنادا إلى سابقة قانونية قديمة، ويقوم هذا المبدأ على أساس التعاون بين القضاء والإدارة بدلا من الفصل التام، بحيث أتاح هذا الإجتهاد إحالة الملفات إلى نفس الجهة التي أصدرت القرارات المشكو منها.
وبالمحصلة فإن هذا المبدأ أدخل مجلس الشورى في تجربة مماثلة لتجربة المجلس الدستوري صيف عام 1996 عندما أبطل قانون الإنتخاب آنذاك لكنه قدّم المخرج القانوني للدولة عبر وضعه معايير للإستثناء مكنت السلطة من إعادة صياغة قانون إنتخابي محصن من الطعن بدستوريته، وهذا ما فعلته وزارة الداخلية قبل أيام بعدما شكلت لجنة لدراسة آلاف الملفات تضم ممثلا عن مصلحة الأحوال الشخصية وممثلا عن كل جهاز من الأجهزة الأمنية الأربعة: مخابرات الجيش والأمن العام وأمن الدولة والأمن الداخلي.
ملف التجنيس ملف سياسي بامتياز منذ ولادته وحتى البت بالطعن به، صحيح أنه يستند إلى مرتكزات قانونية وأخرى تتعلق بالعدالة، إلا أن هذا الأمر لا يحصنه من الدخول في "بازار" السياسة المحلية اللبنانية.
من حيث الأصل كل اللبنانيين والفلسطينيين يرفضون مبدأ التوطين لارتباطه بمبدأ حق العودة، لكن قسما من اللبنانيين يضيفون سببا آخر يتعلق بالتوازن الطائفي في لبنان ما يجعل هؤلاء مستعدين لرفض منح الجنسية ولو تعذر عودة الفلسطيني إلى بلده واضطر إلى الهجرة إلى أقاصي الدنيا، بل إنهم يرفضون منح الجنسية للكثيرين ممن يحملون بطاقات الإعاشة عام 48 رغم أنهم لبنانيون- القرى السبع - ولهذا السبب كانت الجهة الطاعنة بالمرسوم مارونية بامتياز، ولأن الموضوع تحمله المعارضة المسيحية وعلى رأسها البطريرك صفير منذ مدة، فقد أرادت السلطة في الآونة الأخيرة تغيير موقفها من مرسوم التجنيس ليكون في ذلك رسالة لإعادة ما انقطع مع هذا الشارع ، وقد يتعلق الأمر بالسعي وراء التجديد للعهد.
إن عنوان المواطنة في أي بلد من بلاد الدنيا هو حمل الجنسية، لذلك فإن نزع الجنسية عن أي إنسان يعتبر جريمة تحذر منها أكثر الدساتير بل ترفضها كعقاب لأعتى المجرمين، فكيف هي الحال إذا كان نزع الجنسية يأتي بعد تسع سنوات من منحها، وأكثر من منحها مستحق لها وقد قاسى كثيرا للحصول عليها فاعتبرها جزءا من إنصافه بعد أن منحته الدولة جنسية "قيد الدرس" لعشرات السنين، أفبعدما نال الجنسية ورتب حياته على هذا الأساس تقوم السلطة بالتلاعب بمصيره ونزع الجنسية عنه!، وإذا كانت ثمة بيانات كاذبة أدت إلى حصول بعض الفلسطينيين ممن هم ليسوا من أبناء القرى الحدودية السبع على الجنسية، فلماذا انتظرت السلطات الإدارية والقضائية كل هذه المدة؟، ثم كيف يمكن أن نجعل وزارة الداخلية - وهي الجهة التي مررت المخالفات - الخصم والحكم في آن واحد ؟ البعض يتحدث عن توطين بلهجة عنصرية فهل هذا المرسوم هو الوحيد الذي شابته شوائب فادحة؟ أم أن الكثيرين ممن لا يستحقون الجنسية اللبنانية من غير الفلسطينيين ومن غير المسلمين قد نالوا الجنسية ولم ينبس أحد ببنت شفه؟ علما أن جميع اللبنانيين يتذكرون أن الرئيس السابق الياس الهراوي قد طار في السابق إلى القارة الاميركية عارضا الجنسية اللبنانية على أناس انقطعت صلتهم بالوطن منذ زمن بعيد ، فقط لكي يعيد التوازن الطائفي للمجنسين.!!
إن وجود عمليات تزوير وغش يعني وجود أعمال يجرمها القانون الجزائي ما يعني أنه ينبغي ألا يفلت أي موظف أو سمسار أو مختار أو مدير عام أو وزير أو سياسي من العقاب، اقله العقاب التأديبي ضمن السلك الخاص به، فهل سيدين هؤلاء أنفسهم؟ وما هي مسؤولية الوزير المعني ورئاسة الوزراء إذاك ؟ كما أن نزع الجنسية عن الآلاف كما صرح وزير داخليتنا الياس المر يعني أن هذا الإجراء يجب أن يصاحبه توضيح عن مصير نيابات قامت على أساس أصوات هؤلاء ! كما ينبغي أن يصاحبه اجتهاد قانوني حول ما اكتسبه هؤلاء الناس على أساس أنهم لبنانيون في ظل قانون يمنع على الفلسطيني في لبنان أن يتملك عقاريا بالتداول أو بالتوارث، فهل ما بني على باطل - وهو اكتساب الجنسية - يعتبر باطلا أم ماذا ؟
إن هذا الموضوع يكشف إلى أي حد يتجه البعض في لبنان نحو العنصرية بعد أن أصابتهم آفة الطائفية، كما يعطي فكرة عن أوجه صرف النفوذ لتحقيق غايات سياسية ولو أدى ذلك إلى تدمير حياة الآخرين، ولا شك أن كل ذلك سوف يزيد من حالات التمرد والتوجه نحو العنف المذموم الذي نعاني منه في لبنان حاليا
المصدر
- مقال:فضيحة تجنيس الفلسطينيين في لبنانموقع:الشبكة الدعوية